أحدث المقالات

 الإنسان كرمه الله وجعله في مرتبة متقدمة على سائر المخلوقات وليس له أفضلية عليها إلا بالعقل والقدرة على الاختيار فقدرته على التميز والتفكير لتغير واقعه والرقي به هي ما جعلت منه كائن راقي يخطئ ويصيب فهو ليس ملاك منزه أو شيطان منبوذ ولكنه خليط من هذا وذاك ففي داخل كل منا الجانب المظلم يصارع الجزء المنير فإذا انتصر الجانب الخير انجذب الإنسان إلى الناحية الملائكية وإذا انحدر في درك الظلام طفا الجانب الشيطاني وعلى كل منا أن يختار إلى أي جانب يرغب أن يكون إنسان أم بهائمي 

ليس من العيب استخدام التكنولوجيا وتعلمها وتعليمها إلى أبنائنا وبناتنا وعلى العكس من ذلك إن ديننا الإسلامي يحثنا  على الرقي والتطور والعلم وتقديرا للعلم جعله الرسول (صلعم) افتداء للنفس في غزوة بدر من الأسر على أن يعلم كل أسير عشرة من المسلمين ولم يجعل الإسلام العلم  حكر على النوع وان أكثر ما يلفت انتباهي في مواعظ الخطباء ودروس العلم التي نسمعها في المساجد هو مهاجمة نفر غير قليل منهم للتكنولوجيا وحث الإباء وأولياء الأمور على الحد منها في بيوت المسلمين ظنا منهم أنهم بذلك يتقون شرورها .
 أوجه سؤال لأصحاب هذا الرأي كيف يمكن أن يستطيع احد منع أبنائه أو رعيته من تجربة هذه التكنولوجيا والتي أصبحت متوفرة في كل بيت ومدرسة وشارع ويد أليس الأجدر أن نعين أبنائنا على كيفية استخدامها وتحويلها إلى أداة نافعة في المجتمع للفرد و الجماعة تساند بنائه دون أن تكون معول في تكسير ثقافته وموروثه الأخلاقي فان ما نحاول حجبه عن أبنائنا أصبح متوفر لهم في كل مكان فالأصلح أن نعينهم على كيفية استخدامه ولا نمنعهم فالممنوع مرغوب .
 ولكن عندما تتحول التكنولوجيا إلى لعنة تستخدم من عدة أطراف مخربة وأنفس ضعيفة وعقول سفيهة من اجل النيل من كل ما هو مقدس في حياتنا وتكسير كافة المثل التي تربينا عليها  وتتخطى حدود الأخلاق والقيم المجتمعية فهل هذا يعني أن نتخلى عن هذه التكنولوجيا ونتركها إلى المخربين والسفهاء لتشويه قيمنا ومعتقداتنا والعبث في عقول شبابنا وشاباتنا باسم التحرر والتغير والتحديث والتمدن .
 استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي إحداث طفرة وتحريك جامد منذ عشرات السنين في منطقة الشرق الأوسط وتمكنت من انجاز ما عجز عنه عشرات من أحزاب المعارضة وكتاب الرأي والمفكرين في المنطقة فهي كانت المحرك الظاهري للثورات في عدة بلدان عربية أو كما بدا في حينه الأداة التي استخدمت لتشكيل حالة جمعية بنيت عليها التحرك الفعلي للثورات والتي قد نتفق أو نختلف على ما أنتجته هذه الثورات من واقع جديد في منطقتنا العربية  .

السؤال الذي يدور في ذهني الآن لماذا لم تستخدم هذه الأدوات في موطنها الأصلي لإحداث تغيير سياسي أو اجتماعي فنحن لم نخترع مواقع التواصل الاجتماعي ولكننا مستخدمين لها ومع ذلك استطاعت هذه المواقع إن تكون أداة من أدوات التغير في أوطاننا قد يكون تغيير ايجابي أو سلبي ولكنها كانت إحدى أدوات التغيير فهي بالمناسبة لم تكن الأداة الوحيدة ولكنها كانت من الأدوات الأهم .

لم أجد إجابة على سؤالي  لأرضي بها عقلي إلا أن من اخترع هذه النوافذ المفتوحة على العالم يدرك جيدا الغرض منها و أفراد مجتمعه لديهم من الوعي الحضاري والثقافي والانتماء لبلدانهم ما يجعلهم يدققون جيدا في كل ثقافة وافدة و هناك خلف هذه النوافذ من يوجهها لما تخدم غاياته وأهدافه الذاتية ومن يظن أن هذه النوافذ هي عفوية وكل ما يطلق عبرها هو نابع عن تعبير شخصي لأصحاب هذه النوافذ فهو واهم فهناك آلاف العقول التي تدير هذه الشبكة المعقدة من النوافذ المترابطة وتوجهها إلى غايات مدروسة سلفا .

وإلا لم استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي خلق أو تسهيل حالة ثورة ولكنها لم تنجح في احتواء هذه الثورة وتوجيهها لخدمة المجتمع الذي نشأت فيه ومازالت تستخدم لزيادة الشقاق والانقسام وتحديدا في مجتمعات الشرق الأوسط وحتى نضيق مساحة التساؤلات وحدود الاستفهام نعود إلى فلسطين واستخدامات مواقع التواصل الاجتماعي التي انتشرت فيها بشكل لافت في السنوات الأخيرة فكيف نقيم مستخدمينا لهذه المواقع ؟؟؟.

نسبة عالية من أبناء شعبنا تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي من كافة الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية لغايات وأهداف متعددة منها الترفيه والخروج عن الواقع ومنها على خلفيات حزبية ومنها لأهداف دعائية خاصة أو عامة وفي الغالب لا يغيب الواقع الفلسطيني عن صفحات هؤلاء المستخدمين فنجد حالة الانقسام ونجد التعصب الحزبي ونجد مشكلاتنا الاقتصادية والاجتماعية على صفحات المستخدم الفلسطيني وهناك صفحات قيمة تعكس هذا الواقع بوعي وفكر منظم و أخرى تعكس طباع وخلفيات المستخدم الاجتماعية والثقافية صفحات نفخر بها وأخرى نستنكرها .

عزيزي الفيسبوكي أو المغرد على مواقع التواصل الاجتماعي أي كان هدفك من صفحتك التي تستخدمها تذكر أن هذه الصفحة تعكس صورة عن بلدك وتعطي انطباع عن منطقتك فلا تكن على مواقع التواصل الاجتماعي كريشة تطيرها الرياح تلعب بها وتوجهها كيفما تشاء ولكن كن صخرة مزروعة في الأرض ثابتة على المبدأ والأخلاق منتج بناء ولا تستخدم لهدم مجتمعك ووطنك .

إن أكثر ما يؤخذ على صفحات التواصل الاجتماعي أنها تهدم المروءة والشهامة وطبعا نحن لا نعمم وكذلك تولد حالة من الانعزالية والجبن لدى الكثيرين من المستخدمين وتزيد هذه الحالة في أصحاب الصفحات التي تستخدم الأسماء الوهمية ممن لا يستطيعوا مواجهة مجتمعهم بإرادتهم إما لعدم إيمانهم بالقضايا والأفكار التي ينتجوها أو يحاولوا تعميمها ولذلك يتخفوا وراء الأسماء المستعارة أو لعدم صواب هذه الأفكار وقناعة كاتبها بذلك وفي كلا الحالتين تظل هذه الأفكار مشوهة ومنبوذة لا تجتذب إلا أصحاب الوعي المتدني ولكنها تشكل خطر يتراكم على المجتمع ولو بعد حين أو كنتيجة حتمية لغياب مساحة التعبير .

وهناك ظاهرة أخرى وهي ظاهرة التشهير وثقافة الافتراء التي تستخدمها عدد من الجهات المشبوهة فيما تحمل من أفكار ومفاهيم وأسوء ما طرأ على مجتمعنا المحافظ والمتعلق بقيمه وأخلاقه هي ظاهرة التعرض للأشخاص في ذواتهم وأعراضهم وأسرهم لتصفية خلافات شخصية أو على خلفيات حزبية .

باعتقادي أننا جميعا نتحمل المسئولية الأخلاقية والدينية عن مثل هذه الظواهر السلبية التي تحتويها ,على المستوى الرسمي الحكومي والحزبي والمجتمعي وحتى الشعبي والشخصي فان ما يدفع الشباب للهروب إلى مجتمع التواصل الاجتماعي للتعبير عن ذاته بداية هي حالة الفراغ  أم كل المصائب ونضيف إليها غياب مساحة الحرية في التعبير عن الذات دون أن يكون خائف من العواقب فإذا كان هناك مساحة لفتح باب النقد الموضوعي وتقبله على المستوى الرسمي وزرع عقيدة فهم جديدة بان الناقد للنظام أو المكون المجتمعي هو إنسان منتمي ووطني وليس معادي لهذا المكون سنزيل جزء كبير من المشكلة .

وكذلك علينا يقع نفس الدور كأسر في  تربية أبنائنا على إبداء الرأي وعدم قمعهم وتخويفهم من إبداء أرائهم مع تعديل المشوه فيه وتأسيسهم على ما يتوافق مع عاداتنا وتقاليدنا والاهم عقيدتنا لن يجبن هذا الطفل عن توجيه مجتمعه في المستقبل فان الرأي المعلن أفضل ألف مرة من الرغبة المكبوتة التي قد تنفجر في اتجاهات قد لا يستطيع المجتمع معالجتها .

وفي النهاية علينا كمستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي الارتقاء بأنفسنا ومشتركينا وأصدقائنا من خلال عدم المشاركة مع الهابط من الفكر وإبداء الرأي الواضح فيما يحتاج إلى تعديل وعدم مجاملة احد فيما يشوه تاريخنا ونضالنا ومعتقداتنا الاجتماعية والفكرية والتصدي لمن يشوه معتقداتنا الدينية ولجم المتطاولين على الأعراض والذوات وان يكون النقد مبني على أساس موضوعي وليس شخصي دعونا نستعيد المروءة المفقودة عندما كان يقوم الصغير ليجلس الكبير ويقبل الكبير رأس الصغير وتستر عورات المسلمين عندما كانت الجارة أخت وزوجة الصديق هي زوجة الأخ والمدرس والد .

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً