أحدث المقالات

الشيخ محمد عافي الخراساني(*)

 

المقدّمة

إن أحد الأدلّة الهامّة في حجّية السنّة النبوية، مستقلّةً عن القرآن الكريم، هو عددٌ من أحاديث النبيّ الأكرم|، التي تأمر المسلمين باتّباع «سُنَّته» الشريفة([1]). لكنْ هناك اختلاف بين اللغويّين في معنى كلمة «السُّنَّة».

ويعتقد بعضٌ أن الكلمة تعني «الطريقة»، سواءٌ كانت طريقةً جيّدةً أو طريقةً سيّئةً؛ وعلى العكس من ذلك، يعتقد بعضٌ أن للكلمة دلالةً إيجابيّةً، وإنّما تدلّ على الطريقة الحَسَنة فقط.

وفي مثل هذه الحال يمكن للقرآنيّين أن يُشكِّكوا في حجّية السنّة النبويّة؛ بدعوى أن الخلاف الموجود في آراء اللغويّين يجعلنا في شكٍّ في دائرة دلالة لفظ «السُّنَّة»، وحينئذٍ يجب أن نتمسَّك بالقدر المتيقَّن من دلالته، وهي الطريقة الحَسَنة. وإذَنْ ليس هناك دليلٌ على أن الأحاديث النبويّة تدلّ على وجوب اتّباع كلّ طريقةٍ للنبيّ|، بل إنما تدلّ على وجوب اتّباع طريقته التي ثبت حُسْنُها بدليلٍ آخر. ونتيجة هذا الإشكال أن السنّة النبويّة ليست حجّةً مستقلّةً إلى جانب القرآن الكريم([2]).

وفي هذه المقالة، بصرف النظر عن الأجوبة الأخرى التي يمكن طرحها في جواب هذا الإشكال، نقدِّم دراسةً في الاستعمالات العربيّة لكلمة «السُّنَّة» في مصداقٍ قبيحٍ من الطريقة. ويتّضح لنا من خلال ذلك أن معنى الكلمة عامٌّ يشمل المصاديق الحَسَنة والسيّئة معاً، وليس هناك معنىً إيجابيٌّ فيها نفسها، وبالتالي نستطيع أن نقول: إن هذا الإشكال مردودٌ، وليس هناك أيّ شبهةٍ في حجّية السنّة النبويّة من هذه الجهة، ولا عبرة بآراء اللغويّين بعد إثبات عموميّة معنى الكلمة، عبر الاستشهاد بالاستعمالات مباشرةً.

ويجب أن أشير إلى أنّ دراسة الاستعمالات في القرآن الكريم والأحاديث النبوية قد تقدَّمَتْ في مقالةٍ أخرى مستقلّة([3]). وأركِّز في هذه المقالة على الاستعمالات في كلمات أهل البيت^ والصحابة والأشعار في القرن الأول الهجري؛ لإثبات المعنى العامّ لمفردة «السُّنَّة» في العصر النبويّ، ثمّ أركِّز على الاستعمالات في القرون التالية؛ لإثبات المعنى العامّ للكلمة في العصور المتأخِّرة.

وإن الذي يدعو إلى هذا التقسيم أن مفردة «السُّنَّة»، التي ورَدَتْ في الأحاديث النبوية الآمرة باتّباع السنّة النبويّة، لا تخلو من إحدى الحالتين: إما أن تكون كلمة «السُّنَّة» فيها هي عين الكلمة التي خرجَتْ من شَفَتَيْ رسول الله|، وبعبارةٍ أخرى: هي منقولة باللفظ؛ وإما أن تكون هذه الكلمة منقولةً بالمعنى، ولم تكن عينَ الكلمة التي قالها النبيّ|. والاستعمالات في القرن الأوّل الهجريّ تساعدنا في فهم معنى الكلمة في حالة النقل باللفظ، والاستعمالات في القرون التالية تساعدنا في فهم معناها في حالة النقل بالمعنى.

ويجب أن أنبِّه القراء الكرّام إلى أنني؛ حيث قدَّمْتُ في المقالة السابقة المختصّة بالاستعمالات في القرآن والحديث النبويّ تفصيلاتٍ كثيرةً حول جوانب أهمّية هذه الدراسة، ومنهجي فيها، لا أريد إعادتها هنا، فللمزيد من الاطّلاع بإمكانكم أن تراجعوا تلك المقالة، وإنما أكتفي هنا بنقطةٍ واحدة قبل الخوض في البحث:

 

التردُّد بين «السَّنَن» و«السُّنَن»، التحدّي في الاستشهاد ببعض الاستعمالات

هناك كلمةٌ يجب أن لا نلتفت إليها في إطار الاستشهاد باستعمالات «السُّنَّة» ومشتقّاتها، وهي كلمة «السَّنَن». إن هذه الكلمة مفردةٌ، وتعني الطريق والسبيل، وهي تختلف عن «السُّنَن»، التي هي جمعُ «السُّنَّة»، وهي التي تفيدنا في هذه الدراسة. يجب الانتباه إلى أننا نواجه في عددٍ من الشواهد أن ما ورد فيها هو «السّنن»، وحيث لم يكن هناك تشكيلٌ في كثيرٍ من المصادر، وكلمة «السّنن» متساويةٌ في هيئتها بالنسبة إلى كلمتَيْ «السُّنَن» و«السَّنَن»، فلا يمكن أن نميِّز بين الكلمتين في مثل هذه الحال، وبالتالي لا يصحّ الاستشهاد بهذه الشواهد، وخصوصاً للاقتراب المعنوي بين الكلمتين([4])؛ ولأجل وجود عدّةٍ من أوجه التشابه بينهما([5]). نعم، رغم هذه الإشكالية أيضاً يمكن استخدام هذه الشواهد على مستوى قرينةٍ مؤيّدةٍ، إلى جانب شواهد أخرى.

وعلى أيّ حالٍ إن هذه النقطة هامّةٌ، ويجب أن تُؤخَذ بعين الاعتبار في كلّ هذه المقالة، ورُبَما لا أكرِّرها في كلّ الموارد التالية.

وفي ختام المقدّمة ينبغي أن أشير إلى هذه النقطة أيضاً، وهي أن محلّ الاستشهاد في أكثر الشواهد في هذه المقالة جَلِيٌّ وواضحٌ، ولأجل ذلك رأيْتُ أن أتجنَّب التوضيح، إلاّ في بعض الموارد التي كانت بحاجةٍ إلى بعض التعليقات.

 

«السُّنَّة» في النصوص العربيّة الأصيلة

1ـ إلى أواسط القرن الأوّل الهجريّ

أـ في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)([6])

1ـ من خطبةٍ منقولة عن أمير المؤمنين عليّ×: «وذهلوا في‏ السكرة على‏ سُنّةٍ من آل فرعون، من منقطع إلى الدنيا راكن؛ أو مفارق للدين مباين‏»([7]).

2ـ وورد في خطبةٍ أخرى له× أيضاً: «كانوا على سُنّةٍ من آل فرعون،‏ أهل جنّاتٍ وعيونٍ وزروعٍ و…»([8]).

3ـ وفي خطبةٍ أخرى أيضاً: «فإنّا وأشياعنا يوم خلق [الله‏] السماوات والأرض على سنّة موسى وأشياعه، وإن عدوَّنا [وأشياعه‏] يوم خلق [الله‏] السماوات والأرض على سنّة فرعون‏ وأشياعه»([9]).

4ـ ومن خطبةٍ له×: «أما إنكم ستلقون بعدي ذُلاًّ شاملاً، وسَيْفاً قاطعاً، وأَثَرَةً يتَّخذها الظالمون فيكم سُنّةً»([10]).

نعم، رُبَما تكون «السُّنّة» في هذا الحديث بمعنى سيرةٍ حسنةٍ في رؤية الظالمين ـ كما يؤيِّد هذا الاحتمالَ وجودُ «يتّخذها» في العبارة ـ، وحينئذٍ لا يمكن استخدامها لإثبات المعنى العامّ في لفظ «السُّنّة»، إلاّ على مستوى التأييد.

5ـ ومن كلامٍ له×: «أين أصحابُ مدائنِ الرَّسِّ، الذين قتلوا النبيِّين، وأطفأوا سنن المرسلين، وأحيوا سنن الجبّارين؟!»([11]).

6ـ وفي رسالته إلى مالك الأشتر: «ولا تنقض سُنّةً صالحةً عمل بها صدورُ هذه الأُمّة، واجتمعت بها الألفة، وصلحت عليها الرعيّة، ولا تُحْدِثَنَّ سُنّةً تضرُّ بشي‏ءٍ من ماضي تلك السنن، فيكون الأجر لمَن سَنَّها، والوِزْر عليك بما نقَضتَ منها»([12]).

7ـ ومن خطبةٍ له×: «واليقين على أربع شعب: تبصرة الفطنة، وتأوُّل الحكمة، ومعرفة العبرة، وسنّة الأولين… ومَنْ‏ عرف‏ العِبْرة عرف السُّنَّة، ومَنْ عرف السُّنَّة فكأنّما كان مع الأوّلين، واهتدى إلى التي هي أقوم، ونظر إلى مَنْ نجا بما نجا، ومَنْ هلك بما هلك، وإنّما أهلك الله مَنْ أهلك بمعصيته، وأنجى مَنْ أنجى بطاعته».

ورد الحديث الأخير في مصادر كثيرة([13])، منها: كتاب الكافي، وهو أهمّ المصادر الحديثية اعتباراً عند الإماميّة. لكنْ مع ذلك قد ورد في أكثر المصادر: «ومَنْ‏ عرف‏ العِبْرة» بدل «ومَنْ عرف‏ السُّنَّة»([14]). فحينئذٍ كلمة «السُّنَّة» لا توجد في الحديث إلاّ في تعبير «سنّة الأوّلين» في صدر الرواية، وهذا التعبير غير دالٍّ على المعنى العامّ ضرورةً؛ لأنه رُبَما يشير إلى تعبير «سنّة الأوّلين» في القرآن الكريم([15]). وقد تقدَّم في المقالة السابقة حول الاستعمالات القرآنية عدم وضوح هذا التعبير في المعنى العامّ؛ لاحتمال كونه بمعنى سنّة الله في عذابهم، فهي سنّة الله، ولا يمكن أن تكون طريقةً سيّئةً حتّى تُثبت المعنى العامّ للكلمة([16]). وعلى أيّ حالٍ لم يحرز أن تكون «السُّنَّة» في الحديث من المصاديق السيّئة للطريقة، لكنّه رُبَما يصلح للاستدلال كقرينةٍ، إلى جانب سائر القرائن.

8ـ ورُوي عنه×: «أظلم الناس مَنْ سَنَّ سُنَنَ الجَوْر، ومحا سُنَنَ العدل»([17]).

9ـ ورُوي عن الصادق× أن أمير المؤمنين× أحيى شخصاً بعد موته، «فخرج من قبره، وهو يقول‏ بلسان الفرس، فقال أمير المؤمنين×: ألَمْ تَمُتْ وأنتَ رجلٌ من العرب؟! قال: بلى، ولكنّا متنا على سُنَّة فلان‏ٍ وفلانٍ‏، فانقلبَتْ ألسنتنا»([18]).

إن هذا الحديث لا يُروَى عن أمير المؤمنين× مباشرةً، بل هو مرويٌّ عن الإمام الصادق×، عنه×. ولا يبعد أن يتكلَّم الإمام الصادق× وِفقَ لغة عصره ومخاطَبيه، ويحكي كلام أمير المؤمنين× وِفقَ العربيّة في القرن الثاني الهجري. فإذَنْ يبدو أن الاستدلال بهذا الحديث على معنى الكلمة في عصر النبيّ× لا يخلو من الإشكال. والظاهر أنه صالحٌ للاستدلال على معنى الكلمة في العصور المتأخِّرة، خصوصاً أن سياقه لا يتطابق بشكلٍ جليٍّ مع ما ورد من النصوص المختلفة من عصر أمير المؤمنين×، كخطب نهج البلاغة وغيرها.

نعم، يحتمل أن يكون باقي كلمات أمير المؤمنين×، التي رواها غيرُ الصادق×، أيضاً من قبيل: النقل بالمعنى، لكنّ أكثر ما ذكرنا عن أمير المؤمنين× في هذه المقالة كان من خطبه، والداعي للنقل باللفظ في الخُطَب وأمثالها ـ كما يُلاحَظ في الخطب المرويّة عنه× في نهج البلاغة ـ أكثر بمراتب من هذا الحديث، الذي لا يبدو أن تكون دواعي النقل باللفظ فيه بارزةً.

ومن جهةٍ أخرى إنني أريد أن أوضِّح هذه النقطة، وهي أن رواية الإمام الصادق× عن آبائه الطاهرين^ لا تعني بالضرورة أنها كانت من قبيل: النقل باللفظ. فهناك أسبابٌ كثيرة، كظروف المخاطَبين في عصره×، تدعو إلى النقل بالمعنى. ولا ينافي هذا الاحتمال أن الأئمّة^ أمراءُ الكلام، وفي قمّة البلاغة، فرُبَما كانوا مضطرّين إلى أن يتكلَّموا وفق اللغة المألوفة للمخاطَبين في عصرهم.

وباختصارٍ من الأفضل أن يستخدم هذا الشاهد لإثبات معنى الكلمة في العصور المتأخِّرة، لا العصر النبويّ|.

10ـ وفي الخطبة الفَدَكية للزهراء÷: «أنا فاطمة، وأبي محمدٌ… إنْ تعزوه([19]) تجدوه أبي، دون نسائكم، وأخا ابن عمّي، دون رجالكم، بلغ النذارة([20])… ناكباً([21]) عن سنن‏ المشركين‏». ورد الحديث هكذا باختلافٍ يسير في عدّةٍ من المصادر([22]). ويبدو من ألفاظه أنه ينسجم مع العربية الأصيلة. إذَنْ هو يصلح للاستدلال على إثبات معنى الكلمة في عصر النبيّ|. لكنْ مع ذلك هناك شيئان يقلِّلان من قيمة هذا الشاهد: أحدهما: اضطرابُ عبارته، حيث ورد في بعض المصادر «مدرجة» بدل «سنن»([23])، والثاني: احتمالُ كون «السّنن» بفتح السين، لا ضمّها، كما تقدَّم في بداية المقال.

 

ب ـ في كلمات الصحابة

1ـ وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه: «أصبْتُم سنّةَ مَنْ كان قبلكم من الفرقة والاختلاف، وأخطأتم سُنّةَ نبيِّكم»([24]).

2ـ وعنه رضي الله عنه أيضاً: «لكنّكم أخَذَتْكم سُنّة بني‏ إسرائيل، فأخطأتُم الحقَّ»([25]). ورُوي بشكلٍ آخر: «ولكنّكم أصبتُم سُنّة الأوّلين، وأخطأتُم سبيلكم»([26]).

لكنْ مع ذلك رُبَما يخطر بالبال أن سلمان لم يكن عربيّاً، فلا يصحّ الاستشهادُ بكلامه على المعنى اللغويّ الأصيل. ومع ذلك قد يمكن الاستشهاد به في صورة النقل بالمعنى؛ حيث يحتمل قويّاً أنّ الرواةَ نقلوا كلامه وِفْقَ لغتهم.

3ـ وفي كلام ابن عبّاس رضي­ الله­ عنه: «كان أصحاب الأَيْكة، مع ما كانوا فيه من الشِّرْك، استنّوا سُنّة أصحاب مَدْيَن، فقال لهم شعيب: ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ…﴾ (الشعراء: 178)»([27]).

4ـ وقال في قصّة قوم لوط: «…فأقبل بعضهم على بعضٍ، فقالوا: اجعلوا سُنّتكم فيها: مَنْ وجدتموه في بلادكم غريباً، لا تعرفوه، فاسلبوه وانكحوه واسحبوه…»([28]).

5ـ وقال أيضاً: «إنّ أوّل مَنْ سنّ‏َ النَّسِي‏ء عمرو بن لحيّ…»([29]). وحيث إن النَّسِيء طريقةٌ سيّئة، بتصريحٍ من القرآن الكريم([30])،يتّضح أنّ استعمالَ «السُّنَّة» في هذا الشاهد استعمالٌ في مصداقٍ قبيحٍ من الطريقة. لكنْ ورد في بعض المصادر «نسأ» بدل «سنّ»([31]).

6ـ وقال أبو بكر بن أبي ­قحافة، حينما أُتِي له برأس كافرٍ من بلاد الشام: «إنه قدم علينا برأس نياق البطريق، ولم يكن لنا به حاجةٌ، إنّما هذه سُنَّة العَجَم‏»([32]).

7ـ وهناك شاهدٌ آخر من كلام أبي­ عبيدة لعُمَر بن الخطّاب، حيث حُكي: «فبينما عُمَر يسير إذ لقيه المُقلِّسون من أهل أذرعات‏ بالسيوف والريحان، فقال عمر: مه، ردُّوهم وامنعوهم، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، هذه سُنَّة العَجَم‏ ـ أو كلمة نحوها ـ، وإنّك إنْ تمنَعْهم منها يرَوْا أنّ في نفسك نقضاً لعهدهم»([33]). وصرَّح الراوي بترديدها في كون لفظ «السُّنّة» في كلام أبي­ عبيدة الجرّاح. وعليه فمن الأفضل استخدام هذا الشاهد لإثبات عموميّة معنى «السُّنَّة» في حالة النقل بالمعنى فقط.

8ـ وفي رسالة عثمان بن عفّان إلى مالك الأشتر: «فأنتم أوّل مَنْ بدأ بالعصيان، وسَنَنْتُم سُنّة الفرقة»([34]).

9ـ وقال رجلٌ لعثمان حينما دعاه للقصاص منه: «أما أنا فلا أفعل ذلك؛ فإنّي أدَعُه لله تعالى، ولا أكونُ أوّل مَنْ سَنَّ الاقتصاص من الأئمّة»([35]).

10ـ وسأل رجلٌ عبد الله بن عمر: «أطوف بالبيت وقد أحرمْتُ بالحج؟ فقال: ما يمنعك؟ قال: إنّي رأيتُ ابن فلان يكرهه، وأنت أحبُّ إلينا منه. رأيناه قد فتنَتْه الدنيا فقال: وأيُّنا أو أيُّكم لم تفتِنْه الدنيا؟! ثمّ قال: رأَيْنا رسول الله| أحرم بالحجّ، وطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، فسُنّة الله وسُنّة رسوله| أحقُّ أن تُتَّبع من سُنّة فلان…»([36]).

11ـ وأيضاً عن ابن عمر: «خالفوا سُنَن المشركين»([37]).

12ـ ويُحكى أيضاً: «لما بايع معاوية لابنه يزيد قال مروان: سُنَّة أبي بكر وعمر! فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: سُنَّة هرقل وقيصر!…»([38]).

13ـ وعن ابن مسعود: «اجتمعوا على غسل اليد في طستٍ واحدة، و لا تستنّوا بسُنَّة الأعاجم»([39]).

14ـ كلامٌ للأحنف بن قيس([40]): «شهدتُ الأحنفَ بن قيس، وقد جاء إلى قومٍ في دَمٍ، فتكلَّم فيه، فقال: احكموا، فقالوا: نحكم دِيَتَين، فقال: ذاك لكم. فلمّا سكتوا قال: أنا أعطيكم ما سألتُم، غير أنّي قائلٌ لكم شيئاً: إن الله عزَّ وجلَّ قضى بِدِيَةٍ واحدةٍ، وإنّ النبيّﷺ قضى بدِيَةٍ واحدةٍ، وإن العرب تعاطي بينها ديةً واحدةً، وأنتم اليوم تطالبون، وأخشى أن تكونوا غداً مطلوبين، فلا يرضى الناس منكم إلاّ بمثل الذي سَنَنْتُم‏ على أنفسكم، قالوا: فردَّها إلى دِيَةٍ واحدةٍ». ([41])

وعلى أيّ حال، في ظنّي القاصر أن الأغلبيّة الساحقة من الكلمات المرويّة عن الصحابة، التي تقدَّم ذكرُها، تختلف عن العربيّة في عصر النبيّ|، والجيل التالي بعده. ويبدو أنها لا تخلو من النقل بالمعنى. وحينئذٍ من الأفضل الاستشهاد بها على المعنى العامّ في العصور المتأخِّرة، كما تقدَّمت الإشارة إلى هذا الأمر في بعض الموارد.

 

2ـ في النصف الثاني للقرن الأوّل الهجريّ

أـ في التراثين الدينيّ والسياسيّ

يمكن الاستدلال بالاستعمالات في هذا العصر أيضاً لإثبات المعنى في العصر النبويّ، لكنها في الرتبة التالية من الأهمِّية؛ لأنها أبعد من عصر النبيّ|، وقد تغيَّرت العربية فيها، حتّى الأحاديث المرويّة عن الإمام السجّاد× أيضاً ـ كما هو واضحٌ من مقارنة الصحيفة السجّادية([42]) مع كلمات أمير المؤمنين× في نهج البلاغة ـ، فلا يستبعد أنه تحدَّث× باللغة العربية الشائعة في زمانه، والتي تختلف عن اللغة في العصر الجاهليّ وصدر الإسلام، كما تقدَّمَت الإشارةُ إلى مثل هذا الأمر.

1ـ وأبدأ بالكلمات المرويّة عن الإمام السجاد×: «إن الأمور الواردة عليكم في كلّ يومٍ وليلة من مظلمات الفتن، وحوادث البِدَع، وسُنَن الجَوْر…»([43]).

وهناك قرينةٌ على أن ألفاظ هذه الرواية من نفس الإمام، وليست من قبيل: النقل بالمعنى: يقول الراوي لهذا الحديث أبو حمزة الثمالي في صدر هذه الرواية: «قرأتُ صحيفةً فيها كلام زهدٍ من كلام عليّ بن الحسين×، وكتبتُ ما فيها، ثمّ أتيتُ عليّ بن الحسين×، فعرضْتُ ما فيها عليه، فعرفه وصحَّحَه‏». ومن جهةٍ أخرى هناك كتابٌ لأبي­ حمزة اسمه كتاب الزهد([44])، فيحتمل جدّاً أن هذه الرواية أيضاً كانت موجودةً في كتابه الزهد، فتؤيِّدُ هذه القرينة أن هذه الرواية عين ألفاظ الإمام×، أو قريبةٌ منها جدّاً، وليست من قبيل: النقل بالمعنى([45]).

2ـ وعن السجّاد× أيضاً: «بل ملكْتَ ـ يا إلهي ـ أمرَهم قبل أن يملكوا عبادتك، وأعدَدْتَ ثوابهم قبل أن يفيضوا في طاعتك؛ وذلك أن سُنَّتك‏ الإفضال، وعادتك الإحسان، وسبيلك العفو»([46]).

ورغم أن «السُّنَّة» هنا ليست من المصاديق السيِّئة للطريقة، لكنّها وردَتْ بجانب «العادة» و«السبيل» في السياق، الأمر الذي يؤيِّد أنها بمعنى مطلق الطريقة هنا.

وجَديرٌ بالذكر أن هذا الشاهد من الصحيفة السجّادية، فاحتمال النقل باللفظ فيها أكثر من كثيرٍ من الشواهد، حيث يبدو من روايتها أنها كانت بإملاء الإمام السجّاد×([47]).

3ـ ورد في حكايةٍ حول مخاطبة رجلٍ لعبد الله بن الزبير بن العوّام: «فدنا منه ابن الأزرق، فقال له: يا ابن الزبير، اتَّقِ الله ربَّك، وأبغض الخائن المستَأْثِر، وعادِ أوّل مَنْ سَنَّ الضلالة، وأحدث الأحداث، وخالف حكم الكتاب‏…»([48]).

4ـ وورد في حكايةٍ حول أحد الوُلاة المنصوبين من قِبَل ابن الزبير: «وعزل عبد الله بن الزبير عمر بن عبيد الله بن معمر عن البصرة، وولاّها القباع، فحبس عمر بن عبيد الله بن معمر، وطالبه بمالٍ، فجزع من الحبس، فقال له القباع: يا أبا حفص، لا تجزع؛ فإنّك أوَّل مَنْ سَنَّ هذا، حبَسْتَ عبد الله بن الحارث»([49]).

والظاهر أن فيه إشارةً إلى شعر خالد الهذلي، الذي سيأتي ذكرُه إنْ شاء الله.

4ـ وفي خطبة الحجّاج بن يوسف الثقفي: «اضطجعتُم في مراقد الضلال، وسَنَنْتُم‏ سنن الغيّ»([50]).

وهذه الخطبة مذكورةٌ في عددٍ من المصادر، وتبدو أصالتها من ألفاظها وصيغتها.

5ـ ومن رسالةٍ له أيضاً، في عتاب شخصٍ: «أقبلتَ مُستَنّاً بحريم الحرّة، وتستوقد الفتنة لتصلي بحرّها»([51]).

يريد أن يقول: إنك تقتدي بأهل الحرّة، وتتّخذ طريقتهم في الخروج على الخليفة، فعاقبتُك مثل عاقبتهم.

ولا يضرّ بالاستدلال وجود «الاستنان» في كلامه؛ لأنه من مشتقّات «السُّنَّة» وقريبٌ منها، كما هو واضحٌ. وسياق كلامه أيضاً واضحٌ في مصداقٍ سيِّئٍ للطريقة.

 

ب ـ في التراث الأدبيّ، الشعر نموذجاً

ومن الجدير بالذكر هنا أنّني رأيتُ أن أذكر الأشعار منفصلةً ـ وإنْ كان تقسيمها بحَسَب ترتيبها التاريخي أيضاً ممكنٌ ـ؛ فإن أكثر الأشعار تُرْوَى بشكلٍ دقيقٍ، ولا تتعرَّض للنقل بالمعنى، وحينئذٍ تصلح لإثبات المعنى المضبوط للكلمة في حالة النقل باللفظ، بخلاف الحال في كثيرٍ من الشواهد الموجودة من أحاديث النبيّ| وأهل البيت^ وغيرهما.

 

1ـ شعرٌ لابن الزّبعرَى

«يا رسـول الملـيك إنّ لساني *** راتق ما فتقت إذ أنا بورُ

إذ أجاري الشيطان في سنن‏ الغيّ *** ومَنْ مال مَيْلَه مثـبورُ»([52])

إن شاعرَ هذه الأبيات كان يهجو النبيّ| ـ والعياذ بالله ـ، لكنه أسلم في فتح مكّة، ومدح النبيّ|، واعتذر إليه. وهذه الأبيات كانت في مقام اعتذاره.

لكنْ هناك روايةٌ أخرى لهذا الشعر أيضاً: «إذ أتاني الشيطانُ في سَنَة النوم»([53]). ومع هذا الاضطراب في روايته لا يمكن الاستشهاد به؛ لأن «سنة» في «سَنَة النوم» بمعنى النُّعاس، وبفتح السين والنون، ولا ربط لها بـ «السُّنَّة»، التي نحن بصددها في هذه الدراسة.

 

2ـ شعرٌ لأيمن بن خريم الأسديّ، في رثائه لعثمان‏ بن عفان وذمّ قاتليه

«تفاقد الذابحو عثـــــمان ضاحـــية *** أيّ قتيـــل حــــرام ذبّــحوا ذبـحوا

ضحّوا بعثمان في الشهر الحرام ولم *** يخشوا على مطمح الكفّ الذي طمحوا

فـأيّ سنّة جَوْرٍ سنّ‏ أوّلُـهم *** وباب جَوْرٍ على ســلطانهم فتحوا

ماذا أرادوا أضــلَّ الله سعـيهم *** من سفح ذاك الدم الزاكي الذي سفحوا»([54])

إن المعنى السلبي واضحٌ من هذا السياق، وبالتالي يتّضح أن «السُّنَّة» هنا أيضاً استُعملَتْ في مصداقٍ قبيح للطريقة.

 

3ـ شعرٌ لخالد الهذلي

«فلا تجزَعَنَّ من سُنَّةٍ أنتَ سِرْتَها *** فأوّلُ راضٍ سُنَّةً مَن‏ْ يسيرها»

ورد هذا الشعر في عددٍ كبيرٍ من المعاجم اللغويّة([55]) وغيرها([56]). وله قصةٌ يجب أن يُشار إليها؛ لأنها تُبيِّن بشكلٍ واضح أن الكلمة في هذا السياق بالمعنى العامّ، واستُعملَتْ مصداقاً في طريقةٍ سيّئةٍ:

قيل: إن أبا ذؤيب الهذلي أرسل خالداً؛ ليكون رسوله إلى امرأةٍ، فعشقَتْه المرأة، وتركَتْ أبا ذؤيب، فعاتب أبو ذؤيب خالداً على ذلك، فأجاب خالدٌ بهذه الأبيات، وأشار إلى خيانة أبي ­ذ­ؤيب، حيث كان هناك شخصٌ آخر قد أرسل أبا ذؤيب كرسولٍ إلى نفس تلك المرأة، فخانه أبو ذؤيب، فيقول خالدٌ الهذلي خطاباً له: أنت أوّل مَنْ سَنَّ هذه السيرة، فلا تنزعج من طريقةٍ أنتَ اتّخَذْتَها أو جعلتَها ذائعةً في الناس؛ لأن الشخص الذي يتّخذ طريقةً فهو أوّل مَنْ يرضى بها، فلا ينبغي له أن يكون منزعجاً منها حينما يتّخذها شخصٌ آخر.

فاستعمال «السُّنَّة» بالمعنى العامّ في هذا البيت واضحٌ من هذه القصّة.

ومن جهةٍ أخرى تمثَّل بهذا الشعر كثيرون في مقام اللَّوْم والتأنيب، كعمر بن الخطّاب([57])، وابن الزبير الأسدي في عتاب عبد الله بن الزبير([58])، وسليمان العباسي (عمّ السفاح الخليفة العباسي)([59])، وآخرين([60]). فيبدو أن البيت مَثَلٌ ـ كما قد ورد في كُتُب الأمثال أيضاً([61]) ـ. ونفسُ استخدام هذا الشعر في مقام اللوم أيضاً مبيِّنةٌ أن الكلمة تُستَعمل في مصداقٍ قبيحٍ للطريقة.

ويبدو من هذه القرائن أن هذا الشعر من أهمّ الشواهد في هذه الدراسة؛ فقد اجتمع فيه عديدٌ من القرائن التي تصلح للاستدلال، منها: وضوحُ المعنى السلبيّ في السياق، وعدمُ احتمال النقل بالمعنى فيه، وعدمُ وجود كلمة «السّنن» فيه، حتّى يحتمل أن تكون «السَّنَن» بدل «السُّنَن»، وذكرُه في مصادر كثيرة ومتنوّعة، بحيث يحصل الاطمئنان بأصالته، وكونُ هذا الاستعمال في أفضل الفترات الزمنيّة للاستشهاد على معنى الكلمة في حالة النقل باللفظ؛ لأنه من شاعرٍ أدرك الجاهلية والإسلام. ومن الميِّزات الهامّة التي يمتاز هذا الشعر بها، خلافاً لسائر الشواهد، أن صاحبه من قبيلة هُذَيْل؛ وهناك حكاياتٌ مختلفة تبيِّن مكانتَهم العليا في اللغة العربيّة؛ كما حُكي أن «هذيلاً أشعر قبائل العرب‏»([62])؛ وقد قال عثمان بن عفان لمّا رأى الخَلَل الموجودة في كتابة المصحف: «لو كان‏ المُمْلِي‏ من هُذَيْل والكاتب من ثقيف‏ لم يوجد فيه هذا»([63])؛ وحُكي أيضاً أن ابن عبّاس بحث عن رجلٍ من هذه القبيلة ليعرف معنى مفردةٍ من القرآن الكريم، وعندما سمع معناها عندهم قال: «فهو كذلك»([64]). فيظهر أن هذه القبيلة كانت في مكانةٍ عالية من الفصاحة. ونتيجةً لذلك ستكون الشواهد من كلماتهم أكثر قيمةً.

 

هل هناك اضطرابٌ في رواية هذا الشعر؟

وجديرٌ بالذكر أن هناك روايةً أخرى للبيت، وورد فيها لفظ «السِّيرة» بدل «السُّنّة» في المصراعين([65]). وعليه رُبَما يُشْكَل على الاستدلال به.

لكنّ الظاهر ـ في ظنّي القاصر ـ أن «السِّيرة» تصحيفٌ من «السُّنَّة» في هذه الرواية للشعر؛ لقرائن، منها:

الأولى: تعرَّضَتْ أربعٌ من المصادر([66]) لاختلاف الرواية في هذا الشعر، ولم يذكر واحدٌ منها «السِّيرة» في كلا المصراعين، وإنما ورد «السِّيرة» في بعض المصادر بدل «السُّنَّة» في المصراع الأوّل فقط([67])، خصوصاً إذا لاحظنا أنّ كلَّ واحدٍ من هذه المصادر ذكر اختلافاً، غير الاختلاف الذي ذكره الآخر.

الثانية: هناك كثيرٌ من اللغويين استشهدوا بهذا البيت في معنى «السُّنَّة»، فلا يمكن أن تكون «السِّيرة» بدل «السُّنَّة» في كلا المصراعين في روايتهم للبيت. وحتّى مَنْ استشهد به في معنى «السِّيرة» أيضاً ذكر «السُّنَّة» في البيت، واستشهد بـ «سِرْتَها»([68]). وهذا مما يجب أن نلفت النظر إليه.

الثالثة: قد تكرَّرت مادّة (س ي ر) عدّة مرّاتٍ في هذا البيت([69])، الأمر الذي يُعِدُّ ذهن النسّاخ أو الرواة ليأنس ـ بطريقةٍ عفوية ـ بكلمة «السِّيرة»، وحينئذٍ لا يبعد أنهم كتبوا أو نقلوا «السِّيرة» بدل «السُّنَّة» تلقائيّاً؛ لأجل أُنْسهم الذهنيّ بمشتقّات كلمة «السِّيرة»، خصوصاً في كتاب جمهرة اللغة؛ حيث إن ابن ­دريد ذكره في باب مادّة (س ي ر)، وواضحٌ أن هذه المادّة تتكرَّر كثيراً في هذا الباب، وهذا التكرار يُمهِّد الطريق لكاتب المخطوط ليصبح مأنوساً ذهنيّاً بكلمة «السِّيرة»، وقد تقرَّر في محلِّه أن أحد الأسباب الرئيسة للتصحيف تغيير غير المأنوس بالمأنوس([70]).

وعلى أيّ حالٍ يبدو من مجموع هذه القرائن أنه يمكن الوثوق بأصالة كلمة «السُّنَّة»، وتصحيفها بـ «السِّيرة» في هذه الرواية للبيت.

 

3ـ في القرون التالية

أشَرْتُ إلى أنه لا يمكن الجَزْم، مع ظاهرة النقل بالمعنى، بوجود كلمة «السُّنَّة» في كلام رسول الله| ومعاصريه في كثير من الشواهد التي تقدَّم ذِكْرُها، بل كان السياق في كثيرٍ منها بشكلٍ لا ينسجم مع العربيّة الأصيلة. فالظاهر عدم كونها في كلام النبيّ|، ومن ثَمَّ تصلح هذه الاستعمالات لإثبات المعنى العامّ للكلمة في حالة النقل بالمعنى، وفي العربية السائدة في العصور اللاحقة المتأخِّرة عن عصر النبيّ|.

لكنْ رأيْتُ أن أذكر ـ إضافةً إلى ذلك ـ عدداً من الشواهد الأخرى من هذه القرون التالية أيضاً ـ خصوصاً القرنين الثاني والثالث الهجريّين ـ؛ ليكون المشهد أكثر وضوحاً:

1ـ قال وهب بن منبه(110هـ): «لما دنا الموت من لقمان بن عاد([71]) قال: يا قوم، دعوني من‏ سُنَن‏ الجبّارين، واسلكوا بي سبيل الصالحين. احفروا لي ضريحاً، وواروني فيه تراباً…»([72]).

2ـ الحسن البصري(110هـ): «إن أشدّ الناس صراخاً يوم القيامة رجلٌ سَنَّ سُنَّة ضلالةٍ فاتُّبِعَ عليها…»([73]).

3ـ في خبر الكُمَيْت وهشام بن عبد الملك الأموي: قال له هشام: «ومَنْ‏ سَنَّ‏ لك الغيَّ وأورطك فيه؟»([74]).

4ـ عن الإمام الصادق×: «على المسلم أن يمنع نفسه، ويقاتل على حكم الله وحكم رسوله؛ وأما أن يقاتل الكفّار على حكم الجَوْر وسُنَّتهم‏ فلا يحلّ له ذلك»([75]).

5ـ وعنه× قال: «…ما نزل به كتابٌ، ولا جَرَتْ به سُنَّةٌ، إلاّ سُنَّة آل‏ زياد بقتل الحسين بن عليّ صلوات الله عليهما»([76]).

ويبدو أن «السُّنَّة» الأولى في الحديث بمعنى السُّنَّة النبوية؛ بقرينة مقابلتها للكتاب؛ في مقابل «السُّنَّة» الثانية، التي هي بالمعنى اللغويّ، يعني الطريقة.

6ـ ومن خطبةٍ لزيد بن عليّ بن الحسين رضي ­الله­ عنه: «ولا تأخذوا سُنَّة بني‏ إسرائيل،‏ كذَّبوا أنبياءهم، وقتلوا أهل بيت نبيِّهم»([77]).

7ـ ومن كلامٍ لزرارة بن أعين، من أصحاب الصادق×: «سُنَّة الله وسُنَّة رسوله أو سُنَّة الشيطان‏ وأوليائه؟»([78]).

8ـ في كتاب مروان بن محمد (الخليفة الأمويّ الأخير) إلى بعضهم: «وقد بلغني أن قوماً من سفهاء أهل بيتك قد استنُّوا أمراً، إنْ تمَّتْ لهم رويّتهم فيه على ما أجمعوا عليه من نقض بيعتهم استفتحوا باباً لن يغلقه الله عنهم، حتّى تسفك دماءٌ كثيرة منهم»([79]).

9ـ ومن خطبةٍ لأحد خطباء مكّة الحاذقين([80])، في أواخر عصر بني أميّة: «لشتّان بين‏ مَنْ يدعوكم‏ إلى الرحمن وبيعة القرآن، وبين مَنْ يدعو إلى سُنَّة الشيطان‏ وبيعة مروان»([81]).

10ـ ومن خطبةٍ للسفّاح، الخليفة العبّاسيّ الأوّل: «تبّاً لبني حرب بن أمية وبني مروان!… ظلموا الأنام، وانتهكوا المحارم، وغشوا الجرائم، وجاروا في سيرتهم في العباد، وسُنَّتهم في البلاد…»([82]).

11ـ وقال ابن حبيب(245هـ) في المحبر: «ومن‏ سُنَنهم‏ أنّهم كانوا يكسبون بفروج إمائهم…»([83]).

12ـ وفي كتاب البلاذري(279هـ)([84]): «وقال أبو يوسف: إذا كانت في البلاد سُنَّةٌ أعجميّة قديمة، لم يغيِّرها الإسلام ولم يبطلها، فشكاها قومٌ إلى الإمام؛ لما ينالهم من مضرّتها، فليس له أن يغيِّرها. وقال مالك والشافعي: يغيِّرها وإنْ قدمَتْ؛ لأن عليه نفي كلّ سُنَّةٍ جائرة سنَّها أحدٌ من المسلمين، فضلاً عمّا([85]) سَنَّ أهل الكفر»([86]).

13ـ وقال الطبري، في تفسيره قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ‏﴾ (الإسراء: 27): «تقول العرب لكلّ ملازمٍ سُنَّة قومٍ، وتابعٍ أَثَرهم: هو أخوهم»([87]). فاستعمل الطبري هنا لفظ «السُّنَّة» في طريقة الشياطين مصداقاً.

14ـ وقال ابن خزيمة(311هـ)، في عنوان فصلٍ من كتابه: «باب وقت الدَّفْعَة من عرفة، خلاف سُنَّة أهل الكفر والأوثان التي كانت في الجاهليّة»([88]).

15ـ وقال الهمداني(334هـ): وكان قد بقي من سُنَّتهم‏ أشياء، أبطلها الإسلام، مثل: الميسر و…»([89]).

16ـ وقال ابن عبد ربّه(328هـ): «وكان رسول اللهﷺ يكتب إلى أصحابه وأمراء جنوده: من محمد رسول الله إلى فلانٍ. وكذلك كانوا يكتبون إليه… ثمّ لم تَزَلْ حتّى وُلِّي الوليد بن عبد الملك، فعظم الكتاب، وأمر أن لا يكاتبه الناس بمثل ما يكاتب به بعضهم بعضاً، فجَرَتْ به سُنَّة الوليد إلى يومنا هذا، إلاّ ما كان من عمر بن عبد العزيز ويزيد الكامل؛ فإنهما عملا بسُنَّة رسول اللهﷺ، ثمّ رجع الأمر إلى رأي الوليد…»([90]).

17ـ وقال ابن الفقيه(365هـ): «…وكانت سُنَّتهم‏ إذا هُمْ وافوه أن يسجدوا للصَّنَم الأكبر».([91])

18ـ وقال ابن النديم(385هـ): «…هم عبّاد القمر، يقولون: إن القمر من الملائكة، يستحقّ التعظيم والعبادة. ومن‏ سُنَّتهم‏ أن يتَّخذوا له صَنَماً…»([92]).

19ـ شعرٌ أنشده عبدُ الله بن عليّ‌، عمّ أبي جعفر المنصور، يخاطب امرأةً من بني أميّة:

سَنَنْتُم‏ علينا القتلَ لا تُنْكِرونه *** فذوقوا كما ذُقْنا على سالف الدَّهْرِ([93])

20ـ وفي كتاب عيسى بن موسى إلى المنصور الدوانيقي:

سَنَنْتَ‏ انتقاض العهد فاصبرْ لمثله *** بنقضك من عهدي الذي كان أُبْرِما([94])

21ـ وفي شعر محمد بن أبان اللاحقي(245هـ):

تلوم على القطيعة مَنْ أتاها *** وأنْتَ سَنَنْتَها للناس قبلي([95])

لكنْ في بعض المصادر والنُّسَخ: «شببتها» بدل «سَنَنْتها»، وهي بمعنى الارتفاع والنموّ.

22ـ وفي شعر ابن الرومي(280هـ):

لو رامَتْ التوبة لم تستطِع *** لسُنِّةِ الشيطان تبديلا([96])

23ـ شعرٌ للمتنبّي(354هـ):

أبوكم آدم سَنَّ المعاصي *** وعلَّمَكُمْ مفارقة الجنان([97])

وبعض هذه الأشعار يحتمل أنها لم تكُنْ من إنشاء هؤلاء، وإنّما نقلوها وتمثَّلوا بها. وعليه يعود عصر هذه الاستعمالات الشعريّة إلى ما قبلهم، لكنْ لا يمكن تحديد زمنها بالضبط.

24ـ وحكى المسعودي عن بعض المؤرِّخين الملازمين للقاهر الخليفة العبّاسي([98]): «أما أبو العبّاس السفّاح فكان سريعاً إلى سفك الدماء و اتّبعه عمّاله في الشرق والغرب في فعله، واسْتَنُّوا بسيرته»([99]).

 

النتيجة

استعرَضْنا الاستعمالات لكلمة «السُّنَّة» في محورين: الاستعمالات في القرن الأوّل الهجريّ؛ والاستعمالات فيما بعده.

وقدَّمْنا في كلٍّ من المحورَيْن شواهد متنوِّعة:

فقد تقدَّم في المحور الأوّل شواهد مختلفة من أحاديث أهل البيت^ وكلمات الصحابة والأشعار القديمة وغيرها.

وتقدَّم في المحور الثاني أيضاً شواهد متنوِّعة في لسان الطبقات المختلفة من الناس، كالفقهاء والمؤرِّخين والأمراء والشعراء وغيرهم.

واتَّضح من جميع ذلك أن المعنى اللغويّ العامّ لكلمة «السُّنَّة»، وشمولها للطريقة السيِّئة والحَسَنة معاً، ثابتٌ في كلا الحالتين: النقل باللفظ؛ والنقل بالمعنى.

وبالتالي يتبيَّن من خلال ذلك أن الأمر النبويّ باتّباع سُنَّته عامّ، يشمل كلّ طريقةٍ له. ويثبت من هذه الجهة أن حجِّية السنّة النبويّة عامٌّ، وهذا الإشكال من القرآنيّين غيرُ واردٍ.

 

 

الهوامش

(*) باحثٌ في حوزة قم العلميّة، متخصِّصٌ في مجال علوم الحديث والتراث. له تحقيق (أحاديث أميرالمؤمنين×، برواية السيد عبد العظيم الحسني، وإملاء القاضي جعفر البهلولي)، من مخطوطات الزيدية. من مدينة بيرجند ـ إيران.

([1]) انظر على سبيل المثال: جامع الترمذي 2: 555، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1؛ الكليني، الكافي 3: 317 ، دار الحديث، قم، 1429هـ؛ صحيح ابن حِبّان 13: 60، تحقيق: شعيب الأرنؤوط ، مؤسّسة الرسالة، بيروت، ط2؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين 1: 36، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1. وللمزيد من الروايات انظر: حيدر حبّ­ الله، حجِّية السُّنَّة: 139 ـ 142، مؤسّسة الانتشار العربي، بيروت ، ط1، 2011م.

([2]) حيدر حبّ الله، حجّية السنّة: 142.

([3]) تقدَّمَتْ في مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد 56.

([4]) فإن «السَّنَن» بمعنى «الطريق»، و«السُّنَن» ـ جمع السُّنّة ـ بمعنى «الطريقة»، وقد يُراد بـ «الطريق» معنى «الطريقة والمنهج». ومن جهةٍ أخرى إن «السَّنن» وردَتْ في بعض المعاجم بمعنى «الجهة» و«النهج» أيضاً، وهو أيضاً قريب من معنى «الطريقة». انظر: الجوهري، الصحاح ‏5: 2139، تحقيق: عبد الغفور عطّار، بيروت، ط1، 1376هـ؛ ابن سيدة، المحكم والمحيط الأعظم ‏8: 417، تحقيق: عبد المجيد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1421هـ.

([5]) قد تقدَّمَتْ في المقالة السابقة تفصيلاتٌ حول هذا الأمر، وأكتفي هنا بهذا المقدار.

([6]) أقصد من أهل البيت^ هنا خصوص أهل الكساء^؛ ليكون ذكر الشواهد وفقاً لترتيبها التاريخيّ وفي المنتصف الأوّل من القرن الأول الهجريّ. وسأذكر الاستعمالات في كلام الإمام السجّاد× في المجموعة التالية، إنْ شاء الله.

([7]) نهج البلاغة: 209

([8]) الكليني، الكافي ‏15: 162؛ المفيد، الإرشاد ‏1: 292، مؤتمر الشيخ المفيد، قم ، 1413هـ.

([9]) تفسير فرات الكوفي: 314، مؤسّسة الطبع والنشر في وزارة الإرشاد الإسلامي‏، طهران، ط1، 1410هـ؛ وباختلافٍ يسيرٍ في: شواهد التنـزيل لقواعد التفضيل ‏1: 557، مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة في وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران ، ط1، 1411هـ.

([10]) الثقفي، الغارات ‏2: 483؛ نهج البلاغة: 93؛ الطوسي، الأمالي: 181، دار الثقافة، قم، ط1، 1414هـ؛ ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي­ طالب ‏2: 272، علاّمه، قم ، ط1، 1379هـ.

([11]) ابن حمدون، التذكرة الحمدونية ‏6: 243، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، ط1، 1996م.

([12]) نهج البلاغة: 431؛ وباختلافٍ يسيرٍ في: ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول: 130؛ دعائم الإسلام ‏1: 356، تحقيق: آصف الفيضي، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، ط2، 1427هـ؛ التذكرة الحمدونية ‏1: 319؛ النويري، نهاية الأَرَب في فنون الأدب ‏6: 22، دار الكتاب والوثائق القومية، القاهرة، 1423هـ.

([13]) الكليني، الكافي ‏3: 131؛ الصدوق، الخصال ‏1: 231؛ تحف العقول: 165؛ المفيد، الأمالي: 277، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مؤتمر الشيخ المفيد، قم، ط1، 1413هـ؛ أبو نعيم الإصفهاني، حلية الأولياء 1: 74، دار أمّ القرى، القاهرة، ط1؛ الطوسي، الأمالي: 38؛ المرشد بالله الشجري الجرجاني، الأمالي الخميسية 1: 104، تحقيق: محمد حسن إسماعيل، دار الكتب العلمية، بيروت، 1422هـ؛ وانظر أيضاً: كتاب سُلَيْم بن قيس ‏2: 614، تحقيق: الأنصاري الزنجاني، انتشارات الهادي، قم، ط1، 1405هـ؛ محمد بن الحسن الغسّاني(315هـ)، أخبار وحكايات: 15، تحقيق: إبراهيم صالح، دار البشائر، بيروت، 1994هـ.

([14]) ورُبَما وقع سقطٌ في هذه الصيغة من الحديث.

([15]) الحجر: 13؛ الكهف: 55.

([16]) لكنّ الظاهر أن «سُنَّة الأوّلين» هنا بمعنى طريقة الأوّلين، وليست كتعبير «سُنَّة الأوّلين» الذي ورد في بعض الآيات القرآنية؛ والدليل على هذه المغايرة أنه في عبارة الحديث يوجد تعبير: «ومَنْ عرف السُّنَّة فكأنّما كان مع الأوّلين»، وكأنّ الإمام× يقول: مَنْ عرف طرائق الأوّلين ومسالكهم فهو كالشخص الذي عاش في أوساطهم، فيستطيع أن يعرف سبب نجاة مَنْ نجا منهم، وسبب هلاك مَنْ هلك منهم. وهذا مختلفٌ عن السياق الذي ورد فيه تعبير «سُنَّة الأوّلين» في الآيات القرآنية.

([17]) الآمدي، غرر الحكم ودرر الكلم: 217، قم، ط2، 1410هـ.

([18]) الكليني، الكافي ‏2: 486؛ ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي­ طالب ‏2: 340

([19]) أي إنْ ذَكَرْتُم نَسَبه.

([20]) أي الإنذار.

([21]) أي مائلاً.

([22]) الجوهري، السقيفة وفدك: 140، تحقيق: محمد هادي الأميني، مكتبة نينوى الحديثة، طهران؛ الطبري (المنسوب)، دلائل الإمامة: 114، مؤسّسة البعثة، قم، ط1، 1413هـ؛ الآبي، نثر الدرّ في المحاضرات ‏4: 5؛ وباختلافٍ يسيرٍ في: الإربلي كشف، الغمّة 2: 208، تحقيق: علي آل كوثر وعلي الفاضلي، المجمع العالميّ لأهل البيت^ ـ دار التعارف، بيروت، 1433هـ.

([23]) ابن طيفور، بلاغات النساء: 24، انتشارات الشريف الرضيّ، قم، ط1؛ القاضي النعمان، شرح الأخبار ‏3: 35، تحقيق: محمد حسين الحسيني الجلالي، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، ط1، 1409هـ.

([24]) كتاب سُلَيْم بن قيس ‏2: 595

([25]) الطبرسي، الاحتجاج ‏1: 111

([26]) رجال الكشّي: 21، تحقيق: المصطفوي، نشر دانشگاه مشهد، مشهد، ط1، 1409هـ.

([27]) تاريخ مدينة دمشق 23: 75.

([28]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين 2: 562.

([29]) البغوي، معالم التنـزيل في تفسير القرآن ‏2: 347، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1420هـ.

([30]) التوبة: 37.

([31]) الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبي) ‏5: 45، تحقيق: ابن عاشور، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1422هـ.

([32]) ابن عبد الحكم، فتوح مصر والمغرب: 120، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط1، 1415هـ؛ الصدفي، تاريخ ابن يونس المصري ‏1: 345، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1421هـ؛ تاريخ مدينة دمشق ‏59: 22؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة ‏5: 101، منشورات محمد علي بيضون، بيروت، ط1، 1415هـ.

([33]) أبو عبيد، الأموال: 200، تحقيق: محمد خليل هراس، دار الفكر، بيروت، 1408هـ؛ ابن زنجويه، الأموال: 162، تحقيق: الأسيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1427هـ؛ البلاذري، فتوح البلدان: 141، مكتبه الهلال، بيروت، ط1، 1988م.

([34]) ابن أعثم، الفتوح ‏2: 399، تحقيق: على شيري، دار الأضواء، بيروت، ط1، 1411هـ؛ وانظر: البلاذري، أنساب ‏الأشراف ‏6: 158، تحقيق: سهيل زكّار ورياض الزركلي، دار الفكر، بيروت، ط1، 1417هـ.

([35]) ابن أعثم، الفتوح ‏2: 394.

([36]) صحيح مسلم 8: 218؛ مسند أحمد بن حنبل 4: 541.

([37]) ابن أبي شيبة، المصنَّف 8: 177.

([38]) النيسابوري، المستدرك على الصحيحين 4: 475.

([39]) الزمخشري، ربيع الأبرار ‏3: 257، تحقيق: عبد الأمير مهنّا، مؤسّسة الأعلمي، بيروت، ط1، 1412هـ.

([40]) إنه أدرك عصر النبيّ|، لكنه لم يلْتَقِ به.

([41]) تاريخ مدينة دمشق ‏24: 333؛ ابن عديم، بغية الطلب في تاريخ حلب ‏3: 1316، دار الفكر، بيروت، ط1.

([42]) حتّى في الأدعية؛ فإنها رُبَما كانت تعليميّةً، كما هي رؤية بعض العلماء، بصرف النظر عن صحّتها. وعليه رُبَما يضطرّ الإمام أن يتكلَّم وفق المخاطَبين. لكنْ يشكل عليه أن الصحيفة السجّادية كانت إملاء الإمام السجّاد× على الإمام الباقر×، فمخاطَبه أيضاً كان إماماً. ويمكن أن نقول: إن البلاغة في كلّ عصرٍ بحَسَبها، فألفاظ الإمام في الصحيفة كانت في علوّ البلاغة بالنسبة إلى البلاغة في عصره×.

([43]) الكليني، الكافي ‏15: 50؛ ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول: 253.

([44]) راجع: الطوسي، الفهرست: 105؛ تحقيق: السيد عبدالعزيز الطباطبائي، مكتبة المحقِّق الطباطبائي‏، قم، ط1، 1420هـ.

([45]) نعم، يحتمل أيضاً أنها من كلمات الرواة الذين كتبوا هذه الصحيفة، يعني نقلوا كلمات الإمام بالمعنى، ثمّ كتبوها في الصحيفة؛ لكنّه احتمالٌ ضئيلٌ.

([46]) الصحيفة السجّادية: 162، منشورات الهادي، قم، ط1، 1376هـ.ش.

([47]) انظر: رواية المتوكِّل بن هارون في بداية الصحيفة حول كيفيّة نقلها. الصحيفة السجّادية: 14.

([48]) تاريخ ‏الطبري ‏5: 565؛ الذهبي، تاريخ ‏الإسلام ‏5: 43، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، 1413هـ.

([49]) البلاذري، أنساب ‏الأشراف ‏7: 12.

([50]) الجاحظ، البيان والتبيين ‏2: 211، تحقيق: علي أبو ملحم، مكتبة الهلال، بيروت، ط1، 2002م؛ ومثله في: الزبير بن بكّار، الأخبار الموفّقيات 1: 92، تحقيق: سامي مكّي العاني، عالم الكتب، بيروت، ط2، 1416هـ؛ ابن عبد ربّه، العقد الفريد ‏4: 209؛ أبو هلال العسكري، الأوائل: 325، دار البشير، مصر ـ طنطا، 1408هـ؛ النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب ‏21: 209؛ القلقشندي، صبح الأعشى ‏1: 263 ، دار الكتب العلمية ـ منشورات بيضون، بيروت.

([51]) ابن قتيبة الدينوري (المنسوب)، الإمامة والسياسة ‏2: 48، تحقيق: علي شيري، دار الأضواء، بيروت، ط1، 1410هـ.

([52]) ابن هشام، السيرة النبوية ‏2: 419؛ ابن سلام، طبقات فحول الشعراء ‏1: 242، تحقيق: محمود محمد شاكر، دار المدني، السعودية ـ جدّة، ط1، 1400هـ؛ تاريخ ‏الطبري ‏3: 64؛ أبو نعيم، معرفة الصحابة 3: 155؛ ابن عبد البرّ، الاستيعاب ‏3: 902، دار الجيل، بيروت، ط1، 1412هـ؛ عبد الله بن عبد العزيز البكري(487هـ)، سمط اللآلي ‏2: 833، تحقيق: عبد العزيز الميمني، دار الكتب العلمية، بيروت؛ ابن الأثير، أسد الغابة ‏3: 135؛ ابن الأثير، الكامل ‏2: 250؛ ابن كثير، البداية والنهاية ‏4: 308، دار الفكر، بيروت، 1407هـ.

([53]) غريب القرآن في شعر العرب، سؤالات نافع إلى عبد الله بن العبّاس: 38، مؤسّسة الكتب الثقافية، بيروت، ط1، 1413هـ؛ السيوطي، الدرّ المنثور فى التفسير بالمأثور ‏4: 205، مكتبة المرعشي، قم، ط1، 1404هـ.

([54]) المبرّد، الكامل في اللغة والأدب ‏2: 46، تحقيق: تغاريد بيضون ونعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت، 1409هـ.

([55]) الأزهري، تهذيب اللغة ‏13: 34؛ أبو عبيد قاسم بن سلام، الغريب المصنّف ‏2: 593، تحقيق: محمد العبيدي، بيت الحكمة، تونس، ط1، 1990م؛ ابن دريد، جمهرة اللغة ‏2: 725، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، ط1، 1988م؛ الصاحب بن عبّاد، المحيط في اللغة ‏8: 376؛ الصحاح ‏2: 691؛ ‏5: 2139؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة ‏3: 61، 121؛ ابن سيدة، المحكم والمحيط ‏8: 572؛ ابن سيدة، المخصّص ‏14: 241، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1؛ الزمخشري، أساس البلاغة: 317؛ الزبيدي، تاج العروس ‏6: 559، تحقيق: علي الهلالي وسيري علي، بيروت، ط1، 1414هـ.

([56]) الإصفهاني، الأغاني ‏6: 478، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1415هـ؛ أبو هلال العسكري، ديوان المعاني ‏1: 343، تحقيق: أحمد سليم غانم، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1424هـ؛ تيسير المطالب: 469، تحقيق: عبدالله بن حمود العزي، مؤسّسة زيد بن عليّ الثقافية‏، صنعاء، ط1، 1422هـ؛ ابن عبد البرّ القرطبي، بهجة المجالس ‏2: 788، تحقيق: محمد مرسي الخولي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، ‏1981م؛ ابن قتيبة، الشعر والشعراء ‏2: 640، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار الحديث، القاهرة، 1423هـ؛ ابن قتيبة، عيون الأخبار ‏4: 107، تحقيق: يوسف علي الطويل، دار الكتب العلمية، بيروت، ‏1418هـ؛ ابن الشيخ، ألف باء في أنواع الآداب ‏2: 581؛ ديوان الهذليّين 1: 157، تحقيق: أحمد الزين، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1385هـ.

([57]) تمثَّل به في عتاب رجلٍ شكا إليه عقوقَ ولده وجفاه، فحينما قال ابن الرجل: إن أبي أيضاً قد عقَّ أباه، تمثَّل عمر بهذا البيت؛ لعتاب الأب. ابن الجوزي، البرّ والصلة 1: 100، 101، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، الكتب الثقافية، مصر، ط2، 1416هـ.

([58]) اقتبس من المصرع الأوّل قوله:

«فلا تجزعَنَّ من‏ سُنّةٍ قد سنَنْتَها *** فما للدماء الدهر تهرق من حقن»

وذلك حينما قتل عبدُ الله بن الزبير أخاه عمرو، يحذِّره بأن توقَّعْ أن ينـزل بك هذا الظلم الذي ارتكَبْتَه بحقّ أخيك. أبو الفرج الإصفهاني، الأغاني ‏14: 413، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1415هـ.

([59]) تمثَّل به في عتاب امرأةٍ من بني أميّة حينما طالبَتْه العدل فيهم. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة ‏7: 150.

([60]) تمثَّل به الواثق الخليفة العباسي. الراغب الإصفهاني، محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء ‏1: 301، تحقيق: عمر فاروق الطبّاع، دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت، ط1، ‏1420هـ؛ وتمثَّل به ابن منارة الكاتب أيضاً في عتاب عامله. الخفاجي، سرّ الفصاحة: 226؛ أبو هلال العسكري، الصناعتين، الكتابة والشعر: 343، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي، المكتبة العصرية، بيروت، 1419هـ؛ الخوارزمي، مفاتيح العلوم: 82، دار المناهل، بيروت، 1428هـ؛ وتمثَّل به المعتمد بن عباد اللخمي، صاحب مدينة إشبيلية من جزيرة الأندلس‏. الخزرجي، العقد الفاخر الحَسَن في طبقات أكابر أهل اليمن ‏3: 1326، مكتبة الجيل الجديد، صنعاء، 1430هـ.

([61]) الميداني، مجمع الأمثال ‏2: 198، العتبة الرضوية، مشهد، 1366هـ.ش؛ يوسف بن طاهر الخويي، فرائد الخرائد في الأمثال: 488، تحقيق: عبد الرزّاق حسين، دار النفائس، الأردن، 1415هـ؛ الخوارزمي، الأمثال المولّدة: 71، المجمع الثقافي، أبوظبي، 2003م؛ ولا يدلّ عنوان «المولّدة» في كتابه على أن هذا المثل لم يكن أصيلاً؛ لأن الخوارزمي يذكر كثيراً من أصحاب الأبيات التي صارت مثلاً. وذكر هنا أيضاً أن البيت لخالد الهذلي. وذكره المدني الشيرازي أيضاً في كتابه ضمن الأمثال: الطراز الأوّل والكناز لما عليه من لغة العرب المعوّل ‏8: 147، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، مشهد، ط1، 1384هـ.ش. وقد اتّضح مما تقدَّم أن البيت يُتمثَّل به في عتاب شخصٍ يتّخذ سلوكاً لا يحبّها بنفسه من قِبَل الآخرين.

([62]) الثعالبي، الإعجاز والإيجاز: 138، تحقيق: محمد إبراهيم سليم، مكتبة القرآن، القاهرة.

([63]) أبو بكر السجستاني، كتاب المصاحف: 127، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، القاهرة، ط1، 1423هـ.

([64]) تفسير الطبري 17: 143.

([65]) جمهرة اللغة ‏2: 725، وخصوصاً أن ابن دريد لم يذكر البيت في معنى «السنّة»، فيؤيّد هذا عدمَ وجود «السنّة» في روايته من البيت؛ ابن جنّي، الخصائص ‏2: 16، تحقيق: الهنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1429هـ؛ ابن الشيخ، كتاب ألف باء في أنواع الآداب ‏2: 581؛ الخوارزمي، الأمثال المولّدة: 412. لكنّ هذا الكتاب حقِّق مع نسخةٍ فريدة. ومن جهةٍ أخرى الظاهر أن الخوارزمي أخذه من أستاذه الميداني من مجمع الأمثال. وقد ورد فيه «السُّنّة» بدل «السِّيرة»، فيبدو أنها تصحيفٌ من «السُّنَّة».

([66]) أبو الفرج الإصفهاني، الأغاني ‏6: 478؛ التوحيدي، البصائر والذخائر: 144، تحقيق: وداد القاضي، دار صادر، بيروت، ط4، 1419هـ؛ التذكرة الحمدونية ‏7: 212؛ شمس العلوم 5: 2903.

([67]) وهو ابن حمدون، في التذكرة الحمدونية ‏7: 212.

([68]) إلاّ ابن دريد فهو ذكر البيت ضمن معنى «سار سيرةً». لكنْ لا يشكل أن استشهاده بهذا البيت في معنى مادّة «السير» دليل على أن الموجود في روايته للشعر «السِّيرة» بدل «السُّنَّة»؛ لأن «السِّيرة» ـ على فرضها وجودها ـ ليست هي الكلمة الوحيدة من مادّة (س ي ر) في هذا البيت، فلا يبعد أن ابن دريد استشهد بـ «سِرْتَها» في البيت، وأن تكون «السيرة» في كتابه تصحيفاً من «السُّنَّة». أقصد أن استشهاده به في معنى السِّيرة صحيحٌ، حتّى مع عدم وجود «السِّيرة» بدل «السُّنَّة» في البيت.

([69]) «سِرْتَها» و«يسيرها»، ورُبَما كان «من سيرةٍ» بدل «من سُنّةٍ» في المصراع الأوّل، كما ورد في بعض الروايات لهذا البيت. فيصل رقم تكرار مادة (س ي ر) إلى ثلاث مرّات. وهذا رقمٌ كبير بالنسبة إلى بيتٍ واحد.

([70]) انظر على سبيل المثال: الشبيري الزنجاني، كتاب النكاح ‌4: 1178‌، رأي‌ پرداز، قم، 1419هـ.

([71]) لقمان بن شمس بن عاد، رجلٌ عاشَ قبل ميلاد المسيح× وكان طويل العمر حتى ضربت به العرب المثل في طول العمر بقولهم «طال الأبد على لبد». فإن كانت هذه الكلمات عين ألفاظ لقمان بن عاد فهي شاهدةٌ على معنى الكلمة في العصور الجاهلية.

([72]) الهمداني، الإكليل من أخبار اليمن وأنساب حمير ‏8: 202، وزارة الثقافة والسياحة، صنعاء، ط1، 1425هـ.

([73]) الزمخشري، ربيع الأبرار ونصوص الأخيار ‏3: 401؛ ابن حمدون، التذكرة الحمدونية ۸: ۱۰۲.

([74]) أبو الفرج الإصفهاني، الأغاني ‏17: 18.

([75]) الطوسي، تهذيب الأحكام ‏6: 136.

([76]) الكافي ‏7: 592.

([77]) تفسير فرات الكوفي: 136.

([78]) الكافي ‏7: 578.

([79]) تاريخ ‏الطبري ‏7: 238.

([80]) وهو أبو حمزة الشاري.‏ وذكر الفاكهي، بعد ذكر خطبته هنا: «ثمّ نزل، فما رُؤي على منبر مكّة أحدٌ كان أحسن خطبةً منه».

([81]) الفاكهي، أخبار مكّة في قديم الدهر وحديثه ‏3: 144، مكتبه الأسدي، مكّة المكرّمة، ط4، 1424هـ.

([82]) تاريخ ‏الطبري ‏7: 425؛ ابن الأثير، الكامل ‏5: 414.

([83]) ابن حبيب، المحبر: 340، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط1.

([84]) وإنْ كان ما نقله عنهم هو عين عباراتهم فهذه استعمالات قبل عصر البلاذري.

([85]) هكذا في المصدر. والموافق للقواعد أن يكون: «عمّا».

([86]) فتوح ‏البلدان: 431.

([87]) الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن ‏15: 54.

([88]) صحيح ابن خزيمة 4: 263، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1.

([89]) الإكليل من أخبار اليمن وأنساب حمير ‏1: 112.

([90]) العقد الفريد 4: 240.

([91]) ابن الفقيه، البلدان 1: 618، تحقيق: يوسف الهادي، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1416هـ.

([92]) ابن النديم، الفهرست: 488.

([93]) الصولي، كتاب الأوراق ‏3: 305، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2004م؛ نثر الدرّ في المحاضرات 1: 305؛ التذكرة الحمدونية ‏2: 134.

([94]) الصولي، كتاب الأوراق ‏3: 316.

([95]) ابن قتيبة، عيون الأخبار ۳: ۱۲۳؛ أبو حيّان التوحيدي، الصداقة والصديق: ۲4۱، تحقيق: إبراهيم الكيلاني، دار الفكر، دمشق، 1421هـ؛ ابن عبد البرّ، بهجة المجالس وأنس المجالس ‏1: 787؛ الإبشيهي، المستطرف في كلّ فنّ مستظرف: 4۰، تحقيق: سعيد محمد اللحّام، عالم الكتب، بيروت، 1419هـ. وفي بعض هذه المصادر لم ينسب البيت إلى أحدٍ، فلا يمكن تحديد الفترة الزمنية لهذا الشعر بالضبط.

([96]) أبو هلال العسكري، ديوان المعاني ‏1: 428.

([97]) ديوان المتنبّي: 542، دار بيروت، بيروت، 1403هـ؛ السمعاني، الأنساب ‏2: 347؛ ابن خلّكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ‏4: 52، تحقيق: إحسان عبّاس، دار الفكر، بيروت، ط1؛ لسان العرب ‏13: 62؛ ابن بسّام الشنتريني، الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ‏2: 677، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 2000م.

([98]) كانت مدّة خلافته سنتَيْن: 320 ـ 322هـ. انظر: تاريخ بغداد 1: 356، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، 1417هـ.

([99]) المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر 4: 222، تحقيق: أسعد داغر، دار الهجرة، قم، 1409هـ.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً