أحدث المقالات

ـ القسم الثاني ـ

د. الشيخ محمد علي رضائي الإصفهاني(*)

ترجمة: حسن علي مطر الهاشمي

أساليب التفسير العلمي للقرآن

إن التفسير والفهم العلمي للقرآن يتشعَّب بدوره إلى أساليب ومناهج فرعية مختلفة، يؤدي بعضها إلى التفسير بالرأي، وبعضها إلى التفسير المعتبر والصحيح، وبعضها إلى التنظير العلمي للقرآن في مجال مختلف العلوم.

أـ استخراج جميع العلوم من القرآن الكريم

إن أنصار القول بالتفسير العلمي من المتقدِّمين، من أمثال: ابن أبي الفضل المرسي والغزالي وغيرهما، بذلوا جهوداً كبيرة لاستخراج جميع العلوم من القرآن؛ لاعتقادهم بوجود كل شيء في القرآن. وفي هذا الإطار كانوا يذكرون الآيات التي ينسجم ظاهرها مع بعض القوانين العلمية. وكلما وجدوا شُحّاً في ظواهر الآيات لجأوا إلى التأويل وإرجاع ظواهر الآيات إلى النظريات والعلوم المنشودة. ومن هنا عمدوا إلى استخراج علم الهندسة والحساب والطبّ والهيئة والجبر والمقابلة والجَدَل من القرآن الكريم.

فعلى سبيل المثال: استخرجوا علم الطب([1]) من قوله تعالى، حكايةً عن النبي إبراهيم×، إذ يقول: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ (الشعراء: 80)؛ وعلم الجبر([2]) من الحروف المقطَّعة في بدايات بعض السور، وتوقَّعوا حدوث زلزال عام 702هـ([3]) من قوله تعالى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾ (الزلزلة: 1).

ومن الواضح أن هذا النوع من التفسير العلمي يؤدّي إلى الكثير من التأويلات في آيات القرآن، دون رعاية للقواعد الأدبية، والظواهر والمعاني اللغوية.

من هنا ذهب الكثير من المخالفين للتفسير العلمي إلى اعتباره نوعاً من التأويل والمجاز([4]). وبطبيعة الحال فإن هذا النوع من التفسير العلمي ينطوي على الكثير من الإشكالات.

قال الأستاذ معرفت في هذا الشأن: هناك مَنْ يتصوَّر اشتمال القرآن على جميع أسس العلوم الطبيعية والرياضية والفلكية، وحتى الفروع الصناعية والاكتشافات العلمية، وغيرها.

ثم أجاب عن ذلك ـ من خلال طرح سؤالٍ ـ قائلاً: كيف ومتى تمّ استخراج جميع العلوم والصناعات والاكتشافات الكثيرة، والتي تزداد يوماً بعد يومٍ، من القرآن الكريم؟ ولماذا لم يتوصَّل المتقدِّمون إليها، ولم تحْظَ باهتمام المتأخِّرين؟

ثم أشكل على الآيات التي استندوا إليها، قائلاً: إن قوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ (النحل: 89) إنما هي في مورد البيان الشامل لأحكام الشريعة، وناظرةٌ إلى الجامعية والشمولية من الناحية التشريعية([5]).

ب ـ تطبيق وتحميل النظريات العلمية على القرآن الكريم

لقد شاع هذا النوع من التفسير العلمي في القرن الأخير، حيث تصوّر الكثير قطعية قوانين ونظريات العلوم التجريبية، ومن هنا سعى إلى البحث عن آيات توافق هذه النظريات والقوانين العلمية، فإذا عجز عن ذلك لجأ إلى التأويل أو التفسير بالرأي، وحمل الآيات على خلاف معانيها الظاهرية.

مثال ذلك: ما قام به عبد الرزّاق نوفل عند تفسير ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ (الأعراف: 189)، حيث فسَّر «النفس» بأنه يعني البروتون، وفسَّر «الزوج» بأنه يعني الإلكترون، وقال: إن المعنى الحقيقي لهذه الآية: «هو الذي خلقكم من بروتون وإلكترون»، وهما الجزء الموجب والجزء السالب من الذرّة، التي تتألف منها جميع الكائنات في هذا العالم([6]).

وفي هذا التفسير تمّ تجاهل حتّى المعنى اللغوي والاصطلاحي للنفس.

لقد شاع هذا النوع من التفسير في القرن الأخير في كلٍّ من: مصر وإيران، وأدى إلى سوء ظنّ بعض العلماء المسلمين بمطلق التفسير العلمي، ونبذوا التفسير العلمي ـ بجميع أنواعه ـ، بوصفه تفسيراً بالرأي وتحميل النظريات والعقائد على القرآن. كما عبَّر العلاّمة الطباطبائي عن التفسير العلمي بوصفه نوعاً من التطبيق([7]).

في ما يتعلق بهذا النوع من التفسير العلمي لا شَكَّ ـ بطبيعة الحال ـ في أن الحقّ مع المخالفين للتفسير العلمي؛ إذ يتعيَّن على المفسِّر أن يكون خالي الذهن عند التفسير من أيّ نوعٍ من أنواع الأحكام المسبقة؛ كي يتمكن من تقديم تفسير صحيح، وإذا عمل على اختيار نظرية علمية، ثم حملها وأسقطها على القرآن، فإن هذا سيدخله في دائرة التفسير بالرأي، الذي ورد الوعيد عليه بالعذاب في الروايات.

وقال العلامة الشيخ معرفت بهذا الشأن: «إننا لا نحاول تطبيق آية قرآنية ذات حقيقة ثابتة على نظرية علمية غير ثابتة، وهي قابلةٌ للتعديل والتبديل…؛ فإن بقاء الآية على إبهامها أَوْلى من محاولة تطبيقها على نظرية علمية غير بالغة مبلغ القطعية والكمال، وربما كانت تحميلاً على الآية وتمحُّلاً باهتاً، إنْ لم يكن قَوْلاً على الله بغير علمٍ»([8]).

ج ـ توظيف العلوم في فهم القرآن بشكل أفضل

في هذا الأسلوب من التفسير العلمي يقوم المفسِّر ـ من خلال توفُّره على الشرائط اللازمة، ورعايته لضوابط التفسير المعتبرة ـ بتفسير القرآن علمياً، بمعنى أنه يسعى جاهداً، من خلال توظيف المسائل العلمية القطعية ـ الثابتة بالدليل العقلي ـ التي توافق ظاهر آيات القرآن طبقاً للمعاني اللغوية والاصطلاحية، إلى التفسير العلمي، واكتشاف المعاني المجهولة في القرآن الكريم، وتقديمها إلى طلاّب الحقيقة. إن هذا النوع من التفسير العلمي هو أفضل أنواع التفسير العلمي، بل هو أصحّ أنواع التفسير العلمي.

وسوف نبين في البحث القادم معيار هذا النوع من التفسير بشكلٍ كامل، بَيْدَ أننا نؤكِّد هنا على ضرورة أن نتجنَّب في هذا الأسلوب التفسيري أيَّ نوع من أنواع التأويل والتفسير بالرأي، والحديث عن مراد القرآن الكريم على نحو الاحتمال؛ لأن العلوم التجريبية بسبب اعتمادها على الاستقراء الناقص، وإمكانية إبطال النظريات العلمية على أساس ذلك، قلَّما يمكن بيان مسألة علمية على نحو القطع واليقين.

فبالنسبة إلى قوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾ (يس: 38) ـ على سبيل المثال ـ كان الناس في صدر الإسلام يحملونها على هذه الحركة الحسِّية للشمس، والتي نراها يومياً؛ إذ تنتقل الشمس من المشرق إلى المغرب، في حين أن هذه الحركة ما هي إلاّ حركة كاذبة؛ لكونها من خداع البصر، والحقيقة أن الذي يتحرّك في البين هي الأرض، وبحركتها نحسب الشمس متحرِّكة، كما يحصل ذلك بالنسبة لنا عندما نكون جالسين في القطار أو الحافلة التي تنطلق بنا مسرعة، فنتصوَّر الأبنية والأشجار وما إلى ذلك من الأمور الواقعة في جانبي الطريق هي المتحرِّكة. وبعد تقدُّم العلوم البشرية، واكتشاف حركة الأرض حول نفسها وحركة الشمس، تبيَّن أن للشمس حركة (صادقة وحقيقية، وليست من خداع البصر)، بل هناك حركة متكاملة لجميع المنظومة الشمسية، وحتّى مجرّة درب التبانة([9]). من هنا نقول: إذا ثبت على نحو القطع واليقين أن للشمس حركةٌ، وقال ظاهر آية القرآن: إن الشمس تتحرَّك، يكون مراد القرآن بذلك الحركة الواقعية والحقيقية للشمس (وهي الحركة الانتقالية وما إلى ذلك). هذا، وإن القرآن يتحدّث عن جريان للشمس، وليس حركتها، وقد أثبتت العلوم الحديثة أن للشمس طبيعة غازية، وأنها في حالة جريان وموران مستمرّ في الفضاء بفعل الانفجارات الذرية الحاصلة فيها، وليست الشمس مجرّد كرة جامدة تتحرّك، بل هي جاريةٌ مثل الماء.

قال العلامة الأستاذ معرفت في هذا الإطار: «إن في القرآن إشاراتٍ عابرةً إلى أسرار الوجود، لا يمكن فهم حقيقتها إلاّ بعد معرفة جملة من العلوم والوقوف على كثير من أسرار الطبيعة الكامنة التي كشفها العلم، وسيكشفها على استمرار، وهي خير وسيلة نافعة للحصول على فهم كتاب الله، وكشف رموزها وإشاراتها الخافية».

د ـ التنظيرات العلمية للقرآن وتوجيه مباني العلوم الإنساني

أولاً: التنظيرات العلمية القرآنية

هناك من الآيات العلمية في القرآن ما يبين أموراً لم يتوصَّل العلم إلى اكتشافها بعد. وعلى الرغم من عدم إثباتها من زاوية العلوم التجريبية، إلاّ أنه لا يوجد لدينا دليل على نفيها. وحيث كان الوحي نوعاً من العلم اليقيني الصادر عن المصدر الإلهي لسنا نشك في صحّته، رغم عدم امتلاكنا في اللحظة الراهنة للشواهد التجريبية على إثبات ذلك، وقد يمكن إثباتها في المستقبل، مثل: بعض المغيَّبات العلمية التي نطق بها القرآن قبل اكتشافها (من قبيل: قوّة الجاذبية مثلاً)([10]).

يمكن بيان هذه الموارد بوصفها نظريات علمية للقرآن، ونسعى إلى البحث عن شواهد لها، مثل سائر النظريات العلمية الأخرى.

الأمثلة

1ـ نظرية وجود الكائنات الحيّة في السماوات: حيث تستفاد هذه النظرية من بعض آيات القرآن، من قبيل: قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ (الشورى: 29).

وعلى الرغم من الادّعاء القائل بوجود بعض الشواهد الكونية المطروحة حالياً بشأن وجود الكائنات الحيّة والمدركة في الكواكب الأخرى، إلاّ أن علماء الفلك لم يقدِّموا نظرية قطعية بهذا الشأن، ولم يُثبتوا هذا الأمر حتّى هذه اللحظة. ولكنْ يمكن العمل على توسيع هذا البحث بوصفه نظرية علمية للقرآن، واعتبارها قاعدة للتحقيقات والدراسات التجريبية في مجال علم الفلك([11]).

2ـ نظرية اتساع السماوات: تستفاد هذه النظرية من بعض آيات القرآن الكريم، من قبيل: قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ (الذاريات: 47).

هناك في البحوث العلمية في مجال الفيزياء الكونية نظريتان بشأن السماوات، إحداهما: نظرية انبساط وتوسُّع العالم؛ والأخرى: نظرية تقلُّص وانقباض العالم([12]). وقد تمّ طرح بعض الشواهد لكلا النظريتين. ويستفاد من هذه الآية نظرية انبساط وتوسّع العالم([13]). ويمكن اعتبارها أساساً للتحقيقات الكونية بوصفها نظرية علمية للقرآن.

3ـ نظرية السماوات السبع: لقد عبَّر القرآن مراراً بالسماوات السبع، كما في الآية 29 من سورة البقرة، والآية 44 من سورة الإسراء، والآيتين 17 و86 من سورة المؤمنون، والآية 12 من سورة فصلت، والآية 12 من سورة الطلاق، والآية 15 من سورة نوح، والآية 12 من سورة النبأ.

في حين أن علوم الفلك والنجوم الحديثة تتحدّث عن سماءٍ واحدة تحتوي على آلاف النجوم والسيارات والمجرّات، وتسكت عن السماوات الأخرى؛ إذ إن الوسائل الحديثة لم تتوصَّل إلى ما هو أبعد من ذلك.

لقد طرح القرآن مسألة السماوات السبع على نحو القطع واليقين، ويمكن لهذه المسألة أن تطرح بوصفها نظرية علمية قرآنية، وجعلها قاعدة للدراسة والبحث بشأن معرفة الكون واتّساعه. وبطبيعة الحال هناك آراء مختلفة بشأن السماوات السبع، يجب ملاحظتها في تفسير الآيات المتقدِّمة، وما ذكرناه آنفاً يقوم على اعتبار العدد سبعة مراداً على نحو الحقيقة، وأن المراد من السماوات موضع استقرار الكواكب والمجرّات([14]).

4ـ نظرية خلق الإنسان من ترابٍ مباشرة: لقد وردت مسألة خلق الإنسان الأول من تراب في الكتب السماوية ـ ولا سيَّما منها القرآن الكريم ـ، وهناك بعض آيات القرآن تدلّ على خلق الإنسان من ترابٍ وطين، كما في الآية 98 من سورة الأنعام، والآية 59 من سورة آل عمران، والآية 14 من سورة الرحمن (وإنْ كان لبعض الآيات دلالات أخرى). ومنذ سنوات ونظرية التطوُّر لدارْوِن ولامارك مطروحة بشأن تطوّر الإنسان من نسل الحيوانات القديمة.

وفي العادة يجد العلماء والمفسِّرون أنفسهم محشورين بين هاتين الرؤيتين. فيضطرون إلى اختيار إحداهما وإنكار الأخرى. وهناك الكثير من الكتب التي تمّ تأليفها في هذا المجال([15]).

ولكنْ يمكن طرح نظرية ثالثة، ربما شكَّلت قاسماً مشتركاً بين هاتين الرؤيتين، وذلك بالقول بإمكانية التطوُّر والتكامل في سلسلة الكائنات (إذا ثبتت بالشواهد القطعية)، بل ويمكن القول: ربما يكون قد تطوَّر بعض البشر من القردة، ثم انقرضوا لاحقاً. أما النبي آدم ـ بوصفه أبو البشر ـ فقد خُلق من التراب ابتداءً، وبشكل استثنائي (وإنْ على مدى فترة طويلة).

وبطبيعة الحال هناك الكثير من الخصائص التي يتمتَّع بها الإنسان الراهن ولا يتَّصف بها القرد، بل تتحدّث نظرية التطوُّر عن وجود حلقةٍ مفقودة بين القرد والإنسان، ويمكن أن يكون هذا شاهداً على هذه الرؤية.

يمكن لهذه النظرية أن تطرح بوصفها نظرية علمية قرآنية بشأن خلق الإنسان، وتشكِّل أساساً للدراسات في علم الأحياء، وتطرح ضمن نظرية التطوُّر والتكامل، والبحث عن أدلتها وشواهدها التجريبية في مجال علم الحفريات والآثار وعلم الأحياء.

5ـ تنظيرات القرآن في مجال العلوم الإنسانية: من قبيل: أسس الإدارة في القرآن، وأسس وأصول الاقتصاد في القرآن، وأسس السياسة في القرآن، وأسس وأصول العلوم التربوية في القرآن، وما إلى ذلك من الموارد، التي لو تمّ بحثها ودراستها بشكلٍ جيد لأحدثت ثورة في مجال العلوم الإنسانية، ولغيَّرت وجه العالم في القرن الحادي والعشرين، ووضعت حدّاً للسلطة والهيمنة الثقافية للغرب على الشرق.

وعلى سبيل المثال:

يُفهم من آيات القرآن محورية الله في جميع الأمور، بمعنى أن الله هو المصدر لجميع الكائنات، وهو المنتهى لمسيرة جميع الأمور، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (البقرة: 156).

وأساساً فإن قيمة الأعمال إنما تكون فيما إذا اكتسبت صبغةً إلهية: ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً﴾ (البقرة: 135)، وكانت في سبيل الله. في حين أن مبنى العلوم الإنسانية الحديثة يقوم على محورية الإنسان. وهذا يترك تأثيراً كبيراً على العلوم الإنسانية، ولا سيَّما العلوم التربوية والعلوم السياسية منها، ويوجِّهها وجهةً خاصة.

وفي الاقتصاد تمّ التأسيس للاقتصاد الإسلامي اللاربوي، في حين يقوم الاقتصاد الحديث في الغرب على أساس النظام الربوي (ولا سيَّما في البنوك والمصارف). فلو تمّ تطبيق هذه المباني القرآنية في النظام المصرفي لوصلنا إلى منظومةٍ جديدة في هذا الشأن.

تقوم العلوم السياسية الحديثة في الغرب على أساس فصل الدين عن السياسة والأمور الدنيوية (العلمانية)، في حين أن السياسة في القرآن تقوم على أساس تدخُّل الدين في السياسة، من هنا نجد الكثير من آيات القرآن الكريم تبيِّن مسائل الحكم وأصول السياسة الخارجية، وقواعد السِّلْم والحرب، وما إلى ذلك.

وهكذا الأمر بالنسبة إلى وجوب رعاية الأسس الأخلاقية، وأصل العدالة، ومكافحة الفقر، والإدارة، والاهتمام بالبُعْد الروحي من الإنسان، بالإضافة إلى البُعْد الجسماني والنفساني وما إلى ذلك.

أجل، هناك الكثير من آيات القرآن الكريم تشتمل على إشارات صريحة أو غير صريحة لمباني العلوم الإنسانية، وإنها من الكثرة بحيث تحتاج إلى كتابة العديد من الكتب والمقالات([16]).

أسس التفسير العلمي للقرآن

إن لأسلوب الفهم والتفسير العلمي للقرآن قواعد تفسيرية عامة، وهي سائدة في جميع الأساليب التفسيرية، من قبيل: جواز وإمكان تفسير القرآن، ومنع التفسير بالرأي، وحجِّية الظواهر والنصوص القرآنية. وله كذلك قواعد خاصة، تتمثَّل في فَرَضيّات هذا الأسلوب. وحيث تمّ إثبات هذه الأسس في محلِّها نشير إليها هنا على النحو التالي:

أـ عدم قطعية أغلب مسائل العلوم التجريبية

إن العلوم التجريبية هي حصيلة بحوث وتجارب بشرية طويلة تراكمت عبر قرون من الزمن. وحتّى ما قبل النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي كان يتم تقسيم العلوم التجريبية إلى قسمين: نظريات علمية غير ثابتة؛ وقوانين علمية ثابتة. فإذا تم تأييد نظرية علمية من خلال المشاهدة وتكرار التجربة تمّ اعتبارها ثابتة، وصارت قانوناً علمياً([17]).

وأما فيما بعد، وإثر ولادة النظريات الجديدة في فلسفة العلم، فقد اتَّضح أن العلوم التجريبية ليست سوى أساطير نافعة، يتمّ توظيفها في عالم الطبيعة والحياة، ولكنّها لن ترقى أبداً لتغدو قانوناً ثابتاً، بمعنى أننا في ما يتعلَّق بتأسيس نظرية علمية نقوم أوّلاً بمواجهة المشكلة، وفي المرحلة الثانية نحدس لها طريقة حلّ. وفي المرحلة الثالثة يتمّ استنتاج القضايا التي يمكن مشاهدتها وتجربتها من ذلك الحلّ، وفي المرحلة الرابعة نعمل على إبطال هذه القضايا؛ فإنْ لم نتمكَّن من إبطالها سوف تبقى هذه النظرية هي المطروحة، وهي المعمول بها، إلى حين العثور على نظريةٍ أخرى أفضل منها([18]).

وعلى هذا الأساس فإن العلوم التجريبية غير قابلة للإثبات، بل هي قابلة للإبطال، ولا يوجد في العلم قانونٌ قطعي أو يقيني.

وبطبيعة الحال فإن قولنا: إن قضايا العلوم التجريبية غير قطعية (بمعنى القطع المعرفي) يعني أنه لا يمكن القول: إن القضية العلمية الكذائية هي مطابقة للواقع حتماً، ولا يمكن أن تتغيَّر. بَيْدَ أن بعض قضايا العلوم التجريبية قطعية (بالمعنى النفسي)، أي إن بعض القضايا العلمية تغدو بعد المشاهدة والقرائن الأخرى مثل البديهية، من قبيل: «حركة الأرض»، التي أضحت في عصرنا مثل البديهية.

وفي التفسير العلمي يتمّ التفريق بين العلوم التجريبية القطعية والنظريات الظنية، بمعنى أنه لا يصحّ توظيف النوع الثاني في التفسير العلمي للقرآن الكريم؛ إذ إن النظريات الظنية في العلوم تستمرّ أحياناً لمئات السنين، وتبقى هي المطروحة في مجال العلم، ومع ذلك قد تتغيَّر بعد كلّ هذه الفترة الطويلة([19]). إذن لا يمكن لنا أن نقيم تفسير القرآن الكريم عليها.

قال الأستاذ معرفت بهذا الشأن: «إن توظيف الوسائل العلمية لفهم المعاني القرآنية عمليةٌ بالغة التعقيد والدقّة؛ لأن العلم يفتقر إلى الثبات، فهو في حالة تغيُّر وتحوُّل عبر الزمن. وقد تكون النظرية العلمية ـ ناهيك عن الفرضية ـ في يوم من الأيام قطعية، ثم تتحوَّل في يوم لاحق إلى سراب بقيعة ليس له من أثر. من هنا فإننا إذا فسرنا المفاهيم القرآنية [الثابتة] بالأدوات العلمية المتغيِّرة فسوف نعرّض القرآن إلى التزعزع وعدم الثبات. وخلاصة الكلام: إن ربط القرآن الثابت بمعطيات العلم المتغيِّر لا يبدو عملاً صحيحاً من الناحية المنطقية… نعم، لو أمكن لعالم من خلال الأدوات العلمية، التي ثبتت عنده قطعيتها، أن يكشف النقاب عن بعض الغموض والإبهام في القرآن الكريم كان ذلك منه عملاً مشهوداً له»([20]).

ب ـ وجود الإشارات العلمية في القرآن وضرورة الاستفادة من العلوم التجريبية في فهمها وتفسيرها

هناك في القرآن الكريم ما يزيد على الـ (1322) آية تشير إلى المسائل العلمية وإلى الطبيعة والإنسان وما إلى ذلك([21]).

ويمكن تقسيم هذه الآيات في الحدّ الأدنى إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل: الإشارات العلمية إلى الظواهر الطبيعية، من قبيل: الحيوانات والطبيعة([22]).

وهي بحَسَب الظاهر لا تشتمل على مسألة مذهلة أو إعجازية. بَيْدَ أن هذه الإشارة العلمية تلفت انتباه الإنسان إلى الطبيعة والكون وما إلى ذلك، وأضحَتْ تمهّد الأرضية لتطوّر العلوم التجريبية في عالم الإسلام.

القسم الثاني: الإشارات العلمية العجيبة للقرآن الكريم، بمعنى الآيات التي تشير إلى مسألة علمية خاصة، بحيث يستحيل صدورها عن شخصٍ أمّي عاش في شبه الجزيرة العربية من تلك المرحلة التاريخية لنزول القرآن الكريم. ومن ذلك: إشارة القرآن إلى حركة الأرض([23])، الأمر الذي يُخالف الهيئة البطليموسية والرأي المشهور بشأن الكون في ذلك العصر.

وبطبيعة الحال فإن هذه الموارد لا تُعَدّ من الإعجاز العلمي للقرآن الكريم؛ إذ كان هناك رأيٌ بشأن حركة الأرض عند بعض علماء اليونان قبل الإسلام، وإنْ لم يكن هو الرأي المشهور([24]).

القسم الثالث: إشارات القرآن الكريم إلى الإعجاز العلمي، ومن ذلك: إشارات القرآن الكريم إلى قانون الزوجية العام بين جميع الكائنات([25])، وقوّة الجاذبية([26])، وحركة الشمس([27])، ومراحل خلق الإنسان([28])، والرياح اللواقح([29])، التي لم يتمكَّن العلم من إثباتها واكتشافها إلاّ بعد قرون من نزول القرآن.

وعليه فإن هذا النوع من الإشارات يُعتبر نوعاً من الإخبار الغيبي للقرآن الكريم. وإن التفسير العلمي للقرآن يمثِّل شرحاً لهذه الإشارات العلمية الواردة في القرآن الكريم.

وكما سبق أن ذكرنا فإن العلاّمة الأستاذ معرفت يؤكِّد أيضاً على وجود الإشارات العلمية في القرآن الكريم، ويُصرّ على ضرورة الاستفادة من العلوم التجريبية في تفسير القرآن([30]).

ج ـ استحالة استخراج جميع العلوم من ظواهر آيات القرآن

على الرغم من اشتمال القرآن الكريم على الكثير من الإشارات العلمية، بل إنه يصف نفسه بأنه تبيان لكل شيء؛ إذ يقول: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ (النحل: 89)، بَيْدَ أنه لا وجود لجميع العلوم البشرية في ظواهره؛ إذ إن مثل هذا القول مخالف للبديهة، كما أن للآية الشريفة قيدٌ لبّي، مفاده أن القرآن الكريم يشتمل على كل شيء في ما يتعلَّق بهداية الناس([31]).

وكما سبق فإن العلامة الأستاذ معرفت قد أكَّد على هذه المسألة، واعتبر هذه الآية مرتبطة بمجال التشريع([32]).

وكما تقدّم لا يصحّ استخراج العلوم من القرآن؛ لأن لازم ذلك القول بـ «وجود جميع العلوم في ظواهر القرآن الكريم»، وهو كلامٌ من غير دليل.

د ـ العلاقة المنسجمة بين القرآن والعلم

لقد حثّ القرآن الكريم الإنسان مراراً على طلب العلم، وأثنى على العلماء وعمل على تشجيعهم([33]). وكما تقدَّم فإن القرآن قد تعرَّض في الكثير من الموارد إلى المسائل الإعجازية أو العلمية المذهلة. من هنا فإن القرآن الكريم لم يقِفْ يوماً موقف المعارض للعلم والعلماء أبداً، بل العلاقة القائمة بين القرآن والعلم هي دوماً علاقة إيجابية، وإن التفسير العلمي للقرآن هو نوع توضيح لهذا المبنى.

وبطبيعة الحال فقد ادّعى بعضُهم أو توهَّم وجود بعض التعارض الظاهري والبدوي بين القرآن والعلم، بَيْدَ أن هذا التوهُّم يزول بالتأمُّل والتدقيق في الآيات والعلوم، ولا وجود للتعارض المستقر والحقيقي بين القرآن والعلم أبداً. وهذا الأمر يتمّ توضيحه ضمن التفسير العلمي أيضاً.

هـ ـ هداية الناس إلى الله غاية القرآن الأساسية

لقد أكَّد القرآن الكريم مراراً على أنه كتاب هداية للناس([34])، وأنه يهدف إلى إخراج الناس من الظلمات إلى النور([35]). وعليه إذا كان هناك من وجود للإشارات العلمية في القرآن فإنها تأتي في هذا السياق، بمعنى أن الإشارات العلمية في القرآن تأتي أحياناً بوصفها أدلة على وجود الله([36])، وأحياناً بوصفها شواهد على وجود المعاد([37]). وعليه فإن بيان المطالب العلمية ليست هي الهدف الرئيس للقرآن، وإن القرآن إنما هو كتاب هداية، وليس كتاباً في علم الفلك أو الفيزياء وما شابه ذلك.

وكما تقدَّم فإن العلامة الأستاذ معرفت قد أكَّد على هذا الأمر مراراً، وهو أن الإشارات العلمية الواردة في القرآن لم تكن تشكِّل غايته الرئيسة، وإنما الهدف الرئيس للقرآن الكريم هو هداية الناس إلى الله سبحانه وتعالى([38]).

معايير الفهم العلمي من القرآن الكريم

هناك في المناهج التفسيرية نوعان من الشرائط والمعايير:

النوع الأوّل: الشرائط والمعايير العامّة التي تجب مراعاتها في جميع الأساليب التفسيرية، من قبيل: مراعاة شرائط المفسِّر، وتجنُّب التفسير بالرأي، وما إلى ذلك.

النوع الثاني: الشرائط والمعايير الخاصّة التي تجب مراعاتها في كل منهج تفسيري خاصّ.

وفي ما يلي نهدف إلى بيان الشرائط والمعايير من النوع الثاني.

1ـ أن يتمّ التفسير العلمي بواسطة العلوم التجريبية القطعية. وقد أوضحنا المراد من قطعية العلوم التجريبية في مبحث العلم. ونضيف إلى ذلك:

أـ إذا كانت العلوم التجريبية يقينية وقطعية أمكن تفسير القرآن على أساسها.

ب ـ إذا كانت مسائل العلوم التجريبية مقبولةً في الأوساط العلمية على مستوى النظرية أمكن القول على نحو الاحتمال بأن الآية قد تنطوي على إشارة إلى تلك المسائل العلمية، ولكنْ لا يمكن لنا أن ننسبها إلى القرآن على نحو القطع واليقين؛ لعدم كونها قطعية.

ج ـ إذا كانت مسائل العلوم التجريبية على شكل فرضيات محتملة في العلم، ولم تبلغ بعد مرحلة القطع واليقين، ولم تحْظَ بتأييد المحافل العلمية، لم يمكن تفسير القرآن بها؛ لأن هذه الفرضيات عرضةٌ للتغيير، وتَرِدُ عليها ذات الإشكالات التي يثيرها المعترضون على منهج التفسير العلمي([39]).

وكما تقدّم فإن العلامة الشيخ معرفت يؤكِّد على هذا المعيار، ويُصرّ على الاستفادة من العلوم القطعية في التفسير العلمي([40]).

2ـ أن تكون دلالة ظاهر الآية القرآنية على مسائل العلوم التجريبية واضحة جداً، ولا يكون في الأمر تحميل على الآية أبداً، بمعنى أننا في التفسير العلمي يجب أن نلاحظ التناسب بين ظاهر الآية والمسائل العلمية مورد البحث، بحيث تكون معاني ألفاظ وعبارات الآية منسجمة ومتناغمة مع المسائل العلمية، ولا يكون في البين أيّ تحميل للرأي على الآية. وبعبارةٍ أخرى: أن نسلك في التفسير العلمي منهجاً بحيث لا تُلجئنا الحاجة إلى التبريرات والتفسيرات المخالفة لظاهر الآية([41]).

وكما تقدّم فإن العلامة الشيخ معرفت قد أكَّد على هذا المعيار، ولم يصحِّح تطبيق القرآن على النظريات العلمية؛ لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى التحميل والتفسير بالرأي والقول بغير علم([42]).

3ـ الاستفادة من النوع الصحيح للتفسير العلمي، أي توظيف العلوم في فهم العلوم وبيان وتفسير القرآن الكريم، وتجنُّب التفسيرات العلمية الخاطئة، من قبيل: استخراج العلوم من القرآن، وتطبيق وتحميل النظريات العلمية على القرآن الكريم.

نتائج وامتيازات التفسير العلمي للقرآن الكريم

1ـ فهم القرآن بشكلٍ أفضل: هناك في القرآن الكريم ما يقرب من 1332 آية تشير إلى المسائل العلمية([43]). وإن توظيف العلوم في تفسير القرآن أدّى إلى بيان وتوضيح الإشارات العلمية الواردة في القرآن، وأنها تساعدنا على تفسير وفهم الآيات على نحو أفضل. فعلى سبيل المثال: عندما يتعرّض الله سبحانه وتعالى إلى بيان أضرار ومنافع الخمر في قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ (البقرة: 219) نجد المعطيات والاكتشافات العلمية في مجال الطبّ تعمل على بيان مراد الله من هذه الأضرار والمنافع، وتضع بين أيدينا تفسيراً واضحاً لهذه الآية.

بل أحياناً يكون تفسير بعض الآيات، دون الاستعانة بالعلوم الحديثة، أمراً معقَّداً للغاية. فعلى سبيل المثال: في فهم وتفسير الآيات 12 ـ 14 من سورة المؤمنون، والآية 5 من سورة الحج، هناك حاجة ماسّة إلى العلوم الطبّية؛ من أجل توضيحها.

وكما نستفيد من علم اللغة لفهم معاني مفردات الآية، كذلك يجب علينا الاستفادة من علم الأجنّة؛ لفهم الآيات التي تتحدَّث عن مراحل خلق الإنسان أيضاً.

قال العلامة الشيخ محمد هادي معرفت في هذا الشأن: «إن في القرآن إشارات عابرة إلى أسرار الوجود، لا يمكن فهم حقيقتها إلاّ بعد معرفة جملة من العلوم، والوقوف على كثير من أسرار الطبيعة الكامنة، التي كشفها العلم وسيكشفها على استمرارٍ، وهي خير وسيلة نافعة للحصول على فهم كتاب الله، وكشف رموزه وإشاراته الخافية»([44]).

وقال أيضاً: «إننا في هذا العرض إنما نحاول فهم جانبٍ من الآيات الكونية، ربما صعب دركها قبلئذٍ، وأمكن الاهتداء إليها في ضوء حقائق علمية راهنة جهد المستطاع»([45]).

2ـ التفسير العلمي للقرآن: يمكن للتفسير العلمي في بعض الموارد أن يُثبت الإعجاز العلمي في القرآن الكريم([46])، بمعنى أن القرآن الكريم قد نزل قبل أربعة عشر قرناً، وقد ذكر منذ ذلك الحين مسائل علمية لم يكن بوسع الإنسان في حينها أن يكتشفها أو يتعرَّف على أبعادها، وكان الناس عاجزين عن أن يأتوا بمثلها، ثم وبعد تصرُّم القرون تمّ اكتشافها بواسطة العلوم التجريبية على نحو القطع واليقين.

وهذا يُثبت أن القرآن الكريم معجزةٌ إلهية، ولذلك لا يمكن له أن يكون كلاماً بشرياً.

وفي ما يتعلَّق بالإعجاز العلمي للقرآن تمّ الاستدلال بآياتٍ في مورد قانون الزوجية العام بين الكائنات (وقانون الزوجية في النباتات)([47])، وقوّة الجاذبية([48])، وحركة الشمس([49])، وفلسفة حرمة الخمر([50])، ومراحل خلق الإنسان([51])، وتلقيح السحب والنباتات([52])، وما إلى ذلك.

كما قال «راترود فيلانت» بهذا الشأن: «يسعى أنصار القول بالتفسير العلمي للقرآن إلى إثبات تقدُّم القرآن على علماء العالم الغربي بعدّة قرون في الاكتشافات العلمية؛ إذ إنه قد تحدّث عن مسائل علمية لم يتمّ الكشف عنها من قبل علماء الغرب إلاّ بعد ذلك بقرون طويلة. وقد ذهب أكثر المولَعين بالتفسير العلمي إلى التمسُّك بهذه الأفضلية الزمانية للقرآن في مجال المعرفة العلمية، بوصفها دليلاً بارزاً على إثبات الإعجاز العلمي للقرآن، وقد أكَّدوا في براهينهم ومجادلاتهم العلمية في مواجهة الغرب على هذا البُعْد من الإعجاز العلمي، واستحالة الإتيان بمثل القرآن الكريم أو محاكاته»([53]).

وقد أكَّد الأستاذ الشيخ معرفت في مؤلَّفاته على الإعجاز العلمي للقرآن، ومن بينها: الجزء السادس من كتابه القيِّم (التمهيد في علوم القرآن)، وكتابه (علوم قرآني)، الصادر في عام 1383هـ.ش عن دار نشر التمهيد، حيث تناول فيهما الإعجاز العلمي للقرآن في العديد من الموارد. وقال في بداية بحثه: «إليك بعض ما وصلت إليه أفهام البشريّة حَسْب ما وصلت إليه من العلوم الطبيعية المقطوع بها تقريباً، وكان ذلك دليلاً على معجزة القرآن الخارقة للعادة، في يوم كان سرّ هذه العلوم والآراء النظرية مكتوماً على البشرية يومذاك، وأصبح اليوم مكشوفاً، وسيكشف حَسْب مرّ الأيام»([54]).

ويمكن بيان بعض الموارد التي ذكرها الأستاذ معرفت بشأن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم كما يلي:

أـ الجبال أوتادٌ لتثبيت الأرض واستقرارها

لقد تمّ التعبير عن الجبال بـ «الرواسي» في تسعة مواضع من القرآن الكريم، من قبيل: قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ﴾ (الأنبياء: 31)([55]).

إن التعبير عن الجبال بالرواسي يعود إلى أنها ثوابت على جذور متأصّلة وراسخة، وهو مأخوذٌ من «رست السفينة»، بمعنى إلقاء السفن للمراسي عندما يهيج البحر؛ لتبقى ثابتةً على سطحه. ومن هنا تكون الجبال بمنزلة المراسي، التي تحول دون مَيَدان الأرض في حركتها ودورانها.

كما تمّ التعبير عن الجبال بـ «الأوتاد»، بمعنى المسامير، التي تحول دون انهيار الأرض وخروجها عن موضعها، وذلك حيث يقول تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً﴾ (الأنبياء: 6 ـ 7).

تلعب السلاسل الجبلية الصخرية ـ بما تتَّصف به من علوٍّ وانخفاض ـ دوراً كبيراً في ضمان التوازن للأرض وثباتها واستقرار طبقتها، وعلى الرغم من الحمم الموجودة في جوف وبطن هذه الجبال فإنها تحول دون انهيار الأرض وزوالها.

يدرك المختصون في العلوم الطبيعية أن الأرض محاطةٌ بحلقات من السلاسل الجبلية، الأمر الذي يضاعف من ثبات الأرض واستقرارها. كما لا تخفى عليهم حكمة وكيفية ارتباط هذه السلاسل الجبلية ببعضها، واتجاهات امتداداتها أيضاً. لقد حوَّلت هذه السلاسل الجبلية الأرض ـ بما لها من النظم البديع والمتقن ـ إلى شكل حلقات جبلية تحيط بها من أطرافها الأربعة.

عندما ننظر إلى الجغرافيا الطبيعية للأرض نشاهد تضاريسها وتعرُّجاتها بوضوح، حيث نرى امتداد هذه السلاسل على طول كل قارّة على حِدَة، وكأنها تمثِّل العمود الفقري لهذه القارات.

وعندما ننظر إلى شبه الجُزُر في كل قارّة نشهد سلاسل جبلية في أطول أشكالها الممكنة. كما نرى سلاسل جبلية على طول الجزر الجبلية الكبيرة أو الصغيرة.

وقد أثبتت الدراسات الأخيرة بشأن البحار والمحيطات بالقطع واليقين أن أكثر الجزر وارتفاعاتها إنما هي في الحقيقة امتدادٌ للسلاسل الجبلية وجزءٌ منها، بمعنى أن جزءاً منها يمتدّ إلى ما تحت البحار، وأن منها ما يطفو فوقها على شكل جُزُر.

وعلى هذا الأساس فإن جميع القارات متصلةٌ ببعضها من طريق السلاسل الجبلية من طريق اليابسة أو البحار. ومن الجدير علمه أن هناك حلقة من السلاسل الجبلية تقع تحت البحر قريباً من ساحل القطب الشمالي للقارات الشمالية الثلاثة؛ إذ تحيط بالقطب الشمالي بشكلٍ كامل، وإن الكثير من الجُزُر الواقعة إلى جوار هذا الساحل تمثِّل نتوءات لهذه السلاسل الجبلية.

وهذا يعني أن القطب الجنوبي يحتوي على حلقةٍ أخرى من السلاسل الجبلية التي تحيط به أيضاً. وهناك بين هاتين الحلقتين المذكورتين حلقات أخرى من السلاسل الجبلية الممتدّة على طول القارات والمحيطات من الشمال إلى الجنوب، مؤلفة بذلك ارتباطاً وثيقاً فيما بينها. وكأن هذه السلاسل الجبلية عبارة عن أطر متشابكة تقبض على الأرض بإحكامٍ؛ للحيلولة دون انفراط عقدها وتلاشيها على شكل شظايا منتشرة في الفضاء.

ومن ناحية الأخرى ندرك أن باطن الأرض عبارة عن كرةٍ ملتهبة من الحمم الهادرة التي توشك أن تنفجر، ولولا صلابة وقسوة القشرة والطبقة الخارجية للأرض لأمكن لهذه الحمم أن تبيد الأرض وتقضي عليها. وإن الزلازل والبراكين التي تحدث من حينٍ لآخر لا تمثِّل سوى جزءٍ يسير من نشاط هذه الحمم الملتهبة والمستعرة في جوف الأرض.

ولو أن الله لم يحفظ الأرض بهذه الطبقة القاسية من السلاسل الجبلية الصلبة لغارت الأرض بأهلها، وانصهرت في حممها، ولانهارت أركانها. ولكنّ الله سبحانه وتعالى قد أخذ على نفسه حفظها، وحفظ السماوات من الزوال والانهيار؛ إذ يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ (فاطر: 41).

يُلاحظ أن الجبال عبارة عن صخور جبلية متسلسلة تحيط بالأرض من جميع أطرافها، الأمر الذي يترك تأثيراً مباشراً على توازن الأرض، والحيلولة دون زلزلتها وانهيارها. يضاف إلى ذلك أن قسوة هذه الطبقة المحيطة بالأرض تحول دون الاشتعال الداخلي للأرض أيضاً، وقد أشار الإمام عليّ× في كلماته([56]) إلى هذه الحقائق، التي لم تنكشف إلاّ بواسطة العلوم الحديثة([57]).

ب ـ صعوبة التنفُّس في المرتفعات الشاهقة

قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ (الأنعام: 125).

تتحدّث هذه الآية عن صعوبة وعُسْر حياة الضالين والمنحرفين، وتشبِّههم بالذي يحلِّق في الطبقات العليا من جوّ السماء، وأنه إثر ذلك يتعرَّض إلى الاختناق وضيق في التنفُّس.

وقد اختلف المفسِّرون المتقدمون في بيان المناسبة والوجه في تشبيه الضالّ بمَنْ يصعد في السماء.

وقد ذهب البعض إلى القول بأن ذلك يأتي من باب التعجيز، حيث لا يستطيع الإنسان التحليق في السماء، مثل الطيور، الأمر الذي يشقّ عليه ويجعله في حالةٍ من الضيق، ويجعل تنفُّسه حرجاً.

وهناك مَنْ قال: إن هذا التشبيه نظير الحالة التي تكون عليها الأشجار الصغيرة في الغابات عندما تحاول شقّ طريقها في النموّ مرتفعة إلى الأعلى، وقد سبقتها الأشجار العظيمة وسدَّتْ عليها الطريق، فلا تستطيع الوصول إلى غايتها إلاّ بصعوبةٍ ومشقّة، وما إلى ذلك من الأمور التي لا تبيِّن مفهوم الآية بوضوحٍ.

أما اليوم حيث توصَّل العلم إلى ظاهرة ضغط الهواء على سطح الأرض، وتناسبه مع درجة ضغط الدم داخل أجسامنا، الأمر الذي يؤدّي إلى توازن الضغط الخارجي والداخلي، وبذلك ندرك وجه التشبيه في الآية على نحوٍ واضح، ويزول الإبهام والغموض في تفسير الآية.

وقد نشأ خطأ المتقدِّمين من المفسِّرين من أنهم فهموا من عبارة: ﴿يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ ـ بتشديد الصاد والعين، واستعمال كلمة «في» ـ السعي إلى الصعود إلى السماء، في حين لو كان هذا المعنى هو المراد لوجب استعمال كلمة «إلى» بدلاً من كلمة «في». الأمر الآخر أن كلمة «يصَّعَّد» ـ من الناحية اللغوية ـ لا تفيد معنى الصعود والتحليق نحو الأعلى، بل إن استعمالها يأتي من باب التفعُّل، لإفادة معنى العسر والمشقة، بحيث يضيق النفس في الصدر لشدّة الشعور بالضغط والصعوبة؛ فإن معنى «تصعَّد نفسه» لغةً هو صعوبة التنفُّس وضيقه في الصدر عند الشعور بالحزن والألم. كما تستعمل كلمات «الصعود» و«صَعَد» في القمم والتضاريس التي يصعب أو يشقّ اجتيازها، وتستعمل لكلّ أمرٍ شديد التعذُّر والصعوبة.

وقال الله سبحانه وتعالى في سورة الجنّ من محكم الذكر: ﴿وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً﴾ (الجنّ: 17).

وقال في سورة المدثر: ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً﴾ (المدثر: 17).

ومن هنا يكون معنى قوله تعالى: ﴿كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾: «إنه كالذي يتعرَّض للاختناق وضيق في التنفُّس عندما يحلِّق في الطبقات العليا المرتفعة من جوّ السماء». وفي الحقيقة فإن الذي يُعْرِض عن ذكر الله يكون في حياته مثل الذي يرتفع في هذه الطبقات العليا من السماء، التي ينعدم فيها الأوكسجين الكافي. من هنا يتَّضح من هذا التعبير الإعجازي بما لا لبس فيه أن الذي يحلِّق في الطبقات العليا من السماء، دون أن يتزوَّد بالأوكسجين، سوف يتعرَّض إلى ضيقٍ وحَرَج في التنفُّس. وهذا ما لم يكن بوسع الإنسان أن يكتشفه في عصر النزول.

لقد كان الاعتقاد السائد حتّى عام 1643م قائماً على أن الهواء فاقدٌ للوزن، ولم يتوصَّل العلم إلى خلاف ذلك إلاّ بعد اختراع جهاز قياس وزن الهواء من قبل «توريتشلي» (1608 ـ 1647م)([58])، حيث تمّ التوصل إلى حقيقة أن للهواء وزناً. كما تمّ التوصُّل إلى حقيقة أن الهواء مزيجٌ من الغازات الخاصة، التي لكل واحد منها وزنه المحدَّد، ويمكن قياس وزن الهواء في كلّ مكانٍ مع مقدار وحجم الضغط الحادث، وكلما ارتفعنا فوق مستوى سطح البحر أكثر قلّ حجم هذا الضغط. وقد تمّ التوصّل حالياً إلى أن ضغط الهواء على سطح البحر يعادل ثقل أنبوبة عمودية من الزئبق طولها 76 سم. ونفس مقدار هذا الضغط في سطح البحر يتعرَّض له جسم الإنسان أيضاً. بَيْدَ أن هذا الضغط ينخفض إلى النصف عند الارتفاع عن مستوى سطح البحر بخمسة كيلومترات. وعليه كلما ارتفعنا أكثر أصبح الضغط أقلّ، ولا سيَّما في طبقات الهواء المرتفعة حيث ينخفض الضغط إلى مستويات فاحشة، ويصبح رقيقاً جداً.

وفي الحقيقة فإن نصف غازات الهواء، أي تراكم الغطاء الجوّي ـ سواء من حيث الوزن أو الضغط ـ، تقع بين مستوى سطح البحر إلى ارتفاع خمسة كيلومترات. وإن ثلاثة أرباعه تمتد إلى ارتفاع 12 كيلومتراً. ولكنْ عندما نصل إلى ارتفاع 80 كيلومتراً ينخفض وزن الهواء إلى 20000 / 1 تقريباً. وقد تمّ التوصّل من خلال الشهب إلى أن تراكم الهواء يصل تقريباً إلى حدود ارتفاع 350 كيلومتراً؛ وذلك لأن هذه المسافة هي التي تلتهب الأحجار والأجرام السماوية عند الاصطدام بذرّات الهواء فيها([59]).

إن الهواء يضغط على أجسامنا، ويلقي بثقله علينا من الخارج، ولكنّنا لا نشعر بهذا الضغط؛ وذلك لأن ضغط الدم الجاري في عروقنا يعادل ضغط الهواء، وبذلك يعتدل الضغط الخارجي والداخلي من أجسامنا. ولكنْ عندما يصعد الإنسان ويرتقي فوق قمم الجبال الشاهقة، وينخفض ضغط الهواء، سيختلّ هذا التوازن، ويغدو الضغط الداخلي أكبر من الضغط الخارجي. فإذ زاد انخفاض ضغط الهواء قد ينبجس الدم من منافذ الجسم إلى الخارج. والشعور الأول الذي سيعتري الإنسان في مثل هذه الحالة هو الضغط على الجهاز التنفُّسي، الذي يحصل بفعل ضغط الدم على الأوعية التنفسية، الأمر الذي يسدّ مجرى التنفُّس، ويؤدّي إلى ضيق في الصدر وصعوبة في التنفُّس([60]).

 

ج ـ الماء قوام حياة الكائنات

قال تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ (الأنبياء: 30).

ورُوي عن النبي الأكرم‘ أنه قال: «كل شيء خُلق من الماء»([61]).

وعليه طبقاً لهذه الآية الشريفة، والحديث المأثور عن النبي الأكرم‘، يمثِّل الماء منشأً لوجود وحياة جميع الكائنات.

وقد نقل الشيخ الصدوق عن جابر بن يزيد الجعفي ـ وهو من كبار التابعين ـ أسئلته التي طرحها على الإمام الباقر×، ومنها: سؤاله عن بدء الخلق، فقال الإمام الباقر في جوابه: «أول شيء خلقه من خلقه الشيء الذي جميع الأشياء منه، وهو الماء»([62]).

كما ذكر الشيخ الكليني في روضة الكافي رواية عن الإمام الباقر× أجاب فيها عن سؤال الرجل الشامي له عن أوّل ما خلق الله؟ قائلاً: «خلق الشيء الذي جميع الأشياء منه، وهو الماء الذي خلق الأشياء منه، فجعل نسب كل شيء إلى الماء، ولم يجعل للماء نسباً يضاف إليه»([63]).

وقد روى محمد بن مسلم ـ وهو من كبار الشخصيات ـ عن الإمام الصادق× أنه قال: «كان كل شيء ماء، وكان عرشه على الماء»([64]).

كما يدلّ قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ (هود: 7) على أن الماء كان موجوداً قبل خلق الوجود، وقبل خلق السماوات والأرض؛ إذ إن التعبير بلفظ «العرش» في قوله: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ كناية عن عرش التدبير، والمراد به علم الله تعالى بجميع المصالح والأمور الضرورية والهامّة في فترة ومرحلة لم يكن هناك سوى الماء. وبالتالي فإن الآية كنايةٌ عن أن الله تعالى كان ولم يكن معه شيء، وأنه عمد إلى خلق الماء قبل أن يخلق الكون، ثم خلق جميع المخلوقات من الماء.

وقد أشار القرآن الكريم في أكثر من موضعٍ إلى أن منشأ الحياة في التكوين، والظهور على مسرح الحياة واستمرارها، يعود إلى الماء؛ إذ يقول:

ـ ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ (الأنبياء: 30).

ـ ﴿وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾ (النور: 45).

ـ ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً﴾ (الفرقان: 54).

والمراد من هذا الماء هو الماء الذي كان منشأً لجميع الكائنات، كما ورد في الآيات المتقدِّمة، أو أن المراد منه هو النطفة، كما في قوله تعالى:

ـ ﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾ (الطارق: 6).

ـ ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ (المرسلات: 20).

إن المراد من «المهين» بحسب الظاهر هو القذر والنتن، إلا أن أغلب المفسِّرين ذهبوا إلى الاعتقاد بأن المراد من «الماء» هو الظاهرة الأولى، على ما قاله الفخر الرازي: «أول ما خلق الله الماء»([65])، وهو الشيء الذي نشأت عنه جميع المخلوقات الأخرى؛ لأن الماء هو البذرة والنواة الأولى لجميع الكائنات، فالماء هو البذرة الأولى التي تتكوّن على شكل حيوان منوي الأميبي المؤلَّف من خلية واحدة، ثم يأخذ بالتكامل والتحوّل إلى كائن حيّ متكامل كثير الخلايا والتعقيد، وقد تتجاوز خلاياه المليون خلية.

وأما كيفية ظهور الحياة ـ في المحيطات والبحار والمستنقعات ـ فهي من الأمور الغامضة والمبهمة التي لم يتمكَّن العلم التجريبي من الوصول إلى كُنْهها. من هنا فقد عمدت نظرية تكامل الكائنات الحية ـ على جميع الفرضيات المطروحة حتى الآن ـ إلى دراسة مرحلة ما بعد ظهور أول خلية حيّة، أما المرحلة السابقة عليها فلا تزال مجهولة. والمعلوم هو أن الحياة قد نشأت بإرادةٍ إلهية ـ حاكمة على جميع مقدِّرات الوجود ـ، وهذا أمرٌ ثابت لا غبار عليه، ولا مناص من الاعتقاد به؛ وذلك لبطلان التسلسل؛ ولاستحالة الخلق الذاتي والتلقائي. كما أن العلم التجريبي الحديث يرى بطلان الخلق التلقائي أيضاً([66]).

د ـ الغلاف الجوّي المحيط بالأرض

قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾ (الأنبياء: 32).

لقد أحاط بالأرض غلاف هوائي سميك يصل طوله إلى 350 كيلومتراً. ويتكوّن الهواء من غاز النيتروجين بنسبة 78.03%، والأوكسجين بنسبة 20.99%، وثاني أوكسيد الكاربون بنسبة 0.04%، وبخار الماء والغازات الأخرى بنسبة 0.94%. إن هذا الغلاف الهوائي على ما هو عليه من السمك والقوّة المؤلفة من هذه المقادير من الغازات يمثل سدّاً ودرعاً حصيناً يقي الأرض من أخطار الأجرام والشهب والأحجار السماوية العظيمة التي تستهدف الأرض بكثرةٍ، ومن جميع الجهات، وبذلك فإن هذا الغلاف الجوي يمثِّل حصانة لسكان الأرض، والأرض نفسها، من الزوال والانهيار، وبذلك تكون الأرض صالحةً للحياة.

إن الفضاء زاخرٌ بالأحجار الكبيرة والصغيرة المتكوّنة بفعل انفجار النجوم والكواكب وتلاشيها. إن هذه الأحجار تدور حول الشمس بأعداد كبيرة، وإن العشرات منها يقترب من الأرض يومياً؛ بفعل قوّة جاذبيتها، حيث تنزل على الأرض بسرعةٍ فائقة جداً تقدَّر بخمسين إلى ستين كيلومتراً في الثانية. ولكنها بفعل هذه السرعة الكبيرة ترتفع حرارتها إثر اصطدامها بذرّات الهواء، وترتفع الحرارة إلى درجاتها القصوى، حتّى تصل إلى حدّ الاحتراق والاشتعال، فتظهر في الليل على شكل خطٍّ ممتد من النار، سرعان ما يخبو، وهو ما يعرف بالشُهُب. وإن من هذه الأحجار ما يكون حجمه من العظم بحيث يتيح له اجتياز الغلاف الجوي والاصطدام بالأرض، متفحماً، ومحدثاً انفجاراً ودويّاً هائلاً.

وهذا من آثار رحمة الله تعالى بأهل الأرض؛ إذ حفظهم بهذا السقف الحصين من هذه القذائف والحمم السماوية المدمّرة، وإلاّ لاستحالت الحياة على الكرة الأرضية. ومضافاً إلى ذلك تحظى طبقة الأوزون بأهمِّية كبيرة جدّاً. إن هذه الطبقة التي تتكوَّن بفعل الرعد والبرق تحفظ الأرض تجاه الأشعة الكونية الضارّة. ولولا هذه الطبقة لاستحالت الحياة على الأرض أيضاً. وقد جاء تفصيل ذلك في محله. وعليه لا بُدَّ من القول على الدوام: ﴿سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ (الزخرف: 13).

3ـ إن التفسير العلمي للقرآن يعزِّز إيمان المسلمين، ويُمهِّد الأرضية لدخول غير المسلمين في الإسلام وإيمانهم بالقرآن الكريم، بمعنى أنه عندما يثبت أن القرآن يحتوي على إشارات علمية تقدَّم بها على اكتشافات ومعطيات العلوم التجريبية بقرونٍ يرتفع الرصيد الإيماني بين المسلمين، ولا سيَّما بين الشباب منهم، كما سيؤدّي ذلك بالمخالفين إلى الإذعان والإقرار بعظمة القرآن.

من هنا نجد العالم الفرنسي «موريس بوكاي» يؤلِّف كتاباً تحت عنوان (الكتاب المقدَّس والقرآن والعلم)([67])، حيث بحث فيه المسائل العلمية في القرآن بحثاً مقارناً بالتوراة والإنجيل. وقد اعترف في أكثر من موضع من هذا الكتاب بمخالفة التوراة والإنجيل لمعطيات العلوم التجريبية، وأقرّ بأن القرآن الكريم لا يحتوي على شيءٍ مما يخالف العلم، بل إنه يحتوي في هذا المجال على أمور إعجازية مذهلة.

بَيْدَ أن الأستاذ معرفت لم يتعرَّض إلى هذه النتيجة من التفسير العلمي بشكلٍ صريح، وإنْ كان قد أشار في بعض كلماته إلى الإعجاز العلمي في القرآن الكريم([68]).

4ـ التنظيرات العلمية للقرآن الكريم: كما تقدَّم فإن من بين ثمار التفسير العلمي للقرآن الكريم ظهور النظريات المستحدثة في مجال العلوم الطبيعية (من قبيل: وجود الكائنات الحيّة في الكواكب الأخرى)([69])، وفي مجال العلوم الإنسانية (من قبيل: نظرية الاقتصاد اللاربوي).

5ـ إدارة دفّة العلوم الإنسانية: كما سبق فإن من بين ثمار التفسير العلمي للقرآن الكريم ظهور مبانٍ جديدة للعلوم الإنسانية، التي تؤدي إلى توجُّهٍ جديد لهذه العلوم.

فعلى سبيل المثال: يمكن للعلوم الإنسانية ـ من خلال رعاية أصل العدل في الاقتصاد، والاهتمام بمكافحة الفقر في الاقتصاد والإدارة، وكذلك رعاية الأخلاق الإسلامية في الإدارة، وهكذا الاهتمام بالبُعْدين من شخصية الإنسان (الروح والجسد) في علم النفس، والاهتمام بمحورية الله بَدَلاً من محورية الإنسان (النزعة الإنسانية) في العلوم الإنسانية ـ أن تؤسِّس لمبانٍ جديدة لهذه العلوم، وأن تمنحها توجُّهاً جديداً، بحيث نحصل على علوم إنسانية جديدة في العالم.

تنويه: لم يتعرَّض الأستاذ معرفت في مؤلَّفاته إلى هذين الموردين الأخيرين بشكلٍ صريح، إلاّ أنه ركَّز في مورد التفسير العلمي على الإعجاز العلمي، حيث تناوله بمزيدٍ من الاهتمام.

آفات التفسير العلمي للقرآن

1ـ إن العلوم التجريبية غالباً ما لا تكون قطعية، وإن نظرياتها متزعزعة وعرضة للتغيُّر بعد فترة من الزمن. فإذا فسرنا القرآن الكريم بهذه العلوم المتغيِّرة وغير القطعية سوف ينسحب الشكّ في مصداقية القرآن فيما لو ثبت بعد ذلك خطأ هذه النظريات، الأمر الذي يعرِّض إيمان الناس إلى التزلزل. فعلى سبيل المثال: هناك من المفسرين مَنْ فسّر بعض آيات القرآن في ضوء علم الهيئة البطليموسية، وطبّق الأفلاك السبعة على القرآن، وبعد قرون تبيَّن بطلان هذه النظرية، فأدّى ذلك بالبعض إلى تصوُّر أن علم الهيئة الجديد (الذي صدع به كوبرنيق) يتعارض مع القرآن([70]).

وكما ذكرنا سابقاً فإن العلاّمة الأستاذ معرفت قد أشار إلى هذا الخطر، وقال: حيث إن هذه العلوم غير قطعية يجب الحديث عنها في التفسير العلمي على نحو الاحتمال، دون القطع واليقين([71]).

2ـ إن التفسير العلمي يفضي في الكثير من الأحيان إلى التفسير بالرأي؛ لأن الذين يسعون إلى التفسير العلمي قد سقطوا ـ للأدلّة المتعدِّدة التي سنأتي على ذكرها ـ في مغبّة التفسير بالرأي:

أـ هناك من الأشخاص مَنْ لا يتمتَّع بالتخصُّص الكافي في القرآن والتفسير، ومع ذلك يباشر تفسير القرآن تفسيراً علمياً، دون أن يتصف بشرائط المفسِّر. وهذا من موارد سقوط المفسِّر في ورطة التفسير بالرأي.

وقد أشار العلامة الأستاذ معرفت إلى هذه الآفة قائلاً: «راج لدى بعض المثقَّفين الذين لهم عناية وشغفٌ بالعلوم، إلى جنب عنايتهم بالقرآن الكريم. وكان من أثر هذه النزعة التفسيرية الخاصة، التي تسلّطت على قلوب أصحابها، أن أخرج لنا المشغوفون بها كثيراً من الكتب والرسائل التي يحاول أصحابها فيها أن يحمِّلوا القرآن كثيراً من علوم الأرض والسماء»([72]).

ب ـ هناك من المغرضين مَنْ قد يسعى ـ من خلال توظيف الآيات الناظرة إلى مختلف العلوم ـ إلى إثبات نظرياته، وقد تكون هذه النظريات منحرفة، بل وإلحادية أحياناً، إلاّ أنه يقيم هذه النظريات الإلحادية من خلال الاستعانة بالتفسير العلمي للقرآن الكريم، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحميل وإسقاط النظريات على القرآن، وهذا من المصاديق البارزة للتفسير بالرأي. فعلى سبيل المثال: هناك مَنْ حاول ربط الحقائق الغيبية وما وراء الطبيعية في القرآن الكريم بالمسائل المحسوسة، وقد ذهب به الأمر إلى حدّ القول: إن مراد القرآن من الملائكة هو الميكروبات التي تقضي على أرواح الناس([73])؛ أو أنه حمل شخصية قابيل في موضعٍ آخر على مرحلة المجتمع اللاطبقي والمجتمع الإقطاعي؛ كي يتطابق ذلك مع تكامل المجتمع في المذهب الماركسي([74]).

ج ـ هناك مَنْ يسعى إلى استخراج جميع العلوم من القرآن الكريم (كما ذكر ذلك بشأن الغزالي)، حيث قام في هذا الشأن بتطبيق كلّ مسألةٍ علمية على القرآن، الأمر الذي قد يؤدّي إلى التحميل أحياناً، ويفضي إلى التفسير بالرأي. في حين تقدَّم بطلان ذلك.

وقد حذَّر الأستاذ معرفت من خطر هذا التوجُّه، معتبراً بطلان المبنى الذي يقوم عليه القائلون بهذا النوع من التفسير العلمي([75]).

3ـ قد ينتهي التفسير العلمي للقرآن إلى التأويل غير الجائز أحياناً، كما يفعل بعض الأشخاص عند قيامهم بالتفسير العلمي للقرآن، حيث يتجاوز حدود ظواهر الألفاظ والآيات، وكلّما تعارضت آيةٌ مع النظرية أو القانون العلمي (الذي يقول به) عمد إلى تأويلها؛ كي يتمكن من نسبة تلك النظرية إلى القرآن الكريم([76]). وبعبارةٍ أخرى: يعمل على حمل النظريات العلمية غير الثابتة على القرآن، وهو نوعٌ من التفسير بالرأي.

والنموذج الملفت لهذا النوع من التأويلات نجده في مورد نظرية التكامل لدارْوِن. حيث نجد أحدهم يؤلِّف كتاباً يفترض فيه تمامية نظرية التكامل وصحتها، فيعمل على الاستشهاد بكلّ آيةٍ توافق نظرية التكامل، ويعمل على تأويل الآيات المخالفة لها، ويحملها على خلاف ظاهرها؛ لتوافق نظرية التكامل. وفي المقابل نجد شخصاً غيره يؤلِّف كتاباً آخر يفترض فيه بطلان نظرية التكامل الدارْوِِنية، ويسوق الآيات المخالفة لهذه النظرية، ويعمل على تأويل الآيات الموافقة لها، مرتكباً بذلك تأويلاً([77]). وكلاهما ينسب رأيه إلى القرآن الكريم، بل ويصرّ عليه أحياناً.

كما يمكن مشاهدة هذا النوع من التفسير العلمي في بحث «العَرْش» و«الكرسي»، وتأويلهما بالفلك الثامن والتاسع.

كما نشاهد مثالاً آخر لذلك في تأويل قصة إبراهيم، وحياة وموت المجتمعات في (تفسير المنار)([78]).

وربما كان مراد العلامة الطباطبائي من تسمية التفسير «تطبيقاً» هو هذا التحميل والتأويل للآيات([79]).

وقد نقل العلامة الأستاذ معرفت، في الجزء السادس من كتاب التمهيد، أمثلةً كثيرة لهذا النوع من التأويلات عن السيوطي والزركشي وأبي الفضل المرسي وأبي بكر المعافري والغزالي، وقام بنقدها([80]).

4ـ إن الإغراق في بيان التفسير العلمي للقرآن، وإقحامه في تضاعيف تفسير القرآن، يؤدي إلى تجاهل الغاية والقصد الرئيس للقرآن، المتمثِّل بالتربية والتزكية والهداية، كما نجد بعضاً من ذلك في التفاسير الجديدة (مثل: تفسير الطنطاوي). وعليه من الأفضل تجنُّب التفسير العلمي للقرآن، والاكتفاء ببيان المقاصد الأصلية والرئيسة للقرآن الكريم.

وبعبارةٍ أخرى: إن التفسير العلمي يؤدّي إلى سوء فهم القرآن ومهمته الرئيسة، حيث يذهب الظنّ بالبعض إلى اعتبار القرآن الكريم مجرّد كتاب لبيان العلوم، لا أكثر([81]).

وهذا ما أشار إليه الأستاذ معرفت في معرض نقده لتفسير الطنطاوي، معتبراً إياه انحرافاً في التفسير([82]).

خلاصةٌ واستنتاج

اتّضح مما تقدَّم أن التفسير العلمي واحدٌ من أساليب تفسير القرآن الكريم، وأن توظيفه والاستفادة منه ضروريةٌ لفهم وتفسير الآيات العلمية للقرآن الكريم.

واتّضح أيضاً أن لهذا الأسوب التفسيري أنواعاً مختلفة.

وإن منها ما لا يكون صحيحاً، من قبيل: استخراج العلوم من القرآن، وتحميل وإسقاط النظريات العلمية على القرآن؛ لأنها تؤدي إلى التفسير بالرأي.

ومنها ما هو صحيح، من قبيل: توظيف العلوم في فهم القرآن الكريم وتفسيره.

واتّضح أيضاً أن التفسير العلمي يمتاز بأمور، من قبيل: فهم الآيات العلمية في القرآن بشكلٍ أفضل، وإثبات الإعجاز العلمي.

ولكنّه لا يخلو من بعض الآفات التي تنشأ من عدم مراعاة الأسلوب الصحيح للتفسير العلمي (المتمثِّل بتوظيف العلوم التجريبية القطعية في فهم القرآن).

وإن مراعاة ذلك ستؤدّي إلى التخلُّص من أغلب تلك الآفات.

واتّضح أيضاً أن العلامة الأستاذ معرفت، ضمن قوله بالتفسير العلمي والإعجاز العلمي للقرآن، قد أكَّد في مختلف كتبه بنحوٍ ما على هذا الأمر.

الهوامش

____________________

(*) أستاذٌ وباحث متخصِّصٌ في العلوم القرآنيّة، وعضو الهيئة العلميّة في جامعة المصطفى‘ العالميّة.

([1]) انظر: أبو حامد الغزالي، جواهر القرآن: 27، الفصل الخامس.

([2]) انظر: التفسير والمفسرون 2: 481، نقلاً عن: ابن أبي الفضل المرسي.

([3]) انظر: بدر الدين الزركشي، البرهان في علوم القرآن 2: 181 ـ 182.

([4]) انظر: التفسير والمفسِّرون 2: 454 ـ 495.

([5]) انظر: محمد هادي معرفت، علوم قرآني: 343 ـ 344؛ محمد هادي معرفت، التمهيد في علوم القرآن 6: 13 ـ 26.

([6]) انظر: عبد الرزاق نوفل، القرآن والعلم الحديث: 156.

([7]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 6 فما بعد (المقدمة).

([8]) معرفت، التمهيد في علوم القرآن 6: 12.

([9]) انظر: إريك أوبلاكر، فيزيك نوين (الفيزياء الحديثة): 45 ـ 48.

([10]) انظر: الرعد: 2؛ لقمان: 10، وغيرهما.

([11]) انظر: تفاسير القرآن، الآية 29 من سورة الشورى، من قبيل: الجواهر، للطنطاوي، والقرآن والعلم الحديث، لعبد الغني الخطيب، مثلاً.

([12]) انظر: ستيفن هاوكينغ، تاريخچه زمان (تاريخ الزمن): 58.

([13]) انظر: محمد علي رضائي الإصفهاني، پژوهشي در إعجاز علمي قرآن 1: 142 فما بعد.

([14]) انظر: إيمان مرادي، رازهاي آسمانهاي هفت گانه؛ محمد باقر بهبودي، هفت آسمان؛ محمد علي رضائي الإصفهاني، پژوهشي در إعجاز علمي قرآن 1: 126 فما بعد.

([15]) انظر: يد الله سحابي، خلقت إنسان در بيان قرآن؛ ونظرية التكامل من وجهة نظر القرآن، لمؤلِّفه: مسيح مهاجري، في إنكار نظرية التطوّر.

([16]) انظر في هذا الشأن: محمد عثمان نجاتي، قرآن وروانشناسي، دفتر همكاري حوزه ودانشگاه، مباني اقتصاد إسلامي، نوروزي، نظام سياسي إسلام؛ محمد حسن نبوي، مديريت إسلامي؛ وغيرها.

([17]) وفي هذا الشأن تمّ إيراد الكثير من الإشكالات على الاستقراء الناقص في العلوم، وهناك ردودٌ على هذه الإشكالات أيضاً. (انظر: علي أكبر سياسي، مباني فلسفه: 210 ـ 244؛ إيان بابربر، العلم والدين: 3، 213 ـ 214؛ محمد باقر الصدر، الأسس المنطقية للاستقراء: 135، 383 ـ 400؛ محمد علي رضائي الإصفهاني، درآمدي بر تفسير علمي قرآن: 185 ـ 200).

([18]) هذه هي رؤية بوبر(1994م). انظر: بوبر، حدس ها وإبطال ها ومنطق اكتشافات؛ محمد علي رضائي الإصفهاني، درآمدي بر تفسير علمي قرآن: 200 ـ 204.

([19]) من قبيل: نظرية بطليموس (القرن الثاني الميلادي)، التي كانت ترى الأرض هي مركز الكون، وأن الشمس والأفلاك تدور حولها. وقد استمرّت هذه النظرية هي المهيمنة على الفكر البشري والعلمي لقرابة أربعة عشر قرناً، ثم طرأ التغيّر عليها من قبل كوبلر وكوبرنيق وغاليلو، وحلَّت محلها نظرية حركة الأرض حول الشمس.

([20]) معرفت، علوم قرآني: 344؛ وانظر أيضاً: معرفت، التمهيد في علوم القرآن 6: 12.

([21]) انظر: محمد جميل الحبّال ومقداد مرعي الجواري، العلوم في القرآن: 35 ـ 36.

([22]) انظر: الغاشية: 17؛ النحل: 5 ـ 14.

([23]) انظر: النحل: 89.

([24]) كان فيثاغورس هو أول مَنْ قال بحركة الأرض، تلاه فلوته خوس وأرخميدس. (انظر: هبة الدين الشهرستاني، الهيئة والإسلام: 44).

([25]) انظر: يس: 36.

([26]) انظر: الرعد: 2؛ لقمان: 10.

([27]) انظر: يس: 38.

([28]) انظر: الحجّ: 5؛ المؤمنون: 12 ـ 14.

([29]) انظر: الحجر: 22.

([30]) انظر: معرفت، التمهيد في علوم القرآن 5: 6 ـ 7، 12، 25.

([31]) هناك من المفسِّرين مَنْ صرّح بأن الآية 89 من سورة النحل تعني المسائل والأمور المتعلقة بالهداية، ومن هؤلاء المفسِّرين: محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 14: 325؛ الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 4: 298؛ محمد بن محمد الزمخشري، الكشاف في تفسير القرآن 2: 21، 31.

([32]) انظر: معرفت، علوم قرآني: 343 ـ 344.

([33]) انظر: الزمر: 9؛ فاطر: 28؛ المجادلة: 11.

([34]) انظر: البقرة: 2، 97، 185؛ آل عمران: 138؛ الأعراف: 203؛ يونس: 57، وغيرها من الآيات.

([35]) انظر: إبراهيم: 1.

([36]) انظر: الرعد: 2 ـ 4.

([37]) انظر: الحج: 5.

([38]) انظر: معرفت، علوم قرآني: 2 ـ 13.

([39]) لقد ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي مضمون هذا المعيار في كتابه (قرآن وآخرين پيامبر): 147، كما نجده في كلمات الكثير من القائلين بالتفسير العلمي أيضاً.

([40]) انظر: معرفت، علوم قرآني: 344. وانظر أيضاً: معرفت، التمهيد في علوم القرآن 6: 12، 25.

([41]) انظر: المصدر نفسه. وانظر أيضاً: عبد الرحمن العك، أصول التفسير وقواعده: 224؛ عميد زنجاني، مباني وروش تفسير قرآن: 256.

([42]) انظر: معرفت، التمهيد في علوم القرآن 6: 12.

([43]) انظر: المصدر نفسه.

([44]) المصدر السابق 6: 25.

([45]) المصدر السابق 6: 12.

([46]) انظر: محمد هادي معرفت، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 2: 443.

([47]) انظر: يس: 36.

([48]) انظر: الرعد: 2؛ لقمان: 10.

([49]) انظر: يس: 38.

([50]) انظر: البقرة: 219.

([51]) انظر: الحجّ: 5؛ المؤمنون: 12 ـ 14.

([52]) انظر: الحجر: 22.

([53]) راترود فيلانت، مقال: تفسير القرآن في المرحلة الجديدة والمعاصرة، دائرة معارف ليدن القرآنية.

([54]) معرفت، التمهيد في علوم القرآن 6: 30.

([55]) الأنبياء: 31. وانظر أيضاً: الرعد: 3؛ النمل: 61؛ الحجر: 19؛ النحل: 15؛ لقمان: 10؛ فصّلت: 10؛ المرسلات: 27.

([56]) انظر: نهج البلاغة: 328، الخطبة 321، شرح: صبحي الصالح.

([57]) لمزيدٍ من التوضيح انظر: معرفت، التمهيد في علوم القرآن 6: 151 ـ 161.

([58]) انظر: پيير روسو، تاريخ العلوم: 256.

([59]) انظر: رشيد رشيدي البغدادي، بصائر جغرافية: 205 ـ 208.

([60]) انظر: مبادئ العلوم العامة: 57؛ وانظر أيضاً: مع الطبّ في القرآن الكريم: 21.

([61]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 54: 208، الرقم 170؛ السيوطي، الدرّ المنثور 4: 317.

([62]) الصدوق، التوحيد: 67، رقم 20، باب التوحيد.

([63]) الكليني، الكافي (الروضة) 8: 66، حديث الشامي مع أبي جعفر الباقر×، ح67، طبعة دار الأضواء.

([64]) المصدر السابق 8: 67، ح68.

([65]) انظر: تفسير الفخر الرازي 24: 16.

([66]) للمزيد من التفصيل انظر: معرفت، التمهيد في علوم القرآن 6: 31 ـ 61.

([67]) The Bible the Quran and Science. Maurice Bucaille.

وقد ترجم هذا الكتاب مراراً إلى اللغة العربية والفارسية، وإليك عناوين بعض هذه الترجمات:

1ـ عهدين، قرآن وعلم، ترجمة: حسن حبيبي، انتشارات سلمان، 1357هـ.ش.

2ـ مقايسه إي ميان تورات، إنجيل، وقرآن، وعلم، ترجمة: ذبيح الله دبير، انتشارات فرهنگي وإسلامي، 1365هـ.ش.

3ـ التوراة والإنجيل والقرآن والعلم الحديث.

4ـ دراسة الكتب المدرسية في ضوء المعارف الحديثة.

([68]) انظر: معرفت، التمهيد في علوم القرآن 6: 30؛ معرفت، علوم قرآني: 342، 347.

([69]) انظر: الشورى: 29.

([70]) انظر: محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسِّرون 2: 491 ـ 494.

([71]) انظر: معرفت، التمهيد في علوم القرآن 6: 26.

([72]) معرفت، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 2: 443.

([73]) انظر: دروس سنن الكائنات: 451، نقلاً عن: أحمد عمر أبو حجر، التفسير العلمي في الميزان: 228.

([74]) انظر: ناصر مكارم الشيرازي، تفسير به رأي: 78.

([75]) انظر: معرفت، التمهيد في علوم القرآن 6: 13 فما بعد.

([76]) ولا يخفى أن هذا النوع من التأويلات غير الجائزة تدخل ـ بطبيعة الحال ـ في باب التحميل والإسقاط على القرآن الكريم، ويُعَدّ نوعاً من التفسير بالرأي.

([77]) لمزيدٍ من الاطلاع انظر: مسيح مهاجري، نظرية تكامل أز ديدگاه قرآن؛ علي مشكيني، تكامل در قرآن؛ يد الله سحابي، خلقت إنسان در بيان قرآن.

([78]) راجع مبحث الآراء لنظرية ابن سينا، والمجلسي، ورشيد رضا في تفسير المنار.

([79]) انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 6.

([80]) انظر: معرفت، التمهيد في علوم القرآن 6: 13 فما بعد.

([81]) انظر: سيد قطب، تفسير في ظلال القرآن 1: 261 ـ 263 (بتصرُّف في العبارة).

([82]) انظر: معرفت، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 2: 448 ـ 449.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً