أحدث المقالات

(إضاءات في الفكر والدين والاجتماع)

الشيخ محمد مرادي(*)

ترجمة: حسن مطر

 

«إضاءات في الفكر والدين والاجتماع» عنوان كتابٍ في عدّة أجزاء، من تأليف المفكِّر اللبناني الشيخ حيدر حبّ الله. أعدَّه على صيغة أسئلة وأجوبة، حيث أجاب فيه عن أسئلة السائلين في مختلف الحقول: الفكرية، والعقائدية، والفقهية، والأخلاقية، والتاريخية، والاجتماعية.

ولد مؤلِّف هذا الكتاب الشيخ «حيدر محمد كامل حبّ الله» سنة 1973م، في مدينة صور، الواقعة في الجنوب اللبناني. وقد درس المقدّمات في مسقط رأسه، ليشدّ الرحال بعدها إلى مدينة قم المقدّسة، وينتسب إلى حوزتها العلمية، ودرس فيها على يد الكثير من العلماء في الفقه والأصول والتفسير والفلسفة والرجال، كما درس إلى جانب ذلك في بعض الجامعات التقليدية. وبعد إنهاء دراسته المنهجية باشر نشاطه الفكري في حقل التأليف والترجمة والتدريس. ويشغل حالياً منصب الرئاسة العلمية لقسم الشيعة في «مؤسّسة خدمة علوم القرآن والسنة الشريفة» في القاهرة، كما له مشاركة مع «مؤسّسة دائرة المعارف لفقه أهل البيت» في قم المقدّسة، وتولى عملية تدوين وتأليف عشرة أجزاء من «موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت»، كما شغل منصب المعاون العلمي في هذه الموسوعة العظيمة والخالدة.

وبالإضافة إلى تدريس بحث خارج الفقه والأصول والرجال في الحوزة العلمية، قام «الشيخ حيدر حبّ الله» بتدريس الكتب الفلسفية، والأبحاث المطروحة من قبل المستشرقين في حقل العلوم الإسلامية أيضاً. ومضافاً إلى اشتغاله في الدروس التقليدية في الحوزة العلمية، أبدى سماحته اهتماماً بمسائل المعرفة الدينية والكلام الجديد أيضاً، حيث يتابع التحوُّل الفكري في العالم المعاصر، ولا سيَّما العالم الإسلامي، وقام ببعض الكتابات في هذا الشأن.

كما أن له ـ بالإضافة إلى الكتابات التقليدية في الفقه والفلسفة ـ كتاباتٍ أخرى في بحوث الفكر المعاصر، من قبيل: «التعدُّدية الدينية: نظرة في المذهب البلورالي»، و«علم الكلام المعاصر: قراءة تاريخية ومنهجية»، و«الأسس النظرية للتجربة الدينية».

كما سبق له أن عمل على نشر مجلة «المنهاج» في بيروت، وحالياً يقوم بإصدار مجلتين، وهما: «نصوص معاصرة» في حقل الفكر والكلام، و«الاجتهاد والتجديد» في حقل الفقه والشريعة، حيث تعنى هاتان المجلتان بشكلٍ رئيس بطرح الآراء الجديدة في دائرة البحث الديني، وترجمة الأفكار الحديثة للباحثين الإيرانيين في مجال المعرفة والفكر الديني والإسلامي. كما يحمل سماحته في قائمة أعماله عنوان العضوية في الهيئة التحريرية في مجلة فقه أهل البيت^، ومجلة ميقات الحجّ.

يأتي تأليف كتاب «إضاءات في الفكر والدين والاجتماع» في إطار التقليد القائم على الإجابة عن الشبهات والإشكالات والأسئلة المتعلّقة بالدين والتديُّن وفي مختلف المجالات، من قبيل: المعرفة، والمجتمع، والتاريخ، والقرآن، وعلم الكلام، والرجال، والعقائد، والشريعة، وما إلى ذلك.

وقد صدر منه حتّى الآن أربعة أجزاء([1])، وذلك بترتيب التواريخ التالية: 7/7/1434هـ الموافق لـ 16/6/2013م، و15/7/1434هـ الموافق لـ 24/6/2013م، و9/6/1435هـ الموافق لـ 11/3/2014م، و20/2/1436هـ الموافق لـ 13/12/2014م، وذلك على الرابط الإلكتروني في «الشبكة العنكبوتية».

ويبلغ الحجم المتوسّط لكلّ مجلدٍ 600 صفحة.

وقد تمّ تنظيم كلّ مجلدٍ ضمن عدد من الأقسام:

القسم الأول تحت عنوان: «الفلسفة والعقائد والعرفان»، حيث يشتمل على مباحث في الكلام والعقيدة والفلسفة والعرفان.

والقسم الثاني تحت عنوان: «علوم القرآن والحديث»، يتناول الإجابة عن الأسئلة المثارة بشأن القرآن والسنّة.

والقسم الثالث تحت عنوان: «الفقه وعلوم الشريعة»، حيث يشتمل على مسائل تتعلّق بالفقه والشريعة.

والقسم الرابع تحت عنوان: «التاريخ والسيرة».

والقسم الخامس تحت عنوان: «فكر وثقافة».

والقسم السادس والأخير تحت عنوان: «الأخلاق والعلاقات الاجتماعية».

كما تحتوي بعض الأجزاء على خاتمةٍ تحت عنوان: «في منشورات وأفكار على وسائل التواصل الاجتماعي»، تتضمَّن ملاحظات مقتضبة كتبها المؤلِّف في «الشبكة العنكبوتية» بمناسبات مختلفة.

إن هذا التقسيم السداسي ـ الذي تبلور على أساس الأعمّ الأغلب من المباحث المطروحة ـ لا يبدو دقيقاً. فمن خلال توريق صفحات الكتاب نجد أن جميع الأبحاث لم تأتِ في موضعها من هذه الأبواب الستة، وإنما وضعت في مواضع أخرى. فعلى سبيل المثال: نجد المباحث القرآنية مبثوثةً في مختلف مواضع الكتاب، وقد وردت في الأقسام الأخرى تَبَعاً لمناسبة حيثية الأبحاث. وبطبيعة الحال فإن تبويب المطالب ووضعها في موضعها المناسب ليس بالعمليّة السهلة؛ وذلك لاختلاف حيثية الأبحاث. ويبدو أن المؤلف قد عمل على توزيعها بالنظر إلى أغلبها؛ طبقاً لما رآه من المصلحة.

هناك مقدّمة من صفحتين كتبها المؤلِّف في مدخل كتابه نوَّه فيها إلى ورود الكثير من الأسئلة عليه من مختلف الأقطار، وأنه قام بالإجابة عنها في موقعه على شبكة الأنترنت، ثمّ عقد العزم بعد ذلك على نشرها ضمن كتابٍ تعميماً للفائدة. وقد ذكر بأنّه قد سعى حتّى الإمكان ليقدّم للسائل إجاباتٍ مختصرة، ولكنْ قد يضطرّ أحياناً إلى مزيدٍ من التفصيل؛ لحاجة السؤال إلى ذلك.

وقد توزَّع السائلون على مختلف الأقطار، من قبيل: العراق والكويت والسعودية والمغرب واليمن وألمانيا وإنجلترا ومصر وإيران وغيرها. وقد عمد المؤلِّف إلى تقديم إجابات تناسبهم. ونشاهد ضمن الأسئلة رسائل بعث بها بعض علماء أهل السنّة، وقد تضمَّنت أسئلة حول عقائد الشيعة، من قبيل: ولادة صاحب العصر والزمان، ووجوده الفعلي في الوقت الراهن، والتشكيك في وجود ولد للإمام الحسن العسكري×.

وعلى الرغم من الجهود التي بذلها المؤلِّف؛ من أجل أن تكون الإجابات قائمة على التتبُّع في الأدلّة والنصوص والتحليل الفكري، إلاّ أنه يصرّ على عدم إعطاء ضمانات بصحّتها، مؤكِّداً على أنّه لا طريق للوصول إلى الحقيقة إلاّ من خلال مشاركة الآخرين في أفكارهم([2]).

وبهذه الرؤية تجده يكيل الثناء على قرّائه، ويولي أهمِّية لآرائهم ووجهات نظرهم وانتقاداتهم، معتبراً ذلك مؤشِّراً إيجابياً على سلامة الفكر من الخطأ، وذلك حيث يقول ما نصّه: «فوجود أمثالكم بالنسبة لي ضمانة صحِّية لشخص مثلي؛ كي لا تذهب به الأفكار الخاطئة، وطغيان العقل الثائر، إلى مكان غير سليم، بل يظلّ في صراطٍ سويّ إنْ شاء الله»([3]).

يغلب حقل الفقه والشرعيات في هذا الكتاب على سائر الأبواب الأخرى، حيث اشتمل على جميع أنواع البحث. فعلى الرغم من أنه كان بإمكانه الاكتفاء بنقل آراء الفقهاء، أو إعطاء رأيه الخاصّ على طريقة الأسئلة والأجوبة الفقهية القائمة على الاختصار، إلاّ أنه لم يكتفِ بذلك، وساق البحث إلى ذكر المباني والفتاوى واختلاف الآراء؛ كي يضع القارئ في الصورة من جميع الجهات، وبادر إلى توجيه المسائل أيضاً.

ومن الجدير بالذكر أن المباحث الفقهية المعاصرة، وفلسفة بعض الأحكام، وكذلك النظرة الجديدة إلى بحوث الفقه التقليدي، قد حظيَتْ بمكانةٍ خاصة في هذا الكتاب.

وفي قسم علوم القرآن والحديث تمّ تناول تفسير الآيات المشكلة، مع بيان معاني الكلمات المترادفة، والتنافي والاختلاف المحتمل بين الآيات، من قبيل: معالجة الآيات المشتملة على التناقض المفترض بين تكفير السيِّئات وحبط الأعمال([4]) وبين رؤية الإنسان لجميع أعماله ـ صغيرها وكبيرها ـ من الخير والشرّ يوم القيامة، كما في قول الله سبحانه وتعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾ (الزلزلة: 7 ـ 8)؛ وكيفية الانسجام بين الآيات التي تصف الدنيا باللهو واللعب وبين اتصاف الله بالحكمة؛ وكذلك التنافي الاحتمالي والبدوي بين بعض آيات القرآن وعدم انسجامها مع المعطيات العلمية، من قبيل: كروية الأرض وما يبدو في القرآن من كونها مسطَّحة، كما في قول الله تعالى: ﴿وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ﴾ (الذاريات: 48)، وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ (الذاريات: 47)، وكيفية الجمع بين قول الله تعالى: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ (هود: 118)، وقول الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً﴾ (آل عمران: 103)، وما إلى ذلك من المسائل الأخرى.

وفي قسم الحديث تمّ تناول المسائل المرتبطة بالحديث، ودلالة وأنواع الحديث، وتأريخ الحديث، والنسخ المتعدِّدة للمعنى في المصادر المختلفة والتغيُّرات المحتملة التي طرأت عليه، وكذلك الجمع بين الروايات والآيات غير المتناغمة، والاختلاف بين السنّة القطعية لرسول الله والسنّة المحكيّة عنه، ودراسة سند الروايات، والعدد المطلوب من الأحاديث للوصول إلى درجة الاعتبار.

وفي الجزء الأوّل، مضافاً إلى التذكير بأسباب وكيفية تبلور سلسلة «إضاءات»، تحدَّث سماحته حول مسار قيام المجتمع النبوي ومراحل ذلك، وذكر أنّه إنما بحث ذلك في بداية الكتاب ليظهر كيفية تكوين الأمة الإسلامية والمجتمع النبوي المدني، ومعالم هذا المجتمع وخصائصه، طوال الحقبة المكّية والمدنية، وبذلك عمل على إبراز بناء المجتمع على أساس تعاليم القرآن.

لقد احتوَتْ هذه السلسلة على ما يقرب من سبعمئة سؤال، مع الإجابة عنها بأجوبةٍ تحليلية.

وفي ختام بعض الأجزاء تعرَّض سماحة المؤلِّف إلى بعض الخواطر والملاحظات المختصرة والمقترحات في مختلف الحقول الفكرية، من قبيل: العقل البراغماتي والعقل المبدئي، ودعوة إلى إعادة قراءة سيرة زيد الشهيد، ومجالس العزاء وحالة بعض العقلانيين، والحاجة لتوثيق ما قيل في الحسين عند غير المسلمين، ورسالة لأخي المطبِّر، وحقّ النقد وواجب النقّاد، وأنا وفكرتي والآخرين، والعقل المقلوب، ومعيار الحقّ، والمشاهد الثقافية في البلدان الإسلامية ودراستها من أجل تعرُّف المسلمين على ثقافات بعضهم، ومسائل بشأن الحوار، وكيف تقرأ كتاباً أو مقالة؟ والرفق في الدعوة إلى الدين.

إن الأسئلة المطروحة في هذا الكتاب تثبت أن الحاجة الفكرية لمختلف فئات الناس لا تنحصر بمجتمعٍ محدَّد وخاصّ، بل تطال المجتمع العالمي وسؤاله عن نسبته إلى الدين الإسلامي؟ إن هذه السلسلة تظهر بوضوحٍ ما هي التحدّيات التي تواجه الفكر الإسلامي؟ وما هي الأبحاث التي حظيَتْ بمزيد من البحث، والتي أخذت قسطها الأوفر من الوضع تحت المجهر؟

وكان حجم المعطيات ـ بحسب الترتيب ـ من نصيب: الفقه والعقائد، والقرآن والحديث أو العكس، وتاريخ الإسلام، والمجتمع والأخلاق، والفكر والثقافة. وقد كان نصيب الحقلين الأخيرين هو الحدّ الأدنى من الأسئلة.

وحيث كان المؤلِّف بصدد الإجابة عن أسئلة السائلين كانت كتاباته تابعة لأسئلتهم، فلم يكن حُرّاً في اختيار كتابة ما يريد، وإنّما كان في ذلك منساقاً مع نمط الأسئلة التي توجّه بها السائلون، فكانت الأسئلة هي التي تدير دفّة قلمه، وإنْ كان هو أيضاً يُمارس دوره في إدارة الأسئلة.

والإنصاف يقتضي منا الاعتراف بأنه حقَّق نجاحاً باهراً في هذا الشأن. وإنّ الإجابات كانت على الدوام في إطار السؤال وأبعاده.

تشتمل هذه الأجزاء من حيث المحتوى على الكثير من التنوُّع، حيث تضمّ الإجابة عن الأسئلة الجوهرية بشأن العلاقة بين العقل والنصّ، والمسائل المعقّدة بشأن عالم الوجود، وكذلك البحوث المرتبطة بالذات الإلهية، من قبيل: توقيفية أو عدم توقيفية أسماء الله، وصولاً إلى الموضوعات المقترحة للبحث والتحقيق، والموقف من الشبكات والقنوات الدينية على الأقمار الصناعية.

ومن المسائل الكلامية المرتبطة بالنبوّة والوحي والأنبياء، إلى الدراسة في الحوزة العلمية والهجرة لطلب العلم وارتداء العمامة، وصفات الأستاذ النموذجي والطالب النموذجي، ومن الفلسفة والمنطق الإغريقي إلى الفلسفة والمنطق في الحوزات العلمية الشيعية، وضرورة دراسة المنطق قبل دراسة الفلسفة، والمناهج الفلسفية للمبتدئين، ومراحل الدراسة الحوزوية، والصعوبات التي تواجه المنظِّرين في حقول العلوم الدينية.

لم يحصر المحقِّق حبّ الله (مؤلِّف الكتاب) نفسه في الأطر الرسمية والضاربة بأطنابها في صُلْب البحث الحوزوي، وربما قام أحياناً بتحطيم بعض الأطر، وتناول المسائل بهدوء وأسلوب منطقي، وأبدى بعض التردُّد والتشكيك في بعض المطالب السائدة والمشهورة، الأمر الذي لا تستسيغه بعض المحافل.

وقد تناول هذا الكتاب مسائل من قبيل: تقدُّم المجتمعات الغربية والتخلف والفساد في البلدان الإسلامية، وتفسير وتحليل الآيات المشكلة، والبحث عن جذور الروايات الموجودة في المصادر والكتب الروائية، من قبيل: حديث الأشباح الخمسة، وصنمي قريش، وأفضلية علماء الأمّة الإسلامية، والحديث ووثاقته، والقرآن والنسخ في القرآن، والنزاعات المذهبية، والاختلاف بين الشيعة والسنّة في مختلف المسائل، والعلاقة الأسرية بين أهل البيت والخلفاء، والمزاج الإيراني والتشيُّع الغالي، وظهور وانتشار الأحاديث المختلقة في العصر الصفوي، ومعرفة الفرق الإسلامية، وآراء الفلاسفة بشأن مختلف المسائل، من قبيل: أصالة الوجود والماهيّة، والحاجة إلى علم العقائد كالحاجة إلى علم الفقه، ودراسة الفتاوى الجديدة في المسائل الدينية والفقهية، والمباحث الفقهية المثيرة للجَدَل، مثل: الخمس وأطواره عبر التاريخ، وخمس أرباح المكاسب، وسهم السادة من الخمس، وأخذ المشايخ والعلماء الحقوق الشرعية والأخماس لأنفسهم، وتحليل الخمس في عصر الغيبة، وخمس مقتنيات المرأة، والزواج عبر الهاتف أو الفايسبوك أو نحوهما، وحقوق الحيوان، والجهاد الابتدائي، والزواج من الرضيعة، والتقليد، والعمل بالتكاليف دون تقليدٍ، والتبعيض في التقليد، وتقليد الأعلم وأدلّته، وتقليد الميت، والاجتهاد، والجمع بين الفقه الجواهري والفقه الحديث، والقياس ودوره في الاجتهاد، وحجّية الاستقراء في الاجتهاد، وكيفية انسجام وعدم انسجام التورية مع التديُّن، ونسبة التورية إلى الكذب، وكيفية انسجام كرامة الإنسان مع الحكم بنجاسة غير المسلم، واغتياب غير الشيعي الإمامي، والسرّ في نجاح أبي بكر وعمر في اختيار الخليفة وعدم نجاح النبيّ في ذلك، وأدلّة عدم الإجابة القطعية بشأن المهدوية، وتسمية الأشخاص بأسماء من قبيل: عبد العلي وعبد الحسين وعبد الرسول وما شابه ذلك وشبهة الشِّرْك في هذه التسميات، والرواية المشهورة بشأن البهتان على المبتدع ذات السند الصحيح، وعدم إحراز الاطمئنان بصدورها من قبل المؤلِّف، والأحاديث الطبّية ومقدار ما لها من الاعتبار، وتطابق تعاليم القرآن مع المعطيات العلمية، ومدى الاعتماد عليها، والبحث في سند زيارة عاشوراء، والإسلام وحرّية العقيدة، وزواج الشيعية من السنّي، ومصافحة المسلم للكافرة، وحجاب المرأة المسلمة، ونسبة الهدف إلى الوسيلة، وتبرير الهدف بالوسيلة، والاحتفال في مواليد الأئمّة والصالحين، والاستخارة الشرعية، والاستعباد في الفقه، وشهادة الفاسق، وعدم قبول شهادة ولد الزنا حتّى لو كان عادلاً، وإقامة التعازي المبالغ فيها، ونسبة البيعة إلى الانتخابات في شكلها الحاضر، ونسبة التقيّة إلى النفاق وازدواج الشخصية، والعلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبية عبر الهاتف، ونسبة قوله تعالى: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ (المؤمنون: 70) إلى الديمقراطية القائمة على رأي الأكثرية، وردّ السلام عبر مواقع التواصل الاجتماعي (الدردشة)، وإسلام المرأة الصابئية مع بقاء زوجها على صابئيّته، وستر المرأة الزنجيّة شعر رأسها مع قصر شعرها، حيث لا يتجاوز طوله السنتمتر الواحد، والتطبير، والنهي عن المنكر في المسائل الخلافية بين مراجع التقليد، وإقامة الأمسيات الشعرية في شهر رمضان بحضور النساء المتبرِّجات، ونسبة المعطيات العرفانية إلى القرآن، واختلاف مكاشفات العارفين، وقوس الصعود والنزول في الفلسفة، وعلاقة قصّة إحياء الطيور لإبراهيم بشبهة الآكل والمأكول الفلسفية، وحلّية بعض الأشياء في عالم الآخرة وحرمتها في الدنيا، وتقدير أمور العالم في ليلةٍ واحدة من السنة، وهي ليلة القدر، وإخبار الشهداء بشهادتهم، وفرضية سجود إبليس لآدم وعدم تمرُّده على أمر الله، وعمل الإرهابيين الذين يقطعون بصحّة أفعالهم.

وقد تعرّّض المؤلف إلى مناقشة المسائل الجَدَلية ـ بمعزلٍ عن بعض الملاحظات الموجودة في المجتمع ـ والتي تستند إلى بعض النصوص الروائية، وأصبحت جزءاً من العقائد المقبولة، وكانت في الوقت نفسه موضعاً لتساؤل البعض، من قبيل: الحديث القائل: «قولوا فينا ما شئتم ونزِّهونا عن الربوبية»، والذي يمثل جزءاً من المباني الاعتقادية في علم الإمام. حيث عمد المؤلف إلى بحثه سنداً ودلالة، مع استعراض مختلف صيَغه، ومسار تطوُّره اللفظي والمفهومي، والآراء الموجودة بشأنه.

كما بحث في الولاية التكوينية للأئمة وإمكان تصرُّفهم في عالم الوجود، والمعاني والتشقيقات التي يمكن أو لا يمكن القبول بها، وأبدى رأيه في كونهم وسطاء في العالم، وأنهم إذا أرادوا أن يتصرّفوا تصرّفوا ـ باستثناء بعض الموارد ـ، حيث صرّح سماحته بعدم ثبوت ذلك عنده.

وفي سياق رسالته هذه عمد في معرض الإجابة بشكلٍ واضح عن أسئلة المستفسرين إلى إثارة بعض المباحث الجدلية، وشكّك فيها من الناحية التاريخية والدلالية، من قبيل: القيام عند سماع اسم الإمام المهدي×، وإقامة الاحتفالات في مناسبات من قبيل: يوم غدير خمّ، وأخذ الهدايا من السادة بهذه المناسبة على ما هو شائعٌ بين المتديِّنين وليس لها أصلٌ ديني.

وكذلك رواية احتجاب السيدة فاطمة الزهراء من الرجل الأعمى بحضور رسول الله، حيث شكّك في صحتها من الناحية التاريخية والروائية والدلالية. وكذلك ناقش في حديث «نحن حجج الله، وفاطمة حجّة الله علينا»، وحديث «كنّا نخيط ونغزل وننظم الإبرة بالليل بنور وجه فاطمة÷»، وحديث «لنا مع الله حالات: هو فيها نحن، ونحن هو» الوارد في مصادر المتأخِّرين، ومن بينها كتابات الإمام الخميني، وحديث «كلّ يوم عاشوراء، وكلّ أرض كربلاء»، المذكور على ألسنة المتأخِّرين، دون أن يكون مذكوراً في المصادر الروائية، وإقامة العزاء لجميع المعصومين والأولياء، كما يقام العزاء على الإمام الحسين على ما يُستفاد من النصوص، حيث يحظى مورد الإمام الحسين بأهمِّية خاصة، ولا يدانيه عزاء أيِّ واحدٍ من المعصومين.

وقد أثار سماحته هذه المسألة في معرض الجواب عن سؤال بشأن إقامة العزاء على السيدة فاطمة الزهراء÷، حيث قال سماحته: لو كان هذا أمراً مطلوباً لجاءت الإشارة إليه في النصوص الدينية، كما جاءت بشأن العزاء على الإمام الحسين×.

ثمّ تناول سماحته ظاهرة تعطيل المؤسّسات والأسواق والأعمال من أجل إقامة العزاء على أهل البيت^، قائلاً: إن هذه الظاهرة غير مطلوبة. ولو كانت مطلوبةً لوجب التعطيل من أجل الكثير من الأمور الأخرى التي حدثت في التاريخ، من قبيل: خروج المسلمين على الإمام عليّ× في النهروان وصفين والجمل، التي أدَّتْ إلى الكثير من الحوادث اللاحقة، ولا يخفى ما يترتَّب على هذا المنهج من التخلُّف.

ثم رأى أن إحياء المراسم الدينية والمرتبطة بالأئمّة يجب أن لا تؤدي إلى شلّ حياة الناس، وطالب بحسن الاستفادة من هذه المناسبات في إطار تحسين وتطوير واقع الشيعة، وتوضيح موقع ودور المرأة في الحياة الاجتماعية والفردية، مع بيان وظائف المسلمين تجاه الظلم السياسي والاقتصادي الذي يمارس ضدّ المؤمنين والمستضعفين.

ومن بين المسائل التاريخية الجَدَلية التي تناولها هذا الكتاب مسائل من قبيل: كسر ضلع السيدة فاطمة الزهراء÷، والنسبة بين العصر الراهن ومرحلة عصر الظهور، وأبحاث السياسة والفلسفة السياسية، من قبيل: تغيير وجهات النظر بشأن عدم تدخُّل علماء الشيعة في النشاط السياسي في عصر غيبة الإمام المهدي×، وإن طول مدّة الانتظار قد أدّى إلى دخولهم في المعترك السياسي، واتجاههم نحو الثورة وإقامة الدولة، وكذلك العمل في دوائر الدول غير الشرعية.

لقد تمّ تأليف هذا الكتاب بأسلوبٍ سلس، بعيد عن تعقيد العبارة، مع الحفاظ على عمق الفكرة، وطرحها بشكلٍ علمي.

كما تتجلّى فيه عفّة القلم، ورعاية الأدب، على ما هو متوقَّعٌ من أسلوب الكتابة الإسلامية.

وكما يعترف المؤلِّف فإنّ هذا الكتاب يشتمل على بحوثٍ تخصُّصية في مختلف فروع العلوم الإسلامية، ومع ذلك نجد أن مستوى الكتاب بحيث يقنع القارئ المدقِّق.

وقد عبَّر المؤلف في هذا الكتاب عن قلمه وعن فكره، ولذلك فإن ما ذكر في هذا الكتاب نجده في أدبيّاته العملية أيضاً. فقد قامت جهوده على توجيه الأحكام والعقائد، وتجريد الذهن والفكر والعمل من العنف والخرافة، وفصل الغثّ عن السمين، واتّخاذ الموقف من المسائل التي لا أصل لها، و إثبات المسائل ذات الأصول الثابتة والجذور الراسخة، وهو ما التزم به المؤلِّف في هذا الكتاب، حيث تجنَّب الإفراط والتفريط، والقسوة في التعبير، كما تجنَّب وضع الخطوط الوهميّة المثيرة للنزاع.

لقد تمّ تأليف هذا الكتاب وتدوينه بشكلٍ دقيق، وكأنّ المؤلف أراد التخفيف على القارئ، ولم يحمل عليه الأعباء العلمية المعتادة. ولذلك قلَّما نجده يحيل القارئ إلى المصادر المعتمدة، باستثناء موارد الضرورة القصوى. وعلى الرغم من عدم ندرة الإحالات إلى المصادر في المسائل التخصُّصية، والتي قد تبلغ أحياناً ما يقرب من النصف صفحة بشأن إحالة مسألة إلى مظانّها، نجد الكتاب بشكله الراهن، من حيث التجليد، وتبويب العناوين، وتجنُّب التعابير المبالغ فيها، أو التي تنطوي على إهانة شخصٍ، أو المبالغة في تمجيد هذا أو الثناء على ذاك، إلاّ في بعض الموارد النادرة جدّاً، حيث يكون ذلك بحقّ أساتذته.

لقد سعى المؤلِّف ـ من خلال توظيف مقدرته العلمية، وقراءاته الواسعة، وكفاءته الفكرية ـ إلى تحليل المسائل وتفريعاتها وأبعادها وجوانبها المحتملة، وأن يقدِّم إجابات مناسبة لجميع الأسئلة المطروحة، وأن يُبيِّن أبعادها الخاطئة، ويبرز الأبعاد الصحيحة والمقبولة. وإن هذه التفريعات قد تستغرق أحياناً عدّة صفحات للإجابة عن مسألة بسيطة.

إن الاستفادة من التحليل التاريخي، وتأريخ الأبحاث، عملٌ مشهود له في هذا الكتاب العلمي من الناحية الأسلوبية. إن هذا الأسلوب يساعد على تبيين مسائل هذا الكتاب إلى حدٍّ كبير. لقد تمّ تأريخ الكثير من الأبحاث في هذا الكتاب، وتتبُّع جذورها وعصر ظهورها من الناحية التاريخية. الأمر الذي يُساعد على إيضاح المسائل، ولا سيَّما إذا لم يكن هذا التتبُّع للجذور من طرفٍ واحد، بل يُنْظَر فيه إلى رأي المخالفين أيضاً، وهذا هو المنهج الذي تمّ اتّباعه في كتاب «إضاءات».

وفي معرض تحليل مسألةٍ ما والتنظير بشأنها تمّ العمل على تبويب أدلّتها ومعطياتها التاريخية والفكرية والحديثية باختصارٍ، ثمّ يُصار إلى تحليلها ومناقشتها والاستنتاج منها واحدةً واحدة.

ومن بين الأساليب المتَّبعة في هذا الكتاب الطرح التفصيلي للأبحاث، وإحالتها إلى فرصةٍ أخرى، مع اقتراح دراستها دراسة قرآنية وروائية وكلامية وتاريخية معمَّقة.

لقد سعى المؤلِّف في مختلف مواضع الكتاب إلى الإجابة عن السؤال المطروح، إلاّ أن الوقت لم يُسْعِفْه في بعض الأحيان ـ على ما يبدو ـ، وشعر بأن ضيق الوقت لا يسمح له بالخوض في جميع أبعاد الموضوع، ومع ذلك لم يترك السائل دون الحصول على الإجابة، ولو عن جزءٍ من سؤاله. وفي بعض الأحيان نجده بعد تقديم التوضيح التفصيلي بشأن مباني وأبعاد السؤال، كما هو الحال بالنسبة إلى تعيين الأعلم في هذا العصر، يعتذر للسائل من عدم توصُّله إلى نتيجةٍ حاسمة في هذا الشأن.

لقد تجنَّب المؤلف الدخول في المهاترات الكلامية السائدة، وترفَّع عن اتخاذ موقف مَنْ يحتكر الحقّ لنفسه، أو السعي إلى إسكات المخالف له في المذهب، أو إفحامه علميّاً. إن التواضع والمنطق هو الطاغي على هذا الكتاب. وقد ذكر في موضعٍ من الكتاب جواباً عن رسالة توجَّه بها أحد علماء السنة إلى «عقلاء الشيعة» يدعوهم فيها إلى التفكير مليّاً في الوجود الفعلي للإمام المهدي×، قائلاً له: «ليس بهذه الطريقة يوجَّه الخطاب لعقلاء الشيعة؛ لأن (عقلاء) الشيعة يُفترض أنهم يعملون بمنطق (العقلاء)، ومنطق العقلاء هو منطق الاحتكام إلى الدليل… [وعليه] فلنُعْطِ لكلّ إنسان حقَّه في تبنّي العقيدة التي عنده، ونناقشه بطريقة علمية ومنهجية وبحثية هادئة». ثمّ استطرد قائلاً لذلك العالم: «أمدُّ يدي إليك (وأمثالك)؛ كي نقف معاً في مواجهة موجات العصبية القاتلة… ولنكن جاهزين للإقرار بأخطائنا جميعاً، وليتحمّل كلّ واحدٍ منا السياط التي ستأتيه من أبناء مذهبه نتيجة لذلك»([5]).

لقد سعى المؤلِّف في هذا الكتاب ـ بوصفه عالماً شيعياً متمسِّكاً بعقيدته ـ إلى إضفاء طابعٍ علمي وتحقيقي على إجاباته، وعمل في إطار الاجتهاد المتداول في حقل التفكير الشيعي على إظهار الحقيقة والواقعية للسائلين. وربما اشتمل هذا الكتاب على ما يخالف التقليد السائد في المجتمع، وهو أمرٌ مقبول، وهذه هي طبيعة كلّ عمل تحقيقي، بَيْدَ أن الواضح من كتابته أنه لا يسعى إلى إثارة المعارك والنزال والدخول في جَدَلٍ عقيم، بل انصبّ كلُّ جهده ـ في هذا الفضاء الملبّد بالدخان والسموم، والزاخر بأزيز رصاص الفتنة والتكفير من جميع الجهات ـ من أجل العثور على نفق يوصله أو يقرِّبه من الحقيقة، وأن لا يكون ما يقوم به جهداً عقيماً آخر يفتح باباً جديداً للمواجهة والنزاع.

نادراً ما نشاهد في هذا الكتاب فرضيات مسلّمة، وأصولاً وقواعد ثابتة. فلا وجود لأسئلة قائمة على مسلَّمات تعتبر في بعض الأحيان قطعيّة في مواضع أخرى. إنما سعى الكاتب إلى إقناع أولئك الذين لا يؤمنون بشيءٍ على نحو القطع واليقين، أو أن يعرِّفهم على ذلك الشيء في الحدّ الأدنى.

من الواضح جدّاً أن الأسئلة من هذه الزاوية تبدو مختلفة. فالبعض عبارةٌ عن أسئلة فقهية يجب أن تحدِّد وظيفة المكلَّف، بَيْدَ أنه لم يكْتَفِ بذكر الفتوى، وإنما كان من المهمّ له أن يعمل على توجيه ذهن القارئ إلى قبول المسألة. ومن هنا قد تطول الإجابة أحياناً على مسألة بسيطة، حيث يتجاوز حدود الإجابة الفقهية البسيطة، وينتقل إلى ضفاف تحليل مباني تلك المسألة، ويصل حتّى إلى فلسفة الحكم أيضاً. وقد يضطرّ أحياناً ـ في معرض تقديم الإجابة الشافية والواضحة عن سؤال ـ إلى التحقيق في المباني الكلامية واللغوية والأصولية. فعلى سبيل المثال: عندما سُئل عن التناقض الذي يبدو بين قوله تعالى: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ (لقمان: 34) وبين علم الانتحاري بموته عمد سماحته إلى تخصيص عدّة صفحات للبحث بشأن لغة القرآن؛ لكي يوضّح المباني اللغوية لهذا النوع من البيان القرآني؛ كي يدرك القارئ مراد القرآن بوضوحٍ. وفي هذا الفضاء قد يتعرَّض أحياناً إلى آراء المخالفين، وردّها أيضاً.

وعلى الرغم من رعاية المؤلِّف للاحتياط العلمي من جهةٍ، وتوظيف ذكائه الخاصّ في تجنُّب استعمال العبارات الاستفزازية من جهةٍ أخرى، إلاّ أنه كلما توصّل إلى رأيٍ خاصّ عبَّر عنه بصراحةٍ تامّة، حتّى إذا كان لا يعجب البعض. فإنّ نتيجة البحث والتحقيق وما تفرزه الأدلة هو الأهمّ عنده من كلّ شيءٍ آخر. وبذلك يكون المؤلف قد أثبت شجاعته العلمية وحُرِّيته الفكرية.

تعتبر رعاية الأدب والاحترام من خصائص هذا الكتاب. ولكنّه مع ذلك لم يتردَّد في نقد الآراء. بل إن هذا الكتاب زاخرٌ بالنقد العلمي البعيد عن العصبية، والمتَّسم باحترام آراء الآخرين وشخصيّاتهم. لقد تمّ ذكر آراء المفكِّرين المسلمين المعاصرين والمجدِّدين والمختلفين في الرأي، من أمثال: محمد عابد الجابري، وأحمد الكاتب، وعلي الوردي، وعالم سبيط النيلي، ومصطفى مَلَكْيان، وعبد الكريم سروش، وعلي شريعتي، وغيرهم، مع بيانها في مختلف المناسبات، وردّها صراحة في بعض الموارد. ولا يقتصر ردّ الآراء على هؤلاء، بل إن آراء الفقهاء والمفسِّرين الكبار، من أمثال: صدر المتألهين، والسيد الخوئي، والعلامة الطباطبائي، والأستاذ المطهري، تحظى باهتمام المؤلِّف في هذا الكتاب، حيث تمّ طرح منهجية علماء من أمثال: العلامة الطباطبائي، ونقد بعض آرائه، مثل: برهانه في كتاب بداية الحكمة في توحيد الله.

وبالتوازي مع تحليل المسائل ونقد الآراء عمد سماحته إلى تحليل وتقييم مختلف الكتب، من قبيل: «الكافي»، و«مفاتيح الجنان»، و«الملحمة الحسينية»، و«دروس تمهيدية في تاريخ علم الرجال عند الإمامية» أيضاً.

يكمن سرّ نجاح المؤلِّف في أنه لم يحشر نفسه في إطارٍ خاصّ.

فأوّلاً عمد إلى الاستفادة من كلّ فكرة في دائرة نشاطه. فعلى سبيل المثال: نجده من بين الفقهاء قد تحدّث عن السيد البروجردي، والسيد الخوئي، والسيد الخميني، والسيد الگلپايگاني، وصولاً إلى الشيخ المنتظري، والسيد صادق الروحاني، والسيد صادق الشيرازي، والشيخ الجناتي، والسيد الشهيد محمد باقر الصدر، والسيد محمود الهاشمي الشاهرودي (أستاذ المؤلِّف)، والشيخ مكارم الشيرازي، والسيد محمد حسين فضل الله.

كما تحدّث عن المستنيرين من أمثال: الدكتور علي شريعتي، وأخضع آراءه بشأن الموضوع مورد البحث للتقييم العلمي.

وثانياً: لم يكْتَفِ بذلك، بل أحال إلى كتب منظِّرين، من أمثال: الشيخ محمد مهدي شمس الدين، ومحمد إقبال اللاهوري، والشيخ مرتضى المطهري، ومحمد عبده، ورشيد رضا، ومحمد رضا الحكيمي، والشيخ محمد جواد مغنية، ومحمد الغزالي، والسيد موسى الصدر، والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، والسيد محسن الأمين، والمهندس مهدي بازرگان.

يعمل سماحته على توظيف جميع الآراء والجهود العلمية؛ ليخرج من خلالها برأيٍ، واكتشاف بُعْد من أبعاد المعرفة والفكر والعقيدة الإسلامية. إن المؤلِّف؛ من خلال تحشيد الآراء، يعمل ـ بالإضافة إلى بيان أبعاد المسائل والاختلاف الموجود فيها ـ على توظيفها من أجل تحليل المسائل بشكلٍ دقيق، كما أنه يرى في ذلك احتراماً لها، ولا يعتبر مجرَّد نقلها تأييداً لها؛ إذ يقول ما نصّه: «إن احترام الأفكار لا يعني تصويبها»([6]).

إن مقدرة المؤلِّف وشجاعته وسعة صدره ملحوظةٌ، ويمكن مشاهدتها بوضوحٍ في جميع مواضع هذا الكتاب. كما اعترف بذلك بعض المستخدمين والسائلين أيضاً. ومن ذلك قول بعض السائلين: لقد كان في اكتشافي لشخصكم الكريم ما أعتبره نعمة كبيرة، أن وجدنا فيكم المحاور الهادئ، والصدر الرحب الذي يتَّسع لأبسط الأسئلة من ناحيةٍ، أو أكثرها جرأةً من ناحيةٍ أخرى، ونكبر لكم دوركم الفذّ في نشر ثقافة التسامح والعقلنة في زمن تعالَتْ فيه أصوات الغلوّ والتطرُّف وإقصاء الآخر»([7]).

وباختصارٍ يُعتبر هذا كتاب «إضاءات في الفكر والدين والاجتماع» كتاباً قيّماً للباحثين، سواء من الناحية الأسلوبية أو المضمونية أو الصورية.

 

الهوامش

 

(*) كاتبٌ في الحوزة العلميّة في قم، وطالبٌ على مستوى الدكتوراه في فرع الفلسفة، وباحثٌ ومدرِّس، في كلِّيّة القرآن والحديث.

([1]) يُشار إلى أن الكتاب أصبح الآن خمسة أجزاء (المترجِم).

([2]) إضاءات في الفكر والدين والاجتماع، ج4، المقدّمة.

([3]) إضاءات في الفكر والدين والاجتماع 2: 190.

([4]) هذا البحث ورد ضمن القسم الأوّل (الفلسفة والعقائد والعرفان)، من الجزء الثاني، وليس ضمن القسم الثاني (علوم القرآن والحديث). المعرِّب.

([5]) انظر: إضاءات في الفكر والدين والاجتماع 2: 85 ـ 88.

([6]) إضاءات في الفكر والدين والاجتماع 2: 38.

([7]) المصدر السابق 3: 96.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً