أحدث المقالات

ترجمة: حيدر حب الله

مسألة المرأة إبّان الحركة الدستورية وقبلها ـــــــ
لتحديد دراستنا هنا نتعرّض لمدخل هام يحتوي نقاطاً:
أولاً: تعود مسألة المرأة في إيران إلى عصر الحركة الدستورية (1284 ـ 1289هـ . ش / 1905 ـ 1909م)، وقد كان للوعي الناهض بأفكار العالم الجديد إلى جانب الحركات البنيويّة وتحوّلاتها دور رئيس في طفو موضوعة المرأة إلى الواجهة، وقد أدّى هذا الوعي الجديد والارتباط الناشئ إلى ظهور موجات من النقد تناولت بعض التصوّرات الدينية والمعتقدات التراثية التقليدية، وذلك في أوساط الشرائح الجديدة التي بدأت بالظهور في المجتمع.
وإذا أخذنا مثالاً على ما نقول، أمكننا تسليط الضوء على ما كتبته تاج السلطنة (المولودة: 1304هـ)، ابنة ناصر الدين شاه القاجاري، في مذكّراتها التي حملت عنوان: مذكّرات تاج السلطنة، والتي كتبتها عام 1343هـ، فقد تعرّضت تاج السلطنة إلى الموضوعات الجديدة حول المرأة.
إنها تقول: لو كانت النساء في هذا البلد أحراراً كسائر البلاد والممالك، وحازت على حقوقها، واستطاعت النفوذ إلى أمور البلاد والسياسة الداخلية، وترقّت في المناصب والإدارات، فإنني لا أرى ـ يقيناً ـ سبيل ترقيها في أن تغدو وزيرةً، تماطل وتتلاعب بحقوق الآخرين، وتأكل أموال المسلمين، وتبيع الوطن العزيز.. ومع الأسف الشديد فقد فصلت النساء الإيرانيات عن نوع الإنسان، وغدون من صنف البهائم والوحوش، إنهنّ يعشن حياتهنّ من الصبح حتى الليل في سجنٍ مليء باليأس والقنوط، ويعانين من ضغوطات صعبة، إنهنّ يقضين عمرهنّ في التعاسة والشقاء( ).
كما تكتب في موضعٍ آخر تقول: تتألّف حياة النساء الإيرانيات من أمرين: أحدهما أسود معتم، وثانيهما أبيض مشرق، فعندما يخرجن إلى الحياة الدنيا يلبس لباس العزاء الأسود، أما عند الموت فيرتدين الكفن الأبيض، وحيث إنني واحدة من تلك النساء فإنني أرجّح ذلك الكفن الأبيض على تلك الهياكل الموحشة، إنني أرفض دائماً ذاك اللباس ( ).
وتشرح تاج السلطنة مسؤولية المرأة الإيرانية فتقول: إنها استرداد حقوقهنّ مثل النساء الأوروبيات، وتربية الأطفال، ومساعدة الرجال مثل النسوة الأوروبيات، والعفة والطهارة، وحبّ الوطن، وخدمة الإنسان، وطرد الكسل والخمول، والرقود في البيوت، مع رفع النقاب( )، وأيضاً: إن حجاب المرأة هو خراب الوطن والبلاد، والفساد الأخلاقي، وعدم التقدّم في تمام الأعمال( ).
وإضافةً إلى الجهود النظرية في هذه المرحلة، ثمّة جمعيات ومؤسسات نسوية ظهرت أيضاً مثل: جمعية حريّة النساء (1907م)، ونقابة النسوان الغيبيّة (1907م)، وجمعية مخدَّرات الوطن (1910م) و..( ).
كما شهدت هذه الفترة ظهور نشريّات ودوريات خاصّة بقضايا المرأة، مثل: دانش (العلم)، شكوفه (البرعم)، زبان زنان (لغة النساء)، نامه بانوان (رسالة السيدات)، عالم نسوان (عالم النساء)، جهان زنان (عالم النساء)، جهان نسوان وطن خواه (عالم النساء الناشدات للوطن)، مجلّة نسوان (مجلّة النساء)، مجلّة سعادت نسوان شرق ودختران إيران (مجلة سعادة نساء الشرق وبنات إيران)( ).
وقد شوهدت تأثيرات واضحة في هذه المرحلة لهذه الحركة على قضايا الدفاع عن حقوق المرأة في التعليم، وتأسيس مدارس للبنات، وكذا عن حقّ المرأة في إعطاء الرأي والانتخاب( ).
ولا يفوتنا التذكير هنا بأنّ أشخاصاً أثاروا هذه الموضوعات قبل الحركة الدستوريّة (المشروطة) مثل:
1 ـ قرّة العين (1814 ـ 1852م)، حيث كشفت حجابها علناً عام 1848م / 1265هـ في مؤتمرٍ عقد في رشت شاهرود( ).
2 ـ بي بي خاتون الاسترآبادي، وقد صنّفت كتاب معايب الرجال في نقد وردّ كتاب تأديب النسوان لمؤلّفه المجهول، والذي كُتب عام 1304هـ أو 1309( )، وقد كانت كتبت هذا الردّ عام 1313هـ / 1895م( ).
ولبي بي خاتون تفسير نسبيّ لأفضلية الرجال على النساء؛ حيث تقول: رغم أن الرجال أفضل وأعلى من النساء بمرتبةٍ، كما اقتضته الأدلّة والبرهان والآيات القرآنية، قال تبارك وتعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء…، لكن ليس كلّ رجلٍ أفضل وأكمل من كلّ امرأة، ولا كلّ امرأةٍ أدون من كلّ رجل، فمريم،
والزهراء ، وآسية، وخديجة الكبرى كنّ من النساء، فيما كان فرعون، وهامان، والشمس، وسنان من الرجال، فتمام أمور الدنيا دنيّة بالنسبة ( ).
وتتحدّث عن مكر النساء في موضعٍ آخر فتقول: رغم أن الرجال ـ كما تشهد بذلك الآية القرآنية التي يقولها الله تعالى: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (يوسف: 28) ـ يعتبرون النساء مصدر المكر ومنبعه، إلاّ أنه يُعلم بالدليل والبرهان أنّ مكرهنّ من الرجال أنفسهم، فإذا ما عرفوا مكراً فإنما تعلّموه من الرجال.. وقد تحدّث الله سبحانه في القرآن عن مكر الرجال فقال: وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (إبراهيم: 46)( ).
3 ـ هذا، وقد انتقد الميرزا فتح علي آخوند زاده (1877 ـ 1812م)، الكاتب المسرحي الآذربايجاني، تعدّد الزوجات ورفضه، متطرّقاً إلى مسألة ضرورة تعلّم المرأة، وفي مسرحية وزير خان لنكران، انتقد تعدّد الزيجات، وحياة المرأة في ظلّه، وقد طرح محامو الدفاع في هذه المسرحية موضوع دفاع النساء ومحاربتهنّ لإحقاق حقوقهنّ.
كما تحدّث نفسه في كتاب اثر لري وملحقات كمال الدولة عن الحقوق المتساوية للرجل والمرأة، وعن تعلّم المرأة، وعن الحقوق الاجتماعية للنساء( ).
4 ـ الميرزا آغا خان الكرماني (1854 أو 1852 ـ 1894م)، وقد طالب بإصلاح بعض العادات والتقاليد الاجتماعية التي تحصر المرأة وتحدّ من حركتها وانطلاقتها؛ فقد كتب في بعض مصنّفاته يقول: إنّ الحجاب، وتواري المرأة، وعدم اختلاطها بالرجال، وإسقاطها عن حقوق البشريّة حتى أنهنّ لا يحسبن في عداد البشر.. ذلك كلّه أوجب ألف نوعٍ وشكل من أشكال الفساد في عالم الإنسانية.. إن عالم الإنسانية لن يبلغ كماله إلاّ إذا تساوى النساء مع الرجال في الأمور والحقوق جميعها واشتركوا فيها( ).
5 ـ اعتصام الملك الآشتياني (1316هـ . ش / 1937م)، رئيس تحرير مجلّة بهار في تبريز، وهو والد بروين اعتصامي( )، فقد عرّف اعتصام الملك الإيرانيين على النتاجات البارزة للكتّاب الأوروبيين والعرب، وكان كتاب تحرير المرأة لقاسم أمين المصري واحداً من هذه النتاجات، فقد نشر هذا الكتاب مترجَماً إلى الفارسية تحت عنوان تربيت نسوان عام 1318هـ / 1900م( ).
وهناك أشخاصٌ آخرون ـ عدا من ذكرناهم ـ دافعوا في هذه الفترة عن حقوق المرأة وحريّتها، وسعوا جاهدين لتحقيق حضورٍ اجتماعيّ لها أيضاً، كان من بينهم: الشيخ أحمد الروحي (1314هـ)، وملك المتكلّمين (1277 ـ 1326هـ)، والميرزا جهانكيرخان الشيرازي، رئيس تحرير صور إسرافيل و..
لكن مع ذلك كلّه، يمكننا القول: إن طرح مسألة المرأة على بساط التداول الجادّ أمرٌ يعود إلى فترة الحركة الدستورية (المشروطة)، وأبرز مظاهر هذا الطرح وتداعياته كان مشتمَلاً في أزمته الحقيقية في مواجهة المعتقدات الدينية والتصوّرات التقليدية والمفاهيم التراثية.

نطاق هذه الدراسة ـــــــ
ثانياً: إن موضوع بحثنا هنا يتركّز حول المواقف التي اتخذتها التيارات والمدارس الدينية والمذهبية من موضوعة المرأة خلال المائة عام الماضية، وقد سعينا لتقديم مسردٍ وتقرير واضح عن آراء، ومصادر، ومناهج، وآليات تفكير الدينيين والإسلاميين في قضية المرأة وحقوقها في القرن العشرين، ومن البديهيّ أن تكون التحوّلات التي تبلورت وسط هذه الأطياف الاجتماعية الواسعة من مستلزمات بحثنا وما يستدعيه.
إننا نسعى هنا لعرضٍ توصيفي محايد بعيد عن التقويم وإبداء الرأي في موضوعٍ هام، هو موضوع المرأة، ولكي نحافظ على حياديّتنا هذه أطلقنا على هذه المقالة اسم الاتجاهات الدينية في تاريخ إيران المعاصر، المواقف من مسألة المرأة، وقد تعمّدنا اختيار هذا العنوان؛ نظراً لما قد تحمله عناوين أخرى من دلالات خاصّة قد تحرفنا عن مسارنا الحيادي.

دراسة تطوّر مسألة المرأة في القرن العشرين، مساهمات ومنجزات ـــــــ
ثالثاً: إنّ الكتابات التي سبقت دراستي هذه، وتوفّرت لي معرفتها، وتتعرّض للموضوع نفسه فيما يخصّ الاتجاهات المختلفة في مسألة المرأة في تاريخ إيران، ليست سوى دراستين فقط هما:
الدراسة الأولى: كتاب الدفاع عن حقوق النساء، قراءة في الظاهرة والحدث، لمؤلفه: إبراهيم شفيعي السروستاني( ).
وقد تركّزت معالجة عنوان هذه الدراسة في الفصل الثاني منها، وتحدّثت عن تيارات ثلاثة هي:
أ ـ التيار السياسي في الدفاع عن حقوق النساء.
ويرى المؤلف أنه اتسم بـ : 1 ـ مضادّة الإسلام والقيم الإسلامية. 2 ـ مخالفة النظام الإسلامي. 3 ـ عدم الاعتناء بالقيم الأخلاقية. 4 ـ إضعاف مؤسّسة العائلة.
ب ـ التيار العلماني اللاديني المدافع عن حقوق النساء.
وقد وصف هذا التيار في هذه الدراسة بما يلي: 1 ـ الاستفادة الأداتيّة من الدين. 2 ـ عدم تقديم رؤيةٍ محدّدة وعملية. 3 ـ الأخذ الانفعالي بنظرية الحقوق الغربية. 4 ـ إقصاء الدين عن حركة الإصلاح النسويّة.
ج ـ التيار الديني المدافع عن حقوق النساء.
ويعرّف الكتاب هذا التيار عبر بيانه لاتجاهين داخله هما:
1 ـ اتجاه الدعوة لإعادة النظر بقضايا المرأة، ويعدّد الكتاب سِمَتَين لهذا الاتجاه هما: أ ـ عدم الاطلاع أو التغافل عن المصادر الاجتهادية. ب ـ الغفلة عن مصادر الاجتهاد الديني.
2 ـ الاتجاه الأصولي، ويحدّد الكتاب هذا الاتجاه بما يلي:
أ ـ الاهتمام بمسألة الاختلاف الطبيعي والتكويني بين الرجل والمرأة. ب ـ رفض مبدأ التقابل والتضادّ بين الرجل والمرأة. ج ـ الاهتمام بالأسرة بوصفها الوحدة الأساسيّة لبناء المجتمع كلّه. د. حفظ الاستقلال والامتياز، وتجنّب الظواهر الانفعالية. هـ ـ تجنّب التورّط في التجديد والتحجّر معاً( ).
ونعلّق على هذه الدراسة وتقسيمها وهيكليّتها التي قدّمتها، بعدّة نقاط مفيدة هي:
النقطة الأولى: إنّ الدائرة الزمنية التي يغطّيها هذا التقسيم والعرض للمشهد مقتصرةٌ على ما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م.
النقطة الثانية: لا ينحصر المشهد ولا تضيق التيارات بوجهات النظر الدينية، بل يستوعب أطيافاً أخرى أيضاً لم يستعرضها الكتاب.
النقطة الثالثة: في سياق التعريف بالتيارات الدينية، ثمّة تيار لم يجرِ الحديث عنه، وقد أشير إليه تبعاً في هذه الدراسة، وذلك عندما كان يجري استعراض الاتجاه الديني الأصولي؛ حيث كانت السمة الخامسة لهذا التيار احترازه عن نزعتي التحديث والتحجّر، ومعنى ذلك أنّ فريقاً من التيار الديني كان يقرأ قضايا المرأة قراءةً تجديديّة، وهو الذي جرى الحديث عنه تحت عنوان: تيار الدعوة لإعادة النظر بقضايا النساء، إلاّ أنه لم يجر التعريف بالتيار الجلمودي المتحجّر، مع أنّه لا مجال لإنكار حضور هذا التيار ـ برؤاه المتعدّدة ـ داخل المجتمع الإيراني، بل إن نفس اعتبار المؤلّف التيار الأصولي هو الوسط ما بين تيار التجديد والتحجّر حاكٍ عن هذا الأمر أيضاً.
النقطة الرابعة: لم يهدف الكتاب في هذه الدراسة لتقديم عرضٍ واستعراض للاتجاهات والتيارات المختلفة، بل قد أخذ في حسبانه أيضاً ممارسة نقدٍ ودراسة وتقويم لها.
الدراسة الثانية: وهي كتاب المثال الجامع لشخصية المرأة المسلمة، من تأليف محمد تقي السبحاني( ).
وقد ركّز هذا الكتاب على الاتجاهات الدينية فقط، دون أن يتعرّض للتيارات المعادية للدين أو غير الدينية، وقد قسّمت هذه الاتجاهات الدينية إلى ثلاثة:
أ ـ الاتجاه التراثي التقليدي
وقد حدّده المؤلف بـ :
1 ـ النزعة الأصولية. 2 ـ محوريّة الحق والتكليف معاً. 3 ـ النزعة الاجتهادية الممنهجة في فهم الدين. 4 ـ مواجهة ظواهر الالتقاط والتأكيد على الخلوص والنقاء.
5 ـ النزعة الماضويّة.
ب ـ الاتجاه التجديدي
وقد حدّده المؤلف بخمس علامات هي: 1 ـ الرؤية الإنسانية (مركزية الإنسان). 2 ـ النزعة العلمية والاعتماد على العقل أداةً معرفيّة. 3 ـ النزعة النسبية والتاريخانية في فهم الدين. 4 ـ القراءة المستقبليّة. 5 ـ النزعة التنموية.
ج ـ الاتجاه التنموي:
ونجد لشرح هذا الاتجاه مجموعة محدّدات أيضاً هي: 1 ـ النزعة الأصولية في فهم الدين، والنزعة التنموية في تطبيقه. 2 ـ القراءة المنظّمة مقابل النزعة التكليفية. 3 ـ تطوير الاجتهاد، والتجديد في مناهج العلوم. 4 ـ لزوم تدوين نظام أنموذجي جامع وشامل لشخصية المرأة المسلمة. 5 ـ طرح الحضارة الإسلامية الجديدة والتنظير لها( ).
بدورنا، ولكي نحلّل هذه الدراسة، نقف عند نقاط هي:
أولاً: إن نطاق الدراسة محصور بما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران.
ثانياً: إن الهدف كان نقد الاتجاهات الأخرى، وتقديم أنموذجٍ بديل مرضيّ.
ثالثاً: إن الاتجاه المنشود يكمن في مشروع تلفيقيّ تجمع فيه العناصر الإيجابية التي يتمتّع بها كلّ من الاتجاه التقليدي والاتجاه التجديدي.
منهج هذه الدراسة ـــــــ
رابعاً: ومع الأخذ بعين الاعتبار ما تقدّم بأجمعه، تسعى هذه المقالة لعرض واستنطاق الاتجاهات والمدارس الدينية في قراءة مسألة المرأة الإيرانية المعاصرة في القرن الأخير، ولا بدّ لنا في هذا التقرير من الإشارة إلى عدة نقاط أيضاً.
الأولى: لقد اعتمدنا في تعريف الاتجاهات والتيارات على جعل الامتيازات العامّة والبنيوية أساساً لتقسيمها، وإلاّ فإن داخل كل اتجاه تيارات عدّة تتبلور على أساس اختلافات جزئية في الآراء ووجهات النظر.
الثانية: يبدو لنا ـ وانطلاقاً مما تقدّم في النقطة الأولى ـ أنّ الاتجاهات الدينية تدخل ضمن مجموعات ثلاث هي:
1 ـ الاتجاه التراثي التقليدي (بدءاً من عصر الحركة الدستورية).
2 ـ الاتجاه الكلامي ـ الاجتماعي (بدءاً من ستينيّات القرن العشرين).
3 ـ الاتجاه الحقوقي (بدءاً من أوائل القرن الحادي والعشرين).
الثالثة: إنّ هذه الاتجاهات الثلاثة المذكورة قد أخذت بالتبلور زمانياً عقب بعضها بعضاً، لكن لا بمعنى أنّ الاتجاه اللاحق قد نسخ الاتجاه السابق أو أطاح به ليحلّ محلّه، وإنما بمعنى صيرورته الاتجاه السائد والغالب في المرحلة اللاحقة، وإلاّ ففي كلّ مرحلةٍ ثمّة اتجاهات متعدّدة بيد أنها أقلّ حضوراً وأخفّ وهجاً من غيرها، وعليه ففي عصرنا الحاضر يمكن اعتبار الاتجاهات الثلاثة موجودةً حاضرة، وإن كانت الغلبة لأحدها.
الرابعة: في دراستنا لكلّ واحدٍ من الاتجاهات الثلاثة، سوف نسعى للاعتماد على أهمّ مصادره المدوّنة لشرح وجهات نظره في المحاور التالية:
1 ـ قراءة الإنسان.
2 ـ الحقّ والتكليف.
3 ـ الأسرة.
4 ـ المشاركة الاجتماعية.
ثم نختم ذلك بتقديم تحليلٍ يساهم في فهم المنطق والمنهج الذي يقوم عليه كلّ اتجاهٍ من هذه الاتجاهات الثلاثة.
الاتجاهات في مسألة المرأة ـــــــ
الاتجاه الأوّل: الاتجاه التراثي التقليدي ـــــــ
وهذا الاتجاه هو أقدم وأشهر الاتجاهات جميعاً، وهو المهيمن على الدوام خلال المراحل والحقب الماضية المختلفة من التاريخ الإسلامي، ومع كلّ ما يملكه من أسبقيّةٍ وامتداد تاريخي وشهرة إلاّ أنه حضر أيضاً بوصفه اتجاهاً مقتدراً في العصر الأخير ليقدّم تصوّراته حول مسألة المرأة.
وقد تجلّى ظهور هذا الاتجاه في التاريخ المعاصر للمرّة الأولى عبر كتابات عديدة، تناولت بالخصوص مسألة الحجاب، والتحذير من الاختلاط، وحضور النساء في مجالس الرجال وساحات تواجدهم، كما أن معارضة تأسيس مدارس لتعليم النساء يقع في هذا الإطار أيضاً، وبمرور الزمان غدت هذه الرؤى والنظريات قائمةً على تصوّرات للإنسان ولامتيازات الرجل عن المرأة وتفاوتهما وكمالاتهما.
ولابدّ لنا ـ بحقّ ـ أن نعي ونقبل القلق الذي كان يساور هؤلاء الكتّاب ورجال الفكر والمعرفة في دفاعهم عن عفّة المرأة المسلمة وطهارتها، وتجنيبها حالة الانفلات والتسيّب، رغم أن بالإمكان ممارسة نقد يستهدف طبيعة ردّة الفعل التي قاموا بها.
ونشرع أولاً ـ انطلاقاً مما أسلفناه في مقدّمات هذه الدراسة ـ بذكر أهمّ المصادر، ثم أبرز النظريات، ومن ثم نختم عرضنا لهذا الاتجاه بتحليلٍ يستهدف الكشف عن منهج التفكير ومنطق المعرفة عنده.

أ ـ الاتجاه التراثي: أهمّ المصادر وأبرز المساهمات ـــــــ
كما تقدّم، يعدّ هذا الاتجاه أسبق النظريات الدينية تاريخياً، ولا بدّ من تصنيف مصادره إلى نوعين أساسيين: أحدهما المصادر الإسلامية العامّة من قبيل: كتب التفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ، والكلام، والفلسفة، والعرفان، والأخلاق و.. وثانيهما: الكتب الخاصّة بمعالجة قضايا المرأة، والتي دوّن مهمّها في القرن الأخير.
إننا نلاحظ وجود الكثير من أسس هذه الأفكار وجذورها في المصادر العامّة، وهي إذا ما لفّقت وضمّت إلى بعضها بعضاً ستنتج صورةً غير متزنة عن المرأة، وقد أخذت هذه الأفكار طريقها إلى الكتب الخاصّة بعد إجراء بعض التعديلات عليها أو إرفاقها ببعض التبريرات.
ونسعى هنا لعرض بعض النماذج من هذه التصوّرات في كتب العلوم الإسلامية المختلفة:
أ ـ كتب التفسير والعلوم القرآنية
يشير المفسّرون عادةً إلى الاختلافات الموجودة بين الرجل والمرأة، وإلى عجز النساء وضعفهنّ، لدى حديثهم عن آيات: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء (النساء: 34)، و وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (البقرة: 228)، وكذلك آية الشهادة، وغيرها( ).
ويطرح الزركشي في البرهان في علوم القرآن، لدى حديثه عن معنى من الجارّة، وأنها تأتي بمعنى الجنس، المثالَ التالي: الرجل خيرٌ من المرأة( )، أي جنس الرجال خيرٌ من جنس النساء.
ب ـ كتب الحديث والمحدّثين
في كتب الحديث ثمّة روايات في هذا المضمار يمكن مراجعتها في مثل كتاب: النساء في أخبار الفريقين( )، و شخصية المرأة وحقوقها في الإسلام( )، و المرأة في كلام الإمام علي  وسيرته( ) و..
ويعتبر الملا أمين الاسترآبادي الروايات الدالّة على مشاورة النساء ومخالفتهنّ نعمةً إلهية على الرجال، فيراها تضع بين يديهم معياراً شاخصاً وميزاناً سليماً لتمييز الصواب عن الخطأ( ).
ج ـ كتب الكلام والفلسفة والعرفان
ويكتب ضياء الدين الجرجاني، وهو أحد متكلّمي القرن التاسع في هذا الموضوع( )، ويعدّد الملا صدرا الشيرازي في الأسفار الأربعة النعم الإلهية على الإنسان، ويرى من ضمنها خلق الحيوانات المختلفة له، ليأكل بعضها، ويركب بعضها الآخر، ويرتاح لبعضها الثالث، وبعضها للزواج، مستعرضاً عند ذلك قوله تعالى: وَالله جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا.
ويعلّق الحاج ملا هادي السبزواري على هذا المقطع من كلام الشيرازي أيضاً فليراجع ).
د ـ كتب الفقه
إذا تغاضينا عن الفوارق الموجودة في كتب الفقه بين الرجل والمرأة في الأحكام، والتي تصل إلى أكثر من مائة وخمسين فارقاً( )، سنلاحظ أن الآراء والنظريّات هنا جديرة بالتأمل، من قبيل اعتبار أن الرجال أولى من النساء في صلاة الميّت على حدّ أولويّت الحرّ على العبد( )، وهكذا غلبة الفسق في النساء وقلّة العدالة فيهنّ( )، وتشبيه الزواج بالإيجار والاستئجار( )، وتعداد عظام القفص الصدري للرجل والمرأة بغية تقسيم إرث الخنثى( )، ولياقة الرجال للكمال( ) و..
وإذا تخطّينا هذه المصادر العامّة، فليست قليلةً المصادر الخاصّة بدراسة قضايا المرأة والتي دوّنت في القرن الأخير، وقد بدأت هذه النتاجات بالبحث ـ حصراً ـ حول مسألة الحجاب، ثم توسّعت لتحمل عنوان: المرأة في الإسلام، أو تفسير بعض الآيات، أو حتى الموضوعات الخاصّة.
ونستعرض هنا بالتعريف بعضاً من أهمّ هذه الأعمال:
أ ـ رسالة وجوب الحجاب، لمحمد صادق الأورومي، فخر الإسلام (1330هـ): وقد صنف المؤلّف هذا الكتاب عام 1910م، ودافع فيه ـ مستنداً إلى القرآن والإنجيل ـ عن مسألة وجوب الحجاب، وقد حوى قسمٌ من هذه الرسالة على خلاصة موجزة لآراء المسيحيين ثم المسلمين في المرأة، وذلك على الشكل التالي:
1 ـ إن الحياء والتقوى هما زينة المرأة لا الذهب والمرجان واللؤلؤ.
2 ـ إن المرأة تثبت تديّنها بالأعمال الصالحة، لا بالتجارة والاختلاط بالرجال.
3 ـ لا يصحّ أن تهيمن المرأة على زوجها أو تتحكّم فيه؛ فالرجال قوّامون على النساء.
4 ـ خلق الله آدم أولاً ثم حواء، وعليه فلا بدّ من تقدّم الرجال دائماً.
5 ـ لم يخدع الشيطان آدم، إنّما خدع حوّاء؛ وعليه فالنساء ينخدعون بسرعةٍ، ولذا فالمطلوب منهنّ الحجاب والنقاب، والسكن في البيوت، لا الزينة والكشف والاختلاط بالرجال( ).
هذا، وقد دوّنت رسائل أخرى عديدة بهذا المضمون في هذه المرحلة مثل: سدول الحجاب في وجوب الحجاب للبلادري البوشهري، ورسالة شريفة في لزوم الحجاب، وهي من تأليف مجموعة من أنصار الحركة الدستورية، ورسالة ردّ كشف الحجاب لأسد الله الخرقاني، وفلسفة الحجاب لأبي عبدالله الزنجاني، وصواب الخطاب في إتقان الحجاب، لمير هاشم مجتهد هرندي الخوئي، وحجاب برده دو شيرنكَان لمحمد حسن صابري المازندراني، ولبّ اللباب للسيد علي أكبر الرضوي البرقعي و.. ( ).
2 ـ طومار عفت، ليوسف النجفي الجيلاني (1948م):
طبع هذا الكتاب للمرّة الأولى في (رشت) عام 1346هـ، ثم طبع للمرّة الثانية عام 1955م في مدينة قم، ثم عاد وطبع للمرّة الثالثة عام 1993م في مدينة قم أيضاً( )، وأصل الكتاب يقع في مجلّدين، إلاّ أن الذي يبدو أن المجلّد الثاني لم يطبع حتى الآن.
وقد استفاد المؤلّف من بعض أعمال الكتّاب العرب مثل: الإسلام روح المدنيّة لمصطفى الغلاييني، ومبدأ ارتباط التمدّن بدين الإسلام، لعبد الحميد أفندي الجابري، والمرأة المسلمة، لمحمد فريد وجدي، كما اعتمد على بعض المجلات العربية مثل: العرفان، والهلال، والمنار، والحبل المتين، والإسلام( ).
وقد تحدّث المؤلّف عن المرأة في المراحل الزمنية السابقة، وكذا عن مقارنتها بالرجل من وجهات نظر مختلفة، محلّلاً بعض الآراء في الاختلافات الحقوقية بين الرجل والمرأة في الإسلام، متحدّثاً عن مسألة الحجاب أيضاً.
3 ـ مدنيّة الإسلام روح التمدّن، للشيخ أحد الشاهرودي:
طبع هذا الكتاب عام 1346هـ في النجف، ويقع في 363 صفحة، خصّصت منها لمسألة المرأة والحجاب 66 صفحة( ).
وقد تعرّض الكتاب لموضوعات مثل: اختلاف الرجل والمرأة، تساوي الحقوق، الزواج، امتيازات المرأة في الإسلام ]11 امتياز[ والمحدوديّات التي ألزمت بها المرأة ]وبلغت 10[، والحجاب.
4 ـ المرأة المسلمة:
وهذا الكتاب ترجمة لكتاب المرأة المسلمة لمحمد فريد وجدي (1878 ـ 1954م)، حيث ترجمه عام 1349هـ السيد مفيد الحسيني الملجاني الخلخالي (1939م)، ثم طبع في العام نفسه تحت عنوان (بانوي إسلامي)، لتعاد طباعته مرّةً ثانية عام 1378هـ من جانب كتاب فروشي بني هاشمي في تبريز.
ويتألّف الكتاب من ثلاثة عشر فصلاً، وقد تصدّى مؤلّفه فيه لنقد الآراء الجديدة، لا سيما منها آراء قاسم أمين، وقد لخّص في نهاية كتابه فصولَه الثلاثة عشرة في بنود تسعة هذه بعضها:
1 ـ إن المرأة أضعف من الرجل من جهة الخلقة البدنية والجسمية، كما أنها أقلّ منه من حيث قبول العلم واستيعابه وهضمه، وهذا الضعف فيها لا يُقصد منه احتقارها أمام الرجل أو إلزامها بالخضوع له والطاعة، وإنما الوظيفة الخاصّة بالمرأة لا تستدعي أكثر من هذا المقدار فيها( ).
2 ـ لكلّ موجودٍ كمال خاصّ به، وكمال المرأة لا يتجلّى في قوّة عضلاتها أو سعة علمها، وإنما في هويتها الروحية والنفسية( ).
3 ـ إن هذا الكمال المقرّر للمرأة لا يمكنها بلوغه إلاّ أن تكون عيالاً للرجل، وأمّاً للأطفال الذين تسعى لتربيتهم تربيةً سليمة، وهذا الأمر ليس من باب إعطاء وظيفةٍ لها فحسب بوصفها صاحب مسؤولية، وإنما ـ أيضاً ـ من باب أن نموّ ملكات المرأة وطاقاتها، وتهذيب مواهبها لا يحصلان إلاّ عبر هذا السبيل؛ ذلك أن المرأة ـ جسماً وروحاً ـ إنما خُلقت لهذا الأمر( ).
5 ـ الحجاب في الإسلام، لقوام الدين الوشنوي:
دوّن هذا الكتاب ـ كما جاء في خاتمته( ) ـ عام 1372هـ، ثم طبع في مطبعة الحكمة في مدينة قم، ولغة الكتاب عربية وليست فارسية، وقد دافع المؤلّف فيه عن لزوم ستر الوجه والكفين، مستعرضاً الأدلّة والمستندات الفقهية في هذا المضمار، كما تعرّض في الكتاب لموضوعات تتصل بمكانة المرأة والرجل، وامتيازاتهما، والروايات الواردة في ذمّ النساء.
6 ـ الفروق بين المرء والمرأة في نظر الشرع، للحاج السيد علي مولانا التبريزي:
طبع هذا الكتاب في تبريز عام 1379هـ، وقد تحدّث فيه المؤلف عن الاختلافات الموجودة في الكتب الفقهية بين الرجل والمرأة، فعدّدها في 171 بنداً، متعرّضاً ـ في هامش كلّ بندٍ منها ـ لبعض الشروحات والتوضيحات المتصلة به.
7 ـ المرأة والانتخابات:
وهو الحلقة الأولى من مجموعة ماذا نعرف عن الإسلام؟، من تأليفات زين العابدين قرباني، ومحمد شبستري، وعلي حجتي كرماني، وعباس علي عميد، وحسين حقاني، ونشرته كتابفروشي طباطبائي في مدينة قم، عام 1960م( ).
ويُفتتح هذا الكتاب بمقدّمة لآية الله ناصر مكارم الشيرازي، وهو على أقسام خمسة: ففي القسم الأول، وتحت عنوان: لماذا لا تملك النساء حقّ الحكم وولاية السلطة؟، يتحدّث المؤلّف عن الفوارق الجسمانية والنفسية بين الرجل والمرأة، ويسعى جاهداً لإثبات هذه النظرية من كلمات العلماء أنفسهم.
أمّا القسم الثاني، ويحمل عنوان: التمدّن وحرية النساء، فيستعرض ـ بدايةً ـ نظريّات بعض الغربيين الرافضين لنشاطها الاجتماعي ـ السياسي، ثم يشير إلى أربع دول هي: السويس، وأمريكا، والاتحاد السوفياتي، وبريطانيا، حيث يذكر أنه ليس للنساء في هذه الدول أيّ حضورٍ سياسي يُذكر.
في القسم الثالث، يستعرض الكتاب الأدلّة الإسلامية على عدم جواز حضور النساء في الانتخابات، فيما يخصّص القسم الرابع لاستعراض أدلّة الموافقين على مشاركتها، ليعقبه بالنقد والتفنيد، ويعدّد القسم الخامس والأخير الأضرار الفردية والاجتماعية لمثل هذه الحريات على المجتمعات البشرية.
8 ـ أجوبة الأستاذ على نقد كتاب مسألة الحجاب، للأستاذ مرتضى مطهري:
فبعد طباعة كتاب مسألة الحجاب للمغفور له مرتضى مطهري، كتب أحد الفضلاء في الحوزة العلمية عام 1970م سلسلة انتقادات على حاشية الطبعة الثالثة، ثم قدّمها للأستاذ الشهيد مرتضى مطهّري، وقد حوى هذا الكتاب تلك الانتقادات مع أجوبتها من جانب الشهيد نفسه.
اعتبر الناقد أن نظريات المطهري في مسألة الحجاب مخالفةً للقوانين الدينية، أو لا أقلّ القوانين والأحكام المستحبّة، معتقداً أن الإسلام لا يناصر الستر فقط، وإنما الحجاب بمعنى الحجب أيضاً( )، وأن نظرياتٍ كنظريات مطهري تعدّ نوعاً من التشجيع على دخول النساء ميدان المجتمع الذكوري، وهو أمرٌ غير ممدوح ولا محمود في الإسلام( ).
نعم، لم يحدّد في هذا الكتاب اسم ذاك الناقد لنظريات مطهري.
9 ـ مزايا الرجل والمرأة في الإسلام، للسيد أبي الفضل النبوي القمّي:
يكتب المصنّف في مقدّمة الكتاب فيقول: كنت في شهر آبان من عام 1354هـ . ش ]1975م[، بعد الفراغ من كتابة مسودة هذا الكتاب في مدينة مشهد، وقد عثرت هناك على كتاب اسمه: الفروق، من تأليفات المغفور له حجة الإسلام الحاج السيد علي مولانا التبريزي( ).
والذي يظهر أن كتابة هذا المؤلّف كانت تمّت في عام 1969م، وهذا ما يصرّح به تاريخ كتابة المقدّمة( )، وفي خاتمة الكتاب قيّد بجملة: وقع التأليف والنشر ببلدة قم عام 1391هـ / 1357 ش ]1978م[( )، ولم تدرج أيّ معلومات أخرى تعرّفنا على هوية الكتاب أكثر من ذلك.
وعلى أية حال، فقد سعى المؤلّف في هذا الكتاب لبيان نقاط الاختلاف بين الرجل والمرأة في الإسلام، وذلك في الميادين الحقوقية، والطبيعيّة، والدينيّة، في مائة وستين بنداً وفقرة، ثم تحليلها.
يذهب الكاتب في المقدّمة إلى أن وجود اختلافات بين العالم الكبير وسائر الموجودات يعيد استنطاق الخلاف بين العالم الإنساني وبين أفراد الناس وآحادهم، وذلك كي يصل إلى تحديد الاختلافات الواقعة بين الرجل والمرأة، ثم يحاول تعداد مستندات هذا الاختلاف من الآيات القرآنية، عاكفاً على فلسفتها وتحليلها.
وبعد المقدّمة، يشرّح المؤلّف في الفصل الأول تاريخ العلاقة والتعاطي البشري مع النساء، فيما يركّز بياناته وأفكاره في الفصول: الثاني وحتى الخامس، على رصد الموائز الواقعة بين الرجل والمرأة في مجال: العبادات، والمعاملات، والسياسات.
10 ـ رسالة بديعة في تفسير آية: الرجال قوّامون على النساء، للسيد محمد حسين الحسيني الطهراني:
صنّف هذا الكتاب عام 1399هـ، ثم طبعته انتشارات حكمت، كما نشرت ترجمته الفارسية تحت عنوان ترجمة رسالة بديعة من جانب الناشر نفسه.
يحدّد الكتاب ـ بدايةً ـ مكانة الرجل والمرأة وفقاً للأسس الإسلامية العامّة، كما يعدّد الاختلافات بينهما، ليعقب ذلك في الفصل الثاني بتحليل آية: الرجال قوّامون على النساء وتفسيرها، مثبتاً حرمان النساء من مناصب: القضاء، والجهاد، والولاية، انطلاقاً من الآية المذكورة، وسائر الأدلّة الروائية.
ومن جملة النتائج النهائية للكتاب النص التالي: وبما ذكرنا ظهر عدم جواز دخولهنّ في مجلس الشورى، وإن كنّ فقيهات ذوات اجتهاد واستنباط( ).
والجدير ذكره أن المصنّف قد استعرض أيضاً آراءه في جملةٍ أخرى من كتبه.
كما صدر للمؤلف عام 1415هـ كتاب حمل عنوان الحدّ من عدد السكّان ضربة قاصمة للمسلمين، وقد استعرض في بداياته مضرّات تحديد النسل، طبقاً لأرقام وإحصاءات عديدة، وفي المطلب السابع من مطالب الكتاب عكف المؤلّف على تحليل بعض الآراء المتعلّقة بالمرأة، مجيباً عن بعض الانتقادات الموجّهة في هذا الإطار، وقد اعتقد بإمكان الجمع بين الستر وفصل النساء عن الرجال وبين تعليم النساء، وترغيبهنّ في العلوم والفنون( ).
11 ـ النساء في أخبار الفريقين أو النساء في أخبار الشيعة والسنّة، للسيد محمود بن السيد مهدي الدهسرخي الإصفهاني:
خرجت الطبعة الأولى لهذا الكتاب إلى النور عام 1415هـ في مدينة قم، وقد استعرض المؤلّف فيه 260 حديثاً مع ترجمتها إلى الفارسية، وذلك من المصادر الشيعية والسنّية، ذاكراً في النهاية روايةً تحتوي على 72 خصلة في آداب النساء، وفي تفاوت أحكامهنّ عن الرجال، جعلها تحت عنوان الملحقات.
يقول المصنف في مقدّمة الكتاب: هذه وجيزة جمعتها في النساء من طرق الفريقين؛ لعلّ لها ثمرةً لبعض النسوان، وإن كنت مأيوساً من الأمر في هذه الأزمان( ).
ويحتوي مضمون الكثير من هذه الروايات على ترغيب النساء في الزواج وإطاعة الزوج مطلقاً، مثل الحديث الأول، والعاشر، والثالث عشر، والعشرين، والثالث والعشرين، والسابع والعشرين، والتاسع والعشرين، والثاني والثلاثين و.. أو ترغيبهنّ في الركون في البيوت، وتجنّبهنّ الحضور في الاجتماع العام، أو الاختلاط بالرجال.
12 ـ الدين والمرأة، لمحمد تقي صديقين الإصفهاني:
لا توجد في هذا الكتاب أيّة إشارة إلى الناشر، أو محلّ النشر، إطلاقاً، فلم يرد فيه سوى ما في آخره من وضع عنوان هو: قم، شارع صفائية، حيّ المركز الرياضي، وقد طبع الكتاب بحجم متوسط (رقعي)، في 91 صفحة.
اعتبر المؤلّف أوضاع النساء وأحوالهنّ عقب الثورة الإسلامية ملفتةً للنظر ومثيرة للانتباه، فقد رآهنّ في مقدّمته المختصرة متأثرات بالغرب وأوروبا.
واختار المؤلّف أربعين حديثاً في النساء وقضاياهنّ، مرفقاً إيّاها بالترجمة إلى الفارسية مع الشرح، محاولاً إعادة قراءة ورسم رؤية الإسلام للمرأة.
والمحاور التي تدور حولها الروايات المنتقاة هي: حجاب المرأة، الاحتجاب والعزل، تجنّب الاختلاط بالرجال، مراعاة حقوق الأزواج و..

2 ـ الاتجاه التراثي: النظريّات والمواقف ـــــــ
ويمكننا استعراض النظريّات التي احتوتها المصادر السالفة، أعمّ من المصادر العامّة وغيرها، ضمن محاور ثلاثة هي:
المحور الأول: شخصية المرأة، طاقاتها، إمكاناتها، كمالاتها.
المحور الثاني: الرجل والمرأة، الحقوق والتكاليف والواجبات.
المحور الثالث: الحضور الاجتماعي للمرأة.
1 ـ 2 ـ شخصية المرأة، الطاقات والكمالات
تحدّثت تمام المصادر المشار إليها لدى تعرّضها لمسألة خلقة الرجل والمرأة وتكوّنهما عن أفضلية الرجل على المرأة في الجوانب التكوينية، وقد جعلت هذه الأفضلية أساساً للحقوق، ولتبعيّة المرأة للرجل، كما ولمفهوم الجلوس في البيت الذي يطرح في نظرية المرأة في الإسلام، وإضافةً إلى ذلك، فقد تمّ اقتباس مستندات ووثائق من العلوم الجديدة لتُضَمّ إلى الأدلة الدينية بغية تبريرها.
نقرأ في كتاب طومار عفت ما يلي: تتفق الشرائع كافّة، هادفةً هداية الناس إلى الحق، وتوفير صيغ اجتماعية للبشر، على أنّ التعامل مع النساء بمنزلة التعامل مع الإنسان القاصر، المحتاج إلى الوليّ والكافل والقيّم الكامل، ذلك أنهنّ ـ تكويناً وخلقةً وبدناً وأدباً ورأياً وعقلاً وعملاً ـ ناقصات عندما نقوم بقياسهنّ إلى الرجال، كما مارس هذا التوصيف نفسه علماء الأخلاق أيضاً، فقد عرّفوا النساء ووصفوهنّ بالمغلوبات المستسلمات أمام الشهوات، فقالوا: إن حبّ اللهو واللعب، والتعلّق بالأوهام، وقبول الدسائس والاختلافات، وتلوّن المزاج أكثر في النساء منه في الرجال( ).
وفي موضعٍ آخر يقول:تُحرم المرأة في الإسلام من الفضائل التالية، وبعبارة أخرى: لقد خصّ الشارع المقدّس الكثير من الأحكام التكليفية بالرجال، فيما جعل النساء أحراراً فيها وهي: 1 ـ العقل الكامل. 2 ـ الحزم. 3 ـ الجهاد. 4 ـ تدبير الأمور المدنية. 5 ـ الجمعة. 6 ـ إقامة الجماعة للرجال. 7 ـ الخطبة. 8 ـ الأذان عندما يكنّ في معرض سماع الأجنبي. 9 ـ قلّة الأعمال والطاعات، لا أقلّ ثلاثة أيام في الشهر الواحد. 10 ـ انحصار عدد أزواجهنّ بالواحد. 11 ـ النبوّة. 12 ـ الإمامة. 13 ـ الولاية. 14 ـ إقامة الشعائر الخارجة عن مسؤوليّتها. 15 ـ عدم الخيار في الطلاق، وهذه نعمة كبرى للمرأة. 16 ـ إرثها نصف سهم الرجل. 17 ـ كون شهادتها نصف شهادة الرجل. 18 ـ لزوم كونها مستورةً وفي حجابٍ من غير المحارم. 19 ـ عدم التبرّج. 20 ـ عدم تحصيل العلوم الغزلية والعشقية وتعلّمها.
وبهذا فضّل الرجل ورجّح على المرأة، قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ(النساء: 34)، أي أنّ للرجل السلطة على الأمر والنهي المشروعين على المرأة، مثل سلطة الولاة على الرعايا، وذلك بسبب الفضائل المذكورة التي تفتقدها النساء، وكذلك بسبب المهر والإنفاق الذي يدفعه الرجل ويتحمّل مسؤوليّته( ).
ومع الأخذ بعين الاعتبار ما كتبه فريد وجدي، ينقل تسع نقاط، يراها مبرهنةً بأدلّةٍ علمية وهي:
1 ـ المرأة أضعف من الرجل جسماً، وأقلّ منه قبولاً للعلم، وهذا الضعف لا يعني تنزّل المرأة عن درجة الرجل، وإنما الوظيفة الخاصّة بها هي التي تفرض أن لا تكون أزيد منه وأرفع، كما أن ذلك هو مقتضى فطرتها الطبيعية، وهو أنه إذا بذلت جهداً لتبلغ مبلغ الرجل فإنها لن تستطيع الوصول إليه، إذ لن تتساوى والرجل، لا بدنياً ولا عقلياً.
2 ـ لكلّ موجود كمال خاصّ به ينحصر فيه، وكال المرأة لا يكون بقوّة عضلاتها، ولا باتساع مجال معلوماتها، إنما ينحصر في موهبتها الروحية التي يفترض بها أن تتمتّع بها، وهذه الموهبة هي أحاسيسها الرقيقة وعواطفها الفيّاضة، وهي التي تحوز في ذلك المرتبة العليا، وهذه الموهبة لا تبلغ مستواها الأرقى إلاّ تحت قيادة الرجل.
3 ـ إن المرأة لا تبلغ كمالها الخاصّ جداً إلا أن تكون امرأةً لرجل وأمّاً لطفلٍ تسعى لتربيته تربية صحيحةً، وليس هذا لأجل قيامها بالوظيفة المطلوبة منها فحسب، وإنما كذلك لأنّ نموّ الملكات وإكمال التهذيب لا يحصلان إلاّ بذلك، والسبب في ذلك أنها خلقت ـ روحاً وجسماً ـ لذلك.
4 ـ إن انشغال المرأة بالأعمال الرجولية سببٌ في انعدام مواهبها وإطفاء جذوة ملكاتها، وتلاشي بهجتها، ونزولها من مراتب الخلقية، بل هو موجب لفساد تركيبها وتكوينها، كما أنّه يؤدّي ـ من جهةٍ أخرى ـ إلى حدوث اختلالٍ في المجتمع، وحرج سيظل موجوداً في قلوب أبناء الأمة.
5 ـ إن الحجاب ضرورةٌ للمرأة كي يصلح النوع الإنساني عموماً وصنف النساء خصوصاً؛ ذلك أنّ فيه ضماناً لاستقلال المرأة، وكفالةً لحريّتها.
6 ـ لا ترى المرأة كمالها في ظلّ الحضارة المادية، بل إنها لا تسير في طريق الكمال، فعلماء أوروبا اليوم يشكون من الحالة التي وصلتها المرأة المعاصرة، بل إنّهم يسعون للحدّ من هذه الحركة والوقوف بوجهها.
7 ـ لا صلاحية ولا نفع للطرق والأساليب كافّة التي تعتمد في تمام البلاد الأوروبية والأمريكية للنساء، يشهد لذلك ما قاله علماء تلك البقاع وشهدوا به.
8 ـ إن تعاليم الديانة الإسلامية فيما يخصّ المرأة موافقةٌ للفطرة ومنسجمةٌ مع الطبيعة النسائية تمام الموافقة والانسجام، فإنها قالبٌ تامّ كامل، كما أنها تحفظ تمام خاصّيات المرأة وملكاتها، ولو أنّ المرأة رقت وتنامت وفق القوانين الإسلامية لبلغت أعلى درجاتها وأرقى مراتبها.
9 ـ إذا لم تسعَ المرأة المسلمة سعيَها وتبذل جهدها في مجال تحصيل العلم حتى تصل مرتبة الكمال في ذلك، فليس ذلك نقصاً فيها، اللهم إلاّ المبادئ العلمية الضرورية التي يجب عليها تعلّمها( ).
ونقرأ في كتاب المرأة والانتخابات ما يلي: المرأة والرجل خلقةٌ مختلفة، فكلّ منهما خُلق لعملٍ خاصّ وصنع لأمر معيّن، ومراجعة الامتيازات الطبيعيّة لكلّ من الجنسين، وما اختصّا به من فكر وعقل، وبدن، وأحاسيس وعواطف تؤكّد ذلك كلّه، وهو أمرٌ واضح مشهود( )، وقد كرّرت هذه الفكرة في مواضع عديدة من هذا الكتاب( ).
ونطالع في كتاب رسالة بديعة: وإذا قايسنا كلّ واحد منهما مجرّداً عن الآخر بحسب المواهب الطبيعية الإلهية، فلا إشكال في تقديم الرجال على النساء من جهة البُنية القويمة، والقوّة العقلانية الحكيمة، وسعة التفكير، وقوّة التدبير الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ( ).
ويكتب في موضعٍ آخر يقول:یكون الرجل شديد البطش، قويّ الأركان، متين البنيان، ذا قوّةٍ تعقل وتفكير حادّ، وإحساس متناسب، والمرأة رقيقة البنيان، لطيفة الأركان، ذات إحساس حادّ، وعاطفة قوية، وتفكير متناسب، بعكس ما يكون الرجل( ).
وهذا ما نجده في الكثير من المصادر والتأليفات التي دوّنها هذا الاتجاه مثل: مزايا الرجل والمرأة في الإسلام للسيد أبي الفضل النبوي، في طرحه اختلاف الرجل والمرأة في الخلقة الجسمانية والروحية(ص16)، وكذلك آيات القرآن في اختلاف خلقة الرجل والمرأة (ص21 ـ 26)؛ وكذا فلسفة الاختلاف الروحي والجسماني بين الرجل والمرأة(ص27 ـ 30).
ومن هذا النوع ما جاء في كتاب الحجاب في الإسلام لقوام الدين الوشنوي، تحت عنوان: الثالث: إن تلك الطبيعة تخالف طبيعة الرجال من جهات شتى، وهي نقصان العقل، وهو العمدة، ونقصان الإيمان، ونقصان القوى، ونقصان الأنفس (ص37 ـ 45).
وكذا ما جاء في كتاب مدنيّة الإسلام روح التمدّن للشيخ أحمد الشاهرودي( ) و..
2 ـ 2 ـ المرأة والرجل، الحقوق والتكاليف
شرح أنصار هذا الاتجاه الفوارق الحقوقية والتكليفية بين الرجل والمرأة، وإذا ما تحدّثوا عن الفوارق الطبيعيّة والخَلقية بين الطرفين فإنّما كان ذلك منهم لتأصيل الأساس وتكوين البرهان الذي تقوم عليه الفوارق الأولى، وبعبارةٍ أخرى تعدّ هذه الفوارق عندهم أمراً مسلّماً.
إضافةً إلى ذلك، تعرّضت بعض النتاجات الفكرية لهذا التيار ـ بصورةٍ مستقلة أو ضمنية ـ لمواضع الاختلاف الحقوقية، ففي كتاب مزايا الرجل والمرأة في الإسلام جاء: يمكن القول: إن أكثر الموارد التي تحدّث فيها الفقه الإسلامي عن فوارق بين الرجل والمرأة قد أحصيتُها تقريباً، ووجدتها قد بلغت 160 اختلافاً حكمياً وحقوقياً وأخلاقياً، وقد جمعتها في أربعة فصول باسم: العبادات، والمعاملات، والسياسات، والمعاشرة( ).
أمّا في كتاب الحجاب في الإسلام، فيكتب المغفور له قوام الدين الوشنوي، كما ينقل الأدهمي، يقول: وأمّا مباينة النساء للرجال من حيث الشرع، فإنّ في الرجال كثيراً من مهمّات أصول الدين وفروعه، ليس شيءٌ منها في النساء، كالنبوّة والرسالة، والخلافة، والإمامة، والجهاد، والأذان، والخطبة، والاعتكاف، وتحمّل الدية، والقسامة، والولاية في النكاح والطلاق بأكثر من واحد، والتسرّي بملك اليمين على الوجه الشرعي، والمراجعة بعد الطلاق، وكون الانتساب إليه لا للزوجة، والمهر، والنفقة، والقضاء، والجمعة، والجماعة، وزيادة العقل، والدين، والنصيب في الميراث، وكونه يجب على المرأة إطاعة زوجها، والوقوف عند رضاه لا العكس، أي لا يجب عليه إطاعة أمر زوجته، بل جاء الشرع مندّداً بمن يطيع امرأته، وموعّداً له، وكون المرأة خلقت من ضلع الرجل، والمخلوق منه أفضل من المخلوق، وكون الذكر أشدّ قوّةً، وأعظم جرأةً، وأقلّ عبثاً، وأعزّ نفساً، وأكرم خلقاً، وأدوم ودّاً، وأحفظ عهداً، وأكمّ سرّاً، وأصبر على المكروه من الأنثى في كلّ ما ذكر( ).
كما يشير إلى فوارق أخرى في مواضع أخرى( ).
وقد بُحث في كتاب الفروق بين المرء والمرأة في نظر الشرع عن 171 فرقاً بينهما.
ويجدر التذكير بأن العلامة المجلسي (1111هـ) قد صنّف رسالةً في الاختلاف بين الرجل والمرأة في الوضوء والصلاة، ذاكراً أربعة عشر اختلافاً في هذا المجال( ).
3 ـ 2 ـ المرأة في الميدان الاجتماعي
إن النظرية المسلّمة المعترف بها لدى أصحاب هذا الاتجاه فيما يخصّ الجانب الاجتماعي للمرأة هي عدم الاختلاط، وقطع العلاقات، والاحتجاب.
وقد ذكرنا هذا الأمر عندما تحدّثنا عن كتاب أجوبة الأستاذ على نقد كتاب مسألة الحجاب، حيث تحدّث الكاتب عن رجحان الاحتجاب للمرأة في الدين الإسلامي( )، وهكذا عندما تحدّثنا عن كتاب النساء في أخبار الفريقين أشرنا إلى ذلك، وبيّنا أن المؤلّف قد أكّد على هذا الأمر في الأحاديث رقم: 1، 10، 13، 20، 23، 27، 29، 32 و..، ونجد الحال نفسه مع مؤلّف كتاب رسالة بديعة؛حيث يرفض حضور النساء في مجلس الشورى الإسلامي (المجلس النيابي)، أمّا مصنفو كتاب المرأة والانتخابات فقد انتقدوا مشاركة المرأة في الانتخاب، اقتراعاً وترشيحاً.
وإذا ما غضضنا الطرف عما أسلفنا، سنجد ما يلفت النظر في آراء بعض كبار رجال الدين في تاريخ إيران في القرن الأخير، فالمغفور له الشيخ فضل الله النوري (1258 ـ 1337هـ / 1824 ـ 1910م) يصدر بياناً في يوم الاثنين، الثامن عشر من جمادى الثانية لعام 1325هـ يبيّن فيه أهدافه، وعندما يتحدّث عن ظهور الصحف والبيانات واللوائح والتصريحات و.. في ظلّ إعادة تشكيل المجلس النيابي يقول: لم يتوقع أحد، بل كان الأمر موحشاً مذهلاً للزعماء الدينيين، وأئمة الجماعات، وقاطبة المقدّسين والمتديّنين، وبعد ذلك يذكر نماذج عمّا احتوته هذه الصحف والإصدارات من قبيل: إباحة المسكرات، وإشاعة بيوت الفحشاء، وافتتاح المدارس لتربية النسوان و..( ).
أمّا المغفور له السيد حسن المدرّس (1287 ـ 1357هـ)، فيتحدّث في المجلس النيابي الثاني (1329هـ)، عندما يقدّم لوائح الانتخابات رافضاً صلاحية النساء للمشاركة في البرلمان: لقد خضّت منذ أوائل عمري وحتى اليوم في الكثير من المهالك، برّاً وبحراً، إلاّ أنني لم أشعر بالخوف أو الارتعاش، لكنّ بدني اليوم يرتجف، إن الملاحظة المسجّلة على اللجنة البرلمانية هي: أولاً: لا يصحّ إدراج النساء في لوائح المنتخبين، فالمرأة لا حقّ لها في الانتخاب، إنّ هذا الكلام كالقول بانهنّ مجنونات أو سفيهات، هذه هي الملاحظة المسجّلة، أما جوابنا فلا بد أن نقدّم برهاناً، والبرهان هو أننا كلّما تأملنا اليوم رأينا أن الله تعالى لم يضع فيهنّ هذه الطاقة والقابلية التي تجعلهنّ لائقات بحقّ الانتخاب، إن المستضعفين والمستضعفات من هذا النوع، حيث لا تكون عقولهم مستعدّة..( ).
وفي رسالةٍ لجمعٍ من مراجع التقليد وآيات الله العظام، وذلك في شهر اسفند عام 1341هـ . ش / 1961م، انتقد الفقهاء حضور النساء في المجلس النيابي، وخالفوا ذلك مخالفةً شديدة( ).
وهكذا الحال في رسالة الإمام الخميني التي أرسلها إلى السيد عَلَم في 28/7/1341هـ . ش / 1962م، حيث جاء فيها: إن دخول النساء إلى المجلس، وإلى المجالس البلدية، مخالف للقوانين المحكمة للإسلام( ).
إلاّ أنه لابد من القول ـ في سياق فهم رؤية الإمام الخميني هذه في تلك الفترة مع مقارنتها بموقفه اللاحق الداعم للمشاركة الاجتماعية للنساء ـ : إن ما دفعه لهذا الموقف الرافض آنذاك هو الظروف السياسية والاجتماعية، إضافةً إلى المفاسد التي يمكن أن تترتّب آنذاك على دخول المرأة المجلس النيابي( ).
ولا بدّ عموماً من أن نأخذ بعين الاعتبار عوامل القلق والتوجّس التي كانت تجول في أذهان هؤلاء العظماء الطالبين لخير الأمّة والمجتمع الإسلامي، ذلك أن الأجواء الموجودة غير الصحيّة التي كانت سائدةً آنذاك، إضافةً إلى فتح ملفّات هذه الموضوعات الجديدة وبسرعة كان يستدعي ردّات فعل، وإنما نلفت النظر إلى ذلك لنتعرّف ـ فقط ـ على طبيعة قراءتهم للأمور.
وختاماً، يمكن تلخيص آراء هذا الاتجاه ونظرياته فيما يلي:
1 ـ الاعتقاد بوجود اختلافات كثيرة بين الرجال والنساء في المجال البدني، والروحي، والعقلي، والعاطفي.
2 ـ تقديم تصوّر خاص عن كمالات المرأة.
3 ـ الإصرار على مقولة ملازمة البيوت، ومناهضة الحضور الاجتماعي للمرأة.
4 ـ الاعتقاد بفوارق كثيرة بين الطرفين، حقوقياً وتكليفيّاً.

3 ـ الاتجاه التراثي: المنهج والأسلوب ـــــــ
ووفقاً لما تقدّم، يمكن رسم معالم المنهج الذي اعتُمد هنا على الشكل التالي:
1 ـ الاعتقاد بمفهوم التعبّد في الأحكام الدينية، بمعنى تجنّب الخوض في فلسفة التشريعات وبيان حكمتها، أو الدخول في تشريحات كلامية لها.
2 ـ الاعتماد البارز على الأحاديث والروايات، دون الخوض في أيّ تصفية لها.
3 ـ عدم وجود اهتمام كامل ولا مناسب بالآيات القرآنية التي تعرّضت لقضايا المرأة، لا سيما المشاركة الاجتماعية بأنواعها.
4 ـ الاعتماد على العلوم الحديثة لإثبات امتيازات الطرفين.

الاتجاه الثاني: الاتجاه الكلامي ـ الاجتماعي (1960م…) ـــــــ
يشرع تبلور الاتجاه الثاني من العقد الستّيني الميلادي الماضي، وذلك بطباعة تفسير الميزان، وطرح مؤلّفه سلسلةً من النظريات المتعلّقة بالمرأة، في المجلّد الثاني والرابع منه، كما دخل هذا الاتجاه المجال الاجتماعي العام ليطرح بشكلٍ واسعٍ على بساط التداول مع مؤلفات الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري في السبعينات من القرن العشرين، وفي هذا العقد نفسه دخل هذا الاتجاه منعطفاً جديداً مع نتاجات الدكتور على شريعتي، ثم نظريات الإمام الخميني، ليبلغ أوجه مع ما قدّمه آية الله جوادي آملي.
والمعالم العامّة لمنهاج التفكير الذي حكم هذا الاتجاه يمكن فهرستها كما يلي:
1 ـ الدفاع عن الهويّة الإنسانية للمرأة، وتساويها مع الرجل، على أساس القرآن، والبرهان، والعرفان.
2 ـ الاعتقاد بوجود فوارق بين الطرفين في المجال النفسي، والجسدي،
والإرادي.
3 ـ تقديم تفسير كلامي للاختلافات الفقهية والحقوقية بين الرجال والنساء.
4 ـ الدفاع عن المشاركة الاجتماعية للنساء، بل والتأكيد على رجحان ذلك.
وبعد هذه العصارة الموجزة، نشرع الآن بالبحث المفصّل نسبياً حول هذا الاتجاه، ونتاجاته، ورجاله، ونظرياته، ومنهجه و..
1 ـ أعمال العلامة الطباطبائي (1983م)
تعرّض العلامة محمد حسين الطباطبائي في المجلّدين: الثاني والرابع من تفسيره الثمين الميزان في تفسير القرآن لجملةٍ من الموضوعات المرتبطة بمسألة المرأة، وقد كان تفسير الميزان دوّن وطبع في الفترة الممتدّة بين عامي 1375 ـ 1393هـ( ). المجلّد الأول والسادس طبعا ما بين 1375 ـ 1377هـ( ).
يتحدّث العلامة في الجزء الثاني من تفسيره( ) تحت عنوان المرأة في الإسلام عن حالة المرأة في الأمم غير المتمدّنة، ثم يشرح حالها في الحضارة التي سبقت الإسلام، وكذلك وضعها في الوسط العربي والعصر الجاهلي، ليستنتج من جملة ما يذكره ما يلي:
1 ـ إن المرأة إنسان بمستوى الحيوان أو إنسان عاجز.
2 ـ إنهم كانوا يعتبرون المرأة من الأدوات التي يحتاجها الرجال كالمسكن والخادم و..
3 ـ كانوا يحرمونها من تمام الحقوق.
4 ـ كانوا يرونها مستخدَمةً للرجل.
وبعد ذلك، يتحدّث العلامة عن المرأة في الإسلام، فيرى أنها في نظر الإسلام إنسان كالرجل تشترك معه في جوهرة الإنسانية، ولا أفضلية بينهما سوى بالتقوى( )، مع أنه في موضعٍ آخر يصرّح بأن متوسّط النساء متأخّر في الكمالات عن متوسّط الرجال، مسنداً ذلك إلى الاختلافات المادية، والعاطفية، والعقلانية( ).
أمّا على الصعيد الاجتماعي، فيرى الطباطبائي أنّ المرأة تصارع الرجل مع اختلافٍ وهو: 1 ـ إن المرأة يرتهن بقاء النوع الإنساني لها. 2 ـ إنها وجودٌ ناعم حسّاس وعاطفي( ).
وأمّا على الصعيد الحقوقي والتشريعي، فإنّ النساء والرجال متساوون سوى في مسألة تولّي السلطة، والقضاء، والجهاد، وفي الإرث، والحجاب، والستر، والتمكين الجنسي( ).
وفي نهاية بحثه، يتعرّض الطباطبائي لمبرّرات هذا الاختلاف التشريعي، ويرى أنّ الفطرة الكامنة في الرجل والمرأة هي التي تستدعي ذلك( ).
أمّا في الجزء الرابع من الميزان، فيتركّز بحث العلامة الطباطبائي على التحليل الكلامي لجملة من البحوث الحقوقية والفقهية، كما يتعرّض لمسألة الزواج وتعدّد الزيجات وفلسفة ذلك في الإسلام( )، ولمسألة اختلاف الطرفين في الإرث( )، ولمسألة قيمومة الرجل على المرأة أيضاً( ).
2 ـ حقوق المرأة في الإسلام، ليحيى النوري
طبع هذا الكتاب طبعته الأولى عام 1961م، ثم تتالت طبعاته عدّة مرات. دافع المؤلّف فيه عن وجهة نظر الإسلام في موضوع المرأة ومكانتها (49 ـ 58)؛ ولذلك شرح الاختلافات الجسمية والروحية للطرفين (66 ـ 80)، من هنا توجّه لتحليل قضية الفوارق الحقوقية والتشريعية، لهذا يسعى ـ أولاً ـ للتقليل من حدّ الاختلافات المذكورة، حتى أنّه ينقل بعض الآراء غير المشهورة، مثل جواز تولّي المرأة منصب مرجعية التقليد (82)، وجواز إمامتها النساء في الصلاة (84)، ثم يحاول ـ ثانياً ـ فلسفة هذه الاختلافات الفقهية وإبانة وجه الحكمة فيها، مركّزاً على بعضها؛ ليبسط الكلام في تشريحه وتبريره مثل حقّ الطلاق للرجل (217 ـ 255)، وتعدّد الزوجات (174 ـ 196)، والزواج المؤقت (197 ـ 219).
هذا، وقد كتب المؤلف في الطبعة الثالثة للكتاب عام 1964م مقدّمة مفصّلة في سبعين صفحة، أضافها في بداياته.
3 ـ أعمال الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري (1979م)
يمكن القول: إن الشهيد مطهري هو الذي نشر هذا الطراز الجديد من التفكير في العقد السبعيني من القرن العشرين، إنني أعتقد أن المطهري كان أفضل مقرّر ومبيّن لنظريات العلامة الطباطبائي، دون أن يعني ذلك التغاضي عن ما قدّمه نفسه من إبداعات وابتكارات.
لقد كتب المطهري في العام 1966 ـ 1967م سلسلةً من المقالات في مجلّة زن روز، حملت عنوان المرأة في الحقوق الإسلامية، وهي التي عادت ونشرت فيما بعد عام 1974م في كتاب حمل عنوان نظام حقوق المرأة في الإسلام( ).
وفي عام 1969م خرج من المطبعة كتاب مسألة الحجاب( )، لتشهد السنة اللاحقة (1970م) ردود المطهري على الانتقادات المسجّلة عليه، والتي طبعت بعد انتصار الثورة عام 1979م، وقد سبق أن تعرّضنا لهذا الكتاب في القسم السابق لتصنيفه ضمن المساهمات النقدية.
يبحث الأستاذ مطهري في كتاب نظام حقوق المرأة في الإسلام عن الهوية الإنسانية للمرأة، مستنداً إلى الآيات القرآنية، فيثبت ـ كالعلامة الطباطبائي ـ هذه الهويّة لها (139 ـ 174)، نعم لا يفوته الحديث عن الاختلافات الجسدية، والنفسية، والعاطفية بين الطرفين، فيعتقد بها، ثم يجعلها أساساً لاختلاف الأحكام (197 ـ 222).
ويواصل المطهري استعراضه، بالحديث عن التفسيرات الكلامية لمسألتي المهر والنفقة (222 ـ 274)، ثم مسألة الإرث (275 ـ 360)، ثم حقّ الطلاق (287 ـ 360)، ثم تعدّد الزوجات (361 ـ 455)، ويستوعب الكتاب في طيّاته حديثاً عن مسألة الإسلام ومتطلّبات العصر، وكيفية التوفيق والتوليف بين أحكام الإسلام وتحوّلات الحياة البشرية (101 ـ 137).
أمّا في كتاب مسألة الحجاب، فيشرع مطهري بالحديث التبريري العقلاني عن الاختلاف بين الرجل والمرأة في قضيّة الحجاب، مسجلاً سلسلة انتقادات على وجهة النظر المختلفة المنافسة له، ليعقب ذلك ببحثٍ فقهي اجتهادي، يرى فيه عدم وجوب ستر المرأة للوجه والكفّين.
أمّا كتاب أجوبة الأستاذ، فقد تركّز على تأكيد وجهات نظره التي جاءت في كتابي: الحجاب، ونظام حقوق المرأة، محاولاً رفع الإبهام عن بعضها وإزالة الالتباس فيها( ).
4 ـ أعمال الدكتور علي شريعتي (1979م)
تعرّض د. علي شريعتي لمسألة المرأة في العقد السبعيني من القرن العشرين عبر عدّة كتابات ومجموعة محاضرات، وقد تحدّث فيها عن الهوية الإنسانية للمرأة من وجهة نظر الإسلام، كما تحدّث عن وجود نماذج مثالية مثل السيدة فاطمة ، والسيدة زينب .
وما تركه لنا شريعتي في هذا المضمار كان عبارة عن:
1 ـ فاطمة هي فاطمة، كان تدويناً وإكمالاً لمحاضرة ألقاها في حسينية الإرشاد في طهران 26/6/1350هـ . ش / 1971م.
2 ـ ماذا يريد العصر الحاضر من المرأة المسلمة؟ محاضرة (مدوّنة) ألقيت في حسينية الإرشاد بتاريخ: 4/4/1351هـ . ش /1972م.
3 ـ ملتقى المرأة، ويمثل محاضراته في الأيام الفاطمية في 22 و 23 و 24، تير، 1351هـ . ش / 1972م.
4 ـ الحجاب، حوار جرى عام 1976م.
وقد نشرت هذه النتاجات الأربعة في مجموعة أعمال د. شريعتي (ج21) تحت عنوان المرأة، نعم كتاب فاطمة هي فاطمة كان طبع مراراً وتكراراً بصورة مستقلّة عن مجموعة أعماله.
5 ـ المرأة في قلب محمد وعينه، وقد طبع ضمن كتاب الحرية وحقوق المرأة في الإسلام، والذي يحوي عدّة مقالات ودراسات، وذلك عام 1979م، من جانب مؤسّسة نشر ميلاد.
ويسعى شريعتي، كما يظهر من بعض كتاباته، لتقديم أنموذج المرأة المثالية للأغلبية الساحقة من نساء مجتمعه ممّن لا يردن الخضوع لا للثقافة الغربية المفروضة، ولا للثقافة التقليدية القديمة الجاهلية( ).
5 ـ نتاجات الإمام روح الله الخميني (1989م)
لم يترك لنا الإمام الخميني نتاجاً مستقلاً في موضوع المرأة، وما نملكه عنه ليس إلاّ مجموعة من خطبه، وحواراته، ورسائله، أو بعض المقاطع من بعض أعماله مثل كتاب كشف الأسرار، والتي كان قدّمها لنا خلال حقبتين تاريخيتين: إحداهما قبل انتصار الثورة الإسلامية عام 1979م، وثانيتهما بعد الثورة، أي ما بين عام 1979م إلى عام 1989م.
وقد جمعت مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني هذه الأعمال في المجلّد الثامن من مجموعة تبيان، تحت عنوان مكانة المرأة في فكر الإمام الخميني، ثم نشرتها عام 1995م، نعم، بعض ما جاء في هذه المجموعة كان قد نشر سابقاً بعناوين عدّة مختلفة، مثل سمات المرأة في كلام الإمام الخميني.
والذي يمكن استخلاصه من هذه المجموعة من الكلمات والكتابات أن الإمام الخميني كان يركّز على الهوية الإنسانية للمرأة، وتساويها مع الرجل في الكمالات الإنسانية، ولهذا لابد من رفع العوائق أمام مشاركتها الاجتماعية، ثم إقحامها مجال العمل الاجتماعي ـ السياسي، والعلمي؛ لتؤدّي دورها بنشاط وحيوية، ذلك كلّه كان مصحوباً عند الخميني بالتأكيد على دور المرأة في الأمومة وحفظ الأسرة، بوصفها البناء الرئيس للمجتمع البشري.
هذا، وقد كتبت مقالات، وكتب، ورسائل جامعية عديدة حول المرأة عند الإمام الخميني وتحليل آرائه في هذا المضمار، كما عقدت ملتقيات وندوات عدّة أيضاً في هذا الخصوص( ).
6 ـ نتاجات آية الله جوادي آملي
ألقى آية الله الشيخ عبدالله جوادي آملي دروساً لطالبات جامعة الزهراء في مدينة قم، عام 1990 ـ 1991م، وقد تعرّض أثناءها لبعض القضايا المرتبطة بالمرأة، وقد طبعت هذه السلسلة من المحاضرات في كتاب حمل عنوان المرأة في مرآة الجمال والجلال الإلهيين(وقد ترجم إلى العربية)، وذلك بعد تصحيحه وإعادة صياغته، عام 1990م.
ويمكن تصنيف آية الله آملي امتداداً لأفكار العلامة الطباطبائي تماماً مثل الأستاذ مطهري، ورغم أن آملي قد تقدّم خطوةً نحو الأمام في معالجة الهوية الإنسانية للمرأة، متخطياً الاعتماد على النص القرآني لإثبات ذلك، إلى الاعتماد على كلّ من الفلسفة والعرفان أيضاً، بغية إيضاح الهوية الإنسانية في إطار هذين العلمين؛ لتنجلي أمام المختصّين بهما.. ضاعف من المساهمة التحليلية الكلامية للاختلافات الفقهية والحقوقية بين الطرفين بما يتخطّى مساهمة الطباطبائي والمطهري، فتناول موضوعات عدّة هي: بلوغ المرأة (352 ـ 355)، ومرجعية المرأة (281 ـ 383)، ولزوم قضاء الولد الذكر ما فات الوالد من الصلاة والصيام (410 ـ 411)، ونبوّة المرأة (231)، وقضاء المرأة (383)، وشهادة المرأة (346 ـ 347)، واختلاف الدية (401 ـ 404)، واختلاف الإرث (404).
ونستعرض هنا بعض الآراء الجديدة لآية الله آملي والتي جاءت في هذا الكتاب:
1 ـ يجوز للمرأة تولّي المرجعية للنساء فقط (376).
2 ـ يقبل النبوّة الإنبائية للنساء، وما يختصّ به الرجال إنما هو النبوّة التشريعية (231).
3 ـ تجوز إمامة المرأة للنساء (376).
4 ـ يجب على الولد الأكبر قضاء صيام الأم وصلاتها أيضاً (411).
وفي ختام هذا البحث، لابد لنا أن نشير إلى كتابٍ آخر يواصل في طروحاته هذا المسير أيضاً، وقد كان نشر هذا الكتاب قبل هذه الكتب جميعها، واحتوى الموضوعات الدينية ودافع عنها أيضاً.
وهذا الكتاب هو: حقوق المرأة في أوروبا والإسلام لمؤلّفه حسن الصدر، كان الكتاب قد نشر عام 1940م، ثم أعيدت طباعته من جانب انتشارات فراهاني عام 1948م.
يخصّص المؤلّف القسم الأكبر من الكتاب لأبحاث تاريخية في الثقافة والبلاد غير الإسلامية، كما يستعرض الأبحاث الحقوقية لسائر البلدان أيضاً، وضمن ذلك يذكر وجهة نظر الإسلام ثم يدافع عنها.
يذهب المؤلف في قراءته لشخصية المرأة إلى أن هناك وجهتي نظر ضعيفة في هذا المجال: إحداهما: أن ضعف النساء وعجزهنّ أمر ذاتيّ لهنّ، وثانيتهما: إن ضعفهنّ أمرٌ تاريخي وثقافي فرض عليهنّ فرضاً (262 ـ 263)، أما المؤلّف فيذهب إلى خطأ الرؤيتين؛ على أساس أنه لابدّ يقال: إن الرجل والمرأة هكذا، ولا ينبغي تصوّر ضعف أحدهما وقوّة الآخر حتى نبحث عن جذور هذه المعادلة وأساسها.
يكتب يقول: إن البناء الجسدي والعقلي، المادي والمعنوي، لهاتين الطبقتين، ووظيفتهما وخصائصهما، تختلف تماماً عن بعضها بعضاً، فالمرأة إنّما كوّنت لخصائص خاصة وهدف خاص محدّد، أمّا الرجل فكان خلقه لوظيفةٍ أخرى، وطورٍ آخر (264 ـ 265).
ويعتقد الكاتب أن حوّاء خلقت من ضلع آدم (73)، لكنه يذهب إلى أن المرأة عنصر فاعل ومؤثر في الحياة الأسرية، بل يمكنها مشاركة الرجل في أغلب الشؤون الاجتماعية، في جدّه وسعيه (72)، ويذهب أيضاً إلى لزوم تعليم النساء وتربيتهنّ، وإلاّ كان العقل والإحساس الذي خلقه الله فيهنّ ـ كالرجل ـ عبثاً ولغواً(72).
ويشرّح المؤلّف مبرّرات الطلاق في الإسلام وكونه تحت تصرّف الرجل، فيبيّن الحكمة في ذلك (231، 238)، وكذا الحال في دفاعه عن تعدّد الزوجات (202 ـ 207)، وقانون الإرث (260).
ونلخّص ـ في ختام الحديث ـ مهمّ آراء هذا الاتجاه ونظريّاته كالتالي:
1 ـ الاعتقاد بالهوية الإنسانية المتساوية عند الرجل والمرأة.
2 ـ الاعتقاد بوجود اختلافات بين الرجل والمرأة في بعض المجالات، مثل الاختلافات الجسدية، والنفسية، والعاطفية، وبعبارةٍ أخرى: يقلّص هذا الاتجاه دائرة الاختلافات هذه نسبةً لما كان يراه الاتجاه الأوّل.
3 ـ الاعتقاد بجواز المشاركة الاجتماعية للمرأة، بل رجحانها.
4 ـ تقديم تفسيرات كلامية عقلانية للاختلافات الحقوقية بين الرجل والمرأة.

الاتجاه الكلامي ـ الاجتماعي: المنهج والخطاب ــــــــ
وما يمكن اعتباره منهجاً لهذا الاتجاه هو:
1 ـ الاهتمام بالنصّ القرآني، سيما ما يتعلّق بشخصية المرأة وحضورها الاجتماعي.
2 ـ الاعتقاد بضرورة تصفية الأحاديث.
3 ـ الاعتقاد بضرورة التعقل في فهم النصوص الدينية وتفسير أحكامها كلامياً.
4 ـ الأخذ بعين الاعتبار تأثير الثقافات غير الدينية، والسعي لتصفيتها و..

الاتجاه الثالث: الاتجاه الفقهي ـ الحقوقي (2000م ـ ….) ـــــــ
برز إلى الواجهة بداية الألفية الثالثة اتجاهٌ جديد، هو الاتجاه الثالث، ويذهب رموز هذا الاتجاه إلى الأخذ بعين الاعتبار الواقعَ ورعاية الأصول والضوابط التي تحكم الفقاهة والاجتهاد، وإعادة قراءة المصادر الدينية، معتقدين أن ذلك يساهم في التوصّل إلى نظريات جديدة على الصعيد الحقوقي.
وفي الحقيقة، يقيم هذا الاتجاه كيانه على أضلاع ثلاثة هي:
1 ـ الأخذ بعين الاعتبار الواقع الخارجي.
2 ـ مراعاة قواعد الاجتهاد وضوابط الفعل الفقهي.
3 ـ إعادة قراءة المصادر الدينية من جديد.
لم تصلنا من هذا الاتجاه نتاجات مدَّونة تتعلّق بشخصية المرأة وهويتها الحقيقيّة، وكذا بعض المجالات الأخرى مثل الأسرة والمشاركة الاجتماعية، إلاّ أننا نظن أن هذا الاتجاه يتبنّى ـ في الحدّ الأدنى ـ أصول الاتجاه الثاني على صعيد شخصية المرأة وهويتها، فيدافع عن الهوية المشتركة للرجل والمرأة.
كما أننا نرى أن رؤية هذا التيار للفوارق ما بين الرجل والمرأة تظلّ أقلّ مما هو عند الاتجاه الثاني، فضلاً عن الأوّل، وأما على صعيد المشاركة الاجتماعية فلم يصلنا شيء مكتوب وصريح يتحدّث عن ذلك، إلاّ أن لازم بعض الآراء مثل عدم شرطية الذكورة في مرجع التقليد، ورئاسة الجمهورية، والقضاء، والوليّ الفقيه و.. عدم سدّ باب المشاركة بوجه النساء.
أمّا على الصعيد العائلي، فإن لازم بعض النظريات المطروحة لدى هذا الاتجاه هو الاعتقاد بحظٍّ أكبر للمرأة في هذا المضمار، مثل استقلال البنت الباكر في الزواج، وجواز خروج المرأة من منزل زوجها بغير إذنه، وبعض الموارد الأخرى.
ونشرع ـ أولاً ـ بطرح آراء مؤسّسي هذا الاتجاه ورموزه، طبقاً للتسلسل الزمني لنشر أعمالهم، ثم نحاول الخروج بما نستنتجه منهجاً لهذا الاتجاه.
1 ـ نتاجات آية الله الشيخ يوسف الصانعي
آية الله صانعي رائد طرح الآراء الفقهية الجديدة على شكل فتوى في الرسالة العملية في العصر الحاضر، فرغم أنّ طرح الأبحاث النظرية والتحليلية الجديدة المتعلّقة بقضايا المرأة كان أمراً سائداً في جلسات الدرس العلمي أو عبر محاضرات فكرية، إلاّ أن إدراجها في الرسالة العملية على شكل فتوى قلّما نجده فيما يخصّ قضايا المرأة.
طبعت رسالة صانعي العملية عام 1414هـ، وقد اجتذبت فتواه المتعلقة ببلوغ الفتاة المحافل العلمية والحوزوية.
وبعد ذلك، بتنا نلاحظ آراء أخرى له في هذا المجال، إمّا ضمن استفتاء وعلى شكل فتوى صادرة، أو ضمن حوارات علمية، ويمكننا هنا ذكر حوار أجرته مجلّة بيام زن العدد: 63، 64 معه، وكذا فصلية متين، العدد الثاني، ربيع عام 1999م، كما يلاحظ بعض الموضوعات ذات الصلة في كتابه فقه الثقلين (155 ـ 204، 208 ـ 230) أيضاً.
والموارد التي يوجد فيها للشيخ الصانعي رأيٌ جديد هي:
1 ـ لا تشترط الذكورة في مرجع التقليد( ). 2 ـ لا تشترط الذكورة في الولي الفقيه( ). 3 ـ يمكن للمرأة تولّي منصب القضاء( ). 4 ـ بلوغ البنت يكون بالحيض، وفي المرحلة اللاحقة بثلاثة عشرة سنة( ). 5 ـ دية الرجل والمرأة في قتل الخطأ وشبه العمد متساوية( ). 6 ـ تجوز إمامة المرأة لجماعة النساء( ). 7 ـ يمكن للمرأة تولّي رئاسة الجمهورية( ). 8 ـ إن تعدّد الزوجات مشروط بإحراز العدالة ويمكن وضع ذلك في القوانين( ). 9 ـ تساوي الرجل والمرأة في الاستفادة من وجود العيب لفسخ النكاح( ). 10 ـ إن اشتراط خروج المرأة بإذن زوجها ثابتٌ حتى يبلغ حدّ أذية المرأة و..( ). 11 ـ لا يُشترط إذن الأب في زواج البنت البالغة الرشيدة( ). 12 ـ للصغير والصغيرة حقّ فسخ النكاح بعد بلوغ كلّ منهما( ). 13 ـ ترث المرأة من الأموال المنقولة وغير المنقولة للزوج، غايته أنها في الأموال غير المنقولة ترث من القيمة( ). 14 ـ الحبوة وإن كانت من مختصّات الولد الذكر الأكبر، إلاّ أنها تحسب له من سهمه في الإرث لا خارج السهم( ).
2 ـ أعمال الدكتور حسين مهربور (المولود عام 1943م)
يسعى د. مهربور في كتابه حقوق المرأة الذي طبعته مؤسسة نشر صحيفة إطلاعات الإيرانية عام 2000م، ويشتمل على عشر مقالات كان كتبها في المجلات الداخلية والخارجية وألقاها في ملتقيات ومنتديات مختلفة ما بين عام 1993م وعام 2000م… يسعى لفتح نافذة جديدة للاجتهاد فيما يخصّ القضايا الحقوقية للمرأة والتي تحوّلت إلى أزمة وإشكالية في العصر الحديث.
يعتمد مهربور في هذه الموضوعات على القرآن الكريم للوصول إلى رأيه الجديد، مثل مسألة القصاص (248 ـ 249)، وقضاء المرأة (356 ـ 358)، وجواز نكاح البنت البالغة الباكرة العاقلة بدون إذن وليّها (84 ـ 85).
كما يحاول د. مهربور التشكيك في بعض الآراء القديمة؛ لتأمين مجال لقراءة جديدة في هذا المضمار، مثل بحثه حول مسألة الدية (277 ـ 279)، وشهادة المرأة (302 ـ 303، 309 ـ 310)، وجعل حقّ الطلاق بيد الرجل (199 ـ 203)، وتعدّد الزوجات (100 ـ 103).
3 ـ نتاج آية الله الشيخ إبراهيم الجنّاتي (المولود عام 1933م)
يعدّ آية الله الشيخ إبراهيم الجنّاتي من رادة الاتجاه التجديدي الذين حققوا تحوّلاً في مناهج الاجتهاد وأساليب الدفاع عن الفقه الإسلامي، معتمداً ـ مع الأخذ بعين الاعتبار التحوّلات الحياتية الجديدة ـ على المصادر الأصيلة للاجتهاد، وعلى هذا الأساس الفكري والأداء العلمي لم تغب قضايا المرأة عن أعماله وقراءاته، وبالرغم من عدم وجود كتاب مستقلّ له مختصّ بقضايا المرأة وحقوقها، إلاّ أنّ له مساهمات كثيرة جداً ومشاركات عديدة في ندوات وملتقيات مختلفة، كانت له فيها محاضرات أو مقالات تناول فيها القضايا الحقوقية والفقهية للنساء.
وقد نشرت الرسالة العملية لجنّاتي عام 2002م، كما طبع الجزء الثاني منها، وهو عبارة عن مجموعة استفتاءات، عام 2003م.
وقد طرح آية الله جناتي في رسالته العملية جملةً من الآراء الجديدة، وهي وإن لم تحظ بامتياز علمي وتحليلي، إلاّ أن امتيازها في صدورها على شكل فتاوى وآراء اجتهادية، فمن مزايا هذه الرسالة العملية، إضافةً إلى استعراضها تاريخ الاجتهاد ومراحله (ج1: 3 ـ 48)، وبيان خصائص الرسالة العملية (ج1: 48 ـ 57)، أنها تبيّن المنهج الاجتهادي الجديد الذي تقوم عليه هذه الفتاوى والآراء.
ونستعرض ـ أولاً ـ ميزات هذا المنهج، ثم نعقب ذلك ـ ثانياً ـ بسرد بعض الآراء والفتاوى المتعلّقة بالمرأة.

ميزات المنهج الاجتهادي الجديد عند جنّاتي ـــــــ
من المناسب الإشارة سريعاً وعابراً لخصائص هذا المنهج الاجتهادي الجديد، وهي عبارة عن:
1 ـ قيامه في مجال الاجتهاد على أساس الأصول المعتبرة والعناصر الرئيسة للاستنباط، وذلك عقب إعادة النظر، وكذلك رصد الظروف المحيطة بزمن صدور النص ومخاطبه، اعتماداً على منهج أصولي معتدل، يجانب النزعة الإفراطية.
2 ـ إن هذا المنهج يشهد حضوراً في مجال الاجتهاد، على الصعيدين: النظري والعملي، وعلى صعيد الفتوى أيضاً، وهو يتجنّب المنهجين: الأخباري والأصولي القائمَين على الاحتياط.
3 ـ تعميم الأحكام والموازين الاجتهادية للمجال الفردي، والاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي، والطبّي، والفني، والحكومي، وهذا ما يغدو ميسوراً للمجتهد عندما يتمكّن من فهم ظروف زمانه، وحاجات المجتمع، وقضايا الدولة، بصورة متصلةٍ بمصادر الاجتهاد ومنابعه الرئيسة.
4 ـ ممارسة عمليات التفريع والتطبيق، أي إعادة الحوادث الواقعة والفروع المستجدّة وإرجاعها إلى الأصول الأساسية، كما وتطبيق القوانين العامّة على مصاديقها الخارجية.
5 ـ الدراسة الكاملة والمستوعبة لأبعاد القضايا المتناوَلة، ووزنها طبقاً لوقائع الأيّام وظروف العصر، والحقائق الخارجية وخصوصياتها.
6 ـ دراسة مستوعبة لخصائص موضوعات الأحكام، سواء الخصائص الداخلية والخارجية، وهي التي يلعب تحوّل الزمان وظروفه دوراً كبيراً في تكوينها وبلورتها، وهو ما يبعث على إخراج الموضوع ـ ومن ثم الحكم ـ عن دائرة الأصل الشرعي الأوّل؛ ليدخل تحت أصل أو قاعدة شرعيةٍ أخرى.
7 ـ دراسة ملاكات الأحكام في غير المسائل العبادية، أي مجال الاجتماع والحكومة، وذلك عبر السبيل العقلي؛ ذلك أن معونة التحليل العقلي هنا يمكنها أن تساعدنا على التوصّل لاكتشاف ملاكات الأحكام وعللها، بحيث يسري الحكم إلى موردٍ آخر لا نصّ فيه عبر اكتشاف سريان الملاك إليه.
8 ـ رعاية ما تقضيه أحوال المجتمعات والأزمنة في عملية تطبيق الأحكام وإجرائها، ذلك أنه من دون رعاية هذا الأمر من الممكن أن نخرج بنتائج مؤسفة للمجتمع ككل.
نعم، فالمطّلعون يعلمون أن نبيّ الإسلام كان يراعي دوماً في تطبيقه للشريعة الإسلامية الإلهية ظروفَ العصر والأوضاع الزمانية، وكذا الأعراف وأحوال الناس، وثمّة نماذج عديدة لهذا الأمر، وكلّ من يريد الاطلاع على هذا الأمر يمكنه مراجعة كتابنا المناهج العامّة للاستنباط.
إنّ مراعاة هذا المنهج للمجتهد يمكنها أن تساعده على فهم ظروف العصر وأوضاع المجتمع، وثمّة خصائص أخرى لا حاجة لبيانها الآن.
على أية حال، إن مراعاة هذا المنهج في استنباط الأحكام لا يمكّن المجتهد من حلّ المعضلات الفردية فحسب، بل يجعله قادراً على مواجهة الأحداث والظواهر الاجتماعية والحكومية.
والذي يُلاحَظ أن تنظيم مسائل هذه الرسالة العملية التي جاءت على شكل سؤالٍ وجواب، كان يراعي في بعض المسائل الظروف المذكورة، وهو ما يؤمل أن يكون مفيداً للمؤمنين (ج2: 25 ـ 26).
أمّا الآن، فنذكر بعض الآراء والنظريات الجديدة عند جناتي فيما يخصّ قضايا المرأة، وهي:
1 ـ لا يشترط في مرجع التقليد أن يكون ذكراً رجلاً (1: 62).
2 ـ يشترط في إمام الجماعة: البلوغ، والعقل، والتشيّع الإثنا عشري، والعدالة، وطهارة المولد، والأداء والقراءة الصحيحة للصلاة، وإذا ما كان المأموم ذكراً لزم أن يكون الإمام ذكراً أيضاً (1: 281).
3 ـ يجب الستر على المرأة لكلّ بدنها عدا الوجه والكفين عن غير المحرم، إلاّ أنه ليس هناك نوعٌ خاص من اللباس، فيكفي فيه أيّ وسيلة تحقّق الستر، إلاّ أنه لا شك في أن الشادور (العباءة الإيرانية) لباس ساتر جيّد للمرأة، لكن النساء العاملات في المؤسسات الإدارية، والطبّية، والجامعات، وفي الميادين السياسية والاجتماعية يلزمهنّ ارتداء ساتر يحوي تمام الشرائط اللازمة ويكون أفضل من غيره، وهو الذي يمكّنهم أكثر من حفظه ومراعاته (1: 531 ـ 523).
4 ـ لا مانع من تصدّي المرأة الحائزة على الشروط لمقام القضاء.
5 ـ لا إشكال في تصدّي المرأة لسائر المناصب الاجتماعية، والسياسية، والعلمية، والثقافية، والفنية، والإدارية، والرئاسية و.. عندما يكون بمقدورها تولّيها والقيام بوظيفتها، مع مراعاة الموازين الشرعية في الستر وغيره.
6 ـ لا إشكال في مواصلة النساء دراستهنّ وتعليمهنّ في الجامعات وغيرها، حتى لو كان الأساتذة رجالاً، أو كان المشاركون في جلسات الدرس من الرجال أيضاً، بشرط مراعاة الحدود الشرعية في اللباس وغيره.
7 ـ لا مانع من أن تتعلّم المرأة قيادة السيارة على يد رجلٍ، فتجلس إلى جانبه، بشرط عدم استلزام ذلك لأيّ حرام.
8 ـ لا يشترط إذن الأب في زواج البنت المدركة تماماً للمصلحة والمفسدة ولا تقع تحت تأثير العواطف والمشاعر، فيكون قرار الزواج في يدها (1: 532).
9 ـ إن الطلاق وإن كان في يد الرجل، إلاّ أن ثمّة موارد وحالات يمكن أن يكون حقّ الطلاق فيها بيد المرأة ومنها:
أ ـ أن يقع ذلك شرطاً في ضمن العقد، إذ يمكن أخذ أيّ شرطٍ في متن العقد لا يكون مخالفاً لطبيعة العقد ذاته، لقد سهّلت الشريعة الإسلامية هذا السبيل ويسّرته حتى يكون بيد الطرف الآخر هذا الحقّ، وتحديد زمان الطلاق، وعليه، يمكن للمرأة الشرط في متن العقد أن تكون وكيلةً عن الزوج في طلاقها، لا فرق بين أن تكون هذه الوكالة مطلقةً، بمعنى أن لها ذلك في أيّ وقت، فتطلّق عنه، أو تكون مشروطةً، بمعنى أن يكون الطلاق مشروطاً بسوء معاملة الزوج أو عدم أدائه للنفقة، أو زواجه من امرأةٍ ثانية.
ب ـ العسر والحرج في الحياة، فحتى لو لم تضع المرأة الشرط المذكور سابقاً ضمن عقد الزواج، يمكن لها إبطال مفعول العقد في الحالات التالية:
أولاً: عدم أداء الزوج الحقوق الواجب عليه أداؤها، ولا يمكن إجباره.
ثانياً: سوء معاملة الزوج ومعاشرته لزوجته بحيث يكون تحمّل ذلك حرجاً على الزوجة.
ثالثاً: الأمراض المعدية العسيرة العلاج والتي تهدّد دوام الحياة الزوجية.
ج ـ غَيبة الزوج وفقدانه ضمن الشروط المحدّدة لذلك.
د ـ حالات وجود العيوب الخاصّة بالزوج والموجبة لحقّ فسخ عقد الزواج من دون إيقاع الطلاق (ج1: 534 ـ 535).
10 ـ يمكن للمرأة ـ ودون رضا الزوج ـ الحيلولة دون الحمل، إلاّ أنه لا يمكن للرجل دون رضا زوجته إجبارها على الحمل، أمّا لو رضيت فلا بأس (1: 535).
11 ـ للمرأة حقّ حضانة الولد الذكر إلى عامين والأنثى إلى سبع سنوات لتنتقل الحضانة بعد ذلك إلى الأب، وهذا الحكم ليس تعبّدياً لا يقبل الإسقاط، إنما هو صرف حقّ من الحقوق.. والقانون المدني يرى ذلك أيضاً.
12 ـ لم تشرّع الحضانة للوالد والوالدة بدون قيد أو شرط، إنما كان تقنينها مقيّداً بصلاحية صاحب الحق وقدرته على إدارة أمور من يتولّى حضانته، وعليه فإذا كان الوالد أو الوالدة لا يملكان صلاحية حضانة الولد من الناحية الأخلاقية، والاجتماعية، والدينية وغيرها، أو كانت لديه هذه الصلاحية لكنه لم يقم بوظيفته على الشكل الصحيح اللائق، يسقط حقّه في الحضانة، ويمكن للحاكم الشرعي حينئذٍ إحالة الولد إلى الطرف الآخر أو إلى شخص ثالث.
13 ـ إن ظهور البلوغ عند البنت يكون بالعادة الشهرية (الحيض)، أمّا إذا لم تأتها العادة الشهرية لأسباب في الطبيعة أو المزاج أو.. فعليها الرجوع إلى عادة قريباتها، فتجعل عادتهنّ زماناً لبلوغها.
14 ـ لابد للمرأة من أخذ إذن الخروج من المنزل إذا كان في خروجها منافاةً لحقّ الزوج، أما مع عدم المنافاة فلا يُعتبر إذنه، وعليه، ففي هذه الحالة يمكن للمرأة الخروج من منزلها دون إذن زوجها للتعلّم والتعليم، والقيام بالنشاطات الاجتماعية، أو الأعمال السياسية، مع مراعاة الحدود الإسلامية، وكذلك لها الخروج لزيارة أسرتها من والدها وأمّها و..، دون أن تحتاج إلى شرط ذلك ضمن عقد الزواج (1: 537).

الاتجاه الفقهي ـ الحقوقي: المنهج والأسلوب ـــــــ
يؤكّد رجال هذا الاتجاه ـ إلى جانب الالتزام بالضوابط الفقهية المشهورة والقواعد الاجتهادية المسلّمة ـ على جملة نقاط هي:
1 ـ التركيز على القرآن الكريم في الاجتهادات الفقهية والحقوقية.
2 ـ الأخذ بعين الاعتبار واقع الحياة.
3 ـ إعادة النظر بالمصادر والمنابع الدينية.
4 ـ التفكيك بين الأحكام الدائمة الثابتة والأحكام المرحلية المؤقتة.
5 ـ الاعتقاد بإمكان كشف مقاصد الشريعة وعلل الأحكام في غير العبادات. وقد سبق أن تحدّثنا عما طرحه آية الله الجنّاتي في بحثه عن سمات المنهج الاجتهادي الجديد، وذكرنا هناك نقاطاً ثماني تعرّض هو لها، والنقاط رقم1، 5، 6، 7، 8، من تلك النقاط تعبّر عن المحاور الخمسة التي ذكرناها هنا( ).
ومن يُراجع كتاب حقوق المرأة للدكتور مهربور يلاحظ مدى إصراره في أكثر الموضوعات التي تناولها على القرآن الكريم، كما تعرّض ـ إجمالاً ـ لهذا الأمر في مقدّمة كتابه، مركّزاً على ملاحظة واقع الحياة والظروف الموضوعية( ).
والأمر الذي لابدّ لنا من إيضاحه ـ دفاعاً عن أنصار هذا الاتجاه ـ هو أن أخذ الحياة والظروف الموضوعية بعين الاعتبار لا يعني إصدار رأي فقهي على أساس هذا الواقع، وإنما يعني أن هذا الاهتمام من جانب الفقيه يجعله يطلّ بوعي أكبر على مصادر الأدلّة، ولا يعني ذلك أيضاً أن الواقع الحياتي يجب فرضه وإسقاطه على النص الديني، وإنما صيرورة هذا الواقع سبباً لرؤية الزوايا المختلفة للنصوص الدينية، مما يدفع إلى ممارسة مزيد من الدقّة والضبط في الكلمات، والمصطلحات الواردة في النصوص، وكذا بُنية النصوص، وظروف صدورها و..

مساهمات معاصرة في قضايا المرأة ـــــــ
ونستنسب ـ لمواصلة هذا البحث ـ استعراض وجهات نظر بعض الشخصيات الأخرى التي قدّمت مساهمات في قضايا المرأة أيضاً.
1 ـ آراء آية الله الشيخ محمد هادي معرفت
يعدّ الشيخ معرفت من الأساتذة البارزين في الحوزة العلمية، والمراكز التعليمية العالية، وهو فقيه مشهور ومفسّر معروف أيضاً.
وبمراجعة نتاجاته لاحظنا وجود بعض الآراء الجديدة عنده في مسألة المرأة، ومنها:
1 ـ يذهب الشيخ معرفت في كتابه: شبهات وردود حول القرآن الكريم إلى أن الآية 34 من سورة النساء، والتي تتحدّث عن ضرب المرأة وتأديبها منسوخةٌ بالنسخ التمهيدي، لذا فهو يرى أن مسألة ضرب المرأة قد نسخت تدريجياً بمرور الأيام من جانب الرسول ( ).
2 ـ يرفض العلامة معرفت في مقالةٍ له في مجلّة دادرسي التمييز المشهور بين الفقهاء في مسألة عيوب فسخ النكاح بين الرجال والنساء، ويذهب إلى أن هذه العيوب تعدّ سبباً للفسخ بالنسبة للرجل والمرأة معاً( ).
3 ـ يأخذ معرفت بنظرية الفيض الكاشاني في مسألة بلوغ البنت، وهو اختلاف سنّ البلوغ باختلاف طبيعة التكاليف، أي أنه في العبادات مثل: الصلاة، والصوم، والحج.. يكون بلوغ البنت بثلاثة عشر عاماً أو بالحيض( ).
4 ـ يرفض الشيخ معرفت في مسألة سنّ اليأس للمرأة التفصيل المشهور والقاضي بالتمييز بين المرأة القرشية وغير القرشية، معتبراً ذلك أمراً خارجاً عن البُنية الفسيولوجية العضوية للمرأة( ).
5 ـ يثبت حقّ الحضانة للأم إلى سبع سنوات، بلا فرق بين أن يكون الطفل ذكراً أو أنثى( ).
ويجدر الإشارة إلى تبنّي الشيخ معرفت الرأي المشهور في مسألة قضاء المرأة أو تولّيها المناصب الاجتماعية، من هنا لا يراها صالحةً لتولّي مثل هذه المناصب والمسؤوليات( )، كما تبنّى القول المشهور في الإرث، والدية، والشهادة، والطلاق، والحجاب، وتعدّد الزوجات، مشيراً إلى بعض الحِكَم من وراء مثل هذه التشريعات( ).
وقد ذهب معرفت في تفسير آية: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (البقرة: 228)، إلى اعتبار الدرجة المذكورة القوامةَ وإدارة الرجل شؤون الأسرة، وأنها إنما منحت للرجل لما عنده من عناصر تكوينية تساعده على حمل هذه المسؤولية، ناقلاً عن محمّد عبده أن هذه الآية تضع مسؤوليةً على كاهل الزوج ووظائف، وهي إدارة مسؤولية الحياة العائلية( ).
2 ـ نظريات السيّد محمد الموسوي البجنوردي
يقدّم السيد محمد البجنوردي في بعض مقالاته وحوارته ومشاركاته في بعض المؤتمرات العلمية بعضَ المواقف من قضية المرأة أبرزها:
أولاً: رفض الرأي المشهور في بلوغ البنت، معتقداً: أن بلوغ البنت عبارة عن وصولها إلى حدّ من الرشد والنموّ الجسدي والجنسي تصبح مؤهلةً معه للإنجاب.. وعليه فالبلوغ أمر طبيعي تكويني في البشر وليس شأناً تعبدياً، وعليه فلا معنى لأن يتبع هذا الأمر التكويني سنّاً محدّدة( ).
ثانياً: يتحدّث البجنوردي حول آية القوامة فيقول: إنّها شبهات تلك التي يثيرها بعضهم، وهو أن هذه الآية الشريفة تعلن الرجل زعيماً ورئيساً وآمراً ومسؤولاً عن المرأة في أمر المنزل، والحال أن هذه الآية لا دلالة لها أبداً على ذلك مطلقاً، على أساس أنّ البرهان العقلي يخالف ذلك؛ فالرئيس لا يعني السيد والأفضل، فسيّد القوم خادمهم، ورئيس الجماعة خادم لها، فعندما يقال في أسرة: أيها الأب، الزوج، الرجل! مسؤولية الإنفاق عليك، فلا ينبغي أن يُفهم ذلك أنه الأفضل في الأسرة أو أنه أعقل أفرادها، إنما ذلك أمر عقلاني وعرفي.
إنني أعتقد أن الآية لا تنفصل عن حكم العقلاء، فبإمكانك أن تسأل أي عربيّ لا يحمل خلفيةً في هذا الموضوع: ما معنى هذه الآية؟ فسيقول: يقومون بأمور النساء في إنفاقهم ومعاشهم( ).
ثالثاً: وفي موقفه من الانضمام إلى لجان محو تمام أشكال التمييز ضدّ المرأة، يذهب البجنوردي إلى: انه يمكننا الاعتراف بذلك مع إبداء تحفّظات الشرع؛ انطلاقاً من الرؤية المتفائلة التي يحملها الفقهاء لعنصري الزمان والمكان وللفقه الحكومي أيضاً( ).
رابعاً: يتحدّث البجنوردي في حوارٍ له مع فصلية فرزانه، في عددها الثامن، شتاء عام 1996م فيقول: .. لكنني قلت لكم: ليس كلّ ما هو في الفقه جزءٌ من الدين؛ وذلك أننا نحن الشيعة نعتقد بأنّ المجتهد يخطئ ويصيب، فكثيرة هي الموارد التي تعتبر فقهياً حقوقاً خاصة بالرجل أو المرأة أو ينظر إليها على أنها تختلف بين الرجل والمرأة يمكن إعادة النظر فيها، إنها قابلة لإعادة بحثها ودراستها مجدّداً، مثل مسألة شهادة المرأة، وكذلك إرث الزوجة من زوجها المتوفى، وكيفية القصاص وألوانه، ومسألة الديات، وتولّي المرأة القضاء، ومسائل أخرى أيضاً مرتبطة بحقوق المرأة في الفقه المدني والجزائي.. إنّ العالم اليوم ينظر إلى هذه الأحكام على أنها تمييز ضدّ المرأة، إنني أعتقد أنه لو أعاد الفقهاء والحقوقيون النظر في هذه الموارد، ثم وردوها مرّةً أخرى برؤية منفتحة فإن كثيراً من هذه الأحكام سوف يتغيّر.. وعليه، أعتقد أن بالإمكان إجراء تغييرات في المواقف الفقهية من الكثير من الأحكام التي يُنظر إليها اليوم تمييزاً ضدّ المرأة( ).
خامساً: ويقول البجنوردي في الحوار المذكور عينه: يقولون في الفقه: إن بإمكان الوالد أو الجدّ للأب عقد قران ابنته البالغة من العمر ثلاث أو أربع سنوات على رجلٍ يبلغ من العمر ثلاثين أو أربعين سنة، إنني أرى هذا العقد باطلاً من أساسه؛ وأذهب إلى أنه حيث كان العقد والزواج أمراً عقلانياً فإذا رأى العقلاء هذا العقد عديم المضمون والفائدة فسوف يكون عقداً باطلاً لا يملك من الصحّة شيئاً( ).
سادساً: ويقول أيضاً: إن الحكم بكون دية الرجل على الضعف من دية المرأة مسبّب عن تولّي الرجل مسؤولية الإنتاج الاقتصادي فيما المرأة ليست كذلك، وإنما هي مستهلكة فقط، فإذا ما بلغنا عصراً صارت فيه المرأة إلى جانب الرجل في الإنتاج الاقتصادي، فغدت منتجةً، ولم تعد أقلّ من الرجل، فمن الممكن أن يترك ذلك أثراً على قوانين الدية، فالموضوع مرتهنٌ لنمط استنتاجاتنا من الأدلّة، إن لديّ كلاماً وبحثاً في مسألة النفقة، وأنّها تقع على عاتق الرجل، إنني أحتمل رجوع هذا الحكم إلى عدم كون المرأة متحمّلةً لأيّ مسؤولية في ذلك المجتمع، فلم تكن منتجةً بل كانت مستهلكة، وأحتمل أنه لو حصل تحوّل في وضع المرأة بحيث صارت منتجةً اقتصادياً كالرجل، وفاعلة في النموّ الاقتصادي فلن يظلّ الوضع كذلك بحيث تظلّ تقول: إنّ نفقة المرأة على الرجل.
إن الآية الشريفة تقول: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، إنها تذكر أن سرّ قوامة الرجل هو إدارته الاقتصادية للمنزل، فحيث كانت النفقة من شؤونه وعليه، فإذا ما رفعنا النفقة فمن الطبيعي أن ترتفع المسؤولية والإدارة، ذلك أن الآية تبيّن أن قوامية الرجل مبنيّةٌ على إنفاقه.
واليوم انظروا في المجتمعات الأخرى غير الإسلامية، فحالها ليس قائماً على كون نفقة المرأة على الرجل، في المجتمعات التي يعمل فيها الرجل والمرأة معاً ويؤمّنان مصاريف الحياة ومستلزماتها المادية، بل إن الحال عملياً كذلك في إيران؛ فالنساء عندما يعملن تدخل أموالهنّ إلى الأسرة، ويتداول الطرفان: الرجل والمرأة، هذا المال داخل المنزل.
إننا الآن ندرس الموضوع دراسةً نظرية، ومن وجهة نظري لابدّ من التركيز على هذا الموضوع، وهو هل تظلّ مسؤولية النفقة على الرجل في المجتمعات التي تساهم فيها المرأة ثقافياً وزراعياً وصناعياً؟! إنّ هنا تمييزاً لصالح المرأة، فنحن نحمّل الرجل متاعب النفقة على نفسه وعليها أيضاً، إنّ رأيي هنا أنه لابد من البحث الجادّ في هذا الموضوع، ولا بدّ أيضاً أن نأخذ بعين الاعتبار الظروف الحالية من ناحية الأوضاع الاقتصادية والتحوّلات الاجتماعية( ).
سابعاً: وحول إدارة الرجل للأسرة، يتحدّث بجنوردي في الحوار نفسه فيقول: إنني على إيمان بأنه لا يلزمنا القول دائماً بأنّ إدارة الأسرة مسؤولية الرجل، وأنّ القرارات لابد أن يتخذها شخصٌ واحد، فأوضاع الأسر مختلفة، فإذا ما واجهتم في موضعٍ ما امرأةً أقدر من زوجها على تدبير العيش وإدارة الشؤون الأسرية فإن عليكم القول بأنّ مدير هذه الأسرة هو المرأة، إنّ هذا الأمر شبيهٌ بإدارة المجتمع، إننا في إدارة المجتمع ككل نبحث دائماً عمّن يملك إدارةً أقوى، فإذا ما خرجنا بنتيجةٍ تقضي بأنّ إدارة الأسرة ليست من مستدعيات الرجولة، وإنما هي نتيجٌ طبيعيّ للنفقة التي يقدّمها الرجل، وأنّ مسألة النفقة هذه لن يغدو لها وجود عندما تكون المرأة إلى جانب الرجل في الإنتاج، فعند ذلك يمكننا القول: إن إدارة هذه الأسرة لابد أن نكلها إلى من هو أفضل من غيره في إدارة أمر المجتمع، تماماً كإدارة المدن أو البلاد، فكلّ من كانت نشاطاته الإدارية أفضل كان أليق بصفة المدير واسمه، إنني أعتقد أن الموضوع خاضع للتحوّل، فإدارة الأسرة لا هي من مختصّات المرأة ولا الرجل، إنما هي أمرٌ توافقي تواضعي تعاقدي( ).
ثامناً: وحول تمكين المرأة نفسها جنسياً يقول: لا أعتقد أنه كلّما أراد الزوج ـ ولو بشكلٍ غير متعارف ـ مقاربة زوجته لزمها الاستجابة له، إنّ هذا الأمر ثنائيّ الطرفين، ففي بعض الظروف لا تتمكّن المرأة من الاستجابة أصلاً، أو تكون رغبة الزوج غير عادية تزيد عن الحدّ المعقول، وهنا لا تصبح المرأة ناشزةً، فعلى المرأة أن تمكّن نفسها للزوج ضمن الحال المتعارفة لدى سائر النساء اللواتي يعشن ظروفها، نعم في بعض الأحيان تأبى المرأة عن تمكين زوجها هادفةً إيذاءه أو الضغط عليه أو .. فتستفيد من هذا الموضوع سلاحاً لها، نعم في حالةٍ من هذا النوع يمكن للرجل الرجوع إلى القاضي وتقديم شكوى ضدّ زوجته( ).
تاسعاً: وحول خروج المرأة من منزلها بدون إذن زوجها يقول: ما أذهب إليه أنّ للمرأة الخروج من منزلها إلاّ إذا كان في خروجها ما ينافي حقّ الزوجين، كما لو كان الرجل في المنزل ويريد أن يكون مع زوجته، أمّا عندما يكون الزوج نفسه في عمله، وأرادت المرأة الخروج من المنزل لعملٍ خارجه معيّن دون أن ينافي خروجها حقوق زوجها وشأنه فلا يُشترط إذن الزوج في هكذا حال، إن هذا ما أعتقد به في هذا الأمر( ).

مواقف للبجنوردي توحي بآراء مختلفة ـــــــ
وتجدر الإشارة إلى أن السيد البجنوردي كان أجرى حواراً مع مجلّة كتاب نقدعام 2000م، تعرّض فيه لبعض قضايا المرأة، إلاّ أنّ ما جاء في هذا الحوار ينافي بعض ما جاء في حواره السابق، فهو يقول مثلاً: في تقنيات العالم اليوم تلاحظ خصوصيات الأفراد، ويكون لها تأثير، نعم على مستوى الحقوق العامّة لا تؤخذ خصوصيات الأفراد بعين الاعتبار؛ ذلك أنه نوع من الطبيعة الإنسانية، ولا علاقة للأمر بالأمور الجنسية، لهذا تكون الحقوق متساوية.
أما في الحقوق الشخصية، فإن جنس الإنسان وسائر خصوصياته الفردية تترك تأثيراً، وقد أبدى الإسلام هنا نوعاً من الظرافة والدقة، فقد وضع النفقة مثلاً ضمن مسؤوليات الرجل وكذا المسؤوليات الاقتصادية، كما وضع دية العاقلة على عاتق الرجل، وعندما يجعل إرث المرأة على النصف من إرث الذكر فإنما ذلك لأن المرأة لا تتحمّل أيّة مسؤولية اقتصادية، وهذا معناه أن إضافة سهم الإرث للرجل لم يكن نوعاً من الامتياز له، وإنما هو أمرٌ نشأ من تناسب الوظائف والصلاحيات.
إن المقنّن هنا ينظر إلى الأمور نظرةً واقعية، وهي أن هذا الإنسان هو الذي يؤمّن لقمة العيش لهذا المنزل، بل يتحمّل مسؤوليات اقتصادية أخرى أيضاً، أمّا النساء فلسن ملزمات بأيّ مسؤولية من هذا النوع، فأن تقول ذلك لأيّ عاقل لن يرفضه، فقولنا ببعض الاختلافات ليس تمييزاً.
ومن هذا الباب مسألة الاختلاف في الديات، فهي لا تعني منحةً من الاعتبار الإنساني للرجل، إنه اشتباهٌ ما يفعله بعضهم من تصوّر أنه حيث كانت دية المرأة على النصف من دية الرجل إذاً فالرجل أفضل، إنّ هذه الأمور ليست معايير الفضل والفضيلة، وإنما ملاك التوازن بين الحقوق والواجبات، وهنا بالضبط تتحقق العدالة، فقول البارئ تعالى: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ هو عين العدل والإنصاف، ولو قال غير ذلك لكان مخالفاً للعدالة.
مجلّة كتاب نقد: إنهم يقولون: إننا نضع النفقة عن كاهل الرجل، ونستبدلها بالمساواة في الإرث.
آية الله بجنوردي: إنّ هذا الأمر ليس بيدي ولا بأيديكم أن نضع أو نرفع، إنهم ولا أيّ شخص آخر من حقّه أو هو مجازٌ في فعل ذلك، إن هذا ما قالته الشريعة، أفهل لنا الحقّ في الرفع والوضع؟! وهل سيكون ذلك بنفع المرأة؟!
مجلّة كتاب نقد: يدّعي اليوم بعض أدعياء الفكر الجديد أنه لو تمكّنا من إيجاد تحوّل في الفقه الشيعي بأن نرفع النفقه ونطالب المرأة بكسب المال لحاجياتها، فإنّ بالإمكان ـ في المقابل ـ أعلان التساوي في الدية والإرث بين الطرفين، فماذا نقول لهؤلاء؟
آية الهن بجنوردي: لابد أن نقول لهؤلاء: لا يحقّ للفضولي ذلك، إنها فضولية، فعندما أقررنا بالشريعة لزمنا الأخذ بها، إنّ لديها أحكاماً ثابتة ولا يمكننا التدخل في القوانين الثابتة، نعم، لو تغيّر الموضوع في المسائل العامة، كما قال الإمام الخميني بدخالة الزمان والمكان في الاجتهاد يمكن (نعم، كان مقصود الإمام الخميني أنّ تبدّل الموضوع يبدّل الحكم، وإلاّ فإن تبدّل الحكم دون تبدّل موضوعه محال؛ إذ حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة فحتى النبي لا يمكنه تبديل الحكم إلاّ عبر النسخ، ومعنى ذلك أن الحكم الصادر من الله تعالى لا يمكن لغير الله تبديله أو رفعه أو إبقاءه، أمّا أنا وأنت فلا يمكننا فعل ذلك).
إنّ هذا الكلام ليس فكراً جديداً إنما هو تلاعبٌ بأحكام الله تعالى، فلا يمكننا تغيير الأحكام الإلهية في قضايا الرجل والمرأة، ولا حقّ لنا في ذلك، فالله نفسه يقول: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء، أي أنّ مسؤولية الأسرة مادياً ترجع إلى الرجل، ولا ينبغي أن تُجبر المرأة على العمل، فلا يمكن أن نقول: إنّ هذه الآية تعني كذا وكذا، أو كذا وكذا، إن ذلك لعبٌ وتسلية بأحكام الله.
مجلّة كتاب نقد: ماذا لديكم في مسألة الشهادة؟ فقد ورد في القرآن الكريم حكمٌ صريح حولها، إلاّ أنّ لديكم كلاماً في هذا الموضوع في مكان آخر، ما تعليقكم؟
آية الله بجنوردي: العياذ بالله؟! إذا ما قال شخصٌ كلاماً مخالفاً للقرآن والشرع المقدّس فسيكون منكراً للضروريات، إن ما قلته ـ وهو مجرّد احتمال فقهي لتثار المسألة في دائرة التداول ـ إنها شبهة في استيفاء الشهادة لا في بيان قاعدتها، فعندما لا يكون هناك رجلان يؤتى بالمرأتين فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى، فإذا نسيت واحدة فهنا ذكّرتها الثانية، ومعنى ذلك أن المقام هو مقام استيفاء الشهادة، ونحن نحتمل أنه عندما يكون الأمر في مقام الاستيفاء فقد لا تكون المسألة قاعدةً كلية عامة لنجعل حكم الله دائماً قائماً على اعتبار شهادة الرجل تساوي شهادة امرأتين، وللحالات كافّة، وأكرّر فهذا طرحٌ للمسألة لا أنه اعتقادٌ لي( ).

خاتمة في مساهمات عربية جادّة في قضايا المرأة ـــــــ
3 ـ أعمال آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين( )
الشيخ شمس الدين من المجتهدين والفقهاء الشيعة اللبنانيين، كان يرأس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان.
ترك لنا العلامة شمس الدين سلسلةً من أربعة مجلّدات حملت عنوان: مسائل حرجة في فقه المرأة المسلمة، تعرّض فيها بالبحث والتحليل الفقهيّين لبعض قضايا المرأة، وهي: الستر والنظر، أهليّة المرأة لتولّي السلطة، عمل المرأة، حقوق الزوج والزوجة.
وقد تعرّض شمس الدين في هذا الكتاب لبعض الأسس الرائجة في الاجتهادات الفقهيّة، وأهم رأي في هذه السلسلة برز في مسألة أهلية المرأة لتولّي السلطة، وهو الموضوع الذي خصّص له شمس الدين جزءاً كاملاً من هذه السلسلة، وقد بحثت حول نتاج شمس الدين هذا بحثاً مفصّلاً في كتابي المرأة في الفكر الإسلامي( ).
4 ـ العلامة السيد محمد حسين فضل الله
يعدّ العلامة فضل الله من الفقهاء الشيعة البارزين في لبنان، وعلاوةً على آرائه الجديدة في قضايا المرأة، تعرّض فضل الله لهذا الموضوع في عددٍ من أعماله المنشورة، منها:
1 ـ كتاب قراءة جديدة لفقه المرأة الحقوقي( )، الذي تحدّثتُ عنه مفصّلاً في كتابي: المرأة والثقافة الدينية( ).
2 ـ كتاب دنيا المرأة( )، الذي طبع عام 1420هـ / 2000م، كما ترجم إلى اللغة الفارسية تحت عنوان دنياي زن( ).
3 ـ كتاب تأمّلات إسلامية حول المرأة( )، وقد ترجم هذا الكتاب السيد مجيد مرادي إلى اللغة الفارسية، وطُبع في مجلّة بيام زن من العدد 32 ـ 45.
4 ـ كتاب وضع المرأة الحقوقي بين الثابت والمتغير( ).
وقد كرّر العلامة فضل الله في حوارٍ أجرته معه مجلّة بيام زن في أعدادها: 85، 86، 102، بعض آرائه ونظريّاته وأسباب توجّهه هذا.
ونذكر هنا بعض الآراء التي طرحها هذا الفقيه اللبناني في كتابه: قراءة جديدة لفقه المرأة الحقوقي، وهي:
1 ـ يمكن للمرأة تولّي السلطة والحكومة، ويرى أنّ دليل المنع عن ذلك روايةٌ وردت في كتاب البخاري، إلاّ أنها ترجع إلى ظروف خاصة، فلا يمكن تعميم مدلولها، وإضافةً إلى ذلك يؤيّد القرآن الكريم تولّيها السلطة عبر قصّة سليمان وبلقيس (29 ـ 31)، وإذا لم تعهد للنساء أمور السلطة في التاريخ الإسلامي فلا يشكّل ذلك دليلاً على المنع، بل كانت أسبابه نابعةً من الأعراف والعادات آنذاك (68 ـ 69).
2 ـ يمكن للمرأة تولّي سدّة القضاء، والاشتغال بالحكم بين الناس في المحاكم، ودليل المنع عن ذلك مجرّد حديث ضعيف لا يصحّ الاستناد إليه (32 ـ 33، 72).
3 ـ إذا لم يوفّ رجلٌ إلى زوجته حقوقها الجنسية يمكن للمرأة مقابلته بالمثل، وقد أيّد فقهاء مثل السيد محسن الحكيم والشهيد محمد باقر الصدر هذا الرأي (61 ـ 62).
4 ـ تتساوى المرأة والرجل في الحقوق الجنسية، تدلّ على ذلك آية: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ(البقرة: 228)، وقد خالف فضل الله بهذا القول مشهور الفقهاء (61).
5 ـ يذهب السيد فضل الله إلى عدم انسجام ما جاء في نهج البلاغة حول نقصان عقل النساء وإيمانهنّ مع تعليلاته، ولهذا لابدّ من ردّ علم هذه النصوص إلى أهلها (66).
6 ـ لا مانع من أن تصبح المرأة مرجعاً للتقليد (68).
7 ـ يرى فضل الله أن حديث: خيرٌ للمرأة أن لا ترى الرجل وأن لا يراها الرجل حديثٌ غير صحيح، كما ينقل عن آية الله الخوئي اعترافه في أبحاثه الفقهية بضعف سند هذا الحديث، كما يذهب فضل الله إلى عدم إمكان الأخذ بمدلول هذا الحديث؛ ذلك أنّ السيدة الزهراء كانت ترى الرجال، كما أن النبيّ كان يرسل إلى الحرب بعض النساء لمداواة الجرحى (73 ـ 74).
8 ـ تعدّ آية: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (البقرة: 228)، حاكمةً على تمام ألوان العلاقة بين الرجل والمرأة، وأنّ الدرجة التي للرجل على المرأة هي حقّ الطلاق ومسؤوليّة النفقة (86).
9 ـ لا دليل على حرمة اختلاط الرجال بالنساء بشكل عام، إنّما الحرام إبراز الذكورية والأنوثة في العلاقات الاجتماعية، فإذا بدا الرجل والمرأة بشريّين في علاقاتهما على وفق الطبيعة الإنسانية فلا دليل على الحرمة حينئذٍ (81 ـ 82).
10 ـ لا يوافق فضل الله الرأيَ المشهور في بلوغ البنت، رغم أنّه يصرّح بأنه لم يُصدر فتوى في هذا المجال بعد (90).
وفي الختام، آمل أن أكون قد وفّقت لعرض تقرير إجمالي عام، وفي الوقت نفسه دقيق وأمين ومنصف، للآراء والاتجاهات السائدة، راجياً أن تكون هذه الدراسة بدايةً وأرضية تمهّد لمزيد من التحليل المعمّق والنقد المركّز والعرض العلمي لجملة القواعد والضوابط في هذا المضمار.

* * *

الهوامش

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً