أحدث المقالات

د. الشيخ عصري الباني([1])

 

الخلاصة

الميزان في تفسير القرآن من أشهر وأشمل التفسيرات الشيعية، وهو من التفاسير التي كتبت في القرن الرابع عشر الهجري، وقد اعتمد فيه مؤلِّفه السيد محمد حسين الطباطبائي (1321 ــ 1402هـ) أسلوب الدقة العلمية والعمق والإنصاف في الطرح ومعالجة القضايا وتفسير القرآن بالقرآن، قدم هذا التفسير فرصة كبيرة لدخول المجتمع العلمي وجذب انتباه العلماء والباحثين من كلا الفريقين، وهو اليوم على رأس أفضل التفسيرات في مجال فهم آيات القرآن الكريم وتفسيرها. لم يمض وقت طويل قبل نشر هذا التفسير في الأسواق حتى بدأ الباحثون والعلماء في توضيح جميع زواياه والبحث عنه. وكانت نتيجة تلك الحركة العلمية نشر مئات الكتب والأطروحات والمقالات التي تركز على التفسير. من مزايا التفسير عمق المواضيع، قصص الأنبياء كـإعجاز القرآن، استجابة الدعاء، الروح والنفس، التوبة، التوحيد، البركة، الرزق، الإحباط، الجهاد، و… وهو ما قدمه بمناسبة تفسيره للآيات المتعلقة بتلك الموضوعات. وبالرغم من الجهود الكبيرة التي قام بها السيد الطباطبائي(ر) وما تميز به تفسيره من مميزات ولكن هذا التفسير يلاحظ عليه مجموعة من الملاحظات العلمية والتي من اهمها موقفه من النبي واهل البيت(عم) والتي سنشير اليها في هذا المقال من خلال المنهج الوصفي التحليلي.

أولاً: منهج الطباطبائي في (تفسير الميزان)

المنهج الذي اتّبعه السيّد الطباطبائي(ر) في تفسيره الميزان هو تفسير القرآن بالقرآن، وأنّ القرآن جاء فيه تبيانٌ لكلّ شيء، فكيف لا يكون تبياناً لنفسه؟! يقول: «ثانيهما: أن نفُسّر القرآن بالقرآن ونستوضح معنى الآية مِن نظيرتها بالتدبّر المندوب إليه في القرآن نفسه، ونشخّص المصاديق ونتعرّفها بالخواص التي تعطيها الآيات كما قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ (النحل: 89) وحاشا أن يكون القُرآن تبياناً لكلّ شيء ولا يكون تبياناً لنفسه…»([2]).

وفي معرض الجواب عمّا قاله نقول:

1ـ إن هذا المنطق الذي تحدّث به صاحب الميزان يُخالف منطق القرآن، فيقول تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَم تَأْويلَهُ إلاَّ اللهُ والرَّاسِخُون في العِلْم﴾ (آل عمران: 7)، فصاحب الكتاب شخَّص لنا الجهة التي تعرف حقيقة القران وأن غيرهم لا يستطيعون تمييز هذه الحقائق، فالقران حدَّد جهتين:

الأولى: هي الله جل جلاله: ولا يستطيع احد ان يتصل بالله كي يسالوه عن حقائق القران.

الثانية: الراسخون في العلم وهؤلاء لا هم خلفاء السقيفة ولا رؤساء المذاهب الاربعة ولا هم السيّد الطباطبائي(ر) ولا غيره، فالراسخون في العلم الذين يتحدث عنهم القرآن هم محمد وآل محمد(عم) ومن كان غير راسخ في العلم فكيف يفسِّره؟! والمراجع للقرآن الكريم يجد أنهم وضعوا علامة وقف بعد لفظ (الله) وجعلوا لفظ والراسخون في العلم استئنافية لا عاطفة، ولكن عندما نرجع إلى قراءة أهل البيت(عم) نجد أن الواو عاطفة وهو ما جاء في مجموعة من الروايات منها صحيحة([3]) بريد بن معاوية، عن أحدهما(عما) في قوله الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ (آل عمران: 7) فرسول الله(ص) أفضل الراسخين في العلم، قد علمه الله (عزَّ وجلَّ) جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله، والذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيهم بعلم، فأجابهم الله بقوله: ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ والقرآن خاص وعام ومحكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، فالراسخون في العلم يعلمونه([4])، وأما علامة (قلى) التي تعني التوقف فلا محل لها من الإعراب وهي من قواعد التجويد التي وضعها العامة ولا يجوز لنا أن نتمسك بها من جهة أن التمسك بها معناه تدمير مضامين القران فيكون المعنى في الآية محل البحث ان الله تعالى هو فقط من يعلم التأويل وأما الواو فهي استئنافية ما يعني أن الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وعليه فهم لا يعلمون حقائق القرآن وهو ما يريده العامة، فإذا كانت الواو عاطفة تكون عبارة (يقولون) حالاً لأن الجمل بعد المعارف احوال فتكون جملة حالية وأما إذا قلنا بانها استئنافية ستكون خبراً للراسخين في العلم لأنها جملة جديدة.

2ـ ان التأويل في اللّغة يعني: إرجاعُ الشيء إلى أوّليتهِ إلى حقيقته([5])، فالتأويل يعني حقائق القرآن وهي خاصّة بالله وبالراسخين بالعلم ومن هنا لا يستطيع السيّد الطباطبائي(ر) ولا غيره ان يفسره.

3ـ إذا كان القرآن يُفسّر نفسه بنفسه، فما معنى إذن أنّ فيه مُحكم ومُتشابه؟!

4ـ ما معنى ما جاء في قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ﴾ (الواقعة: 77)؟! فالقرآن يبين أنّ الذي يعرف أسراره وحقائقه هم محمّدٌ وآل محمّد(عم)([6]).

5ـ يُمكن أن نفسّر القرآن بالقرآن ولكن ضِمن قواعد وأصول تُؤخذ مِن العترة الطاهرة، لا أنّ القضيّة مفتوحة هكذا بحسب ما يتذوّقه المفسِّر، كما يقول هنا السيّد الطباطبائي(ر) مِن أنّ القرآن يُفسّر نفسه بنفسه، فهذا المنطق في حقيقته مأخوذٌ من المنطق العُمَري: «حسبنُا كتاب الله»([7])، فيجعل نفسه عالما بالقران من دون يعود إلى قانون فهم القران الذي وضعه الله في قرانه.

6ـ النهي الوارد في الروايات، ونشير إلى بعضها:

الرواية الأولى: صحيحة([8]) القاسم بن سُليمان، عن أبي عبدالله(ع) قال: «قال أبي ما ضربَ رجلٌ القرآن بعضه ببعض إلاَّ كفر»([9]).

الرواية الثانية: عن جابر بن يزيد قال: سألت أبا جعفر(ع) عن شيء من التفسير فأجابني ثم سألته عنه ثانية فأجابني بجواب آخر فقلت: كنت أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا، فقال: «يا جابر، إن للقرآن بطناً وللبطن بطناً وله ظهر، وللظهر ظهر. يا جابر، وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، وإن الآية يكون أولها في شيء وآخرها في شيء، وهو كلام متصل متصرف على وجوه»([10]).

الرواية الثالثة: عن أبي بصير عن أبي عبد الله(ع) قال: «مَنْ فسر القرآن برأيه إنْ أصاب لم يؤجر وأن أخطأ فهو أبعد من السماء»([11]).

وهنا ينبغي الإشارة إلى أمور:

أـ ان التفسير الذي جاء في الروايات هو تفسير القرآن بالقرآن بحسب ما يفهمهُ الإنسان، لا بحسب قواعد أهل البيت(عم).

ب ـ يُمكننا أن نُفسّر القرآن بالقرآن ولكنْ وفقاً لقواعد أهل البيت(عم) في التفسير، ووفقاً لِمُصطلحاتهم ورموزهم وعناوينهم وهذا ما لم يقم به السيد الطباطبائي(ر) أساساً لأنه رفض أحاديث أهل البيت في تفسير القرآن.

ج ـ الإمام قال عن الذي يضرب القرآن بعضه ببعض أنّه كفر؛ لأنّه قد أنكر بيعة الغدير وبيعة الغدير مَن يُنكرها فقد كفر بصريح القرآن في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (المائدة: 67). والكفر درجات ومراتب.

7ـ ومن وصية له(ع) لعبد الله بن العباس لمّا بعثه للاحتجاج على الخوارج قال: «لا تخاصمهم بالقرآن فإن القرآن حمّال ذو وجوه تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسنّة فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً»([12]).

هنا نقول للسيد الطباطبائي(ر):

ـ هذا قانونٌ وضعه أمير المؤمنين(ع) فالقرآن حمّالٌ ذو وجوه فمَن الذي أدرى السيّد الطباطبائي(ر) أنّ الوجه الذي أدركه في تفسيره للقرآن هو الوجه المطلوب؟!.

ـ لا بُدّ إذن مِن مُرجّحٍ، والمُرجّح هو المعصوم، وسيّد الأوصياء بيَّن ذلك في نفس حديثه حين قال: «ولكن حاججهم بالسُنّة، فإنّهم لن يجدوا عنها مَحيصاً» والسُنّة في حديثهم(عم).

ثانياً: قاعدة الجَرْي

يتبنى السيّد الطباطبائي(ر) قاعدة اسماها بـ «قاعدة الجري» ويبينها بقوله: «والروايات في تطبيق الآيات القرآنية عليهم(عم) أو على أعدائهم أعني: روايات الجري، كثيرة في الأبواب المختلفة، وربما تبلغ المئين، ونحن بعد هذا التنبيه العام نترك ايراد أكثرها في الأبحاث الروائية لخروجها عن الغرض في الكتاب، إلا ما تعلق بها غرض في البحث فليتذكر»([13]). فجاء إلى عدد كبير من أحاديث الأئمة(عم) وقال هذه الروايات والأحاديث جاءت بلسان الجري يعني حينما يقول المعصوم هذه الآية مثلاً في امير المؤمنين(ع) فإن السيد الطباطبائي يرفض ذلك ويقول: إنما هي من باب الجري يعني من باب المثال أو من باب المصداق وليست حقيقه هي في أمير المؤمنين(ع).

وفي معرض الردّ على ما قاله(ر) أقول:

1ـ إن مصطلح (الجري) أخذ من الروايات ومنها ما روي عن أبي جعفر(ع): «…يا خيثمة إن القرآن نزل أثلاثاً فثلث فينا وثلث في عدونا وثلث فرائض وأحكام، ولو أن آية نزلت في قوم ثم ماتوا أولئك ماتت الآية إذن ما بقي من القرآن شيء، إن القرآن يجري من أوله إلى آخره وآخره إلى أوله ما قامت السماوات والأرض فلكل قوم آية يتلونها»([14]).

2ـ إن عنوان (الجري) عند العلامة الطباطبائي يعني المعنى الثانوي، وعليه يكون الأئمة تحدّثوا المئات من الروايات في القرآن بالمعنى الثانوي، ولم يتحدّثوا عن تفسير القرآن الأصلي، إذن أين هي رواياتُ أهل البيت في تفسير القرآن إذا كانت كُلّ هذه الروايات التي هي بالمئات كُلّها في الجري؟!

3ـ إن عنوان (الجري) هو انتقاصٌ من أهل البيت(عم)؛ لأنّك بهذا المنطق تقول: إنّ أهل البيت(عم) لا يعرفون الأولويات فهم يُفسّرون القرآن من جهة ثانويّة ويتركون المعاني الأصليّة الأولى، وأما السيّد الطباطبائي(ر) فيستطيع تفسير القرآن بالقرآن ويصِل إلى المعاني الأصليّة للقرآن! وهذا غير منطقي.

4ـ الروايات التي أوردها السيّد الطباطبائي(ر) عن أهل البيت في تفسير القرآن تعامل معها بالشكل التالي:

أـ أن يرفضها ويقول عنها: موضوعة.

ب ـ أن يُضعّف أسانيدها.

ج ـ أن يقولوا: إنها من قبيل الجري.

5ـ إن هذه الروايات قد شحنت بالمصطلحات ولا بُدَّ من معرفة هذه المصطلحات من نفس الرواية ومن روايات اخرى ومن آيات القرآن الكريم روايات تحدثت عن ظهر وبطن وتحدثت عن حرفٍ واحد وتحدثت عن مطلع أو مطلع وتحدّثت عن تنزيل وتأويل وهذه مصطلحات بحاجة إلى شرح وبيان ومعرفة دقيقة وعليه في كلام العلامة الطباطبائي(ر) كلام بعيد عن منهج الكتاب والعترة.

ثالثاً: موقفه من النبيّ الأعظم(ص)

أـ أمية النبي(ص)

يقول السّيد الطّباطبائي(ر) في معنى قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ (العنكبوت: 48): «…وما كان من عادتك قبل نزول القرآن أن تقرأ كتاباً ولا كان من عادتك أن تخطّ كتاباً وتكتبه ـ أي ما كنتَ تُحسن القراءة والكتابة لكونكَ أميّا ولو كان كذلك لارتاب هؤلاء المبطلون الذين يبطلون الحق بدعوى أنه باطل لكن لما لم تحسن القراءة والكتابة واستمرت على ذلك وعرفوك على هذه الحال لمخالطتك لهم ومعاشرتك معهم لم يبق محل ريب لهم في أمر القرآن النازل إليك أنه كلام الله تعالى وليس تلفيقا لفقته من كتب السابقين ونقلته من أقاصيصهم وغيرهم حتى يرتاب المبطلون ويعتذروا به»([15]).

وهذه الفكرة ـ ومع الاسف الشديد ـ نجدها موجودة في كتب تفسيرنا وعقائدنا ومفكرينا ومتكلِّمينا وفقهائنا فنجد عندما يناقشون شرائط مرجع التقليد فان البعض يذهب إلى عدم اشتراط الكتابة في المرجع باعتبار ان النبي كان امام الناس ولم يكن يعرف القراءة والكتابة بل في شرائط القاضي وهكذا بالنسبة للمفكرين واصحاب المنابر فصارت القضية بديهية في الفكر الشيعي من ان النبي كان اميا وهي فكرة اساسها المخالفون لمدرسة أهل البيت(عم).

وعند الرجوع إلى ما يقوله أهل البيت(عم) في معنى (النّبي الأمي) نجدهم يخالفون هذا الراي بل ويصفون القائل به بالكذب ويلعنوه بغضب ونشير هنا إلى بعض هذه الأخبار:

1ـ عن جعفر بن محمد الصوفي قال سألت أبا جعفر(ع) محمد بن علي الرضا(ع) وقلت له يا بن رسول الله لم سمى النبي الأمي قال ما يقول الناس قال قلت له جعلت فداك يزعمون إنما سمى النبي الأمي لأنه لم يكتب فقال: كذبوا عليهم لعنة الله انى يكون ذلك والله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه: ﴿هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكِّيهم ويعلِّمهم الكتابَ والحكمةَ﴾ (الجمعة: 2) فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن؟! والله لقد كان رسول الله(ص) يقرأ ويكتب باثنين وسبعين أو بثلاثة وسبعين لسانا وإنما سمّي الأمي لأنه كان من أهل مكة ومكة من أمهات القرى وذلك قول الله تعالى في كتابه: ﴿لتنذر أمَّ القرى ومن حولها﴾ (الشورى: 7)([16]).

2ـ عن يحيى بن عمران الحلبي عن أبيه عن ابن عبد الله(ع) قال: سئل عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ (الأنعام: 19) قال: «بكلّ لسان»([17]).

3ـ عن الفضل بن أبي قرة عن أبي عبد الله(ع) في قول يوسف: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ (يوسف: 55)، قال: «حفيظ بما تحت يدي، عليم بكل لسان»([18]).

وهل هناك مقايسة بين يوسف(ع) وبين محمّد(ص)؟!

عن عليّ بن أسباط عن أبي جعفر(ع): قلتُ: إنّ النّاس يزعمون أنّ رسول الله لم يكن يكتب ولا يقرأ! فقال: كذبوا لعنهم الله، أنّى يكون ذلك، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾ (الجمعة: 2) فكيف يُعلّمهم الكتاب والحكمة وليس يُحسن أن يقرأ ويكتب؟! قلتُ: فلم سُمّي النّبي الأمي؟ قال: لأنّه نُسب إلى مكّة، وذلك قولُ الله عزَّ وجلَّ لتنذر أمّ القرى ومَنْ حولها، فأمّ القرى مكة، فقيل أمّي لذلك.

ولو أن السيد الطباطبائي(ر) رجع إلى اصول وقواعد فهم حديث أهل البيت(عم) بحسب ما هم يريدون لا بحسب ما يخرجه من بنات أفكاره المستندة إلى قواعد وأصول العامة لعرفوا أن النبي(ص) ليس أمّياً.

ب ـ قصّة الإفك

في تفسير سورة التين تحت عنوان: بحث روائي.. يقول: «الآيات تشير إلى حديث الإفك، وقد روي أهل السنة أن المقذوفة في قصة الإفك هي أم المؤمنين عائشة، وروت الشيعة أنها مارية القبطية أم إبراهيم التي أهداها مقوقس ملك مصر إلى النبي(ص)، وكل من الحديثين لا يخلو عن شيء على ما سيجيء في البحث الروائي الآتي».

وكلامه غريب فإن روايات أهل البيت(عم) أخبرتنا بان حديث الإفك وان آيات سورة النور متعلقة بمارية القبطية نشير إلى بعضها:

1ـ عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر(عما) يقول: لما مات إبراهيم بن رسول الله(ص) حزن عليه حزناً شديداً فقالت عايشة ما الذي يحزنك عليه فما هو إلا ابن جريح، فبعث رسول الله(ص) عليا وأمره بقتله فذهب علي(ع) إليه ومعه السيف وكان جريح القبطي في حائط وضرب علي(ع) باب البستان فأقبل إليه جريح ليفتح له الباب فلما رأى علياً(ع) عرف في وجهه الغضب فأدبر راجعاً ولم يفتح الباب فوثب علي(ع) على الحائط ونزل إلى البستان واتبعه وولى جريح مدبراً فلما خشي أن يرهقه صعد في نخلة وصعد علي(ع) في اثره فلما دنا منه رمى بنفسه من فوق النخلة فبدت عورته فإذا ليس له ما للرجال ولا ما للنساء فانصرف علي(ع) إلى النبي(ص) فقال يا رسول الله إذا بعثتني في الامر أكون فيه كالمسمار المحمى في الوتر أم أثبت؟ قال فقال لا بل أثبت، فقال والذي بعثك بالحق ما له ما للرجال ولا ما للنساء فقال رسول الله(ص) الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت([19]).

2ـ عن عامر بن واثلة قال: كنت في البيت يوم الشورى فسمعت علياً(ع) وهو يقول: نشدتكم بالله هل علمتم أن عائشة قالت: لرسول الله(ص): إن إبراهيم ليس منك وإنه ابن فلان القبطي، قال: يا علي اذهب فاقتله، فقلت: يا رسول الله إذا بعثتني أكون كالمسمار المحمى في الوبر أو أتثبت؟ قال: لا بل تثبت، فذهبت فلما نظر إلي استند إلى حائط فطرح نفسه فيه فطرحت نفسي على أثره فصعد على نخل وصعدت خلفه فلما رآني قد صعدت رمى بإزاره، فإذا ليس له شيء مما يكون للرجال فجئت فأخبرت رسول الله(ص) فقال: الحمد لله الذي صرف عنا السوء أهل البيت؟ فقالوا: اللهم لا، فقال: اللهم اشهد([20]).

3ـ عن عبد الله ابن بكير، قال: قلت لأبي عبد الله(ع) جعلت فداك، كان رسول الله(ص) أمر بقتل القبطي، وقد علم أنها قد كذبت عليه، أو لم يعلم، وإنما دفع الله عن القبطي القتل بتثبت علي(ع)؟ فقال: بل كان والله علم، ولو كانت عزيمة من رسول الله(ص) ما انصرف علي(ع) حتى يقتله، ولكن إنما فعل رسول الله(ص) لترجع عن ذنبها، فما رجعت، ولا اشتد عليها قتل رجل مسلم بكذبها.

4ـ عن الحسين بن حمدان الخصيبي: بإسناده عن الرضا(ع)، أنه قال لمن بحضرته من شيعته: هل علمتم ما قذفت به مارية القبطية، وما ادعي عليها في ولادتها إبراهيم بن رسول الله(ص)؟ فقالوا: يا سيدنا، أنت أعلم، فخبرنا. فقال: «إن مارية أهداها المقوقس إلى جدي رسول الله(ص)، فحظي بها من دون أصحابه، وكان معها خادم ممسوح، يقال له: جريح، وحسن إسلامهما وإيمانهما، ثم ملكت مارية قلب رسول الله(ص)، فحسدها بعض أزواجه، فأقبلت عائشة وحفصة تشكيان إلى أبويهما ميل رسول الله(ص) إلى مارية، وإيثاره إياها عليهما، حتى سولت لهما ولأبويهما أنفسهما بأن يقذفوا مارية بأنها حملت بإبراهيم من جريح، وهم لا يظنون أن جريحا خادم، فأقبل أبواهما إلى رسول الله(ص) وهو جالس في مسجده، فجلسا بين يديه، ثم قالا: يا رسول الله، ما يحل لنا، ولا يسعنا أن نكتم عليك ما يظهر من خيانة واقعة بك. قال: ماذا تقولان؟! قالا: يا رسول الله، إن جريحا يأتي من مارية بالفاحشة العظمى، وإن حملها من جريح، وليس هو منك. فاربد وجه رسول الله(ص) وتلون، وعرضت له سهوة لعظم ما تلقياه به، ثم قال: ويحكما، ما تقولان؟ قالا: يا رسول الله، إنا خلفنا جريحاً ومارية في مشربتها ـ يعنيان حجرتها ـ وهو يفاكهها، ويلاعبها، ويروم منها ما يروم الرجال من النساء، فابعث إلى جريح، فإنك تجده على هذه الحال، فأنفذ فيه حكم الله. فانثنى النبي إلى علي(عما)، ثم قال: يا أبا الحسن، قم ـ يا أخي ـ ومعك ذو الفقار، حتى تمضي إلى مشربة مارية، فإن صادفتها وجريحاً كما يصفان، فأخمدهما بسيفك ضربا. فقام علي(ع)، واتشح بسيفه وأخذه تحت ثيابه، فلما ولى من بين يدي رسول الله(ص)، انثنى إليه، فقال: يا رسول الله، أكون في ما أمرتني كالسكة المحمية في العهن، أو الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ فقال له النبي(ص): فديتك يا علي، بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب. فأقبل علي(ع)، وسيفه في يده، حتى تسور من فوق مشربة مارية، وهي في جوف المشربة جالسة، وجريح معها يؤدبها بآداب الملوك، ويقول لها: عظمي رسول الله(ص)، ولبيه، وكرميه، ونحو هذا الكلام، حتى التفت جريح إلى أمير المؤمنين(ع)، وسيفه مشهور في يده، ففزع جريح إلى نخلة في المشربة، فصعد إلى رأسها، فنزل أمير المؤمنين(ع) إلى المشربة، وكشفت الريح عن أثواب جريح، فإذا هو خادم ممسوح، فقال له: أنزل يا جريح. فقال: يا أمير المؤمنين، آمنا على نفسي؟ فقال: آمنا على نفسك. فنزل جريح، وأخذ أمير المؤمنين(ع) بيده، وجاء به إلى رسول الله(ص)، فأوقفه بين يديه، فقال له: يا رسول الله، إن جريحا خادم ممسوح. فولى رسول الله(ص) وجهه إلى الجدار، فقال: حل لهما نفسك ـ لعنهما الله ـ يا جريح، حتى يتبين كذبهما، وخزيهما، وجرأتهما على الله، وعلى رسوله. فكشف عن أثوابه، فإذا هو خادم ممسوح، فأسقطا بين يدي رسول الله(ص) وقالا: يا رسول الله، التوبة، استغفر لنا. فقال رسول الله(ص): لا تاب الله عليكما، فما ينفعكما استغفاري ومعكما هذه الجرأة، فأنزل الله فيهما: ﴿الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ ولَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وأَيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النور: 23 ـ 24).

قال السيد هاشم البحراني(ر) قلت: قصة جريح مع أمير المؤمنين(ع)، وإرسال رسول الله(ص) ليقتله، ذكره السيد المرتضى في كتاب (الغرر والدرر)([21]) وفسر ما يحتاج إلى تفسيره في الخبر، وهذا يعطي أن الحديث من مشاهير الأخبار، وسيأتي إن شاء الله تعالى في قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ (الحجرات: 6) أنها نزلت في ذلك([22]).

فهذا الأمر تكرر في أحاديث الأئمة(عم) ومع ذلك نجد أن السيد الطباطبائي(ر) يقارن حديث أهل البيت(عم) مع حديث غيرهم! وهم من قال: «دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم»([23])؛ لأنّهم سالكون مسالك الطبايع راغبون عن مراشد الشرايع غالباً وهذه قرينة واضحة على أنّ الحقّ في خلافهم([24]).

 ثم يقول: «فالأحرى أن نبحث عن متن الآيات في عزل من الروايتين جميعاً».

أقول: هذا هو المنهج العمري (حسبنا كتاب الله) والذي يتبعه السيد الطباطبائي(ر) في طول تفسيره من أوله إلى آخره.

ثم يقول: «غير أن من المسلم أن الإفك المذكور فيها كان راجعا إلى بعض أهل النبي(ص) إما زوجه وإما أم ولده»([25]).

أقول: معنى كلامه ان حديث أهل البيت(عم) غير صحيح وحديث العامة أيضاً غير صحيح وعليه فينبغي أن نفهم الآيات بمعزل عن الروايات ومن هنا يبدو له ان هناك شيء قد حدث بخصوص بيت النبي(ص) وان الافك كان موجوداً مع أن الإمام علي والإمام الباقر والإمام الرضا(عم) نفوا ان يكون شيئا قد حدث وهذا هو الفرق بين المنهج العمري ومنهج أهل البيت في تفسير القران.

رابعاً: موقفه مع الزهراء(س)

نجد في منهج العلامة الطباطبائي أنه في كل آية ورد فيها ذكر الزهراء(عا) لا يذكرها مع أنه يذكر آراء وروايات المؤرخين. ونذكر لذلك أمثلة:

1ـ قوله(ر) في تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران: 42): «…وأما ما قيل إنها مصطفاة على نساء عالمي عصرها فإطلاق الآية يدفعه…»([26]).

وفي معرض الرد على ما قاله(ر) نقول:

أوّلاً: إن القائل هم الأئمة(عم):

1ـ عن علي بن محمد الهرمزاني، عن أبي عبد الله الحسين بن علي(عما) قال: لما قبضت فاطمة(عا) دفنها أمير المؤمنين سرا وعفا على موضع قبرها، ثم قام فحول وجهه إلى قبر رسول الله(ص) فقال: السلام عليك يا رسول الله عني والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي… الخبر([27]).

2ـ عن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: إنما سميت فاطمة(عا) محدثه لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدثهم ويحدثونها فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وان الله (عزَّ وجلَّ) جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين ([28]).

3ـ عن ابن عباس قال: قال: النبي(ص): إن علياً وصيي وخليفتي، وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين ابنتي، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ولداي، من والاهم فقد والاني، ومن عاداهم فقد عاداني، ومن ناوأهم فقد ناوأني ومن جفاهم فقد جفاني، ومن برهم فقد برني وصل الله من وصلهم، وقطع الله من قطعهم، ونصر الله من أعانهم، وخذل الله من خذلهم اللهم من كان له من أنبيائك ورسلك ثقل وأهل بيت فعلي وفاطمة والحسن والحسين أهل بيتي وثقلي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً([29]).

4ـ عن الحسن بن أبي الحسن عن عِمرانَ بن حُصَين قال: أتيت النبي(ص) فسلّمتُ عليه، فقال: يا عِمرانُ إنّ لك منّا منزلة وجاهاً فهل لك في عِيادة فاطمة؟… ثمّ قال:… يا بُنيّة لا تجزَعي فوالذي بعثني بالنبوّة حقّاً إنّك سيّدة نساءِ العالمين… الخبر ([30]).

وإحصاء الروايات والزيارات التي تؤكد على هذا المضمون يحتاج منا إلى تأليف مجلدات فاين كان العلامة الطباطبائي من كل ذلك؟!

ثانياً: التعبير بـ (قيل) تشير إلى التقليل من قيمة القائل وتضعيف لقوله وهذا مما لا يجوز في التعامل مع حديث محمد وآل محمد(عم).

ثم إنه عند إيراده للروايات يأتي بروايات العامة أولاً؛ ولا تكون فيها الزهراء(عا) هي الأفضل فيها ثانياً، فيقول: «وفي الدر المنثور أخرج أحمد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن حبان والحاكم عن أنس أن رسول الله(ص) قال: حسبك من نساء العالمين ـ مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد ـ وفاطمة بنت محمد(ص) وآسية امرأة فرعون: قال السيوطي وأخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن مرسلاً.

وفيه أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: قال رسول الله(ص): أفضل نساء العالمين ـ خديجة وفاطمة ومريم وآسية امرأة فرعون.

وفيه أخرج ابن مردويه عن الحسن قال: قال رسول الله(ص): إن الله اصطفى على نساء العالمين أربعة ـ آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران ـ وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد(ص).

وفيه أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن فاطمة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله(ص) ـ أنت سيدة نساء أهل الجنة لا مريم البتول».

أقول: في هذا الحديث دلالة على أفضلية الزهراء(عا) ولكن الروايات الأكثر التي أوردها في تفضيل مريم.

ويستمرّ فيقول: «وفيه أخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: قال رسول الله(ص): سيدة نساء أهل الجنة مريم بنت عمران ـ ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية امرأة فرعون.

وفيه أخرج ابن عساكر من طريق مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي(ص) قال: أربع نسوة سادات عالمهنّ ـ مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد ـ وفاطمة بنت محمد(ص) وأفضلهن عالما فاطمة».

أقول: الرواية لم تقل: إن فاطمة(عا) هي الأفضل بل قالت: إن عالم فاطمة(عا) هو الأفضل وهذا ليس بذوق أهل البيت(عم) في أحاديثهم بل هو ذوق العامة.

ويستمر فيقول: «وفيه أخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال رسول الله(ص) فاطمة سيدة نساء العالمين بعد مريم ابنة عمران ـ وآسية امرأة فرعون وخديجة ابنة خويلد»([31]).

وهذه الرواية تشير إلى أن فاطمة(عا) أقلّ من جميع من ذكر في الرواية.

2ـ في قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 261).

فالوارد في الروايات ان الحبة هنا فاطمة(عا) وهو ما جاء عن المفضل بن محمد الجعفي قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن قول الله: ﴿كمثل حبة أنبتت سبع سنابل﴾ قال: الحبة فاطمة صلى الله عليها والسبع السنابل من ولدها سابعهم قائمهم، قلت الحسن؟ قال: إن الحسن إمام من الله مفترض طاعته ولكن ليس من السنابل السبعة، أولهم الحسين وآخرهم القائم، فقلت: قوله ﴿في كل سنبلة مائة حبة﴾ قال: يولد الرجل منهم في الكوفة مائة من صلبه، وليس ذاك إلا هؤلاء السبعة([32]).

وقد عقد بحثاً روائياً نقل فيه جميع روايات العامة المختصة بالآية المباركة ولم ينقل أي رواية من روايان أهل البيت(عم)!

وحتى لو أراد أن يقول ان هذا من الجري بحسب منهجه فانه لم يذكر هذا الرأي لا من قريب ولا من بعيد([33]).

3ـ قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ (القدر: 1 ـ 5).

فروايات أهل البيت تؤكد على ان ليلة القدر الزهراء(ع)، فعن أبي عبد الله(ع) أنه قال: ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر﴾ الليلة فاطمة والقدر الله فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإما سميت فاطمة لان الخلق فطموا عن معرفتها وقوله: ﴿وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر﴾ يعني خير من ألف مؤمن وهي أم المؤمنين ﴿تنزل الملائكة والروح فيها﴾ والملائكة المؤمنون الذين يملكون علم آل محمد(ص) والروح القدس هي فاطمة(عا)، ﴿بإذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر﴾ يعني حتى يخرج القائم(ع)([34]).

قال التبريزي الأنصاري بعد ذكر هذا الخبر وغيره: «هذه جملة من الأخبار الواردة في المقام، وقد تلخص منها وجوه متعددة لتسميتها(عا) بتلك التسمية، مثل فطم نفسها بالعلم، وفطمها عن الشر، وفطمها عن الطمث، وفطم ذريتها وشيعتها من النار، وكذلك فطم من تولاها وأحبها منها، وفطم الأعداء عن طمع الوراثة في الملك وعن حبها ونحو ذلك. ولا منافاة بين الأخبار لأن الفطم معنى يصدق مع كل من الوجوه المذكورة، واختلاف الأخبار من جهة اختلاف حال الرواة والحضّار من حيث الاستعدادات الذاتية، واختلاف المصالح في الأزمنة والأمكنة، وكل هذه المعاني مرادة من اللفظ عند التسمية»([35]).

ولكن العلامة الطباطبائي(ر) وعند تفسير السورة هذه السورة المباركة لم يشِرْ إلى هذه الأخبار حتى عند عقده للبحث الروائي الذي أعقب تفسيره للآية([36]).

4ـ قوله تعالى: ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ (البيِّنة: 5).

عن جابر عن أبي جعفر(ع) في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب﴾ قال: هم مكذبو الشيعة، لان الكتاب هو الآيات، وأهل الكتاب الشيعة، وقوله: ﴿ والمشركين منفكين﴾ يعني المرجئة ﴿حتى تأتيهم البينة﴾ قال: يتضح لهم الحق وقوله: ﴿رسول من الله﴾ يعني محمداً(ص) ﴿يتلو صحفاً مطهرة﴾ يعني يدل على أولي الامر من بعده وهم الأئمة(عم) وهم الصحف المطهرة، وقوله: ﴿فيها كتب قيمة﴾ أي عندهم الحق المبين، وقوله: ﴿وما تفرق الذين أوتوا الكتاب﴾ يعني مكذبو الشيعة، وقوله: ﴿إلا من بعدما جاءتهم البينة﴾ أي بعدما جاءهم الحق ﴿وما أمروا﴾ هؤلاء الأصناف ﴿إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾ والإخلاص الإيمان بالله وبرسوله(ص) والأئمة(عم)، وقوله: ﴿ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة﴾ فالصلاة والزكاة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) ﴿وذلك دين القيمة﴾ قال: هي فاطمة(عا)، وقوله: ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ قال: الذين آمنوا بالله وبرسوله وبأولي الامر وأطاعوهم بما أمروهم به فذلك هو الإيمان والعمل الصالح، وقوله: ﴿رضي الله عنهم ورضوا عنه﴾ قال: قال أبو عبد الله(ع): الله راض عن المؤمن في الدنيا والآخرة، والمؤمن وإن كان راضياً عن الله فإن في قلبه ما فيه لما يرى في هذه الدنيا من التمحيص، فإذا عاين الثواب يوم القيامة رضي عن الله الحقّ حقّ الرضا وهو قوله: ﴿ورضوا عنه﴾ وقوله: ﴿ذلك لمن خشي ربه﴾ أي أطاع ربه».

قال العلامة المجلسي بعد إيراده هذه الرواية وغيرها: «لعل المعنى أن نظير أهل الكتاب والمشركين في أمر النبوة هؤلاء في الإمامة، ولعل المراد حينئذ بإتيان البينة ظهور أمره(ص) في زمن القائم(ع) وتفسير القيمة بها يصحح الإضافة من غير تكلف»([37]).

ولكن العلامة الطباطبائي(ر) وحتى لو اراد ان يقول ان هذا من الجري بحسب منهجه فانه لم يذكر هذا الرأي لا من قريب ولا من بعيد في البحث الروائي الذي عقده عقيب تفسيره للسورة المباركة([38]).

5ـ قوله تعالى: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ﴾ (التين: 1 ـ 3).

قال(ر): «في تفسير القمي في قوله تعالى: ﴿والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين﴾ التين المدينة والزيتون بيت المقدس وطور سينين الكوفة وهذا البلد الأمين مكة.

أقول: وقد ورد هذا المعنى في بعض الروايات عن موسى بن جعفر عن آبائه(ع) عن النبي(ص). ولا يخلو من شيء، وفي بعضها: إن التين والزيتون الحسن والحسين والطور علي والبلد الأمين النبي(ص). وليس من التفسير في شيء».

أقول:

ـ قوله: «لا يخلو من شيء» أي لا يخلو من عيبٍ. وأي عيب في قولهم(عم)؟!

ـ إذا كانت جميع روايات أهل البيت(عم) في تفسير الآية ليست من التفسير فاين تفسير أهل البيت(عم) الصحيح؟ أم أن أهل البيت ليس لهم تفسير فكيف أرجعنا الله ورسوله إليهم في حديث الثقلين؟!

ـ الغريب أن العلامة الطباطبائي(ر) وعند نقله لرأي صاحب الدر المنثور لم يعلِّق بشيء، ومعناه أن رأيه صحيح وليس فيه شيء وهو من التفسير قال: «وفي الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن خزيمة بن ثابت وليس بالأنصاري سأل النبيّ(ص) عن البلد الأمين فقال: مكّة»([39]). ومثل هذه القضية تتردَّد على طول التفسير!

ـ هنا ضعف روايات فضائل أهل البيت(عم) وناقشها ولكنه وعند ذكره للروايات التي تخص فضائل وخصائص الزهراء(عا) لا يذكرها من الأساس!

ونحن نلاحظ في موارد متعددة أن العلامة الطباطبائي يذكر روايات تفسيرية عن الزهراء(عا) ويضعفها.

خامساً: موقفه من عليّ(ع)

1ـ قوله تعالى: ﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ (النبأ: 2).

يقول: «والمرادُ بالنَّبأ العظيم نبأُ البعث والقيامة الَّذي يهتم بهِ القرآنُ العظيمُ في سورهِ المكيَّة ولا سيَّما في العتائقِ النازلة ـ يعني في السور القديمة الأولى ـ في أوائل البعثة كُلَّ الاهتمام، ويُؤيِّدُ ذلك سياقُ آيات السورة بما فيهِ من الاقتصارِ على ذكر صفةِ يوم الفصل وما تقدَّم عليها من الحُجَّةِ على أنَّهُ حقٌ واقع.

وقيلَ: المرادُ بهِ نبأ القُرآن العظيم ويدفعهُ كون السياق بحسبِ مصبِّهِ أجنبياً عنه وإن كان الكلامُ لا يخلو من إشارةٍ إليهِ استلزاماً.

وقِيل: النَّبأُ العظيم ما كانوا يختلفون فيه من إثبات الصانع وصفاته والملائكةِ والرسل والبعث والجنةِ والنار وغيرها، وكأنَّ القائل بهِ اعتبرَ فيهِ ما في السورةِ من الإشارةِ إلى حقِّيةِ جميع ذلك مِمَّا تتضمَّنهُ الدعوةُ الحقَّةُ الإسلامية ويدفعه أن الإشارة إلى ذلك كله من لوازم صفة البعث المتضمنة لجزاء الاعتقاد الحق والعمل الصالح والكفر والاجرام، وقد دخل فيما في السورة من صفة يوم الفصل تبعا وبالقصد الثاني. على أن المراد بهؤلاء المتسائلين ـ كما تقدم ـ المشركون وهم يثبتون الصانع والملائكة وينفون ما وراء ذلك مما ذكر»([40]).

ويستمرُ الكلامُ بهذا السياق، فليس هناك من ذكرٍ لأميرِ المؤمنين لا من قريبٍ ولا من بعيد وللسيد لطباطبائي طريقةٌ في تبويبِ كتابهِ، فبعد البيان يأتي هناك عنوانٌ آخر: (بحثٌ روائي)، يقول فيه: «في بعض الأخبار أنَّ النَّبأ العظيم عليٌّ(ع) وهو من البطن»([41]).

 يعني ليس تفسيراً حقيقياً أصلياً، والتفسير الحقيقي الأصلي في نظره هو الَّذي ذكرهُ قبل قليلٍ وهو بان يجعلُ في متن التفسير ما قالهُ مفسرو العامة ويجعلُ في حاشية التفسير ما جاء عن محمد آلِ مُحَمَّد(ع).

ولفظة (النَبَأ)، هي أعلى شأناً من الخبر، المعنى الأصل لهذا العنوان: (النَبَأ) إنَّهُ الإخبارُ عن الشيء الأعظم. بينما الخبرُ: هو إخبارٌ قد يكونُ عن شيءٍ عظيمٍ وقد يكونُ عن شيءٍ ليس عظيماً، يتساوى الأمرانِ في الخبر.

لو أنَّ الآية قالت: عَن النَّبأ، فهذهِ الكلمةُ تكفي من أنَّ النبأ هذا هو من أعظمِ الأمور، ولكن يأتي الوصف ﴿عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ﴾، وهنا نجد نَسقاً جميلاً بين ما جاءِ في سورةِ القلم وفي سورة النبأ ف ﴿ن﴾ من أسماءِ مُحَمِّدٍ(ص) في القُرآن، و﴿القلم﴾، من أسماءِ عليٍّ(ع) هذا بحسبِ تفسيرِ أهل البيت(عم) فعن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن موسى(ع)، قال: سألته عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿ن والْقَلَمِ وما يَسْطُرُونَ﴾: «فالنون اسم لرسول الله(ص)، والقلم اسم لأمير المؤمنين(ع)»([42]).

﴿ن والقلم وما يسطرون﴾، ما يسطرون من الحقائق في التكوين وما في التدوين وهو مما سطره هذان؛ (ن والقلم)، إلى أن تقول السورة: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾، هذا عظيم هنا، وهذا عظيم هنا ﴿عم يتساءلون * عن النبأ العظيم﴾، إنه أصل الأصول، بحسب منظومة العقائد الإلهية، محمد هو الذي قال لعلي: «يَا عَلِيّ أَنْتَ أَصْلُ الدِّين»([43])، فالله تعالى مثلما أراد لنا أن نصلي بالطريقة الكذائية، بالألفاظ الكذائية، بالأوقات الكذائية، أراد لنا منظومة عقائدية بهذا التنسيق؛ بأن يكون علي هو أصل الأصول ورباطنا نحن مع هذا الأصل، هكذا خلق الله كونه وهكذا أنشأ الله دينه.

ففي صحيحة([44]) أبي حمزة، عن أبي جعفر(ع) قال: قلت له: جعلت فداك إن الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية ﴿عم يتساءلون * عن النبأ العظيم﴾ قال: «ذلك إلي إن شئت أخبرتهم وإن شئت لم أخبرهم، ثم قال: لكني أخبرك بتفسيرها، قلت: ﴿عم يتساءلون﴾؟ قال: فقال: هي في أمير المؤمنين صلوات الله عليه، كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول: ما لله عزَّ وجلَّ آية هي أكبر مني ولا لله من نبأ أعظم مني»([45]).

وفي تفسير القمّي وهو جامعٌ من جوامع الأحاديث التفسيريةِ عن آلِ مُحَمَّد(عم)،: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم * عمَّ يتساءلون * عن النبأ العظيم * الذي هم فيه مختلفون﴾ قال: حدثني أبي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا(ع) في قوله ﴿عم يتساءلون.. إلخ﴾ قال: قال أمير المؤمنين(ع): ما لله نبأ أعظم مني وما لله آية أكبر مني، وقد عرض فضلي على الأمم الماضية على اختلاف ألسنتها فلم تقر بفضلي»([46]).

والحديثُ عن الأُممِ الآدميةِ، وعن الأُممِ الجنيَّةِ، عن الأُمم الَّتي تُماثلنا ونُماثلها، وأميرُ المؤمنين(ع) يخبرنا بانه هو الآيةُ الكبرى.

هنا لا يقال: إن هذا من التأويل ويعطون للتأويل معنى ثانوياً، فالتأويل إعادة الشيء إلى أوله، والتفسير هو كذلك، التفسير والتأويل بمعنى واحد في ثقافة العترة الطاهرة، فأبو حمزة هنا يسأل الباقر عن التفسير فقال إمامنا الباقر؟ ـ قال: ذلك إلي إن شئت أخبرتهم وإن شئت لم أخبرهم لأنه هو الإمام، في المادة وفي المعنى، في اللفظ وفي دلالته، في التكوين وفي التشريع، في عالم الشهادة وفي عالم الغيب، في أولنا وفي آخرنا، في ظاهرنا وفي باطننا فقال: هي في أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فكان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وهو الذي كان يقول كما مر: «ما لله عزَّ وجلَّ آية هي أكبر مني ولا لله من نبأ أعظم مني». فالقضية واضحة.

وعن أبي عن ياسر الخادم في حديث سلسلة الذهب عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي(عم) قال قال رسول الله(ص) لعلي(ع): «يا علي أنت حجة الله وأنت باب الله وأنت الطريق إلى الله وأنت النبأ العظيم وأنت الصراط المستقيم وأنت المثل الاعلى يا علي أنت امام المسلمين وأمير المؤمنين وخير الوصيين وسيد الصديقين يا علي أنت الفاروق الأعظم وأنت الصديق الأكبر يا علي أنت خليفتي على أمتي وأنت قاضي ديني وأنت منجز عداتي يا علي أنت المظلوم بعدي يا علي أنت المفارق بعدي يا علي أنت المحجور بعدي اشهد الله تعالى ومن حضر من أمتي أن حزبك حزبي وحزبي حزب الله وان حزب أعدائك حزب الشيطان»([47]).

فحزب علي(ع) هو الذي يعتقد بهذه المضامين من أن النبأ العظيم هو علي(ع).

وعن عبد خير، عن علي بن أبي طالب قال: أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول الله(ص) فقال يا محمد هذا الامر بعدك لنا أم لمن قال يا صخر الامر بعدي لمن هو بمنزلة هارون من موسى قال: فأنزل الله تعالى ﴿عم يتساءلون * عن النبأ العظيم * الذي هم فيه مختلفون﴾، منهم المصدق بولايته وخلافته، ومنهم المكذب بهما، ثم قال: ﴿كلا﴾ ورد هو عليهم ﴿سيعلمون﴾ خلافته بعدك أنها حقّ ﴿ثمّ كلاّ سيعلمون﴾، ويقول: يعرفون ولايته وخلافته إذ يسألون عنها في قبورهم فلا يبقى ميت في شرق ولا غرب ولا في برّ ولا في بحر إلا ومنكر ونكير يسألانه عن الولاية لأمير المؤمنين بعد الموت يقولان للميت من ربك وما دينك ومن نبيك ومن امامك.

وروى علقمة انه خرج يوم صفين رجل من عسكر الشام وعليه سلاح ومصحف فوقه وهو يقول: عم يتساءلون فأردت البراز فقال(ع): مكانك وخرج بنفسه وقال أتعرف النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون؟ قال: لا، قال: والله إني أنا النبأ العظيم الذي في اختلفتم وعلى ولايتي تنازعتم وعن ولايتي رجعتم بعدما قبلتم وببغيكم هلكتم بعدما بسيفي نجوتم ويوم غدير قد علمتم ويوم القيامة تعلمون ما علمتم ثمّ علاه بسيفه فرمى رأسه ويده ثم قال:

أبى الله إلا أن صفين دارنا * وداركم ما لاح في الأفق كوكبُ

وحتى تموتوا أو نموت وما لنا * وما لكم عن حومة الحرب مهربُ

وفي رواية الأصبغ: والله إني أنا النبأ العظيم الذي هم مختلفون كلا سيعلمون حين أقف بين الجنة والنار فأقول: هذا لي وهذا لك([48]).

هنا نلاحظ أن الكلام هو الكلام، وفي كُتب الحديثِ الأخرى تنقلُ عين هذا الكلام.

 وهكذا الحال في الزيارات الشريفة. فعن أبي محمد الحسن بن علي العسكري، عن أبيه صلوات الله عليهما، وذكر أنه(ع) زار بها في يوم الغدير في السنة التي أشخصه المعتصم. تقف عليه صلوات الله عليه وتقول: «…السلام عليك يا دين الله القويم، وصراطه المستقيم، السلام عليك أيها النبأ العظيم، الذي هم فيه مختلفون، وعنه يسألون، السلام عليك يا أمير المؤمنين…»([49]).

فهذا اسم حقيقي لخصوصية الاسم لعلي(ع) ولدلالته على علي فقط وهذه الانتقالة للتأكيد على أن هذا العنوان خاص به والزيارة تريد أن تشير إلى آيات سورة النبأ.

وفي دعاء الندبة نُخاطبُ صاحب الزَّمان(عج): «يَا بْنَ الصِّرَاطِ الـمُسْتَقِيم، يَا بْنَ النَّبَأَ العَظِيم، يَا بْنَ مَنْ هُو فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَى اللهِ عَلِيٌّ حَكِيم»([50]).

فهذا الخطاب ليس على سبيل المسامحة والتجوز ولا هو على سبيل الجري وليس هو من البطون البعيدة عن حقيقة التفسير، بل هذا خطاب صريح حين أخاطب الإمام الحجة(عج): «يا بن الصراط المستقيم، يا بن النبأ العظيم» يعني أن أباه حقيقة هو النبأ العظيم، مثلما أقول له: «يا بن علي أمير المؤمنين».

2ـ قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ

ذكر السيد الطباطبائي(ر) تحت عنوان: بحث آخر روائي وبعد أنّ نقل بعض الروايات في معنى الصراط المستقيم أنّه أمير المؤمنين(ع)، وأنّه الإمام المعصوم علّق بعد ذلك فقال: «أقول: وفي هذه المعاني روايات أخر، وهذه الأخبار من قبيل الجري، وعدّ المصداق للآية، واعلم أنّ الجري ـ وكثيراً ما نستعمله في هذا الكتاب ـ اصطلاحٌ مأخوذ مِن قول أئمة أهل البيت(عم). ففي تفسير العياشي عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا جعفر(ع) عن هذه الرواية، ما في القرآن آية إلاّ ولها ظهر وبطن وما فيها حرف إلّا وله حد، ولكلّ حد مطلع ما يعنى بقوله ظهر وبطن؟ قال؟ ظهره تنزيله وبطنه تأويله، منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد، يجري كما يجري الشمس والقمر، كلّما جاء منه شئ وقع الحديث»([51]).

ومصطلح (الجري) مصطلح اصطعنه السيد الطباطبائي(ر) من عنده، أخذه من الروايات التي تقول أنّ القرآن يجري مجرى الّليل والنهار، ومجرى الشمس والقمر، بعد أن فهمها بشكل خاطئ فهو فهم بعيد عن منطق أهل البيت وقواعدهم في التفسير فجاء إلى مئات من أحاديث أهل البيت(عم) ومنها الروايات التي أوردها في معنى الصراط المستقيم وأنّه عليّ(ع)، فقال عنها أنّها جاءت بلسان الجري، يعني أنّها لم تأتِ في سيّد الأوصياء، وإنّما تُفسّر في سيّد الأوصياء من باب المثال والمصداق، وتطبيق من التطبيقات وليست حقيقة هي في أمير المؤمنين(ع).

وهو خلاف صريح واضح لزيارات أمير المؤمنين(ع) فاذا راجعنا زيارات أمير المؤمنين(ع) سنجد أنّ الخطاب بالصراط المستقيم خطاب مباشر وحقيقي لسيّد الأوصياء، فالصراط المستقيم على طول القرآن الكريم من أوّله إلى آخره ـ بحسب روايات أهل البيت(عم) هو عليّ(ع) حقيقةً، وإذا أُعطيَ معنىً آخر للصراط المستقيم (أي معنى من المعاني) فذلك المعنى معنىً ثانوي مجازي، استعاري تشبيهي؛ لأنّ المعنى الحقيقي للصراط المستقيم عليّ(ع) فقط.

هوامش

([1]) أستاذ التاريخ في مجمع الامام الخمينيّ للدراسات العليا في قم المقدّسة.

([2]) السيد الطباطبائي، تفسير الميزان 1: 11، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

([3]) علي بن محمد (إمامي ثقة)، عن عبد الله بن علي (إمامي ثقة)، عن إبراهيم بن إسحاق (إمامي ثقة)، عن عبد الله بن حماد (إمامي ثقة)، عن بريد بن معاوية (إمامي ثقة).

([4]) الشيخ الكليني، الكافي 1: 213، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، ط5، 1363هـ.ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

([5]) فخر الدين الطريحي، تفسير غريب القرآن: 444، تحقيق وتعليق: محمد كاظم الطريحي، انتشارات زاهدي، قم.

([6]) الفيض الكاشاني، التفسير الصافي 5: 129، صححه وقدم له وعلق عليه: العلامة الشيخ حسين الأعلمي، ط2، 1416هـ ـ 1374هـ.ش، مكتبة الصدر، طهران.

([7]) البخاري، صحيح البخاري 5: 138، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

([8]) محمد بن يحيى (إمامي ثقة)، عن أحمد بن محمد (إمامي ثقة)، عن حسين بن سعيد (إمامي ثقة)، عن النضر بن سويد (إمامي ثقة)، عن القاسم بن سليمان (إمامي ثقة).

([9]) الشيخ الكليني، الكافي 1: 459.

([10]) عليّ بن إبراهيم القمي، تفسير القمي 1: 20.

([11]) محمد بن مسعود العياشي، تفسير العياشي 1: 17، تحقيق: الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران.

([12]) نهج البلاغة 3: 136 (خطب الإمام علي(ع))، شرح: الشيخ محمد عبده، ط1، 1412هـ ـ 1370هـ.ش، دار الذخائر، قم ـ إيران.

([13]) السيد الطباطبائي، تفسير الميزان 1: 43.

([14]) فرات بن إبراهيم الكوفي، تفسير فرات الكوفي: 139، تحقيق: محمد الكاظم، ط1، 1410هـ ـ 1990م، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران.

([15]) السيد الطباطبائي، تفسير الميزان 16: 139.

([16]) محمد بن الحسن بن فروخ الصفّار، بصائر الدرجات: 246، تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوچه باغي، 1404هـ ـ 1362هـ.ش، منشورات الأعلمي ، طهران.

([17]) الشيخ الصدوق، علل الشرائع 1: 125، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، 1385هـ ـ 1966م، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الأشرف.

([18]) الشيخ الصدوق، علل الشرائع 1: 125.

([19]) تفسير القمي، ج2: 401.

([20]) الشيخ الصدوق، الخصال: 563، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، 1403هـ ـ 1362هـ.ش، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

([21]) المرتضى، الأمالي 1:  77،

([22]) السيد هاشم البحراني، البرهان في تفسير القرآن 4: 52 ـ 55، تحقيق: قسم الدراسات الاسلامية في مؤسسة البعثة، قم.

([23]) الشيخ الكليني، الكافي 1: 8.

([24]) محمد صالح المازندراني، شرح أصول الكافي 1: 62، مع تعليقات: الميرزا أبو الحسن الشعراني، ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور، ط1، 1421هـ ـ 2000م، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان.

([25]) السيد الطباطبائي، تفسير الميزان 15: 89.

([26]) السيد الطباطبائي، تفسير الميزان 3: 189، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

([27]) الشيخ الكليني، الكافي 1: 459.

([28]) الشيخ الصدوق، علل الشرائع 1: 182.

([29]) المصدر السابق 4: 179.

([30]) ابن المغازلي، مناقب علي بن أبي طالب(ع): 292، ط1، 1426هـ ـ 1384هـ.ش، انتشارات سبط النبي(ص).

([31]) السيد الطباطبائي، تفسير الميزان 3: 215.

([32]) محمد بن مسعود العياشي، تفسير العياشي 1: 147.

([33]) السيد الطباطبائي، تفسير الميزان 2: 385 وما بعدها.

([34]) فرات بن إبراهيم الكوفي، تفسير فرات الكوفي: 582.

([35]) التبريزي الأنصاري، اللمعة البيضاء: 98، تحقيق: السيد هاشم الميلاني، ط1، 1418هـ، مؤسسة الهادي، قم ـ إيران.

([36]) السيد الطباطبائي، تفسير الميزان 20: 333 وما بعدها.

([37]) العلامة المجلسي، بحار الأنوار 23: 370، تحقيق: محمد الباقر البهبودي وعبد الرحيم الرباني الشيرازي، الطبعة الثانية المصحَّحة، 1403هـ ـ 1983م، مؤسسة الوفاء، بيروت ـ لبنان.

([38]) السيد الطباطبائي، تفسير الميزان 20: 336 وما بعدها.

([39]) السيد الطباطبائي، تفسير الميزان 20: 322.

([40]) السيد الطباطبائي، تفسير الميزان 20: 159.

([41]) المصدر السابق 20: 163.

([42]) السيد هاشم البحراني، البرهان في تفسير القرآن 5: 454.

([43]) الصفّار، بصائر الدرجات: 51.

([44]) محمد بن يحيى (إمامي ثقة)، عن أحمد بن محمد (إمامي ثقة)، عن محمد بن أبي عمير (إمامي ثقة)، أو غيره، عن محمد بن الفضيل (إمامي ثقة)، عن أبي حمزة (إمامي ثقة).

([45]) الشيخ الكليني، الكافي 1: 207.

([46]) علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمي 2: 401، تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، 1387، منشورات مكتبة الهدى.

([47]) الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا(ع) 2: 9، تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، 1404هـ ـ 1984م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان.

([48]) ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب 2: 377، تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، 1376هـ ـ 1956م، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف.

([49]) محمد بن جعفر المشهدي، المزار: 264، تحقيق: جواد القيومي الاصفهاني، ط1، 1419هـ، نشر القيوم، قم ـ إيران.

([50]) المصدر السابق: 580.

([51]) السيد الطباطبائي، تفسير الميزان 1: 21.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً