أحدث المقالات

ـ القسم الأوّل ـ

أ. د. يوسف الهادي(*)

مختصر سيرة رشيد الدين([1])

هو الوزير والطبيب والمؤرخ والأديب والمتفلسف رشيد الدين فضل الله بن عماد الدولة أبي الخير بن موفق الدولة([2]) الهَمَذاني الشافعي (648 ـ 718هـ/1250 ـ 1318م)، الذي عمل وزيراً وطبيباً لدى ثلاثة من الملوك المغول، هم: 1ـ غازان بن أرغون، الذي أَسلمَ وسُمِّيَ محموداً (حكم من 694 ـ 703هـ)؛ 2ـ محمد خُدَابَنْدَه أولجايتو بن أرغون (حكم من 703 ـ 716هـ)؛ 3ـ أبو سعيد بن محمد خُدَا بَنْدَه أولجايتو (حكم من 717 ـ 736هـ).

 نشأ رشيد الدين في كَنََف أسرةٍ يهودية، وقيل: إنه «أسلم، ومات أبوه يهودياً على يهوديته»([3])، وعلى حدّ تعبير معاصره المؤرخ الشبانكارئي: «كان على الدين الموسويّ قبلَ هذا، ثم تشرَّف بالإسلام»([4]). وكان مسلماً حَسَنَ الإسلام، يقول الذهبي: «كان فيه حلم وتواضع وسخاء وبذل للعلماء والصلحاء، وله رأيٌ ودهاء ومروءة، وقد فسَّر القرآن وأدخل في ذلك فلسفةً؛ وقيل: كان جيِّد الإسلام. وكان الشيخ تاج الدين الأفضلي يذمُّه، ويرميه بدين الأوائل، فحلم عنه وصفح. فللرشيد مكارمُ وشفقة وبذْلٌ وودٌّ لأهل الخير»([5])؛ بل إننا وجدنا بعض المؤرِّخين ممَّنْ اتّهمه بالإلحاد والكيد للإسلام، وشكَّكوا في دينه، كانوا يذكرون في الوقت نفسه شفقته على المسلمين وخدماته لهم ممّا نقلوه عمَّنْ شاهد ذلك بنفسه([6]).

تعمَّق في المعارف الدينية ـ وكان شافعياً([7]) ـ، تدلُّ على ذلك بحوثه العميقة في تفسير القرآن والعقائد. لكنّ حُسّاده وأعداءه اتّخذوا من انتماء أسرته إلى اليهودية سابقاً ذريعة للتشهير به، واتهامه بالزندقة وكونه يبطن الكفر، بل إن بعض المتعصبين كانوا يلعنون اليهودَ على المنابر، وهم يقصدون شخصَ رشيد الدين([8])، وكان أشدهم عداوة له وتشهيراً به تاج الدين الأفضلي التبريزي الشافعي (661 ـ 718هـ)، الواعظ، الذي كان يقول فيه: «هو يهوديّ، وقد بدَّل كلام الله، فقصده الرشيد لينتقم منه؛ فاختفى الأفضلي منه مدّةً، ثمّ وقعت منه شفاعة فعفى عنه وطلبه إليه، وطيَّب قلبَه، وخلع عليه خلعةً سنيّة فلم يقبلها منه. وبقي في نفس الأفضلي منه إلى الآن [شيءٌ]، يذمُّه حيّاً وميّتاً»([9]). وعلَّق على قتله: «قَتْلُه أعظمُ من قتل 100 ألف من النصارى، فإنه كان يكيد للإسلام»([10]). وقد قابل ذلك برباطة جأشٍ، وواصل أعماله في البلاط والحياة العامة، وفي التأليف. يقول الشبانكارئي: «وإلى يومنا هذا (سنة 733هـ) يُضْرَب المثل في البلدان والأمصار بعَدْل الخواجه رشيد الدين»([11]).

فضلاً عن تعدد مواهب رشيد الدين في شتى العلوم، فقد عُرِف بحبّه للعمران وإقامة المشاريع ذات النفع العام من الأبنية والمستشفيات والصيدليات والمؤسسات الخيرية في تبريز ويزد وكرمان وأصفهان وشيراز والسلطانية([12])، ومنها: مستشفى بناه في مدينة البصرة في محلة شوكة، وبنى إلى جواره داراً للمسافرين، وداراً للحديث([13])؛ ومن ذلك: المدينة الفخمة التي بناها في أعلى مدينة تبريز، التي كان يطيب له أن يدعوها «أبواب بِرِّنا الموسومة بالرَّبْع الرشيدي»([14])، وكان هذا الرَّبْع بحقٍّ صرحاً علمياً شامخاً، أنشأ به كل ما خطر على باله من المؤسّسات ذات النفع العام، ومنها: بناء «دار السيادة»([15])، ومدرسة، ومستشفى «دار الشفاء»، ومسجد، ومكتبة عامة «كتابخانه»، ودار لسكّ النقود «ضرَّابخانه»، وخانقاه للصوفية، ومؤسسة صناعية «دار الصنايع»، ومعمل للنسيج «كارخانه نسّاجي»، ومعمل لإنتاج الورق «كاغذ سازي»، مع ضريح ذي قبّة أعدّه مدفناً لجثمانه([16]). فضلاً عن الحدائق الغنّاء والبساتين التي اشتملت على أشجار أنواع الفواكه([17])، التي حرص على جلب بعض بذورها من أماكن أخرى، وزرع بعضها بيده هو([18]).

وعند إغارة الغوغاء والأوباش على الربع الرشيدي وبقية المؤسّسات الوقفية التابعة له، التي حدثت عقب إعدامه، دمّروا الكثير ممّا فيه من الكنوز والنفائس، ومنها: مكتبة الرَّبْع الضخمة، التي وصفها هو بقوله: «ضمَّت 60 ألف مجلد في شتى أنواع علوم والتواريخ والأشعار والحكايات والأمثال وغير ذلك، ممّا جلبتُه من بلدان إيران وتوران ومصر والمغرب والروم والصين والهند، ووقفتُها جميعاً على الربع الرشيدي»([19])، وكان من بينها مؤلَّفاته أيضاً. وكان قد خصَّص شطراً من أوقاف هذه المدينة الفخمة (الرَّبْع الرَّشيديّ) للعناية بآثاره من مؤلَّفاته، فكان هناك نُسّاخ ينسخون كلّ عامٍ من مؤلفاته نسخاً بالعربية والفارسية، ويضعونها في مكتبة الرَّبْع الرشيدي، أو يرسلونها ـ كما يقول ـ إلى «بلدةٍ من مُعَظَّمات بلاد الإسلام»، الناطقة باللغتين العربية والفارسية([20]).

كان رشيد الدين قد عُزل عن الوزارة عقب وفاة السلطان أولجايتو سنة 716هـ([21])، وكانت تلك فرصة مناسبة له ليولي اهتماماً أكبر لمؤسّساته الخيرية، وخصوصاً الربع الرشيدي. لكنّ مناوئيه وحُسَّاده ظلّوا يكيدون له حتّى تمكنوا من اتِّهامه بأنه قام بتسميم السلطان المتوفّى أولجايتو، وهو عملٌ يستحيل أن يقوم به رشيد الدين، الذي كان يحظى بثقة السلطانين غازان وأولجايتو. وفي دفاعه عن نفسه قال: «كيف أفعل ذلك، وقد كنتُ رجلاً يهودياً عطّاراً طبيباً ضعيفاً بين الناس، فصرتُ في أيامه وأيام أخيه أتصرّف في أموال المملكة، ولا يتصرّف النوّاب والأمراء في شيءٍ إلاّ بأمري، وحصَّلتُ في أيامهما من الأموال والجواهر والأملاك ما لا يحصى؟!». انتهى التحقيق بتثبيت التهمة على رشيد الدين، «فصدر الأمر بقتله، فقُتل، واستأصلوا جميع أمواله وأملاكه، وقتلوا قبله وَلَدَه إبراهيم([22]) من أبناء ستّ عشرة سنة، وحُمِل رأسُ الرشيد إلى تبريز، ونودي عليه: هذا رأس اليهوديّ الذي بدَّل كلامَ الله، لعنه الله، وقُطِّعت أعضاؤه، وحُمِل كلُّ عضوٍ إلى جهة، وأُحرقَتْ الجثّة»([23]).

دُفنت بقايا جثته في مدينة تبريز، لكنها لم تنْجُ من الأذى بعد أن انتشر خبر يهوديته انتشاراً واسعاً، مع كون الرجل مسلماً صادق الإيمان. ففي سنة 795هـ أمر حاكم آذربايجان ميرانشاه بن تيمورلنك في إحدى نوبات جنونه، «وكان مصاباً بالمالنخوليا (Melancholia)، بإخراج عظام الخواجه رشيد من قبره الذي في الرشيدية بتبريز، وأمر بدفنها في مقبرة اليهود»([24]).

جامع التواريخ

أورد في ما يأتي التواريخ الخاصّة بمراحل تأليف جامع التواريخ. وهي وجهة نظري الخاصة التي لم أتابع فيها آراء جميع مَنْ كتب قبلي في هذا الموضوع، وقد استندْتُ فيها إلى تنقيب دقيق وطويل بهذا الشأن([25]):

 بعد أن أناط الملك المغولي محمود غازان منصب الوزارة برشيد الدين سنة 697هـ([26])، كلَّفه في 12 رجب سنة 700هـ([27]) بتأليف كتاب في تاريخ الأمة المغولية وأسلافه من الحكّام المغول، فبدأ العمل به في ذلك التأريخ. وحين توفي غازان في 11شوال سنة 703هـ جاء رشيد الدين حاملاً الكتاب الذي أصبح يُدْعَى التاريخ الغازاني ـ ما كان منه مسوَّدةً آنذاك وما بُيِّض منه([28]) ـ إلى شقيقه أولجايتو، الذي اعتلى العرش من بعده، فعرضه عليه، فطلب إليه أن يظلّ الكتاب باسم أخيه غازان، واقترح عليه أن يضمّ إليه «تاريخاً يشتمل على قصص وأحوال عامة شعوب أقاليم العالَم، وطبقات أصناف بني آدم…، وأن يُطلق على مجموع الكتاب عنوان (جامع التواريخ)»([29]).

في 10 شوال سنة 706هـ أهدى رشيد الدين لأولجايتو النسخةَ التامة من جامع التواريخ، التي تضمّنت التاريخ الغازاني مع القسم الخاص بتواريخ الأمم الأخرى الذي اقترحه عليه، فكافأه بأن «أغدق عليه من الإقطاعات والعاطفة والاصطناع ما لم يُعْهَد إطلاقاً من أيِّ ملكٍ بحقّ أيِّ وزير…، وأعلى منزلتَه ليرفع رأسَه حتّى عنان السماء»([30]).

روايتان لا واحدة

من فوائد البحث والتنقيب الذي مارسه كاتب هذه السطور حول الغزو المغولي للقلاع الإسماعيلية في إيران، وللعراق وعاصمته بغداد، عاصمة الخلافة الإسلامية في السنوات التي تلت سنة 650هـ، اكتشافُه وجود روايتين بشأن هذا الغزو:

الأولى: رواية المؤرّخين البغداديين المعاصرين للوقائع الذين كانوا في بغداد عند دخول المغول إليها. وبطبيعة الحال فإن هذه الرواية (البغدادية) أيضاً تُعَدّ مهمّة جداً لمعرفة بعض تفاصيل الغزو المغولي للأراضي الإيرانية، الذي تمّت فيه السيطرة على أهمّ قلاع الإسماعيلية، أو ما عُبِّر عنه بـ «وصلت الأنباء بأن ملَك العالَم الإيلخان هولاكو قد نشر الرايات الميمونة عازماً أوّلاً: على فتح قهستان وأَلموت دارِ الإلحاد؛ وثانياً: الهيمنة على مدينة السلام بغداد»([31])؛ وهي مهمّة جدّاً لمعرفة ما هو متعلّق بغزو بلاد الشام والبلاد التي تُسمّى اليوم تركيا.

الثانية: رواية متأخّرة لمؤرّخين شاميين/ مصريين، وهي إشاعة أطلقها الدويدار الصغير قائد الجيش على عهد الخليفة المستعصم العباسي، ثم ظلت عُرْضة للاختلاق والحذف والإضافة سنوات طويلة، بل قروناً متمادية، رُسمت ملامحها النهائية بأقلام تلامذة الشيخ تقي الدين ابن تيمية الحنبلي (661 ـ 728هـ) ومريديه، وأشهرُهم: المؤرِّخان شمس الدين الذهبي الشافعي (673 ـ 748هـ) وابن كثير الشافعي (701 ـ 774هـ)، ثمّ توالى المؤرّخون اللاحقون، أمثال: المقريزي الشافعي (766 ـ 845هـ)، وابن تغري بردي الحنفي (813 ـ 874هـ)، ينقلون هذه الرواية، ويزيدون فيها ويعدِّلون. ولكثرة رواة هذه الرواية في القرون التالية فقد اشتُهرَتْ حتّى أصبحت وكأنها الرواية الحقيقية التي لا رواية سواها حتّى يومنا هذا. وقد خرج عليها قليلون من ذوي العقول الراجحة والبحوث الرصينة. تقوم هذه الرواية على اتِّهام شخصٍ واحد هو الوزير الشيعي الإمامي ابن العلقمي بأنه عقب اجتياح أفراد الجيش العباسي سنة 654هـ بأمر الخليفة المستعصم جانبَ الكَرْخ من بغداد، وهو الجانب الذي يسكنه الشيعة، بسبب تهمةٍ باطلة، وارتكاب الجيش العباسي ومَنْ معه من التكفيريين الموبقات والقتل والاغتصاب والنهب بحقّ سكّانه، أضمر هذا الوزير الحقد في نفسه، فاتّصل بالمغول، ودعاهم لغزو العراق. وسنفصِّل لاحقاً الوسيلة التي قالوا: إن الوزير استخدمها للاتصال بالمغول، بأن حفر رسالتين على جمجمتي شقيقه وغلامه حَفْراً، حتّى صار كلّ حرف كالحُفْرة في الرأس، وأرسلهما إلى المغول ليقول لهم: تعالوا. ثمّ أمر المغول في آخر الرسالتين بأن يذبحوا شقيقه وغلامه، فذبحوهما حتّى تبقى الرسالتين سرِّيّتين.

 إن هذه التهمة تحمل في طياتها أسباب بطلانها؛ ذلك أنه منذ حوالي شهر شوال سنة 650هـ بدأ منكوقاآن الإعداد للحملة التي كلَّف بها شقيقه هولاكو لفتح بلاد الإسماعيلية في إيران، والانطلاق من هناك لفتح العراق وبلاد الشام. وفي ذي الحجة سنة 650هـ توجَّه هولاكو إلى معسكره الخاصّ به، ومكث سنةً هناك؛ لاستكمال استعداداته لحملته. وفي 24 شعبان سنة 651هـ غادر معسكره لأداء المهمّة التي أُنيطَتْ به([32]).

وهكذا كان انطلاق هولاكو لغزو العراق حدث قبل ثلاث سنوات من اجتياح جيش المستعصم للكرخ الذي سنفصِّله لاحقاً أيضاً. فمَنْ يا تُرى هو المواطن العراقي الذي حفر رسالةً على جمجمة مبعوثٍ له، وأرسله لهم، ودعاهم تلك السنة (651هـ) لغزو العراق؟

تمتاز الرواية البغدادية بكونها:

أـ تنطلق من كون كتّابها مواطنين من سكّان مدينة بغداد، قد عاشوا الوقائع المريرة للغزو المغولي، ورأَوْا بأُمِّ أعينهم تفاصيل ما جرى.

ب ـ فيها تفاصيل وافية، بحيث نجد فيها أجوبةً لجميع ما يمكن أن يخطر في الذهن من أسئلة مهمّة حول الوقائع.

ج ـ متسلسلة منطقياً، ولا يوجد تناقض بين أجزائها.

د ـ خالية تماماً من التعصُّب المذهبي والطائفي.

أما رواية المؤرخين الشاميين/المصريين فتمتاز بـ:

أـ إن كتَّابها لم يعاصروا الوقائع، ولم يكونوا في بغداد عند دخول المغول إليها سنة 656هـ، ولذا كانوا يعتمدون على بعض الروايات التي كان أغلبها إشاعات؛ وكان بعضهم وُلِد بعد الواقعة بسنين، بل بقرون. فالنويري الشافعي مثلاً وُلد سنة 677هـ، والذهبي الشافعي وُلد سنة 673هـ، والصفدي الشافعي وُلد سنة 696هـ، وابن كثير الشافعي وُلد سنة 701هـ، وابن خلدون المالكي وُلد سنة 732هـ، وابن تغري بردي الحنفي وُلد سنة 813هـ. فضلاً عن أن أغلبهم لم يذهب إلى زيارة بغداد؛ ليلتقوا بمَنْ بقي من الأحياء، وليعرفوا منهم شيئاً من حقيقة ما جرى. وهم جميعاً ينتمون إلى مذاهب دينية كانت على خصامٍ دائم مع المذهب الشيعي الإمامي، الذي ينتمي إليه الوزير ابن العلقمي، الذي اتَّهموه بالتعاون مع المغول. وهذا ما تدلّ عليه عباراتهم المشحونة بالتحامل واللعن والشتائم.

ب ـ إنها مختصرةٌ جدّاً، وتقدِّم مقاطع صغيرة من الوقائع، ممّا يؤدي أحياناً إلى الغموض.

ج ـ إنها مشحونة بالتعصُّب المذهبي والطائفي، وبالسباب واللعن.

إن هذا التمييز بين الروايتين يجعل أيّ بحثٍ بهذا الشأن أكثر موضوعية، وأقرب إلى تناول الحقائق التأريخية، وذلك بالاستناد إلى ما يأتي:

أوّلاً: اعتماد روايات المؤرِّخين المعاصرين للوقائع الذين كانوا شهود عيان عليها.

 ثانياً: إنْ تعذَّر الاقتباس من شهود العيان لجأنا إلى الاقتباس من مؤرِّخين يقتبسون منهم.

ثالثاً: إنْ شحَّت روايات هؤلاء ننتقل إلى المؤرِّخين الذين يدورون في فلك الروايات الأصيلة.

وذلك أننا لاحظنا أن كثيراً من الباحثين يعطي لنفسه حرّية غير مسوَّغة عندما يقتبس نصّاً من مؤرِّخ شاهد الواقعة بأُمِّ عينيه، كابن الفوطي(723هـ)، ثم يقفز زمانياً ليقتبس من مؤرِّخ عاش بعد الواقعة بقرون، كالمقريزي(845هـ)، ثم يقفز ثالثةً ليعود إلى مؤرّخ أقرب قليلاً من زمن الواقعة، كاليونيني(726هـ)، ليقفز من هناك إلى مؤرّخ لا علاقة له زمانياً ولا مكانياً بما حدث في الواقعة موضع البحث، مثل نور الله التستري(1019هـ)، أو ابن العماد(1089هـ)، وهكذا يواصل القفز بين القرون. بل إن بعض الكُتّاب من معاصرينا منح لنفسه الحرّية حتّى في الاقتباس من كُتّاب معاصرين لنا، وأخذ أقوالهم وكأنّها شهادة ناطقة صادقة على ما حدث قبل عصرنا بقرون!!

إن هذا القفز بين القرون عملٌ معيب، لا يتناسب وكرامة الباحث العلمي الذي ينشد الحقائق، لا الأساطير. ومن الضروري أن لا تُعار أيُّ أهمّية لبحوث القفز هذه.

فمثلاً: الكاتبة الإيرانية الدكتورة شيرين بياني، التي سنناقش فصلاً من كتابها فيما بعد؛ لعلاقته بما نحن بصدده، نجدها في الكتابة عن إسقاط الخلافة العباسية، الذي حدث سنة 656هـ، كانت تستند إلى مؤلّفين من أمثال: الذهبي والمقريزي وغيرهما، ولنا أن نتساءل: أيّ فائدة يمكن أن يحصل عليها الباحث عند اقتباسه حول هذه الواقعة من الذهبي(748هـ)، أو الصفدي(764هـ)، أو ابن شاكر الكتبي(764هـ) أيضاً، أو السبكي(771هـ)، أو ابن كثير(774هـ)، أو ابن خلدون(808هـ)؟ وأيّ فائدة يمكن أن نجدها لدى المقريزي(845هـ)، أو ابن العماد الحنبلي(1089هـ)؟ حيث وجدنا هؤلاء المؤرِّخين ينقل بعضهم من بعض روايات هزيلة وصفناها بالإشاعات. ولماذا تقتبس منهم مع وجود روايات أصيلة كتبها مؤرِّخون كانوا حاضرين بأنفسهم في بغداد، ورأَوْا بأعينهم ما حدث؟ ولماذا هذا الإصرار من بعض كُتّابنا الذين يتصوّرون أنهم قادرون على استغفال القُرّاء، الذين ربما كان بعضهم أكثر ذكاءً منهم؟

لقد قلنا آنفاً: إنه يمكن الاقتباس من المؤرِّخ المتأخِّر حين يكون هو قد اقتبس من المؤرخ المعاصر لتلك الواقعة أو القريب منها، ولم يكن بين أيدينا المصدر الأصلي الذي اقتبس منه. أما حين يكون المصدر الأصلي موجوداً فلا داعي عندها للاستناد إلى المؤرخ المتأخِّر. ولنُعْذَر إذا ذكَّرنا بهذه الحقيقة البديهية. ولكنْ ماذا نفعل مع هذا الإصرار من بعض الكُتّاب على الضرب بعرض الجدار بأمثال هذه البديهيات؟!

وفي الموضوع الذي بحثنا فيه زمناً طويلاً، وهو الغزو المغولي للعراق، فإن تمييزنا بين الروايتين البغدادية والشامية/ المصرية أنقذنا من كثيرٍ ممّا كنا قد انتَقَدْنا عليه ما كتبه بعض الباحثين بشأن هذه الواقعة؛ ذلك أننا لاحظنا أن بعض الكتّاب من معاصرينا يفتقر إلى الدقّة والموضوعية بشكلٍ كبير، ويقع في أغلاط شنيعة، حتّى في نقل النصوص من مصادرها. ففضلاً عن جمعٍ من هؤلاء، كنّا قد ناقشناهم في كتابنا (إعادة كتابة التأريخ، الغزو المغولي للعراق أنموذجاً) في ما ارتكبوه من أغلاط، نذكر هنا مثلاً ما اطَّلعنا عليه أخيراً في كتاب للدكتور عصام الدين عبد الرؤوف الفقي، أستاذ التاريخ الإسلامي في كلية الآداب بجامعة القاهرة، حيث ذكر المفاوضات بين هولاكو والخليفة المستعصم، وأضاف: «إن الخيانة لعبت دَوْراً هامَّاً خطيراً في بلاط الخليفة؛ ذلك أن الوزير مؤيد الدين بن العلقمي كان يراسل هولاكو، ويَعِدُه بتسليم بغداد دون قتال»([33])، ثم أحال الدكتور في هامش كتابه إلى ص 279 من الطبعة العربية لكتاب جامع التواريخ، لرشيد الدين الهمذاني. وحين راجعنا هذه الطبعة لم نجِدْ هذا الكلام. وبطبيعة الحال فإن رشيد الدين لم يقُلْ هذا الكلام في جامع التواريخ، ولا في غيره. وذلك يعني أن الدكتور الفقي، أستاذ التأريخ الإسلامي هذا، لما وجد كلاماً يتكرَّر في الكتابات غير العلمية لدى كُتّابٍ سبقوه، يتّهمون فيه ابنَ العلقمي بالتواطؤ مع المغول، أراد هو أن يكتب أيضاً هذا الكلام، ولكي يعطيه قوّةً بادر إلى الكذب على قُرّائه، فأحال في الهامش على كتاب جامع التواريخ، لرشيد الدين، وهو يعلم أن رشيد الدين لم يقُلْ هذا الكلام.

اقتباسنا من الرواية الشامية / المصرية

 لقد اقتبسنا بدَوْرنا في بحثنا هذا وغيره من الرواية الشامية/ المصرية؛ لسببين: الأوّل: تدعيم الرواية البغدادية بنصوص الرواية الشامية/ المصرية؛ لكون جمهرة من الباحثين اعتاد الركون إليها والاعتقاد بها، أي أن نذكر الرواية البغدادية وإلى جانبها الرواية الشامية/ المصرية، لكنْ شريطة أن يكون هناك تشابهٌ في الروايتين، وإلاّ فالرواية البغدادية الأصيلة هي الأَوْلى بالاعتماد؛ الثاني: أن نستفيد من الرواية الشامية/ المصرية دليلاً لم يكن مؤرِّخوها يقصدونه، بل كان لهم غاية أخرى منه. فمثلاً: وجدنا هؤلاء يوردون تفاصيل هجوم جيش الخليفة على الكَرْخ سنة 654هـ، الذي سنذكره لاحقاً، وما ارتُكب فيه من فظائع؛ بهدف القول: إن الوزير ابن العلقمي أصبح حاقداً بعد هذا التأريخ على الخلافة، فاتصل بالمغول، من غير أن ينتبهوا إلى أن الحملة المغولية كانت قد انطلقت منذ 651هـ، قبل هذه الواقعة بثلاث سنوات. لكنّنا استفدنا من روايات هذه المدرسة (الشامية/ المصرية) لتوثيق الانتهاكات بحقّ سكان الكَرْخ المدنيين.

مؤرِّخ الآفاق

أشهر رواة الرواية البغدادية هو المؤرِّخ عبد الرزّاق بن أحمد بن محمد، المعروف بابن الفوطي الشيباني البغدادي الحنبلي (محرَّم 642 ـ محرَّم 723هـ).

 كان ابن الفوطي في الرابعة عشرة من عمره في مدينة بغداد خلال هجوم المغول عليها سنة 656هـ، ووقع هو وأخوه في أسرهم، وبقي أسيراً حتّى 659هـ، حيث «فرَّ من أيدي الكفّار» على حدّ تعبيره([34])، واتصل بنصير الدين الطوسي، فدرس عليه الفلسفة، «وأقام بمراغة مدّةً، ووليَ بها خزنَ كتب الرصد بضع عشرة سنة، وظفر بها بكتب نفيسة، وحصل من التواريخ ما لا مزيد عليه…، ثمّ عاد إلى بغداد، ووليَ خزن كتب [مكتبة المدرسة] المستنصرية، فبقي عليها إلى أن مات؛ ويقال: إنه ليس بالبلاد أكثر من كتب هاتين الخزانتين اللتين باشرهما»([35]).

قال الذهبي فيه: «العالم البارع المتفنّن المحدّث المفيد مؤرّخ الآفاق مفخر أهل العراق…، أُسر في الوقعة وهو حدثٌ، ثم صار إلى أستاذه ومعلمه خواجا نصير الطوسي في سنة 660هـ، فأخذ عنه علوم الأوائل، ومهر على غيره في الأدب، ومهر في التاريخ والشعر وأيام الناس، وله النظم والنثر والباع الأطول في ترصيع تراجم الناس، وله ذكاء مفرط وخطّ منسوب رشيق وفضائل كثيرة. سمع الكثير، وعُني بهذا الشأن، وكتب وجمع وأفاد، فلعل أن يُكفَّر به عنه. كتب من التواريخ ما لا يوصف، ومصنَّفاته وقر بعير. خزن كتب الرصد بضع عشرة سنة، فظفر بكتب نفيسة، وحصل من التواريخ ما لا مزيد عليه، ثم سكن بعد مراغة بغداد، وولي خزن كتب المستنصرية، فبقي عليها والياً إلى أن مات، وليس في البلاد أكثر من هاتين الخزانتين. وعمل تاريخاً كبيراً لم يبيِّضه. ثم عمل آخر دونه، في 50 مجلداً، سمّاه مجمع الآداب في معجم الأسماء على معجم الألقاب…، قال: مشايخي يبلغون 500 شيخ، منهم: الصاحب محيي الدين يوسف ابن الجوزي. قلتُ: وسمع بمراغة من مبارك ابن الخليفة المستعصم في سنة 666هـ»([36])، وقال: «فاقَ علماء الآفاق في علم التأريخ وأيام الناس»([37]).

ورغم هذه الشهادة المهمّة من الذهبي بحقّ ابن الفوطي، إلاّ أنه لم ينقل منه بشأن الغزو المغولي للعالم الإسلامي إلاّ القليل جدّاً جدّاً، ممّا لا يتعارض والرواية الشامية/ المصرية المختلقة التي كانت تدور في أوساط الكتلة السياسية التي يتزعّمها أستاذه وشيخه تقي الدين ابن تيمية؛ ذلك أن الذهبي كان ملتزماً من الناحية العقائدية التزاماً صارماً بآراء شيخه؛ إذ «كان حنبليّ العقيدة، قد أثَّرت فيه البيئةُ الدمشقية، وصحبتُه لشيخ الإسلام ابن تيمية»([38]).

كان ابن الفوطي محبّاً للأُسْرة العباسية، وكان في حديثه عن المستعصم وأنجاله يظهر أعلى درجات الاحترام لهم([39]). ومن ذلك: قوله عن نجل المستعصم المبارك الناجي الوحيد من أبناء المستعصم: «سيدنا الأمير السعيد أبو المناقب المبارك بن الإمام المستعصم بالله»([40]). وكان المبارك هذا شاهداً على فاجعة مقتل أبيه الخليفة وأخويه وبقية أفراد أسرته من الذُّكور، وقد التقى به في مدينة مراغة سنة 666هـ([41])، أي بعد 10 سنوات على تلك الواقعة المريرة. وكانت الأميرة المغولية أولجاي خاتون قد أخذته ليلعب مع ابنها الصغير منگوي تمور([42])، ثم أرسلته إلى مراغة ليكون مع نصير الدين، ثم زوَّجوه امرأةً مغولية أنجب منها ولدين([43]).

ومما يزيد في أهمية كتابات ابن الفوطي علاقاته الواسعة مع كبار رجالات عصره وأركان الدولتين العباسية والمغولية وأصحاب القرار فيهما، ممَّنْ صنعوا الوقائع أو شاركوا فيها أو كانوا شهوداً عليها، فضلاً عن صلاته بالمؤرِّخين والمحدِّثين والكُتّاب والأدباء والشعراء والفنانين، ممّا هو ملحوظ بشكلٍ جليٍّ في ثنايا مؤلَّفه مجمع الآداب. وقد انتفع من ذلك فتعرَّف أسراراً كثيرة.

 كانت لابن الفوطي صلةٌ وثيقة بحاكم العراق المعيَّن من قِبَل المغول الأديب والمؤرّخ علاء الدين عطا ملك الجويني (623 ـ 681هـ)، الذي قال فيه: «شيخُنا الصاحب السعيد علاء الدين…، هو الذي أعادني إلى مدينة السلام، وفوَّض إليَّ كتابة التأريخ والحوادث، وكتب لي الإجازة بجميع مصنَّفاته، وأملى عليَّ شعره بقلعة تبريز سنة 677هـ»([44]).

 كما أصبحت له صلةٌ بنصير الدين الطوسي (597 ـ 672هـ) عقب احتلال بغداد، حيث درس عليه، وهو الذي عيَّنه مشرفاً على خزانة الكتب التي أنشأها بمرصد مراغة، و«اطَّلع على أسرارها»([45])، وكانت تضمّ نفائس المخطوطات، وبعضها ممّا سلم من التلف والحرق خلال غَزْو بغداد، ونقله نصيرُ الدين إلى هناك([46]). وكان يسميه «مولانا وسيدنا نصير الحق والدين»([47])، وينقل عنه بالقول: «وذَكَر لي مولانا نصير الدين الطوسي»([48])، أو بالمراسلة «وكَتَب لي مولانا نصير الدين»([49]). وكانت له حظوةٌ عنده؛ إذ توسّط مرةً لديه لأحد المشايخ ليوليه الإشراف على أحد الرُّبُط، فقبل نصير الدين وساطته وأنفذ ما أراد([50]). وقد استفاد ابن الفوطي مما دوَّنه نصير الدين حول واقعة الغزو؛ إذ كان شاهد عيان عليها، ودخل بغداد مع هولاكو حين جاء بالمستعصم بعد استسلامه له ليريه قصره وكنوزه. ويمكن أن يكون نصير الدين قد استفاد من ابن الفوطي أموراً تتعلَّق بالوقائع التي حدثت قبل دخول المغول بغداد.

وكان ابن الفوطي على صلةٍ وثيقة بالعالم الإمامي غياث الدين عبد الكريم ابن طاووس (647 ـ 693هـ)، ويسمّيه «شيخنا»([51]). فحين قدم إلى بغداد سنة 678هـ أقام في منزله الواقع في مشهد البرمة بالجعفرية ببغداد([52]). ومعلومٌ أن أسرة آل طاووس كانت من الأُسَر التي شاهد أفرادها بأنفسهم وقائع الغزو المغولي للعراق، وربما نفعوا مؤرِّخَنا ابن الفوطي ببعض ما لديهم من معلومات عن هذا الغزو.

وكانت له صلةٌ بالقاضي في دولة المستعصم، عماد الدين زكريا القزويني الشافعي (600 ـ 682هـ)، المعاصر لوقائع الغزو المغولي للعراق، وكان شيخاً له، ويسمّيه «شيخنا القاضي»([53]).

وله صلةٌ وثيقة بالمؤرِّخ والأديب والنقيب ابن الطقطقي الإمامي (660 ـ حوالي 720هـ)، صاحب الكتاب الجمّ الفوائد الفخري، وكان يجلّه ويسمّيه: سيدنا النقيب الفاضل المولى المعظَّم العالِم المنعِم الكامل([54]).

كما كانت له صلةٌ بالعالم والمؤرِّخ قطب الدين الشيرازي الشافعي (634 ـ 710هـ)، حيث نال منه ابن الفوطي إجازة في الرواية([55]). ومعلوم أن القطب الشيرازي قد درس على نصير الدين الطوسي، وهو معاصرٌ لوقائع الغزو. ومعلومٌ أيضاً أهمية كتابه الذي ترجمناه إلى العربية، وطُبِع أخيراً، وعنوانه (ابتداء دولة المغول وخروج جنكيز خان).

وكانت له أيضاً صلاتٌ بشهود عيان آخرين ممَّنْ شهدوا الهجوم المغولي على العراق.

علاقة ابن الفوطي برشيد الدين الهمذاني

 مع أهمّية تلك العلاقات بين ابن الفوطي وأولئك المشاهير، لكنّ الذي يعنينا في بحثنا هذا صلته الوثيقة بالوزير والمؤرّخ رشيد الدين الهمذاني وببعض أفراد أسرته، حيث كان يجلُّه كثيراً([56])، وذكر أنه قام في مدينة بغداد مع أحد علماء عصره بمقابلة نسخةٍ من كتابه جامع التواريخ([57]). ومن المحتمل أن تكون نسخة جامع التواريخ المكتوبة ببغداد في شعبان سنة 717هـ/1317م([58]) هي النسخة المعنيَّة.

وإذا أخذنا برواية الوزير والمؤرّخ رشيد الدين الهمذاني للغزو المغولي للعراق نجدها تكتسب أهمية فائقة؛ لاستنادها إلى مصادر أصيلة، حيث دلَّنا تفحُّصنا الطويل لنصوصه على أنه لم يكن بعيداً عن الاقتباس من المصادر البغدادية (مثل: كتابات ابن الفوطي وابن الساعي وابن الكازروني، التي نجدها منفصلة أو بالواسطة من خلال نقل مؤلِّف كتاب الحوادث من الاثنين الأخيرين). ونذكِّر هنا بأن رشيد الدين؛ بحكم موقعه السياسي والعلمي، قد جمع أعداداً هائلة من المؤلَّفات في شتّى الفنون، ممّا ألمح إليه مرةً بقوله: «إن 60 ألف كتاب في شتى أنواع العلوم والتواريخ والأشعار والحكايات والأمثال وغير ذلك، ممّا جمعته من بلدان إيران وتوران ومصر والمغرب وبلاد الروم والصين والهند، قد وَقَفْتُه بأسره على [مكتبة] الرَّبْع الرشيدي»([59]).

إننا على يقينٍ من أن ابن الفوطي قد استفاد من هذه المكتبة الضخمة، وهو الذي عُرف عنه أنه اطَّلع على أهم مكتبتين في العالم الإسلامي آنذاك: مكتبة رصد مراغة؛ ومكتبة الجامعة المستنصرية، فضلاً عن غيرهما. كيف لا وهو الذي حين ذهب في رحلةٍ علاجية إلى مدينة سراو (مدينة على الطريق بين تبريز وأردبيل)، وحلَّ ضيفاً على قاضيها، لم يتوقَّف عن مطالعة ما وقع بيده من كتبٍ، حيث يقول: «وأحضر لي من الكتب العربية والفارسية ما كنتُ أستريح إلى مطالعته؛ وقرأت عليه مشيخة والده… »([60])؟!

إن اللقاء بين هذين العَلَمَين البارزين في العلم والأدب والتاريخ (رشيد الدين وابن الفوطي) سيؤدّي حتماً إلى تبادل المعلومات والمقارنة بينها.

كان «مؤرِّخ الآفاق» ابن الفوطي، صاحب الباع الطويل في الكتابة التأريخية، يشيد بذكر رشيد الدين، وسماه مرّةً «المولى الأعظم، الحكيم الكامل، والوزير الفاضل، العالِم بما يورده ويصدره، العارف بما ذكره وقرَّره، رشيد الحقّ والدين أبو الفضائل فضل الله…»([61])، وأخرى «المخدوم الأعظم»([62]). كما نقل من كتابه جامع التواريخ([63])، وحين ذكر مرة كتاب تاريخ جهانگشا، للجويني، قارن بينه وبين جامع التواريخ، فقال: «وأين هذا الكتاب من كتاب جامع التواريخ الذي صنَّفه شيخنا الحكيم الفاضل والوزير الكامل رشيد الدين أبو الفضائل، فضل الله…»([64]).

وبحسب الملخص من الجزء اليتيم المعثور عليه من مجمع الآداب، لابن الفوطي، فإنه كان يقيم كثيراً في السلطانية، العاصمة الجديدة للحكّام المغول ووزيرهم رشيد الدين([65])، ممّا يدعونا للقول: إنه لا بُدَّ أن يكون قد التقى مراراً بالوزير رشيد الدين. وإن آخر تأريخ وجدناه لإقامته في السلطانية كان في رجب سنة 717هـ([66])، أي قبل أقلّ من عام على مقتل هذا الوزير. كما كان على علاقةٍ وثيقة جدّاً بغياث الدين([67])، نجل رشيد الدين، الذي أصبح وزيراً بعد مقتل والده.

ولمّا كان رشيد الدين يهتمّ بمؤلفاته، وكان يعيِّن أشخاصاً من ذوي المعرفة لمقابلة نُسَخها، أو ترجمتها إلى لغات أخرى، أو استنساخ نُسَخٍ منها؛ لإرسالها إلى حواضر البلدان؛ كذلك لمّا كان ابن الفوطي قد قابَل مع أحد علماء بغداد نسخةً من كتابه جامع التواريخ هذا، ترى ما المانع من أن يكون رشيد الدين قد استفاد أيضاً ممّا لدى هذا المؤرِّخ البغدادي الفَذّ من معلومات فريدة؛ بسبب كونه شاهد عيان على الوقائع؟

إن مقارنة ما بقي من شذراتٍ متناثرة خاصّة بالغزو المغولي آنذاك في كتابات ابن الفوطي بالنصوص الخاصّة بالغزو نفسه لدى رشيد الدين تصدِّق ما نعتقده من أن رشيد الدين قد اعتمد الرواية البغدادية التي اعتمدها ابن الفوطي، سواء ما شاهده بعينه من وقائع أو ما نقله من شهود عيان آخرين، وفي مقدّمتهم المؤرخان البغداديان ابن الساعي الشافعي وابن الكازروني الشافعي.

رشيد الدين ومصادر الغزو المغولي للعراق

كان أقرب المؤرِّخين زمنياً لرشيد الدين، ممَّنْ كتبوا في واقعة الغزو المغولي للعراق، هو معاصره وَصَّاف الحَضْرَة، مؤلّف تجزية الأمصار وتزجية الأعصار. وكان رشيد الدين صاحب الفضل عليه؛ إذ هو الذي شجَّعه على التأليف، ورعاه وقدَّمه إلى السلطان محمود غازان سنة 702هـ، ومن ثمّ إلى السلطان أولجايتو سنة 712هـ، فنال منهما التكريم والأموال([68]). وكان بإمكان رشيد الدين الاستعانة بما كتبه وَصّاف الحضرة عن الغزو المغولي للعراق أو يطلب إليه أن يُعِدّ له المادة الأوّليّة الخاصة بهذه الواقعة، ليقوم هو بتحريرها، لكنه لم يفعل ذلك.

وكان هناك أيضاً مصدرٌ شهير آنذاك هو تاريخ طبقات ناصري لمِنْهاج السِّرَاج، الذي تناول هذه الواقعة عندما كان مقيماً على بعد آلاف الكيلومترات في مدينة دلهي (عاصمة الهند الحالية)، والذي ذُكر أن وَصَّاف الحَضْرَة كان يعرف تاريخه، ونقل منه الوقائع الخاصة بتأريخ سلاطين دلهي([69]). لكن رشيد الدين لم ينقل منه أيضاً، مع أن كتاباً يصل إلى يد وَصّاف الحضرة كان سيصل حتماً إلى يد رشيد الدين. إن الوقائع التي كتبها رشيد الدين عن الغزو المغولي للعراق تختلف اختلافاً كبيراً عما كتبه هذان المؤرِّخان (مِنْهاج السِّرَاج ووَصّاف الحضرة)، بينما وجدنا تشابهاً ـ وأحياناً تطابقاً ـ بين نصوصه ونصوص المؤرِّخين البغداديين الأصيلة. ولما كانت أغلب مؤلفات هؤلاء البغداديين مفقودة فإن ما كتبه رشيد الدين يسدّ الثغرات في الروايات القليلة المتناثرة التي بقيت من آثارهم، وفي ذلك فضلٌ كبير يسديه هذا الوزير المؤرِّخ العالِم.

على أن ما ورد لدى الاثنين معاً (مِنْهاج السِّرَاج ووَصّاف الحضرة) بشأن واقعة الغزو المغولي لبغداد شبيهٌ جدّاً بما تردِّده الرواية الشامية/ المصرية المختلقة، وهو إشاعات لا علاقة لها إطلاقاً بما ورد عنها في مصادر شهود العيان المؤرِّخين البغداديين (ابن الفوطي الشيباني الحنبلي ورفيقَيْه: ابن الساعي الشافعي وابن الكازروني الشافعي).

إن مؤلَّفات ابن الفوطي بلغت حمل بعير، كما هو مشهور، وأشهرها كتابه الضخم (مجمع الآداب في معجم الألقاب)، الذي بلغ عدد مجلّداته 50 مجلداً. لكنْ لم يصلنا من هذه المجلدات الخمسين سوى مجلّدين اثنين مختصرين فقط من نسخة مختصرة. وفي هذا المعثور عليه من كتابه نصوص مهمة خاصّة بالغزو المغولي، لا نجدها في أيّ مصدرٍ آخر ممّا وصلنا عن هذه الوقائع. ولو وصلنا هذا الكتاب تامّاً لكان أثره مدوّياً في عالم البحوث التأريخية، ولغيَّر كثيراً من الأوهام التي ما زال بعض الكُتّاب يتداولونها عن وقائع الغزو المغولي.

أما الكتاب المسمّى (الحوادث الجامعة)، الذي طُبع على أنه من تأليف ابن الفوطي، فقد ثبت فيما بعد أنه ليس له. وكان جمعٌ من الفضلاء قد نسبوه إليه بادئ الأمر، وأشهر مَنْ اعتقد بنسبته إليه هو العلاّمة الدكتور مصطفى جواد، ذكر ذلك في مقدّمة تحقيقه لهذا الكتاب، الذي طبعه سنة 1932م؛ لكنّه بعد 30 سنة من هذا التأريخ (أي في سنة 1962م) تراجع عن هذا الاعتقاد، وقدَّم أدلّةً على عدم صحة نسبة الكتاب إليه([70]). كما قدَّم باحثٌ معاصر آخر، هو الدكتور رشيد الخَيُّون، دليلاً رصيناً على عدم صحّة نسبة هذا الكتاب لابن الفوطي([71]).

ولحسن الحظّ كان المؤرِّخ البغدادي ابن الساعي شيخاً لمؤرِّخ العراق ابن الفوطي، ونقل نصوصاً كثيرة من جُلِّ مؤلّفاته، وذَكَرَ أسماءها، وكثيراً ما يصادفنا في كتابه تلخيص مجمع الآداب قوله: «ذكره شيخنا تاج الدين أبو طالب عليّ بن أنجب في تأريخه وقال…»([72]).

كما كان المؤرّخ البغدادي الآخر ظهير الدين ابن الكازروني شيخاً لابن الفوطي، الذي أكثرَ في النَّقْل من تأريخه، وكان يعبِّر عنه بقوله: «شيخنا» و«شيخُنا العَدْلُ ظهير الدين…»([73]).

المثلَّث الذهبي لمؤرِّخي بغداد

 هؤلاء المؤرِّخون الثلاثة (ابن الساعي وابن الفوطي وابن الكازروني) هم شهود العيان على الغزو المغولي؛ إذ كانوا في بغداد ساعة دخول المغول إليها، وشاهدوا الوقائع بأنفسهم. وقد دأبنا في كتاباتنا على تسميتهم باسم «المثلَّث الذهبي لمؤرِّخي بغداد».

وحين تكون لنا شهادات شهود عيان كهؤلاء الثلاثة على الوقائع فما حاجتنا بعدها للاستناد إلى مؤرِّخين جاؤوا بعد الوقائع بعشرات،وربما مئات السنين، وكانوا بعيدين عنها جغرافياً، من أمثال: الذهبي والمقريزي وابن العماد؟!

ورغم ضياع أغلب آثار أركان المثلث الذهبي لمؤرِّخي بغداد، فإن ما وصلنا من نصوص متناثرة من كتاباتهم في المصادر كافٍ لإعطائنا صورةً واضحة عن حقائق الغزو المغولي.

لقد كانت فرصة نادرة لرشيد الدين أن يقيم روايته عن وقائع الغزو المغولي لإيران والعراق وبلاد الروم وبلاد الشام وغيرها على أساسٍ متين، من خلال استناده إلى روايات شهود العيان أركان «المثلَّث الذهبي» هؤلاء، وإنْ كنا لا نعلم هل نَقَل منها بشكلٍ مباشر أم استند في الاقتباس منها إلى مصدرٍ وسيط، يمكن أن يكون ابن الفوطي، الذي قلنا: إنه كان على صلةٍ وثيقة به وبنجله غياث الدين.

وبذلك برهن رشيد الدين على رجاحة عقله؛ باستناده إلى الرواية البغدادية بشأن إسقاط الخلافة العبّاسية والاحتلال المغولي، ذلك أننا لاحظنا أن الابتعاد عن هذه الرواية الأصيلة أوقع المتورِّطين بالاستناد إلى الرواية الشامية/ المصرية بتناقضات وأغلاط لا تُغتفَر.

كيف نعلم أن رشيد الدين اعتمد الرواية البغدادية؟

 إن تنقيبنا سنوات طويلة في الرواية البغدادية حول الغزو المغولي للعراق، ومصادرها والمصادر التي اقتبست منها أو ممّا يدور مدارها، جعل نصوصها ماثلةً لدى مطالعة أيّ أثرٍ آخر، بحيث تكفي المقارنة البسيطة لمعرفة كون ذلك النصّ يتطابق مع الرواية البغدادية أم لا.

والحقيقة الناصعة هي أننا وجدنا النصوص الخاصّة بالغزو المغولي للعراق التي عند رشيد تتطابق مع نصوص كثيرة ممّا أسميناه الرواية البغدادية. ففضلاً عن تطابقها بما ورد لدى أركان المثلث الذهبي لمؤرِّخي بغداد، كانت هنالك مصادر معاصرة لتلك الواقعة تتطابق أيضاً مع نصوص المثلث الذهبي، مثل: ما كتبه مؤلِّف كتاب الحوادث، الذي نصّ على أنه استند إلى ابن الساعي وابن الكازروني، وكذلك كتابات ابن العبري المعاصر لوقائع ذلك الغزو في كتابَيْه: تاريخ الزمان؛ وتاريخ مختصر الدول، وكتابات هندوشاه النخجواني في تجارب السلف. ولا ننسى التشابه الذي بلغ حدّ التطابق التام بين بعض نصوص رشيد الدين في جامع التواريخ ونصوص قطب الدين الشيرازي في ابتداء دولة المغول، مما حدانا إلى إثبات أن الاثنين قد اقتبسا من مصدرٍ بغداديّ مشترك بينهما([74]).

نقطة كارثية واحدة في غير موضعها

ونذكر مثالاً واحداً من نصوص الرواية الشامية/ المصرية؛ لنلاحظ كيف أن خطأً بسيطاً بوضع نقطةٍ واحدة في غير موضعها أدّى إلى اختلاق وقائع، ظلّ اللاحقون يزيدون فيها، ويتعاملون معها وكأنّها حقيقة واقعة جديرة بالتصديق.

كانت البداية عند اليونيني الحنبلي ـ بحَسَب الطبعة المتداولة لكتابه ـ، الذي قال: «وتوجَّه التترُ إلى العراق، وجاء بايجو نوين في جحفلٍ عظيم، وفيه خلقٌ من الكرخ»([75]). واستناداً إلى هذا الكلام فإن القائد العسكري المغولي استعان بأهل الكرخ (يعني سكان القسم الغربي من مدينة بغداد)، وشنَّ بجيشه وبمعونة الكرخيين هجوماً على الرُّصافة (الجانب الشرقي من المدينة)!!!

ولمّا كان أهل الكرخ شيعة إمامية أو «رافضة»، كما يسميهم مناوئوهم، فقد جاء ابن تغري بردي الحنفي(874هـ، أي بعد حوالي200 سنة من واقعة الغزو المغولي)، فوجد النصّ «وفيه خلقٌ من الكرخ»، فاشتهى أن يلعن الرافضة، فبادر إلى وضع كلمتي «أهل» قبل «الكرخ»، و«الرافضة» بعدها، فتحوَّلت الجملة إلى جملة جديدة هي: «الأمير بايجونوين، وفي جيشه خلقٌ من أهل الكرخ الرافضة»([76]).

ولقد بلغ الأمر من انعدام المسؤولية لدى بعض الكُتّاب في الاستناد إلى هذا الغلط حدَّ أن يقول باحثٌ معاصر([77]) عن موقف الشيعة إزاء الغزو المغولي لبغداد: «كان موقف هؤلاء إزاء تلك الكارثة الرهيبة من أسوأ المواقف التي وقفتها إحدى الطوائف في أيّ أمّة عبر التأريخ…، بدأت نوايا الشيعة في الظهور عندما رأوا قوات المغول تطوق بغداد، فقد بذلوا كلَّ ما في استطاعتهم لمساعدتهم في هجومهم». ولما كنا نعلم يقيناً أن أهل الكرخ كانوا شيعةً، ووقفوا ذلك الموقف المتواطئ مع المغول (!)، فمن الحقّ المشروع أن ترتفع أصوات الإدانة لأولئك «الكرخيين» الشيعة الذين أعانوا (!) الغزاة على إخوانهم في الدِّين والمواطنة. وقد أَلْصق بهم أولئك المؤرخون تلك التهمة الخطيرة، التي لا تعدو في حقيقة الأمر سوى كونها نقطةً واحدة فقط وُضِعَت في غير موضعها.

نعم، إن ما قيل من أن أهل الكرخ جاؤوا مع المغول وغزوا بغداد هو أمرٌ كان السبب فيه خطأ من أحد نُسّاخ كتاب ذيل مرآة الزمان، حين كتب «الكرخ» بَدَلَ «الكُرْج»([78]). فالصواب أن الذين هاجموا بغداد مع القائد بايجو نويان كانوا «الكُرْج»، وليس «الكرخ». وإن هؤلاء، الذين يُسَمَّون الكُرْج قديماً هم أنفسهم الجورجيون سكّان جورجيا الحالية، وكانوا حلفاء المغول، وجاء جيشٌ منهم بقيادة ملكهم داوود([79]) مع القائد المغولي بايجو نويان، وهاجموا الجانب الغربي من بغداد، وهو الكَرْخ، وقتلوا سكّانَ الكرخ، ولم يفرقوا في ذلك بينهم وبين سكان الجانب الشرقي من المدينة، أي الرُّصافة. يقول المؤرِّخ الأرمني كيراكوز الجنزوي(671هـ/1272م)، المعاصر لهذه الوقائع: «كان في قوات هولاكو التي اشتركت في فتح بغداد كتيبةٌ من الجورجيين»([80])؛ وهو ما يؤيِّده قول ابن العبري: «واستلَّ المغول سيوفَهم، وأجهزوا على ربوات([81]) البغداديين، يساعدهم خصوصاً الكُرْج في تلك الملحمة الهائلة»([82]).

وعلينا التذكير بأن هذا النصّ ورد صحيحاً لدى الذهبي، حين قال: «ركب هولاكو في خلقٍ من التتار والكُرْج ومدد من صاحب الموصل و…»([83]). وطبعت أيضاً برسمها الصحيح «الكُرْج» في الطبعة المحقَّقة لكتاب ذيل مرآة الزمان التي صدرت أخيراً في بيروت([84]).

نعم، كان هنالك حكّامٌ مسلمون جاؤوا بجنودهم مع هولاكو، فهاجموا بغداد وبقية مناطق العراق، وفي مقدّمتهم صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ.

وهكذا تحوَّل الخطأ القائم على وضع نقطةٍ واحدة في غير موضعها إلى أن يبادر بعض المؤرِّخين القدماء إلى نقله بهذ الشكل المغلوط، ومن ثمَّ إلى اتهام أهل الكرخ بتهمةٍ باطلة.

إن هذا التشهير بأهل الكرخ، واللعنات التي صبَّها حشدٌ من المؤرِّخين القدماء والمعاصرين على رؤوسهم، وعلى مذهبهم مذهب أهل بيت النبي|، قائمٌ على وضع نقطةٍ واحدة في غير موضعها، نقطةٍ ظلَّ أثرها السيِّئ يثير الضغائن في بعض النفوس قروناً إلى يومنا هذا.

ومع ذلك استنسخ هذا الخطأ كثيرٌ من المؤرِّخين اللاحقين خلال القرون، وخصوصاً بزياداته التي زادها بعد 200 سنة من الواقعة المؤرِّخُ ابن تغري بردي الحنفي حين أصبح: «وفي جيشه خلقٌ من أهل الكَرْخ الرافضة»، ممّا ذكرناه آنفاً. واستنسخه منهم جمعٌ من المستشرقين، ثم جاء بعض الباحثين العرب والمسلمين فردَّدوا ما كتبه أولئك المستشرقون أو بَنَوا عليه استنتاجات مغلوطة([85]).

 وفي الوطن العربي لدينا كثيرٌ من الكتاب ممَّنْ وقعوا في أخطاء المؤرِّخين من كُتّاب الرواية الشامية/ المصرية وأتباعهم. وإذا أخذنا إيران فسنجد ممَّنْ كرَّر هذه الأخطاء وأصرَّ عليها الدكتور عباس إقبال([86])؛ والدكتورة شيرين بياني.

الدكتور عباس إقبال والبناء المغلوط

من أخطاء الدكتور إقبال الشهيرة، التي هي أصداء لهذا الغلط الذي ذكرناه، قوله: «إن ابن العَلْقَمِيّ الإيراني والشيعي ـ فضلاً عن حقده على الخلفاء العباسيين وأهل السنّة ـ كان متألِّماً جدّاً من الإغارة على الكَرْخ وعلى مشهد الإمام موسى الكاظم، وقتل شيعة بغداد»([87]).

فقوله: إن الوزير مؤيّد الدين محمد ابن العَلْقَمِيّ كان إيرانياً غلطٌ شنيع؛ بسبب خلطه بين: الوزير مؤيّد الدين محمد ابن القُمِّيّ؛ والوزير مؤيّد الدين محمد ابن العَلْقَمِيّ.

وقد توفّي القمّي سنة 630هـ، أي قبل الغزو المغولي للعراق بـ 26 سنة. وكما هو واضحٌ من لقبه فهو ينتمي إلى أسرةٍ ذات أصل إيراني تسكن العراق.

أما ابن العلقمي فهو عربيٌّ صليبةً، من مدينة النِّيل التابعة لمدينة الحلّة بمحافظة بابل في العراق([88]). وهو من قبيلة بني أسد، التي وصفها الشبيبي بأنها «كانت من أشدِّ القبائل العراقية مراساً، وأعظمها شوكةً، وأكثرها عدداً، في الأقاليم الحِلِّيّة والواسطيّة»([89]).

أما مَنْ قال بكونه إيرانياً فلأنه أراد النَّيْل منه بالقول: إن الفرس كانوا منذ أن خلقهم الله شيعةً يكيدون للإسلام وأهله(!!). وهي كتبٌ غير علمية قُصِد بها تأجيج الحماس وإطلاق الهتافات([90]).

أما قول عباس إقبال: إن ابن العلقميّ كان حاقداً على الخلفاء العباسيين فالمصادرُ التاريخية ـ وفي مقدّمتها كتاب الحوادث ـ كافيةٌ لأن تقدِّم صورة عن العلاقة الطيبة بين ابن العَلْقَمِيّ وخليفتين من الخلفاء العباسيين، خدَمَهما بإخلاصٍ، وقامت بينه وبينهما علاقة احترام متبادل، وهما: الخليفة المستنصر، وكان كلَّفه هو وشقيقه بالإشراف على أكبر مشروعٍٍ علمي وهو بناء صرح المدرسة المستنصرية، ولما انتهى العمل فيها قام المستنصر بإكرامه وأخاه العاملين معه بالخلع والهدايا في حفل رسمي وشعبي فخم([91])؛ والمستعصم، الذي «كان يعتقد فيه ويحبه»([92])، بل كان يثق فيه كثيراً، ويكرم مَنْ كانت له علاقةٌ به. وفي كتاب الحوادث كثير من الأدلة على العلاقة الطيِّبة بين المستعصم ووزيره ابن العلقمي، فليُراجَعْ.

كان ابن العلقميّ من أنبل الرجال وأكثرهم إخلاصاً للدولة العباسية. وصفه معاصرُه العالِم والمؤرِّخ الحنفي سبط ابن الجوزي (465 ـ 654هـ)، الذي لازَمَه خلال زيارته لبغداد في مُدّة امتدّت من شهر رمضان سنة 644 حتّى صفر 645، أي ما يزيد على خمسة أشهر، ولم يذكر ما يشين شخصَه، بقوله: «كان رجلاً فاضلاً صالحاً عفيفاً ديِّناً قارئاً للقرآن»([93]). ووصفه مؤلِّفُ كتاب الحوادث بقوله: «كان عالماً فاضلاً أديباً، يحبّ العلماء، ويُسدي إليهم المعروف»([94]).

وقد «سمع الحديث واشتغل على أبي البقاء العكبري»([95])، وكان العكبري حنبلياً.

وقال ابن الطِّقْطَقَي، بعد أن تحدّث عن أمانته: «كان مؤيد الدين الوزير عفيفاً عن أموال الديوان وأموال الرعية، متنزِّهاً مترفِّعاً»، ثم أورد قصةَ تعزِّز قوله في أمانته ونزاهته عن قبول هديّة كان أرسلها إليه بدر الدين لؤلؤ ملك الموصل، وحين قَبِلَها أرسل بإزائها إلى بدر الدين أضعافاً مضاعفةً من الأموال والهدايا، «والتمس منه أن لا يهدي إليه شيئاً بعد ذلك»، ثم قدَّم تلك الهدية هديةً للخليفة المستعصم، وأخبره بخبرها، فقبلها منه([96]).

كما كان ابن العلقميّ صديقاً حميماً لأحد أعلام الإمامية في عصره، العالم المتعدِّد المواهب رضي الدين ابن طاووس، الذي يذكره بقوله: «صديقي الوزير محمد بن أحمد بن العلقمي، ضاعف اللهُ سعادتَه، وشرَّف خاتمتَه…»([97]).

وفي هذا التنوُّع المذهبي في العلماء الذين أحاطوا بالوزير ابن العلقميّ دلالة على الانفتاح الفكري وروح والتسامح لدى هؤلاء؛ فالوزير، وهو إماميُّ المذهب يجعل في حاشيته، وفي معلِّميه ومعلمي ولده، الصغانيَّ الحنفيَّ العمريَّ، والعكبريَّ الحنبليَّ، وابنَ أبي الحديد الشافعيَّ المعتزليَّ؛ والصغانيُّ الحنفيّ يدرس على أبي الفتوح الحصري «إمام الحنابلة بمكّة»([98]). كلّ ذلك يشير إلى ترفُّع هذه الطبقة المثقَّفة عن المشاحنات التي كانت كثيراً ما تندلع بين أبناء الطوائف آنذاك.

وقد أثارت مواهبُ ابن العلقميّ حَسَدَ المحيطين به، حتّى قال ابن الطقطقي: «كان من أعيان الناس وعقلاء الرجال، وكان مكفوفَ اليد، مردودَ القول، يترقب العزلَ والقبضَ صباح مساء»([99])، وأضاف: «كان خواصّ الخليفة جميعهم يكرهونه ويحسدونه، وكان الخليفة المستعصم يعتقد فيه ويحبّه، وكثروا عليه عنده، فكفَّ يدَه عن أكثر الأمور»([100]). وحتى عندما كان يتقدَّم بمقترحٍ فيه نفعٌ كان المحيطون بالخليفة يفسِّرونه تفسيراً لصوصياً، معبِّرين بذلك عمَّا في نفوسهم هم، ممّا سنراه لاحقاً.

وفي كلّ هذه الأوهام التي وقع فيها الدكتور عباس إقبال فإنه كان واقعاً تحت تأثير كتابات المستشرقين التي اعتمدت الرواية الشامية/ المصرية.

الدكتورة شيرين بياني والبيان التائه

استندت الدكتورة شيرين بياني ـ الأستاذة في جامعة طهران ـ، في كتابها دين ودولت در إيران عهد مغول، الذي تُرجم إلى العربية تحت عنوان: (المغول، التركيبة الدينية والسياسية)، أيضاً إلى الرواية الشامية/ المصرية، فوقعت في أخطاء خطيرة، كنا نتمنّى لو تجنَّبَتْها، وذلك بأن تبذل وقتاً أطول في تفحُّص مصادر الرواية البغدادية الأصيلة، وخصوصاً تلخيص مجمع الآداب، لابن الفوطي؛ وكذلك كتاب الحوادث، المجهول مؤلِّفه، المستند إلى اثنين من عظماء المؤرِّخين البغاددة، وركنين من أركان المثلث الذهبي: ابن الساعي وابن الكازروني. فكلا هذين الكاتبين (ابن الفوطي ومؤلف كتاب الحوادث) يستند إلى الرواية البغدادية الأصيلة عن وقائع الغزو المغولي، فضلاً عن أن ابن الفوطي (الركن الثالث للمثلث الذهبي) قد عايش شخصياً وقائع الغزو. ورغم أنها استندت إلى هذين المصدرين، فإن اقتباساتها منهما كانت محدودةً جداً، وكانت تقفز بين حينٍ وآخر إلى روايات الرواية الشامية/ المصرية الزائفة.

وكما لاحظنا فإن الدكتورة بياني قد حرمت نفسها نعمة عشرات المصادر التأريخية العربية ذات العلاقة بموضوعها، مثل: كتابات المؤرِّخ المعاصر لوقائع الغزو المغولي غريغوريوس ابن العبري (623 ـ 685هـ)، ولجأت بَدَل ذلك إلى مصادر عربية ثانوية متأخِّرة؛ وربما كان السبب في ذلك هو عدم تمكُّنها من هذه اللغة فيما يبدو.

يبلغ عدد صفحات الترجمة العربية من كتاب الدكتورة شيرين بياني 550 صفحة، عدا الفهرس. وسأشير هنا فقط إلى الصفحات الخاصّة بالمغول والخلافة العباسية، وخصوصاً عهد المستعصم آخر الخلفاء العباسيين، أي الصفحات من 183 إلى 251 من الطبعة العربية (أي 68 صفحة فقط)، مع الإشارة إلى الجزء وأرقام الصفحات في النصّ الفارسي الأصلي، الذي هو في ثلاثة أجزاء بلغ عدد صفحاتها 1059 صفحة، عدا الفهارس التفصيلية للكتاب.

 تتحدَّث الدكتورة بياني عن أهمّ أسباب انهيار الخلافة العباسية، فتقول: «قبل الخوض في تفاصيل الحروب علينا دراسة قضية أسهمت في تسريع هذه الحرب وتسهيلها، ألا وهي دَوْر التشيُّع الذي يجب اعتباره أحد أهمّ أسباب سقوط الخلافة. لم ينْسَ الإيرانيون أن يتمسَّكوا بهويتهم الوطنية والثقافية، مع الحفاظ على الإسلام، خلال قرونهم التاريخية بعد فتح إيران بيد العرب. ومنذ البداية انضمّوا إلى صفوف أتباع الأئمة من آل بيت النبيّ. ونظراً لافتقارهم إلى القوة الحربية لم يَبْقَ أمام الشيعة سوى الكفاح السياسي تحت ظلّ العقيدة للإمساك بالقدرة الأولى، والحصول على دولةٍ مستقلّة لا تحتاج إلى أن يصدر قرار رسميتها من الخارج. وبطرحهم مبدأ «التقية» بادروا إلى ممارساتٍ خفيَّة ضدّ نفوذ بني العباس في إيران، وحقّقوا عدّة مرّات إنجازات مهمة في سبيل الحدّ من تقليص هذا النفوذ»([101]).

ونقول للدكتورة: إن الإيرانيين لم ينضمُّوا «منذ البداية إلى صفوف أتباع الأئمة من آل بيت النبيّ». لقد كانت إيران «منذ البداية» تعتنق المذاهب السنّية، باستثناء مدن صغيرة معيَّنة، مثل: قم وكاشان وغيرهما. وإن الذي حَدَث «منذ البداية» هو أن الشيعة الإمامية أعلنوا إصرارهم على اتِّباع القرآن والسنّة النبوية وما يَرِدُهم من أهل بيت الرسول|، وبسبب ذلك عانوا الاضطهاد سواء في إيران أم غيرها، ولم يكونوا يُعَدُّون مسلمين أصلاً. يكفي أن نشير مثلاً إلى حملات الإبادة الجماعية التي شنَّها السلطان محمود الغزنوي حنفيّ المذهب سنة 420هـ ضدّ كل مَنْ عدَّهم هو كفرةً ومارقين من الدين، وخصوصاً «أتباع الأئمة من أهل بيت النبيّ» في إيران وغيرها، حيث لخَّص أعماله التي تباهى بها بالقول: «فانتدبتُ جيشاً من التُّرْك المسلمين الأطهار الحنفيين لحرب الديلم والزنادقة والباطنية، واقتلاع جذورهم، حيث قُتِل بعضٌ منهم بسيوفهم، وقُيِّد آخرون وأُلقي بهم في السجن، بينما شُرِّد الباقون في بقاع العالَم. وعَهِدْتُ بكلّ الوظائف والأعمال إلى الغلمان والموظفين الخراسانيين الأطهار، الذين كانوا إما حنفية أو شافعية، وكلا الطائفتين عدوٌّ للرافضة والخوارج والباطنية، ومؤيِّدٌ للتُّرْك، حتّى لم أدَعْ ولا كاتباً عراقياً([102]) واحداً يخطّ بقلمه على الورق؛ لعلمي أن كُتّاب العراق منهم ويشغبون عليهم؛ ليخلو العراق بهذا الإجراء بمرور الأيام من سيِّئي الدين»([103]). تلك العمليات التي رسم المؤرِّخ الآبي صورتها المرعبة في كتابه تاريخ الريّ بقوله: «نصب المشانقَ الكثيرة وصلب كبار الدَّيلم على الأشجار، وألبس قسماً منهم جلودَ الثيران، ونفاهم إلى غزنين، وأخرج من بيوتهم خمسين حِمْلاً من كتب الروافض والباطنية والفلاسفة، ووضعها تحت الأشجار التي عُلِّق عليها المشنوقون، وأشعل فيها النيران»([104]). وشملت حملته الكتب والمكتبات، حيث أحرق بيت الكتب بمدينة الريّ، الذي كان فهرست كتبه وحده يقع في 10 مجلّدات، والذي رآه المؤرِّخ أبو الحسن البيهقي، الذي يضيف: «فإن السلطان محموداً لما وَرَد إلى الريّ قيل له: إن هذه الكتب كتبُ الروافض وأهل البِدَع فاستخرج منها كلَّ ما كان في علم الكلام، وأمر بحرقه»([105]). وصلب على أشجار المدينة حشوداً ضخمة ممَّنْ حكم هو بكفرهم، بعد رجمهم بالحجارة حتّى الموت([106])، وكان يضع تحت جثّة كلّ مصلوب كوماً من كتب «الضلال»، ويضرم فيه النيران([107]). وربما كانت حملات الإبادة الجماعية وقتل وإحراق المفكِّرين ـ وخصوصاً شيعة أهل بيت رسول الله| ـ وإحراق المكتبات هي التي دعَتْ التكفيريين من محبّي محمود الغزنوي إلى تلقيبه بـ «يمين الملّة والدين»([108])، ولنقرأ ما يقوله المشاطُ الرازي، أحدُ التكفيريين الذين فاخروا بما صنعه الغزنوي بشيعة أهل بيت رسول الله|: «وما وقع في عهد السلطان محمود الغازي على علماء الرافضة من قتلٍ وصَلْب وتسويد وجوههم وتكسير منابرهم ومنع مجالسهم. وكلَّما جيء بمجموعةٍ منهم شُدَّتْ أيديهم بعمائمهم إلى أعناقهم، تلك الأيدي التي طالما أسبلوها في الصلاة، وكبَّروا بها التكبيرات الخمس على الميِّت، وجدَّدوا بها عقد النكاح بعد الطلاق ثلاثاً»([109]).

ومحمود الغزنوي ارتكب الفظائع حتّى بحقّ المسلمين من أهل السنّة والجماعة، فقد ولّى مرةً على مدينة أصفهان بعد استيلائه عليها والياً، فقتلوه؛ لسببٍ ما، فعاد بجيشه، وأقام في المدينة إلى أن اطمأنَّ أهلها، وحضروا في إحدى الجمعات صلاة الجمعة في الجامع الكبير، فأطلق عليهم جنودُه وهم يصلُّون، فقتلوا منهم مقتلةً عظيمة([110])، مع أن المصلين الذين في الجامع آنذاك كانوا إمّا شافعية أو حنفية، فهذان هما المذهبان السائدان في أصفهان.

وهذا الوزير الإيراني نظام المُلْك يقول: «ليس في العالم كلِّه أفضلَ وأقومَ من مذهبَيْ أبي حنيفة والشافعي رحمة الله عليهما؛ أمّا المذاهب الأخرى فبِدَعٌ وأهواء وشبهات»([111]). ومع كون نظام الملك وزيراً لدى السلطان السلجوقي الحنفي ألب أرسلان، لكنّ كونه شافعياً يجعل ذلك السلطان ينتقص «على الدوام مذهبَ الشافعيّ»، ويتمنّى لو لم يكن وزيره هذا شافعياً([112]). هذا والمذهبُ الشافعيّ مذهب معتَرَفٌ به رسمياً، فكيف هو حال المذهب الإماميّ، الذي كان يُهْمَز ويُلْمَز ويُسمّى مذهب «الرافضة»؟!

لقد وبَّخ السلطان ألب أرسلان هذا موظَّفاً عنده؛ لأنه عيَّن شخصاً شيعياً كاتباً لديه في إحدى القرى، ثم أرسل مَنْ جلب ذلك الكاتب الشيعي إلى مجلسه، وشتمه بأقذع السباب، ووصفه بأنه «زوج القَحْـ…»؛ وأمر بضربه في مجلسه ضرباً أدّى إلى أن يُحمَل من المجلس وهو نصف ميت([113])؛ لمجرد كونه شيعياً عُيِّن في وظيفةٍ صغيرة بإحدى القرى.

وفيما بعد استنَّ بسنّة السلطان محمود الغزنوي في النفي والتهجير الوزيرُ السلجوقي الخطير الميبدي، فحين «وقعت فتنة بين الفريقين (الحنفية والشافعية) بأصفهان تقدَّم الخطير الوزير بأن يُخرَج أصحابُ الشافعيّ إلى عُمان»([114]). تصوَّروا هذه القسوة في التعامل من سُنّيٍّ مع أتباع مذهب سُنّيٍّ آخر.

وهذا المؤرِّخ الراوندي الحنفي(كان حيّاً سنة 603هـ)، وهو من راوند التي تقع على بعد 11 كيلومتراً إلى الشمال الغربي من كاشان، الذي يقول: إنه ألَّف كتاباً مفرداً في «فضائح وقبائح الرافضة وخُبث عقيدتهم»، يعقِّب: «إنه من بين الاثنتين والسبعين فرقة من فرق الإسلام لا ينبغي أن يُدْعى أيُّ فردٍ من أتباعها بالملحد، ولا أن يُلعَن، إلاّ الرافضة، الذين هم ليسوا من أهل قِبْلَتنا»([115]). ثم ينقل شعراً لأحد الشعراء من معاصريه، الذي يعدِّد أربع مدنٍ يسكنها الرافضة في إيران، ويطلب إلى السلطان أن يجمع سكّانَها منها، ثم يسلقهم سَلْقاً بالماء المغليّ، ثم يضيف مدينتين أخريين، ويطالبه بإحراقهما؛ ليتضاعف أجره عند الله([116]).

نعم، هكذا كانت إيران، وهكذا تعامل حكّامها مع الشيعة بكافّة فروعهم، من شيعة إمامية وشيعة إسماعيلية وشيعة زيدية. ولقرون متمادية ظلّت إيران سُنِّيّة، وأنجبت على مرّ التأريخ الآلاف المؤلَّفة من مشاهير العلماء من أتباع المذاهب السُّنِّيّة، ممَّنْ شكَّلوا مفاخر لمدنهم وطوائفهم؛ ولم يُعلَنْ التشيُّع مذهباً رسمياً للرُّقعة الجغرافية المعروفة اليوم باسم إيران إلاّ في العهد الصفويّ. فضلاً عن أن قولها: إن الإيرانيين انضمّوا إلى «صفوف أتباع الأئمة من آل بيت النبيّ» للإمساك بالقدرة، ولتحقيق ذلك استخدموا مبدأ التقية الذي «طرحوه»، أي ابتكروه، على حدّ تعبير المؤلِّفة، بينما المعروف أن مبدأ التقية موجودٌ في القرآن الكريم([117]). إن هذا الكلام يجعل الإيرانيين انتهازيين ومنافقين وغير صادقين في ولائهم لأهل بيت النبيّ|، وأنهم كانوا يستخدمون التقية لتحقيق مكاسب سياسية تحفظ هويتهم الوطنية الإيرانية.

وفي ما يتعلَّق بالعامل الشيعي في إسقاط الخلافة فكلامُها مغلوطٌ تماماً. ولو كلَّفت نفسها بقراءةٍ دقيقة للكتابين اللذين ذكرناهما آنفاً (تلخيص مجمع الآداب؛ وكتاب الحوادث) وما هو في طبقتهما، مثل: مختصر التأريخ لابن الكازروني، لخرجَتْ بمعلومات صحيحة. لكنها ذهبت إلى المصادر المتأخِّرة عن الوقائع، بل والمتعصبة أحياناً، معتقدةً بأنها ستعزِّز بها بحثها.

 لا شَكَّ في أن الدكتورة بياني قد استندت إلى مصادر أصيلة، مثل: جامع التواريخ؛ تاريخ گزيده؛ الفخري لابن الطقطقي؛ ذلك أن هذه المصادر جميعاً تستند إلى الرواية البغدادية الصحيحة. لكن استنادها إلى المصادر المتأخِّرة زمنياً عن واقعة الغزو المغولي للعراق، والمتعصِّبة في أغلب الأحيان، التي أسميناها في كتاباتنا باسم الرواية الشامية/ المصرية، أمثال: طبقات ناصري لمِنْهاج السِّرَاج الجوزجاني(660هـ) (كان يعيش في الهند عندما حدث الغزو المغولي لقلاع الإسماعيلية والعراق)؛ تجزية الأمصار وتزجية الأعصار لوَصّاف الحضرة(بعد سنة 728هـ)؛ السلوك للمقريزي(845هـ)؛ روضة الصفا لمير خواند(903هـ)؛ حبيب السير لخواند مير(942هـ)؛ مجالس المؤمنين للقاضي التُّسْتَريّ الإمامي(1019هـ)؛ شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي(1089هـ)، إن استنادها إلى هذه المصادر المتأخِّرة قد أضعف من قيمة هذا الفصل من كتابها، بل أوقعها في تناقضات ومجازفات كانت في غنىً عنها؛ ذلك أن كثيراً مما ورد في هذا الفصل الخاص بسقوط الدولة العباسية يستند إلى إشاعات أو أساطير أو تحريف للوقائع، وهو قائم على أسطورة أن الوزير العباسي مؤيد الدين ابن العلقميّ الأسدي (الشيعي الإمامي المذهب) اتصل بهولاكو بعد هجوم الجيش العباسي على الكَرْخ واستباحته لدماء وأعراض وأموال سكّانه الشيعة سنة 654هـ. هذه الأسطورة (أسطورة اتصاله بالمغول)، التي رفضها بعض الكُتّاب من ذوي الأقلام الرصينة، وفي مقدمتهم الباحث السعودي (السُّنِّي) الدكتور سعد الغامدي، الذي تعمَّق في دراستها، ووصل في ختامها إلى رأيٍ قال فيه: إن الذين اتهموا ابن العَلْقَمِيّ بهذه التُّهم، وعلى رأسهم مِنْهاج السِّرَاج مؤلِّف طبقات ناصري، «كانوا مؤرِّخين سُنِّيين متطرِّفين، وجَّهوا إليه تلك التُّهم أصلاً بدافع من التعصُّب المذهبي، تمليه حوافز عدوانية وعواطف تحاملية يكنُّونها تجاه هذا الوزير المسلم شيعي المذهب. لهذا فإن المرء ليقف عند روايات من هذا القبيل موقفَ الشكّ، هذا إذا لم يرفضها رفضاً قاطعاً. وإن ما أورده أولئك المؤرِّخون في تقاريرهم حول هذا الشأن لا يقوم على أساسٍ علميّ دقيق ومحقَّق»([118]).

وقد قمنا بدراسة هذه الأسطورة بشكلٍ أكثر تفصيلاً في كتابنا (إعادة كتابة التأريخ، الغزو المغولي للعراق أنموذجاً)([119])، وقلنا: إن هذه الرواية، التي نُسجت بأقلام كتّاب شاميين/ مصريين، تقوم على أسطورة لا تصدِّقها حتّى العجائز الخَرِفات، حيث تقول: إنه عقب هجوم جيش المستعصم بقيادة نجل الخليفة وقائد الجيش الدويدار الصغير الحنبلي على محلّة الكرخ الشيعية ببغداد سنة 654هـ؛ بسبب حادثة قتل اتُّهم فيها شخصٌ من أهل الكَرْخ، نشأت في قلب الوزير رغبة الانتقام، فاتصل بالمغول يدعوهم لغزو العراق.

كان القتيل شابّاً من محلَّة سُنِّية وكان ينبغي للحكومة أن تبحث عن قاتله وتعاقبه، لكنّ أفراد حاشية الخليفة المستعصم ذهبوا إليه، «وعرَّفوه، ونسبوا إلى أهل الكرخ كلَّ فساد»([120])، و«أطنبوا في ذمِّ أهل الكَرْخ»([121])، فنَسِي الخليفة الحنبليّ قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ (الأنعام: 164)، وأصدر أمره بتأديبٍ جَماعيّ لأهل الكَرْخ. ولما كانت محلة الكرخ، كما يصفها ابن باطيش الذي عاش في بغداد مدَّةً: «إحدى المحالّ العربية، يوُصَف أهلُها باللطف والرِّقّة في الطباع؛ وهي مشهورةٌ بسكنى الشيعة»([122])، وكانت منذ تأسيس بغداد مزدحمةً جدّاً بالتجار وما لديهم من أموال وبضاعة وتجارة، حيث قال ابن الأثير: «الكَرْخ: وكانت معدن التجّار والشيعة»([123])، وكثيراً ما كان أهلها الشيعة موضعاً لظلم الحكام والوزراء، كما حدث مثلاً في العصر السلجوقي([124])، فإن أيّ هجومٍ عليها أو إشعال حريق فيها ستكون خسائره هائلة. انطلق العساكر الجائعون، الذين لم يكن الخليفة يدفع لهم مرتباتهم، بقيادة أحد أنجال الخليفة والدويدار الصغير، وكلاهما حنبليٌّ أيضاً، وانطلقت معهم حشودٌ من العوام، وارتكبوا جرائم القتل واغتصاب النساء واختطاف الفتيات وسرقة الأموال وإحراق الدُّور، بل أركبوا بعض النساء العلويّات الكرخيّات عرايا على الحمير، وظلوا يدورون بهنَّ في الطرقات([125])، وكما يقول الذهبي: «فركبَ الجندُ إليهم، وتبعهم الغوغاء، فنُهِب الكَرْخُ وأُحرقت عدة مواضع، وسَبَوا العلويات، وقتلوا عدّةً، واشتدّ الخطب، ثم أخمدت الفتنة بعد بلاء كبير، وصُلِب قاتل الأول»([126]). وحين أُخبر الخليفة بعظم ما رتكبه المهاجِمون أوقف الهجوم، وطلب إلى المهاجمين أن يعيدوا ما سرقوه، وهي دعوةٌ متأخرة، وتخاطب لصوصاً وجنوداً كانوا يعتقدون أن ما سلبوه من أهل الكرخ غنائم حرب، وهم الذين اعتادوا التسوُّل لنيل لقمة العيش([127]).

وسيلة أسطورية لكتابة الرسائل

قيل: إن ابن العلقميّ استخدم وسيلةً مبتكرة لإرسال رسالتين للمغول؛ لكي يقول لهم فقط: تعالوا؛ واحدة بيد أخيه، حيث حلق شعر رأسه، ثم حفر حروف الرسالة على جِلْدة رأسه حَفْراً، أي إنه وصل في حَفْرِه إلى عظام جمجمته، حتّى «صار المكتوبُ فيه كلّ حرف كالحفرة في الرأس، ثم تركه عنده حتّى طلع شعرُه، وأرسله إليهم. وكان مما كتبه على رأسه: إذا قرأتم الكتاب فاقطعوه، فوصل إليهم، فحلقوا رأسه، وقرأوا ما كتبه، ثم قطعوا رأسَ الرسول»([128])، أي إنه أمرهم بقتل أخيه، فذبحوه؛ لكي يبقى أمر رسالته إلى المغول سرّاً.

ثم أرسل رسالةً أخرى بيد أحد غلمانه، صنع فيها مثل ما صنعه بالرسالة الأولى، أي إنه حفرها أيضاً حفراً على جمجمته، كما أمرهم بقطع رأس غلامه، فذبحوه أيضاً.

وقد ذكر أمر هاتين الرسالتين ابن واصل الشافعي ـ وهو أحد أركان الرواية الشامية/ المصرية ـ، الذي قال: إنه «أرسل إليهم غلامَه وأخاه، وسهَّل عليهم مُلْك العراق، وطلب منهم أن يكون نائبهم في البلاد، فوعدوه بذلك»([129]). وهكذا قدَّم أخاه للمغول، وطلب منهم أن يذبحوه، فذبحوه، وقدَّم أحد غلمانه ليذبحوه، فذبحوه؛ لمجرّد أن يقول لهم: تعالوا. حدث ذلك بعد الغارة التي شنَّها جيش الخليفة والأوباش على محلة الكَرْخ سنة 654هـ. ثم ظلّ السؤال الحائر الذي لن يجد جواباً: إن جيش المغول بقيادة هولاكو تحرك بنيّة غزو إيران والعراق والشام سنة 651هـ، فمَنْ الذي كتب إليه رسالةً من العراق ودعاه؟

ونقول هنا: إن ابن العلقميّ كان وزيراً، وكان يتولى هذا المنصب فعلياً، فهل أن منصب نائب عند المغول الكفّار كان أهمّ من منصب وزير لدى المستعصم الخليفة المسلم، الذي كان يعرفه منذ أيام شبابه، وكانت العلاقة بين الاثنين علاقة محبة واحترام؟

 ثم جاء اليونيني الحنبلي([130]) ومَنْ تلاه من المؤرِّخين المتأخِّرين، كالذهبي الشافعي([131])، وغيرهما من أتباع المدرسة الشامية/ المصرية، فنقلوا خبر هاتين الرسالتين من ابن واصل. وتمسَّك بهذا الخبر جمعٌ من معاصرينا أيضاً، فدلَّلوا على خِفّة عقولهم التي جعلتهم يؤمنون بخرافةٍ كهذه. ولذا وجدنا أحد الكتّاب المعاصرين يصرُّ على أن ابن العلقمي اتّصل بالمغول، ودعاهم إلى بغداد، لكنّه بعد أن ذكر الطريقة التي اتصل بها بهم، بكتابة الرسالة على الجمجمة بالحفر بالإبر، أي بالوشم، قال: «ولا يهمّنا طريقة اتّصاله بالمغول، ولكنْ يهمّنا هنا آراء المؤرِّخين وما ذكروه في هذا الشأن»([132]). فهو يعتقد أن مجرّد ذكر أقوال المؤرِّخين (وهم شاميون/ مصريون) كافٍ لإثبات التُّهْمة على الرجل.

يقول الباحث السعودي الدكتور سعد الغامدي، وهو يردُّ على هذه الرواية التي كان أصلها مجرّد شائعات: «تردّدت هذه الشائعات حتّى في الكتب التي ألَّفها المستشرقون الذين كتبوا في التأريخ الإسلامي، وتطرَّقوا إلى هذا الموضوع. وقد ذهب الكثير منهم إلى ما ذهب إليه مؤرِّخونا السُّنِّيّون في إلصاق التهمة بالشيعة، وعلى رأسهم الوزير. ولعلّ إيراد ما ذهب إليه المستشرق رافرتي([133]) يكفينا عن كل ما ذهب إليه بقية أولئك المستشرقين. أخذ رافرتي يكيل الاتهامات بدون أيّ حساب ـ ولا يقف عند حدود ـ إلى المسلمين الشيعة عامةً، وإلى الوزير [ابن العلقميّ] خاصةً؛ حيث يشجبه شجباً عدوانياً، وكأنه كان شاهد عيان أو هو الذي كتب رسالة الوزير إلى هولاكو، ويقول عن ابن العلقميّ بأنه «كان خائناً (يتستَّر) في داخل بيته (يعني في بيت المستعصم)، وثعباناً في صدريَّته (يعني في صدريّة الخليفة)…»([134]).

الصحيح أن الغزو المغولي له أسبابه الخاصة؛ ذلك أن الملك المغولي منكوقاآن بن تولي بن جنكيز خان عند اعتلائه العرشَ في 9 ربيع الآخر سنة 649هـ/1251م([135])، وعقب عقْده القوريلتاي الكبير في تلك السنة([136])، أصدر أمراً منذ سنة 650هـ([137]) في الأقلّ إلى أخيه هولاكو بالتوجُّه لفتح ما لم يُفْتَح حتّى ذلك الحين من بقاع العالم الإسلامي في إيران والعراق والشام ومصر، فاستجاب، وبدأ تحرُّكه في ذي الحجّة سنة 651هـ([138]). وعليه فلا علاقة بين استباحة الكَرْخ (سنة 654هـ) وما قيل عن روح انتقام لدى ابن العلقميّ؛ فهولاكو كان في طريقه إلى العراق منذ سنة 651هـ. وننقل أيضاً ردَّ الدكتور حسن إبراهيم حسن على هذه الإشاعة منذ وقتٍ مبكّر، حيث يقول: «إنَّ هذه الآراء لا تتّفق مع هذه الحقيقة التأريخية، وهي أن فتح المغول بغداد كان جزءاً من مشروعٍ سياسيّ يهدف إلى اتّساع رقعة إمبراطورية المغول، بعد أن تمَّ لهم فتح إمبراطورية الصين الشمالية وأواسط آسيا وإيران وجورجيا والقوقاز والروسيا وبولندا وغيرها. أضِفْ إلى ذلك أن قَتْلَ المَغُول أهلَ بغداد قد شمل السُّنِّيين، كما شمل الشيعيين، الذي نُهبت دُورُهم في الكَرْخ، وهي محلة الشيعة ببغداد»([139]).

كنّا نتمنى أن لا تلجأ الأستاذة بياني إلى الاستعانة مثلاً بكلام نور الله التُّسْتَريّ(1019هـ)، الذي عاش في الهند في أجواء طائفية متوتّرة مشحونة بالبغضاء والحقد، وكتب ما كتب ضمن تلك الأجواء، التي ما أن اكتُشف فيها أنه شيعي إمامي المذهب حتّى نُفِّذ فيه حكم الجَلْد الذي أدّى إلى وفاته فوراً. لقد وُلِد التُّسْتَريّ سنة 949هـ، أي بعد واقعة بغداد بـ 313 سنة، فكيف اتّخذت كلامَه حجّةً لتدعيم رأيها؟

كما استندت الدكتورة بياني إلى حبيب السير، لخواند مير؛ لإثبات أن نصير الدين الطوسي حاول الاتصال بالخليفة العباسي المستعصم، فأرسل وهو في قلاع الإسماعيلية رسالةً إلى الخليفة، مشفوعةً «بقصيدةٍ غَرّاء باللغة العربية»، لكنّ الوزير ابن العلقمي لم يوصِلْ رسالته إليه؛ مخافة أن يكون منافساً له([140]).

ونقول: إن حكاية اتصال نصير الدين المزعومة بالخليفة المستعصم بأسرها أسطورة. وإن خواند مير(942هـ) بعيدٌ جدّاً تأريخياً عن وقائع جَرَت سنة 656هـ. فضلاً عن أنه استند إلى كتاب وَصّاف الحضرة في الفصل الخاصّ عن اجتياح المغول لبغداد، وليس إلى مؤرّخ معاصر لتلك الوقائع.

 ومن الأدلّة على بطلان موضوع هذه الرسالة المزعومة أن نصير الدين كان قد اضطر اضطراراً للجوء إلى قلاع الإسماعيلية، وكان يشعر بأنه محاصرٌ فيها، بل شبيهٌ بسجينٍ، وكان خائفاً، ولذا فمن غير المعقول أن يكتب رسالةً إلى الخليفة العباسي الذي كان يعتقد اعتقاداً راسخاً أن الملوك الإسماعيليين وأبناء المذهب الإسماعيلي هم أعداؤه، وكان هؤلاء أيضاً يرَوْنه عدوَّهم اللدود؛ بل إن اكتشاف تلك الرسالة السرّية التي قيل: إن نصير الدين أرسلها إلى المستعصم كان سيؤدّي رُبَما إلى إعدامه.

 لنقرأ ملامح خوف الطوسي في مقدّمة كتابه أخلاق ناصري، وكيف يقول صراحةً: إنه سيعمل بالتقيّة، وسيستخدم كلمات ثناء ومديح بحقّ الملك الإسماعيلي، حتَى لو خالَفَتْ آراءه ومعتقداته، حيث يقول: «تمَّ تحرير هذا الكتاب المسمّى الأخلاق الناصرية في وقتٍ أدّى فيه تقلُّب أوضاع الزمان إلى أن يختار مؤلِّفُه الجلاءَ عن الوطن اضطراراً، حيث قادته يدُ الأقدار إلى بلاد قوهستان([141])، وبسبب ما هو مذكور في هذا الكتاب فإن البدء فيه ارتبط بمسألة: ودارِهِمْ ما دُمْتَ في دارِهمْ وأَرْضِهِمْ ما دُمْتَ في أَرْضِهِمْ، وبالنصّ الوارد: كلُّ ما يوقي المرءُ به نفسَه وعِرضَه كُتِبَ له صدقة. وبغية إنقاذ النفس والعرض قام (المؤلِّف) بكتابة ديباجة للكتاب بما يتَّفق وتقاليد تلك الجماعة([142])، في الثناء على ساداتهم وكبار شخصياتهم وإطرائهم، برغم أن ذلك مخالفٌ للعقيدة، ومباينٌ لطريقة أهل الشريعة والسنّة؛ ولم يكن مناصٌ من ذلك. ولهذا السبب تمَّ إنشاء خطبة الكتاب على الوجه المذكور»([143]). ولذا ذُكِر أيضاً أن نصير الدين غيَّر خطبةَ كتابه الأخلاق الناصرية بعد انهيار قلاع الإسماعيلية.

وعلى هذا، فقد كان نصير الدين يقيم في القلاع الإسماعيلية إقامة شبه إجبارية، إنْ لم تكن إجبارية فعلاً، بل إنه كان شائعاً حتّى لدى مؤرِّخين متأخِّرين، مثل: وَصّاف الحضرة، بأن نصير الدين «كان لمدّةٍ طويلة معتَقَلاً في بلاد قهستان»([144]). وليس الأمر على ما حاولت الدكتورة بياني أن تصوِّره بقولها: «خلال إقامة نصير الدين لدى الإسماعيلية كانت له مراسلات مع الخارج ـ في أيّ وقتٍ يشاء ـ، يمكنه بواسطتها الحصول على معلوماتٍ ممّا يجري خارج أسوار القلاع»([145])، ثم أحالت على كتاب ابن الفوطي تلخيص مجمع الآداب، وحين راجعنا الكتاب وجدنا نصير الدين قد كتب يسأل عن مسائل فلسفية، حيث يقول علم الدين قيصر المعروف بتعاسيف: «كتب إليَّ نصير الدين الطوسي من بلاد الإسماعيلية كتاباً يتضمَّن أسئلة من الحكمة»([146]). إذن كانت أسئلة فلسفية، وليست سياسية؛ لكي تدَّعي الدكتورة بياني أنه كان قادراً على الحصول على معلوماتٍ في أيّ وقت يشاء(!).

والحقيقة أن تعامل هولاكو مع نصير الدين هذا التعامل المتساهل، ووثوقه به بهذه السرعة، إنما كان بوصيّةٍ من شقيقه منكوقاآن، الذي كان ينوي إقامة مرصدٍ فلكيّ ضخم في منغوليا، «وكان صيت فضائل الخواجه نصير الدين ذائعاً في كل مكان، كالريح التي تجوب الآفاق. فلما ودَّع منكوقاآن شقيقه هولاكو قال له: إن عليه إذا استولى على قلاع الملاحدة أنْ يرسل إليه الخواجة نصير الدين»([147]). كما بلغت شهرته «مسامع هولاكو، فأراد أن يكون هذا العالم في حاشيته؛ ليستعين بخبرته في النجوم»([148]).

إن الدكتورة بياني ربطت بين الشيعة الإيرانيين، وكذلك الشيعة العراقيين، وبين سقوط الخلافة العباسية، فقالت: «كان المذهب السنّي ـ وهو المذهب الرسمي في إيران ـ همزة الوصل الوحيدة بين الحكومات الإيرانية وبغداد. أما الشيعة الذين عانوا مرارة الهيمنة العباسية على كرِّ العصور ومَرِّها فقد كانوا يعدُّون الخلفاء غاصبين، جلسوا بغير حقٍّ على مقاعد آل عليٍّ، ولهذا السبب كانوا يسعون ليردّوا الحق إلى أهله. كما أنهم كانوا على علمٍ بأن التشيع لن يصبح مذهباً رسمياً في البلاد ما دامت الخلافة قائمة. ولهذا قاموا بزعزعة أركان الخلافة؛ بفعل النفوذ والتغلغل التدريجي في الدولة، وتبوُّؤ أهمّ المناصب، وبثّ الفرقة والخلاف، وتحريض الأقلّيات في مدن وقرى العراق العربي، ولا سيَّما في بغداد والأماكن المقدّسة، وأخيراً امتدّت يد التشيُّع من كُمِّ الثوب المغولي لتحسم الأمر»([149]).

إن أسوأ ما يُبتلى به الباحث في التأريخ هو أن يرسم مسبقاً صورةً في ذهنه، ثم ينطلق يفتِّش متعسِّفاً في المصادر التأريخية عمّا يؤيِّدها ويثبت صحتها، ففي هذه الحالة سيكون انتقائياً في اختياره للنصوص، فيقتبس منها ما يُدَعِّم رأيه، ويهمل ما عدا ذلك، وبذلك سوف يفقد حياديته، ويكون تابعاً لهوى نفسه. ونرى أن الدكتورة بياني قد رسمت صورةً مسبقة في ذهنها، ثم بدأت باقتباس نصوصٍ يمكن أن تؤيِّدها، وحين لا تسعفها تلكم النصوص تبادر إلى تفسيرها بحَسَب رأيها. وهو ما سنقدِّم الأدلة الوافرة عليه في بحثنا هذا.

للأسف إن ما كتبته الدكتورة شيرين بياني هو مَحْضُ خيال لا علاقة له بالتاريخ. والحقيقة هي أنه لم يكن هناك أيّ دَوْرٍ للتشيُّع الإيراني في إسقاط الخلافة العباسية؛ ذلك أن الشيعة في إيران كانوا قليلين جدّاً قياساً إلى الأضعاف المضاعفة من السُّنّة في هذه البلاد التي كان مذهبها الرسمي هو التسنُّن، كما كان أهلها منشغلين بما كان ينزله المغول القساة بمدنهم وقراهم من الكوارث والمصائب. أما الإيرانيون المقيمون في بغداد فلم يكونوا يقيمون فيها بصفتهم مواطنين تابعين لدولةٍ قائمة اسمها إيران، دولة منحتهم الجنسية الإيرانية وجواز السفر الإيراني، كما هو الحال عليه اليوم، لكي تقول الدكتورة بياني هذا الكلام. كان الفرس والأتراك والهنود والعرب وسائر الأجناس يعيشون في العراق مقرّ الخلافة الإسلامية بصفتهم مسلمين فقط في ظلّ الخليفة العباسي، الذي هو خليفةٌ يحكم المسلمين جميعاً، ولم يكونوا عملاء للبلدان التي يحملون اسمها؛ لكونهم أو كون أُسَرهم متحدِّرين منها.

أما الشيعة في العراق فرغم كونهم أقلّية كان لهم علماؤهم وزعماؤهم، بينما جعلتهم الدكتورة بياني بشراً مسلوبي الإرادة، ينتظرون المتآمرين الإيرانيين القادمين من وراء الحدود، الذين كان شغلهم الشاغل فقط «تحريض الأقلّيات في مدن وقرى العراق العربي». ثم تصل الدكتورة بياني إلى هذه النتيجة الغريبة: «وأخيراً امتدت يد التشيع من كُمِّ الثوب المغولي لتحسم الأمر»، بمعنى أن القوة التي أسقطت الخلافة العباسية لم تكن القوّة المغولية، وإنما هي قوة شيعية تلبس الملابس المغولية(!!!).

بعد أن قلنا: إن الشيعة في إيران كانوا أقلّية صغيرة ضمن محيطٍ سُنِّي ضخم، وقد نالوا نصيبهم من الظلم المغولي، كما ناله السنّة الإيرانيون، فلننظر إلى وضع الشيعة في العراق:

كان العراق ذا غالبية سنّية حنبلية، حتّى قال السمعاني(506 ـ 562هـ) عن أتباع الإمام أحمد بن حنبل هناك: «وأصحابُه فيهم كثرةٌ وشهرةٌ، ولعلّ ببغداد ونواحيها والجزيرة من أصحابه مَنْ لا يدخل تحت الحصر والعدد»([150]). وكان خطباءُ المنابر الرسمية المرتبطة حصراً بالخليفة المستعصم([151]) ـ وأغلبهم حنبليّ([152]) ـ في مقدمة مَنْ ساهم في إثارة الفتن والتفريق بين أبناء المجتمع. وقد اعتاد الحنابلة قيادة الشارع، وكانت التجمّعات واسعة الانتشار في الشارع، يقودها الحنابلة([153])، والفتن قائمةٌ بينهم وبين «سائر أهل المذاهب»([154]).

 وفي هذه الحالة فليس من مصلحة أبناء الأقلية الشيعية أن تثير الصراعات الطائفية في محيطٍ ليس لهم فيه تفوُّق عددي.

وإذا أخذنا عهد المستعصم نجد الشيعة الإمامية، شيعة أهل بيت رسول الله|، (الذين يُلمَزون بتسمية أهل الرَّفْض أو الرافضة)، يُشتمون علانيةً على المنابر، ويُتَّهمون بالكفر، بإذنٍ من الخليفة العباسي المستعصم، وهو أعلى سلطة روحية وسياسية في الدولة. يقول ابن الفوطي: إن الواعظ المعروف بابن أخت أبي صالح الحنبلي «كان من كبار العلماء والأفاضل، وكان متشدِّداً في السنّة، يلعن أهلَ البِدْعة على منبر الوعظ، لا تأخذه في الله لومةُ لائم، وله أصحاب يتردَّدون إلى مجلسه. وجَرَت له بهذا التعصُّب نِكَبٌ أوجبت أن يمنع عن الجلوس؛ خوفَ الفتنة من العوام، ثم أُذِن له في ذلك بتقدُّمٍ من المستعصم. ولما جلس ذكَرَ قصيدته، وهي تنيف على 120 بيتاً، وفيها:

فالحمدُ للهِ على كبْتِ العِدى *** ودحْضِ أهلِ الرَّفضِ والتَّمَجُّسِ

ما يدخلُ البِدْعِيُّ في مجلسِنا *** إلاَّ شبيهَ السارقِ المختلسِ»([155])

كما كان المستعصم يتدخّل في الشؤون المتعلقة بالمعتقدات والتقاليد الخاصة أيضاً، ففي سنة 641هـ أصدر أمراً إلى محتسب بغداد جمال الدين عبد الرحمن ابن الجوزي الحنبلي «بمنع الناس من قراءة المقتل في يوم عاشوراء والإنشاد([156]) في سائر المحالّ بجانبي بغداد، سوى مشهد موسى بن جعفر×»([157]).

وعلى عهد المستعصم حدث مرةً في مدينة النيل (مدينة شيعية تقع إلى الشمال من مدينة الحلّة الشيعية، وتابعة لها إدارياً حتى اليوم) أن قام أهلُها بقتل الشحنة (مدير الشرطة) فيها سنة 654هـ، وكان شخصاً سافلاً يهاجم نساءهم ويغتصبهنّ، وكانوا قبل ذلك قد قدَّموا شكوى من هذا الشحنة إلى الخليفة المستعصم والوزير وصاحب الديوان «فلم يُلْتَفَتْ إليهم»، وحين وصل إلى الخليفة خبر مقتل الشحنة أرسل القائدَ العسكريّ التركيّ سيفَ الدين قليج لتأديبهم، فسار إليهم ونفَّذ عقوبات ذات طابعٍ نازيّ بحقّ مَنْ ثأروا لأعراضهم المنتَهَكة: «وأخذ جماعةً، فقتل منهم وصلَّب، وقطع أعصاب آخرين وأيديهم، وأحرق دُوراً كثيرة، ونهب أموال أصحابها»([158]).

أما لماذا عجز هؤلاء الثلاثة عن إنصاف أهل مدينة النيل التي انتهك الشِّحْنة (مدير الشرطة) أعراض بناتهم ونسائهم؟ فالحقيقة المُرَّة هي أن هؤلاء الثلاثة، الخليفة المستعصم والوزير ابن العَلْقَميّ وصاحب الديوان ابن الدوامي، لم يكن لدى أيّ واحدٍ منهم جيشٌ يأتمر بأمره، وإنما القوة الحقيقية بيد قائد الجيش الدُّوَيْدار الصغير ومَنْ معه من القادة العسكريين، الذين لم يكونوا يقيمون وزناً لأيّ مسؤولٍ في الدولة.

ثم نسأل الدكتورة بياني: مَنْ قال: إن الصراعات الطائفية كانت بين السنّة والشيعة فقط؟

لقد كانت بعض هذه الصراعات العنيفة تدور بين أبناء المذاهب السنّية نفسها؛ فقبل الغزو المغولي بقيادة هولاكو سنة 656هـ بقليلٍ قام الحنابلة مثلاً سنة 596هـ بإحراق مسجد في مدينة مَرْو؛ لأن بانيه كان شافعياً([159]). وقبلها بقليلٍ أيضاً «نقمت الحنابلة على الشيخ أبي الوفاء ابن عقيل، وهو من كبرائهم، بتردُّده إلى أبي عليّ بن الوليد المتكلِّم المعتزلي، واتَّهموه بالاعتزال»، وكانوا قد «اطَّلعوا له على كتب فيها شيءٌ من تعظيم المعتزلة والترحُّم على الحلاّج»([160])، فـ «كفَّروه وأهدروا دمه وأفتوا بإباحة قتله، وحكموا بزندقته»([161])؛ ذلك أن شيخ الحنابلة الشريف أبو جعفر «أهدر دمه، وأفتى هو وأصحابه بإباحة قتله»([162])، مع أن أبا الوفاء هذا كان من كبار علماء الحنابلة؛ فاختفى خائفاً يترقَّب. واندلعت فتنةٌ في صفوف الحنابلة استمرّت أربع سنوات، أُوذي بسببها جماعةٌ منهم، أي من الحنابلة([163]).

كما نجد الواعظ والفقيه محمد البَرُّويّ الشافعيّ يذمّ الحنابلة ويقول: إنه لو استطاع لأخذ منهم الجزية، يعني أن الحنابلة ليسوا مسلمين بحَسَب رأيه، فدسَّ عليه الحنابلة امرأةً جاءته في رمضان (سنة 567هـ) ليلاً، وقالت: «أنا امرأة آكل من مغزلي، وقد غزلتُ قُطْناً، وبعتُه، واشتريتُ من ثمنه هذه الحلوى، واشتهيتُ أن الشيخ يأكل منه؛ فإنه حلالٌ، فتناوله منها، ومَضَتْ، فجلس يأكل هو وزوجته وولد له صغير، فأصبحوا موتى جميعاً»([164]).

وقبل ذلك بقليلٍ كان الفقيه محمد الخبوشاني الشافعي(587هـ) في مصر و«الفتن قائمةٌ بينه وبين الحنابلة وابن الصابوني وزين الدين ابن نجية، ويكفِّرونه ويكفِّرهم»([165]).

إن أهل بغداد الذين دافعوا بإخلاصٍ عن مدينتهم في مواجهة الهجوم المغولي (سنة 656هـ) كانوا قد شاركوا سنّةً وشيعة في ذلك الدفاع المقدّس، وقد بلغت أعداد هؤلاء المدافعين الآلاف. وإن أخبار هذا الدفاع موجودةٌ لدى رشيد الدين الهمذاني. كما أن المغول عندما ارتكبوا المجازر في العراق لم يميِّزوا بين السنّة والشيعة.

وإذا كانت الدكتورة بياني قد اتَّهمت بعض الشخصيات التأريخية بالتُّهم التي تحلو لها؛ استناداً إلى مذاهبهم الدينية، فسنترفَّع نحن عن ذلك، ولكننا نقول؛ استناداً إلى المبدأ الذي تسير عليه الدكتورة بياني في تأكيدها على المذاهب الدينية للشخصيات التي صنعت الوقائع:

إن الخليفة العباسي المستعصم بالله كان سنّياً حنبليّ المذهب. يقول ابن فضل الله العمري: «كان مُحَدِّثاً سُنِّيّاً، مُحَمَّدَاً سَنِيّاً، تفقَّه على مذهب أحمد([166])، وتَشَبَّه في أوَّلِه في كلِّ ما هو أحمد»([167]). وإن أعلى قائدين عسكريين في الجيش العباسي، وهما: مجاهد الدين الدويدار الصغير، الذي كان حنبلياً([168])؛ وسليمان شاه، الذي لم يكن شيعياً، قد اشتركا في تدمير ما بقي من جيش الخلافة العباسية، فعندما سلَّما نفسَيْهما لهولاكو طلب إليهما أن يجلبا بقية الجنود والضباط؛ لينظِّم بهم جيشاً يفتح به بلاد الشام، فخُدِع هذان القائدان ـ ربما رغبةً في التقرُّب إلى هولاكو؛ لكي ينقذا نفسَيْهما ـ، وقاما بتسليم الآلاف من أولئك المقاتلين إلى المغول، فذبحوهم، وذبحوا في نهاية المطاف الدويدار الصغير وسليمان شاه أيضاً. يقول رشيد الدين: «في يوم الخميس غرَّة شهر صفر خرج الاثنان (الدويدار الصغير وسليمان شاه) [إلى هولاكو]، فأعادهم إلى المدينة لكي يجلبوا أتباعهم؛ لينظِّم بهم جيشاً من المرتزقة للذهاب إلى مصر والشام. وعزم جند بغداد على الخروج معهما ـ وكانوا خلقاً لا يحصون، مؤملين أن يجدوا الخلاص ـ، فقسَّموهم ألوفاً ومئاتٍ وعشراتٍ، وقتلوهم جميعاً»([169]). وكان الدويدار الصغير عقب معركة المزرفة (9 محرم سنة 656هـ)، التي هُزِم فيها الجيش العباسي، أخذ كنوزه ونفائس أمواله وفرَّ في عدّة سفن خارج بغداد، لكن المغول هاجموه، وأحرقوا بعض السفن، وقتلوا مَنْ فيها، واستولوا على تلك الكنوز، ونجا هو وعاد إلى بغداد([170]).

كما شارك الخليفة المستعصم نفسُه في القضاء قضاءً مبرماً على مَنْ بقي يقاتل من سكّان بغداد المدنيين (الذين كانوا قد شكَّلوا ما نسمّيه اليوم بالمقاومة الشعبية) في العاصمة، ذلك أنه حينما استسلم للمغول ووقف بين يدي هولاكو طلب إليه هذا تسليم أولئك المقاتلين النجباء للمغول؛ لكي يقوموا بإحصائهم(!) وحينها ذهب الخليفة ودعاهم، فاطمأنوا لكلامه؛ لكونه خليفتهم، وذهبوا معه طَوْعاً للمغول، فذبحوهم بأسرهم. يقول رشيد الدين: «ثم إنه (أي هولاكو) قال للخليفة: اطلبْ إلى سكّان المدينة (بغداد) أن يلقوا أسلحتهم، ويغادروا المدينة؛ لكي نقوم بإحصاء أعدادهم؛ فأرسل الخليفةُ مَنْ ينادي في المدينة بأن على الناس إلقاء أسلحتهم والخروج منها، فقام أهل المدينة بإلقاء أسلحتهم، والخروج مجموعةً مجموعةً، فبادر المغول إلى قتلهم»([171]).

وهكذا فإن الخليفة وكبار مساعديه العسكريين، كالدويدار الصغير وسليمان شاه (وهم ليسوا شيعةً، وعذراً للقرّاء)، لم يكتفوا بأنهم لم يُعدُّوا العدة لمواجهة الجيش المغولي الزاحف نحو العراق، بل زادوا على ذلك أنهم؛ بسبب غفلتهم، وقلّة خبرتهم السياسية، وأملاً بإنقاذ أنفسهم، ساعدوا هولاكو على تدمير البقية الباقية من قوّةٍ عسكرية، ومن مقاومة شعبية كانت تقاوم في الشوارع والأزقة ومن على أسوار بغداد.

إن الحقيقة التي غفلت عنها الدكتورة شيرين بياني، أو تغافلتها، هي أن مجموعة من الحكّام المسلمين لا علاقة لهم بنصير الدين الطوسي، وليس بينهم شيعيٌّ واحد، هم الذين شجَّعوا هولاكو وأرسلوا له الهدايا والأموال، بل جاء بعضهم معه بأنفسهم، بصحبة جيوشهم، وقتلوا إخوانهم في الدين في إيران والعراق وغيرهما.

ومن هؤلاء مثلاً:

 أـ الملك الصالح إسماعيل نجل بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، الذي وصل إلى بلاط منكوقاآن سنة 650هـ([172]). فحين راسل المغولُ ملكَ الموصل بدرَ الدين بن لؤلؤ الأتابكي (وهو والد زوجة الدويدار الصغير القائد العام للجيش العباسي)، وأمروه أن يبعث إليهم «ما يطلبونه من آلة الحرب، فسيَّر إليهم ذلك»، مع الأموال والهدايا، مع نجله إسماعيل([173])، كما أرسل «جماعةً من عسكره نجدةً له»([174]). ويقول الذهبي: «وأقبل هولاكو في المغول والترك والكُرْج ومدَدٍ من ابن عمّه بِرْكة ومدَدٍ من عسكر [بدر الدين] لؤلؤ عليهم ابنُه الملكُ الصالح»([175]). ويقول ابن كثير: «وجاءت إليهم (إلى المغول) أمدادُ صاحب الموصل، يساعدونهم على البغاددة، وميرتُه وهداياهُ وتحفُه»([176]).

ب ـ أرسل أبو بكر بن سعد السلغري حاكم فارس نجله سعداً لتهنئة هولاكو بفتح قلاع الإسماعيلية، ثم أرسل جيشاً بقيادة ابن أخيه مَدَداً له عند غزوه بغداد. كما شارك محمد نجل سعد في القتال في معركة بغداد، وأظهر شجاعة في الميدان جعلت هولاكو يثني عليه([177]).

ج ـ لدى توجُّه هولاكو نحو بغداد أرسل علاءُ الدولة أتابكُ يزد أبا بكر بن حاجي الخراساني (أحدَ أفراد أسرة آل مظفَّر) مع 300 شخص للانضمام إليه([178]).

د ـ الأتابك تُكْلَة بن هزار أسف من أتابكة لورستان، «حينما زحف هولاكو خان إلى بغداد ذهب إليه تُكْلَة طائعاً، فألحقه هولاكو بفرقة كيتوبوقا نويين»([179]).

هـ ـ ومن لورستان قَدِم على منكوقاآن حاكمها بدر الدين مسعود، فضمَّه إلى هولاكو خلال هجومه على إيران([180]).

و ـ نضيف إلى ذلك حشوداً من الحكّام ممَّنْ وفدوا بأموالهم إلى بلاط منكوقاآن، أو ذهبوا إلى هولاكو وهو في طريقه إلى إيران والعراق، وهم يحملون الأموال والهدايا، أمثال:

 الملك الكامل محمد بن شهاب الدين غازي الأيّوبي الشافعي([181])، حاكم ميافارقين، الذي ذهب إلى بلاط منكوقاآن سنة 650هـ، وفي الوقت نفسه ذهب إليه الملك المظفر ابن حاكم ماردين، وكانا قد اختلفا حول مسألة أيّهما أحقُّ بالحكم؟ فاشتكيا عند منكوقاآن، الذي قال: إن الكامل أحقّ بالملك من المظفّر([182]). ثم ذهب في 654هـ «إلى خدمة هولاكو، فأكرمه وأمَّنه، وأعطاه فرماناً، ورجع إلى بلاده»([183]).

 وفي رمضان سنة 655 «توجّه الملك العزيز ابن حاكم حلب الناصر صلاح الدين يوسف الثاني [الأيوبي الشافعي]… بتحف وهدايا ملكية إلى هولاكو، فأصدر له فرماناً وبايزة»([184]).

وصل حاكما بلاد الروم الشقيقان عزّ الدين كيكاوس الثاني وركن الدين قلج أرسلان الرابع السلجوقيان، وهما يحملان الهدايا اللائقة لهولاكو([185]). وكان هذان الملكان من أتباع المذهب الحنفيّ، كما هو شأن بلاد الروم بتمامها([186]). وعقب احتلال العراق أرسل هولاكو في طلب الشقيقين، فتوجَّها إليه سنة 657هـ([187]). ولما كان عزّ الدين هذا قد قاتل القائد بايجو في أوائل سنة 656هـ([188]) عند توغُّله في بلاد الروم، وبلغه أن هولاكو ممتعضٌ من قتاله له، فقد استولى عليه الرُّعْب، وهرع إلى البلاط وهو يحمل هدايا جليلة([189])، ولكنه أعلن عن خضوعه التامّ بعملٍ مبتكر، فقد «صنع حذاءً راقياً رسم فيه صورتَه، وتقدَّم قائلاً: إن أملي هو أن يشرِّف الملكُ رأسَ هذا العبد بأن يدوس عليه بقَدَمه المباركة، فرَقَّ له قلب هولاكو، وشفعت له دوقوز خاتون (زوجة هولاكو)، فعفا عنه»([190]).

وغير هؤلاء الذين لم يكن فيهم شيعيٌّ واحد.

بل إن أوّل المحرِّضين للمغول على غزو مَنْ سُمُّوا بالملاحدة (أي أتباع المذهب الإسماعيلي) كان رجلاً يشغل في قزوين منصباً رسمياً في الدولة، هو منصب قاضي القضاة، وهو شمس الدين أحمد بن أبي بكر القزويني الشافعي. ويبدو أنه كان قاضياً لعموم المذاهب. وبصورةٍ عامة فإن المواطن القزويني حمد الله المستوفي الشافعي يقول: إن أهل قزوين شافعية بأسرهم، وليس فيهم من الحنفية إلاّ ما يعادل واحداً بالألف من سكانها([191]). وقد ذهب قاضي القضاة هذا مع نجله رضي الدين محمد إلى منكوقاآن، وحرَّضاه على غزو بلاد الإسماعيلية في خبرٍ طويل، ذكره مِنْهاج السِّرَاج الجوزجاني ورشيد الدين وحمد الله المستوفي وغيرهما. وقد نقلته الدكتورة شيرين بياني أيضاً([192]). وقد عرَّف مواطِنُهما المستوفي القزويني الشافعي بهذين القاضيين فقال: «كانا صاحبَيْ جلالٍ وثروة هائلة، وشغلا منصب قاضي قضاة عراق العجم([193])، ودَعَوْا هولاكو خان إلى دفع شرّ الملاحدة الملاعين؛ وقد بذلا جهوداً مضنية في هذا السبيل، إلى أن تمكَّنا من اقتلاع أولئك الملاعين، وأنقذوا سُكّان العالَم من شرِّهم، جزاهما اللهُ خيراً»([194]).

لقد تجاهل الكُتّاب الذين يكتبون التأريخ بنوايا متعصِّبة ومنحازة دَوْر هؤلاء الحكّام المسلمين في ارتكاب المجازر في العراق وغيره([195]). لكنّ الباحث السعودي الدكتور سعد الغامدي أخذ بعين الاعتبار الدَّوْر الخطير الذي قام به هؤلاء في قتل إخوانهم المسلمين، فقال: «إن الذنب الكبير والخيانة العظمى كانت قد ارتكبتها عناصر إسلامية، ليس من داخل بغداد، بل من خارجها وخارج أراضي الدولة العباسية (التي تشمل أقلّ من حدود العراق الحالية وإقليم خوزستان). فقد قام المسلمون من هاتيك الربوع بالمشاركة الفعّالة مع المغول في حملتهم هذه، فارتكبوا ـ مع المغول ـ أعمالاً شنيعة، وشاركوا في مذبحة مسلمي بغداد أنفسهم، كما شاركوا في جرائم المغول ضدّ إخوانهم المسلمين من سكّان أراضي العراق والجزيرة والشام، تلك الأعمال التي تهتزّ لها الإنسانية»([196]).

إنَّ الدكتورة شيرين بياني لم تذكر إطلاقاً أيَّ واحدٍ من هؤلاء الحكّام حلفاء المغول ومناصريهم، وواصلت كلامها بالقول: «كان الإيرانيون من أصحاب النفوذ غير قليلين في العراق، وقد نفذوا بعض النشاطات خلال هجوم المغول على بغداد، لكنّ الدَّوْر الأساس قد قام به اثنان من كبار الشخصيات الشيعية: شخصية إيرانية؛ وشخصية عربية، وهما: رجل دين وعالم كبير هو نصير الدين الطوسي؛ وسياسي وإداري محنك هو مؤيّد الدين محمد بن العلقميّ…. كان نصير الدين يرى أن القضاء على بني العباس هو واجبه الديني والوطني، فهو شيعي اثنا عشري إيراني، أدرك أن الفرصة مؤاتية، فلم يخَفْ ويكتم شيئاً»([197]). وتقول أيضاً: «إذا كان نصير الدين الطوسي يقوم بالعمليات التخريبية ضد الخلافة العباسية من الخارج، فإن ابن العلقمي كان يعمل بنحوٍ مباشر، ومن الداخل، ليمهِّد السبيل أمام المغول»([198]).

إن هذا الكلام معيبٌ، وهو ينتقص من القيمة العلمية والأكاديمية لكاتبه؛ ذلك أن لقلم كلّ مؤلِّف كرامةً وشرفاً ينبغي له أن يحافظ عليهما، لا أن ينساق وراء هوى النفس والتعصُّب اللذين يؤدّيان بالباحث إلى الضياع، وإلى استهانة القُرّاء بكتاباته.

 ولا شَكَّ في أن الدكتورة الفاضلة متأثِّرة في أغلب ما كتبت بهذا الشأن بالكلام المغلوط الذي كتبه عباس إقبال آشتياني، الذي نقلناه آنفاً. وأنا أتحدّى الدكتورة شيرين بياني وغيرها ـ ممَّنْ هم على رأيها ـ أن يذكروا مثالاً واحداً يدلّ على أن مسلماً واحداً، سواء كان سُنّياً أم شيعيّاً، أو مسيحياً أو يهودياً أو صابئياً، من داخل العراق، اتصل بالمغول وحرَّضهم على غزو العراق. نستثني من ذلك التهمة التي ألصقها المؤرِّخون الشاميون/ المصريون كذباً وزوراً، وخصوصاً حين تولّى قيادتهم ابن تيميّة ومريدوه، بابن العلقميّ من أنه اتّصل بالمغول؛ وإنما كان ذلك بسبب تعصُّبهم الطائفي. لقد وصف العلاّمة الدكتور مصطفى جواد هذه الرواية بأنها «التهمة التي ألصقها به (بابن العَلْقَميّ) مؤرِّخو مصر ومؤرِّخو الشام والعوامّ من القدماء»([199])، وأضاف: «إنما اتُّهم بذلك لأنه كان شيعياً، ولو كان غيرَ شيعيٍّ ما اتَّهمه أحدٌ»([200]). وقد أشرنا آنفاً إلى رأي الدكتور الغامدي المشابه لرأي العلامة مصطفى جواد.

ولو قرأَتْ الدكتورة الفاضلة ما كتبه رشيد الدين ـ وهو صاحب رواية أصيلة عن الوقائع ـ لكان كافياً أن يجعلها متأنِّية في إصدارها أحكاماً متسرِّعة مغلوطة كتلك التي دوَّنتها.

وفي ما يتعلق بنصير الدين الطوسي فقد استندَتْ إلى مصدرين متأخّرين جدّاً عن واقعة إسقاط المغول للخلافة العباسية (سنة 656هـ)، هما: حبيب السير لمير خواند(942هـ)؛ ومجالس المؤمنين للتستري(1019هـ). ومن المعيب أن تترك الدكتورة بياني المصادر المعاصرة للواقعة أو القريبة منها، وتلجأ إلى المصادر المتأخِّرة.

ربما كان أحد الأسباب لأن تقول الدكتورة هذا الكلام هو رؤيتها ألقاباً لأشخاص من أصول إيرانية يسكنون العراق، مثل: الطهراني والزنجاني والدامغاني والقمي. ونعيد التذكير هنا بأن إيران كانت بأسرها تعتنق المذاهب السنّية، باستثناء مدن صغيرة متناثرة، مثل: قم وكاشان وبعض سكان مدينة الريّ. ويكفي أن نقول بأن أهل مدينة طوس الإيرانية ـ التي تضمّ ضريح الإمام الثامن للشيعة الإمامية ـ كانوا «يؤذون مَنْ يزوره»([201])، ولو كانوا شيعةً ما فعلوا ذلك.

ومع اقتراب ظهور الموجة الأولى للمغول على ميدان الساحة الإسلامية نجد أبا الخير القزويني الطالقاني، «رئيس أصحاب الشافعي بقزوين»([202])، وأحد أساتذة المدرسة النظامية ببغداد، وأحد وعَّاظ «جامع القصر الشريف»([203])، يلقي المواعظ بقزوين عندما شاهده في أحد الأيام رجلٌ بين الأشجار القريبة، وقيل حينها: إن الرجل كان شيعياً، خاف أبو الخير على حياته، وقرر مغادرة المدينة، فألحَّ عليه أهلها بالبقاء بين ظهرانيهم، فاشترط أن يؤتى بمكواةٍ يُنقش فيها اسما أبي بكر وعمر، وتحمى حتّى الاحمرار، وتُكوى بها جباهُ جمعٍ من أعيان الشيعة في المدينة، ففعلوا ما أراد. فكان هؤلاء الأعيان بعد ذلك يُنزِلون عمائمَهم على جباههم؛ مخافة الفضيحة، وعلى حدّ تعبير القزويني: «فكان أولئك يأتون والعمائم إلى أعينهم، حتّى لا يرى الناسُ الكيَّ»([204]).

 وإنما أوردنا هذا الخبر لأن ما قام به أبو الخير الطالقاني أصبح سُنّةً يُقتَدى بها؛ فقد جرى مرّةً نقاشٌ طويل في مدينة قزوين بين السنّة والشيعة في رجحان أيّ مذهبٍ من المذاهب حكم الأمير المغولي جرماغون في خراسان خلال عهد الملك المغولي أوكداي (حكم خلال السنوات 626 ـ 639هـ). يقول حمد الله المستوفي: «فذهب الإمام ركن الدين الزاكاني عند الأمير جرماغون، وقدَّم من الأدلة العقلية والنقلية ما أدان به الشيعة، ثمّ صنع ختماً من الحديد، ونقش فيه اسم أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وأخذ مرسوماً بأن يُحمى ذلك الختم حتّى الاحمرار، وتُكوى به جباه الروافض. وهكذا ـ وبجهوده ـ ازدهر مذهب أهل السنّة»([205]).

إن إيران لم تتحوَّل إلى التشيُّع على النطاق الواسع إلاّ في العصر الصفوي، الذي امتدَّ من سنة 907 ـ 1148هـ/1502 ـ 1736م، حيث اعتُرِفَ بالمذهب الإمامي مذهباً رسمياً للبلاد، أو ما أُشير إليه بـ «ظهور مذهب الإمامية على رؤوس الأشهاد»، كما عبَّر عن ذلك مؤلِّف مجمل التواريخ([206])، حين تمَّت «قراءة الخطبة الإمامية في دار السلطنة تبريز»([207])؛ الأمر الذي عبَّر عنه مؤرِّخ آخر بلهجة غير وُدِّيّة، وهو يتحدث عن عهد الشاه إسماعيل الصفوي بقوله: «حيث انتشر في بلاده المذهب المذموم للشيعة الشنيعة»([208]).

ولو قرأنا الاتّهامات الباطلة التي وجَّهها الدكتور عباس إقبال إلى الوزير ابن العلقميّ، التي هي في حقيقتها أصداء لآراء البروفسور إدوارد براون، فسنجد أن الدكتورة شيرين بياني ردَّدت اتّهامات الدكتور إقبال نفسها، التي ذكرناها في ما مضى.

ـ يتبع ـ

الهوامش

(*) باحثٌ في شؤون التراث والتاريخ الإسلاميّ. من العراق.

([1]) اقتطفنا هذه الإلماعة عن حياته من مقدّمتنا لكتاب جامع التواريخ، الترجمة العربية القديمة: 20 ـ 28.

([2]) استندنا في ذكر اسمه بتمامه إلى المؤرِّخ ابن الفوطي، الذي كان يعرفه معرفة شخصية، وعلى علاقةٍ وثيقة ببعض أفراد أسرته (انظر: ابن الفوطي، تلخيص مجمع الآداب، 4 / القسم الثاني: 719؛ تقي الدين الفاسي، منتخب المختار: 221).

([3]) كما يقول ابن فضل الله العمري في مسالك الأبصار 11: 194؛ والصفدي في أعيان العصر 4: 41، والصفدي في الوافي بالوفيات 24: 58. وعن كون والده يهودياً انظر أيضاً: ابن حجر، الدرر الكامنة 3: 231.

([4]) الشبانكارئي، مجمع الأنساب: 270.

([5]) الذهبي، ذيل تاريخ الإسلام: 173؛ ابن فضل الله العمري، مسالك الأبصار 11: 194.

([6]) انظر مثلاً: البرزالي، المقتفي 4: 319؛ الصفدي، أعيان العصر 4: 43؛ وعن تعاطفه مع أهل مدينة الرحبة السورية عند محاصرة جيش أولجايتو لها ومساعدته لأهلها انظر: الصفدي، الوافي بالوفيات 11: 170، الشعور بالعور: 203.

([7]) أبو القاسم القاشاني، تاريخ أولجايتو: 96.

([8]) المصدر نفسه.

([9]) كما نقل عنه ذلك الطبيبُ المؤرِّخ عزّ الدين الإربلي (663 ـ 726هـ)، الذي لخَّص البرزاليُّ كلامَه في المقتفي 4: 319؛ وانظر أيضاً: الصفدي، أعيان العصر 4: 43؛ وانظر أيضاً عن واقعة طعن الأفضلي في رشيد الدين: الذهبي، العبر 4: 49؛ الصفدي، الوافي بالوفيات 18: 155، الذي نقل كلام الذهبي بنصّه؛ ابن حجر، الدرر الكامنة 3: 232، الذي نقل كلام الذهبيّ أيضاً.

([10]) البرزالي، المقتفي 4: 318، حوادث سنة 718هـ؛ ابن كثير، البداية والنهاية 14: 108.

([11]) الشبانكارئي، مجمع الأنساب: 214.

([12]) أحمد الكاتب، تاريخ جديد يزد: 135.

([13]) رشيد الدين، سوانح الأفكار: 22.

([14]) رشيد الدين، جامع التواريخ 1: 100.

([15]) هي دارٌ مخصَّصة لنـزول السادة من ذرّية رسول الله|؛ وربما تأثَّر بما أنشأه السلطان محمود غازان من دور السيادة في كبار المدن الإسلامية، كأصفهان وشيراز وبغداد والموصل، لينـزل فيها السادات خلال تنقُّلهم في البلدان، ووقف أوقافاً لتُنْفَق عليهم عند إقامتهم (انظر: رشيد الدين، جامع التواريخ 2: 985؛ أبو القاسم الكاشاني، تاريخ أولجايتو: 93؛ غياث الدين البغدادي، التاريخ الغياثي: 53).

([16]) مادة «ربع رشيدي»، في لغت نامه دهخدا؛ وفي فرهنگ فارسي.

([17]) حمد الله المستوفي، نـزهة القلوب: 182 ـ 183.

([18]) رشيد الدين، آثار وأحياء: 41، 47، 67، 69، 150، 159.

([19]) رشيد الدين، سوانح الأفكار رشيدي: 213 ـ 214.

([20]) رشيد الدين، جامع التواريخ 1: 99.

([21]) يرى فصيح الخوافي أنه عُزِل بأمر الملك أبي سعيد سنة 717هـ (مجمل التواريخ 6: 26).

([22]) اتُّهم بأنه هو الذي سقاه السمّ بإشارةٍ من أبيه (حافظ أبرو، ذيل جامع التواريخ: 78).

([23]) اقتبسنا تفاصيل إلقاء القبض عليه والتحقيق معه ودفاعه من: البرزالي في المقتفي 4: 318؛ وانظر أيضاً: النويري، نهاية الأرب 32: 226 ـ 227، الذي نصّ على أنه نقل هذه الروايةَ من البرزالي؛ الصقاعي، تالي وفيات الأعيان: 183 ـ 184؛ الشبانكارئي، مجمع الأنساب: 278؛ الذهبي، ذيل تاريخ الإسلام: 173؛ ابن فضل الله العمري، مسالك الأبصار 11: 194؛ الصفدي، أعيان العصر، 4: 42. ابن كثير، البداية والنهاية 14: 100؛ حمد الله المستوفي، تاريخ گزيده: 613 ـ 614؛ المقريزي، السلوك 2 / القسم الأول: 189؛ ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة 4: 271؛ خواند مير، دستور الوزراء: 320.

([24]) دولتشاه السمرقندي، تذكرة الشعراء: 330؛ فيشل، يهود في الحياة الاقتصادية والسياسية للدول الإسلامية: 143.

([25]) يمكن مراجعتها مفصَّلةً في مقدّمتنا للترجمة العربية القديمة لجامع التواريخ: 32 ـ 38.

([26]) تجزية الأمصار (تحرير آيتي): 193. ويمكن مراجعتها تفصيلها في مقدمتنا للترجمة العربية القديمة لجامع التواريخ: 32 ـ 38.

([27]) فصيح الخوافي، مجمل التواريخ 3: 2، الذي قال: إن ذلك كان سنة 701هـ. وهو من سهو قلمه؛ ذلك أن رشيد الدين نفسه يقول: إنه بدأ بكتابة تاريخه سنة 700هـ.

([28]) رشيد الدين، جامع التواريخ 1: 16.

([29]) المصدر السابق 1: 6 ـ 7.

([30]) أبو القاسم القاشاني، تاريخ أولجايتو: 54، 240. انظر تفاصيل أكثر في مقدمتنا للترجمة العربية القديمة لجامع التواريخ: 32 ـ 38.

([31]) المنشئ الكرماني، سمط العُلى للحضرة العُليا: 35؛ انظر أيضاً: حافظ أبرو، جغرافيا 3: 62 ـ 63.

([32]) الجويني، تاريخ جهانگشا 3: 689، 692.

([33]) الفقي، الدول المستقلة في المشرق الإسلامي: 200.

([34]) ابن الفوطي، تلخيص مجمع الآداب 3: 139.

([35]) ابن رجب، الذيل على طبقات الحنابلة 4: 449.

([36]) الذهبي، تذكرة الحفاظ 4: 1493 ـ 1394.

([37]) الذهبي، المعجم المختص بالمحدثين: 144 ـ 145.

([38]) الدكتور بشّار عوّاد معروف، مقدّمته لتأريخ الإسلام (للذهبي) 1: 61، 207.

([39]) انظر مثلاً: ابن الفوطي، تلخيص مجمع الآداب 2: 144.

([40]) المصدر السابق 5: 314.

([41]) ابن رجب، الذيل على طبقات الحنابلة 4: 449. توفّي المبارك في مراغة سنة 677هـ، ونُقل جثمانه إلى بغداد (الذهبي، تاريخ الإسلام 50: 278).

([42]) رشيد الدين، جامع التواريخ (تاريخ إيران وإسلام) 2: 1523.

([43]) رشيد الدين، جامع التواريخ 2:  714 (الطبعة الفارسية)؛ 2 / القسم الأول: 294 (الترجمة العربية).

([44]) ابن الفوطي، تلخيص مجمع الآداب 2: 315؛ 4: 25.

([45]) كما يقول ابن حبيب في تذكرة النبيه 2: 139، حوادث 723هـ.

([46]) الصفدي، الوافي بالوفيات 1: 147.

([47]) ابن الفوطي، تلخيص مجمع الآداب 3: 319.

([48]) المصدر السابق 3: 113.

([49]) المصدر السابق 2: 172.

([50]) المصدر السابق 2: 56.

([51]) المصدر السابق 3: 92؛ 4: 244. وغياث الدين هذا هو عبد الكريم بن أحمد بن طاووس، مؤلِّف فرحة الغري.

([52]) المصدر السابق 5: 11.

([53]) المصدر السابق 4: 372.

([54]) المصدر السابق 1: 72، 167، 225، 374، 469، 539.

([55]) التقي الفاسي، منتخب المختار: 219.

([56]) ابن الفوطي، تلخيص مجمع الآداب 1: 140؛ 2: 62.

([57]) المصدر السابق 4: 264.

([58]) عن هذه المخطوطة انظر: فهرست ميكروفيلمهاي كتابخانه مركزي دانشگاه تهران 1: 63.

([59]) رشيد الدين، سوانح الأفكار رشيدي: 214.

([60]) ابن الفوطي، تلخيص مجمع الآداب 5: 86.

([61]) المصدر السابق 4: 264، 392، 403، الترجمات 3814، 4047، 4074.

([62]) المصدر السابق 2: 61، 62.

([63]) المصدر السابق 3: 320.

([64]) المصدر السابق 4: 25.

([65]) انظر مثلاً: المصدر السابق 1: 152، 262، 465؛ 2: 372.

([66]) المصدر السابق 4: 526.

([67]) المصدر السابق 2: 457.

([68]) آيتي، تحرير تاريخ وَصّاف: 224، 280؛ مقدمة كاترمير في أول الترجمة العربية لجامع التواريخ (تاريخ هولاكو) 2 / القسم الأول: 17.

([69]) كارل يان، مقدمة جامع التواريخ (تاريخ هند وسند وكشمير): 48، استناداً إلى براون وستوري.

([70]) غياض، الجهود العلمية للعلاّمة الدكتور مصطفى جواد، 95، نقلاً من: مجلة المجمع العلمي العراقي، المجلد 9: 143 ـ 164، (سنة 1962).

([71]) رشيد الخيون، تنويهٌ تأخَّر ثلاثين عاماً، ترجمة ابن كمُّونة تكشف خطأ نسبة الحوادث الجامعة لابن الفوطي.

([72]) انظر مثلاً: ابن الفوطي، تلخيص مجمع الآداب 1: 197، 209؛ 2: 223، وعشرات المواضع الأخرى؛ الذهبي، تاريخ الإسلام 51: 82.

([73]) انظر مثلاً: ابن الفوطي، تلخيص مجمع الآداب 2: 344؛ 3: 523.

([74]) انظر مقدِّمتنا لكتاب ابتداء دولة المغول (لقطب الدين الشيرازي): 54 ـ 58، حيث وضعنا نصَّيْ قطبيّ ورشيدي إلى جنب بعضهما باللغة الفارسية، فكانت النتيجة هي التطابق التامّ بينهما.

([75]) اليونيني، ذيل مرآة الزمان 1: 87 ـ 88. واسم هذا القائد المغولي يكتب بايجو نويان أيضاً.

([76]) ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة 7: 49.

([77]) هو الدكتور مصطفى طه بدر في كتابه زوال الخلافة العباسية: 154، وقد طبع هذا الكتاب فيما بعد باسم محنة الإسلام الكبرى. والكلام المذكور موجود في ص 192 من هذه الطبعة.

([78]) اليونيني، ذيل مرآة الزمان 1: 87 ـ 88. وقد عُرِف الكُرْج هؤلاء بشنِّهم الغارات على المدن والقرى الإسلامية للقتل والنهب (انظر مثلاً: ابن الساعي، الجامع المختصر 9: 151، حوادث سنة 601هـ).

([79]) بيبرس المنصوري الدوادار، زبدة الفكرة: 35.

([80]) خصباك، العراق في عهد المغول الإيلخانيين: 55؛ ساندرز، تاريخ فتوحات مغول: 111؛ فييه، أحوال النصارى: 380.

([81]) الربوات: جمع الرِّبْوَة، وهو اسمٌ للجماعة من الناس، وقيل: هم عشرة آلاف.

([82]) ابن العبري، تاريخ الزمان: 308.

([83]) الذهبي، العِبَر في خبر مَنْ غَبَر 5: 225. و«هولاوو» هو هولاكو. انظر أيضاً: أبو حامد القدسي الشافعي(819 ـ 888هـ)، دول الإسلام الشريفة البهية: 28.

([84]) حقق هذه الطبعة الدكتور عباس هاني الجراخ؛ وخبر قدوم بايجو نويان في ذيل مرآة الزمان 1: 124 من هذه الطبعة.

([85]) ناقشنا بالتفصيل في كتابنا إعادة كتابة التأريخ حشداً من هؤلاء، فليراجع.

([86]) في الطبعة الثانية من كتابنا إعادة كتابة التأريخ خصَّصنا فصلاً لمناقشة الدكتور إقبال في ما وقع فيه من أغلاط شنيعة.

([87]) إقبال، تاريخ مغول: 187.

([88]) ابن الطقطقي، الفخري: 338.

([89]) الشبيبي، مؤرِّخ العراق ابن الفوطي 2: 112.

([90]) من هذه الكتب مثلاً: بغداد مدينة السلام وغزو المغول، دراسةٌ تاريخية تحليلية للصراع السياسي لاحتلال بغداد وإسقاط الخلافة العباسية وإزالة السيادة العربية وقمع الحضارة العربية الإسلامية، وأضواء على خيانة ابن العلقمي، للأستاذ سلمان التكريتي؛ وكتاب في محكمة التاريخ: ابن العلقمي والطوسيّ، للدكتور محمد جاسم المشهداني.

([91]) مجهول، كتاب الحوادث: 80 ـ 81؛ الأشرف الغساني، العسجد المسبوك: 463.

([92]) ابن الطقطقي، الفخري: 338.

([93]) سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان 8: 747.

([94]) مجهول، كتاب الحوادث: 365.

([95]) ابن شاكر، فوات الوفيات 2: 258؛ الصفدي، الوافي بالوفيات 1: 152.

([96]) تفاصيل هذه الواقعة لدى ابن الطِّقْطَقي في الفخري: 338.

([97]) رضي الدين ابن طاووس، رسالة المواسعة والمضايقة، الورقة 297 ب.

([98]) ابن كثير، البداية والنهاية 13: 116.

([99]) ابن الطِّقْطَقي، الفخري: 338؛ الإيجي، تحفة الفقير، الورقة 279 ب، وفيه: «يترقب العَزْل والقَبْض عليه».

([100]) ابن الطِّقْطَقي، الفخري: 338.

([101]) بياني، المغول، التركيبة الدينية…: 214؛ الأصل الفارسي: دين ودولت در إيران عهد مغول 1: 304.

([102]) أراد بالعراق هنا: بلاد الريّ والجبال وأصفهان.

([103]) نظام الملك، سير الملوك: 88. وقوله: «قُتِلَ بعضٌ منهم بسيفه» أراد بسيوف الحنفية؛ وهذا النصّ موجودٌ أيضاً لدى شمس المُنشئ في دستور الكاتب 1: 101؛ ولتفاصيل أُخرى انظر: مقدمتنا لكتاب اليميني (للعتبي): 97 ـ 103.

([104]) نقل ذلك منه مؤلفُ كتاب مجمل التواريخ والقصص: 404؛ وانظر أيضاً: الجرديزي، زين الأخبار: 279؛ وانظر أيضاً: روضة الصفا 4: 169.

([105]) ياقوت، معجم الأدباء 2: 697؛ وانظر أيضاً: الكامل في التاريخ 9: 372.

([106]) الجرديزي، زين الأخبار: 279.

([107]) مجهول، مجمل التواريخ والقصص: 404.

([108]) كتبنا سيرة السلطان محمود الغزنوي في مقدّمة تحقيقنا لكتاب اليميني (للعتبي): 5 ـ 143، فلتراجع.

([109]) كتاب النقض: 42، الذي هو ردٌّ على آراء المشاط، وهو سعد بن محمد بن محمود أبو الفضائل المشاط، من علماء الريّ، توفي سنة 546هـ (طبقات الشافعية الكبرى 7: 90؛ تأريخ دولة آل سلجوق، 178).

([110]) ابن عساكر، تبيين كذب المفتري: 246 ـ 247. أما الشيخ الذي روى عنه ابن عساكر هذه الواقعة فهو الأديب والمؤرخ عماد الدين الأَصْفَهَانيّ الشَّافعيّ (519 ـ 597هـ)؛ وقد روى خبر هذه المجزرة أيضاً: الذهبي في تأريخ الإسلام 29: 278، وتذكرة الحفاظ 3: 1095، وسير أعلام النبلاء 17: 460؛ والسبكي في طبقات الشافعية الكبرى 4: 21 ـ 22؛ وزكريا القزويني في آثار البلاد: 298.

([111]) نظام الملك، سير الملوك: 129.

([112]) المصدر نفسه. حكم ألب أرسلان السلجوقي خلال السنوات 455 حتّى 465هـ.

([113]) المصدر السابق: 216 ـ 217، وفيه تكملة هذا الخبر، وهي طويلة.

([114]) العماد الأصفهاني، خريدة القصر 1: 201. وقد استُوزر الخطير الميبدي سنة 495هـ، ومات في 515هـ (فصيح الخوافي، مجمل التواريخ 2: 211؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ 10: 594).

([115]) الراوندي، راحة الصدور: 394.

([116]) المصدر السابق: 395. وفيه أن اسم هذا الشاعر هو شمس الدين اللاغري.

([117]) آل عمران: 28.

([118]) الغامدي، سقوط الدولة العباسية…: 342. انظر تلخيصاً لفصلٍ من كتابه هذا في كتابنا إعادة كتابة التأريخ: 587 ـ 614 (ط2).

([119]) صدرت طبعته الثانية عن دار التقريب بين المذاهب الإسلامية سنة 1433هـ ـ 2012م.

([120]) مجهول، كتاب الحوادث: 331.

([121]) الأشرف الغساني، العسجد المسبوك: 621.

([122]) ابن باطيش، التمييز والفصل 1: 431.

([123]) ابن الأثير، الكامل في التأريخ 8: 619.

([124]) ابن الجوزي، المنتظم 16: 6.

([125]) وَصّاف الحضرة، تجزية الأمصار، الورقتان 36 و37؛ مير خواند، روضة الصفا، ج5، الورقة 282.

([126]) الذهبي، تاريخ الإسلام 48: 23. أما كان ينبغي أن يُبحث عن القاتل بَدَلَ هذا الهجوم الذي انتُهكت فيه الحُرُمات؟!

([127]) مجهول، كتاب الحوادث: 331؛ كما وردت أخبار استباحة الجيش العباسي ومَنْ معه للكرخ مفصَّلةً في حشدٍ من المصادر، منها: طبقات ناصري 2: 191، بلا تفصيل؛ مختصر أخبار الخلفاء: 126، المنسوب لابن الساعي، وهو ليس له جزماً؛ الأشرف الغساني، العسجد المسبوك: 621؛ المكين جرجس، أخبار الأيوبيين: 167؛ ابن واصل، مفرج الكروب 6: 214؛ اليونيني، ذيل مرآة الزمان 1: 86؛ وَصّاف الحضرة، تجزية الأمصار، الورقتان 36 و37؛ مير خواند، روضة الصفا، ج5، الورقة 282؛ أبو الفداء، المختصر في أخبار البشر 3: 193؛ النويري، نهاية الأرب 23: 190؛ الذهبي، تاريخ الإسلام 48: 23؛ الذهبي، دول الإسلام 2: 172؛ ابن شاكر، عيون التواريخ 20: 131؛ ابن كثير، البداية والنهاية 13: 228 ـ 229، وانظر أيضاً: 13: 234؛ القلقشندي، مآثر الإنافة 2: 90؛ السبكي، طبقات الشافعية الكبرى 8: 263؛ العيني، عقد الجمان: 170؛ ابن خلدون، العبر 3: 537.

([128]) هذا ما قاله السبكي في طبقات الشافعية الكبرى 8: 262 ـ 263. ويفترِض السُّبْكيُّ أن الرسول واحد، لكنّ المعروف في مصادر الرواية الشامية ـ المصرية أنهما اثنان: غلامه وأخوه. انظر تفاصيل وافية في كتابنا إعادة كتابة التأريخ: 79 ـ 86 (ط2).

([129]) ابن واصل، مفرج الكروب 6: 215.

([130]) اليونيني، ذيل مرآة الزمان 1: 87.

([131]) الذهبي، تاريخ الإسلام 48: 43.

([132]) المشهداني، في محكمة التاريخ: 24.

([133]) هنري جورج رافرتي «H.G.Raverty» عسكري إنجليزي، عُيِّن معاوناً لحاكم البنجاب مدةً، كان متضلعاً من اللغات السنسكريتية ولغة الأفستا واللغات المحلية الهندو ـ فارسية، وخصوصاً لغة الپشتو. وهو مَنْ ترجم إلى الإنجليزية كتاب طبقات ناصري، لمنهاج السِّراج. كان ما يزال حيّاً حوالي سنة 1900م.

([134]) الغامدي، سقوط الدولة العباسية: 338.

([135]) الجويني، تاريخ جهانگشا 3: 659؛ وهو التأريخ نفسه الذي ذكره ابن العبري (تاريخ الزمان: 296، تاريخ مختصر الدول: 457). ويذكر رشيد الدين في جامع التواريخ 1: 585 (الطبعة الفارسية)، 203 (الطبعة العربية، تاريخ خلفاء جنكيز خان…)، أن اعتلاءه العرش كان في ذي الحجّة سنة 648هـ. ونستبعد ذلك؛ لكون الجويني معاصراً لتلك الوقائع.

([136]) دولتشاه السمرقندي، تذكرة الشعراء: 160. القوريلتاي: مجلس الشورى المغولي المؤلَّف من عامة الأمراء المغول وكبار شخصيات الدولة.

([137]) انظر مثلاً: بيبرس المنصوري الدوادار، زبدة الفكرة: 7. أما مؤلف كتاب الحوادث فيجعل أمْرَ منكوقاآن بحركة جيش هولاكو في 651هـ (كتاب الحوادث: 311).

([138]) البناكتي، روضة أولي الألباب: 414.

([139]) حسن، تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي 4: 162. وفضلاً عن الدكتور حسن، فقد كان مِن بين مَنْ رفض الإشاعة (التي تتَّهم ابن العلقمي) أو ردَّ عليها: علي ظريف العبيدي الأعظمي البغدادي في كتابه مختصر تاريخ بغداد في القديم والحديث؛ والدكتور جعفر خصباك في كتابه العراق في عهد المغول الإيلخانيين: 35؛ الدكتور بشار عواد معروف في مقالته «الغزو المغولي كما صوَّره ياقوت الحموي» في مجلة الأقلام العراقية؛ الدكتور بدري محمد فهد في تاريخ العراق في العصر العباسي الأخير: 97؛ الدكتور سعد الغامدي في كتابه سقوط الدولة العباسية: 14، 17؛ الباحث الإيراني الدكتور نور الله كسائي في كتابه مدارس نظامية وتأثيرات علمي واجتماعي آن: 110.

([140]) بياني، المغول، التركيبة الدينية…: 216؛ الأصل الفارسي: دين ودولت در إيران عهد مغول 1: 307.

([141]) قوهستان أو قُهستان: اسم لولاية كانت تقع في القسم الجنوبي من خراسان، وكان فيها عدد من القلاع الحصينة التي يسكنها أتباع المذهب الإسماعيلي.

([142]) يعني بذلك طائفة الإسماعيلية.

([143]) نصير الدين الطوسي، مقدّمة كتابه أخلاق ناصري، الورقة 2 ب.

([144]) وَصّاف الحضرة، تجزية الأمصار، الورقة 39.

([145]) بياني، المغول، التركيبة الدينية…: 182؛ الأصل الفارسي: دين ودولت در إيران عهد مغول 1: 252.

([146]) ابن الفوطي، تلخيص مجمع الآداب 1: 549.

([147]) كما يقول رشيد الدين، جامع التواريخ 2: 718 (الطبعة الفارسية)، 2 / القسم الأول: 303 ـ 304 (الترجمة العربية)؛ انظر أيضاً: صاييلي، المراصد الفلكية في العالم الإسلامي: 278، 280.

([148]) يحيى الخشّاب، مقدمة آداب المتعلمين (لنصير الدين الطوسي): 30.

([149]) بياني، المغول، التركيبة الدينية: 183؛ بياني، دين ودولت در إيران عهد مغول 1: 258. ولا ندري لماذا قام مترجمُ الكتاب إلى العربية بترجمة العبارة الأخيرة: «وأخيراً امتدت يد التشيع من كُمِّ الثوب المغولي لتحسم الأمر» إلى «ثمّ حسموا الأمر بسلاح المغول». والفرقُ واضحٌ جداً بين الأصل والترجمة.

([150]) السمعاني، الأنساب 2: 277.

([151]) ابن الفوطي، تلخيص مجمع الآداب 5: 98؛ مجهول، كتاب الحوادث: 322.

([152]) انظر مثلاً قائمة ببعض أسماء هؤلاء لدى الأشرف الغساني في العسجد المسبوك: 551؛ مجهول، كتاب الحوادث: 206.

([153]) مجهول، كتاب الحوادث: 294 ـ 295.

([154]) انظر: ابن خلدون، العبر 3: 536؛ المقريزي، الدرر المضية، الورقة 270 ب.

([155]) من ترجمته الواردة في تلخيص مجمع الآداب 5: 98. بتقدُّم من المستعصم: بأمر من المستعصم.

([156]) المقتل: هو قراءة واقعة كربلاء ومقتل الإمام الحسين× في يوم العاشر من المحرم من كل عام في مجالس العزاء التي تقام في جانبي بغداد الرصافة والكرخ. والإنشاد هو إنشاد القصائد الحزينة بهذه المناسبة.

([157]) مجهول، كتاب الحوادث: 212.

([158]) انظر تفاصيل ذلك في كتاب الحوادث: 345.

([159]) ابن كثير، البداية والنهاية 13: 28 ـ 29.

([160]) ابن رجب، الذيل على طبقات الحنابلة 1: 322.

([161]) ابن قدامة، تحريم النظر في كتب الكلام: 32.

([162]) ابن رجب، الذيل على طبقات الحنابلة 1: 322. وأبو جعفر هو عبد الخالق بن أبي موسى الهاشمي البغدادي.

([163]) ابن كثير، البداية والنهاية 12: 120.

([164]) سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان 8: 292؛ السبكي، طبقات الشافعية الكبرى 6: 390؛ الذهبي، تاريخ الإسلام 39: 298؛ العبر 4: 200؛ الصفدي، الوافي بالوفيات 1: 214؛ اليافعي، مرآة الجنان 3: 338؛ ابن العماد، شذرات الذهب 4: 224؛ العيني، عقد الجمان (العصر الأيوبي) 1: 100.

([165]) سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان 8: 414؛ ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة 6: 115.

([166]) هو الإمام أحمد بن حنبل.

([167]) ابن فضل الله العمري، مسالك الأبصار 24: 244.

([168]) من أعماله المعروفة بناؤه المدرسة المجاهدية، التي كملت سنة 637هـ، «جَعَلَهَا برسم الحنابلة، ولم يوقِفْ عليها شيئاً» (مجهول، كتاب الحوادث: 157).

([169]) رشيد الدين، جامع التواريخ 2:  711 (الطبعة الفارسية)؛ 2 / القسم الأول: 289 (الترجمة العربية).

([170]) ابن الفُوَطِيّ، تلخيص مجمع الآداب 4: 359؛ مجهول، «كيفية واقعة بغداد»، الورقة 251 ب؛ رشيد الدين، جامع التواريخ 2:  711 (الطبعة الفارسية)؛ 2 / القسم الأول: 288 (الترجمة العربية).

([171]) رشيد الدين، جامع التواريخ 2:  712 (الطبعة الفارسية)؛ 2 / القسم الأول: 291 (الترجمة العربية).

([172]) ابن شداد، الأعلاق الخطيرة 3 / القسم الثاني: 479.

([173]) ابن واصل، مفرج الكروب 6: 215؛ اليونيني، ذيل مرآة الزمان 1: 88؛ العيني، عقد الجمان (حوادث 648 ـ 664هـ): 179؛ الذهبي، تاريخ الإسلام 48: 35.

([174]) ابن العبري، تاريخ مختصر الدول: 482.

([175]) الذهبي، سير أعلام النبلاء 23: 181.

([176]) ابن كثير، البداية والنهاية 13: 233.

([177]) رشيد الدين، جامع التواريخ (تاريخ سلغريان فارس): 14، 18؛ دائرة المعارف الإسلامية الكبرى (النسخة العربية) 5: 559، نقلاً من: بحث «ممدوحين شيخ سعدي»، لمحمد قزويني.

([178]) فصيح الخوافي، مجمل التواريخ 2: 293؛ حافظ أبرو، الجغرافيا 2: 197؛ عبد الرزاق السمرقندي، مطلع السعدين 1: 157؛ معين الدين اليزدي، مواهب إلهية، الورقتان 8 ب و9 أ؛ محمود الكتبي، تاريخ آل مظفر: 4. وعلاء الدولة أحد أتابكة يزد حكمها عقب وفاة أبيه سنة 637هـ.

([179]) حمد الله المستوفي، تاريخ گزيده: 543؛ النطنـزي، منتخب التواريخ معيني: 41؛ البدليسي، شرف نامه 1: 73؛ انظر أيضاً: الشبانكارئي، مجمع الأنساب: 208.

([180]) حمد الله المستوفي، تاريخ گزيده: 557.

([181]) كان الملوك الأيوبيون بأسرهم على المذهب الشافعي، سوى الملك المعظم عيسى بن محمد، فقد كان حنفياً (انظر: المقريزي، درر العقود الفريدة 2: 339، طبعة درويش والمصري).

([182]) ابن شداد، الأعلاق الخطيرة 3 / القسم الثاني: 479.

([183]) الذهبي، تاريخ الإسلام 48: 25؛ العبر في خبر مَنْ غبر 5: 221؛ دول الإسلام 2: 170.

([184]) رشيد الدين، جامع التواريخ 2: 718 (ط الفارسية)؛ 2 / القسم الأول: 305 (الطبعة العربية)؛ الذهبي، تاريخ الإسلام 48: 28؛ دول الإسلام 2: 171؛ سير أعلام النبلاء 23: 18؛ العبر 5: 221، وفيه أنه أرسله في 654هـ. وهو الناصر صلاح الدين يوسف الثاني بن محمد بن غازي الأيوبي.

([185]) رشيد الدين، جامع التواريخ 2: 688 (الطبعة الفارسية)؛ 2 / القسم الأول: 240 (الترجمة العربية)؛ مجهول، تاريخ آل سلجوق در آناطولي: 98 ـ 99.

([186]) كما يقول ابن بطوطة في تحفة النظّار 1: 312؛ وانظر محنة ابن بطوطة وصحبه الذين كانوا على المذهب المالكي ويسبلون أيديهم في الصلاة، وكيف أنهم لما دخلوا قصطمونية (من مدن بلاد الروم) اتهمهم أهلها بأنهم روافض، إلى أن جرَّبوهم بأكل أرنب (تحفة النظّار 1: 350).

([187]) بيبرس المنصوري الدوادار، زبدة الفكرة: 47؛ انظر أيضاً: الآقسرائي، مسامرة الأخبار: 60 ـ 61؛ ابن فضل الله العمري، مسالك الأبصار 27: 247 ـ 248؛ ابن البيبي المنجِّمة، الأوامر العلائية، الورقة 632.

([188]) انظر تفاصيل هذه الواقعة لدى الآقسرائي في مسامرة الأخبار: 41 ـ 42. ويتحدث منجم باشي (صحائف الأخبار 1: 559 ب) عن معركة بين عز الدين وبايجو نويان حدثت قبل ذلك في 23 رمضان سنة 654هـ؛ بسبب مماطلته في إرسال المقرَّر عليه من الأموال للمغول؛ انظر أيضاً: ابن البيبي المنجِّمة، مختصر سلجوق نامه: 293.

([189]) منجم باشي، صحائف الأخبار 1: 560 ب.

([190]) رشيد الدين، جامع التواريخ 2: 717 (الطبعة الفارسية)، 2 / القسم الأول: 301؛ البناكتي، روضة أولي الألباب، الورقة 124 أ؛ منجم باشي، صحائف الأخبار 1: 561 أ. وكانت علاقة عزّ الدين هذا طيبة بالخليفة المغدور المستعصم بالله، وكان قد أرسل إليه رسولين في 649هـ، فعادا بالخلع والهدايا له منه (مجهول، تاريخ آل سلجوق در آناطولي: 97).

([191]) نوائي، مقدمته لكتاب تاريخ گزيده (لحمد الله المستوفي القزويني): (يج)، نقلاً من: ظفرنامه، لحمد الله المستوفي القزويني أيضاً.

([192]) رشيد الدين، جامع التواريخ 2: 684 ـ 685 (الطبعة الفارسية)، 2 / القسم الأول: 233 (الترجمة العربية)؛ حمد الله المستوفي، تاريخ گزيده: 811. منهاج السِّرَاج، طبقات ناصري 2: 181 ـ 182؛ بيانی، دين ودولت در إيران عهد مغول 1: 236 ـ 237.

([193]) عراق العجم: المنطقة الواقعة بين أصفهان وهمذان وطهران، وتشتمل على المدن: كرمانشاه، همذان، ملاير، أراك، كلبايكان، أصفهان (فرهنگ فارسي)، ووضع هذا الاسم تمييزاً له عن عراقنا المعروف.

([194]) حمد الله المستوفي، تاريخ گزيده: 811.

([195]) ناقَشْنا بالتفصيل جمعاً من هؤلاء الكتَّاب في كتابنا إعادة كتابة التأريخ، فليُراجع.

([196]) الغامدي، سقوط الدولة العباسية ودور الشيعة بين الحقيقة والاتهام: 352.

([197]) بياني، المغول، التركيبة الدينية…: 214 ـ 215، الأصل الفارسي: دين ودولت در عهد مغول 1: 305.

([198]) بياني، المغول، التركيبة الدينية…: 218، الأصل الفارسي: دين ودولت در عهد مغول 1: 309.

([199]) جواد، في التراث العربي 1: 589.

([200]) جواد، «السلك الناظم»، الجزء الثاني من قسم الكاظمين: 323.

([201]) ابن الأثير، الكامل في التأريخ 9: 401، حوادث 421هـ.

([202]) الذهبي، المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي: 100.

([203]) النَّعَّال البغدادي، مشيخة النَّعَّال البغدادي: 117؛ انظر أيضاً: كسائي، مدارس نظامية…: 151، 169. وجامع القصر الشريف هو الجامع الرسمي للخلفاء العباسيين ويُعْرَف اليوم بجامع الخلفاء.

([204]) زكريا القزويني، آثار البلاد وأخبار العباد: 402.

([205]) حمد الله المستوفي القزويني، تاريخ گزيده: 805.

([206]) مجهول، مجمل التواريخ، الورقة 114 أ.

([207]) حاجي خليفة، تقويم التواريخ، الورقة 70 أ. دار السلطنة: العاصمة.

([208]) راقم السمرقندي، تاريخ راقم، الورقة 203، وفي الورقة 97 ب من مخطوطة المكتبة الوطنية في طهران، ولم تَرِدْ كلمة «الشنيعة» في الطبعة التي حقَّقها الدكتور ستودة لهذا الكتاب (انظر: ص 82).

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً