أحدث المقالات

دراسة فقهيّة في ظاهرة ارتفاع المهور

د. علي رضا باريكلو(*)

ترجمة: الشيخ علي محسن

مقدمة

طبقاً لمبادئ الحقوق في الإسلام فإنّ إعطاء المهر يعدّ واحداً من جملة التعهّدات والالتزامات التي يتعيّن على الزوج أن يلتزم بها تجاه الزوجة. وبالرغم من أنّ المهر لا يزال أمراً لائقاً ومقبولاً فإن البُعد عن الواقعيّة في نظرة الزوجين، بل والعرف عامّةً، إلى هذا الأصل الحقوقيّ يؤدّي إلى بروز مشاكل تترك أثرها على الزوجين، وبالتالي على المجتمع ككلّ. فعلى سبيل المثال: ذكرت وسائل الإعلام بتاريخ 10/ 9/ 1387 القصّة التالية، وهي: إنّ إحدى الزوجات، وبعد انقضاء أسبوع على انعقاد زواجها، طالبت بمهرها البالغ 124000 سكة ذهبيّة، ممّا دفع بالزوج الفاقد للقدرة على السداد إلى الاختباء والتواري عن الأنظار؛ لأنّ الرؤية القضائيّة المستـندة إلى المادّتين 3 و4 من قانون الإجراءات الماليّة، الذي تمّ إقراره عام 1377، تجعل الحبس والسجن ضمانةً بإزاء عدم دفع المهر وأدائه. علماً أنّ حبس الزوج؛ لعدم تمكّنه من دفع المهر، لا يمكن أن يكون منسجماً مع الفلسفة الاجتماعيّة التي كانت وراء تأسيس أو إمضاء مبدأ المهر؛ إذ ممّا لا شكّ فيه أنّ هدف الإسلام من تأسيس هذا المبدأ المذكور إنّما هو تقوية وتوطيد أواصر المحبّة والرحمة بين الزوجين، وهذا ما تمّت الإشارة إليه في الروايات الواردة، التي أكّدت على أنّ الهدايا والهبات توجب استحكام علاقات المحبّة وتعميق الروابط الاجتماعيّة، والحال أنّ المهور المرتفعة ـ إلى جانب كونها تؤدّي إلى تفكّك الأسرة وانحلالها ـ تؤدّي إلى ضياع الزوج وانحرافه؛ إذ إن شخصيّة وعزّة الرجل الذي يُزجّ به في السجن لمجرّد عجزه عن سداد المهر تتعرّض ـ من ناحية اجتماعيّة ـ للاهتزاز والضرر، وبعد خروجه من السجن لن تكون له المناعة التي تؤهّله لمقاومة الجريمة وتجنّب ارتكابها، ومن الطبيعيّ أنّ إحساسه بفقد العزّة وتشوّه السمعة سوف يشكّل دافعاً له نحو ارتكاب جرائم أُخرى.

أضِفْ إلى ذلك أنّه قد تجمعه في داخل السجن علاقات صداقة مع مجرمين محترفين، وهي علاقات من شأنها أن تحوّله إلى مجرم محترف، بعد أن لم يكن كذلك قبل دخول السجن. ومن جهة أُخرى فإنّ الحكم على شخص بلزوم دفع 124 ألفاً من السكك الذهبيّة، مع عدم تمكّنه من ذلك ولو عاش أجيالاً متمادية، لا يمكن أن يكون أمراً مبرَّراً وعقلائيّاً.

فالذي لا بدّ من الجواب عنه هنا هو هل أنّ الإسلام قام بتحديد المهر بمقدار معيّن، بحيث لا يمكن ـ من ناحية قانونيّة ـ تجاوز هذا المقدار المحدّد أو لا؟ وهل يمكن أن تُعدّ المهور المتداولة في مجتمعنا الحاليّ صحيحة أو لا؟ وفي نهاية المطاف: لا بدّ أن نتعرّف على الطريقة التي يمكن من خلالها جعل مقدار المهر أمراً واقعيّاً ومقبولاً، والحؤول دون التوافق على مهر مرتفع أو خياليّ، وهو ما يستدعي ـ قبل بلوغ مرحلة الدفع ـ أن نتعرّف أوّلاً على حقيقة المهر ومكانته ودوره وفقاً للنظرة الحقوقيّة في الإسلام. وهذا هو المحور الذي يقع البحث عنه في مقالتـنا هذه، أعني: بيان حقيقة المهر، ومكانته، ومقداره، والسبل التي تحول دون اتّفاق الزوجين على تسمية مهر مرتفع وخياليّ.

1ـ مكانة المهر

ما هو دور المهر في النكاح؟ وما هو الغرض من أصل إدراج المهر في النكاح؟

وُجد في الجواب عن هذا السؤال نظريّات ثلاث، يؤدّي التفاوت الشاسع في ما بينها إلى وجود المهور الوهميّة والخياليّة؛ إذ نجد من يستـند إلى بعض هذه النظريّات فيُقدم على القبول بمقدارٍ مرتفعٍ جدّاً من المهر، مع عدم تمكّنه من تحصيله واكتسابه ولو بذل كلّ عمره في هذا السبيل.

وفي ما يلي نتعرّض بالدراسة والتحليل لهذه النظريّات الثلاث تباعاً:

أـ المهر عوض

إحدى النظريّات المطروحة في بيان موقعيّة المهر ومكانته أنّ الصداق عبارة عن عوض البضع والاستمتاع الذي يحصل عليه الزوج من الزوجة. وبناءً على هذه النظريّة يكون المهر عوضاً للاستمتاع الذي يحصل عليه الزوج من الزوجة، فكلّما كان المهر أكبر كان أفضل وأليق بشأن المرأة. وتـنسب هذه النظريّة إلى ذلك الفريق من الفقهاء الذين أوردوا في كتبهم ومتونهم الفقهيّة عباراتٍ وألفاظاً تُعطي هذا المضمون في ما يتعلّق بمسألة المهر.

فمن ذلك مثلاً: ما ذكره بعضهم ـ في مقام توجيه الروايات التي دلّت على حقّ المرأة في الامتـناع عن الدخول قبل قبض المهر، ولزوم كون الإقباض قبله ـ من أنّ للزوجة الامتـناع عن الدخول قبل قبض المهر؛ لأنّ الوطء والمهر بمنزلة العوضين، لصاحب أحدهما الامتـناع حتى يقبض الآخر، ولا يُجبر أحدهما على التسليم قبل الآخر([1]). وعلّله بعضهم في هذا المقام بقوله: لأنّه عوض البضع المملوك بالعقد([2])، أو بقوله: لأنّ النكاح معاوضة([3]). كما نستطيع أن نجد مثل هذا التعابير في فقه العامّة أيضاً، كقول بعضهم في تعليل الحكم المذكور: لأنّه معاوضة([4]).

ورغم كثرة هذه التعابير الواردة في مقام توجيه ما دلّ من الروايات على حقّ الزوجة في الامتـناع في المتون الفقهيّة، تجدر الإشارة إلى أنّ هناك قسماً كبيراً من التعابير التي يظهر منها عدم الموافقة على أنّ دور المهر هو أن يكون عوضاً، وأنّه ـ بالتالي ـ لا تترتّب عليه أحكام العوض.

فعلى سبيل المثال: يرى بعضهم أنّ عدم تعيين المهر في النكاح، أو الاتّفاق بين الزوجين على عدم ثبوت المهر للزوجة، لا يوجب بطلان عقد النكاح، وإنّما الفائدة من تعيين المهر أنّه يوجب تشخيص حقّ الزوجة من حيث الجنس والوصف والمقدار([5]). وهذه النظريّة إجماعيّة في الفقه؛ إذ ليس في الفقهاء من يعتقد بلزوم تعيين المهر في صحّة النكاح الدائم([6])، علماً أنّهم في باب المعاوضات، كالبيع مثلاً، ذهبوا إلى لزوم تعيين العوض، وقالوا ببطلان البيع دون تعيينه([7]). أضف إلى ذلك أنّ نفس أصحاب هذه النظرة يصرّحون بأنّ مقتضى القاعدة في المهر هو كون ضمانه ضمان يدٍ، لا ضمان معاوضة([8])، مع أنّ كون المهر عوضاً عن البضع يستلزم أن يكون ضمان الزوج إيّاه من قبيل ضمان المعاوضة.

ورغم أنّ بعضهم ـ على أثر التوجيهات التي ذكرها الفقهاء في مسألة حقّ امتـناع الزوجة قبل قبض المهر ـ ذهب إلى القول بأنّ عقد النكاح هو في حكم سائر العقود المعاوضيّة؛ بلحاظ المهر ومدخليّته فيه، فالمهر من زاوية علم الحقوق له دور فرعيّ بالنسبة إلى النكاح، كما أنّ العوض كذلك بالنسبة إلى العقود المعاوضيّة([9])، بل نُسبت هذه النظريّة إلى أكثر الفقهاء([10]).

إلاّ أنّ هذه النظريّة لا منشأ لها سوى التأثّر ببعض الكلمات الواردة عن الفقهاء في معرض توجيههم للروايات الدالّة على حقّ الزوجة بالامتـناع عن تمكين الزوج من نفسها في صورة عدم دفع الزوج المهر لها، وإلاّ فإن ما تقتضيه قواعد الحقوق اختلاف نسبة المهر إلى البضع والاستمتاع عن نسبة العوض إلى المعوّض؛ إذ في باب العوض والمعوّض لو تلف العوض لأدّى تلفه إلى انفساخ العقد، بينما نجد في باب المهر، أنّه لو تلف قبل الإقباض لوجب على الزوج أن يدفع مثل المهر التالف أو قيمته. وعند انفساخ العقد المعاوضيّ وانحلاله يجب على كلّ واحدٍ من الطرفين أن يدفع ما بيده من العوض أو المعوّض إلى مالكه الأصليّ الذي كان على ملكه قبل إجراء العقد، بينما لو أبطل النكاح بإيقاع الطلاق قبل مقاربة الزوجة لا يجب على الزوجة أن تُرجع إليه إلاّ نصف ما كانت أخذته من المهر.

أضف إلى ذلك أنّنا لو قمنا بإلقاء نظرة جامعة وكاملة على تمام النظريّات الفقهيّة في شأن المهر ومدخليّته في النكاح الدائم، ولو عند واحد من الفقهاء فحسب، فسنجد من المسلّم به فقهيّاً أنّ المهر لا يُنظَر إليه بوصفه عوضاً عن الزوجة نفسها، أو عن الاستمتاع بها، بل غاية ما في الأمر أنّ بعضهم استـند إلى ذلك عند توجيه بعض الروايات التي تُثبت للمرأة الحقّ في الحبس والامتـناع عن التمكين؛ مع أنّ هذا الاستـناد لا يصلح لتوجيه هذه الروايات الواردة؛ إذ إنّ المهر هديّة يجب على الزوج ـ بحكم من الله تعالى ـ تقديمها لزوجته.

وفي باب الهبة قامت سيرة الشارع والمقنّن الإسلاميّ على اعتبار قبض المال الموهوب شرطاً في صحّة العقد، ولكنّه في باب المهر، الذي هو نحو من الهبة القانونيّة، لم يجعل قبض المهر وتسلّمه شرطاً في صحّة العقد؛ وذلك تسهيلاً منه لانعقاد الزواج والنكاح، مكتفياً في ذلك بجعل المهر على ذمّة الزوج، إلاّ أنّه؛ ولحماية الزوجة وضمان حقّها، جعل لها الخيار بأن تطالب الزوج بدفع المهر قبل مشاركته الحياة الزوجيّة، وهو ـ أي هذا الخيار ـ ما يُعَبَّر عنه في الفقه بـ حقّ الحبس، علماً أنّ النكاح هو من العقود التعهّديّة، لا التمليكيّة. ومن ناحية أُخرى فالنكاح عقد موضوعه العمل؛ لأنّ موضوع هذا العقد إنّما هو جعل حياة الزوجين مشتركة، وفي العقود العمليّة يستحقّ العامل ـ باتّفاق الفقهاء ـ العوض على عمله عند أدائه له وقيامه به([11])، ولكن لو فُرِض في النكاح عدم حصول توافق عند الخلاف فللزوجة أن تطالب باستلام مهرها فوراً بعد وقوع العقد.

وعلى هذا الأساس نرى أنّ من غير الممكن تعيين ماهيّة المهر وحقيقة دوره إلاّ بعد أخذ نظريّة الفقه والحقوق في الإسلام، بجميع ما تتضمّنه هذه النظريّة من الأحكام والشروط والخطابات المرتبطة. ولو تـناولنا بالدراسة والتحليل مسألة المهر من الزاوية المذكورة لوجدنا أنّ المهر في المنظومة الحقوقيّة الإسلاميّة لا يترتّب عليه شيء من الشرائط والأحكام التي تترتّب على العوض، بل غاية ما هناك أنّ الروايات الواردة أعطت الزوجة الخيار في أن تطالب لنفسها بالمهر قبل مباشرتها للحياة الزوجيّة المشتركة، وهو ما اشتهر التعبير عنه ـ كما تقدّم ـ بـ حقّ الحبس.

والذي يبدو لنا أنّ منشأ هذا الحكم هو مقتضيات الهبة والتمليكات المجّانيّة في حقوق الإسلام، وليس له ربط أصلاً بكون المهر عوضاً في عقد النكاح.

ب ـ المهر وثيقة للنكاح

تقضي هذه النظريّة بأنّ الغرض من إقرار المهر هو منع الزوج من هجران الزوجة وطلاقها، فالمهر هو ما يربط الرجل ويُلزمه بحفظ الأُسرة، ويحول دون تفكّكها وضياعها.

وبناءً على هذه النظريّة فإنّ حقّ المطالبة لا يثبت للزوجة بمجرّد حصول العقد، وإنّما هو وسيلة لضمان بقاء الأسرة، وعدم انفصال الزوج عن زوجته انفصالاً اعتباطيّاً. وفي صورة حصول الانفصال يمكن للزوجة الاعتماد على المهر في حماية نفسها. فهي بمطالبتها للزوج بدفع المهر يمكن أن تمنعه من التصرّف معها بإجحاف، والانفصال عنها اعتباطاً؛ لعجزه عن الدفع والسداد، وقد ورد في المادّة الأولى من قانون إصلاح المقرّرات المرتبطة بالطلاق أنّ صحّة تقدّم الزوج بطلب الطلاق منوطة بدفعه كافّة الحقوق الماليّة للزوجة، ومن جملتها: المهر. كما ورد في التبصرة رقم 3: «أنّ إجراء صيغة الطلاق وتثبيتها في السجلاّت الرسميّة موقوف على تأدية الحقوق الشرعيّة والقانونيّة للزوجة (أعمّ من المهر والنفقة وجهاز العروس وغير ذلك..) بصورة نقديّة».

وطبقاً لهذه النظريّة أيضاً كلّما ارتفعت قيمة المهر وعلا مقداره كان ذلك أفضل وأصلح للمرأة؛ لأنّ ارتفاع قيمة المهر يُفقد الرجل القدرة الماليّة على السداد، وبالتالي يجعله يُعرض عن إيقاع الطلاق والانفصال رأساً.

وهذه النظريّة هي النظريّة الرائجة والمتداولة عرفاً. وبإلقاء نظرة علميّة دقيقة على الوضع الراهن نستطيع أن نعثر بين كلّ ثلاثمائة شخص من المثقّفين والمحصّلين على نسبة تتجاوز90% منهم يرون أنّ الهدف الرئيسيّ من مبدأ ارتفاع المهور إنّما هو إيجاد الضمانة للمرأة في زواجها([12]).

وعلى ضوء هذه النظريّة فإن أهل الزوجة يسعون من الناحية العمليّة إلى زيادة مقدار المهر والرفع من قيمته، بالرغم من أنّهم أثناء الاتّفاق على تعيين مقدار لا يضعون فكرة المطالبة بالمهر في بالهم أصلاً، بل يعبّرون عن هذا المعنى بعباراتٍ من قبيل: «لا أتى الله بيومٍ نضطرّ فيه إلى المطالبة بالمهر»، وإنّما هم يطالبون برفع قيمة المهر حمايةً للزوجة، وحرصاً منهم على المنع من وقوع الطلاق بحقّها اعتباطاً وعبثاً.

وكذلك بالنسبة إلى الزوج، فإنّه لدى حضوره في مجلس تعيين المهر والاتّفاق على تعيين مقداره لا ترد إلى ذهنه أصلاً فكرة أن يصل في يوم من الأيّام إلى اللّحظة التي يُضطرّ فيها إلى الوفاء بما تعهّد به من أداء المهر ودفعه، ونراه في هذه اللحظات التي يفيض فيها حبّاً للمرأة التي تعلّق قلبه بها لا يعارض تعيين المهر بذلك المقدار المرتفع، على أساس أنّه لن يبادر إلى طلاق زوجته أبداً، حتى يكون مرغماً على دفع هذا المهر المرتفع، كما تشير إلى هذا عبارة لطيفة تتداولها الألسن عادةً على مائدة العرس والزواج، وهي: «من أعطى؟! ومن أخذ؟! وإنّما هو أمر الله تعالى وسنّة نبيّه»، وبأمثال هذه العبارة يتحوّل هذا التعهّد من عبء ثقيل على الزوج إلى أمر عاطفيّ ومشاعر دافئة.

وبحسب الظاهر فإنّ رواج العمل بهذه النظريّة في أوساط العرف يُعدّ أحد أهمّ الأسباب التي تؤدّي إلى إقدام الناس على تسمية المهور المرتفعة، حتى أنّ بعضهم ـ متأثّراً بهذه النظريّة ـ ذهب إلى أنّ المهر هو العامل الأساسيّ الذي يشكّل ضمانةً لدوام النكاح واستمراره([13]).

ليس هدف الإسلام من إيجاب واعتبار المهر في النكاح إيجاد الضمانة لبقاء الأسرة وعدم تفكّكها، بل إنّ الواقع العمليّ شاهد ـ أيضاً ـ على أنّ غلاء المهور لا يوجب بالضرورة الحفاظ على ثبات الأسرة وحيويّتها؛ إذ بالرغم من أنّ الإحصائيّات الرسميّة للطلاق تُظهر أنّ نسبة تقدّم الأزواج بطلبات الطلاق قد انخفضت كثيراً منذ زمن إقرار قانون المادّة الأولى من قانون إصلاح مقرّرات الطلاق عام 1371، إلاّ أنّه لا يمكن البناء على هذا الإحصاء للحكم على هذه المقرّرات القانونيّة والنظرة العرفيّة بأنّها كانت موفّقة في السيطرة على ظاهرة الطلاق المشؤومة؛ لأنّ الأسرة كيان لا تقوم له قائمة ولا يُكتب له البقاء إلاّ على أساس موازين العشق والتفاهم والتعاون المتبادل بين الزوجين، ولا يمكن لأيّ ضغطٍ، كائناً ما كان، حقوقيّاً أو فيزيائيّاً، أن يقف مانعاً من تفكّك الأسرة وانفراط عقدها. ومن هنا فلو أنّ الزوج ـ لسببٍ أو لآخر ـ لم يكن راغباً في المضيّ بحياته المشتركة مع زوجته تحت سقف واحد فإنّه ـ وبدلاً من اللّجوء إلى المحكمة لتقديم طلبٍ بالطلاق ـ قد يُقدم على التشديد والتضييق على زوجته بشتّى الوسائل والسبل، واختلاق المبرّرات والأعذار الواهية، ليُرغمها في نهاية الأمر على أن تكون هي السبّاقة والمبادرة إلى طلب الطلاق، على أساس قواعد العسر والحرج، أو على أساس ما لديها من الوكالة في الطلاق التي كانت قد أخذتها شرطاً في أصل العقد ومتـنه، الأمر الذي يعني أنّ امتـناع الزوج عن التقدّم إلى المحكمة بطلب الطلاق لا دلالة له أصلاً على أنّ هذه النظريّة لاقت نجاحاً وتوفيقاً، بل لو تسنّى لنا أن نقوم بإجراء دراسات ميدانيّة لعرفنا حينئذٍ أنّ أكثر الحالات التي كانت الزوجة هي المبادرة إلى طلب الطلاق فيها هي حالات تـنشأ عن سلوك سيىء يمارسه الزوج، الذي كان يمتـنع عن التقدّم بطلب الطلاق لأجل الضمانات الإجرائيّة التي كان قد تمّ وضعها مسبقاً تحسّباً من وقوع الطلاق، وأيضاً لأجل المهر المرتفع الذي تمّ الاتّفاق عليه عند إجراء العقد.

ومن هنا نخلص إلى النتيجة التالية: إنه لا يصح حمل كثرة طلبات الطلاق المقدَّمة من جانب الزوجات في السنوات الأخيرة على ثبوت تأثير المهور المرتفعة في الحؤول دون وقوع الطلاق وفي الحرص على استقرار الأسر وثباتها، كما لا يصحّ حمل كثرة طلبات الطلاق من طرف الزوجة على أنّ المرأة أساءت وتسيء الاستفادة من الحماية القانونيّة المعطاة لها.

وبالالتفات إلى ما ذكرناه يتّضح أنّ هذه النظريّة لا تقوم على أساسٍ علميّ صحيح، ولا تتطابق ومقتضيات قواعد الحقوق في الإسلام، وما قدّمته هذه القواعد للزوجة من الدعم والحماية؛ إذ ليس الزوج قادراً في صورة نشوب خلافٍ بينه وبين زوجته أن يهينها وينتقص من عزّتها وكرامتها فحسب، بل إنّه قادر ـ أيضاً ـ على تعريضها لمختلف أنواع الضغوطات، التي ترغمها في نهاية المطاف على المبادرة إلى طلب الطلاق، رغم الكراهة الشديدة التي يتّصف بها الطلاق، طبقاً لمبادئ حقوق الإسلام([14]). ومن هنا كان أمر الطلاق بيد الرجل، حتى إذا لم يكن الزوج راغباً بمتابعة حياتهما المشتركة طلّقها بمنتهى الاحترام والإحسان والتكريم، كما ورد في قوله تعالى في الآية 231 من سورة البقرة: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ}، أو قوله عزّ وجلّ في الآية 49 من سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً}.

ففي الوقت الذي تـنصّ مبادئ حقوق الإسلام على ضرورة أن يتراوح حال الزوجة بين إمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان فإنّ ما نشاهده في أغلب الحالات المتداولة في عرف المجتمع أنّ غلاء المهر وارتفاع قيمته يؤدّي في أكثر الأحيان إلى التضييق والتشديد عليها، لترى نفسها أخيراً مضطرّةً إلى التقدّم بطلب الطلاق، وهذه الظاهرة، أعني التضييق والتشديد عليها لهذا السبب، تتـنافى مع أبسط قواعد الحقوق في الإسلام، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}. (النساء: 19). وهذه الآية الشريفة صريحة في نهي الزوج عن ممارسة الضغوطات على زوجته والتضييق عليها؛ لإرغامها على التـنازل عن مهرها وحقوقها الماليّة، مع أنّه بناءً على النظريّة المذكورة، التي ترى أنّ المهر لا يعدو أن يكون ضمانةً للنكاح، فالزوج ـ عمليّاً ـ يقدم على ممارسة مختلف أنواع الضغوطات على الزوجة لمجرّد عجزه عن تسديد المهر المرتفع المتّفق عليه. وعلى هذا الأساس فهذه النظريّة، وإن كانت تقوم ـ ظاهريّاً ـ على ادّعاء حماية الزوجة وضمان الاستقرار لها في عقد الزواج، إلاّ أنها في صورة بروز الخلاف بين الزوجين، عاجزة ـ عمليّاً وواقعيّاً ـ عن تقديم الحماية للزوجة، بل تجعلها عُرضة لمختلف أنواع الضغط والتهديد، لتلتجئ مرغمةً إلى التقدّم بطلب الطلاق بعد التـنازل عن حقوقها.

ج ـ المهر هديّة شرعيّة

طبقاً لهذه النظريّة فإن المهر ليس عوضاً للزوجة عن البضع والاستمتاع، كما أنّه ليس ضمانة لبقاء النكاح وديمومته، وإنّما هو هديّة يجب على الزوج بحكم من الله تعالى أن يملّكه للزوجة ضمن النكاح؛ لأنّ الهديّة تستجلب الحبّ والمودّة، فمن اللائق والمناسب بحال الرجل الذي يتقدّم لخطبة امرأةٍ ما أن يُظهر رغبته ومودّته وحبّه لها بإهدائها وتقديم هديّةٍ لها. وهذه النظريّة مطابقة لظاهر آيات الكتاب العزيز، كما في قوله تعالى: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (النساء: 4)، فإنّ ظاهر هذه الآية الشريفة أنّ المهر هديّة من الشارع إلى الزوجة، وقد فرض أداءها على الزوج؛ إذ النحلة هي العطيّة والهديّة تُدفع عن طيب نفس([15]).

إذاً المهر ـ وفقاً لنظريّة الحقوق في الإسلام ـ هديّة، ولا يصحّ اعتبار المهر ثمناً يُدفع بإزاء الزوجة، ولا عوضاً للبضع([16])([17]). كما لا يصحّ تصوير المهر وكأنّه مجرّد وسيلة لضمان النكاح واستمراره وبقائه، أو لمجرّد حماية الزوجة في صورة وقوع الطلاق. ولذلك نجد في الفقه الإسلاميّ تكليفاً للزوج بلزوم دفع المهر، والتأكيد على عدم صحّة النكاح من دون المهر، كما نجد توصيةً للمرأة بالقناعة بالحدّ الأقلّ من المهر، وأن لا تطالب بالمهر المرتفع، مع التصريح بكراهية أن يتجاوز مهرها مهر السنّة، الذي حُدِّد بما يعادل 500 درهم([18])؛ لأنّ طبيعة الهدايا والعطايا تقتضي أن يقوم معطي الهديّة بإعداد وتقديم هديّةٍ تتـناسب مع شأن المُهدى إليه، الذي من الأفضل له ـ بدوره ـ أن لا يتمنّع عن قبول الهديّة كائناً ما كانت، وليس من اللاّئق بشأن مستلم الهديّة ومكانته واحترامه أن يساوم في الهدية، أو يحدّد لها شروطاً وقيوداً خاصّة.

والنتيجة أنّ النظريّة التي تبدو أكثر انسجاماً مع الآيات والروايات التي تحدّثت عن المهر هي النظريّة القائلة بأن المهر هديّة وعطيّة إلهيّة، يتوجّب على الزوج أن يُقدّمها للزوجة ضمن عقد الزواج.

2ـ حكم المهر

عرفنا أنّ المهر عبارة عن هديّة تـنتقل بالتوافق والتراضي من الزوج إلى زوجته، إلاّ أنّ الذي ينبغي الالتفات إليه هنا هو أنّ حكم المهر مغاير لحكم المال الموهوب، حيث يكون الواهب مخيَّراً بين تقديم الهبة وعدم تقديمها، فالمهر، وإن كان هديّةً، إلاّ أنّ الزوج ملزم بحكم الشارع والقانون بدفعها وتقديمها إلى الزوجة. ومن هنا ورد التأكيد على لزوم دفع المهر في آيات متعدّدة من القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً} (النساء: 20 ـ 21).

والنقطة المهمّة الملفتة للنظر هنا هي أنّ الأصل في العطيّة والهبة يقتضي أنّ للواهب الحقّ في الرجوع عنها، إلاّ أنّ هاتين الآيتين الشريفتين تضمّنتا خطاباً صريحاً من قبل الله تبارك وتعالى للرجال من الأزواج ينهاهم فيه عن استرجاع شيءٍ ممّا كانوا دفعوه لزوجاتهم فيما لو أرادوا طلاقهنّ، مهما كان مقداره كبيراً، معلّلاً: كيف تأخذونه منهنّ، وقد حصل الاستمتاع بينكما، وكنّ قد أخذنَ منكم ميثاقاً غليظاً؟!

والملاحظ في هاتين الآيتين أنّ حماية الزوجة يتمّ استـناداً إلى جنبتين اثنتين:

الأولى: الجنبة التكليفيّة، التي مفادها أنّ أخذ المهر من الزوجة من دون إحراز رضاها التامّ وطيب نفسها يُعدّ بهتاناً وإثماً مبيناً، وكيف تعصون الله تبارك وتعالى وتأتون البهتان في محضره؟

والثانية: توجيه سؤال إلى الرجل يخاطب ضميره وشخصيّته، ومفاده: كيف ترضون بأن تأخذوا مهور النساء مع ما أخذنَه عليكم من العهود الموثّقة والمواثيق الغليظة؟! ونحن نعلم بأنّ الإخلال وعدم الوفاء بالعهود يصنّفان في نظر المجتمع والعرف في دائرة الصفات الإنسانيّة الأسوأ على الإطلاق.

لقد أراد القرآن أن يهزّ ضمير الزوج ويوقظه، عبر تذكيره بأنّ أخذ ما دفعه إلى المرأة لا يعدّ لائقاً بشأنه حتى لو كان ما يجمعه بها هو القول واللّفظ فقط، فكيف إذا كان الارتباط بينهما ناشئاً عن عهود ومواثيق غليظة ومحكمة؟!

كما يستفاد من الروايات أيضاً أنّ المهر؛ بلحاظ حكمه والحماية القانونيّة التي يجب أن تُعطى له، يتمتّع بدرجةٍ عالية من الحماية، تفوق كثيراً الحماية التي أُعطيت لسائر الأموال. ومن هنا فقد أولته الروايات الواردة أهمّيّةً كبيرة، فمن ذلك مثلاً: ما ورد عن الإمام موسى الكاظم×، لمّا حضرته الوفاة في سجن هارون، على إثر السمّ الذي قدّمه له السنديّ بن شاهك، الذي كان الرشيد قد وكّله بحبس الإمام×، بعد أن قال للإمام×: دعني أكفّنك، فقال له×: «إنّا أهل بيت حجّ صرورتـنا ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا»([19]).

ونلاحظ في هذا الحديث:

أوّلاً: أنّ الإمام× جعل المهر عِدلاً للمال الذي يتمّ إنفاقه في حجّ الصرورة، وهو أوّل حجٍّ يؤدّيه الحاجّ، فيسقط به التكليف بوجوب الحجّ عن عهدة المكلّف، وكذا جعله عِدلاً للمال الذي يُشترى به الكفن؛ ومعلوم أنّ هذين على غايةٍ من الأهمّيّة، فجَعلُ المهر عِدلاً وشريكاً لهما يدلّ على أهمّيّته هو أيضاً، وعلى أنّه ـ من ناحية الحكم ـ أشدّ وأهمّ بكثير من حكم سائر الأموال، وأنّ النتائج التي تترتّب على تضييع مهر المرأة أكثر سوءاً وسلبيّةً من تضييع سائر الحقوق الماليّة.

وثانياً: نسب الإمام× هذا العمل إلى أهل البيت، ممّا أضفى عليه الصبغة العامّة، وجعل منه عملاً تدعو إليه السنّة، فالإمام× لم ينسب هذا العمل إلى نفسه؛ إذ لم يقل ـ مثلاً ـ: أنا رجل يؤدّي مهر زوجته من طهور ماله، بل قال: إنّا أهل بيت مهور نسائنا من مالنا الطاهر الحلال.

وفي حديثٍ آخر عن إمامنا الصادق×: «من تزوّج امرأةً ولم ينوِ أن يوفّيها صداقها فهو عند الله زانٍ»([20]). ولا شكّ في أنّ لسان هذا الحديث يكشف عن أهمّيّةٍ قصوى لحكم المهر، حيث دلّ على أنّ قصد عدم وفاء المهر يوجب أن يُعدّ الرجل عند الله تبارك وتعالى في زمرة الزناة.

وهكذا يتّضح أنّ المهر بالرغم من كونه ـ بلحاظ ماهيّته ـ هديّةً يقدّمها الزوج إلى زوجته بأمر من الله تعالى، إلاّ أنّه ـ بلحاظ حكمه ـ يتمتّع بقدرٍ كبير جدّاً من الحماية الحقوقيّة والقانونيّة، وقد عُبِّر عنه في القرآن الكريم بـ «الميثاق الغليظ»، وهو عنوان لم يُستخدم مثله في التعبير عن أيّ حقٍّ ماليٍّ آخر. وعلى هذا الأساس يمكن القول: إنّ حرمة أموال الناس ـ بحسب النظام الحقوقيّ في الإسلام ـ بمنزلة دمائهم، وقد تم تمييز المهر عن سائر الأموال، عبر إعطائه مزيداً من التأكيد والأهمّيّة، وعبر إقرار ضمانات إجرائيّة أشدّ؛ للحؤول دون تضييعه.

3ـ مقدار المهر

من أبرز المشاكل التي يواجهها الزوجان والمجتمع على الصعيد الحقوقيّ مشكلة تعيين مقدار المهر، وبتعبير آخر: مشكلة غلاء المهر وارتفاع قيمته؛ ذلك لأنّ غالبيّة المهور الرائجة حاليّاً في أوساط العرف مبتلاة بمشكلة الغلاء إلى درجةٍ كبيرة، بحيث يحتاج الرجل ـ عادةً ـ إلى السعي الحثيث، بل إلى بذل عمره كاملاً، لتحصيل القدرة على الوفاء لزوجته بالمهر المسمّى والمتّفق عليه بينهما؛ ممّا يحتّم علينا أن نرى هل جعلت حقوق الإسلام للمهر حدوداً ما من ناحية المقدار، بحيث لا يجوز التعدّي عن هذه الحدود المعيّنة من قبل الشارع أو أنّ أيّ مقدار يتّفق عليه الطرفان يكون نافذاً، ويُعدّ صحيحاً من الناحية الحقوقيّة؟ وفي حالة عدم الإلزام بمقدارٍ معيّن للمهر في حقوق الإسلام فهل تكون المهور المرتفعة الرائجة لدى العرف نافذةً، ويكون الزوج ـ طبقاً لمبادئ حقوق الإسلام ـ مديوناً للزوجة به، ويجب عليه أن يدفعه إليها أو لا؟

وفي مقام الجواب لا بدّ من التفصيل بين صورتين:

أـ تعيين مقدار المهر من قبل الزوجة

المهر ـ كما أسلفنا ـ هديّةٌ يُلزم الزوج بدفعها إلى الزوجة. وهذا الطابع الإهدائيّ الذي يتّصف به المهر يُتيح للمرأة أن تكون هي المولَجة بتعيين مقداره. ففي المورد التي يتمّ فيه تفويض أمر تعيين المهر إلى الزوجة يكون هناك حدّ أقصى لا يُسمح للمرأة بتجاوزه، ولا يكون لها حقٌّ في تسمية مقدارٍ يزيد عليه، وهو مقدار مهر السنّة، الذي هو خمسمائة درهم فقط، فليس لها أن تزيد على الخمسمائة شيئاً.

وهذه النظريّة إجماعيّة، ومحلّ اتّفاق بين جميع فقهاء الإماميّة؛ إذ لم يظهر لأحدٍ منهم خلاف في صحّتها([21]).

والمقصود من تعيين المهر من قبل الزوجة أن تقوم هي بتعيينه على سبيل الحكم الجازم والاختيار الكامل والنهائيّ، لا مجرّد أن تقدّم للزوج اقتراحاً بمقدارٍ معيَّن، فلو أُعطي للزوجة كامل الاختيار أو السلطة المطلقة في تعيين المهر، بحيث كان تعيينها لأيّ مقدارٍ يحتّم القبول والأخذ به من دون نقاش، بل بشكلٍ حاسمٍ وقطعيّ، ففي هذه الحالة يأتي الحكم الذي ذكرناه، وهو أنّه لا يصحّ للزوجة أن تعيّن مقداراً يزيد على مهر السنّة؛ وأمّا لو اقتصر دورها على إظهار رأيها وتقديم مقترحاتها، على أن يكون للزوج أخذ القرار بالموافقة عليه أو عدمها، ففي هذه الحالة يمكن للمرأة أن تقترح ما تشاء من المهر، وفي صورة حصول الرضا والقبول من جانب الزوج يُحتَسَب هذا المقدار المتّفق عليه مهراً لها، وليس المهر في هذه الصورة بتعيينٍ وتسميةٍ من الزوجة، بل هو باقتراحٍ منها، ولا يُعَدّ ما اقترحته مهراً لها إلاّ بعد قبول الزوج ورضاه به.

وبالرغم من أنّ تعيين المهر باختيار من الزوجة قد حُدِّد في الفقه الشيعيّ بمهر السنّة إلاّ أنّ القانون المدنيّ في إيران جعل تعيينه باختيارها محدَّداً بمهر المثل. ومن نافلة القول: إنّ بين مهر السنّة، الذي له مقدار مضبوط ومعلوم، وبين مهر المثل تفاوتاً واضحاً، فإنّ مهر المثل عبارة عن المقدار الذي جُعِل مقداراً للمهر في زواج مثيلاتها ومن هنّ في نفس مستواها من النساء. وهذا يعني أنّ القانون المدنيّ في ما يرتبط بحدود اختيار الزوجة وتسميتها لمقدار المهر يختلف عمّا هو ثابتٌ في أحكام الفقه الشيعيّ.

وقد تعجّب بعضهم من هذا التفاوت والاختلاف، متسائلاً عن السبب في عدم اتّباع القانون المدنيّ لهذا الحكم الفقهيّ؟([22]). وعلى أيّة حال فالتعارض بين القانون المدنيّ وحقوق الإسلام في هذا المجال مشهود ومعلوم، والسؤال الذي يُطرح هنا: إنّه لو تُرِك أمر تعيين مقدار المهر إلى الزوجة فأيّ من هذين التحديدين هو الذي يجب الالتزام به؟

وقد يُقال في هذا الصدد: إنّ حكم القانون مقدّمٌ على الحكم الفقهيّ؛ إذ بناءً على ما ورد في المادّة 167 من القانون الأساسيّ للبلاد فإن الإرجاع إلى الفقه إنّما يكون جائزاً في زمانٍ يكون القانون فيه ساكتاً عن بيان الحكم، ولمّا كان للقانون نصٌّ صريحٌ في بيان حكم المسألة فليس من الممكن العدول عنه، والرجوع إلى أحكام الفقه.

ولكنّ هذا الاستدلال، وإن كان صحيحاً كبرويّاً، ومن حيث المفهوم الكلّيّ، إلاّ أنّه لا ينطبق على موضوع بحثنا هنا؛ لأنّ النكاح هو ـ باتّفاق جميع الباحثين والمفكّرين ـ أحد مواضيع الأحوال الشخصيّة([23])، وهي ـ أعني الأحوال الشخصيّة ـ تكون محكومةً للمقرّرات المذهبيّة والدينيّة؛ وذلك استـناداً إلى المادّتين 12 و13 من القانون الأساسيّ للبلاد. أضِفْ إلى ذلك أنّ المادّة 4 من القانون الأساسيّ تـنصّ على أنّ جميع المقرّرات القانونيّة يجب أن تكون مطابقةً تماماً للموازين الشرعيّة، وحيث كانت المادّة المذكورة أعلاه مغايرةً لما تقتضيه الموازين الشرعيّة ـ كما أشرنا ـ فمن المسلَّم حينئذٍ أن لا يكون الاستـناد إليها في موضوع النكاح أمراً جائزاً. وعليه إذا تُرِك للزوجة أمر تعيين المهر فليس من حقّها أن تعيّن مقداراً يتجاوز مهر السنّة.

ب ـ تعيين المهر بالتراضي

لو جرى تعيين المهر بالتراضي بين الزوجين، أو من قبل أسرتيهما، فهل أقرّت مبادئ الحقوق في الإسلام حدّاً معيّناً للمهر الذي يُصار إلى تسميته، أو أنّ أيّ مقدارٍ يحصل عليه التوافق والتراضي من الطرفين يكون صحيحاً، ويكون هو المقدار الذي يتعيّن على الزوج أن يقدّمه لزوجته؟

رأى بعضهم أنّه لا يجوز أن يُتجاوز بالمهر عن مقدار مهر السنّة؛ لدلالة الرواية والإجماع على ذلك، وقد عُدّ ذلك ممّا انفردت به الإماميّة([24]). كما نُسبت هذه النظريّة أيضاً إلى الشيخ الصدوق والإسكافيّ([25]). غير أنّها لم تلقَ قبولاً لدى المفكّرين الباحثين في حقوق الإسلام؛ إذ في ما يتعلّق بالإجماع المدّعى رأى بعضهم أنّه لا يُعلم لهذا الحكم المذكور موافق، فضلاً عن أن يكون ممّا يُدّعى فيه الإجماع([26]). بالإضافة إلى ما دلّت عليه الآية 20 من سورة النساء، المعروفة باسم «آية القنطار»، من أنّ المهر يكون نافذاً، ويجب أداؤه ودفعه، ولو بلغ مقدار مسك ثورٍ ذهباً أو فضّةً.

ومن هذا المنطلق فقد قام هؤلاء بحمل الأحاديث الواردة في هذه المسألة على الاستحباب، ذاهبين إلى أنّه لا حدّ للمهر في جانب القلّة إلاّ بما يجعله شيئاً ذا ماليّة. أو بعبارة أُخرى: يجب في المهر ـ من ناحية القلة ـ أن يكون مالاً قابلاً للتقويم، وغير فاقد للقيمة في السوق. وأمّا من ناحية الكثرة فلا حدّ له ولا سقف، ولكنّه كلّما قلّ كان أفضل. وعلى أثر ذلك فقد حكموا باستحباب التقليل فيه، وكراهة التجاوز به عن مهر السنّة([27]).

وفي المقابل ذهب بعضهم إلى القول بعدم استحباب التقليل في المهر؛ بدعوى «أنّ المهر لمّا كان واجباً في الذمّة فلا يكون منافياً للزواج، وحيث لم يثبت لدينا استحباب التقليل فيه فيتفاوت الحكم فيه بتفاوت ظروف الزمان والمكان، وأحوال كلٍّ من المجتمع والفرد»([28]).

وهذه النظريّة، وإن كانت ـ في ظاهرها ـ تبدو ناظرةً إلى الأحوال الفعليّة للمجتمع، وتبدّلات الزمان والمكان، إلاّ أنّها تتـنافى مع الأدلّة الكثيرة التي اعتبرت المهر المرتفع أمراً مكروهاً ومبغوضاً من قبل المولى([29]).

مضافاً إلى أنّنا لو أخذنا عنصري الزمان والمكان بعين الاعتبار فسنجد أنّ المهر المرتفع ليس عاجزاً عن تقديم العون والمساعدة في سبيل بقاء الأسرة فحسب، بل هو أيضاً موجب للفرقة والانفصال وتفكّك الأسرة وانحلالها؛ فالوضع الراهن للأسر والعائلات، وإن لم يكن بالمستوى المطلوب حاليّاً، إلاّ أنّ غلاء المهور يأتي ليزيد الأوضاع سوءاً وتدهوراً، فمع غلاء المهور يصبح المهر بذاته محطّ أنظار النساء ومحلّ اعتمادهنّ قبل حصول العقد، وبدلاً من أن تكون شخصيّة الرجل المتقدّم لخطبتها وإنسانيّته وأخلاقه هي المعيار والميزان يصير المهر المرتفع هو المعيار بنظر المرأة، ومن شأن هذا الأمر أن يحوّل النكاح إلى مبدأ نفعيّ واستغلاليّ، يُخرجه عمّا هو المقصود منه في نظام الحقوق في الإسلام. ومن ناحيةٍ أُخرى فالمهر المرتفع يؤدّي بعد حصول العقد إلى التفكّك الأسريّ؛ لأنّ الأسرة التي لم تعتمد في أصل نشأتها على التفاهم والأخلاق والمحبّة المتبادلة، بل تشكّلت على أساس مقدار المهر وارتفاع قيمته، تتعرّض لضربةٍ قاسية تهدّد وجودها بمجرّد ظهور بذرة الخلاف الأولى، إذ بدلاً من أن يعمل كلّ من الزوجين على تحمّل الآخر، والسعي للوصول إلى حلٍّ للمشكلة الحاصلة بينهما، تُقدم الزوجة على المطالبة بمهرها، وفي الطرف المقابل يمكن أن يُقدم الزوج العاجز عن سداد المهر على القيام بأمورٍ تتـنافى مع الأهداف المرجوّة من تشكيل الأسرة.

وعلى هذا الأساس لا يصحّ أن يكون تشكيل الأسرة بنحوٍ يجعل منها ساحةً للصراع والتـناحر، وإبراز كلٍّ من الزوجين لمدى قدرته، كالقضيّة التي سبق أن أشرنا إليها، حيث رأينا الزوجة تحاول إبراز سلطتها على الزوج، فتطالب بمهرها المرتفع بعد مضيّ أسبوعٍ فقط على انعقاد الزواج، ممّا جعل الزوج يفرّ ويتوارى عن الأنظار.

ومن هنا نخلص إلى أنّ المهر المرتفع لا يمكن أن يكون هو الحلّ المناسب للنجاة من الوضع الراهن. كما أنّه لا يصلح ليكون ضمانةً نافعةً لحماية المرأة وتأمين حقوقها؛ لأنّه قبل انعقاد الزواج يمنع من انعقاده، وبعد انعقاده يمنع من بقائه ودوامه. فاللازم التفتيش عن وسائل وآليّاتٍ أُخرى أكثر نفعاً وجدوى.

إذاً بالنسبة إلى الأدلّة الأوّليّة لا دليل على لزوم تحديد المهر، بل الدليل قائم على استحباب التقليل، وكراهة الزيادة فيه، ومعه لا بدّ أن نرى مدى صحّة العقود الرائجة في مجتمعاتـنا، فنقول:

أمّا في الموارد التي يكون المهر فيها عيناً خارجيّة معيّنة، وكانت هذه العين في يد الرجل، أو كان الرجل قد وضعها بتصرّف الزوجة وتحت اختيارها، فلا إشكال في أنّ المهر محكومٌ بالصحّة.

وأمّا في الموارد التي يكون المهر فيها مالاً في الذمّة فهل يكون المهر مع وجود مقداره صحيحاً أو لا؟

يرى بعضهم أنّ المهر في هذه الصورة محكومٌ بالبطلان؛ لعدم قدرة الزوج على التسليم([30]).

ولكن فيه: ليس الشرط في صحّة المهر القدرة على تسليمه في زمان وقوع العقد، وإنّما هو القدرة على التسليم في زمان الدفع والأداء، وعليه فالقدرة على التسليم ليست شرطاً في صحّة المهر حتى يُحكم ببطلانه بسبب فقدانها. مضافاً إلى أنّ استطاعة الزوج لو جُعلت شرطاً لارتفع إشكال عدم القدرة على التسليم، ويلزم الحكم بصحّة المهر ونفاذه، حتى لو فُرِض أنّ القدرة على دفع المهر لم تتوفّر له أبداً، بل إنّ بعضهم اعتبر الاستطاعة في المهر شرطاً نافذاً([31]).

ورأى آخرون أنّ الحدّ الذي يبلغ إليه المهر يجب أن يكون حدّاً معقولاً([32])؛ فإن كان المراد من معقوليّة المهر، معقوليّة مطلق مقدار المهر من دون اعتـناء بالقدرة الماليّة للزوج، فيشكل الاعتماد على هذه النظريّة أيضاً؛ لأنّ عقد النكاح يستبطن الحبّ والمودّة، وله جنبة شخصيّة، فلا يصحّ توصيف المهر ودراسته بعيداً عن سياق العلاقة بين الطرفين؛ لأنّ المهر إن كان هديّة يقدّمها الزوج إلى زوجته فتحديد مقداره وتعيينه يكون مرتبطاً بالمحبّة التي يحملها المُهدي إلى المُهدى له، وهو مرتبط أيضاً برضا المعشوق بأن يشارك حياته مع عاشقه. ومن هنا نرى أنّ إضفاء نوعٍ من العقلائيّة المطلقة على مقدار المهر ـ كما تقتضيه هذه النظريّة ـ يتـنافى مع فلسفة وجود المهر؛ إذ من الممكن في العلقة الزوجيّة أن يكون العاشق على استعداد لتقديم روحه ونفسه للمعشوق، وأن يستسهل لأجله خوض الصعاب والأهوال. وعلى هذا الأساس فقياس مقدار المهر على مقدار العوض في المعاملات الماليّة قياس مع الفارق؛ لأنّ من المسلَّم في المعاملات الماليّة، التي هي مبتـنية على طلب المنفعة، أنّ انعقادها لا بدّ وأن يكون محكوماً للأصول العقلائيّة، وأمّا النكاح فهو مبنيٌّ على الشوق والمحبّة والوصل بين الزوج والزوجة، فيكون المعيار والأصل الحاكم فيه هو هذه العلاقة بين الطرفين ومدى عمقها واستحكامها، وهي تفي بدورٍ جوهريٍّ فيه.

ولذلك من غير المناسب أن يتمّ التعاطي مع المهر من زاوية عقلائيّة محضة، ومن دون التفات إلى مدى العلاقة التي تجمع الزوج بزوجته، ومدى قدرته الماليّة؛ إذ مهما بلغ مقدار المهر فليس هناك ما يدلّ على المنع منه من وجهة نظر الشرع، ولكن هل يحكم بصحة المهر العرفيّ الذي يكون معظمه في ذمّة الزوج مطلقاً، مهما بلغ مقداره، ومهما كانت الطريقة المتّبعة في إلقائه على الذمّة، أو أنّ هناك شروطاً تجب مراعاتها لكي يكون ما في الذمّة مقبولاً ومعتبراً؟

الذمّة في المنظور العقلائيّ عبارة عن الوعاء الاعتباريّ الذي تستقرّ فيه جميع تعهّدات الإنسان وديونه، وقد أُقرّ هذا الوعاء الاعتباريّ في نظام حقوق الإسلام أيضاً، الذي اشترط لاعتبار ما في الذمّة شروطاً، ومنها: أن يكون مشخَّصاً ومعلوماً ومعيَّناً، فلو كان مجهولاً أو مردَّداً أو مطلقاً لم يصحّ، بل يكون فاقداً للماليّة أو المنفعة العقلائيّة.

ومن جانب آخر، هل لسعة الذمّة ودائرتها حدود تُقيَّد بها، أو أنّها تكون مطلقةً، ويمكن لذمّة الشخص أن تكون مشغولة إلى ما لا نهاية له؟ في ما يتعلّق بصحّة اعتبار ما في الذمّة من منظور العقلاء يرى بعضهم أنّ من اللاّزم على كلّ من الطرفين، أعني: المتعهّد والمتعهّد له، أن يكون له قصد جدّيّ تجاه ما في الذمّة، بحيث يعتبره دَيناً مُلزماً له([33]).

ومن جملة المشاكل التي تترتّب على المهور الخياليّة أو المرتفعة أنّ أيّاً من الطرفين لا ينعقد له قصد جدّيّ إلى دفعه في الفترة التي يصار فيها إلى الاتّفاق على تسمية المهر واعتباره، كما تكشف عن ذلك العبارة اللّطيفة المتداولة «من أعطى؟! ومن أخذ؟! وإنّما هو أمر الله تعالى وسنّة نبيّه ‘»، فإنّها تدلّ بوضوح على أنّ الزوج في هذه الأثناء ليس له قصد جدّيّ إلى دفع المهر، ولولا ذلك لما رضي أبداً بتسمية مهرٍ يفوق طاقته على امتداد عمره كلّه. ويؤيّد ذلك أنّنا نرى الزوج يهتمّ ويناقش، وبكلّ جدّيّة، حول رسوم الزواج وتكاليفه المستحقّة، ويسعى إلى تخفيفها والتقليل منها، مع أنّ هذا التكاليف قد تكون أقلّ بكثير من المقدار المسمّى للمهر الذي قبل به ووافق عليه. ومن هذا المنطلق ذهب بعضهم إلى الحكم ببطلان الاتّفاق على مهر كهذا؛ استـناداً إلى عدم جدّيّة القصد أثناء انعقاده([34]).

وأما الزوجة فإنها لا تتعاطى مع المهر بوصفه مطلباً قابلاً للوصول والتحصيل، وإنّما تـنظر إليه على اعتبار أنّه وسيلة تحمي نفسها بها في قبال الزوج، ولهذا نرى أنّه ما دام الهدوء والاستقرار يلقيان بظلالهما على حياة الزوجين فلا يُسمع لصوت المطالبة بالمهر صدىً أصلاً، ثمّ بمجرّد بروز الإشكال والخلاف في حياتهما تسارع المرأة إلى المطالبة بمهرها؛ بدافع حماية نفسها، الأمر الذي يجعل المرأة هي الحلقة الأقوى في المنظومة الحقوقيّة الإسلاميّة، ولا سيّما مع إصرارها على إجراء المهر وأدائه، وعجز الزوج في المقابل عن دفعه.

والنتيجة أنّ أُولى مشاكل المهر العرفيّ تكمن في عدم تحقّق القصد الجدّيّ من الطرفين إلى المهر بعنوانه الدينيّ، الذي هو عبارة عن لزوم دفع الزوج المهر المسمّى للمرأة إليها بحكم حقوق الإسلام، وأنّ للزوجة الحقّ في المطالبة به في أيّ وقتٍ تشاء، وإلاّ فليس ثمّة ما يدلّ ـ من الناحية الشرعيّة ـ على المنع من أي مقدار للمهر.

وأمّا المشكلة الثانية التي تواجه المهر العرفيّ فهي مدى سعة الذمّة وظرفيّتها، بحيث لا تكون القدرة الماليّة للشخص مأخوذة بعين الاعتبار في أثناء الاتّفاق على المهر، بل يجري الاتّفاق على مقدارٍ لا يتمكّن الشخص طيلة عمره من كسبه وتحصيله بالطرق العاديّة والمألوفة، فهل يمكن اعتبار دائرة الذمّة لدى جميع الأشخاص مطلقةً ولا حدّ لها أو أنّ لكلّ شخصٍ من الذمّة ما يتـناسب مع حجم ومعيار قدرته الماليّة في حاضره ومستقبله، وأمّا ما زاد على ذلك فهو بنظر العقلاء ساقط عن الاعتبار؟

ذهب أكثر الباحثين إلى أنّه لا حدّ لسعة الذمّة ودائرتها، بل يمكن لكلّ شخص أن يشغل ذمّته للآخرين بقدر ما يشاء([35]).

ولكنّ الاعتماد على هذه النظريّة مشكل؛ فإنّ الذمّة وإن كانت وعاءً اعتباريّاً يشابه الحساب البنكيّ الذي يتّسع لكلّ ما يُوضع فيه من العملة، إلاّ أنّ دائرة الذمّة بالنسبة إلى كلّ شخصٍ يجب أن تكون محدودةً بما يمتلكه هذا الشخص من القدرة الماليّة، حالياً أو مستقبلاً؛ لأنّ هذه الأموال الاعتباريّة يترتّب عليها أثر، وهو عبارة عن مديونيّة صاحب الذمّة في قبال الدائن والمتعهّد له؛ فإنّ مجرد الإدانة والاستدانة، ومن دون دفع واستيفاء، لا يمكن أن يكونا مقصودين للعقلاء، فالمقصود الأصليّ إذاً هو الأثر الذي يترتّب على ما في الذمّة، وهو لزوم دفع الدين من جهة المديون، وحقّ المطالبة من جهة الدائن، وهذا التعهّد والحقّ منوط بالقدرة الماليّة أو الإجرائيّة لصاحب الذمّة؛ لاتّفاق أهل النظر على استحالة التكليف بما لا يُطاق، فلو لم يكن لصاحب الذمّة الاستطاعة والقدرة الماليّة التي توازي ما ثبت عليه في ذمّته لم يكن إلزامه بالدفع أمراً ممكناً لكي يكون للطرف المقابل الحقّ في مطالبته، وخاصّةً في مثل موضوع المهر، الذي لا يبتـني على روح المعاوضة، وإنّما هو ـ كما تقدّم ـ هديّة يأخذها الزوج على عهدته؛ طمعاً في إحراز رضا الزوجة وقبولها بالزواج منه.

وعلى هذا الأساس ينبغي القول بأنّ سعة ذمّة الأشخاص محدودة بقدراتهم الماليّة، سواء في ذلك قدرتهم الفعليّة أو التي يتوقّع ثبوتها لهم في المستقبل. ولذا أضاف بعضهم إلى شروط صحّة اعتبار ما في الذمّة شرطاً آخر، وهو شرط تعيين مدّة الدفع، ذاهبين إلى أنّ من اللاّزم في صحّة اعتبار ما في الذمّة أن يُصار إلى تعيين مدّة لأدائه والوفاء به؛ إذ مع مجهوليّة المدّة، لا يثبت الدَّين على ذمّة الشخص بنحو معتبر([36]). وأضف إلى ذلك أنّه مع عدم أخذ القدرة الماليّة أو الإجرائيّة لمالك الذمّة في اعتبار ما يستقرّ في ذمّته، أو لم يكن بالإمكان تعيين مدّة زمنيّةٍ معقولةٍ ومتعارفة للأداء والوفاء به، فإنّ هذا العمل يُعَدّ عملاً سفهيّاً، والمعاملة السفهيّة محكومة بالبطلان عند كثير من أهل الفكر والنظر([37]). ويستفاد من ذلك بطلان الاتّفاق على تسمية المهر من دون التوجّه إلى أدائه، وبدون ملاحظة القدرة الماليّة للمتعهّد به.

4ـ الآليّات القانونيّة لضبط مقدار المهر

في عصرنا الحاضر؛ وبفعل العوامل الاجتماعيّة المتعدّدة، يجري الاتّفاق على تعيين وتسمية مهور بمقادير مرتفعة جدّاً، تخرج في معظم الحالات عن حدّ الاستطاعة الماليّة للزوج، ولا تكون الزوجة في زمن وقوع العقد في وارد أن تفكّر بالمطالبة بمهرها، إلاّ أنّها وبمجرّد وقوع خلافٍ بينها وبين زوجها تسارع إلى الاتّكاء على مهرها، من ناحية مقداره، وكونه لازم الإجراء من حين المطالبة، ممّا يؤدّي في حالة عجز الزوج عن الأداء إلى الحكم عليه بالسجن، وهذه المحكوميّة مضافاً إلى مخالفتها لفلسفة المهر في نظام الحقوق الإسلاميّة ـ هي على خلاف النظم الاجتماعيّة؛ لأنّ الذي يُحكم عليه بالسجن، ولو ليومٍ واحد، لمجرّد أنّه عجز عن دفع المهر، يفقد كبرياءه وعزّة نفسه، علماً أنّ المرأة لا تـنال نصيبها من المهر بذلك. وعليه فإنّ صدماتٍ اجتماعيّةً لا يمكن جبرانها وتلافيها تكون قد لطمت كلاًّ من الأُسرة والمجتمع.

وفي المحصّلة فإنّ إحدى مشاكل المهر المرتفع هي عجز الزوج وعدم قدرته على الدفع، فإنّ هذا العجز يدفع بالزوجة نحو القيام برفع دعوى جزائيّة عليه، ممّا يرتّب على المحاكم المختصّة ـ وطبقاً للقوانين والمقرّرات الموضوعة ـ أن تحكم على الزوج بدخول السجن.

إنّ الآثار السيّئة التي تترتّب على حبس الزوج؛ لعجزه عن دفع المهر، تتجلّى وتظهر من ناحيتين: إحداهما: شخصيّة أو عائليّة؛ والأُخرى: اجتماعيّة.

أمّا من الناحية الشخصيّة والعائليّة فالزوج الذي تسجنه زوجته، نتيجةً لعدم قدرته على المهر، لن يكون سلوكه وتصرّفه مع زوجته بعد خروجه من السجن ـ في أغلب الحالات ـ سلوكاً لائقاً وصحيحاً، وهذا يؤدّي إلى تلاشي الأسرة وزوالها، والحال أنّ هدف الإسلام من إقرار مبدأ المهر إنّما هو تعميق العلاقة واستحكام الألفة والمودّة بين الزوجين. إذاً فالنتيجة التي يُفضي إليها المهر المرتفع من الناحية الفرديّة والشخصيّة هي نتيجة مخالفة تماماً لفلسفة إقرار المهر وتشريعه.

وأمّا من الناحية الاجتماعيّة فهو أيضاً يؤدّي إلى فرار الرجال من الزواج وتشكيل الأسرة، وهذا ـ مضافاً إلى ما يستتبعه من الأزمات الاجتماعيّة التي تـنشأ عن عدم الزواج ـ مخالفٌ لمبادئ الحقوق في الإسلام، التي أقرّت أنّ النكاح في نفسه مستحبّ مؤكّد، بل هو ـ في موارد احتمال الوقوع في الحرام ـ محكومٌ بالوجوب([38]).

ومن هذا المنطلق فقد طُرِحت مجموعة من الوسائل التي تحول دون غلاء المهر وارتفاعه، أو تقلّل من الضغط الذي يسبّبه للزوج، وقد وجدنا أنّ مختلف الفعاليّات الاجتماعيّة ـ أعمّ من المجلس والحكومة والقوّة القضائيّة، وبالرغم من المساعي الحثيثة التي تبذلها في سبيل حماية النساء ـ تتّجه نحو فكرة تخفيف المهر والتقليل من مقداره.

وفي ما يلي نتعرّض بالدراسة والتحليل لكلٍّ من هذه الآليّات المقترحة:

أـ التحديد القانونيّ

من جملة الاقتراحات التي طُرِحت في السنوات الأخيرة لجهة التسهيل في عمليّة تشكيل الأسرة، وحثّ الشباب نحو الزواج، والحؤول دون ابتلاء الزوج بالسجن؛ بسبب عدم تمكّنه من دفع الصداق، القيام بتحديد المهر عن طريق القانون، ووضع سقفٍ للمقدار الذي يمكن أن يصل إليه.

ويرى أصحاب هذه النظريّة أنّ السبب الذي دفعهم إلى تبنّيها هو اعتقادهم بلزوم حماية النساء، وبخاصّة المتزوّجات منهنّ؛ ورغبتهم في حماية الأسرة، وترغيب الشباب بها، وحثّهم على تشكيلها. ومن هنا فقد اعتبر بعضهم أنّ تحديد المهر قانونيّاً هو أحد السبل التي يمكن اعتمادها للمنع من حصول الاتّفاق على مهر مرتفع([39]). ومن هنا قام مجلس الشورى الإسلاميّ بالمصادقة على مشروع قرارٍ تحت عنوان «تـنظيم الزواج» بتاريخ 8/10/83، وقد كان الهدف من اقتراح هذا المشروع حماية الزواج وتسهيل أمره. وقد اشتمل هذا المشروع في واحدٍ من بنوده على بندٍ ينصّ على لزوم تحديد سقفٍ أعلى للمهر في الزواج. كما نصّ هذا البند على ضرورة تشكيل لجنةٍ تعمل على تعيين الحدّ الأعلى لمهور النساء في مختلف مناطق البلاد، ومن وظائف هذه اللّجنة أن تضع في تصرّف الحكومة تقديراتٍ للحدّ الأعلى للمهر بين الزوجين، وتتفاوت هذه التقديرات وتختلف بحسب اختلاف المناطق والتفاوت في ما بينها.

وبالرغم من مسارعة المجلس إلى إقرار هذا المشروع بما يتضمّنه من الأساسيّات والكلّيّات إلاّ أنّ هذا البند لم تتمّ المصادقة عليه، ما أدّى إلى الحكم على هذا المشروع بالفشل منذ اللحظة الأولى لإقراره؛ نظراً لما كان يستتبعه من مشاكل على الصعيدين: الإجرائيّ؛ والقضائيّ. ونشير إلى بعضها في ما يلي:

الأولى: إنّه مغاير للشريعة الإسلاميّة المقدّسة. فقد تـناولت العديد من آيات القرآن الكريم موضوع المهر، ولكنّ شيئاً منها لم يدلّ على تحديده بأيّ حدٍّ معيّن. ومن هنا يُنقل أنّ امرأة في زمن الخليفة الثاني اعترضت عليه، بعد أن قام في الناس خطيباً يقول لهم: لا تغالوا بصُدَق النساء، قائلةً: لِمَ تمنعنا حقّاً جعله الله لنا؟ محتجّةً عليه بآية القنطار، ما جعله يُقلع عن الكلام الذي كان يقوله؛ لكونه على خلاف الشرع([40]).

والحاصل أنّ تعيين حدٍّ وسقفٍ أعلى للمهر، وإلزام الطرفين بعدم تخطّي هذا الحدّ المعيّن، مخالفٌ للشرع وحقوق الإسلام. وإذا رجعنا إلى المادّة 4 من القانون الأساسيّ فهي تـنصّ على أنّ جميع المشاريع التي يصادق عليه المجلس لا يصحّ أن تكون مغايرةً في شيءٍ من تفاصيلها لما تحكم به الشريعة المقدّسة. وبما أنّ هذا المشروع المذكور هو على خلاف الموازين الشرعيّة ففي موضوعٍ يتّسم بقدرٍ عالٍ من الأهمّيّة، كالنكاح، يمكن أن تكون له عواقب وخيمة للغاية.

الثانية: إنّ تحديد إرادة الطرفين في المسائل الشخصيّة التي ترجع إلى الأذواق والسلائق هو على خلاف أصالة الحرّيّة في الشروط والعقود؛ لأنّ الأشخاص لا يقدمون على مثل عقد النكاح والاتّفاق على المهر إلاّ انطلاقاً ممّا لديهم من القدرة الماليّة والشأنيّة والمكانة الاجتماعيّة، فلا يصحّ في مثل هذه المعاملات إغماض النظر عن كرامتهم وعن منزلتهم الاجتماعيّة؛ إذ قد يكون الشخص على استعدادٍ لتقديم وجوده وكلّ ما يملكه في سبيل الوصول إلى معشوقه، وليس من الجائز تحويل الزواج، الذي كانت علاقة الحبّ والمودّة التي تجمع الزوج بزوجته السبب الرئيسيّ وراء انعقاده، إلى وسيلةٍ من وسائل الضغط، كما لا مبرّر لحرمان الزوج من القدرة على اختيار الوسيلة التي يراها مناسبة لإبراز عاطفته تجاه زوجته وكسب ودّها ورضاها، ولو عن طريق بذل المال لها.

الثالثة: إنّ تدخّل الدولة في خصوصيّات الأفراد وتحديد خياراتهم عاجزٌ عن حلّ مشاكلهم، بل إنّه يكون دافعاً ومحفّزاً لهم على مخالفة القوانين بكلّ ما من شأنه أن يوصلهم إلى أهدافهم الخاصّة. ولهذا السبب حرصت حقوق الإسلام على أن يكون التزام الأفراد بالأوامر والقوانين التزاماً نابعاً من قرارة أنفسهم، فقسّمت الأحكام الإيجابيّة أو الإثباتيّة إلى نوعين: مستحبّ؛ وواجب، وقسّمت أحكام المنع والنهي إلى قسمين أيضاً: حرام؛ ومكروه. وهذا التقسيم هو على درجةٍ عالية من الأهمّيّة من جهة اختيار الشخص، وهو يكشف عن الحرص الشديد في حقوق الإسلام على أن لا يتخطّى إلزام الشخص بالقيام بفعلٍ ما أو بتركه أقلّ حدٍّ ممكن.

الرابعة: إنّ تحديد سقفٍ للمهر في المناطق المختلفة، وفقاً لرؤية لجنةٍ يتمّ تكليفها بذلك، يوجب أن يكون العمل عملاً بالذوق والسليقة، وهو عملٌ يؤدّي إلى الإضعاف من قداسة القانون وحرمته. كما أنّه يمكن أن يكون تحديد هذه اللّجنة للمهر ناشئاً من رجوعها إلى مناطق قد درج العُرف فيها على تسمية أعلى حدٍّ من المهور.

الخامسة: إنّ تعيين سقف متعدّد للمهر بحسب تعدّد المناطق يؤدّي إلى تعزيز وتقوية النظريّة القائلة بأنّ المهر عبارة عن عوضٍ وقيمةٍ للزوجة، ممّا يجرّ على حقوق الإسلام المزيد من الانتقادات، مع أنّ الهدف الذي يتطلّع إليه نظام الحقوق الإسلاميّ من المهر ليس إلاّ تكريم الزوج لزوجته، واجتلاب ودّها ومحبّتها، لا بيعها ودفع قيمتها، الذي يُعدّ توهيناً لها. أضِفْ إلى ذلك أنّ هذا يوجب سعي الأفراد إلى التحايل على القانون، ومحاولة التغلّب عليه؛ لأنّ أكثر النساء حينئذٍ سيسعين لانعقاد زواجهم في المناطق التي حدّدت فيها لجنة الزواج أعلى حدٍّ للمهر. ولعلّ هذا هو السبب في حذف هذا البند من قائمة البنود التي احتوى عليها مشروع تـنظيم الزواج، علماً أنه قد تمت المصادقة والمواقفة على سائر مقرّراته وبنوده من قِبَل المجلس تحت عنوان: قانون تسهيل الزواج لدى الشباب.

ب ـ الضغط الماليّ

من بين المقترحات التي طُرِحت في السنوات الأخيرة لأجل الحدّ من المهر المرتفع، وحثّ الزوجين على تقليل مقداره، القيام بفرض ضرائب ماليّة على المهر، الذي اعتبره بعضهم واحداً من الطرق المفيدة في المنع من حصول الاتّفاق على المهر المرتفع([41]). وطبقاً لهذه النظريّة لو قمنا بفرض ضريبة على المهر مرتبطةٍ بمقدار المهر نفسه، بحيث كلّما علا مقدار المهر تعلّق به مقدارٌ أكبر من الضريبة، فمن الطبيعيّ حينئذٍ أن يُقدم الزوجان على الاتّفاق على مقدارٍ أقلّ من المهر؛ حرصاً منهما على تقليل مقدار ما يدفعانه من الضريبة.

وقد أُقرّ هذا الاقتراح من قبل الحكومة في المادّة 25 من بيان الأسرة الصادر بتاريخ 1387، حيث ورد فيها: «إنّ من وظائف وزارة الأمور الاقتصاديّة والماليّة تجاه المهور المرتفعة الزائدة على الحدّ المتعارف بشكل غير منطقيّ ـ بالنظر إلى وضعيّة الزوجين والمسائل الاقتصاديّة للبلاد ـ أن تفرض عليها ضرائب ماليّة تتـناسب مع ارتفاع مقدار المهر بصورة تصاعديّة، على أن تتسلّم هذه الضرائب المفروضة عند تسجيل عقد الزواج. ويتمّ تحديد مقدار المهر المتعارف ومقدار الضرائب المفروضة عليه بالنظر إلى الوضع الاقتصاديّ العامّ للبلاد؛ عملاً بموجب تقريرٍ بيانيٍّ، تقترحه وزارة الأمور الاقتصاديّة والماليّة، وتصادق عليه اللّجنة الوزاريّة».

وقد تعرّض هذا الاقتراح لانتقادات من قبل الرأي العامّ، ما دفع باللّجنة الاجتماعيّة للمجلس ـ في أُولى خطواتها ـ إلى حذف هذا البند من بيان الأسرة.

وهذا الاقتراح ربما كان موجَّهاً ومبرَّراً في منظور علم الاقتصاد، إلاّ أنّه في مواضيع من قبيل الأُسرة فاقدٌ لكلّ أثرٍ إيجابيّ، بل هو أيضاً يستتبع آثاراً سلبيّة. ففي علم الاقتصاد يبتـني هذا الاقتراح على أنّ فرض ضريبة على ميزان الاستهلاك من شأنه أن يؤدّي إلى التقليل من النفقات؛ إذ كلّما ازدادت نفقات المستهلك ارتفع معها حجم الضريبة التي يجب عليه أن يؤدّيها، والضغط الذي يولّده هذا الارتفاع في حجم الضريبة يرغمه على الاقتـناع بالتقليل من الإنفاق.

وبالرغم من أنّ هذه النظريّة لعلم الاقتصاد تواجه ـ من زاوية معايير الاقتصاد الإسلاميّ ـ العديد من الإشكالات الجوهريّة إلاّ أنّ الهدف منها في علم الاقتصاد هو إيجاد التوازن بين العرض والإنفاق؛ إذ كلّما انخفض منسوب الإنفاق انخفضت معه ضرورة عرض السلع، وهو ما يعود على الدولة بالمزيد من الأرباح.

ولكنّ هذا المبدأ الاقتصاديّ ليس مقبولاً أصلاً في مجال حقوق الأسرة، بل هو مخالف للواقعيّات الاجتماعيّة؛ وذلك أنّ العلاقة التي تجمع بين الزوجين ليست علاقة المستهلك بالبائع، بل علاقة العاشق بالمعشوق، والمهر إنّما هو تلك الوسيلة التي يستعين بها العاشق ليخطب ودّ معشوقه، ويسعى من خلالها لكسب موافقته ورضاه. والحاصل أنّ هناك فرقاً شاسعاً بين الإنفاق والاستهلاك من جهة وبين المهر من جهة أُخرى، فإنّ اختيار مقدار المصرف في باب الإنفاق هو إلى حدٍّ ما في يد المستهلك نفسه، وأمّا في باب النكاح فإنّ اختيار مقدار المهر في أكثر الموارد ليس في يد الزوج، بل الزوجة عادةً هي التي تملي شروطها على الزوج، وتفرض عليه القبول بها، وعلى هذا الأساس فلا مصلحة أصلاً في تحكيم النظريّات الاقتصاديّة في مثل النكاح.

ومن جانب آخر فإنّ مجتمعنا الحاليّ يعاني من تأخّر سنّ الزواج، وعدم إقدام الشباب على الزواج في سنّ مناسبة، وهي مشكلة لا يتسنّى حلّها إلاّ بعد تقديم عدد من العوامل التي من شأنها ترغيب الشباب في الزواج. وفرض ضرائب على المهر يضع الزوج الشابّ في مواجهة إشكاليّة عدم القدرة على دفع الضرائب، فإنّ أكثر الشباب في بداية زواجهم مبتلون بالعجز عن تأمين تكاليف الحياة الضروريّة، فالاتّجاه نحو تحميلهم مزيداً من التعهّدات الماليّة الناشئة من الضريبة المفروضة على المهر لا يصبّ إلاّ في سياق المفاقمة من مشاكلهم المادّيّة، ولا سيّما أنّ المطالبة بمهر مرتفع تكون من ناحية الزوجة لا الزوج.

مضافاً إلى أنّ قيام الدولة بفرض ضرائب ماليّة على المهر قد لا يكون نافعاً في الوصول إلى تقليل المهر وتسهيل انعقاد النكاح؛ لأنّ التوجّه السائد لدى النساء هو أنّهنّ لسنَ على استعدادٍ للزواج بمهرٍ قليل، ما يعني أنّ المرأة ستستمرّ في المطالبة بمهرها المرتفع، والدولة تفرض على المهر ضرائب مرتفعةً، والنتيجة الحتميّة هي التشديد في معاناة الزوج من صعوبة تشكيل الأسرة والإقدام على أصل الزواج، وهو ـ مضافاً إلى مخالفته للمقرّرات الإسلاميّة ـ مخالفٌ للمصالح الاجتماعيّة قطعاً.

على أنّ غلاء المهور وارتفاعها إن كان يُعدّ مانعاً من تشكيل الأُسرة، مع كون أغلب المهور مؤجَّلةً إلى حين المطالبة، فمن بابٍ أولى يكون فرض الضرائب المرتفعة على المهر موجباً لعدم وقوع عقد النكاح من رأس. كيف لا، والزوجة حين وقوع العقد لا يكون لها توجّه أصلاً نحو إجراء المهر، بل ولا تخطر إلى ذهنها أصلاً فكرة المطالبة به في تلك اللّحظات؟ وأمّا الدولة فهي تمارس سلطتها كافّةً لوضع يدها على ما لها من أموال في ذمّة المديونين. وعلى هذا الأساس فإذا كان الزوج عاجزاً عن دفع الضرائب المرسومة على المهر فقد يُحكم عليه بالسجن؛ للتخلّف عن الدفع، حتى من قبل أن يحين وقت المطالبة بأصل المهر.

والحاصل أنّ هذه النظريّات، التي وقعت مشروعيّتها محلاًّ للشكّ والترديد في علم الاقتصاد الإسلاميّ، لا يصحّ الأخذ والعمل بها في موضوع يتمتّع بقدرٍ كبير من الحساسيّة والأهمّيّة، كموضوع النكاح، وتشكيل الأسرة. ومن هنا نرى أنّ ما أقدم عليه مجلس الشورى الإسلاميّ من حذف هذا المقترح من بيان حماية الأسرة كان فعلاً صائباً تماماً، وينسجم مع الأصول والمبادئ الحقوقيّة والمصالح الاجتماعيّة.

ج ـ اشتراط شروطٍ نموذجيّة

من جملة الطرق التي يُستعان بها ـ أيضاً ـ لغرض التقليل من ضغط المهر المرتفع على الزوج اشتراط عدد من الشروط النموذجيّة. وقد قام مدير مؤسّسة الأسناد والوثائق الرسميّة بإبلاغ هذا الاقتراح وتعميمه على كافّة مراكز هذه المؤسّسة في النشرة رقم (53958،34،1) الصادرة عنه بتاريخ الثامن من شهر (بهمن) عام 1385، ولكنّ العمل بهذا المرسوم لم يتمّ على الشكل المطلوب، ما دفع بالمسؤولين عن هذه المؤسّسة إلى إثبات هذا الشرط في متـن الوثيقة الرسميّة لعقد الزواج، ليتسنّى بذلك الحصول على إمضاء كلٍّ من الزوجين وموافقتهما عليه. وفي شهر (دي) من العام 1387 أعلنت المؤسّسة المذكورة أنّ عدد الشروط المطلوبة ضمن عقد النكاح قد بلغ 14 شرطاً، بعد أن كانت الشروط 12 فقط، والشرطان المضافان هما:

1ـ يصبح المهر مستحقّ الدفع من حين المطالبة.

2ـ لا يكون المهر مستحقّ الدفع إلاّ عند الاستطاعة.

والواقع أنّ هذا المقترح لا يحلّ مشكلة المهر المرتفع، وإنّما يحلّ مشكلة حبس الرجل عند عجزه عن دفع المهر، فإنّ هذا الشرط يضمن للزوج أن لا يتعرّض للحبس لمجرّد فقد الاستطاعة؛ إذ المفروض أنّه قد حصل التوافق بين الزوجين حين العقد على أنّ المهر لا يكون مستحقّاً إلاّ عند استطاعة الزوج، وبعد هذا الاتّفاق لا يكون للزوجة الحقّ في أن تطالب زوجها الفاقد للاستطاعة بمهرها، إلاّ مع قدرة الزوج على الدفع، وفي هذه الصورة تأخذ الزوجة مهرها من ماله، ولا تصل النوبة إلى الحكم عليه بالسجن؛ وأمّا لو لم يكن قادراً مالياً على دفع المهر فلا يثبت لها الحقّ المذكور أصلاً.

ويمكن المناقشة في هذا الحلّ من جهاتٍ عدّة، ومنها: إنّه موجب لتضييع حقّ الزوجة؛ إذ في كثير من الحالات لا تحصل للزوج طيلة عمره القدرة الماليّة التي تخوّله دفع المهر كاملاً، الأمر الذي يعني أنّ اعتبار هذا الشرط يوجب عدم وصول الزوجة إلى شيءٍ من مهرها، مع أنّ الذي يُستفاد من الآيات والروايات المعتبرة أنّ للمهر من ناحية لزوم دفعه مزيّةً خاصّة، وأنّ الشارع المقدّس قد أثبت له حرمةً من نوعٍ خاصّ. اللّهمّ إلاّ أن يُفسَّر هذا الشرط بأنّ أيّ مقدارٍ من المهر يكون للزوج القدرة الماليّة على دفعه يمكن للزوجة أن تطالبه به. ولكن في هذه الصورة تتعرّض تماميّة المهر للانتقاض، إلاّ أنّه لا ضير فيه من الناحية القانونيّة؛ لأنّه نقض لها برضا من الزوجة، واعتبار التماميّة في الطلب ليس إلاّ لحماية حقّ الدائن، وهي الزوجة هنا([42])، فإن كانت ترى مصلحةً لها في نقض التماميّة لم يكن ثمّة ما يمنع من إقدامها على تجزئة المهر وتوزيعه على حصص متعدّدة. وعلى أية حال فهذا الحلّ لا يعالج مشاكل المهر المرتفع، وفي صورة رضا الزوجة بالشرط المذكور فإنّ ذلك يؤدّي إلى ضياع حقّها في المهر، وهو أمر يخالف الشرع مخالفةً صريحةً وواضحةً. مضافاً إلى أن رضا الزوجة بالشرط المذكور، وموافقتها على أن يكون المهر حالاًّ ومستحقّاً عند المطالبة فقط، يُبقي المشكلة على ما كانت عليه.

ومن هنا يبدو أنّ هذا الحلّ لا يرقى لكي يكون حلاًّ وفاقيّاً بين الطرفين؛ لأنّه لا يحظى بمقبوليّةٍ لدى عامّة النساء، وفي فرض قبول الزوجة به فإنّه يكون موجباً لتضييع حقّها في المهر كما عرفنا، وهو ـ علاوةً على كونه مخالفاً لمبادئ حقوق الإسلام ـ ليس له أيّة تداعيات اجتماعيّة إيجابيّة.

دـ الحلول الأساسيّة

إذا أردنا للمهر أن يكون واقعيّاً، بحيث يكون قادراً على تأمين الحماية الزوجة، ومن جهةٍ أُخرى يكون للزوج القدرة التي تخوّله دفعه خلال مدّةٍ معقولةٍ، فالظاهر أنّ علينا أن نسلّط الضوء على مجموعةٍ من العوامل التي تقف وراء تعيين المهور المرتفعة والخياليّة، التي لو تمكّن الزوجان من اجتـنابها لأُعطيا كامل الحرّيّة في اختيار المهر وتعيينه، وأمّا الضغوطات القانونيّة والإجرائيّة فهي عاجزةٌ عن إيجاد حلٍّ للمشكلة، بل إنها تؤدّي إلى تعقيدها أكثر. ولمّا كانت مخالفةً للشريعة المقدّسة فهي توجب المسؤوليّة عن التسبيب بعوامل الضغط بين يدي الله عزّ وجلّ.

والذي يبدو لنا أنّ هناك ثلاثة عوامل رئيسية تقف وراء إصرار الزوجة على مهر مرتفع وخياليّ، وهي: فقدان الزوجين للنظريّة الصحيحة بالنسبة إلى المهر؛ وعدم إحساس الزوجة بالأمن تجاه مستقبلها؛ وعدم التعاطي الصحيح ـ قضائياً ـ مع الدعاوى التي ترتبط بالمهر.

1ـ إصلاح نظرة الزوجين

يُعدّ فقدان النظريّة الصحيحة في ما يتعلّق بماهيّة المهر من ناحية قانونيّة واحداً من أبرز العوامل التي تدعو الزوجين إلى القبول بتعيين مهر مرتفعٍ وخياليّ، وقد تقدّم سابقاً أنّ المهر في منظور حقوق الإسلام ليس ثمناً وقيمةً للزوجة، وليس أداةً للضغط على الزوج وإلزامه بالتمسّك بكيان الأسرة، ولا هو ضمانة لبقائها، وإنّما هو هديّة يجب ـ بنصّ القرآن الكريم ـ على الزوج أن يقدّمها إلى زوجته. فلو آمنت الزوجة بهذه النظريّة الواقعيّة والقانونيّة للمهر فإنها ستدرك أنّ عزّتها وكرامتها تأبى عليها بأن تتوقّع أو تطلب لنفسها مهراً خياليّاً وموهوماً، بل إنها سترضى بأيّ مقدارٍ يمتلكه الزوج أو يتمكّن من دفعه؛ فإنّ أحد العوامل التي تدعو الزوجة للمطالبة بالمهر المرتفع هي أنّها تعدّ المهر سبباً يضمن الحماية لزواجها، وعليه فهي ترى أنه كلما ارتفع مقدار المهر أكثر كان احتمال انحلال النكاح ووقوع الطلاق بينهما أكثر ضآلة، وأمّا لو كانت نظرة الزوجة إلى المهر على أنّه هديّة يجب على الزوج أن يقدّمها لها، من دون أن يكون لهذه الهديّة ارتباط أصلاً ببقاء العلقة الزوجيّة بينهما أو وقوع الطلاق، فإنها لن تصرّ كلّ ذلك الإصرار على ارتفاع المهر وغلائه؛ نظراً لعدم قدرة الزوج على السداد.

ومضافاً إلى ذلك فإنّ الذي يدعو الزوج إلى الموافقة على ما تسمّيه المرأة من المهر، مهما كان مرتفعاً وخياليّاً، هو اعتقاده بأنّها لن تُقدم على المطالبة به أبداً، وأمّا لو كان ينظر إلى المهر بوصفه مالاً يجب عليه شرعاً وقانوناً أن يؤدّيه ويدفعه لها، وكان ملتفتاً إلى أنّ حرمة تضييعه تفوق حرمة تضييع سائر الأموال، وأنّ لزوم دفعه للزوجة تكليف ثابت على عهدته من دون أن يكون لذلك ربطٌ أصلاً بإيقاع الفرقة والطلاق بينهما، فمن المسلّم أنّه سيفكّر مراراً وتكراراً قبل أن يخطو خطوةً واحدةً نحو الموافقة عليه.

وعلى هذا الأساس فإنّ إصلاح النظرة التي يحملها كلّ من الزوجين تجاه المهر، وبيان ماهيّته، وما يلزم فيه لجهة ضمانته الحقوقيّة والإجرائيّة، يلعب دوراً كبيراً في الحؤول دون اتّفاقهما على تسمية مهرٍ خياليّ.

2ـ تأمين وحماية مستقبل الزوجة

ومن العوامل التي تحضّ الزوجين على الاتّفاق على تسمية مهر مرتفع أو خياليّ شعور الزوجة بعدم الاطمئنان تجاه مستقبلها، فتتّجه نحو المطالبة بمهر غالٍ ومرتفع، ظنّاً منها بأنّ ارتفاع المهر يصونها ويحفظها من عوارض هذا النقصان الذي يولّده لديها هذا الشعور بعدم الاطمئنان.

والحلّ الذي نراه نافعاً لحلّ هذه المشكلة هو أن تفهم الزوجة أنّ مستقبلها ليس رهناً بوجود مهرٍ مرتفع أو خياليّ، بل لكي تضمن مستقبلها عليها أن تتّكئ على قدراتها وطاقاتها النفسيّة والجسديّة، وعلى التعزيز منهما والرفع من مستواهما، ومن هنا، وبالرغم من تأكيد الآية 127 من سورة النساء على كراهية وقوع الطلاق والفرقة بين الزوجين، يقول الله تبارك وتعالى في الآية 130 من نفس السورة: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حَكِيماً}. وقد ذكر المفسّرون في تفسيرها أنّ المراد وإن يتفرّق الرجل والمرأة بطلاقٍ يُغْنِ الله كلاًّ منهما بسعته، والمراد من الإغناء ـ بقرينة المقام ـ إغناء كلٍّ منهما في جميع ما يتعلّق بالزواج، فيهيّئ للزوج من فضله زوجةً تكون بالنسبة إليه أفضل من زوجته السابقة، وللزوجة زوجاً يكون بالنسبة إليها أفضل من زوجها السابق([43]). ونقول هنا: إنّ حمل الآية على إغناء الزوج بزوجة أفضل، أو الزوجة بزوج أفضل، وإن كان هو الذي تقتضيه قرائن المقام، إلاّ أنّه لا ينحصر بذلك، بل الآية الشريفة واردة في معرض تسلية كلٍّ من الزوجين، وحثّهما على التوجّه إلى الله عزّ وجلّ، لئلاّ يتطرّق اليأس إلى نفسيهما، فيتصوّر أحدهما أنّه بفراقه للآخر وانفصاله عنه تـنقطع عنه النعم والخيرات، بل إنّ الله تبارك وتعالى يحمي كلاًّ منهما، ويغنيه من فضله، ويمدّ إليه يد العون والمدد على جميع النواحي والصعد. ومن هنا قال بعضهم: «وفي الآية دليل على أنّ الأرزاق كلّها بيد الله، وهو الذي يتولاّها لعباده، وإن كان ربما أجراها على يدَي من يشاء من عباده».

والحاصل أنّ الطلاق، وإن كان أمراً مبغوضاً ومكروهاً، إلاّ أنّه لو اتّفق حصوله لشخصين فعليهما بالالتفات إلى أنّ فضل الله تعالى يتّسع لهما ويشملهما ويغنيهما، وبهذا يكون القرآن الكريم قد طمأن الزوجة ـ روحيّاً ـ إلى مستقبلها، وهذا إن دلّ على شيءٍ فإنّما يدلّ على أنّ اتّكال النساء على المهر المرتفع يجب أن يتبدّل ليصبح اعتماداً واتّكالاً على فضل الله، وهذا ما يتطلّب عملاً ونشاطاً على الصعيد الثقافيّ، ولا يمكن إنجازه عبر مجرّد إلقاء الأوامر وسنّ القوانين.

والوسيلة الأُخرى التي يمكن اللّجوء إليها لتحويل اعتماد الزوجة على المهر إلى اعتمادٍ على فضل الله تعالى هي نزولها إلى ساحة العمل؛ فالعمل في الإسلام أمرٌ قيّمٌ ومندوبٌ إليه في حدّ نفسه، ولا يتوقّف رجحانه على الفقر والحاجة، وإن هناك أعمالاً تتـناسب مع شأن المرأة وطبيعة حياتها، كالنساجة والحياكة ونحو ذلك، فيمكن للمرأة أن تعتمد على هذه الأعمال والوظائف في تعزيز رشدها ودورها وثقتها بنفسها([44])، وإن لم تكن الزوجة محتاجةً إلى البدل الماليّ؛ باعتبار أنّ الزوج هو من يتوجّب عليه أن ينفق عليها ويؤمّن لها احتياجاتها. وعليه فليس المراد من عمل الزوجة جعلها أجيرةً للآخرين، أو أسيرةً للمعامل الاقتصاديّة أو الإداريّة، بل باستطاعتها أن تحفظ استقلالها وشخصيّتها بأن تقوم بأعمالٍ تضمن لها أجراً وبدلاً ماليّاً لقاء جهدها وتعبها، وتجعلها في أمانٍ من الضغوطات النفسيّة أو الجسديّة التي يمكن أن تـنجم عن العمل. ونشير على سبيل المثال إلى بعض الأعمال الإنتاجيّة، كالنساجة، والخياطة، أو الأعمال اليدويّة، التي يمكن ممارستها والقيام بها في محيط البيت والأسرة، على أن تأخذ الدولة على عاتقها مسؤوليّة الترويج لمنتوجات هذه الوظائف وتأمين سوقٍ لها. فلو استطاعت المرأة أن ترفع من مستوى دخلها، من دون أن تُلحق بالأسرة وأجوائها أيّ ضررٍ، فإنّ هذا سيكون له منافع جليلة، ومنها: ارتفاع مستوى الثقة بالنفس لدى المرأة، الذي ينعكس عليها ـ لا محالة ـ إحساساً بالاطمئنان والراحة تجاه مستقبل أيّامها، بل ربما أدّى عملها أيضاً ـ مع توفّر الشرط المذكور ـ إلى التقليل من نسبة وقوع الطلاق إلى حدٍّ كبير؛ وذلك لأنّ للطلاق عاملين أساسيّين: أحدهما: الفراغ، والبطالة، وعدم وجود ما يشغل اهتمام المرأة في ضمن الأسرة؛ والآخر: انشغالها طيلة الوقت بأعمالٍ تمارسها بعيداً عن أجواء الأسرة. وأمّا لو استطاعت أن تؤمّن لنفسها عملاً يعود عليها بالدخل والبدل الماليّ، ولا يُبعدها عن محيطها الأسريّ، فإنّها بذلك تتخلّص من الآثار السلبيّة والهدّامة التي تعشعش في زوايا الفراغ والبطالة، وتضمن لنفسها أن لا تقع تحت تأثير الضغوط الناشئة عن العمل؛ لأنّ المرأة في مثل هذه الوظائف تكون سيّدة نفسها، ومستقلّةً في قرارها، من دون أن يكون هناك من يُملي عليها، أو يرغمها على مضاعفة جهودها.

والنتيجة أنّ اللاّزم لحلّ هذه المشكلة أن يُصار إلى العمل باتّجاه تقوية قدرات الزوجة ومؤهّلاتها الروحيّة والجسديّة؛ لما له من الأثر الكبير في تعزيز ثقتها بنفسها، على أن يتمّ ربط ذلك في عقيدتها بفضل الله تعالى وسعته.

3ـ إصلاح الأحكام القضائية

ومن العوامل التي تُسهم في توجّه النساء ونزوعهنّ نحو المطالبة بمهرٍ مرتفع الأحكام القضائية الخاطئة، التي تستـند إلى حقّ الحبس، فتحكم بأنّ للزوجة الحقّ في الامتـناع عن ممارسة الحياة المشتركة مع زوجها إلى حين استلامها كامل مهرها، مع العلم أنّه ـ وبالاتّفاق بين الطرفين ـ لا يثبت للزوجة حقّ الحبس في صورة كون المهر المسمّى مرتفعاً وخياليّاً؛ إذ بناءً على النظريّات الفقهيّة المعمول بها، وكذلك المادّة رقم 1085 من القانون المدنيّ، فإن حقّ الحبس يثبت للزوجة إذا كانت قد اشترطت في مهرها أن يُدفع إليها نقداً، وأمّا لو كان مرتفعاً وخياليّاً فقد نصّت المادّة المذكورة على أنّ زمن دفع المهر يبدأ عند مطالبة الزوجة الزوج به، فلو تحقّق هذا الشرط ـ أعني شرط الزمان ـ ولو في فترة قصيرة جدّاً، ثمّ صار المهر على أثره حالاًّ، فلن يثبت للزوجة الحقّ في الحبس. وقد فسّرت الرؤية القضائيّة عبارة «عند المطالبة» الواردة في متـن هذه المادّة بالنقد وزمان الحالّ.

ولكن يجب الالتفات هنا إلى:

أوّلاً: إنّ المراد من اشتراط حلول المهر ونقديّته في ثبوت حقّ الحبس إنّما هو وقت وزمان وقوع عقد النكاح، ولكن لو كان الزوج يضع نصب عينيه احتمال أن تبادر الزوجة إلى مطالبته بالمهر، ولو بنسبة 1% فقط، لما أقدم على القبول بمهرٍ يعلم جيّداً أن لا قدرة له على دفعه.

إنّ تفسير الهيئة القضائيّة لعبارة «عند المطالبة» بمعنى الحالّ، لا المؤجّل، بحيث يمكن للزوجة أن تبادر في الحال إلى المطالبة بمهرها مهما كان مرتفعاً، ومن هذا المنطلق يُعطى لها الحقّ في الحبس بمجرّد المطالبة، ولو في الحال، هو تفسير لهذه العبارة بحسب معناها اللّغويّ، مع أنّ المادّة رقم 224 من القانون المدنيّ تـنصّ على أنّ تفسير ألفاظ العقود ينبغي أن يكون على أساس معانيها العرفيّة. ولو أخذنا بعين الاعتبار المعنى العرفيّ لعبارة «عند المطالبة»؛ بالنظر إلى ما هو المقصود منها في مجلس وقوع العقد، فمن المسلّم أنّ مراد العرف والطرفين منها ليس هو حال زمان وقوع العقد، بل المراد أنّه بمجرّد المطالبة بالمهر في زمان مستقبليّ ومؤجّل يتوجّب على الزوج أن يبادر إلى دفعه، وهذا ـ أيضاً ـ هو معنى العبارة التي تُعورِف استعمالها في مجلس الاتّفاق على العقد، ولا سيّما في حالات ارتفاع المهر، أعني قولهم: «من أعطى؟! ومن أخذ؟!..». وهذا نظير ما حكم به بعضهم في باب البيع، من أنّه لو حصل التوافق بين المتبايعين على تأخير الثمن، ولو إلى فترة يسيرة، فإنّ البيع والحالة هذه يكون مؤجّلاً، فلا يَثبت للبائع الحقّ في الحبس([45]).

وثانياً: لو سلّمنا أنّ معنى عبارة «عند المطالبة» يتـناول زمان الحال فلو لم تبادر الزوجة إلى المطالبة بمهرها مباشرة بعد انعقاد العقد تكون قد أسقطت حقّ الحبس عن نفسها، ومن الواضح أنّه لا يصحّ تفسير الشروط المأخوذة ضمن العقد بما يؤدّي إلى استغلالها وسوء الاستفادة منها.

وعلى هذا الأساس فإنه إثبات حقّ الحبس للزوجة في حالات ارتفاع المهر إلى حدٍّ خياليّ هو على خلاف معايير الحقوق والقانون؛ لأنّ عبارة «عند المطالبة»، التي يتمّ إدراجها كشرطٍ في وثيقة الزواج عند وقوع عقد النكاح، ظاهرة عرفاً في إرادة المستقبل، وإلاّ لو كان هذا الشرط ناظراً إلى الزمن الحال لما كان هناك حاجة إلى إثباته وكتابته في سند العقد. ومن هنا نجد أنّ القرآن يأمر بالكتابة والتوثيق في خصوص الدَّين المؤجَّل. فالدَّين باعتبار زمان حلول أجله على ثلاثة أنواع: الدين الحالّ أو النقديّ؛ والدين المؤجَّل؛ والدين الذي يحلّ أجله عند المطالبة. وهذا القسم الأخير ليس من قبيل الدّين الحالّ، وإنّما يحلّ أجله في المستقبل عند صدور المطالبة من الدائن، وهذا بخلاف الدين المؤجَّل، الذي يكون له أجل معيَّن لا يصحّ للدائن المطالبة به قبل حلوله. مضافاً إلى أنّ إثبات حقّ الحبس للمرأة التي اشترطت مهراً مرتفعاً وخياليّاً عاجزٌ عن تقديم الحماية لها، بل إنّه يؤدّي إلى سوء الاستفادة منه؛ إذ من المسلّم به عُرفاً أنّ الزوجة إنّما تعمد إلى تفعيل حقّها في الحبس عندما لا يكون لها نيّة في بناء حياة مشتركة مع الزوج. وهذا في صورة عجز الزوج عن دفع المهر يعدّ استغلالاً وسوء استفادة من قبل الزوجة لحقّها في الحبس. والحاصل أنّ إصلاح النظريّة المعمول بها قضائياً في ما يتعلّق بشرط زمان دفع المهر هو أحد الطرق الضروريّة في محاربة ظاهرة غلاء المهور وارتفاعها. وأمّا عبارة «عند المطالبة» المأخوذة شرطاً في جميع حالات المهر المرتفع فينبغي تفسيرها بنحو الدين المؤجَّل.

وإلى جانب إصلاح الأحكام القضائية ينبغي أن يُصار إلى اجتـناب سجن الزوج لمجرّد كونه مديوناً بمثل هذه المهور، ويتعيّن على الهيئة القضائيّة أن تدقّق جيّداً في هذه المسألة لتأتي بها على طبق الموازين الإسلاميّة التي يمكن استفادتها صراحةً من الآية 280 من سورة البقرة، وهي قوله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}([46])، وكذلك الآيات الأُخرى التي تثني على صنيع الأشخاص الذين يحذرون مطالبة المعسر وسوء حسابه، كما ورد في الخبر أنّ رجلاً دخل على أبي عبد الله× فقال أبو عبد الله×: ما لفلانٍ يشكوك؟ فقال الرجل: طالبته بحقّي. فقال أبو عبد الله×: أترى أنّك إذا استقصيْتَ عليه لم تسِئْ به؟ أترى الذي حكى الله عزّ وجلّ: {وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ} يخافون أن يجور الله عليهم؟! والله ما خافوا ذلك، ولكنّهم خافوا الاستقصاء، فسمّاه الله سوء الحساب. ومن هنا ذهب الفقهاء إلى حرمة مطالبة المعسر، والإلحاح عليه، وإلحاق الأذيّة به، على تقدير ثبوت عدم قدرته على الأداء شرعاً، وإلى أنّه إذا لم تحلّ مطالبته فبالأولى أن لا يحلّ حبسه([47]).

وعلى ضوء ما تقدّم فإن أرادت الهيئة القضائيّة أن تطبّق معايير حقوق الإسلام في تعاملها مع الأزواج المدينين بمهورٍ مرتفعة وخياليّة فينبغي أن لا تحكم على أحدٍ منهم بالسجن لمجرّد عدم قدرته على الدفع، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس على الزوجة أيضاً، التي إن رأت أنّ الزوج عاجز ماليّاً عن تأمين هذا المهر الذي سمّته امتـنعت عن الإصرار على اشتراط مهر مرتفع. ولكنّ المشكلة ـ كما عرفنا آنفاً ـ أنّ الزوجة في الغالب تـنظر إلى المهر بوصفه ضمانةً لها تـنجيها من خطر وقوع الطلاق، بحيث لو حصلت أدنى مشكلةٍ بينها وبينه في مستقبل الأيّام فيمكن لها أن تطالب بمهرها، ولو كان عاجزاً عن دفعه لها، ما يؤدي به إلى السجن، فهي ترى أنّ الرفع من قيمة المهر يجعلها في موقع الأقوى، ويجعل الزوج من الناحية القانونيّة هو الحلقة الأضعف. وهذا يتـنافى ـ كما سبق ـ مع فلسفة المهر في حقوق الإسلام؛ إذ ليس من أهداف المهر تقوية أحد الطرفين على الآخر، وإنّما الغرض إيجاد الألفة والمحبّة بينهما؛ إذ القلب ـ كما ورد في الروايات ـ يرتّب الألفة والأنس على الإحسان إليه.

وعلى هذا الأساس يجب على الهيئة القضائيّة في التعاطي مع المهور المرتفعة والخياليّة أن تعمل وفقاً لمعايير الإسلام، وبدلاً من الحكم على الزوج بالحبس تطلب من الزوجة أن تعرف حدود القدرة الماليّة للزوج، لكي يصبّ المهر الذي تسمّيه في صالحها في نهاية الأمر. فإن لم تصل الزوجة ـ التي هي شريكة الزوج في حياته ـ إلى معرفة مقدار ما يمتلكه الزوج، ومعرفة كونه قادراً على السداد، فإنّ الظاهر من حاله عرفاً أنّه فاقدٌ للقدرة الماليّة على السداد.

وأمّا تلك الروايات الظاهرة في حبس المديون إلى حين إثبات إعساره فمنصرفة عن الزوج، وغير شاملةٍ له؛ لأنّ الظاهر في العقود الماليّة أنّ كلّ من يأخذ على عهدته تعهّداً ماليّاً فهو قادر على تسديده وإجرائه، فحبسه وزجّه في السجن إنّما هو لمكان إثبات خلاف هذا الظاهر. وأمّا النكاح فإنّه على العكس من المعاملات الماليّة تماماً؛ إذ من الواضح أنّ غالبيّة الأزواج لا تكون لهم القدرة على دفع المهر في زمان وقوع عقد النكاح. وبالتالي يتعيّن على الزوجة أن تُثبت أنّ الزوج قادر على دفع المهر لها، وهو ما يتمّ عن طريق الكشف عن أمواله وممتلكاته، ومعه لا تصل النوبة إلى الحكم عليه بالسجن.

والحاصل أنّ الرؤية القضائيّة الحاكمة بثبوت حقّ الحبس للزوجة ناشئة من عبارة «عند المطالبة»، ولكنّ حبس الزوج الفاقد للقدرة الماليّة على دفع المهر يجب أن يكون مطابقاً لمعايير حقوق الإسلام، لئلا يؤدّي الوضع الراهن إلى ترغيب المرأة ودفعها نحو اشتراط مهر غالٍ ومرتفع.

خلاصة واستنتاج

بالرغم من أنّ غلاء المهور في مجتمعاتـنا الإسلاميّة يشكّل أحد أهمّ عوامل الفساد والانحلال الاجتماعي؛ نظراً لكونه يقف مانعاً من الإقدام على عقد الزواج لدى كثير من الشباب. كما يمكن عدّه ضمن الأسباب المباشرة التي تسهم في تفاقم واحدةٍ من أكبر المشاكل الاجتماعيّة المعاصرة في أكثر الدول العربيّة، وهي مشكلة العنوسة، وكثرة عدد النساء العوانس. كما يشكّل المهر المرتفع في مرحلة ما بعد عقد النكاح أحد الموانع التي تحول دون وصول الزوجين إلى التفاهم على حلّ مشاكلهما العائليّة؛ وذلك لأنّ الضمانات الإجرائيّة الشديدة التي يفرضها القانون والرؤية القضائيّة على عدم دفع المهر يؤدّي إلى مسارعة الزوجة، وقبل اعتمادها على العقل والوعي العامّ، نحو حلّ المشكلة بالاعتماد على حبس الزوج؛ لتقوية موقعيّتها في هذا الصراع العائليّ.

وقد عرفنا أنّ أحد العوامل التي تساهم في حصول الاتّفاق على المهر المرتفع وجود نظريّاتٍ قانونيّةٍ وعرفيّةٍ متـنوّعةٍ بالنسبة إلى دور المهر في النكاح؛ لأنّ المهر في منظور العرف ليس إلاّ ضمانةً لبقاء النكاح، وعلى أثر هذه النظريّة يتولّد الإصرار على زيادته ومضاعفة قيمته ومقداره، في وقتٍ نقطع فيه بأنّ هدف الإسلام من إقرار مبدأ المهر هو أن يكون هديّةً يدفعها الزوج ـ بحكمٍ من الشارع ـ لزوجته، وليس عوضاً، ولا ضمانةً لبقاء النكاح.

ولما كانت المشاريع التي تمّ اقتراحها في السنوات الأخيرة لإصلاح الوضع الراهن ـ من قبيل: تحديد سقفٍ أعلى للمهر بشكلٍ قانونيّ، أو ممارسة ضغطٍ ماليّ وفرض ضرائب على المهر المرتفع، أو جعله مشروطاً بالمطالبة ـ لا تأخذ بعين الاعتبار العلل الحقيقيّة التي تقف وراء مطالبة الزوجة بمهرٍ مرتفع لنفسها، وتعمل على معالجتها، فإنّها تبقى عاجزةً عن حلّ المشكلة. وعلى هذا الأساس فلا بدّ من إصلاح نظريّة العرف بالنسبة إلى المهر، وتعميم النظريّة الصحيحة التي تفيد بأنّ المهر هديّة قانونيّة، وليس عوضاً، ولا هو موجب لضمان بقاء النكاح ودوامه. وأمّا الزوجة فعليها أن تدرك بأنّ تأمين مستقبلها لا يكون إلاّ بالاعتماد على فضل الله تعالى، وعلى ما لديها من المؤهّلات الشخصيّة. وأما الأحكام القضائية فيجب أن تكون مطابقةً لمعايير حقوق الإسلام؛ لأنّ الظاهر أنّ المهر المرتفع؛ بالالتفات إلى اشتراط المطالبة، وإثباته في دوائر السجلاّت والأسناد الرسميّة، وعملاً بمقتضى القرائن والظهورات العرفيّة، ليس حالاًّ، ولا نقديّاً، الأمر الذي يعني أنّه لا يكفي لثبوت حقّ الزوجة في الحبس. مضافاً إلى مخالفة حبس المديون العاجز عن أداء الدين للموازين الإسلاميّة، ولزوم الرفق به، وإعطائه مهلةً ونَظِرةً إلى ميسرة. فلو أخذت الهيئة القضائيّة هذا الحكم بعين الاعتبار لما حكمت بالسجن على أيّ زوج لمجرّد عجزه عن تأدية المهر، وبالتالي فلن يكون هناك ما يرغّب المرأة بتسمية مهرٍ مرتفعٍ لا قدرة للزوج على أدائه.

الهوامش

(*) الأستاذ المساعد في لجنة الحقوق التخصّصية في كلية الحقوق التابعة لجامعة طهران في مدينة قم.

([1]) الشيخ مرتضى الأنصاريّ، كتاب النكاح: 265؛ والميرزا القمّيّ، جامع الشتات 3: 327.

([2]) السيّد علي الطباطبائي، رياض المسائل 10: 431؛ الشهيد الثاني، شرح اللمعة 2: 122.

([3]) المصدر نفسه؛ السيد علي الطباطبائي، المصدر السابق 10: 460.

([4]) ابن قدامة، المغني 10: 107.

([5]) العلاّمة الحلّيّ، قواعد الأحكام 3: 73.

([6]) الشيخ مرتضى الأنصاريّ، كتاب النكاح: 265؛ السيّد علي الطباطبائي، رياض المسائل10: 418؛ الشهيد الثاني، شرح اللمعة 2: 116؛ الشيخ يوسف الفقيه، الأحوال الشخصية في فقه أهل البيت: 284؛ بدران أبو العينين، الفقه المقارن للأحوال الشخصية: 183؛ محمّد محيي الدين عبد الحميد، الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية: 128.

([7]) الشيخ مرتضى الأنصاريّ، المكاسب 2: 144؛ الإمام الخمينيّ، كتاب البيع 3: 243؛ الميرزا محمّد حسين النائيني، منية الطالب 2: 359.

([8]) الشيخ مرتضى الأنصاريّ، كتاب النكاح: 262 ـ 263.

([9]) الدكتور سيد حسن إمامي، حقوق مدني 4: 359 و451.

([10]) محمود إمامي نميني، ماهيت مهر ونقد مهريه هاى سنگين: 22.

([11]) السيّد محمّد كاظم اليزديّ، سؤال وجواب: 320؛ المولى أحمد الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 10: 47.

([12]) محمود إمامي نميني، المصدر السابق: 37.

([13]) الدكتور حسين صفائي، وأسد الله إمامي، مختصر حقوق خانواده: 166.

([14]) راجع: الشيخ الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة 7: 266 ـ 267.

([15]) العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 4: 269؛ الشيخ الطوسي، البيان في تفسير القرآن 4: 109.

([16]) السيّد مصطفى محقّق داماد، حقوق خانواده: 227 ـ 229؛ بدران أبو العينين، الفقه المقارن للأحوال الشخصية: 182.

([17]) محمّد حسين آل كاشف ‌‌الغطاء، تحرير المجلة 5: 56.

([18]) العلاّمه الحلّيّ، قواعد الأحكام 3: 75؛ الشيخ محمّد حسن النجفي، جواهر الكلام 31: 17 و47؛ محمّد حسين آل كاشف‌‌ الغطاء، تحرير المجلة 5: 56.

([19]) ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول 436.

([20]) الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة 7: 22.

([21]) العلاّمه الحلّيّ، قواعد الأحكام 3: 82؛ السيّد علي الطباطبائي، رياض المسائل10: 427؛ الشهيد الثاني، شرح اللمعة 2: 117.

([22]) المحقّق الداماد، حقوق خانواده: 253.

([23]) الدكتور علي رضا باريكلو، أشخاص وحمايت حقوقي آنان: 29؛ الدكتور سيّد حسين صفايي والدكتور سيد مرتضى قاسم زاده، حقوق مدني أشخاص ومحجورين: 11.

([24]) السيّد المرتضى، الانتصار: 292.

([25]) راجع: محمّد حسن النجفيّ، جواهر الكلام 31: 15.

([26]) الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 8: 168.

([27]) الشيخ يوسف الصانعي، استفتاءات قضائي: 473.

([28]) العلاّمة الحلّيّ، قواعد الأحكام 3: 75؛ الشيخ محمّد حسن النجفيّ، جواهر الكلام 31: 17؛ محمّد حسين آل كاشف‌‌ الغطاء، تحرير المجلة 5: 65؛ ابن قدامه، المغني10: 101؛ ابن جزي، القوانين الفقهية: 165.

([29]) راجع: الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة 7: 9 فما بعد.

([30]) الدكتور مهدي شهيدي، سقوط تعهدات: 51.

([31]) الميرزا جواد التبريزيّ، الاستفتاءات الجديدة: 366.

([32]) الشيخ محمّد تقي بهجت، گنجينه آراي فقهي ـ قضائي، رقم 6049.

([33]) المولى أحمد النراقي، 1417، ص511.

([34]) الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، تفسير نمونه، الملحق.

([35]) الشيخ يوسف الصانعي، استفتاءات قضائي 473؛ الشيخ حسن الجواهري، بحوث في الفقه المعاصر: 161.

([36]) المولى أحمد النراقي، 1417، ص 511.

([37]) الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، تفسير نمونه، الملحق.

([38]) السيّد أبو القاسم الخوئي، المباني في شرح العروة الوثقى: 3.

([39]) الدكتور أبو القاسم گرجي وجمع من المؤلّفين، بررسى تطبيقى حقوق خانواده: 254.

([40]) الزمخشري، الكشّاف 1: 514؛ بدران، المصدر السابق: 80.

([41]) الدكتور أبو القاسم گرجي وجمع من المؤلّفين، المصدر السابق: 250.

([42]) الدكتور مهدي شهيدي، المصدر السابق: 15.

([43]) العلاّمة السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن 5: 166؛ الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، تفسير نمونه 4: 154.

([44]) الإمام الخمينيّ، كتاب البيع 2: 17.

([45]) الإمام الخمينيّ، كتاب البيع 5: 335.

([46]) السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن 2: 281؛ الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، تفسير نمونه 3: 649.

([47]) السيّد محمّد جواد الحسينيّ العامليّ، مفتاح الكرامة 15: 58.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً