أحدث المقالات

د. الشيخ محمد علوان(*)

 

مقدّمة

القضية التي نبحث عنها في هذه السطور هي: هل يوجه القرآن الكريم عتاباً للنبيّ الأكرم|؟

وقد تشابهت أقوال المفسرين من جميع المذاهب الإسلامية في وقوع العتاب للنبيّ الأكرم| في القرآن الكريم، وإنْ اختلفوا في موجب ذلك العتاب؛ فبين مَنْ يرى بأن الله تعالى يعاتب نبيّه الأكرم| على زلّةٍ صدرت منه، وأمورٍ أخطأ بفعلها، وذكروا في ذلك آيات، منها: قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ﴾ و﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾، وبين مَنْ يرى أنّ النبي الأكرم| أعلى شأناً وأرفع مقاماً من أن يقدم على الخطأ؛ لأنّه معصوم على الإطلاق، وإنّما يحملون عتاب الله سبحانه وتعالى له| على أنه تَرَك الأَوْلى.

ولكنّنا من خلال البحث نسعى إلى إثبات قولٍ مغاير تماماً لما توافق عليه أغلب المفسِّرين في هذه المسألة، فنقول، والله المستعان: إنّ مقام النبيّ الأكرم| أعلى وأسمى من أن يعاتبه الله تعالى في كتابه المجيد؛ لأنه| لا يمكن أن يصدر عنه ما يعاتب الله سبحانه عليه.

 

1ـ مفهوم العتاب

يقول صاحب معجم مقاييس اللغة: (عتب) العين والتاء والباء أصل صحيح، يرجع كلّه إلى الأمر فيه بعض الصعوبة، من كلامٍ أو غيره([1]).

وجاء في كتاب العين: العتب: الموجدة. عَتَبْتُ على فلان عتباً ومعتبة، أي وَجَدْتُ عليه([2]).

وقال ابن الأثير: يقال: عتبه يعتبه عتباً، وعتب عليه يعتب، ويعتب عتباً ومعتباً. والاسم المعتبة، بالفتح والكسر، من الموجدة والغضب. والعتاب: مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة([3]).

وقال الأزهري: العتب والمعاتبة والعتاب: كلّ ذلك مخاطبة الإدلال وكلام المدلين أخلاءهم، طالبين حسن مراجعتهم، ومذاكرة بعضهم بعضاً ما كرهوه مما كسبهم الموجدة([4]).

وجاء في مجمع البحرين: عاتبه معاتبة، وعتب عليه عتباً، من باب قتل وضرب، فهو عاتب: وجد عليه، ولامه في سخطه([5]).

وفي تاج العروس: والعَتْب، أي بفتح فسكون، الموجِدة، بكسر الجيم، وهو الغضب الذي يحصل من صديق([6]).

فيتحصَّل عندنا أنّ العتاب يكشف عن وجد وشيءٍ من الغضب، يعتمل في قلب الصديق والحبيب تجاه صديقه وحبيبه، ممّا يدفعه إلى مخاطبته بشيءٍ من الوجد والملامة، مشوباً بشيء من الخشونة في الكلام؛ لما كرهه منه.

 

2ـ مفهوم عصمة النبيّ الأكرم|

يقول الحكيم الربّاني الشيخ جوادي الآملي في كتاب الوحي والنبوّة: وحيث إنّ الرسول الأعظم| كان معصوماً من شتى النواحي فقد صدق فيه ما قاله الله سبحانه: ﴿إِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾؛ إذ إن السهو والنسيان والتغيير ونحو ذلك ليس بشيء منه على صراط مستقيم؛ لأنّ كل واحد من هذه الأمور عوج وضلال وغيّ، وأين ذلك من الصراط المستقيم؟!([7]).

ويقول أيضاً: ما هو معروف بين الإمامية من أنّ النبي الأكرم| وأهل بيته الطاهرين^ لا يرتكبون حتّى (تَرْك الأَوْلى) ليس ببعيدٍ؛ فهم مؤيَّدون بروح القدس بصفة خاصّة، وكلّما كان ميزان التأييد والمدد الغيبي والملكوتي أكثر كانت العصمة والمصونية أشدّ وأكثر([8]).

ويقول سماحته في موضوع آخر: ذكر العلماء لكلمة (الرجس) معاني كثيرة، مثل: الشك والشرك والسهو والنسيان والخطأ والتذبذب والجحود والوسوسة والغفلة وعدم الرضا والجهل والقصور والتقصير… وهذه كلّها من قبيل المصاديق والنماذج.

ومن هنا فإنّه يمكن أن يقال في بيان معنى (الرجس): إنه كل شيء لا يناسب ولا يليق بحال الإنسان، ويعتبره العرف الصحيح والعقل السليم قبيحاً جدّاً.

وكما يقول الأستاذ العلاّمة الطباطبائي&: (الرجس) يعني القذارة، وهي هيئة توجب النفور والاشمئزاز والانزجار، سواء كان هذا النفور ظاهريّاً، مثل: ﴿إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾، أو باطنيًاً أو معنويّاً، مثل: الشرك والكفر وآثار الأعمال القبيحة: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾، ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾.

وبالإضافة إلى ذلك فإن (ال) في كلمة ﴿الرِّجْسَ﴾ المذكورة في الآية المباركة تفيد عموم الجنس أو الاستغراق، وتشمل كلّ أنواع الرجس، أعمّ من المكروهات وترك الأَوْلى و…([9]).

ويقول في كتاب (مراحل الأخلاق في القرآن): إنّ النبي الأكرم| يقول: إنه يستغفر الله سبعين مرّة في اليوم. وفي الحقيقة فإن هذا الاستغفار من الإنسان الكامل إنما هو (دفعٌ)، وليس (رفعاً)، فهو يستغفر لكي يمنع الحجب عن أن ترين على قلبه، لا أنّه يستغفر ليرفع الحجب عن قلبه([10]).

ويذكر العلاّمة الحلّي& أنّ من مقتضيات عصمة النبيّ الأكرم| «أنّ النبيّ تجب متابعته، فإذا فعل معصيةً فإمّا أن تجب متابعته أو لا. والثاني باطلٌ؛ لانتفاء فائدة البعثة. والأوّل باطلٌ؛ لأنّ المعصية لا يجوز فعلها»([11]).

وهذا يصدق أيضاً في حال فعل النبيّ الأكرم| لما يعاتب عليه، ويكره منه؛ فإنّ على الناس اتّباعه في ذلك، ويترتّب عليه وقوعهم في ما هو مكروه عند الله. فينبغي عليهم عدم متابعته فيه، وهذا خلاف لأمر الله سبحانه باتّباعه، كما هو صريح قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ﴾.

وذكر العلاّمة أيضاً أنّه إذا فعل| معصية وجب الإنكار عليه؛ لعموم وجوب النهي عن المنكر، وذلك يستلزم إيذاءه، وهو منهيٌّ عنه. وكلّ ذلك محالٌ([12]).

وهذا يصدق أيضاً في حال ارتكاب النبيّ الأكرم| ما يكره وينفر ويعاتب عليه من قبل ربّه، وإيذاء النبيّ الأكرم| منهيّ عنه بصريح القرآن الكريم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً﴾ (الأحزاب: 57).

ويقول الشيخ المظفَّر&: والمعصية هي التنزُّه عن الذنوب والمعاصي، صغائرها وكبائرها، وعن الخطأ والنسيان، وإنْ لم يمتنع عقلاً على النبيّ أن يصدر منه ذلك، بل يجب أن يكون منزَّهاً حتّى عمّا ينافي المروّة، كالتبذُّل بين الناس، من أكلٍ في الطريق أو ضحكٍ عالٍ، وكلّ عمل يستهجن فعله عند العرف العام([13]).

وممّا لا شكّ فيه أن فعل النبي الأكرم| ما يعاتبه عليه ربّه أمرٌ مستهجن عند العرف العامّ؛ إذ يفتح باباً للطعن فيه|؛ فتارة يقال: إنّه| كان عجولاً؛ وتارة يقال: إنّه| متسرِّع لا ينتظر أمر الله تعالى؛ أو يقال: إنّه| لا يقدر على تشخيص المصلحة العليا…

ولا ننسى أن من أقوى الأدلة على عصمة النبي الأكرم| قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾، التي يفيد إطلاقها أنّ كلّ ما يقوله النبي الأكرم، بما يعمّ القرآن الكريم وغيره، إنّما هو وحي من الله تعالى، ومن ثم فهو غير قابل لأن يكون مخالفاً لما يرضاه الله سبحانه ويحبّه.

 

3ـ مفهوم الخطأ

الخطأ هو نقيض الصواب، كما تقول معاجم اللغة([14])، وهو بمعنى ارتكاب الذنب عن غير عمدٍ في ما يتعلَّق بالأمور الدينية([15]).

وقد اتفقت كلمة علماء مذهب الإمامية على تنزيه النبيّ الأكرم| عن الخطأ، قبل البعثة وبعدها. وقد ذكرنا بعض أقوالهم في بيان مفهوم العصمة.

وممّا لا خلاف عليه أنّ صدور الخطأ من النبيّ الأكرم| يبعث على عدم اعتماد الناس عليه|، وعدم الانقياد له، وفي ذلك نقض لغرض البعثة؛ إذ إنّ الله سبحانه تعالى يقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ﴾ (النساء: 64).

 

4ـ مفهوم تَرْك الأَوْلى

ممّا ورد من الأجوبة في صفحة مركز الأبحاث العقائدية، التابع للسيد السيستاني: ولم يعلم صدور ترك الأَوْلى من رسولنا|، وكذلك عن أئمتنا^. ولو صدر فإنّ ذلك لا يقدح في عصمتهم؛ لما هو المعلوم من أنّ ترك الأَوْلى لا يضرّ بالعصمة.

يقول السيد محسن الخرّازي في كتاب (بداية المعارف الإلهيّة): وقد يعبر عنه بترك الأَوْلى. ولا بأس به. نعم، قد يُراد من ترك الأَوْلى فعل مكروه أو عمل مرجوح. وهو وإنْ لم يكن معصيةً وتخلفاً عن القوانين، ولا يكون رذيلة من الرذائل الأخلاقية، ولكن لا يناسب صدوره من عظمائهم، كرسولنا وأئمتنا^، إلاّ لجهةٍ من الجهات، كبيان الأحكام ونحوه([16]).

ويقول الشيخ الصافي في كتاب (رسالتان حول العصمة): وأمّا بالنسبة إلى نبينا|، وأوصيائه وخلفائه الاثني عشر^، فحيث إنهم في أعلى مراتب القوة القدسية والنورانية الربّانية… فعدم صدور ترك الأَوْلى عنهم كعدم صدور المعاصي في نهاية الوضوح، يظهر ذلك لكلّ مَنْ درس تاريخ حياتهم النورانية، وأخلاقهم الإلهية، وأدعيتهم ومناجاتهم وخشيتهم… ([17]).

ويقول السيد محمد الحسيني الشيرازي& في شرح حديث الكساء الشريف: فاللام للجنس في قوله|: (الرجس)، فيكون دعاؤه| طلباً لإذهاب كلّ أنواع الرجس عنهم^، الظاهر منه والباطن، الروحي والجسمي، المادي والمعنوي، المحرَّم منه والمكروه.

وهذا يدلّ على ما فوق العصمة؛ لأن العصمة عبارة عن الاعتصام عن الذنب والسهو والخطأ والنسيان والجهل وما أشبه ذلك، والإطلاق يدلّ على ما فوق ذلك، ويشمل حتّى ترك الأَوْلى، وقد ذكرنا في بعض الكتب الكلامية أنّهم× منزَّهون عن ترك الأَوْلى أيضاً([18]).

ثمّ إنّ عمدة ما يدفع بعض العلماء إلى القول بصدور ترك الأَوْلى من النبيّ الأكرم| هو أنه| يبيِّن بذلك الحكم الشرعي الصحيح؛ إذ إنّ التزام النبيّ الأكرم| ومواظبته على فعل المستحبّات قد يوهِم المسلمين بوجوبها، فكان لا بدّ أن يترك فعلها في بعض الأحيان ليندفع ذلك التوهُّم.

وهذا يعني أنّ النبيّ الأكرم| يشخِّص أنّ مصلحة تعليم المسلمين الحكم الصحيح أَوْلى من مصلحة فعل المستحبّ، وهنا لا نملك إلاّ أنْ نقول بأنّ النبيّ الأكرم| قد أخطأ في تشخيص قضية تتعلَّق بتبليغ الرسالة، وهذا باطلٌ؛ لأنّه محالٌ بعد القول بعصمته|؛ وإمّا أنّ الله تعالى يعاتب نبيّه الأكرم| على فعل الأَوْلى، وهذا خلفٌ، فالفرض هو أنه| قد ترك الأَوْلى، فهو أيضاً باطلٌ.

هذا مع التسليم بأنّ طريق تبليغ الحكم الشرعي منحصرٌ بتركه| للمستحبّ، وإلاّ فإننا في سعةٍ من القول بذلك؛ إذ إن تبليغ الحكم الشرعي الصحيح يمكن أن يتمّ من خلال إقراره| لمَنْ يترك المستحبّات من الصحابة، أو يفعل المكروهات، ولا شكّ في أن ّعددهم ليس بالقليل.

 

5ـ مفهوم تأديب الله تعالى لنبيّه الأكرم|

لنعلم أوّلاً أنّ ما يتناقله الناس مما يناسب رسول الله| أنّه قال: «أدَّبني ربّي فأحسن تأديبي» ليس حديثاً ذكرته الكتب الروائية المعتبرة. وقد ذكره العلاّمة المجلسي في المجلد السادس عشر من (بحار الأنوار)، وقد ذكره في طيّ الكلام، من دون أن يذكر رواته([19]).

كما ذكره الشيخ الحويزي في تفسيره، وأيضاً لم يذكر رواته([20]).

ولا يبعد أن يكون هذا الحديث صحيحاً؛ إذ ممّا لا شكّ أنّه صحيح المعنى، فالله تبارك وتعالى يتولّى تهيئة أنبيائه× وتربيتهم، وقد قال في كتابه المجيد عن نبيّه موسى×: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ (طه: 39). كما أنّ هذا هو مقتضى الاصطفاء والاجتباء والتعليم، الذي يمتنّ به الله سبحانه وتعالى على جميع أنبيائه الكرام^: ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (يوسف: 6)، ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾ (النساء: 113).

فعلى فرض صحته فإنّ هذا التأديب الإلهي الخاصّ لسيد أنبيائه وخاتم رسله وصفوته من خلقه يعني إيصاله إلى أقصى درجات الكمال البشري؛ ليكون قدوة وأسوة حسنة للناس كافة، كما أرسله الله تعالى للناس كافّة، فلا يسبقه إلى فضيلة، ولا يلحقه في منقبة، أحدٌ ممَّنْ مضى، ولا ممَّنْ يأتي.

ثم لا يغيبنَّ عن بالنا أنّ الكون لا ينحصر في الإنسان. فالله تعالى قد خلق من الكائنات ما لا نعلم، وكلّ تلك العوالم تسبِّح لله وتعبده وتأتمر بأمره، كما يصرِّح بذلك كتاب الله المجيد: ﴿يُسَبِّحُ للهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ (الجمعة: 1)، ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ (الإسراء: 44).

وعندئذٍ ينبغي أن ننظر إلى الكمال الذي أعده الله تبارك وتعالى لسيد خلقه وأكرمهم عليه، على سعة الكون واختلاف الكائنات، لا أن نحصره في دائرة البشر، ونضيقه بصغر الدنيا.

وبعبارة أخرى: إنّه ليس من الضروري أن يكون تأديب الله تعالى لنبيّه الأكرم| في هذه الدنيا وبحسب متطلَّباتها؛ إذ إنّه ليس محصوراً بهذه الدنيا، بل يمكن أن نقول: إنّ الدنيا ليست إلاّ أصغر حلقات الكون، وأهونها على الله، في حين أن الكمال أمرٌ لا يحدّ ولا يحصر، فهو يمتدّ ويسمو بتسامي حلقات الوجود.

 

6ـ مفهوم الحقّ الذي عليه النبيّ|، واتّباعه| للوحي مطلقاً

يصف الله تبارك وتعالى نبيّه الأكرم| بأنّه على الحقّ المبين: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ (النمل: 79)، وهذا الحق ليس إلاّ من عند الله: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ﴾ (البقرة: 147).

فإذا كان النبيّ الأكرم| يقول في حقّ أمير المؤمنين×: «عليّ مع الحق والحق مع عليّ، لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض»([21]) وفي رواية أخرى: «عليّ مع الحق والحق مع عليّ، والحق يدور حيثما دار عليّ»([22])، فإن الأَوْلى أن يكون الحقّ ملازماً لسيّد الخلق طرّاً من الأوّلين والآخرين.

فإذا تمّ لنا ذلك فإنّنا لا نجد محملاً لأن يفعل النبيّ الأكرم| شيئاً يعاتبه عليه ربّه؛ لأن ذلك يعني أحد أمرين:

1ـ إمّا أنّ الله تعالى يعاتب نبيّه الأكرم| على فعل الحقّ.

2ـ وإما أنّ النبيّ الأكرم| فارق الحقّ في فعله لما استوجب به عتاب ربّه.

وكلاهما باطلٌ؛ لأنّ الأول يخالف حكمة الله تعالى؛ والآخر خلاف للفرض (ملازمة الحقّ للنبيّ)، وهو محالٌ؛ لأنّ الشيء لا ينقلب على نفسه، كما هو مقرَّر عند العقلاء.

ثم إن القرآن الكريم يشهد للنبيّ الأكرم| بأنّه متَّبِعٌ أتمّ الاتّباع لما يوحى إليه من ربّه، وأنّه| لا يفعل شيئاً من عنده: ﴿وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (الأعراف: 203)، ويقول عزَّ مِنْ قائل: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ (يونس: 15).

فلا يبقى بعد ذلك مجالٌ لقائلٍ أن يقول: إن النبيّ الأكرم| كان يستعجل في فعل بعض الأشياء قبل أن ينزل إليه الوحي من ربّه، ويكون في ذلك مخطئاً، فيعاتبه الله تعالى على ذلك.

ونقرأ في سبب نزول قوله تعالى في سورة المجادلة: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ (المجادلة: 1)، كما هو متَّفق عليه بين المفسِّرين، أنّ امرأة أتت النبيّ| فقالت: يا رسول الله، إنّ فلاناً زوجي، وقد نثرتُ له بطني، وأعنته على دنياه وآخرته، لم يرَ مني مكروهاً، أشكوه إليك، فقال: فبِمَ تشكونيه؟ قالت: إنّه قال: أنتِ عليَّ حرامٌ كظهر أمّي، وقد أخرجني من منزلي، فانظر في أمري، فقال لها رسول الله|: ما أنزل الله تبارك وتعالى كتاباً أقضي فيه بينك وبين زوجك، وأنا أكره أن أكون من المتكلِّفين، فجعلت تبكي وتشتكي ما بها إلى الله عزَّ وجلَّ، وإلى رسول الله|، وانصرفت، قال: فسمع الله تبارك وتعالى مجادلتها لرسول الله| في زوجها، وما شكت إليه، وأنزل الله عزَّ وجلَّ في ذلك قرآناً: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا([23]).

 

7ـ مفهوم وجوب اتّباع النبيّ| والاقتداء به

فالقرآن الكريم صريحٌ في وجوب اتّباع النبيّ الأكرم|، بل إنّ قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً * فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِي مَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ (النساء: 64 ـ 65) يبيِّن أن هناك تلازماً بين بعثة الأنبياء^ وبين طاعتهم، فلا معنى لإرسال الرسل إذا كانوا لا يُطاعون. وقد ورد عن أمير المؤمنين× أنه قال: «لا رأي لمَنْ لا يُطاع»([24]). فلا قيمة لرأي الحصيف ما لم يكن مطاعاً متَّبعاً؛ إذ لا خير في رأيٍ لا يتحقَّق على أرض الواقع.

وكما قلنا فإنّ القرآن المجيد زاخرٌ بالآيات الآمرة باتّباع النبيّ الأكرم| والاقتداء به، كقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ (آل عمران: 31 ـ 32)، و﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً﴾ (الأحزاب: 21)، ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (الأنفال: 1)، وغيرها من الآيات الكريمة. وبناءً على ذلك كيف يمكن أن يُقال: إن النبيّ الأكرم| يفعل ما لا يرضى الله، فيعاتبه عليه، وفي الوقت نفسه يجب على المؤمن أن يقتدي به|، ويتبعه؛ ليفوز برضوان الله تعالى، ويكسب محبته سبحانه؟!

ولا يجدي القول بعد ذلك: إن هذا العتاب ليس على فعل المكروه، وإنما هو على ترك الأَوْلى…؛ إذ إن المحصّلة لا تختلف؛ فإمّا أن نقول بأنّ الله تعالى يأمر عباده بأن يتبعوا النبيّ الأكرم|، فيفعلوا ما يفعله، ثم يعاتبهم على فعلهم!؛ وإمّا أن نقول بأنّه سبحانه ينهاهم عن اتباع النبيّ الأكرم| في بعض أفعاله؛ لأنّها محل عتاب من الله تعالى، ثم لا يبيِّن لهم تلك الأفعال، فيبقى المؤمن حائراً أمام كلّ فعل يصدر من النبيّ الأكرم|، لا يدري أيقتدي به| أم لا؟! فهل يبقى بعد ذلك معنىً لقوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (الحشر: 7)؟!

 

الآيات الموهِمة بصدور العتاب من الله تعالى للنبيّ الأكرم|

نستعرض في ما يلي بعض الآيات الشريفة التي حملها بعض المفسِّرين، من كلا الفريقين، على معنى عتاب الله تعالى لنبيّه الكريم|، وهي:

1ـ ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ (القيامة: 16).

2ـ ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾ (التوبة: 43).

3ـ ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (الأنفال: 67).

4ـ ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً﴾ (الأحزاب: 37).

5ـ ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (التحريم: 1).

6ـ ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً﴾ (الإسراء: 73 ـ 75).

7ـ ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ (آل عمران: 161).

ولنتأمَّلْ في هذه الآيات، ولننظر في مختلف الأقوال الواردة في تفسيرها، ثم لنحكم، هل يمكن الخروج بنتيجة نهائية مفادها أن الله تعالى يعاتب نبيَّه الأكرم| في كتابه المجيد؟!

الآية الأولى: ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ (القيامة: 16)

ورد في تفسير الشيخ القمّي&، في سبب نزولها، أنّ رسول الله| دعا إلى بيعة عليٍّ يوم غدير خمّ، فلما بلغ الناس، وأخبرهم في علي ما أراد الله أن يخبر، رجع الناس، فاتّكأ معاوية على المغيرة بن شعبة وأبي موسى الأشعري، ثم أقبل يتمطّى نحو أهله، ويقول: ما نُقِرّ لعليٍّ بالولاية أبداً، ولا نصدِّق محمداً مقالته فيه. فأنزل الله جلَّ ذكره: ﴿فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى﴾، فصعد رسول الله| المنبر وهو يريد البراءة منه، فأنزل الله ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾، فسكت رسول الله|، ولم يسمِّه([25]).

ويرى الشيخ الطوسي& أنّ النبيّ| كان؛ لشدّة حبّه للقرآن الكريم، يتعجل فيحرِّك به لسانه، أي يقرأه مع جبرائيل ×، فنهاه الله سبحانه عن ذلك([26]).

ويتفق معه الشيخ الطبرسي& في أنّ قوله تعالى: ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ نهيٌ للنبيّ| عن الاستعجال، سواءٌ كان في تلقي الوحي أو في تبليغه أو في استنزاله([27]).

وهكذا يرى العلامة الطباطبائي& أنّ هذه الآية الشريفة وما حولها تتضمن أدباً إلهياً رفيعاً، كلّف النبيّ| أن يتأدّب به حين يتلقّى ما يوحى إليه من القرآن الكريم، فلا يبادر إلى قراءة ما لم يُقْرَأ بعد، ولا يحرك به لسانه، وينصت حتّى يتم الوحي.

ويقول العلامة الطباطبائي في تفسيره القيِّم (الميزان في تفسير القرآن): قوله تعالى: ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾: الذي يعطيه سياق الآيات الأربع، بما يحفّها من الآيات المتقدّمة والمتأخّرة الواصفة ليوم القيامة، أنها معترضة، تتضمَّن أدباً إلهياً، كلّف النبيّ| أن يتأدّب به حين يتلقّى ما يوحى إليه من القرآن الكريم، فلا يبادر إلى قراءة ما لم يُقْرَأ بعد، ولا يحرك به لسانه، وينصت حتّى يتم الوحي. ويمثل العلاّمة لذلك بأنه يجري مجرى قول المتكلِّم منا أثناء حديثه لمخاطبه، إذا بادر إلى تتميم بعض كلام المتكلِّم باللفظة واللفظتين، قبل أن يلفظ بها المتكلِّم، وذلك يشغله عن التجرُّد للإنصات، فيقطع المتكلِّم حديثه، ويعترض ويقول: لا تعجَلْ بكلامي، وأنصِتْ؛ لتفقه ما أُنزل لك([28]).

ونهي النبيّ الأكرم| عن الاستعجال في إبلاغ الوحي هو ما يراه الشيخ مكارم الشيرازي في هذه الآية المباركة. ويمضي سماحته في الحديث عن هذا الاستعجال، فيقول: «لقد تضمنت الآيات الأخيرة دروساً تعليمية، ومن جملتها: النهي عن العجلة عند تلقّي الوحي. وكثيراً ما لوحظ بعض المستمعين يَقْفُون كلام المتحدِّث أو يكلِّمونه قبل أن يتمَّه هو، وهذا الأمر ناشئٌ عن قلّة الصبر أحياناً، أو ناشئ عن الغرور وإثبات وجود أيضاً، وقد يكون العشق والتعلُّق الشديد بشيءٍ جديد يدفع الإنسان ـ أحياناً ـ إلى هذا العمل، وفي هذه الحالة ينبعث عن حافز مقدَّس. غير أنّ هذا الفعل نفسه ـ أي العجلة ـ قد يحدث مشاكل أحياناً. ولذلك فقد نهت الآيات آنفة الذكر عن العجلة، حتّى ولو كان المراد أو الهدف من هذا الفعل صحيحاً. وأساساً لا تخلو الأعمال التي تنجز باستعجال من العيب والنقص غالباً.

ومن المسلَّم به أنّ فعل النبيّ؛ لما كان عليه من مقام العصمة، مصونٌ من الخطأ، إلاّ أنّه ينبغي عليه أنْ يكون في كلّ شيء مثلاً وقدوة للناس؛ ليفهم الناس أنه إذا كان الاستعجال في تلقّي الوحي غير محبَّذ فلا ينبغي الاستعجال في الأمور الأخرى من باب أَوْلى أيضاً»([29]).

ويورد ابن جرير الطبري، وهو من مفسِّري أهل السنّة وعلمائهم، في تفسيره جامع البيان أقوال عدد من الصحابة والتابعين في تفسير قوله تعالى: ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾، ومفادها أنّ الله سبحانه عاتب نبيّه الأكرم| على استعجاله في تلقّي الوحي([30]).

وفي ما يروي السمرقندي أنّ النبيّ| استعجل بإجراء القصاص على رجلٍ لطم زوجته، من قبل أن ينزل عليه الوحي بالحكم في تلك الحادثة، بقوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ([31]).

وأمّا الرازي فإنّه يتفنَّن في استعراض الأسباب المحتملة لهذا النهي في قوله تعالى: ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾، حتّى يصل به الحال أن يقول: «وخامسها: أنّه تعالى حكى عن الكافر أنّه يقول: أين المفرّ؟، ثم قال تعالى: ﴿كَلاَّ لاَ وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾ (القيامة: 11 ـ 12). فالكافر كأنّه كان يفرّ من الله تعالى إلى غيره، فقيل لمحمد: إنّك في طلب حفظ القرآن تستعين بالتكرار، وهذا استعانةٌ منك بغير الله، فاترك هذه الطريقة، واستعِنْ في هذا الأمر بالله…».

ويذكر الرازي في معرض تنزيه ساحة الأنبياء^ عن ارتكاب الذنوب أنّ هذه الآية الشريفة ممّا يستدلّ به القائلون بجواز صدور الذنب عن الأنبياء^([32]).

وأمّا الآلوسي فإنّه يرى أن تعجّل النبي| في تلقي الوحي، وذلك بقراءته مع جبرائيل×، كان يمكن أن يؤدّي إلى إشغال النبيّ الأكرم| بكلمةٍ عن سماع ما بعدها، ولذلك نُهي عنه في قول الله تعالى: ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ([33]).

 

القول المختار

ولكنّنا نقول: إنّ سياق السورة المباركة لا يأبى أن يكون المراد في قوله تعالى: ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ…﴾ هو قراءة الكافرين لكتبهم يوم القيامة. ويدلّ على ذلك ما قبل هذه الآيات الكريمة وما بعدها؛ إذ إنّ الحديث في السورة كلّها، ابتداءً وانتهاءً، يدور حول يوم القيامة.

وقد ذكر الرازي هذا القول في تفسيره، ونسب إلى القفال([34]) أنّه عقب عليه، بعد أن ذكره: «فهذا وجهٌ حسن، ليس في العقل ما يدفعه، وإنْ كانت الآثار غير واردة به».

وقد ذكر العلاّمة الطباطبائي هذا الرأي، فقال: «وعن بعضهم في معنى هذه الآيات الذي اختاره أنّه لم يُرِدْ القرآن، وإنّما أراد قراءة العباد لكتبهم يوم القيامة. يدلّ على ذلك ما قبله وما بعده، وليس فيه شيء يدلّ على أنّه القرآن، ولا شيء من أحكام الدنيا. وفي ذلك تقريعٌ وتوبيخ له حين لا تنفعه العجلة، يقول: لا تحرِّك لسانك بما تقرأه من صحيفتك التي بها أعمالك، يعني اقرأ كتابك ولا تعجل، فإن هذا الذي هو على نفسه بصيرة إذا رأى سيئاته ضجر واستعجل، فيقال له توبيخاً: لا تعجل، وتثبَّت؛ لتعلم الحجّة عليك، فإنّا نجمعها لك، فإذا جمعناه فاتَّبع ما جمع عليك، بالانقياد لحكمه، والاستسلام للتبعة فيه، فإنّه لا يمكنك إنكاره، ثم إنّ علينا بيانه لو أنكرت، انتهى».

ولنتأمَّل في تعليل العلامة لردّه لهذا الرأي؛ إذ يقول: «ويدفعه أنّ المعترضة لا تحتاج في تمام معناها إلى دلالة ممّا قبلها وما بعدها عليه، على أنّ مشاكلة قوله: ﴿وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ في سياقه لهذه الآيات تؤيِّد مشاكلته له في المعنى.

وقد تقدَّم في تفسير قوله: ﴿وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ﴾ أنّ هذا النهي عن العجل بالقرآن يؤيِّد ما ورد في الروايات من أنّ للقرآن نزولاً على النبيّ| دفعة، غير نزوله تدريجاً»([35]).

فالعلاّمة لا يخالف في أن سياق السورة المباركة يدور حول القيامة وما يجري فيها، ولكنّه يرى أنّ هذه الآيات معترضة، خارجة عن سياق السورة الكريمة؛ لتعلِّم النبيّ الأكرم| أدباً خاصّاً في تلقّيه الوحي.

وكذلك نرى أنّ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي يقول، بعد أن يذكر أنّ في تفسير هذه الآية ثلاثة أقوال: الثالث: ولم يذهب إليه إلاّ القليل، وهو أنّ المخاطبين في هذه الآيات هم المذنبون، وذلك في يوم القيامة، حيث يؤمرون بمحاسبة أنفسهم وذكر أعمالهم، ويقال لهم: لا تعجلوا في ذلك، ومن الطبيعي في ذلك أنهم سوف يتضجَّرون عند ذكرهم لسيئاتهم، ويمرّون عليها باستعجال، فيؤمرون بالتأنّي في قراءتها، واتباع الملائكة عند ذكر الملائكة لأعمالهم.

وطبقاً لهذا التفسير لا تكون هذه الآية كجملةٍ معترضة، بل مرتبطة مع الآيات السابقة واللاحقة لها، لأنّ جميعها تتحدَّث عن أحوال القيامة والمعاد، وأمّا التفسير الأوّل والثاني فيناسبان شكل الجملة المعترضة.

ولكنّ التفسير الثالث بعيدٌ، وخاصّة مع الالتفات إلى ذكر اسم القرآن في الآيات اللاحقة. ويشير سياق الآيات إلى أنّ المراد هو أحد التفسيرين السابقين.

ولا إشكال في الجمع بينهما، بالرغم من أن سياق الآيات اللاحقة يؤيِّد التفسير الأوّل، أي المشهور([36]).

ولنا وقفة تأمُّل مع هذا الكلام. فالعلامة الطباطبائي يفسِّر كلمة (قُرْآنَهُ) في هذه الآية الكريمة بنحوٍ آخر، إذ يقول: وقوله: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾: القرآن هاهنا مصدر، كالفرقان والرجحان، والضميران للوحي. لا تعجل به؛ إذ علينا أن نجمع ما نوحيه إليك بضمّ بعض أجزائه إلى بعض، وقراءته عليك([37]). فالمقصود من كلمة (قُرْآنَهُ) ـ كما يفهمه العلاّمة ـ هو جمع بعض أجزائه إلى بعضه الآخر، وقراءته على النبيّ الأكرم|.

ثم إنّـه يحقّ لنا أن نتساءل عـن مدى خطورة هذه القضية ـ استعجال النبيّ بالقرآن ـ؛ إذ يجب أن تكون القضية التي تستوجب نزول آياتٍ معترضة سياق السورة لتعاتب النبيّ الأكرم| بدرجةٍ كبيرة جدّاً من الخطورة.

وهل فعلاً يوافق العلاّمة على ما طرحه الآلوسي من أنّ ذلك من شأنه أن يخلّ بتلقّي النبيّ الأكرم| للوحي النازل عليه من ربّه؟! وكيف يكون ذلك مع القول بعصمة النبيّ الأكرم| في تلقّي الوحي؟!

ثم إنّ العلامة& من أبرز القائلين بالنزولين: التدريجي؛ والدفعي، للقرآن الكريم، وهذا يعني أنّ النبيّ| يفترض به أن يعرف محتوى القرآن الكريم، ولو بنحو الإجمال، أي إنّه| يفترض به أن يعرف أنّ الله تعالى يريد منه أن لا يعجل بالقرآن من قبل أن يُقضى إليه وحيُه.

أضِفْ إلى ذلك أن القرآن الكريم قد نبَّه النبيّ| إلى هذه المسألة في سورة طه، في قوله سبحانه: ﴿فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ (طه: 114)، فإذا قلنا بأن هذه الآية ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِه﴾ (القيامة: 16) أيضاً تنبِّهه إلى المسالة نفسها، وتعاتبه فيها، فهل يعني ذلك تكرُّر صدور هذا الفعل منه| رغم التنبيه؟!

فمع الأخذ في الاعتبار أن سورة القيامة هي السورة الحادية والثلاثون نزولاً، كما أن سورة طه هي الخامسة والأربعون نزولاً، وكلتاهما مكّيتان، وبينهما أربعة عشر سورة، فهل نفهم من ذلك أن سورة القيامة عاتبت النبيّ الأكرم| على استعجاله الوحي، ولكنّه| لم يرتدِعْ، بل أعاد الفعل المنهيّ عنه أخرى، فنزلت آية سورة طه؛ لتكرِّر معاتبته|؟! سبحانك، هذا بهتانٌ عظيم.

ومن المبرِّرات التي يذكرها بعض القائلين أنّ هذا الاستعجال من النبيّ الأكرم| للوحي، وتحريك لسانه بقراءته من قبل أن يُقضى إليه وحيُه، لأنّه|  كان يخشى أن ينساه، ولا يحفظه…([38]).

ولست أدري هل يقصدون بذلك أنّ النبيّ الأكرم| ليس واثقاً من وعد الله تعالى له؛ إذ يقول له سبحانه: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى﴾ (الأعلى: 6). والمعلوم أن سورة الأعلى مكّية، وهي الثامنة نزولاً، فهي قبل نزول سورة القيامة، وسورة طه، بكثير.

 

الآية الثانية: ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ…﴾ (التوبة: 43)

ومن بين جميع أقوال المفسِّرين في بيان المقصود من هذه الآية الكريمة يأتي القول بتنزيه ساحة النبيّ الأكرم| من كلّ شائبة أو نقص أو خطأ أو مخالفة لله تعالى، بل وحتى توجيه العتاب إلى النبيّ الأكرم| لترك الأَوْلى، يؤكِّد بعض المفسِّرين الأكابر على استبعاده.

فهذا الشيخ القمّي يذكر أنّ هذه الآية الكريمة نزلت بلسان: «إيّاك أعني، واسمعي يا جارة».

وقد ذكر الشيخ الحويزي& رواية عن الإمام الرضا×، ينقلها عن عيون أخبار الرضا×: «بإسناده إلى عليّ بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا×، فقال له المأمون: يا بن رسول الله، أليس من قولك: إنّ الأنبياء معصومون؟ قال: بلى…، قال: فأخبرني عن قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾؟ قال الرضا×: هذا ممّا نزل بإيّاك أعني، واسمعي يا جارة. خاطب الله تعالى بذلك نبيَّه|، وأراد به أمّته، وكذلك قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾، وقوله: ﴿وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾ قال: صدقتَ يا بن رسول الله»([39]).

وهذا القول هو ما يذهب إليه العلاّمة الطباطبائي&؛ إذ يقول: «والآية ـ كما ترى، وتقدَّمت الإشارة إليه ـ في مقام دعوى ظهور كذبهم ونفاقهم، وأنهم مفتضحون بأدنى امتحانٍ يمتحنون به. ومن مناسبات هذا المقام إلقاء العتاب إلى المخاطب، وتوبيخه، والإنكار عليه، كأنّه هو الذي ستر عليهم فضائح أعمالهم، وسوء سريرتهم. وهو نوعٌ من العناية الكلامية يتبيَّن به ظهور الأمر ووضوحه، لا يُراد أزيد من ذلك. فهو من أقسام البيان على طريق: إيّاك أعني، واسمعي يا جارة».

ويستدل العلاّمة لرأيه هذا بقوله: «والدليل على هذا الذي ذكرنا قوله تعالى، بعد ثلاث آيات: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾، إلى آخر الآيتين.

فقد كان الأصلح أن يؤذن لهم في التخلُّف؛ ليصان الجمع من الخبال وفساد الرأي وتفرُّق الكلمة. والمتعيِّن أن يقعدوا فلا يفتنوا المؤمنين بإلقاء الخلاف بينهم والتفتين فيهم، وفيهم ضعفاء الإيمان ومرضى القلوب، وهم سمّاعون لهم، يسرعون إلى المطاوعة لهم، ولو لم يؤذَن لهم، فأظهروا الخلاف، كانت الفتنة أشدّ، والتفرُّق في كلمه الجماعة أوضح وأبين.

فكيف يصحّ أن يعاتب هاهنا عتاباً جدّياً بأنّه لِمَ لَمْ يكفّ عن الإذن، ولم تستعلم حالهم، حتّى يتبيَّن لهم نفاقهم، ويميز المنافقين من المؤمنين؟! فليس المراد من العقاب إلاّ ما ذكرناه»([40]).

وهذا ما يحتمله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي؛ إذ يقول: كما يحتمل في تفسير الآية أنّ العتاب من الخطاب المذكور آنفاً إنّما هو على سبيل الكناية، ولم يكن في الأمر حتّى «ترك الأَوْلى»، بل المراد بيان روح النفاق في المنافقين، ببيان لطيف وكناية في المقام.

ويمكن أن يتّضح هذا الموضوع بذكر مثالٍ. فلنفرض أنّ ظالماً يريد أن يلطم وجه ابنك، إلاّ أنّ أحد أصدقائك يحول بينه وبين مراده، فيمسك يده، فقد تكون راضياً عن سلوكه هذا، وبل وتشعر بالسرور الباطني، إلاّ أنّك؛ ولإثبات القبح الباطني للطرف المقابل، تقول لصديقك: لِمَ لا تركتَه يضربه على وجهه ويلطمه؟ وهدفُك من هذا البيان إنّما هو إثبات قساوة قلب هذا الظالم ونفاقه، الذي ورد في ثوب عتاب الصديق وملامته من قبلك؟([41]).

وجاء في تفسير ابن الجوزي: وقال ابن الأنباري: لم يخاطب بهذا لجرمٍ أجرمه، لكنّ الله وقَّره، ورفع من شأنه، حين افتتح الكلام بقوله تعالى: ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ﴾ كما يقول الرجل لمخاطبه إذا كان كريماً عليه: عفا الله عنك، ما صنعت في حاجتي؟ ورضي الله عنك، هلاّ زرتني([42]).

وللرازي كلامٌ في غاية الروعة، يستدلّ به على عصمة الأنبياء^، وهو يكفي أيضاً للدلالة على تنزيه ساحتهم^ عن ترك الأَوْلى؛ إذ يقول: «وثامنها: قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ (الأنبياء: 90)، ولفظ الخيرات للعموم، فيتناول الكلّ، ويدخل فيه فعل ما ينبغي وترك ما لا ينبغي، فثبت أنّ الأنبياء كانوا فاعلين لكلّ ما ينبغي فعله، وتاركين كلّ ما ينبغي تركه، وذلك ينافي صدور الذنب عنهم.

وتاسعها: قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنْ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ﴾ (ص: 47). وهذا يتناول جميع الأفعال والتروك؛ بدليل جواز الاستثناء، فيُقال: فلانٌ من المصطفين الأخيار، إلاّ في الفعلة الفلانية. والاستثناء يُخرج من الكلام ما لولاه لدخل تحته، فثبت أنّهم كانوا أخياراً في كلّ الأمور»([43]).

 

الآية الثالثة: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى…﴾ (الأنفال: 67)

يقول العلاّمة الطباطبائي في تفنيد قول مَنْ قال بأنّ الله يعاتب نبيّه الأكرم| في هذه الآية المباركة: «وأمّا قوله: ومن عتابه لرسوله| في خطئه في اجتهاده ما تقدّم في سورة الأنفال، من عتابه في أخذ الفدية من أسارى بدر، حيث قال: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ﴾ الآية، ففيه:

أوّلاً: إنّه من سوء الفهم. فمن البيِّن الذي لا يرتاب فيه أنّ الآية بلفظها لا تعاتب على أخذ الفدية من الأسرى، إنّما تعاتب على نفس أخذ الأسرى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى﴾، ولم تنزل آيةٌ، ولا وردت روايةٌ، في أنّ النبيّ| كان أمرهم بالأَسْر، بل روايات القصّة تدلّ على أنّ النبيّ| لمّا أمر بقتل بعض الأسرى خاف الناس أن يقتلهم عن آخرهم، فكلَّموه وألحّوا عليه في أخذ الفدية منهم؛ ليتقوّوا بذلك على أعداء الدين، وقد ردّ الله عليهم ذلك بقوله: ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾.

وهذا من أحسن الشواهد على أنّ العتاب في الآية متوجِّه إلى المؤمنين خاصّة، من غير أن يختصّ به النبيّ|، أو يشاركهم فيه. وإنّ أكثر ما ورد من الأخبار في هذا المعنى موضوعةٌ أو مدسوسة»([44]).

 

الآية الرابعة: ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ (الأحزاب: 37)

وقوله: ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ﴾ أي مظهره. ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ ذيل الآيات، أعني قوله: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللهَ﴾، دليلٌ على أن خشيته| الناس لم تكن خشية في الله، فأخفى في نفسه ما أخفاه؛ استشعاراً منه أنّه لو أظهره عابه الناس، وطعن فيه بعض مَنْ في قلبه مرضٌ، فأثَّر ذلك أثراً سيّئاً في إيمان العامة. وهذا الخوف ـ كما ترى ـ ليس خوفاً مذموماً، أو خوفاً في الله، بل هو في الحقيقة خوفٌ من الله سبحانه.

فظاهر العتاب الذي يلوح من قوله: ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ مسوقٌ لانتصاره، وتأييد أمره، قبال طعن الطاعنين ممَّنْ في قلوبهم مرضٌ. نظير: ما تقدَّم في قوله: ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾ (التوبة: 43).

ومن الدليل على أنّه انتصارٌ وتأييد في صورة العتاب قوله بعد: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا﴾، حيث أخبر عن تزويجه إيّاها كأنّه أمرٌ خارج عن إرادة النبيّ| واختياره، ثم قوله: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً﴾.

وقوله: ﴿لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً﴾ تعليلٌ للتزويج ومصلحة للحكم. وقوله: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً﴾ مشيرٌ إلى تحقيق الواقع وتأكيدٌ للحكم. ومن ذلك يظهر أنّ الذي كان النبيّ| يخفيه في نفسه هو ما فرض الله أن يتزوّجها، لا هواها وحبّه الشديد لها، وهي بعد مزوَّجة، كما ذكره جمعٌ من المفسِّرين، واعتذروا عنه بأنّها حالةٌ جبلية، لا يكاد يسلم منها البشر؛ فإنّ فيه:

أوّلاً: منع أن يكون بحيث لا يقوى عليه التربية الإلهية.

وثانياً: إنه لا معنى حينئذٍ للعتاب على كتمانه وإخفائه في نفسه، فلا مجوِّز في الاسلام لذكر حلائل الناس، والتشبُّب بهنّ([45]).

وفي مقابل هذا التفسير نقرأ للطبري قوله: يقول تعالى ذكره لنبيّه|؛ عتاباً من الله له: واذكر يا محمد إذ تقول للذي أنعم الله عليه بالهداية، وأنعمت عليه بالعتق، يعني زيد بن حارثة، مولى رسول الله|: أمسِكْ عليك زوجَك، واتَّقِ الله.

وذلك أنّ زينب بنت جحش في ما ذُكر رآها رسول الله|، فأعجبته، وهي في حبال مولاه، فأُلقي في نفس زيد كراهتها؛ لما علم الله ممّا وقع في نفس نبيّه ما وقع، فأراد فراقها، فذكر ذلك لرسول الله| زيدٌ، فقال له رسول الله|: أمسِكْ عليك زوجك، وهو| يحب أن تكون قد بانت منه؛ لينكحها، واتَّقِ الله وخَفْ الله في الواجب له عليك في زوجتك.

﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ﴾ يقول: وتخفي في نفسك محبة فراقه إيّاها؛ لتتزوجها إنْ هو فارقها، والله مبدٍ ما تخفي في نفسك من ذلك.

﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ يقول تعالى ذكره: وتخاف أن يقول الناس: أمر رجلاً بطلاق امرأته، ونكحها حين طلقها، والله أحقّ أن تخشاه من الناس.

يا للعجب لا يعرف المرء لأيّ جزء من هذا الكلام يحمله على محمل الخير!! فكلّه لا يقبل كلّ محامل الخير…

ولستُ أدري هل يقبل هؤلاء أن يقال: إنّ إمام أحد المساجد يشبِّب بزوجات المؤمنين الذين يصلّون خلفه، ويرغب في أن يطلِّق الواحد منهم زوجته؛ لينكحها من بعده؟!

ثم كيف يأمر الله نبيّه الأكرم| أن يظهر للناس أنّه يهوى زوجة رجل مؤمن، وأنّه يرغب أنْ لو يطلِّقها؛ ليتزوَّجها من بعده.

انظروا إلى أيّ درجة من الانحطاط يصل الإنسان بابتعاده عن ينابيع العلم والمعرفة الحقّة، حتّى إنّه ليصوّر سيد الأنبياء وخاتم المرسلين، الذي يزكّيه الله تبارك وتعالى، ويقول في مدحه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم: 4)، و﴿إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ﴾ (الحج: 67)، يصوِّره بأنّه ذو لسانين، يبطن شيئاً قبيحاً ويظهر خلافه؛ خشية من الناس!

سبحانك اللهمّ، هذا بهتانٌ عظيم…

 

الآية الخامسة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (التحريم: 1)

أورد الشيخ القمّي في تفسيره عن أبي عبد الله× في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ…﴾ الآية، قال: اطلعت عائشة وحفصة على النبيّ| وهو مع مارية، فقال النبيّ|: والله ما أقربها، فأمره الله أن يكفِّر يمينه([46]).

ويقول العلامة الطباطبائي: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ خطابٌ مشوب بعتاب؛ لتحريمه| لنفسه بعض ما أحلّ الله له، ولم يصرِّح تعالى به، ولم يبيِّن ما هو؟ وماذا كان؟ غير أنّ قوله: ﴿تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ﴾ يومي أنّه كان عملاً من الأعمال المحلَّلة التي يقترفها النبيّ| لا ترتضيه أزواجه، فضيَّقن عليه، وآذينَه؛ حتّى أرضاهنَّ بالحَلْف على أنْ يتركه ولا يأتي به بعدُ.

فقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ علَّق الخطاب والنداء بوصف النبيّ، دون الرسول؛ لاختصاصه به في نفسه، دون غيره؛ حتّى يلائم وصف الرسالة.

وقوله: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ﴾: المراد بالتحريم التسبُّب إلى الحرمة بالحلف، على ما تدلّ عليه الآية التالية؛ فإنّ ظاهر قوله: ﴿قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ الآية أنّه| حلف على ذلك، ومن شأن اليمين أن يوجب عروض الوجوب إنْ كان الحلف على الفعل، والحرمة إنْ كان الحلف على الترك. وإذ كان| حلف على ترك ما أحلَّ الله له فقد حرَّم ما أحلَّ الله له بالحلف، وليس المراد بالتحريم تشريعه| على نفسه الحرمة في ما شرع الله له فيه الحلّية، فليس له ذلك.

وقوله: ﴿تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ﴾ أي تطلب بالتحريم رضاهنّ، بدلٌ من ﴿تُحَرِّم…﴾، أو حالٌ من فاعله.

والجملة قرينة على أنّ العتاب بالحقيقة متوجِّه إليهنّ، ويؤيِّده قوله خطاباً لهما: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ الآية، مع قوله فيه: ﴿وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ([47]).

ويقول الشيخ مكارم الشيرازي: البداية كانت خطاباً إلى الرسول ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ﴾. ومن الواضح أنّ هذا التحريم ليس تحريما شرعياً، بل هو ـ كما يستفاد من الآيات اللاحقة ـ قَسَمٌ من قبل الرسول الكريم، ومن المعروف أنّ القَسَم على ترك بعض المباحات ليس ذنباً.

وبناء على هذا فإنّ جملة ﴿لِمَ تُحَرِّمُ﴾ لم تأتِ كتوبيخ وعتاب، وإنّما هي نوع من الإشفاق والعطف، تماماً كما نقول لمَنْ يجهد نفسه كثيراً؛ لتحصيل فائدة معينة من أجل العيش، ثم لا يحصل عليها، نقول له: لماذا تتعب نفسك وتجهدها إلى هذا الحدّ دون أن تحصل على نتيجة توازي ذلك التعب؟ ثم يضيف في آخر الآية: ﴿وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وهذا العفو والرحمة إنّما هو لمَنْ تاب من زوجات الرسول اللاتي رتَّبن ذلك العمل وأعددنه([48]).

ويقول الطبري في تفسيره: عن قتادة، قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ﴾ قال: كان الشعبي يقول: حرَّمها عليه، وحلف لا يقربها، فعوتب في التحريم، وجاءت الكفّارة في اليمين.

قال ابن زيد في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ﴾ قال: إنّه وجدت امرأة من نساء رسول الله| رسولَ الله| مع جاريته في بيتها، فقالت: يا رسول الله، أنّى كان هذا الأمر، وكنتُ أهونهنّ  عليك؟ فقال لها رسول الله|: اسكتي، لا تذكري هذا لأحدٍ، هي عليّ حرامٌ إنْ قربتها بعد هذا أبداً، فقالت: يا رسول الله، وكيف تحرِّم عليك ما أحل الله لك، حين تقول: هي عليّ حرامٌ أبداً؟ فقال: واللهِ، لا آتيها أبداً، فقال الله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ…﴾ الآية، قد غفرتُ هذا لك، وقولك: (واللهِ) ﴿قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ([49]).

يا سبحان الله…، أيصل الأمر بهؤلاء القوم أن يجعلوا واحدةً من نساء النبيّ| أعلم من رسول الله|؛ إذ تقول له استنكاراً: كيف تحرِّم ما أحلَّ لك؟! وتنزل الآية الكريمة لتصدِّق قول تلك المرأة، فتعاتب النبيّ الأكرم| على هذا التحريم، ولتقول له|: قد غفر الله لك…، كما ورد في هذا التفسير!

 

الآية السادسة: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً﴾ (الإسراء: 73 ـ 75)

يذكر الشيخ الحويزي في تفسيره، عن عيون الأخبار، في باب ذكر مجلس الرضا× عند المأمون في عصمة الأنبياء×، حديثاً طويلاً يقول فيه المأمون للرضا×: فأخبرني عن قول الله تعالى: ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ قال الرضا×: هذا ممّا نزل بإيّاكِ أعني، واسمعي يا جارة، خاطب الله تعالى بذلك نبيَّه|، وأراد به أمّته، وكذلك قوله عزَّ وجلَّ: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾، قال: صدقتَ يا بن رسول الله.

في أصول الكافي: محمد بن يحيى، عن عبد الله بن محمد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد الله بن بكير، عن أبي عبد الله× قال: نزل القرآن بإياكِ أعني، واسمعي يا جارة.

وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله× قال: معناه ما عتب الله عزَّ وجلَّ به على نبيّه فهو يعني به ما قد قضى في القرآن، مثل: قوله: ﴿وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾، عنى بذلك غيره([50]).

ونقرأ في تفسير الميزان: قوله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾: التثبيت ـ كما يفيده السياق ـ هو العصمة الإلهية. وجعل جواب (لولا) قوله: ﴿لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ﴾ دون نفس الركون ـ والركون هو الميل، أو أدنى الميل، كما قيل ـ دليلٌ على أنّه| لم يركن، ولم يكَدْ.

ويؤكِّده إضافة الركون إليهم، دون إجابتهم إلى ما سألوه. والمعنى: لولا أن ثبَّتناك بعصمتنا دنوتَ من أن تميل إليهم قليلاً، لكنّا ثبّتناك فلم تدنُ من أدنى الميل إليهم، فضلاً عن أن تجيبهم إلى ما سألوا، فهو| لم يجبهم إلى ما سألوا، ولا مال إليهم شيئاً قليلاً، ولا كاد أن يميل([51]).

وفي تفسير الأمثل نقرأ: بالرغم من أنّ بعض السطحيّين أرادوا الاستفادة من هذه الآيات لنفي العصمة عن الأنبياء، وقالوا: إنّه؛ طبقاً للآيات أعلاه، وأسباب النزول المرتبطة بها، إنّ الرسول| قد أبدى ليونة إزاء عَبَدة الأصنام، وأنّ الله عاتبه على ذلك. إلاّ أنّ هذه الآيات صريحة في إفهام مقصودها، بحيث لا تحتاج إلى شواهد أخرى على بطلان هذا النوع من التفكير؛ لأن الآية الثانية تقول وبصراحة: ﴿وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾. ومفهوم التثبيت الإلهي، والذي نعتبره بأنه العصمة، منع رسول الله| من التوجُّه إلى مزالق عبدة الأصنام. ولا يعني ظاهر الآية ـ في حالٍ ـ أنّه| مال إلى المشركين، ثم نُهي عن ذلك بوحيٍ من الله تعالى([52]).

وفي مقابل هذا الرأي نجد ابن جرير الطبري ينقل لنا أقوالاً أخرى؛ إذ يقول: عن سعيد، قال: كان رسول الله| يستلم الحجر الأسود، فمنعته قريش، وقالوا: لا ندعه حتّى يلمّ بآلهتنا، فحدَّث نفسه، وقال: ما عليَّ أن ألمّ بها بعد أن يدعوني أستلم الحجر، والله يعلم أنّي لها كارهٌ، فأبى الله، فأنزل الله: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ﴾ الآية.

وعن قتادة: ﴿وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾: ذكر لنا أنّ قريشاً خلَوْا برسول الله| ذات ليلة إلى الصبح، يكلِّمونه ويفخِّمونه ويسوِّدونه ويقاربونه، وكان في قولهم أنْ قالوا: إنّك تأتي بشيءٍ لا يأتي به أحدٌ من الناس، وأنت سيدنا وابن سيدنا، فما زالوا يكلِّمونه حتّى كاد أن يقارفهم، ثم منعه الله وعصمه من ذلك، فقال: ﴿وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً([53]).

ويذكر الطبري في محلٍّ آخر من تفسيره، عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس، قالا: جلس رسول الله| في نادٍ من أندية قريش كثير أهله، فتمنّى يومئذٍ أن لا يأتيه من الله شيءٌ فينفروا عنه، فأنزل الله عليه: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾، فقرأها رسول الله|، حتّى إذا بلغ ﴿أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى﴾ ألقى عليه الشيطان كلمتين: تلك الغرانقة العُلى، وإنّ شفاعتهنَّ لترجى، فتكلَّم بها، ثم مضى فقرأ السورة كلّها، فسجد في آخر السورة، وسجد القوم جميعاً معه، ورفع الوليد بن المغيرة تراباً إلى جبهته فسجد عليه، وكان شيخاً كبيراً لا يقدر على السجود، فرضُوا بما تكلَّم به، وقالوا: قد عرفنا أنّ الله يحيي ويميت، وهو الذي يخلق ويرزق، ولكنّ آلهتنا هذه تشفع لنا عنده؛ إذ جعلت لها نصيباً، فنحن معك. قالا: فلمّا أمسى أتاه جبرائيل×، فعرض عليه السورة، فلمّا بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه قال: ما جئتُك بهاتين، فقال رسول الله|: افتريتُ على الله، وقلتُ على الله ما لم يقُلْ، فأوحى الله إليه: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ، إلى قوله: ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً([54]).

وقد تصدّى الرازي للردّ على هذا القول، ونفيه أشدّ النفي، مستعيناً في ذلك بالأدلة العقلية والنقلية من القرآن والسنة الشريفة؛ إذ يقول: ذكر المفسِّرون في سبب نزول هذه الآية أنّ الرسول| لمّا رأى إعراض قومه عنه، وشقّ عليه ما رأى من مباعدتهم عمّا جاءهم به، تمنّى في نفسه أن يأتيهم من الله ما يقارب بينه وبين قومه؛ وذلك لحرصه على إيمانهم، فجلس ذات يوم في نادٍ من أندية قريش كثير أهله، وأحب يومئذٍ أن لا يأتيه من الله شيءٌ فينفروا عنه، وتمنّى ذلك، فأنزل الله تعالى سورة ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى﴾ (النجم: 1)، فقرأها رسول الله|، حتّى بلغ قوله: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى﴾ (النجم: 19 ـ 20)، فألقى الشيطان على لسانه: (تلك الغرانيق العلى، منها الشفاعة ترتجى)، فلمّا سمعت قريش ذلك فرحوا، ومضى رسول الله| في قراءته، فقرأ السورة كلّها، فسجد، وسجد المسلمون؛ لسجوده، وسجد جميع مَنْ في المسجد من المشركين، فلم يبقَ في المسجد مؤمنٌ ولا كافرٌ إلاّ سجد، سوى الوليد بن المغيرة وأبي أحيحة سعيد بن العاصي، فإنّهما أخذا حفنة من التراب من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما، وسجدا عليها؛ لأنّهما كانا شيخين كبيرين، فلم يستطيعا السجود. وتفرَّقت قريش، وقد سرَّهم ما سمعوا، وقالوا: قد ذكر محمدٌ آلهتنا بأحسن الذكر، فلمّا أمسى رسولُ الله| أتاه جبريل× فقال: ماذا صنعتَ؟! تلوتَ على الناس ما لم آتِك به عن الله، وقلتَ ما لم أقُلْ لك؟! فحزن رسول الله| حزناً شديداً، وخاف من الله خوفاً عظيماً، حتّى نزل قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ الآية. هذا رواية عامة المفسِّرين الظاهريين، أمّا أهل التحقيق فقد قالوا: هذه الرواية باطلة موضوعة، واحتجّوا عليه بالقرآن والسنّة والمعقول([55]).

ونعود إلى الآية الكريمة لنقرأ ما كتبه القرطبي في تفسيرها، الذي بعد أن يذكر أقوالاً من شاكلة ما نقله الطبري، يقول: وقيل: ظاهر الخطاب للنبيّ|، وباطنه أخبار عن ثقيف. والمعنى: وإنْ كادوا ليركنونك، أي كادوا يخبرون عنك بأنّك مِلْت إلى قولهم، فنسب فعلهم إليه مجازاً واتّساعاً، كما تقول لرجلٍ: كدت تقتل نفسك، أي كاد الناس يقتلونك؛ بسبب ما فعلته، ذكره المهدوي.

وقال ابن عبّاس: كان رسول الله| معصوماً، ولكنّ هذا تعريفٌ للأمة بأنْ لا يركن أحدٌ منهم إلى المشركين في شيءٍ من أحكام الله تعالى وشرائعه([56]).

 

الآية السابعة: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ (آل عمران: 161)

وأما قوله: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ فإنّ هذه نزلت في حرب بدر، وهي مع الآيات التي في الأنفال في أخبار بدر، وقد كُتبت في هذه السورة مع أخبار أحد.

وكان سبب نزولها أنّه كان في الغنيمة التي أصابوها يوم بدر قطيفةٌ حمراء، ففقدت، فقال رجلٌ من أصحاب رسول الله|: ما لنا لا نرى القطيفة، ما أظن إلاّ أن رسول الله| أخذها، فأنزل الله في ذلك ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ الآية، فجاء رجلٌ إلى رسول الله، فقال: إن فلاناً غلّ قطيفةً، فأخبأها هنا لك، فأمر رسول الله| بحفر ذلك الموضع، فأخرج القطيفة([57]).

ويقول العلاّمة الطباطبائي: قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾: الغل هو الخيانة. قد مرّ في قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ﴾ (آل عمران: 79) أنّ هذا السياق معناه تنزيه ساحة النبيّ عن السوء والفحشاء بطهارته، والمعنى: حاشا أن يغلّ ويخون النبيّ ربّه أو الناس، وهو أيضاً من الخيانة لله، والحال أنّ الخائن يلقى ربّه بخيانته، ثم توفّى نفسه ما كسبت.

ثم ذكر أن رمي النبيّ بالخيانة قياسٌ جائر مع الفارق؛ فإنّه متّبع رضوان الله لا يعدو رضا به، والخائن باء بسخط عظيم من الله، ومأواه جهنم وبئس المصير، وهذا هو المراد بقوله: ﴿أَفَمَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللهِ﴾ الآية.

ويمكن أن يكون المراد به التعريض للمؤمنين بأنّ هذه الأحوال من التعرُّض لسخط الله، والله يدعوكم بهذه المواعظ إلى رضوانه، وما هما سواء([58]).

وفي مقابل هذا نجد الطبري يذكر في تفسيره قولاً شائناً يمسّ ساحة النبيّ الأعظم|، وينال من نزاهته وعلوّ شأنه؛ إذ يقول: وقال آخرون ممَّنْ قرأ ذلك كذلك، بفتح الياء وضم الغين: إنّما نزلت هذه الآية في طلائع كان رسول الله| وجههم في وجهٍ، ثم غنم النبيّ|، فلم يقسم للطلائع، فأنزل الله عزَّ وجلَّ هذه الآية على نبيّه|، يعلِّمه فيها أنّ فعله الذي فعله خطأ، وأن الواجب عليه في الحكم أن يقسم للطلائع مثل ما قيَّم لغيرهم، ويعرِّفه الواجب عليه من الحكم في ما أفاء الله عليه من الغنائم، وأنّه ليس لها له أن يخصّ بشيء منها أحداً ممَّنْ شهد الوقعة أو ممَّنْ كان ردءاً لهم في غزوهم، دون أحد([59]).

وللشيخ ناصر مكارم الشيرازي كلامٌ جميل في تفسير هذه الآية الكريمة، يردّ فيه مثل هذه الأقاويل الشائنة، التي لا تصف إلاّ قائلها: بالنظر إلى الآية السابقة التي نزلت بعد الآيات المتعلِّقة بوقعة أحد، وبالنظر إلى رواية نقلها جمعٌ من مفسِّري الصدر الأول، تعتبر هذه الآية ردّاً على بعض التعلُّلات الواهية التي تمسَّك بها بعض المقاتلين، وتوضيح ذلك هو: إن بعض الرماة عندما أرادوا ترك مواقعهم الحسّاسة في الجبل؛ لغرض جمع الغنائم، أمرهم قائدهم بالبقاء فيها؛ لأنّ الرسول لم يحرمهم من الغنائم، ولكنّ تلك الجماعة الطامعة في حطام الدنيا اعتذرت لذلك بعذرٍ يخفي حقيقتهم الواقعية؛ إذ قالوا: نخشى أن يتجاهلنا النبيّ عند تقسيم الغنائم، فلا يقسم لنا، قالوا هذا، وأقبلوا على جمع الغنائم، تاركين مواقعهم التي كلَّفهم الرسول بحراستها، فوقع ما وقع من عظائم الأمور وجلائل المصائب. فجاء القرآن يردّ على زعمهم وتصوّرهم هذا، فقال: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾، أي إنّكم تصوَّرتم وظننتم أنّ النبيّ يخونكم، والحال أنّه ليس لنبيٍّ أن يغلّ، ويخون أحداً.

إنّ الله سبحانه ينزِّه في هذه الآية جميع الأنبياء والرسل من الخيانة، ويقول: إنّ هذا الأمر لا يصلح ـ أساساً ـ للأنبياء، ولا يتناسب أساساً مع مقامهم العظيم. يعني إن الخيانة لا تتناسب مع النبوة، فإذا كان النبيّ خائناً لم يمكن الوثوق به في أداء الرسالة وتبليغ الأحكام الإلهية. وغير خفيّ أنّ هذه الآية تنفي عن الأنبياء مطلق الخيانة، سواء الخيانة في قسمة الغنائم أو حفظ أمانات الناس وودائعهم، أو أخذ الوحي وتبليغه للعباد. ومن العجيب أن يثق أحدٌ بأمانة النبيّ في الحفاظ على وحي الله، وتبليغه وأدائه، ثم يحتمل ـ والعياذ بالله ـ أن يخون النبيّ في غنائم الحرب، أو يقضي بما ليس بحقٍّ، ويحكم بما ليس بعدلٍ، ويحرم أهلها منها من غير سببٍ([60]).

هذا مرورٌ سريع على بعض مظانّ قضيّة ورود العتاب للنبيّ الأكرم| في القرآن الكريم. وقد تجلّى لنا الحقُّ الواضح فيها؛ إذ بان لنا أنّ جميع هذه الآيات الكريمة غير تامّة الدلالة على المدَّعى، بل إنّ حملها على غير ذلك أوجه وأرجح.

الهوامش:

(*) دكتوراه في التفسير المقارن، وأستاذٌ وباحث في العلوم الإسلامية، من سلطنة عُمان.

([1]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 4: 225.

([2]) الخليل الفراهيدي، كتاب العين 2: 76.

([3]) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث 3: 175.

([4]) ابن منظور، لسان العرب 1: 577.

([5]) الطريحي، مجمع البحرين 3: 114.

([6]) الزبيدي، تاج العروس 2: 201.

([7]) الوحي والنبوة: 161.

([8]) تفسير التسنيم 5: 479.

([9]) تجلّي الولاية في آية التطهير: 48.

([10]) مراحل الأخلاق في القرآن: 160.

([11]) العلاّمة الحلّي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 471 ـ 472.

([12]) المصدر نفسه.

([13]) محمد رضا المظفّر، عقائد الإمامية: 54.

([14]) الجوهري، الصحاح في اللغة 1: 47.

([15]) أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية: 220.

([16]) بداية المعارف الإلهية 1: 257.

([17]) رسالتان حول العصمة: 113.

([18]) الشيرازي، من فقه الزهراء 1: 141.

([19]) انظر: المجلسي، بحار الأنوار 16: 210.

([20]) الحويزي، تفسير نور الثقلين 5: 392.

([21]) عزيز الله عطاردي، مسند الإمام الرضا× 1: 314.

([22]) بحار الأنوار 34: 29.

([23]) تفسير نور الثقلين 9: 272.

([24]) بحار الأنوار 34: 279.

([25]) تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي 2: 397.

([26]) التبيان 10: 195.

([27]) تفسير مجمع البيان 10: 197.

([28]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 20: 109 ـ 111.

([29]) ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنـزل 10: 87 ـ 90.

([30]) جامع البيان 29: 232 ـ 235.

([31]) تفسير السمرقندي 2: 414.

([32]) تفسير الرازي 30: 222.

([33]) تفسير الآلوسي 16: 268.

([34]) إمام الشافعية في وقته. قال الحاكم: كان أعلم أهل ما وراء النهر بالأصول.

([35]) الميزان في تفسير القرآن 20: 110 ـ 111.

([36]) الأمثل في تفسير كتاب الله المنـزل 19: 216.

([37]) الميزان في تفسير القرآن 20: 109.

([38]) تفسير الثعلبي 10: 87.

([39]) تفسير نور الثقلين 2: 223 ـ 224.

([40]) الميزان في تفسير القرآن 9: 284 ـ 289.

([41]) الأمثل في تفسير كتاب الله المنـزل 6: 65 ـ 69.

([42]) ابن الجوزي، زاد المسير 3: 302.

([43]) تفسير الرازي 3: 7 ـ 10.

([44]) الميزان في تفسير القرآن 9: 284 ـ 289.

([45]) المصدر السابق 16: 322.

([46]) تفسير عليّ بن ابراهيم القمّي 2: 375.

([47]) الميزان في تفسير القرآن 19: 329 ـ 330.

([48]) الأمثل في تفسير كتاب الله المنـزل 18: 445.

([49]) ابن جرير الطبري، جامع البيان 28: 199.

([50]) تفسير نور الثقلين 3: 197 ـ 198.

([51]) الميزان في تفسير القرآن 13: 173.

([52]) الأمثل في تفسير كتاب الله المنـزل 9: 76.

([53]) جامع البيان 15: 162.

([54]) المصدر السابق 17: 244.

([55]) تفسير الرازي 23: 49 ـ 50.

([56]) تفسير القرطبي 10: 300.

([57]) تفسير عليّ بن ابراهيم القمّي 1: 126 ـ 127.

([58]) الميزان في تفسير القرآن 4: 57.

([59]) جامع البيان 4: 207.

([60]) الأمثل في تفسير كتاب الله المنـزل 2: 758 ـ 759.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً