أحدث المقالات

دراسةٌ نقديّة في استخدام العنف

ترجمة: السيد حسن مطر الهاشمي

    مقدّمة

ثمّة في الفقه الكثير من العناوين، من قبيل: النهي عن المنكر، وإنكار المنكر، وتغيير المنكر، ودفع الفساد، ورفع الظلم، والحدود والتعزيرات. ولكلّ واحد من هذه العناوين آليات خاصّة وشروط معيّنة. وبالنظر في الروايات وكلمات الأصحاب ندرك اختلاف كلّ واحد من هذه العناوين عن غيره بشكلٍ واضح. وقد تمّ سنّ ما يضارع هذه العناوين في القوانين الوضعية الراهنة في الدول الأخرى من قبل العقلاء والعلماء المختصّين بالقانون.

ومع ذلك، فقد تمّ الخلط في بعض الكتب بين هذه العناوين، ووقع الاشتباه في شروطها وجزئياتها، الأمر الذي خلّف بعض التبعات. فأين يكمن هذا الخطأ؟ ربما أمكن القول بأنّ جذور هذا الخلط تعود إلى عدم الدقّة الكافية في التعبيرات الواردة في النصوص والروايات.

إنّ الخطأ في تحديد مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من الموارد التي أدّت إلى تعطيل أحد أهمّ الوظائف العامة والفرائض الإلهية. وعلى الرغم من أهمية هذه الوظيفة ومكانتها الرفيعة والجوهرية فقد كان لها تاريخيّاً مسارٌ نزوليٌّ.

إنّ هذا الواجب الذي شكّل قاعدةً لحركة جميع الأنبياء والصالحين والأخيار من الناس، ممَّنْ يريدون الخير للعالم، وكان مفهومه واضحاً في هذه الفريضة، حيث يتلخّص في الدعوة إلى الأعمال الحسنة، والتحذير من التورّط في الأمور السيّئة، مع ذلك فقد تنزَّلت هذه الفريضة إلى تفسيرها بحركة سطحية ضحلة، تتلخّص بالتعرّض للناس بالضرب والجرح في الأزقّة والشوارع. إنّ هذه الدعوة، التي قامت على بناء مجتمع متحضّر وتقدّمي، تزيّنه المتانة والحياء، ويكون فيه التراحم والعدل والشفقة والإنصاف صفة المسؤولين، ويدعو نداؤها إلى إحداث ثورة في قلوب المخاطبين ووجودهم وفطرتهم، من خلال التناصح المقرون بالأدب تجاه الآخر، بغية حثّه على سلوك طريق الصلاح والنجاة؛ ليقوم بحمل لواء القسط والعدل، قد تنزَّلت إلى مستوى لا يمكن اعتباره من سيرة الأنبياء ونهجهم في شيء. من هنا فإنّ إعادة البحث والتحقيق في هذا الموضوع الجوهري؛ من أجل الخروج من هذا الخلط، وإعادة مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى نصابها، ضرورةٌ لا يمكن إنكارها.

من هنا، نبدأ البحث من خلال هذا السؤال القائل: هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشمل مرحلة «الضرب والجرح»، أم أنه يقتصر على البيان اللساني والسلوكي الذي لا يرقى إلى استخدام العنف؟

للإجابة عن هذه التساؤلات يبدو من الواجب الرجوع إلى الأدلّة والمستندات المتوفّرة في هذا المجال؛ للكشف عن الظهور العرفي لها؛ ليتم التعرّف على جليّة الأمر، ويتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، والعمل على تقييم الشروط والأحكام الاستنباطية المتعلِّقة بهذه المسألة. لذلك سنتابع مسار البحث ضمن مراحل ليتمّ التوصّل إلى الأبعاد المختلفة لهذا الموضوع.

 

     الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في اللغة

يعني الأمر ـ كما قال علماء اللغة ـ طلب الفعل([1]). والنهي يعني طلب الترك([2]). وعليه يكون الأمر طلباً قوليّاً. وقد ذهب صاحب الجواهر& إلى أنّ مقتضى ظاهر لفظ «الأمر والنهي» هو الطلب اللساني والشفهي([3]). وفي المقابل ذهب العلامة الطباطبائي& في تفسير قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ (النساء: 37) إلى القول: «أمرهم الناس بالبخل إنّما هو بسيرتهم الفاسدة، وعملهم به، سواء أمروا به لفظاً أو سكتوا، فإنّ هذه الطائفة؛ لكونهم أولي ثروةٍ ومال يتقرَّب إليهم الناس، ويخضعون لهم؛ لما في طباع الناس من الطمع. ففعلهم آمرٌ وزاجرٌ، كقولهم»([4]).

كما فسّرت كلمة «المعروف» و«المنكر» في اللغة على النحو التالي:

«والمعروف اسمٌ لكلّ فعل يُعرَف بالعقل أو الشرع حسنُه»([5]).

«والمنكر كلُّ فعل تحكم العقول الصحيحة بقبحه»([6]).

والنتيجة أنّ الأمر والنهي في اللغة يعني طلب الفعل وطلب الترك. وبناءً على مقتضى الظاهر من لفظ الأمر والنهي فإنّ الطلب إنما يتمّ التعبير عنه بـ «الأمر» إذا كان شفهياً ولفظياً. من هنا فإنّ «الأمر بالمعروف» يعني المطالبة بالأمور الحسنة من الناحية العقلية والشرعية، و«النهي عن المنكر» يعني الردع أو طلب ترك الأمور القبيحة.

أما التهديد والضرب والحبس والجرح والإيلام والقتل فهي أمورٌ خارجة عن شمول معنى الأمر والنهي لها، وإنْ كان من الممكن ـ بالالتفات إلى القرائن والشواهد ـ إطلاق الأمر والنهي على عمل وأسلوب وسيرة الفرد، على غرار إطلاقهما على اللفظ والقول، كما ذهب إلى ذلك العلاّمة الطباطبائي في تفسير الآية 37 من سورة النساء، كما تقدّم، حيث فسّر العمل والأسلوب بأحد معاني الأمر، كما هي الحال بالنسبة إلى اللفظ.

ولإثبات مدّعانا هذا نتمسّك بالأدلة التالية:

 

    الدليل الأوّل: ظهور لفظ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

إنّ ظهور عبارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواردة في النصوص لا تدلّ على أكثر من التلفّظ والأمر والنهي اللساني والشفهي. وهذا ما أقرّ به صاحب الجواهر أيضاً، حيث قال ما معناه: إنّ مقتضى الأمر والنهي لا يعدو الطلب القولي، وأما ما يتعلّق بالضرب والجرح من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو مستفاد من كلمات الأصحاب وفتاواهم، وليس من مادّة الأمر والنهي ودلالتهما اللفظية، قال: «إذ لا يخفى على مَنْ أحاط بما ذكرناه من النصوص وغيرها أنّ المراد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحمل على ذلك، بإيجاد المعروف، والتجنّب من المنكر، لا مجرَّد القول، وإنْ كان يقتضيه ظاهر لفظ الأمر والنهي»([7]).

ثم أخذ بنقل الروايات([8]) التي لا يستفاد منها أكثر من الطلب القولي والعملي والتماس الخير، ولا تشمل العنف والتهديد والضرب والشتم. وبالتالي يصرّح بأنه لم يتوصَّل إلى اعتبار الضرب من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلاّ من خلال الأدلّة والفتاوى وكلمات الأصحاب، فيقول: «لكن ما سمعته من النصوص والفتاوى الدالّة على أنّهما يكونان بالقلب واللسان واليد»([9]).

ومن الجدير بالذكر أننا سنعمد في ما يلي إلى إقامة الأدلّة على عدم صحّة استنتاجه الأخير هذا.

 

    الدليل الثاني: سياق الآيات الكريمة

إنّ سياق الآيات الواردة في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي تدعو إلى جانب ذلك عامّة المسلمين إلى الاتّحاد ونبذ الخلاف، يفهم منه أنّ «الضرب والجرح» لا يمكنه أن يدخل في أيّ مرتبة من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يؤدّي القيام به إلى تأليف القلوب، والتأسيس لقواعد الرفق والمحبة والمودّة في المجتمع.

توضيح ذلك: إننا إذا قلنا بأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الوارد في الآيات يشمل مرحلة الضرب والشتم أيضاً فسوف نحصل على أمرَيْن متناقضين في آية واحدة، أو آيتين متجاورتين. وهذا يضرّ بوحدة السياق، ويخلّ بفصاحة الكلام. وبناءً على رأي المشهور الذي يعتبر الضرب والشتم من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتمّ تفسير هذه الآيات بهذا الشكل: ادعوا الآخرين إلى فعل الخير بشتى الوسائل والطرق، ولو بالقتل والضرب والتهديد ـ الذي يؤدّي بطبيعة الحال إلى الأحقاد والأذى والكراهية ـ، وفي الوقت نفسه تعايَشوا بمحبّة وألفة واتّحاد، وانبذوا الفرقة والخلاف!

لا شكّ في أنّ الحكيم لا يَسَعُه أن يتفوَّه بمثل هذا الكلام، الذي يناقض بعضه بعضاً. وهذه حقيقةٌ لا تخفى على مَنْ يتدبَّر في أساليب القرآن الكريم.

وفي ما يلي نتعرّض إلى بعض هذه الآيات، ونترك الحكم بشأنها إلى الطبع السليم، وهي:

1ـ الآية 103 و104 من سورة آل عمران: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾.

فالله سبحانه وتعالى يدعو في هذه الآيات المسلمين ويأمرهم بالاتحاد، واستذكار نِعَم الله عليهم. وكما قال العلاّمة الطباطبائي في معرض تفسيره لهذه المقاطع: «إنّ النعمة المندوب إليها هي نعمة الاتّحاد والاجتماع؛ لما شاهدتموه من مرارة العدواة وحلاوة المحبّة والألفة والأخوّة، والإشراف على حفرة النار والتخلّص منها»([10]). وعليه تشبَّثوا بـ «حبل الله»، ولا تفرِّطوا فيه.

وهنا نترك الحكم لكم؛ كي تجيبوا عن هذا السؤال القائل: أيُّ حكيم يمكنه التعقيب على هذه الآية، التي ترشح بالدعوة إلى الودّ والمحبة والأخوّة واجتناب نار الخلاف، ليأمر بعد ذلك مباشرةً باستخدام كافّة الوسائل ضدّ مَنْ يرتكب خطأً، حتّى إذا توقّف ذلك على الضرب والجرح وأنواع الإساءات الأخرى.

كيف يتمّ الجمع بين الأمر بالاتّحاد وبين ما يلزم منه الاختلاف ويثير الأضغان والأحقاد؟! هل ينسجم هذا الكلام مع سياق الآيات، أم الأنسب أن يقال: إنّ الآية في مقام بيان التالي: حيث بلغتم هذه الدرجة بنعمة الإسلام انبذوا الخلاف، واْمُروا بالمعروف، وانْهَوا عن المنكر، واسألوا الخير لبعضكم بعضاً، بالقول والعمل، وادْعوا فاعل المنكر وتارك المعروف بشكلٍ لا يؤدّي إلى الفرقة والاختلاف.

من هنا، وبالالتفات إلى سياق الآيات السابقة والتالية، لا يمكن أن نفهم من «الأمر» مطلق إجبار الفرد على المعروف، ولا يمكن أن يستفاد من «النهي» ترك المنكر بشتى الأساليب.

وقد اشتهر أنّ أعرابيّاً سمع شخصاً يقرأ القرآن، فأخطأ في تلاوة بعض آياته، حيث قرأ ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ [وَاللَّهُ غَفُورٌ حَكِيمٌ]﴾، فقال له الأعرابي: لقد أخطأتَ في تلاوة الآية، حتَى أعادها على صورتها الصحيحة، باستبدال «غفورٌ حكيم» بـ «عزيزٌ حكيم»: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (المائدة: 38)، فقال القارئ لذلك الأعرابي: هل تحفظ القرآن؟ فأجابه: كلا، ولا أحمل قرآناً، ولكنَّني أعرف أساليب الكلام ومنهج القرآن، وأدرك أنّ الذي يأمر بقطع يد السارق لا يعقِّب على ذلك باللين والمغفرة، بل بالحزم والعزّة والشدّة! لذلك فإنّ سياق الآيات يُفهم منه أنّ لفظ «الأمر» حتّى إذا صلح لشمول الضرب والشتم ـ وهو ليس كذلك ـ فإنّه في هذا المورد بالخصوص لا يمكن أن يكون شاملاً لذلك.

2ـ الآية 110 من سورة الأعراف: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ﴾.

إنّ هذه الآية، الواردة بعد الآيات السابقة، تحمل سياقاً مشابِهاً لها، بمعنى أنّها تدعو إلى الوحدة، وتحذِّر من مغبّة التفرقة والخلاف: ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ﴾ (آل عمران: 105). ثم تتعرّض إلى مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتأمر بالالتزام بهذه الفريضة. وإنّ وحدة السياق ـ على ما مرّ بيانه ـ دليلٌ واضح ومحكم على إثبات هذا المدَّعى. فليس المراد هو الأعمّ من تطبيق هذه الفريضة، حتّى ولو بممارسة الضرب والشتم والجرح والتهديد وأنواع العنف الأخرى.

3ـ الآية 157 من سورة الأعراف: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ…﴾.

ولا بدّ من الالتفات إلى عددٍ من النقاط في هذه الآية المباركة، وهي:

الأولى: لا شكّ في أنّ أوصافاً من قبيل: ﴿النَّبِيَّ﴾، و﴿الأُمِّيَّ﴾، و﴿الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ﴾ كلّها تعود إلى شخص النبيّ الأكرم وحده، ولا يشاركه فيها غيره. وإنّ المهام التالية، من قبيل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بقرينة هذه الأوصاف، هي من مهامّ شخص النبيّ وحده. وهو الذي يحلّ ويحرِّم؛ لأنّ هذه الأمور تدخل في نطاق التشريع، ولا شكّ في أنّ النبي مخوَّل من قبل الله سبحانه وتعالى بالتشريع. ومن ناحيةٍ أخرى فممّا لا شكّ فيه أنّ النبيّ الأكرم| هو وحده الذي يستطيع ـ من خلال الحجّة والمنطق ـ القيام بهذه المهامّ العظيمة بالبيان والدعوة إلى الخير، الذي هو من أهمّ أسس العملية التبليغية التي يقوم بها الأنبياء. وإنّ سرّ إعجاز النبيّ الأكرم| يكمن في توظيف هذا النهج والأسلوب. كما قام الإمام الخميني& لوحده، متأسّياً بالنبيّ الأكرم|، بتوظيف هذا الأسلوب، وقاد الثورة، وتوّجت جهوده بالنصر. ومن الواضح أنّه من خلال توظيف الضغط والتهديد والتخويف لا يتحوّل هذا العمل إلى معجزة لا يمكن إلاّ للنبيّ الأكرم أن يقوم بها، بل يمكن تحقيقها على يد الآخرين أيضاً.

الثانية: جاء في الكتب اللغوية أنّ كلمة «إصر»([11]) تعني الشدّة والضيق، و«الأغلال»([12]) جمع «غُلّ»، وهي السلسلة التي يقيّد بها الأسير أو السجين والمعتقل. ومن الواضح أنّ رفع الإصر والغلّ الوارد في الآية الكريمة لا يمكن أن يتأتّى من خلال «الضرب والجرح» في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنّ الأمر بالمعروف بهذه الطريقة هو في ذاته عنفٌ وقسوة وشدّة! إذاً لا يمكن القول؛ بقرينة صدر الآية وآخرها، بأنّ المراد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو غير القول والعمل الصالح من قبل نفس الآمر، دون اللجوء إلى الإكراه والضغط والقسوة والضرب والجرح.

4ـ الآية 71 من سورة التوبة: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ﴾.

إنّ كلمة «ولي» لغةً تعني الدعم والحماية والنصرة المقرونة بالمحبّة والصداقة([13]). أي إنّ المؤمنين أحبّاء لبعضهم. ولذلك فإنّهم يريدون الخير لبعضهم بعضاً، ويأتمرون بالمعروف، ويتناهون عن المنكر، على أساسٍ من هذه المودّة والمحبّة. ومن الواضح أن الولاية المقرونة بالرفق والمحبة لا تنسجم مع الضرب والجرح والإيلام، بل لا تكون إلاّ من خلال العطف والصداقة، والإعلان العملي عن هذا الأمر للشخص المقابل، وذلك بأسلوب يجعل الآخر يطمئنّ ويوقن بأنّ الآمر يريد خيره وصلاحه.

     الدليل الثالث: الاستعمال العرفيّ لكلمة الأمر

من الأدلّة الأخرى على أنّ الأمر لا يشمل الضرب هو أنّ الأمر لم يوضع في اللغة للدلالة على الضرب، ولا يُفهم ذلك من العرف أيضاً.

أمّا في ما يتعلّق باللغة فلوضوح أنّ كلمة الأمر ـ على ما مرّ بيانه ـ لم توضع لغير طلب الفعل.

وأمّا في الاستعمالات العرفيّة فكذلك لم يرِدْ استعمالها بهذا المعنى؛ لأننا إذا شاهدنا رجلاً يضرب آخر، وسألناه: ماذا تفعل؟ فأجاب بأنه يأمره، لن تكون إجابته متناسبة وسؤالنا، بل يمكنه أن يقول: «أضربه ليعمل بأمري». والأمر هنا يكون مستعملاً في الضرب من باب إطلاق المسبّب على السبب. كما لم يرِدْ في أيّ آية أو رواية استعمال الأمر بمعنى الضرب.

 

     الدليل الرابع: انصراف أدلّة الواجبات عن المحرّمات

توضيح ذلك: لو افترضنا جدلاً ظهور لفظ «الأمر» في الضرب والجرح أيضاً، فإنه؛ حيث تنصرف أدلّة الواجبات عن المحرّمات ـ كما تنصرف أدلة المستحبّات عن المحرّمات ـ، لا تكون شاملة لها.

ووجه الانصراف أنّ العقلاء يرَوْن في شمول الإلزام والإيجاب القانوني والشرعي للمورد الذي يعدّ ارتكابه ممنوعاً من الناحية القانونية والشرعية خلافاً للحكمة، بل يرونه قبيحاً؛ لأنّه ـ بغضّ النظر عن كونه إشاعة للمعصية والحرام ـ شرٌّ، والنار لا تطفئ النار. وإنّ هذا الانصراف أوضح بكثير من انصراف أدلة المستحبّات عن أدلة المحرّمات. فمثلاً: لو قال الشارع: «أكرِمْ الضيف ولو كان كافراً» فمن الواضح أننا لا نستطيع التمسّك بهذا الإطلاق لنستقبل الضيف الكافر بأنواع الخمور وما إليها من المنكَرات؛ لأنّ إطلاق دليل الإكرام ينصرف عن هذا النوع من الإكرام المحرَّم، الذي لا يرضى به الشارع قطعاً.

ويجري هذا الشيء في ما يتعلَّق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضاً، أي إنّ الدليل الذي يقول بأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبٌ، وإنْ كان فيه ظهور بدويّ في جميع أنواع الأمر القولي والسلوكي، حتّى الإلجاء بالضرب والجرح، ولكنّه منصرفٌ قطعاً عن الأنواع المحرَّمة منه، وهو المتمثِّل بالضرب والجرح وغيرهما من الأساليب المحرَّمة، إلاّ في الموارد التي يقوم فيها دليلٌ قاطع على جواز الضرب والجرح.

وقد أشار الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان إلى بعض هذه الأدلّة، التي لا يخلو نقلها من الفائدة. فقد قال في هامش عبارة العلاّمة في الإرشاد، في بحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي يقول فيها: «ولو افتقر إلى الجراح أو القتل افتقر إلى إذن الإمام على رأيٍ»، قال: «هذا هو المشهور. ويشعر ما نقل في المنتهى([14]) عن الشيخ بالإجماع. ونقل الجواز بغير إذنه عن السيد المرتضى، والشيخ الطوسي في التبيان([15]) أيضاً. وهو عندي قويٌّ».

ثم استطرد قائلاً بعد بيان دليل السيد المرتضى([16]) على عدم الحاجة إلى إذن الإمام في مرحلة الجرح: «هذا [عدم الحاجة إلى إذن الإمام] صحيحٌ لو سلّم وجوب المنع بما أمكن مع الشرائط. والدليل عليه واضحٌ. ودليل الأمر والنهي لا يدلّ عليه؛ لأنّ الجرح والقتل ليسا بأمرٍ ولا نهي. دليلهما على أكثر من ذلك غير ظاهر. وليس العقل مستقلاًّ، بحيث يجد قبح المنكر الواقع، وحسن الجرح والقتل لدفعه. والأصل عدم الوجوب. بل لا يجوز الإيلام [الذي هو أقلّ من الضرب والجرح] إلاّ بدليلٍ شرعي؛ لقبحه عقلاً وشرعاً. بل لو لم يكن جوازهما بالضرب إجماعيّاً لكان القول بجواز مطلق الضرب بمجرّد أدلّتهما المذكورة مشكِلاً»([17]).

تجدر الإشارة هنا إلى مسألة قالها الأردبيلي&، وهي أنّ إثبات جواز الضرب والجرح بأدلّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشكِلٌ. والظاهر أنّ مراده هو أنه إذا أمكن لشخص أن يُثبت هذا الأمر من أدلّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمكن للضرب والجرح أن يكوناً مرتبةً من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تكون هناك حاجة إلى إثباته بأدلّة أخرى. ولكنْ بالنظر إلى ما أشرنا إليه في الصفحات السابقة، من أنه حتّى لو افترضنا جدلاً أنّ الضرب والجرح يستفاد من مادّة الأمر والنهي، نقول: إنّ أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنصرف عن هذه المرتبة، ولا يمكن أن تكون شاملةً لها؛ وذلك لأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُراد منه توحيد الأمة وإشاعة المحبّة والمودة بين الناس، وهذا ما قام عليه أساس حكومة الأئمّة^.

وممّا يؤيِّد هذا المطلب رواية عمّار بن أبي الأحوص، عن الإمام الصادق×: «إنّ الله وضع الإسلام على سبعة أسهم: على الصبر، والصدق، واليقين، والرضا، والوفاء، والعلم، والحلم. ثمّ قسّم ذلك بين الناس. فمن جُعل فيه هذه السبعة الأسهم فهو كاملٌ مكتمل، ثمّ قسّم لبعض الناس السهم، والسهمين… فلا تحملوا على صاحب السهم سهمين، ولا على صاحب السهمين ثلاثة أسهم، ولا…، فتثقلوهم وتنفروهم، ولكنْ ترفَّقوا بهم، وسهِّلوا لهم المدخل…. أما علمت أنّ إمارة بني أميّة كانت بالسيف والعسف والجور، وأنّ إمامتنا بالرفق والتألُّف والوقار والتقيّة وحسن الخلطة والورع والاجتهاد، فرغِّبوا الناس في دينكم، وفي ما أنتم فيه»([18]).

من هنا فإنّ أدلّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تشمل أيّ نحوٍ من أنحاء التصرُّف في حقوق الآخرين، وإيلامهم، وإيذائهم، وتضييع حقوقهم، بل تخصّ مجرّد الدعوة إلى المعروف وطلب ترك المنكر، بحيث لا يتزاحم مع حقوق الآخرين. وإنّ مسألة «الضرب باليد» الواردة في عبارات الأصحاب، بوصفها مرحلة من مراحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا تنسجم مع الظهور اللفظي للأمر والنهي. وعلى افتراض شمول اللفظ لها فإن انصراف الأدلّة عن هذا النوع من الأمر والنهي ثابتٌ؛ لأنّ الأصل في باب التصرُّف في حقوق وشؤون الآخرين ـ بسبب بناء العقلاء، والحكم العقلي بقبح التصرّف في حقوق الآخرين ـ يقوم على عدم الجواز، وهو بناءٌ قائم حتّى في زمن المعصومين^، ولم يرِدْ ردعٌ عنه من قبلهم. وكما قال الآخوند الخراساني في الكفاية([19]) ـ وهو محِقٌّ في قوله ـ: كلّ بناءٍ حجّة، ما لم يُحرَز الردعُ عنه.

وقد يقال: إنّ الردع قد صدر، ولكنّه لم يصِلْ إلينا.

والجواب، كما كان الإمام الخميني& يقول مراراً وتكراراً: إذا أراد الشارع أن يردَع عن بناء عقلائيّ وجب أن يكون الردع بحيث لا يبقى معه أيّ مجال للشبهة والتشكيك في صدوره؛ إذ لا يمكن الردع والمنع من بناء العقلاء بعمومات معارضة بعمومات أخرى، بل لا بدّ من أن يحصل الردع بظواهر ونصوص خاصّة، كما حصل بالنسبة إلى الردع عن القياس، حتّى قيل: «إنّ الشيعة يُعرَفون بترك العمل بالقياس».

وعليه، يثبت أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس سوى طلب الفعل وطلب الترك، دون إيذاءٍ وإيلام. وحتى التعبيس المعبِّر عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا أدّى إلى إيذاء الآخرين لا يكون جائزاً. وتكون الأدلّة المذكورة تامّة.

لكنْ حيث كان المبنى المذكور يحتوي على فهمٍ جديد في ما يتعلّق بهاتين الفريضتين وجب علينا في دعم هذا المبنى أن نستعين ببعض الوجوه، من قبيل: سيرة الأئمّة الأطهار^ في أسلوب حكمهم، وطريقتهم في التعامل مع الناس. وسنذكر أيضاً الآيات والروايات الواردة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بالإضافة إلى عبارات الفقهاء:

الوجه الأوّل: سيرة ونهج الأئمّة في اجتذاب الناس ودعوتهم إلى الدين: وقد تمّ التصريح بهذا المعنى في رواية عمّار بن أبي الأحوص، عن الإمام الصادق×، التي تقدّم ذكرها([20])، حيث قال الإمام× فيها: «إنّ إمارة بني أمية كانت بالسيف والعسف والجور، وإنّ إمامتنا([21]) بالرفق والتألّف والوقار والتقية وحسن الخلطة والورع والاجتهاد».

وقد جاء هذا المعنى أيضاً في الزيارة الجامعة الكبيرة في التعريف بالأئمّة الأطهار، حيث تقول: «عادتكم الإحسان، وسجيّتكم الكرم، وشأنكم الحقّ والصدق والرفق».

وفي موضع آخر يقول في مورد الأسير: «فإنّه ينبغي أن يُطعَم ويُسقى، ويُرفَق به، كافراً كان أو غيره».

الوجه الثاني: الروايات التي ساقها المحدِّثون في أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ويمكن الخدشة في كلّ واحدة منها. ولكنْ يمكن الاستنتاج من مجموعها أنّ المحدثين قد فهموا هذه المسألة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو أنّهم في الحدّ الأدنى أدركوا أنّ المعنى الظاهر والمصداق البارز هو هذا المعنى. ومن هنا عمدوا إلى جمعها وإدراجها تحت عنوان «وجوبها وتحريم تركها». وفي ما يلي نشير إلى بعض هذه الروايات:

1ـ عن السكوني، عن أبي عبد الله×، عن آبائه، قال: قال رسول الله|: «والذي نفسي بيده، ما أنفق الناس من نفقة أحبّ من قول الخير»([22]).

2ـ عن أبي الحسن الإصفهاني، عن أبي عبد الله×، قال: «قال أمير المؤمنين×: قولوا الخير تُعرَفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله»([23]).

3ـ قال رسول الله|: «رحم الله مَنْ قال خيراً فغنم، أو سكت على سوء فسلم»([24]).

4ـ عن السكوني، عن أبي عبد الله×، عن آبائه، عن عليّ×، قال: قال رسول الله |: «مَنْ أمر بمعروفٍ، أو نهى عن منكرٍ، أو دلّ على خير، أو أشار به، فهو شريكٌ؛ ومَنْ أمر بسوء، أو دلّ عليه، أو أشار به، فهو شريكٌ»([25]).

وكما ترى فإنّ سياق هذه الروايات هو سياق المماشاة والقول والعمل الصالح والليّن، وليس الضرب باليد والسيف.

5ـ قال أبو عبد الله×: «إنّما يؤمر بالمعروف ويُنهى عن المنكر مؤمنٌ، فيتَّعظ، أو جاهلٌ، فيتعلَّم. فأمّا صاحب سوط أو سيف فلا»([26]).

6ـ عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله×، أنّه قال: «كان المسيح× يقول: وليكن أحدكم بمنزلة الطبيب المداوي، إنْ رأى موضعاً لدوائه، وإلاّ أمسك»([27]).

7ـ عن أبي عبد الله× قال: «إنّما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر مَنْ كانت فيه ثلاث خصال: عالم بما يأمر به، تارك لما ينهى عنه؛ عادل في ما يأمر، عادل في ما ينهى؛ رفيق في ما يأمر، رفيق في ما ينهى»([28]).

وكما هو ملاحظ فإنّ سياق الروايات يؤكِّد على بيان الخير والسلوك المقرون بالرفق واللين، ويحكي عن أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عملية إصلاحية خيّرة، لا تناسب الضرب والشتم وما إلى ذلك.

الوجه الثالث: قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 104).

وتوضيح ذلك: أوّلاً: كما قال صاحب الحاشية على تفسير الكشّاف فإنّ قوله تعالى: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ﴾ تفسيرٌ لقوله: ﴿يَدْعُونَ إلى الْخَيْر﴾. فالدعوة إلى الخير تعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال: «فقد ذكر بعد العامّ فيها جميع ما يتناوله؛ إذ الخير المدعوّ إليه إمّا فعل مأمور أو ترك منهيّ، ولا يعدو واحداً من هذين»([29]).

وفي المقابل هناك من العلماء، أمثال: الزمخشري في الكشّاف، مَنْ ذهب إلى تفسير قوله تعالى: ﴿وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ﴾ بأنه ذكرٌ للخاصّ بعد العامّ، وقال ما معناه: إنّ هذين قسمين خاصّين من الدعوة إلى الخير. وإنّ مادة «دعو» في الاستعمال القرآني تعني النداء إلى العبادة، ولم ترِدْ في معنى الضرب والجرح. وإذا كان «الأمر بالمعروف» عطفَ تفسير على «يدعون إلى الخير» لما دلّ على معنىً مغاير لما فسّر به.

وثانياً: إنّ كلمة «من» في قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ﴾ إمّا زائدة ـ كما احتمل ذلك أبو الفتوح الرازي([30]) ـ أو أنها بيانية ـ على ما ذهب الزمخشري في الكشّاف([31])، واعتبرها صاحب مجمع البيان([32]) أحد الأقوال ـ. وعلى كلّ حال لا يمكن أن تكون «من» للدلالة على التبعيض؛ لأنّ إجماع علماء الإسلام قائمٌ على أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبٌ على الجميع، ولا يثبت وجوبه على بعض دون بعض، وسواء كان وجوبه عينياً أم كفائياً فإنّه ثابتٌ على الجميع ابتداءً، ويجب أن يكون بحيث يمكن القيام به للجميع، والذي يمكن للجميع هو الأمر والنهي القولي، دون الضرب والشتم.

الوجه الرابع: وهو أنّ الشيخ الطوسي تحدَّث في كتاب «النهاية» عن مورد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «اليدوي»، الذي يعتبر واحداً من مراحل الأمر والنهي، فقال: «والأمر بالمعروف يكون باليد واللسان؛ فأمّا اليد فهو أن يفعل المعروف ويجتنب المنكر على وجهٍ يتأسّى به الناس»([33]).

وعليه، وخلافاً لما يتبادر إلى أذهاننا من أنّ الأمر بالمعروف اليدوي يتحقَّق باستعمال القوّة، يرى تحقُّقه في العمل به والابتعاد عن المنكر([34])، وهذا أيضاً مؤيِّد لكون الأمر والنهي ليسا سوى الطلب العملي والقولي. وعلى هذا فإنّ القيام بأعمال الخير داخلٌ في الأمر بالمعروف، كما أنّ ترك الأعمال السيّئة داخلٌ في النهي عن المنكر.

وإنّ جميع هذه الأمور تأتي في سياق بقاء المعروف على معروفه، والمنكر على نُكْره. لذلك يبدو أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبٌ عيني، وليس كفائياً. كما أنه لا يرتبط بمرحلة الامتثال، وهل فاعل المنكر يترك المنكر أم لا؟ وبعبارة أخرى: إنّ الأمر بالمعروف أمرٌ بمعروف لم يُمتثل، والنهي عن المنكر نهيٌ عن منكر لم يصدر، أي إنه دفعٌ للمنكر، وليس رفعاً له. وإنّ أدلة هذين الأمرين لا تتكفَّل بامتثال الشخص المخاطب، بل المراد منهما بقاء المعروف على معروفيّته، وبقاء قبح المنكر على قبحه في المجتمع، بحيث لو ثبت قبح المنكر في المجتمع، واعتبره كلّ الناس منكراً، لن يجرؤ أحدٌ على ارتكابه، كما هو الحال بالنسبة إلى الكثير من المنكرات، من قبيل: شرب الخمر مثلاً، فحيث إنّ قبحه قائم، ولا يزال المجتمع يراه قبيحاً، فإنّ الكثرة المطلقة من المسلمين لا يقربونه. من هنا فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهمّ العناصر الضامنة لتطبيق الأحكام، والقيام بإصلاح المجتمع، وحفظ القيم الاجتماعية، والحيلولة دون تبدّل القيم إلى ما يناقضها، أو بالعكس.

 

   أدلّة القائلين بجواز الضرب والجرح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    1ـ الروايات

من أهمّ التحدّيات الماثلة أمامنا في إثبات نظريّتنا القائلة بأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يشمل مرحلة الضرب والجرح بعضُ الروايات ذات الظهور البدوي في إثبات مراحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

توضيح ذلك: إنّ بعض الروايات تذكر مراحل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تبدأ بالإنكار القلبي، وتنتهي بالتدخُّل العملي واستخدام العنف والقوّة.

ولكي نتخطّى هذه المعضلة يتعيّن علينا دراسة هذه الروايات بالتفصيل.

1ـ عن جابر، عن أبي جعفر× ـ في حديثٍ ـ، قال: «إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء، ومنهاج الصلحاء…، فأنكروا بقلوبكم، والفظوا بألسنتكم، وصكّوا بها جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائم ـ إلى أن قال ـ فجاهدوهم بأبدانكم، وأبغضوهم بقلوبكم…»([35]).

وبملاحظة العبارات الواردة في هذه الرواية، والالتفات إلى قرينة «الفظوا بألسنتكم»، وسياق الرواية القائل بأنّ الأمر بالمعروف منهاج الصالحين وسبيل الأنبياء، يثبت أنّ المراد من هذه الرواية هو الأمر بالمعروف اللفظي، ولا يدلّ على أكثر من ذلك؛ وذلك للعلم بأنّ سبيل الأنبياء لم يكن سبيل السيف والسجن، بل إنّ سبيلهم هو الرفق والرأفة واللين ـ وهذا ما تقدّم إثباته من خلال رواية عمّار بن أبي الأحوص([36]) أيضاً ـ. وبطبيعة الحال فإنّ بعض العبارات، من قبيل: «صكّوا بها جباههم» قد يُستفاد منها جواز الضرب والجرح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بيد أنه بالالتفات إلى أنه قد يكون هناك احتمالٌ آخر يرِدُ إلى الذهن من هذه الجملة، وهو احتمال يقف إلى النقيض من الاحتمال الأوّل؛ فلا يجوز التمسُّك بالاحتمال الأوّل للاستدلال بهذه العبارة، من باب «إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال».

أما الاحتمال الثاني في «صكّوا بها جباههم» فهو أن يكون المراد به صكّوا وجوههم بالحجّة والكلام المنطقي، دون الضرب باليد. وأحياناً يكون للكلام والحجّة من التأثير بحيث يظهر أثره على وجه المخاطَب باحمرار وجهه من شدّة الحياء والخجل، أو اسوداده، كما هو ظاهر في بعض الآيات، التي تبيّن سلوك بعض الأفراد في العصر الجاهلي عندما يُرزَق بنتاً، إذ يقول تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ (النحل: 58).

ومن الجدير بالذكر أنّ عبارة «وجاهدوهم بأبدانكم» واردةٌ في مورد جهاد الظلمة وأهل الجور والمصرّين على المعاصي، وهو عنوانٌ آخر لا يرتبط بمسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. من هنا لا يمكن الاستناد إلى هذه الرواية في تجويز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «اليدوي».

2ـ عن محمد بن الحسن قال: قال أمير المؤمنين×: «مَنْ ترك إنكار المنكر بقلبه ولسانه (ويده) فهو ميْتٌ بين الأحياء»([37]).

إنّ الاستدلال بهذه الرواية غير تامّ؛ إذ بالإضافة إلى عدم وجود كلمة «يده» في بعض نسخ الوسائل([38])، فإنّ هذه الرواية مرتبطة بإنكار المنكر، وهو عنوانٌ مستقلّ، وله شرائطه الخاصّة، ويجب القيام به بكلّ الوسائل والسبل، ولا ربط له بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

3ـ عن أبي جُحيفة قال: سمعتُ أمير المؤمنين× يقول: «إنّ أول ما تُغلَبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم، ثمّ بألسنتكم، ثمّ بقلوبكم. فمَنْ لم يعرف بقلبه معروفاً، ولم ينكر منكراً قُلِبَ؛ فجُعلَ أعلاه أسفله»([39]).

والإشكال الوارد على الاستدلال بهذه الرواية أوّلاً: إنها مرتبطة بباب الجهاد، ولا نظر فيها إلى المراحل الثلاث في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بناءً على الرأي المشهور.

وثانياً: لو التزمنا بأنّ ذيل الرواية مرتبطٌ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقلنا بعدم ارتباطه بمسألة إنكار المنكر الذي هو عنوان مستقلّ، مع ذلك لن تدلّ هذه الرواية على مراتب ومراحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فضلاً عن مرتبة ومرحلة الضرب باليد؛ لأنّ هذه الرواية لا تدلّ على أكثر من بيان عاقبة الذين لا يعملون بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهناك روايات أخرى شبيهة بهذه الرواية من هذه الناحية([40]).

4ـ قال رسول الله|: «مَنْ رأى منكم منكراً فلينكر بيده إنْ استطاع، فإنْ لم يستطع فبلسانه، فإنْ لم يستطع فبقلبه، فحسبه أنْ يعلم الله من قلبه أنّه لذلك كارهٌ»([41]).

وكما تقدّم في الروايات السابقة فإنّ هذه الرواية ناظرةٌ إلى إنكار المنكر أيضاً، وهو عنوانٌ مستقلّ عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعليه لا يمكن لهذه الرواية أن تكون مستنداً لجواز الضرب باليد في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

5ـ عن يحيى الطويل، عن أبي عبد الله×، قال: «ما جعل الله بسط اللسان وكفّ اليد، ولكنْ جعلهما يبسطان معاً، ويكفّان معاً»([42]).

وليس في هذه الرواية أيّ إشارة إلى المراتب الثلاث من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا أوّلاً.

وثانياً: إنّ هذه الرواية مرتبطة بباب الجهاد. ويؤيّد ذلك أنّ الكليني قد أدرجها في كتاب الكافي([43]) ضمن كتاب الجهاد، وقبل باب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». وإنّ صاحب الوسائل، رغم ذكره لها في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذكرها في الباب الحادي والستين من أبواب جهاد العدوّ([44]) أيضاً.

من خلال البحث في هذه الروايات ومناقشتها تبيّن أن لا شيء منها يدلّ على جواز الضرب والجرح في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد ذهب الأردبيلي& إلى الاعتقاد بأنّ الضرب والجرح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا دليل عليه سوى الإجماع([45]). وعلى هذا الأساس فإنّ جميع هذه الروايات إمّا تعود إلى باب الجهاد أو إلى إنكار المنكر، وكلاهما عنوانٌ مستقلّ، وله أحكامه الخاصّة. وقد أشرنا في الأبحاث المتقدّمة إلى أنّ الهدف من الأمر بالمعروف هو إصلاح المجتمع، والحفاظ على القِيَم، والحيلولة دون صيرورة القبائح قِيَماً، وليس الهدف منها إصلاح الفرد، وإنْ كان إصلاح المجتمع تابعاً لفعل الأفراد وتروكهم.

وبعبارة أخرى: حتى إذا لم يرتكب المنكر في مجتمع يجب النهي عن المنكر، بمعنى أنّه يجب إظهار الاستياء من القبائح والسيّئات؛ لكي يبقى المنكر على صفته المرفوضة. وهكذا إذا كان المعروف معمولاً به في المجتمع يجب التأكيد على هذا المعروف، وأمر الناس به؛ لكي يتمّ الحفاظ على هذه القِيَم. بيد أنه في إنكار المنكر ليس الملاك إصلاح الفرد، ولا إصلاح المجتمع، وإنّما الملاك تغيير المنكر لمصلحة المجتمع، حتّى إذا لم يتنبَّه فاعل المنكر، وعمد جماعةٌ إلى ارتكابه، ولكنْ مع ذلك يجب على الجميع العمل على تغيير هذا المنكر بشتى الوسائل والطرق.

وخلاصة القول: إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مرتبطٌ بمقام الدفع، في حين أنّ إنكار المنكر مرتبط بمقام الرفع. ويحسن في ختام هذا الفصل أن نذكر ـ لتأييد كون الملاك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الحفاظ على القِيَم ـ كلام العلاّمة الطباطبائي& في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ﴾ (آل عمران: 104)، إذ يقول: «التجربة القطعية تدلّ على أنّ المعلومات التي يهيّئها الإنسان لنفسه في حياته ـ ولا يهيّئ ولا يحضّر لنفسه إلاّ ما ينتفع به ـ من أيّ طريقٍ هيّأها، وبأيّ وجه ادَّخرها، تزول عنه إذا لم يذكرها، ولم يُدِمْ على تكرارها بالعمل، ولا نشكّ أنّ العمل في جميع شؤونه يدور مدار العلم، يقوى بقوّته، ويضعف بضعفه ـ إلى أنْ قال ـ: وهذا الذي ذكر هو الذي يدعو المجتمع الصالح أن يتحفَّظوا على معرفتهم وثقافتهم، وأن يردّوا المتخلِّف عن طريق الخير المعروف عندهم إليه، وأن لا يدعوا المائل عن طريق الخير المعروف هو الواقع في مهبط الشرّ المنكر عندهم أن يقع في مهلكة الشرّ، وينهوه عنه. وهذه هي الدعوة بالتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي التي يذكرها الله في هذه الآية بقوله: ﴿يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ﴾»([46]).

  2ـ الإجماع

الأمر الآخر الذي استدلّ به على إثبات الضرب باليد في مرحلة من مراحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الإجماع؛ إذ قال صاحب الجواهر: «(و)كيف كان، فـ (مراتب الإنكار ثلاث)، بلا خلاف أجده فيه بين الأصحاب» ([47]).

وكذلك قال الأردبيلي في هامش كلام العلاّمة في الإرشاد: «ولو افتقر إلى الجرح أو القتل افتقر إلى إذن الإمام على رأي». وبعد بيان كلام السيد المرتضى القائل بجواز الجرح والقتل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون حاجة إلى إذن الإمام تمسَّك في ما يتعلّق بجواز الضرب والجرح بالإجماع، وقال: «هذا صحيحٌ لو سلّم وجوب المنع بمهما أمكن مع الشرائط. والدليل عليه غير واضح. ودليل الأمر والنهي لا يدلّ عليه، لأنّ الجرح والقتل ليسا بأمرٍ ولا نهي ـ إلى أن قال ـ: والأصل عدم الوجوب، بل لا يجوز الإيلام، إلاّ بدليلٍ شرعي؛ لقبحه عقلاً وشرعاً، بل لو لم يكن جوازهما بالضرب إجماعيّاً لكان القول بجواز مطلق الضرب بمجرّد أدلّتهما المذكورة مشكِلاً»([48]).

 

    الإشكال على الإجماع

إنّ عدم تمامية الاستدلال بالإجماع أمرٌ واضح؛ لأنّ الإجماع إنما يكون حجّةً إذا لم يكن هناك دليلٌ عقلي أو نقلي في مورد الحكم. بيد أننا نجد في ما نحن فيه أنّ المجمعين قد استندوا إلى رواياتٍ عديدة من أجل إثبات مدّعاهم. وعليه يكون الإجماع مدركيّاً؛ لأنّ الموضوع مورد البحث هو مصبّ الروايات.

لا يُقال: إنّ المقدّس الأردبيلي، الذي ادّعى الإجماع، قد رفض دلالة الروايات، واستدلّ بالإجماع فقط، وعليه لا يكون إجماعه مدركيّاً.

إذ نقول في الجواب: إنه اكتفى بنقل الإجماع فقط. ولربما كان دليل المجمعين هو الروايات المتقدِّمة. وعليه لا يكون هذا الإجماع كاشفاً عن وجود دليل آخر لم يصل إلينا.

 

    استنتاجٌ وتحقيق

إنّ الذي يبدو من خلال البحث في الآيات والروايات، والتحقيق في المعنى اللغوي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يدلاّن على أكثر من الأمر والنهي القولي والفعلي، دون توظيف العنف والقوّة. ولا يمكن إدراج أيّ نوع من أنواع العنف والضرب والجرح، تحت عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو وظيفة عامّة. بل لا بدّ من إدراج ذلك تحت عناوين أخرى، من قبيل: التعزير، وإنكار المنكر، والحدود، وما إلى ذلك، ممّا هو مختلف عن هذه الوظيفة، من حيث الماهية، وأسلوب التطبيق، والأحكام، والشروط، وإنّ جانباً منها، من قبيل: الحدود والتعزيرات، هو من مسؤوليّات الحكومة الإسلامية الصالحة.

وفي ما يلي نستعرض بعض الفروع النافعة وذات الصلة في هذا الشأن:

الفرع الأوّل: إنّ من الذين خلطوا بين عنوان الأمر بالمعروف والعناوين الأخرى السيد أحمد الخوانساري&. ففي بحثه عن ضرورة التعزير، وبعد أن استند إلى الدليل العقلي، القائم على «ضرورة الابتعاد عن الهرج والمرج»، في السماح للحاكم بالتعزير، عمد بعد ذلك مباشرةً إلى نقض هذا الدليل العقلي، وقال: «ويمكن أن يُقال: ما ذكر في حفظ النظام يمكن فيه الاكتفاء بالنهي عن المنكر. وأما لزوم التعزير فلا يستقلّ به العقل»([49]).

إنّ هذه الجملة والاستدراك الذي ذكره دليلٌ على أنّه من القائلين بجواز «الضرب باليد» في مراتب النهي عن المنكر. ولكنْ يبدو أنه قد خلط بين موقع «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وبين موقع «التعزيرات».

ويُرَدّ عليه بالإجابات التالية:

أوّلاً: نضطر أحياناً؛ من أجل الحفاظ على النظام المادي، والحيلولة دون اختلال النظام، إلى توظيف القوّة، وتشريع بعض العقوبات التي ذكرت في باب التعزيرات. في حين أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالبيان المتقدِّم لا يدلّ على أكثر من الأمر والنهي القولي والعملي، دون توظيف الضغط والقوّة. فكيف يمكن الحفاظ على النظام الاجتماعي من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقط؟!

كما أنّ إنكار المنكر والنهي عن المنكر مقولتان منفصلتان عن بعضهما، وإحداهما تكون على صيغة قولية وعملية، لا مكان فيها للضرب والجرح، والأخرى، التي هي إنكار المنكر، يجب فيها حشد كلّ الإمكانات الرادعة، بما في ذلك القلب واللسان واليد. وإنّ اختلاف العناوين، مثل: التعزير، والنهي عن المنكر، ناشئ عن الاختلاف في الأحكام والمسائل المعنونة. ولا يمكن القبول بالدعوى القائلة بأنّ النزاع في البين لفظي.

وهنا يجدر بنا ـ في بيان الاختلاف الجوهري بين هذين العنوانين ـ الإشارة إلى بعض وجوه الافتراق بين التعزير والنهي عن المنكر([50]):

الأوّل: من ناحية الماهية، فإنّ ماهية التعزير هي العقوبة والتأديب، وتذكر في سياق الجزاء، خلافاً لما هو الحال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الثاني: من ناحية الغاية، فإنّ الغاية من النهي عن المنكر أو الأمر بالمعروف ـ طبقاً لما سلّم به المشهور ـ هي إجبار الشخص على الإتيان بالفعل، بمعنى أنّ الأمر بالمعروف يتمّ لكي يعمد تارك المعروف إلى الإتيان به، أو أنه يتمّ النهي عن المنكر لكي يرتدع عنه فاعل المنكر. وبعبارة أخرى: إنّ الغرض من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الإلجاء وإكراه الشخص على طاعة الله أو ترك معصيته.

وأما بالنسبة إلى باب «التعزير» فليس الغرض مجرّد ترك المعصية أو العودة إلى الطاعة من قبل ذلك الشخص، بل الغاية هي إرشاد وهداية الآخرين. وهذا فارقٌ جوهري بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين التعزير. وكذلك فإنّ الأمر بالمعروف لإصلاح الحاضر والمستقبل، في حين أنّ التعزير يرتبط بالعمل المتحقِّق، وإنْ كان يشتمل على نحوٍ من الردع في المستقبل.

الثالث: من ناحية الشروط، فإنّ الفارق الآخر الذي يميِّز بين «التعزير» وبين «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» يكمن في شروط وجوبهما؛ إذ في وجوب النهي عن المنكر يشترط احتمال التأثير، ولذلك فإنّا إذا علمنا بأنّ الشخص مصرٌّ على فعله، وأنّ نهيه لن يكون مؤثِّراً، أو لربما يعطي نتائج عكسيّة، فعندها لن يكون الأمر بالمعروف واجباً، بل قد لا يكون جائزاً.

في حين أنّ الأمر بالنسبة إلى التعزير ليس كذلك، فإنّ مقتضى أدلّة التعزير هي أنّ مرتكب المعصية يعزَّر، سواء علمنا إصراره أو احتملنا أنّه لن يكرِّر المعصية. كما أنّ تطبيق عقوبة التعزير تختصّ بالحاكم، أمّا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو واجبٌ على جميع المكلَّفين.

الرابع: في النهي عن المنكر عندما يزول موضوع المنكر لن يكون هناك معنى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أمّا التعزير فليس كذلك، فلا ينتفي التعزير بانتفاء موضوعه. فلو ارتكب شخصٌ معصيةً تستحقّ التعزير أمكن تعزيره، حتّى إذا زال موضوع تلك المعصية، ولم يعُدْ بإمكان ذلك الشخص ارتكاب المعصية ثانية.

الخامس: الاختلاف في المورد، بمعنى أنّ وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يثبت عندما تصدر معصية، كبيرة كانت أم صغيرة. أما التعزير ـ طبقاً لبعض الآراء ـ فلا يجب إلاّ في مورد الكبائر([51]).

السادس: يمكن للحاكم أن يغضّ الطرف عن التعزير إذا رأى المصلحة في ذلك. وأمّا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيجب القيام به إذا توفَّرت شرائطه على كلّ حال.

وثانياً: لو كان البناء على الاكتفاء بمجرّد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لاضطررنا في الكثير من الموارد إلى إطلاق سراح المجرمين. وهذا بدوره يؤدّي إلى شيوع الجرائم وانتشارها.

ومن باب المثال: لو أنّ كلّ شخص ارتكب جريمةً أعلن عن ندمه، وقال بأنّه لن يعود إلى ارتكابها، لما أمكن نهيه عن المنكر. هذا في حين أنّ لعقلاء العالم في مثل هذا المورد أمرٌ بالمعروف ونهي عن المنكر، وإرشاد للجاهل، وتعزيرٌ وعقوبة للمجرم، ولا يترك أيّ واحد من هذه الأمور لأجل وجود الأمور الأخرى.

وثالثاً: إنّ لازم القبول بهذا الكلام لغوية الروايات الكثيرة الواردة في باب التعزير، وكيفيّة تطبيقه، والتي أفتى بها الفقهاء، ومن بينهم: السيد أحمد الخوانساري نفسه.

ورابعاً: وهو جواب نقضيّ مفاده ـ طبقاً لمبنى السيد الخوانساري، والقبول به ـ أنّه لا تعود هناك حاجة إلى الحدود أيضاً؛ وذلك لجريان هذا الكلام نفسه في الحدود أيضاً، في حين أنّه لم يصدر عنه مثل هذا الكلام هناك.

الفرع الثاني: تبيَّن من خلال البحوث المتقدّمة أنْ لا دليل على وجوب الأمر بالمعروف من طريق فعل الحرام. ولذلك لا يجوز إلحاق الأذى بجسد وشخصية الأفراد تحت ذريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأما في بعض الموارد فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدّي إلى عدم تحقُّق موضوع الحرام، بمعنى أنّه عندما يتمّ سلوكنا بوصفه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيؤدّي إلى عدم صيرورة ذلك العمل الذي تحقَّق ضمن هذا العنوان حراماً؛ وذلك بسبب عدم تحقُّق موضوعه.

وأحد هذه العناوين هو الغيبة؛ إذ يبدو ـ كما قال المحقِّق الثاني ـ أنّ الغيبة إنّما تتحقق في المورد الذي ينطوي على نوع من سوء السريرة، كالحسد وما إلى ذلك، قال المحقّق الثاني في جامع المقاصد: «وضابط الغيبة كلّ فعل يقصد به هتك عرض المؤمن، والتفكّه به، وإضحاك الناس منه، وأما ما كان لغرضٍ صحيح فلا يحرم»([52]).

وشبيهٌ بذلك ما في المكاسب أيضاً. بمعنى أنّه إذا كان الغرض صحيحاً، من قبيل: التظلُّم، أو تجريح صاحب الدعوى غير الثابتة، أو في موارد الاستشارة، لا تتحقَّق الغيبة المحرَّمة. لذلك في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث لا يتحقَّق موضوع حرمة الغيبة، لا يمنع من الأمر بالمعروف بهذه الطريقة؛ لأنّ الفعل أو القول الصادر لم يكن بداعي السخرية أو الهتك، وإنّما هناك غرضٌ صحيح أوجبه. وعليه فإنّ جميع الموارد التي ينتفي فيها موضوع الحسد، أو لا تشتمل على ملاك «ذكرك أخاك بما يكره»، لا يكون مصداق الغيبة فيها متحقِّقاً. فمثلاً: في باب تظلّم المظلوم واستغاثته لا تكون هناك غيبة، بل وطبقاً لمفهوم قوله تعالى: ﴿لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ﴾ (النساء: 148) تكون هذه الاستغاثة مطلوبة ومحبوبة([53])؛ إذ لا يكون هناك حسدٌ، بل يأتي هذا التظلُّم في سياق إحقاق الحقوق. ومن الجدير بالذكر أنّ الكثير من الفقهاء يرَوْن أنّ حرمة الغيبة ـ حيث يترتَّب عليها وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ من باب المصلحة الأقوى الموجودة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي تكون فيها هذه المصلحة أقلّ من مفسدة الغيبة ـ مرفوعةٌ من باب التزاحم.

الفرع الثالث: هل يشترط في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون عاملاً بالمعروف وتاركاً للمنكر، أم لا؟

يذهب بعض الفقهاء([54]) إلى وجوب أن يكون الآمر عادلاً وملتزماً بما يأمر به أو ينهى عنه. وفي المقابل هناك فقهاء، مثل: صاحب الجواهر([55])، والفاضل المقداد السيوري، والشيخ البهائي، والفيض الكاشاني، رفضوا هذا الاشتراط، وقالوا بعدم وجود دليل على اشتراط العدالة. وهو كلامٌ حسن ووجيه؛ لأنّ الأمر والنهي إنّما هو لإجبار أو نهي الشخص المخاطَب، وليس الشخص الآمر والناهي.

 

   أدلة القائلين باشتراط كون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عاملاً بالمعروف وتاركاً للمنكر

    1ـ الآيات

وهي عبارة عن:

1ـ ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ﴾ (البقرة: 44).

2ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ (الصفّ: 2).

3ـ ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ (الصفّ: 3).

 

  2ـ الروايات

1ـ عن محمد بن أبي عمير، رفعه إلى أبي عبد الله×، قال: «إنما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر مَنْ كانت فيه ثلاث خصال: عاملٌ بما يأمر به، تاركٌ لما ينهى عنه…»([56]).

2ـ عن محمد بن الحسين الرضي في نهج البلاغة: وقال× لرجلٍ سأله أن يعظه: «لا تكن ممَّنْ يرجو الآخرة بغير العمل ـ إلى أن قال ـ: ينهى ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي…»([57]).

3ـ قال أمير المؤمنين× في خطبةٍ له: «… لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، والناهين عن المنكر العاملين به»([58]).

إلى غيرها من الروايات الموجودة في الباب العاشر من أبواب الأمر والنهي، في الجزء السادس عشر من كتاب تفصيل وسائل الشيعة.

 

    قراءةٌ نقدية في اشتراط العمل والترك في الأمر والنهي

يمكننا القول ـ في مقام الإجابة عن الاستدلال بالآيات والروايات المتقدّمة ـ: إنّ هذه الأدلة ليست في مقام اشتراط العمل بالنسبة إلى الآمر بالمعروف، ولا الترك بالنسبة إلى الناهي عن المنكر، وإنما هي في مقام ذمّ الآمر والناهي؛ بسبب عدم التزامه بما يأمر به أو ينهى عنه. وبعبارة أخرى: إنّ هذه الأدلة واردة في تقبيح وذمّ الفاعل، وليس في بيان تقبيح وذمّ الفعل. وشبيهٌ بهذا العنوان بابٌ في أصول الكافي تحت عنوان: «باب مَنْ وصف عدلاً وعمل بغيره»([59])، في ذمّ الذين يتكلَّمون بكلام حقٍّ، ويعملون على خلافه. وعلى هذا الأساس فإنّ هذه الآيات والروايات إنّما هي في مقام بيان عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة إلى فاعل المنهيّ عنه، أو تارك المأمور به، ولا يمكن من خلال هذه الآيات والروايات إثبات شرط عدالة الآمر أو الناهي.

قد يقال: بالالتفات إلى أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مرتبطٌ بإصلاح المجتمع فإنّ على الآمر والناهي إذا أرادا التأثير في المجتمع إيجاباً العمل بما يأمران به، وترك ما ينهيان عنه، وإلاّ كان تأثيرهما سلبيّاً ومعكوساً. من هنا تكون العدالة شرطاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويكون الاشتراط هنا على نحو شرط الواجب، دون شرط الوجوب، بمعنى أنه يجب على المكلَّف تحصيله، من قبيل شرط الوضوء بالنسبة إلى الصلاة، وليس من قبيل شرط الاستطاعة بالنسبة إلى الحج.

بيد أنّ هذا الكلام غير تامّ، ويرِدُ عليه إشكالان:

الأوّل: بالالتفات إلى ما قيل في تبرير هذا الشرط، من أنه يستوجب تأثير كلام الآمر والناهي، نقول: بالالتفات إلى كون احتمال التأثير واحداً من شروط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تكون هناك حاجةٌ إلى هذا الشرط؛ لأنّ الناهي العادل أيضاً إذا لم يحتمل التأثير لا يجب عليه النهي عن المنكر.

الثاني: لو آمنا بأنّ العدالة أيضاً ـ لضرورة التأثير ـ من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنّ هذا الشرط إنّما يكون إذا كان الناهي غير التارك والآمر غير العامل يتظاهران بأنّهما عاملان تاركان، وبعدها لن يكون لهذا الاشتراط ما يبرّره. وبعبارة أخرى: إنّكم إنما تشترطون شرطاً حيثيّاً، بمعنى أنّه شرط من ناحية، وليس شرطاً من ناحية أخرى. ولا نعرف في الفقه أنّ شرط واجب يكون شرطاً حيثيّاً. وبعبارة ثالثة: إنّ العدالة في الآمر والناهي إذا كانت مقرونةً بالتدليس من قبلهما لم تكن شرطاً، وإذا لم تقترن بالتدليس، وكانت مقرونةً بالوضوح والصراحة، فهي شرطٌ.

والنتيجة ـ كما قال صاحب الجواهر([60]) ـ هي أنّ مقتضى إطلاق أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الكتاب والسنّة والإجماع عدم اشتراط العدالة في الآمر والناهي. وليس هناك أيّ دليل على هذا الشرط([61]).

وفي الختام يجدر بنا أن نسوق كلام صاحب الجواهر في بيان أفضل أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخاصّة بالنسبة إلى علماء الدين.

«نعم، من أعظم أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعلاها وأتقنها وأشدّها تأثيراً، خصوصاً بالنسبة إلى رؤساء الدين، أن يلبس رداء المعروف، واجبه ومندوبه، وينزع رداء المنكر، محرّمه ومكروهه، ويستكمل نفسه بالأخلاق الكريمة، وينزّهها عن الأخلاق الذميمة؛ فإنّ ذلك منه سبب تامٌّ لفعل الناس المعروف، ونزعهم المنكر وخصوصاً إذا أكمل ذلك بالمواعظ الحسنة المرغِّبة والمرهِّبة، فإنّ لكلّ مقامٍ مقال، ولكلّ داءٍ دواء»([62]).

 

الهوامش

([1]) إنّ أوّل معنى يذكره الآخوند الخراساني ـ في كفاية الأصول: 61، في معرض البحث عن مادة (أ. م. ر) ـ لمعنى الأمر هو الطلب.

([2]) أقرب الموارد 1: 18، مادة (أ. م. ر)، وقال: أمره أمراً وأماراً وآمرة: طلب منه إنشاء شيء أو فعله؛ والمصباح المنير: 21، مادة (أ. م. ر): والأمر بمعنى الطلب، وجمعه أوامر، و629، مادة (نهيته):..ونهى الله تعالى؛ أي حرم؛ ومجمع البحرين 3: 210، وفيه: أمره أمراً، نقيض نهاه..، واستأمره: طلب منه الأمر، و1: 426، وفيه: ونهى الله عن الحرام؛ أي حرم، وتناهوا عن المنكر؛ أي ينهى بعضهم بعضاً.

([3]) جواهر الكلام 21: 381.

([4]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 4: 301، دار إحياء التراث، ط1، بيروت، 2006م.

([5]) الراغب الإصفهاني، المفردات في غريب القرآن، مادة (ع. ر. ف): 334، دار المعرفة، ط5، بيروت، 2007م.

([6]) المصدر السابق، مادة (ن. ك. ر): 507؛ ومجمع البحرين 3: 502، مادة (ن. ك. ر)، وفيه: والمنكر في الحديث ضدّ المعروف، وكلّ ما قبحه الشارع وحرّمه فهو منكر… والمعروف الذي يذكر في مقابلة الحسن المشتمل على رجحان، فيختصّ بالواجب والمندوب، ويخرج المباح والمكروه، وإنْ كانا داخلين في الحسن؛ ومجمع البحرين 5: 95، مادة (ع. ر. ف)، وفيه: والمعروف ما يقابل الحسن…

([7]) النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 21: 381.

([8]) إنّ الروايات التي ذكرها صاحب الجواهر إنما هي نصوص واردة في سياق تفسير قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ (التحريم: 6)، وهي عبارة عن:

1ـ خبر عبد الأعلى مولى آل سام، عن الصادق×: لما نزلت هذه الآية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾ جلس رجل من المسلمين يبكي، وقال: أنا عجزت عن نفسي، كلّفت أهلي! فقال رسول الله|: حسبهم أن تأمرهم بما تأمر به نفسك، وتنهاهم عمّا تنهى عنه نفسك. (وسائل الشيعة 16: 147 ـ 148، الباب 9 من أبواب الأمر والنهي، ح1).

2ـ خبر أبي بصير (في الآية): قلتُ: كيف أقيهم؟ قال: تأمرهم بما أمر الله، وتنهاهم عمّا نهاهم الله، فإنْ أطاعوك كنتَ قد وقيتهم، وإنْ عصوك كنتَ قد قضيت ما عليك. (وسائل الشيعة 16: 148، الباب 9 من أبواب الأمر والنهي، ح2).

3ـ خبر آخر لأبي بصير، عن أبي عبد الله× (في الآية): كيف نقي أهلنا؟ قال×: تأمرونهم وتنهونهم. (وسائل الشيعة 16: 147 ـ 148، الباب 9 من أبواب الأمر والنهي، ح3).

([9]) جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 21: 382.

([10]) انظر: الميزان في تفسير القرآن 3: 320.

([11]) مجمع البحرين 3: 208، مادة (أ. ص. ر)، وفيه: قيل: وأصل الإصر: الضيق والحبس، يقال: أصره يأصره: إذا ضيّق عليه وحبسه.

([12]) مجمع البحرين 5: 436، مادة (غ. ل. ل)، وفيه: سمّي غلولاً؛ لأنّ الأيدي فيه مغلولة، أي ممنوعة مجعول فيها غلّ، وهي الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه.

([13]) المنجد، مادة (و. ل. ي): 918.

([14]) منتهى المطلب 15: 243.

([15]) التبيان في تفسير القرآن 4: 180، 198، تفسير الآيتين 104 و114 من سورة آل عمران.

([16]) دليل السيد: إنّ المنع عن المنكر واجب مهما أمكن مع الشرائط، والجرح والقتل مرتب على المنع والدفع، لا أنه مقصود أصالة، والموقوف على إذنه هو الذي يكون مقصوداً بالذات، مثل: الحدود والتعزيرات، لا الذي يحصل بالعرض بسبب الدفاع، مثل: الدفع عن المال والنفس، الذي يؤول إلى الجرح. (مجمع الفائدة والبرهان 7: 542).

([17]) مجمع الفائدة والبرهان 7: 542.

([18]) وسائل الشيعة 16: 164 ـ 165، الباب 14 من أبواب الأمر والنهي، ح9.

([19]) كفاية الأصول، في مبحث أدلة حجّية خبر الواحد: 303.

([20]) وسائل الشيعة 16: 164، الباب 14 من كتاب الأمر والنهي، ح9.

([21]) إنّ مصدر هذه الرواية هو كتاب الخصال، وقد ورد فيه: (إمارتنا)، بدلاً من (إمامتنا). (الخصال: 388، ح35).

([22]) وسائل الشيعة 16: 123، الباب 1 من أبواب الأمر والنهي، ح15.

([23]) المصدر السابق، ح16.

([24]) المصدر السابق، ح17.

([25]) المصدر السابق: 124، الباب 1، ح21.

([26]) المصدر السابق: 127، الباب 2، ح2.

([27]) المصدر السابق: 128، ح5.

([28]) المصدر السابق: 130، الباب 2، ح10. وقد اشتملت الفقرة الأولى من الرواية على عبارة: (عالم بما يأمر به)، والذي يبدو بقرينة قوله: (تارك لما يأمر) أنّ الأصح هو التعبير بـ (عامل بما يأمر به).

([29]) الإمام ناصر الدين أحمد بن المنير الإسكندري المالكي، في كتاب (الانتصاف في ما تضمنه الكشَّاف من الاعتزال) 1: 427، وهو حاشيته على كتاب الكشّاف للزمخشري، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

([30]) روض الجِنان وروح الجَنان في تفسير القرآن 4: 480.

([31]) الكشاف عن حقائق التنـزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل 1: 398.

([32]) مجمع البيان 2: 806.

([33]) النهاية: 15.

([34]) ولكنه قال فيما بعد: وقد يكون الأمر بالمعروف باليد، بأن يحمل الناس على ذلك بالتأديب والردع.

([35]) الكافي 5: 55، ح1، ورد هذا الحديث في الكافي ضمن رواية واحدة. وسائل الشيعة 16: 131، الباب 3 من أبواب الأمر والنهي، وصدر الحديث في الصفحة 119، الباب 1، ح6.

([36]) وسائل الشيعة 16: 164، الباب 14 من أبواب الأمر والنهي، ح9، قوله×:…أما علمت أنّ إمارة بني أمية كانت بالسيف والعسف والجور، وأنّ إمامتنا بالرفق والتألّف والوقار والتقية وحسن الخلطة والورع والاجتهاد؛ فرغِّبوا الناس في دينكم، وفي ما أنتم فيه.

([37]) وسائل الشيعة 16: 132، الباب 3 من أبواب الأمر والنهي، ح4.

([38]) إنّ هذا الوجه من التأييد لا يخلو من الضعف؛ وذلك لورود كلمة (يده) في مصدر هذه الرواية، وهو (التهذيب 6: 181، ح374).

([39]) وسائل الشيعة 16: 134، الباب 3 من أبواب الأمر والنهي، ح10.

([40]) وسائل الشيعة 16: 117، 119، 12، 122، الباب 1 من أبواب الأمر والنهي، ح7، 10، 12، والباب 8، ح1، 2.

([41]) وسائل الشيعة 16: 135، الباب 3 من أبواب الأمر والنهي، ح12.

([42]) وسائل الشيعة 16: 131، الباب 3 من أبواب الأمر والنهي، ح2.

([43]) الكافي 5: 55، ح1.

([44]) وسائل الشيعة 15: 143، الباب 61 من أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، ح1.

([45]) مجمع الفائدة والبرهان 7: 542.

([46]) الميزان في تفسير القرآن 3: 426.

([47]) جواهر الكلام 21: 374.

([48]) مجمع الفائدة والبرهان 7: 542.

([49]) جامع المدارك 7: 98.

([50]) من الجدير بالذكر أنّ بيان بعض هذه الفروق لا يصحّ طبقاً لنظرية المشهور في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنّ بعضها الآخر لا يصحّ بالالتفات إلى رأي الأستاذ المحترم.

([51]) جواهر الكلام 4: 448.

([52]) جامع المقاصد 4: 27.

([53]) لمزيد من الاطلاع، راجع: تقريرات درس خارج الفقه (المكاسب المحرمة، بحث الغيبة)، لسماحة الأستاذ(حفظه الله).

([54]) البهائي، الأربعون: 227.

([55]) جواهر الكلام 21: 373.

([56]) وسائل الشيعة 16: 150، الباب 10 من أبواب الأمر والنهي، ح3.

([57]) وسائل الشيعة 16: 151، الباب 10 من أبواب الأمر والنهي، ح7.

([58]) وسائل الشيعة 16: 151، الباب 10 من أبواب الأمر والنهي، ح9.

([59]) أصول الكافي 2: 299.

([60]) جواهر الكلام 21: 374.

([61]) من الجدير بالذكر أنّ صاحب الجواهر قال: ظاهر كلمات الأصحاب أنّهم حصروا شرائط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أربعة. وعليه يمكن القول بعدم وجود شرط خامس. ولكنْ يرد عليه أنّ القائلين بشرطية العدالة إنّما قالوا بأنها من شرائط الواجب، دون شرط الوجوب (كما هو الحال بالنسبة إلى الشرائط الأربعة المتقدّمة)؛ إذ لو أريد جعل العدالة شرطاً في الوجوب للزم منه لغوية أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

([62]) جواهر الكلام 21: 382.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً