أحدث المقالات

ترجمة: حيدر حب الله

إيماناً منها بالرأي والرأي الآخر، تنشر مجلّة mنصوص معاصرةn دراسةً للشيخ كديور حول إشكالية العلاقة بين العقل والدين في التراث الشيعي، وتعقبها بدراسة أخرى للشيخ الميانجي نقداً عليها (التحرير).

من هو العلامة المجلسي؟ ـــــــ

يعدّ mبحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهارn أكبر مجموعة روائية إسلامية، بل يمكن عدّها دائرة المعارف النقلية للشيعة الاثني عشرية.

مؤلّف الكتاب هو علامة([1]) المحدّثين محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (1037 ــ 1110هـ)، المدفون في إصفهان، وهو من أشهر علماء الشيعة في العصر الصفوي([2]).

ترك لنا العلامة المجلسي ثلاثة عشر أثراً علمياً باللغة العربية، وثلاثة وخمسين باللغة الفارسية([3])، إلا أن بحار الأنوار ظلّ أكبر أعماله وأضخمها، فقد شكّل المجلسي هيئةً أو لجنة علمية من تلامذته وطلابه([4]) مستفيداً من المنصب السياسي والمكانة الذهبية التي كان يتمتع بها؛ وذلك لكي يجمعوا أندر الكتب الشيعية من زوايا المكتبات والبيوت المخفية، لقد كانت سيطرة التشيّع الرسمي للمرّة الأولى عاملاً مساعداً على جمع آثار الشيعة.

كان العلامة المجلسي من العلماء الشيعة النشطين الخدومين، فقد ساعد على إنجاز أعمال هي:

1 ــ كان أوّل من وضع دائرة معارف لعامّة الناس باللغة العربية، بل والفارسية، بأسلوب سهلٍ ومبسّط، مما ترك أثراً على الوعي الديني لقسمٍ عظيم منهم.

2 ــ جمع المجلسي الكتب المنسية في الحديث الشريف من أقصى نقاط بلاد المسلمين، ولا شك أن خطوةً من هذا النوع حالت دون الاندثار وتلف قسم عظيم من المصنّفات والدراسات الإسلامية.

3 ــ نشر المذهب الشيعي في إيران مع بعض الخصائص والسمات فيه.

4 ــ القيام بتبويب تفصيلي لموضوعات الروايات.

5 ــ يمكن عدّه أوّل مفسّر موضوعي للقرآن الكريم، حيث كان يجمع في أوائل كلّ باب من أبواب mبحار الأنوارn الآيات وتفسيرها، وهذا ما يقوم به بعضهم اليوم، حيث يبلغ تفسيره العشرين مجلّداً.

6 ــ لا شك أن البحث عن الإسلام في المنظور الشيعي لن يكون كاملاً دون مراجعة mبحار الأنوارn؛ فكل باحث إسلامي محتاج ــ لا محالة ــ لمراجعة هذا الكتاب.

من جهةٍ أخرى، لابدّ من الالتفات إلى مجموعة معطيات لدى مراجعة أعمال العلامة المجلسي وهي:

1 ــ العلامة المجلسي ــ كما تشهد أعماله وينصّ عليه أبناء خطّه الفكري ــ أخباريّ معتدل([5]).

2 ــ إن كتاب mبحار الأنوارn يحتلّ مجموعةً حديثية شيعية غير مصفّاة ولا مهذّبة، لقد كان العلامة المجلسي محدثاً مؤلّفاً من الطراز الأول، إلا أنه بأيّ حال من الأحوال لا يمكن عدّه شعاراً ورمزاً للفكر الشيعي، فاستنتاجاته من الروايات ــ لا سيما في القضايا العقائدية ــ استنتاجات متوسّطة المستوى، بل هي أحياناً عواميّة قشرية، وعلى حدّ تعبير العلامة الطباطبائي: يا ليته لم يُبد نظراً في أمور الدين وقضاياه، مكتفياً بنقل الروايات فحسب([6]).

يكتب العالم المصلح السيد محسن الأمين في mأعيان الشيعةn، بعد نقل كلام للميرزا حسين النوري، في مدح العلامة المجلسي: mفضل المجلسي لا ينكر وتصانيفه الكثيرة التي انتفع بها الناس لا تقدّر، لكن لا يخفى أن مؤلّفاته تحتاج إلى زيادة تهذيب وترتيب، وقد حوت الغث والسمين، وبياناته وتوضيحاته وتفسيره للأحاديث وغيرها كثيرٌ منه كان على وجه الاستعجال الموجب قلّة الفائدة والوقوع في الاشتباه، وكلمات القوم في حقّ المجلسي مشوبة بنوع من العصبية مع ما للرجل من فضلٍ لا يُنكرn([7]).

من هنا، لابدّ أن يُقرأ المجلسي في ظرفه الزمكاني، بل أن تعاد قراءته وفقاً لذلك، إن مجيء سلالة سلطانية شيعية تعلن المذهب رمزاً لسلاح الحرب مقابل الطرف الآخر كان باعثاً على تفتيش الشيعة عن نصوصهم المذهبية من خبايا البيوت والمكتبات بعد عصرٍ من الظلم والخوف والتقية عاشوه، إضافةً إلى أنّ النهضة الإخبارية التي كانت قد اتسعت خارج بلاد إيران آنذاك ونمت وترعرعت، كانت تعلن أنّ المصدر الرئيس للدين هو أخبار أئمة أهل البيت (، وهذان العاملان المستقلان كانا باعثين على ما نراه من النموّ المطرد للعلوم النقلية في العصر الصفوي.

ومن بين الجوامع الروائية، حاز كتابان على إقبال أكبر: أحدهما وسائل الشيعة الحاوي للروايات الفقهية، وثانيهما بحار الأنوار الذي يُستند إليه عادةً في الجوانب غير الفقهية.

من هو العلامة الطباطبائي؟ ـــــــ

أمّا العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (1321 ــ 1402هـ) المعدود من أكبر العلماء المعاصرين([8])، فقد كان مفسّراً، حكيماً، عارفاً، عالماً بالرواية، متخلّقاً بالأخلاق الإلهية، وقد كان في تفسير القرآن صاحبَ منهج، مؤسّساً لمدرسةٍ فكرية، ويعدّ تفسيره mالميزانn من أقوى التفاسير الشيعية، بل والإسلامية عموماً، بل إنه يمثل ما يشبه دائرة المعارف الإسلامية الكبرى في القرن العشرين.

كان العلامة الطباطبائي في الفلسفة صاحب رؤى جيدة للمباني القديمة، كما يعدّ مهندساً لبعض الموضوعات الفلسفية الجديدة في الفلسفة الإسلامية، ومن ذلك تقريره لبرهان الصدّيقين، وتقسيمه الوجود إلى الحقيقي والاعتباري مع ذكر خصائص الاعتباري، كما أن الفلسفة المقارنة الجديدة في الفكر الشيعي تبدأ رحلتها مع كتابه mأصول الفلسفة والمذهب الواقعيn.

أما كتاباه: mبداية الحكمةn و mنهاية الحكمةn، فما زالا حتى اليوم من الكتب الدراسية الفلسفية في الحوزات العلمية الشيعية، كما أنّ لديه تعليقةً على الأسفار الأربعة لصدر المتألهين الشيرازي (1050هـ)، وكتاب الرسائل التوحيدية، والرسائل السبعة، والقرآن في الإسلام، والشيعة في الإسلام..

ويصنّف أكثر علماء الحكمة والتفسير المعاصرين من رجال الصفّ الأول تلامذةً تربّوا على يد العلامة الطباطبائي.

قصّة تعليقات الطباطبائي على بحار الأنوار ـــــــ

وقد كانت للطباطبائي تعليقة على كلّ من أصول الكافي، وبحار الأنوار، ومن المناسب هنا نقل وجهة نظره في كتاب البحار، والسبب الذي دفعه إلى تدوين تعليقته على هذا الكتاب، وذلك على لسان أحد تلامذته الذي يقول: mكان العلامة الطباطبائي معتقداً ــ بقدرٍ كبير ــ بكتاب بحار الأنوار، وكان يراه أفضل دائرة معارف شيعية من حيث جمع الأخبار، لا سيما من ناحية كيفية تفصيل فصوله، وتبويب أبوابه.. وكان يعتقد أن العلامة المجلسي أحد حماة المذهب ومحيي آثار الأئمة( ورواياتهم، ويعلم مقامه العلمي وسعة اطّلاعه وطول باعه من كيفية وروده في الأبحاث، والجرح والتعديل، كما جاء في mمرآة العقولn؛ إنّ جهوده تستحقّ التقدير، إلا أنه رغم اجتهاده وبصيرته في فنّ الروايات والأحاديث لم يكن متمكّناً من المسائل العميقة الفلسفية، بل كان من متكلّمي الشيعة ومدافعيهم، كالشيخ المفيد، والسيد المرتضى، والخواجة نصير الدين الطوسي، والعلامة الحلي؛ لهذا وقع في بعض كلماته في الخطأ والاشتباه، وهو ما قلّل من قدر هذه الموسوعة، وتقرّر ــ طبقاً لذلك ــ أن يقوم الطباطبائي بدورةٍ كاملة على الكتاب، ثم يعلّق على المواضع التي تحتاج إلى تعليق، ليصدر الكتاب في طبعةٍ جديدة، وبهذا يحفظ البحار بهذه التعليقة مكانته، وقد أجري هذا الأمر عملياً، وكتب العلامة تعليقاته إلى الجزء السادس من الطبعة الجديدة([9])، إلا أنه وبسبب تعليقةٍ أو تعليقتين صرّح الطباطبائي فيهما بردّ رأي العلامة المجلسي([10])، انزعج جماعة ممّن لم يكن يرضى بنقد أنظار المجلسي؛ من هنا طالب المسؤول عن نشر الكتاب العلامةَ الطباطبائي نتيجة ضغوطات خارجية بالتقليل في بعض المواضع من التعليق على الكتاب، وأن يصرف نظره عن الإيراد في مواضع أخرى، فرفض العلامة الطباطبائي، وقال: mفي المذهب الشيعي مكانة الإمام جعفر بن محمد الصادق أكبر من مكانة المجلسي، وعندما يدور الأمر بين المجلسي وردّ الإيرادات التي تسجّل على كلمات المعصومين نتيجة شروحاته، فلست حاضراً لبيعهم من أجل المجلسي، وإنني أرى أن أكتب ما أراه ولا أنقص حتى كلمة واحدةn، من هنا، طبعت سائر مجلدات البحار دون هذه التعليقاتn([11]).

وتدلّل بعض تعليقات الطباطبائي أنّه كان بصدد مواصلة تدوين هذه التعليقات([12]).

ويكتب صاحب كتاب mزندكي نامه علامة مجلسيn في إشارته للهوامش النقدية التي سطرها الطباطبائي على البحار: mلم تحظ انتقادات الطباطبائي بقبول مراجع الشيعة الكبارn([13])، إلاّ أنّه لا يوضح لنا من هم هؤلاء المراجع الذين لم يوافقوه، وهل أنّ آراء العلماء لا بد أن تصوّب ــ حتى في المجال العقائدي ــ من جانب الفقهاء ومراجع التقليد؟!

وعلى أية حال، إنه لمن المؤسف أن يبقى مجتمعنا العلمي قليل الصبر والتحمّل إزاء الآراء الناقدة أو نقد الآراء.

هذا، وللعلامة الطباطبائي تعليقات على ثمانية وثمانين موضعاً من البحار (إلى ص45 من المجلّد السابع)([14])، تستوعب ثلاثة كتب هي: 1 ــ العقل والجهل وفضل العلم. 2 ــ التوحيد. 3 ــ العدل والمشيئة والإرادة والقضاء والقدر والمعاد والموت.

ولا شك لو واصل الطباطبائي سائر هوامشه على بقية مجلّدات البحار، لا سيما كتاب mالسماء والعالمn، الذي يمثل مباحث الطبيعيات من بحار الأنوار، لحصلنا اليوم على مجموعة غنيّة من المعارف الإسلامية.

وقد كانت طريقة العلامة الطباطبائي في التصنيف موجزةً قائمة على الاختصار، حتى أنه كان يوجز في بضعة سطور عصارة أيّام من التأمل والتفكير، فكتابه (الميزان) كان حصيلة لفكرٍ سامٍ، وهو ما نشاهده أيضاً في تعليقته على البحار، وترتبط بعض الهوامش بقضايا جزئية تعرّض لها ذيل بعض الروايات، فيما يمثل بعضها الآخر مسائل مفتاحية وعامّة، والقسم الثاني هو ما نرصده في هذه الدراسة، كما أن عدد هذا النوع من الهوامش ليس بالكثير، إلا أنه هام جداً من الناحية النوعية، وقيّم للغاية.

موضوع مقالتنا هذه هو الدراسة النقدية المقارنة لآراء عالمين كبيرين، هما: المجلسي والطباطبائي، في متن بحار الأنوار وهامشه، اعتماداً على مسألة العقل والدين، ومن الطبيعي أن نستفيد كثيراً ــ لإعادة قراءة فكرهما وفق هذا المبدأ ــ من سائر كتبهما ورسائلهما.

ضرورة هذه الدراسة ـــــــ

ومن المناسب ــ قبل الولوج في عمق البحث ــ أن نبيّن مدى ضرورة هذه الدراسة؛ وذلك:

أولاً: إنّ مقارنة معلَمين فكريين إسلاميين شيعيين أواخر القرن العاشر وأواخر القرن الرابع عشر الهجري تكشف لنا عن تطوّر الفكر الديني في القرون الأربعة الأخيرة المذكورة، فمع وجود تفكير فلسفي في الزمان الأوّل، إلا أن الفكر السائد والمهيمن كان فكر العلامة المجلسي، فيما هيمن في الزمان الثاني فكر العلامة الطباطبائي.

ثانياً: إن مقارنة المنهجين: الأخباري والفلسفي / الأصولي، ترشدنا إلى معطيات معرفية ممتازة و..

ثالثاً: إنّ معارضة مواصلة العلامة الطباطبائي لتعليقاته تكشف لنا عن بقاء الفكر الأخباري في العصر الحاضر، إن دراستنا هذه محاولة لاكتشاف الزوايا المجهولة الخفية في هذا الفكر والتي قلّما جرى تداولها، وعلى حدّ تعبير مرتضى مطهري، فإن الأفكار الأخبارية نفذت بشدّة وبسرعة بعد الملا أمين الاسترآبادي (1036هـ) إلى العقول والأدمغة؛ لتسود وتهيمن قرابة القرنين من الزمان، دون أن تخرج من العقول، واليوم أيضاً نرى الكثيرين لا يجيزون تفسير القرآن إذا لم يكن هناك حديثٌ في البَين، فجمود الأخبارية في الكثير من القضايا الأخلاقية والاجتماعية، بل في بعض المسائل الفقهية ما يزال مسيطراً ومهيمناً([15]).

ونشرع في هذا المقال ــ بدايةً ــ بإعادة قراءة آراء العلامة المجلسي في أمّهات قضايا العقل والدين، ثم ــ وفي المرحلة الثانية ــ وعبر المنهج عينه نطالع نظريات العلامة الطباطبائي، لنقوم ــ في المرحلة الثالثة ــ بإجراء مقارنات بين هذين العالمين البارزين([16]).

المحور الأوّل: قراءة لآراء ونظريّات العلامة المجلسي ـــــــ

1 ـ العقل، الدور والقيمة ـــــــ

يرى العلامة المجلسي أنّ العقل هو قوّة إدراك الخير والشرّ، والتمييز بين الحقّ والباطل في معرفة أسباب الأمور، فمن وجهة نظره يمثل العقل مناط التكليف والثواب والعقاب، كما أنّ درجات التكليف نفسها تتفاوت بقوّةٍ من هذا النوع، وهذه القوّة تشتدّ وتقوى أيضاً بالعلم والعمل([17]).

من هنا، يختلف المجلسي عن الأشاعرة؛ ذلك أنهم لا يعترفون بهذا الفهم للعقل، لكنه يقدّم لنا ــ مع ذلك ــ جواباً سلبياً عن السؤال القائل: هل الإدراكات العقلية معتبرة أم لا؟ وذلك أنه يرى أنّ العقل: ما أكثر خطؤه! ولأجل الحيلولة دون حصول هذه الأخطاء والاشتباهات لا سبيل يمكن اعتماده سوى التعقل، وهو الموافق مع قانون الشريعة([18])، فالاعتماد على العقول دون مراجعة الشرع أمرٌ فاسد وكاسد، بل يبعث ــ دوماً ــ على الضلال والانحراف والإضلال([19]).

وفي سياق شرحه وبيانه لإحدى الروايات، يتوصّل المجلسي إلى نتيجة مفادها: إن أئمة الدين قد سدّوا باب العقل بعد معرفة الإمام %، وأمروا باتّباعهم في تمام الأمور، كما نهوا عن الاعتماد على العقول الناقصة في القضايا برمّتها([20])، إنه يرى أنّ الله تعالى لم يكلنا في أيّ أمرٍ من أمورنا إلى أهوائنا وآرائنا([21]).

والذي يبدو أن المسألة الوحيدة التي يسمح فيها المجلسيّ للعقل بإبداء رأيه ونظره هي معرفة الإمام %، وبعد معرفته لا بدّ من تعطيل العقل، ومن ثمّ عدم الرجوع إليه بالمرّة، إلا إذا جاء موافقاً لقول الإمام %، ولا يحدّد لنا المجلسي ما إذا كان العقل دخيلاً في فهم الأخبار ودلالة الروايات أم لا.

وعليه، فالعقل فاقدٌ للاعتبار، واعتباره مرهون لإمضاء الدّين له، والدين ليس فقط لم يمضه، لا بل إنّه نهى عنه ورفضه([22])، وهكذا لا يتحدّد عند المجلسي ما إذا كان اعتبار الدين والروايات عن المعصومين اعتبارٌ بالذات أم أنه لا بدّ في مرحلة مسبقة من إثبات الاعتبار له؟ إن عدم حجيّة العقل هي النقطة الرئيسة في فكر المجلسي، وسائر علماء الأخبارية.

2 ـ مصدر المعرفة العقائديّة ـــــــ

يذهب المجلسي إلى أنّ روايات أهل البيت ( هي المصدر الوحيد للمعرفة العقائدية، فعقولنا قاصرة عن فهم مثل هذه المسائل، وما أكثر ما تغدو عرضةً للخطأ والاشتباه، أما المعصومون فهم لا يشتبهون البتة، لذا فهم أكثر المصادر طمأنينةً.

ويستنتج المجلسي من الآية السابعة من سورة الحشر: >وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا< أنّه يجب علينا ــ بنصّ الآية ــ اتّباع النبي 2 في تمام الأمور، في الأصول الدينية وفي فروع الدين، في أمور المعاش والمعاد معاً، كما أنّ النبي 2 قد أودع معارفه وعلومه عند أهل بيته (، وعلم القرآن هو الآخر عندهم، وقد وضع أهل البيت ( بن أيدينا أخباراً تمثل الجسر الوحيد للتواصل معهم، من هنا، لم يكن لدينا في هذا الزمان من سبيل عدا التمسّك بأخبارهم والتدبّر في آثارهم([23]).

وعليه، فلمعرفة الإله الواحد, وصفاته وإثبات وجوده والنبوّة العامة لا بدّ من الرجوع إلى الروايات، وعبر هذه الروايات الواردة نتعرّف على النبي والقرآن والإمامة والمعاد، وهذا سبيلٌ فريد لا ثاني له؛ لهذا فما ثبت بالآيات والأخبار المتواترة هو أنّ الله واحد لا شريك له([24])، وأن الناس ــ والعياذ بالله ــ إذا اتكلوا في أصول العقائد على عقولهم فسوف يظلّون حيارى في مرتع جهالتهم([25]).

3 ـ عدم حجيّة ظهورات القرآن ودلالاته لغير المعصوم ـــــــ

إن القرآن الكريم قد نزل بحيث لا يمكن فهمه مستقلاً إلا للمعصومين(، وهم المخاطبون الواقعيون به، mإنما يعرف القرآن من خوطب بهn، فعلم الكتاب إنما هو عند الراسخين في العلم، منحصرٌ الاطلاعُ عليه بهم، فلا سبيل للناس للوصول إلى معارف القرآن إلا عبر ما بيّنه الأئمة ( وأبدوه، فبدون الروايات لا يمكننا فهم ظواهر القرآن؛ وعليه، فبدايةً لابدّ من النظر في الروايات، فإن فسّرت الرواياتُ الآيةَ اعتمدنا على تفسيرها، وفهمنا معناها حينئذٍ، أما إذا لم يكن في الآية روايةٌ تفسّرها، فإنّ باب فهم هذه الآية يظلّ مقفلاً مسدوداً أمامنا، وهذا معناه أنّ ظواهر القرآن الكريم ليست حجّةً بالنسبة إلينا من دون الرجوع إلى تفسير الآيات في روايات أهل البيت (؛ فإنّ في القرآن ناسخاً ومنسوخاً، ومحكماً ومتشابهاً، وعاماً وخاصاً، ومجملاً ومبيناً، وبدون تفسير أهل البيت ( تظلّ هذه الأمور خافيةً عنّا ومبهمة.

ويصرّح المجلسي في مقدّمة بحار الأنوار: m.. فوجدت العلم كلّه في كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأخبار أهل بيت الرسالة الذين جعلهم الله خزاناً لعلمه وتراجمةً لوحيه، وعلمت أن علم القرآن لا يفي أحلامُ العباد باستنباطه على اليقين، ولا يحيط به إلا من انتجبه الله لذلك من أئمة الدين، الذين نزل في بيتهم الروح الأمينn([26]).

ويتحدّث في موضعٍ آخر عن دلالة ظاهر الأخبار المستفيضة أنّ علم القرآن عند الأئمة (، وهو ما يدلّ عليه خبر الثقلين أيضاً.. ولا سبيل في زماننا سوى للتمسّك بأخبار الأئمة (، والتدبّر في آثارهم([27])، من هنا، فالسبيل الصحيح الوحيد لتفسير القرآن هو التفسير الروائي لا غير.

4 ـ تحريف القرآن ـــــــ

لا زيادة على الآيات القرآنية، إلا أنّ السؤال هو: هل تمام آيات الكتاب قد وصلتنا أم أنّه قد وقع حذفٌ فيه ونقيصة؟

تدلّ جملة من روايات الفريقين: السنّة والشيعة، على حصول النقص في بعض الآيات، ومن بينها رواية تدّعي أنّ جبرئيل قد أوحى لمحمد 2 بسبعة عشر ألف آية([28])، ومؤدّى هذا الكلام أن ما يقرب من عشرة آلاف آية قد جرى حذفه من القرآن الكريم.

وبعد تصحيح المجلسي لسند هذه الرواية يقول: mولا يخفى أنّ هذا الخبر، وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أنّ الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً، بل ظنّي أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة، فكيف يثبتونها بالخبرn([29])، مع أنّه لم يقبل في المسألة السابقة على هذه الرواية بمضمون الروايات.

وقد ادعى المجلسي في بحار الأنوار ــ بعد ذكره روايةً تتحدّث عن الآية الخامسة والعشرين من سورة لقمان وهي: >بَل أكثَرَهُم لا يَعْلَمون< ــ أنّه ما أكثر ما جاء في قرآن الأئمة ( على الشكل الثاني ودوّن على الشكل الأوّل، أو أنّه ذكر مضمون الآية لا عينها. وهكذا الحال مع الآية 116 من سورة الأنعام، حيث لم تأتِ عبارة: >أكثرهم لا يشعرون<، مع أن الرواية نصّت على هذا المقطع من الآية([30])، والقبول بالاحتمال الأول قبولٌ بتحريف القرآن([31]).

إن عبارة mإنهما لن يفترقاn الواردة في حديث الثقلين تدلّ على أن لفظ القرآن ومعناه عندهم (([32])، وهي جملة مشعرة بأنّ لفظ القرآن ليس تامّاً عند غيرهم.

لكن، وعلى رغم القول بتحريف القرآن، إلا أنّ المجلسي يذهب إلى حقيّة هذا القرآن الذي بين أيدينا، وأنّ إنكار إعجازه كفر([33]).

5 ـ الموقف من الإجماع ـــــــ

يعني الإجماع قول جماعةٍ يحرز دخول المعصوم في أقوالهم، من هنا يعدّ الإجماع معتبراً انطلاقاً من وجود المعصوم في أوساط المجمعين، ويرى العلامة المجلسي أنّ مثل هذا الإجماع حجّة، إلا أنه لا يتحقق عملياً، وعليه ففي عصر الغيبة لا يتيسّر الاطّلاع على تحقّق الإجماع عينياً([34]).

6 ـ انحصار أدلّة الدين في السنّة الشريفة ـــــــ

يرى العلامة المجلسي أنّ أدلّة الشرع ــ بل الدين ــ منحصرة في مصدرٍ واحد هو mالسنّةn، ذلك أن الأدلّة الثلاثة الأخرى، وهي: العقل، والكتاب، والإجماع، ليست بحجّة، فالسنّة أتتنا عبر الأخبار المروية، وهذه الأخبار إمّا جاءت عن النبي 2 أو عن الأئمة (، والأخبار عن النبي 2 لا تُعرف إلا عبر الرواية عن طريق الأئمة (، كما أنّ كلام النبي 2 يشابه القرآن من حيث إن فيه ناسخاً ومنسوخاً، ومحكماً ومتشابهاً وأمثال ذلك([35])؛ من هنا لا تكون أحاديث النبي 2 حجةً ومعتبرة دون تفسيرٍ من أبواب علمه، وهم أهل البيت (؛ وفي عصرنا لا سبيل أمامنا سوى التمسّك بأخبار الأئمة والتدبّر في آثارهم ( ([36])، فحقيقة العلم ليست سوى أخبار الأئمة ( وسبيل النجاة لا يتم إلا بالفحص في آثارهم([37]).

7 ـ صحّة الكتب الأربعة الحديثية ـــــــ

يرى أهل السنّة أنّ الروايات الموجودة في الكتب الستّة الحديثية صحيحةً، ويسمّونها بالصحاح الستّة، وهكذا الحال على خطّ بعض الأخباريين الشيعة؛ حيث يرون أنّ أخبار الكتب الأربعة صحيحةً، والمراد من الصحيح ما يقبل الاستناد إلى المعصوم، لا الصحيح بالمعنى المصطلح عند المتأخرين، وهو الراوي الثقة الإمامي.

ودليل الأخباريين هو ما قاله المشايخ الثلاثة: الكليني، والصدوق، والطوسي، في مقدّمات الكتب الأربعة، من أنهم ذكروا في كتبهم ما اعتبروه معتبراً ثابتاً لا أيّ روايةٍ وصلتهم.

أمّا العلامة المجلسي، فلا يرى أن روايات الكتب الأربعة صحيحة، إنما يذهب إلى جواز العمل بها فحسب([38])، نعم، لو تعارض خبران من أخبار هذه الكتب فلا سبيل أمامنا سوى الرجوع حينئذٍ إلى السند.

من هنا، نلاحظ أنّ المجلسي ــ رغم مسلكه الأخباري ــ قسّم الروايات في شرحه على كتاب الكافي، والمسمّى بمرآة العقول، إلى أربعة أقسام: الصحيح، والحسن، والموثق، والضعيف، وهذا شاهد على أن أخباريّته كانت وسطيةً ومعتدلةً، إلا أن نقطة اختلافه مع الأصوليين كانت في اعتباره أخبار الكتب الأربعة ممّا يجوز العمل به، وأنّ علم الرجال إنما نحتاجه في مجال تعارض الروايات لا غير، أمّا الأصوليون فهم لا يجيزون الاعتماد على أيّ رواية قبل إجراء البحث الرجالي في سندها.

8 ـ علم الحديث ـ لا الفقه ـ أساس العلوم ـــــــ

يذهب العلامة المجلسي إلى أنّ علم الحديث ــ لا علم الفقه ــ يعدّ أساس سائر العلوم وأمّها، فيما بقيتُها تمثل مقدّمةً له، وقد شرح المجلسي ذلك بأنّه من المناسب البحث في بعض العلوم الآلية على أساس حاجة علم الحديث إليها، مثل علم الصرف ونحوه، وبعضٍ قليل من علم الأصول، وكذا المنطق، وبعض الكتب الفقهية، فيما تصرف الجهود كلّها بعد ذلك في مجال علم الحديث ومطالعة الكتب الأربعة، لا سيما كتاب بحار الأنوار الذي هو ــ كاسمه ــ بحرٌ من الروايات([39]).

ونحن نعرف أن الأخباريين يحرّمون الاجتهاد ويحصرون التقليد بالمعصوم، فلا يجوز تقليد غيره، دون أن يروا في المجتهد واسطةً في العلم، إنهم يرون أنّ على الجميع ــ بعد إحراز الأهليّة العلمية ــ أن يتجهوا ناحية الروايات، فيأخذون الدّين من الأخبار حينئذٍ، ولم يرفض المجلسي هذا البناء الأخباري، بل إنّ اهتمامه بشرح الكتب الأربعة، وتدوين الروايات باللغة الفارسية كان يصبّ في هذا الإطار أيضاً.

يرى المجلسي أن تحصيل العلم مساوٍ للتدبّر في أخبار أهل البيت (؛ لهذا يرى أنه من المناسب ــ بعد تهذيب النفس ــ العثور على معلّم مأنوسٍ بكلام أهل البيت ( وأخبارهم، ومعتقدٍ بالأئمة (، لا من يؤول الأخبار لعقائده، وإنما من يصحّح عقائده على أساس أخبارهم([40]).

والملفت أن المجلسي، ورغم كلّ هذه النتاجات التي تركها، لم يترك لنا أثراً علمياً مستقلاً في الفقه والأصول يخضع للطابع الاستدلالي([41])، وفقط بضعةٌ من الرسائل في بعض الأحكام الشرعية سطرها لنا باللغة الفارسية، ووصلت إلينا.

9 ـ مبدأ ترجيح النقل على العقل عند التعارض ـــــــ

لا يتردّد العلامة المجلسي في ترجيح الدليل النقلي على العقل عند تعارضهما؛ ذلك أنه يرى أن الدليل العقلي غير معتبرٍ من رأس، فكيف يتسنّى له أن يواجه الدليل النقلي، فالعقل ــ عند المجلسي ــ كثير الخطأ، أما المعصوم فلا يخطأ أبداً، من هنا، فالنصر حليف الدين على الدوام عندما يواجهه العلم.

ويكتب المجلسي: إنّ عليك أن تكون مسلّماً مذعناً للأخبار، فإذا ما تمكّن عقلك وفهمك من إدراكها فآمِن بها إيماناً تفصيلياً، وإلا فليكن إيمانُك بها إجمالياً، وتَرُدَّ علمها إلى أهلها ــ فحتماً هناك أمرٌ حقّ أنت لا تفهمه ــ ولا يصحّ أن تردّ أيّاً من الأخبار؛ لأنّ عقلك ضعيف، فما أكثر ما يصدر شيءٌ من ناحيتهم وتفهمه أنت خطأ، فتكون قد كذّبت الله في عرشه، كما يقول الإمام الصادق %، واعلم أن علومهم عجيبة وأطوارهم غريبة، ولا تصل عقولنا لعلومهم..([42]).

وقد ظلّ العلامة المجلسي يكتب لطلابه في الإجازات التي كان يمنحهم إيّاها مكرراً الجملة التالية: mقد صرف برهةً من عمره الشريف في تحصيل العلوم العقلية والأدبية، التي يتزيّن بها الناس في هذا الزمان، ويُتفاخر بها بين الأقران، فلمّا بلغ الغاية القصوى في منالها، ورمى بأرواقه عن مراكبها، وعلم أنّ للعلم أبواباً لا يؤتى إلا منهم.. أقبل بقدمي الإذعان واليقينn([43]).

وكأنّه كان يرى على الدوام أن العلوم العقلية تتعارض بشكلٍ واضح مع العلوم النقلية وأخبار أئمة أهل البيت (؛ لهذا كان يرى أنه لابدّ من الهجرة من العلوم العقلية إلى الروايات والعلوم النقلية، ولا يمكن إطلاقاً الجمعُ بينهما، وهذا ما يبعث على التأمل والنقاش الجادّين في هذا المجال.

10 ـ وحدة المستوى الدلالي للروايات ـــــــ

يرى العلامة المجلسي أن الروايات تقع ــ عملياً ــ على مستوى واحد، وهو فهم عامّة الناس لها، مستنداً في ذلك لبعض الأحاديث، مثل: mإنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهمn؛ ليؤكّد أن المعصومين ( قد نزّلوا كلامهم إلى مستوى فهم عامّة الناس، وعليه، لا يصحّ في فهم الروايات اللهث وراء الاصطلاحات السائدة في العلوم الفلسفية والفقهية والأصولية، فتمام الروايات ذات مستوى واحد، إنّ أغلبية الناس هي المخاطَب الرئيس بالنصوص الدينية، ومعنى ذلك ومؤدّاه أنه لا سهم للخاصّ والخواص وعلومهم في فهم الدين وإدراكه، فلا يصحّ أن نسير في النصوص بحثاً وراء أمورٍ تتجاوز الأفق العادي لعامّة الناس.

11 ـ الموقف السلبي من الفلسفة والحكماء ـــــــ

كان المجلسي متشائماً غير متفائل من الفلاسفة والحكماء؛ لهذا نجده يعتبر أن من جملة من ترك آثار أهل البيت ( واستبدّ برأيه هم أولئك الذين سلكوا مسلك الحكماء، أولئك الحكماء الذين ضلّوا وأضلّوا، فلم يقرّوا بالنبي 2، ولم يؤمنوا بالكتاب، بل اعتمدوا على عقولهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة، فأوّلوا النصوص الصحيحة الصريحة عن أئمة الهدى (؛ لعدم موافقتها لمذاهبهم، مع أنهم يعلمون أن أدلّتهم وشبهاتهم لا تفيد الظنّ، بل ولا الوهم، فأفكارهم كبيت العنكبوت، ضحلة هزيلة لا أساس لها، ومع ذلك فهم مختلفون فيما بينهم، فبعضهم مشائي وآخر إشراقي، وقلّما ينسجم رأيٌ لهذه الطائفة مع رأي للطائفة الأخرى، نعوذ بالله من أن يعتمد الناس على عقولهم في أصول العقائد فيظلّون حيارى([44]).

ثم كيف يتجرّأ هؤلاء على النصوص الصادرة عن أهل البيت؛ فيأولونها لحسن ظنهم بيونانيٍّ كافر لا دين له ولا مذهب.

ويرى المجلسي أن آراء الفلاسفة، كرأيهم في إثبات الجوهر الفرد القديم، يستلزم إنكار الكثير من ضروريات الدين، مثل حدوث العالم وأمثال ذلك([45])، فكلام الفلاسفة عنده شبهاتٌ وتمويهات وخيالات غريبة، وفضول([46])، بل إنّ الحكمة متّخذة من أهل الكفر والضلالة، وممّن أنكر شرائع النبوّة وقواعد الرسالة، ممّن يسعى لإطفاء نور الأئمة (([47])، ولا يعتبر المجلسي أيّاً من قضايا الفلسفة ومسائلها يقينيةً، بل هي عنده ظنّ ووهم، أما الروايات فقطعية يقينية، لا ظنية، وهذا بحقّ ما يبعث في كلامه على التأمّل والوقوف الطويل.

12 ـ الموقف من العرفان والتصوّف ـــــــ

لم تكن بين المجلسيّ والعرفان والتصوّف علاقةٌ حسنة، فقد حارب متصوّفةَ عصره حرباً شعواء، بل طردهم من البلاد، وقد كان يعتبرهم سبلاً للبدعة والهوى، لا دعاةً سالكين لسبيل الفقر والغنى، إنه يراهم حرّفوا العقائد الحقّة كما تصرّفوا وتلاعبوا بالنواميس الشرعية([48]).

وقد كتب المجلسي رسالةً في الردّ على الصوفية وعقائدهم([49])، ورغم أنه في رسالته في الاعتقاد يستعرض أموراً ترجع إلى السير والسلوك المستفاد من الروايات، إلا أنه سرعان ما ينبّه إلى أنّه أخذ هذه الأمور من الروايات، لا من أيّ مكانٍ آخر، بل قد سعى المجلسي لدرء تهمة التصوّف عن والده محمد تقي المجلسي الذي كان مشهوراً بالتصوّف؛ ولهذا يرى أنه لا يصحّ اتهام والده بالتصوّف، فكيف يكون صوفياً وهو مأنوسٌ بأخبار أهل البيت (، بل كان أعلم أهل زمانه بهذه المطالب، لقد كان مسلكه الزهد والورع، لقد تسمّى في بداية أمره بالصوفي حتى ترغب به هذه الطائفة من الناس كي يحذّرهم من عقائدهم غير الصحيحة، فهدى بذلك الكثير منهم، لكنه يأس في آخر عمره، فتبرّى منهم، وكفّرهم بعقائدهم، وإنّني أعلم بفكره وسبيله من غيري([50]).

13 ـ لا مجرّد سوى الله ـــــــ

ويرى العلامة المجلسي انحصار mالمجرّدn بالله تعالى، وأنّ الاعتقاد بوجود مجرّد آخر كفر، فالملائكة عنده جسمٌ لطيف، والعالم حادثٌ زماني، معتبراً أن الحدوث الذاتي من تأويلات الملحدين، من هنا عدّ القول بقِدَم العالم والعقول المجرّدة القديمة والهيولى كفراً([51])، فحاذر أن تستمع لتأويلات الملحدين، فهم يؤوّلون جميع الملائكة بالعقول والنفوس، والحال أنّ الآيات والروايات المتواترة دالّة على أنها ــ أي الملائكة ــ أجسامٌ لطيفة، كما يرى المجلسي([52]).

14 ـ حظر التفكير في الصفات ـــــــ

يحظر في مدرسة العلامة المجلسي التفكير في صفات الله وقضايا من قبيل الجبر والاختيار، فقد كتب في رسالة الفرق بين صفات الفعل وصفات الذات يقول: mوالحقّ أنه لا ضرورة للتفكير في هذه الأمور، وبالإجمال لابدّ من الاعتقاد بأنّ الصفات الكمالية ليست موجوداً زائداً على الذات وقائماً بها، ولا علّة غير الذات المقدّسة، ولا تخلو الذات المقدّسة من هذه الصفات، وأنه لا يوجد تعدّد في الذات والصفات الحقيقية حتى نثبت موجودات أزلية، وأنّ اتصاف الذات بهذه الصفات ليس شبيهاً باتصاف الممكنات، وأن التفكير في الزائد على ذلك يرجع إلى التفكير في الذات [الإلهية]، وقد ورد النهي عن ذلك في الأخبار الواردة، والعقل قاصرٌ عن فهم ذلك كما ينبغيn([53]).

15 ـ تأويل الروايات ـــــــ

يحمل المجلسي بعض الروايات على التقية، ومن ذلك الأخبار التي تنسب السهو والنسيان للمعصومين (([54])، كما يرى بعض الأخبار ضعيفةً لا يمكن الاعتماد عليها، ومن ذلك رواية البرسي الدالّة على أنّ الأئمة قد خلقوا العالم بأمرٍ من الله تعالى، والدليل على ضعف هذه الأخبار أنّه قد ورد النهي عن ذلك في الأخبار الصحيحة([55])، إنه يقرّ بأنّ بعض الإسرائيليات قد نفذ إلى مصنّفات أهل السنّة فيما يخصّ ذنوب الأنبياء والملائكة، وكذا كتب التاريخ([56])، رغم أنّ بعض هذه الروايات قد جاء في بحار الأنوار نفسه.

ويرى المجلسي لزوم تأويل الروايات الدالّة على رؤية الله تعالى بالعين([57])، لكنّه لا يحدّد لنا هل أنّ هذا التأويل يمكن توظيفه في موارد أخرى أم لا؟ وهل إذا أوّلنا روايةً على أساس قرينةٍ قطعية عقلية نكون قد قمنا بعمل صحيح أم لا؟

بعد هذا التعرّف الإجمالي على فكر العلامة المجلسي بخيوطه الرئيسة فيما يخصّ العلاقة بين العقل والدين، نسعى ــ في المرحلة الثانية ــ لرصد هذه المسألة عينها في نتاجات العلامة الطباطبائي، سيما تعليقته على بحار الأنوار.

المحور الثاني: العلامةالطباطبائي ومدرسته الفكرية ـــــــ

1 ـ مكانة العقل ـــــــ

للعقل عند العلامة الطباطبائي مكانةٌ رفيعة؛ إذ يذهب ــ بوصفه فيلسوفاً مسلماً ومجتهداً أصولياً ــ إلى قدرته على إدراك الحسن والقبح، خلافاً للأشاعرة، وخلافاً كذلك للأخباريين الذين لا يعدّون هذا الإدراك حجّة ومعتبراً.

فبعد حديثه عن الفكر الديني، يقول الطباطبائي: لقد وضع القرآن الكريم في تعاليمه لأتباعه ثلاثة سبل لإدراك المقاصد الدينية والمعارف الإسلامية، وهي: 1 ــ الظواهر الدينية (ظهورات الألفاظ). 2 ــ الحجّة العقلية. 3 ــ الإدراك المعنوي عن طريق إخلاص العبودية([58])، وعليه، فالقرآن أمضى الإدراك العقلي وأجازه، بل اعتبره جزءاً من التفكير الديني نفسه.

وعلى الخطّ المقابل، فالتفكير العقلي يعطي كذلك الحجيّة والاعتبار لظواهر القرآن، وهي وحيٌ سماوي، ولبيانات النبي الأكرم 2 وأهل البيت (، فيجعلها في مصافّ الحجج العقلية، وذلك بعد إثباته حقيّة نبوّة النبي 2 والتصديق بها.

والحجج العقلية التي يثبتها الإنسان بفطرته الموهوبة له من قبل الله تعالى، تنقسم إلى قسمين: البرهان، والجدل، أما البرهان فهو حجّة عندما تكون موادّه ومقدّماته حقّةً وواقعية، حتى لو لم تكن مشهورةً ولا مسلّمة، وبعبارة أخرى أن تكون قضايا يضطرّ الإنسان بشعوره الفطري إلى إدراكها والتصديق بها، فهذا النحو من التفكير هو تفكير عقلي، وعندما يجري إعمال هذا التفكير العقلي في مجال كليات الرؤية الكونية، مثل التفكير في مبدأ الخلق ونهاية العالم وأهله، فإنّه يسمّى حينئذٍ بالفكر الفلسفي.

أمّا الجدل، فهو الحجّة التي تكون مقدّماتها ــ كلاً أو بعضاً ــ من المشهورات أو المسلّمات، تماماً كما هو الحاصل لدى أنصار الديانات والمذاهب السائدة؛ حيث نجد داخلها نظريات مذهبية يجري إثباتها عن طريق مسلّمات هذا المذهب أو ذاك.

وقد استخدم القرآن الكريم المنهجين معاً، فقد امتدح بأحكم وأقوى بيان جهود العقل الحرّ([59]).

يقول الطباطبائي: mتعتقد الشيعة ــ اعتماداًعلى الدلالة القرآنية وهداية الأخبار القطعية ــ أن هناك ثلاثة أمور معتبرة في المعارف والعقائد الإسلامية، يمكن العمل وفق كلّ واحدة منها، دون غيرها وهي: الكتاب، والسنّة القطعية، والعقل الصريحn([60]).

mهل يتسنّى للإنسان في كسبه المعارف والعلوم أن يخالف طبيعته فلا يمارس الاستدلال؟ إذ كيف تدعو الأديان السماوية والأنبياء والسفراء الإلهيون الناسَ لسبيلٍ يخالف فطرتهم وطبيعتهم، فيطالبونهم بالقبول بلا دليلٍ وحجة، ثم وفي نهاية المطاف يسوقونهم في مسيرٍ غير طبيعي ومضادّ للعقل؟ بل إن منهج الأنبياء في دعوة الناس للحقّ والحقيقة لا يختلف عن ما يسلكه الإنسان من سبيل الاستدلال المنطقي الصحيح، والفرق الوحيد الموجود إنّما هو في أنّ الأنبياء يستمدّون ما عندهم من مبدء غيبي، ويرتضعون من ثدي الوحي وضرعه، لكن مع هذا المقام السامي الذي عندهم، ومع هذا الارتباط الذي بينهم وبينه يتنـزّلون ويضعون أنفسهم في مستوى تفكير الناس، فيخاطبونهم على قدر عقولهم، ويطلبون منهم استخدام هذه القدرة الفطرية العامّة، أي الاستعانة بالاستدلال وتوظيف الدليل المحكم والمنطقي.

وعليه، فساحة الأنبياء أكثر تنـزّهاً عن أن تجبر الناس على الإقدام على أمورٍ بلا بصيرة ولا وعي، أو اتّباعهم اتّباعاً أعمى، وهناك يكون حديث الأنبياء مع الناس في دائرة وعيهم وإدراكهم، وحتى لو أتوا بمعجزة فإنهم يحتجّون في ذلك على أساس برهانٍ عقلي، فيثبتون دعواهم بالدلالة العقلية للمعجزات.

والقرآن الكريم شاهدُ ما ندّعيه؛ ذلك أنه عندما كان يتحدّث عن المبدأ والمعاد، وسائر مسائل ماوراء الطبيعة، ثم يدعو المجتمع البشري لقبول ذلك، فهو لا يستخدم سوى سبيل الاستدلال وتقديم الدليل الواضح، ولا يقنع بغير البرهان والدليل.

إنّ القرآن يمتدح العلم واستقلال الفهم والنظر، فيما يقبّح الجهل والتقليد الأعمى، ويذمّهما بشدّة في آياته.. وليس للدين من هدفٍ سوى نيل الناس لحقائق عالم ما وراء الطبيعة، أي الفلسفة الإلهية، بمعونة الاستدلال وبسلاح منطق العقل، وبقوّة البرهان الذي تجهّزوا به بالفطرة والطبيعةn([61]).

ويرى العلامة الطباطبائي أن المقولة الأخبارية التي تقول: mإذا كانت مقدّمات قياسٍ ما غير مستفادة من الشرع لم تكن النتيجة حجّةً فيه، وأن النتائج التي يمكن قبولها هي ــ فقط ــ التي تصل عبر الدين والروايات دون النتائج العقلية؛ لعدم كونها معتبرةn مقولةٌ لا أساس لها؛ ذلك أن العقل لا يرى فرقاً بين أنواع المقدّمات في اعتماده على المقدّمات البرهانية، فإذا ما قام البرهان على شيء أُلزم العقل بقبوله([62]).

2 ـ مصادر العقيدة الدينية ـــــــ

الحجّة المعتبرة في العقائديات ثلاثة: الكتاب، والسنّة القطعية اليقينية، والعقل الصريح([63])، ولا حجيّة لخبر الواحد في هذا المجال، ذلك أن دائرة حجيّته محصورة بمجال الفقه فقط، أما في العقائديات فاليقين هو الحجّة بنصّ القرآن الكريم، وخبر الواحد لا يفيد ــ لوحده ــ سوى الظن، من هنا لا يمكنه أن يكون مستنداً للمسائل العقائدية([64])، ولا يعني ذلك إطلاقاً عدم الاهتمام بالمعصوم أو ترك الاكتراث به، بقدر ما المهم أن نتأكّد من أنّ هذه الرواية قد صدرت حتماً عنه أم لا؟ الأمر الذي يعجزُ خبر الواحد عن إثباته([65]).

3 ـ القرآن محور المعرفة الدينية ـــــــ

يعدّ القرآن الكريم في فكر العلامة الطباطبائي المحورَ الرئيس، فالمصدر الوحيد الذي يعتمد عليه الإسلام هو القرآن، وهو المستند القطعي للنبوّة المحمدية عموماً ودوماً([66])، وهو مصدر الفكر الديني، وظواهره الدلالية حجّة معتبرة([67])، وهذا القرآن هو الذي يمنح سائر مصادر المعرفة الدينية حجيّتها واعتبارها، من هنا كان لا بدّ أن يكون قابلاً للفهم على المستوى العامّ للناس.

إضافةً إلى ذلك، فالقرآن نور ومبيّن للأشياء كافّة، وهو في سياق تحدّي الناس دعاهم إلى التدبر في آياته ليروا أنه لا يوجد فيه أيّ اختلاف أو تناقض، وإذا ما كان يمكنهم الإتيان بمثله فليفعلوا ذلك، وعليه، فإذا كان القرآن عصيّاً على فهم الجميع، فما هو معنى هذا الكلام الموجّه للناس من جانبه نفسه؟!([68])

يكتب الطباطبائي ــ رادّاً مزاعم الأخباريين في نفي حجية ظواهر الكتاب ــ فيقول: mذهب بعضهم إلى أنه لفهم مراد القرآن لابدّ من الرجوع ــ فقط ــ إلى بيان النبي2 وأهل بيته (، إلا أن هذا الكلام غير مقبول؛ ذلك أنّ حجيّة بيان النبي2 وأئمة أهل البيت ( لا بد من استخراجها من القرآن الكريم نفسه، وعليه، فكيف يتصوّر توقف دلالة القرآن على بيانهم (، فيما المفترض التمسّك بالكتاب لإثبات أصل الرسالة والإمامة، فالقرآن هو سند النبوّة.

نعم، لا منافاة بين هذا الكلام وبين القول بأنّ النبي 2 والأئمة ( متكفّلين ببيان جزئيات القوانين وتفاصيل أحكام الشريعة التي لا نحصل عليها من الرجوع إلى ظواهر القرآن المجيد.. وبموجب الآيات المتعدّدة فالنبي يبيّن جزئيات الشريعة وتفاصيلها، وهو المعلّم الإلهي للقرآن المجيد، كما أنّه بموجب حديث الثقلين المتواتر، فقد نصب النبي 2 أئمة أهل البيت خلفاء من بعده، وهذا ما لا ينافي قدرة الآخرين ــ بإعمال سلائقهم التي تعلّموها من المعلّمين الحقيقيين ــ على تفسير القرآن وفهم مراداته من ظواهرهn([69]).

وخلاصة القول: يرى الأخباريون أن اعتبار فهمنا وحجيّته يحتاج إلى الروايات، أما عند العلامة الطباطبائي فإن الروايات برمّتها تحتاج في حجيّتها إلى عرضها على الكتاب وعدم منافاتها له، وإلا فالروايات المخالفة للقرآن ساقطةٌ عن الاعتبار، فظواهر القرآن حجّة للجميع وعليهم، ولا اختصاص لها بالأئمة (، نعم، هناك بطون للقرآن لا يستوعبها المستوى العام للناس، بل إنّ بعض هذه البطون مخصوصٌ بالراسخين في العلم، من هنا يرى الطباطبائي أنّ حجية العقل الصريح والسنّة القطعية في الفكر الديني ترجع إلى حجيّة الكتاب([70]).

4 ـ عدم تحريف القرآن ـــــــ

القرآن المجيد هو سند النبوّة، ومعجزة الرسول 2 الخالدة، فلا تحريف فيه إطلاقاً، لا بالزيادة ولا بالنقيصة، وحيث كان هذا الموضوع قائماً على الأدلّة والشواهد العقلية والنقلية اليقينية، فلا اعتبار بأخبار الآحاد التي تقع هنا على خلاف الضرورة الدينية.

ويرى الطباطبائي أنّ الأخبار التي وردت ــ بشكلٍ من الأشكال ــ في مباحث التحريف تقع على فئتين:

أ ــ الأخبار التي لا دلالة لها على التحريف، وإنما تحكي عن أنّ تفسير القرآن الذي كان عند الأئمة ونقلوه عن رسول الله 2 ليس مطابقاً لما بأيدينا اليوم، إذ من الواضح أنّ هناك فرقاً بين القرآن نفسه وبين تفسيره، أو أنّها تحدّثنا عن أنّ العلم بتمام معاني الكتاب وبطونه إنما هو عند الأئمة (، فالعلم بالكتاب هو المنحصر بهم، لا لفظ الكتاب ونصّه.

ب ــ الأخبار الدالّة على تحريف القرآن لفظياً، ولا تقبل الحمل على المعاني المشار إليها في النقطة السالفة، وهذه الأخبار مجعولة موضوعة، لم تصدر عن الأئمة(([71]).

5 ـ عدم حجيّة الإجماع في علم الكلام ـــــــ

لا حجيّة للإجماع في المسائل العقائدية؛ ذلك أنّ حجية الإجماع إنما هي من باب خبر الواحد أو في حكم خبر الواحد؛ وخبرُ الواحد لا يفيد أكثر من الظنّ، فيما المطلوب في الأصول الاعتقادية تحصيل اليقين، من هنا لم يكن للإجماع في العقائد اعتبار، نعم، له اعتبارٌ في الأحكام الفقهية([72])، وعلى هذا الأساس، يحصر الطباطبائي حجيّة الإجماع وإمكانه في نطاق البحث الفقهي فقط.

6 ـ الموقف من الروايات وأخبار الآحاد ـــــــ

أما رأي العلامة الطباطبائي في الروايات نفسها، فهو واضحٌ وجلي، فأهل البيت( عنده، هم شرّاح أسلوب القرآن وطريقة تعليمه، كما أنهم المرجع العلمي في جزئيات الأحكام، وقولُهم وفعلهم وتقريرهم حجّة ومعتبر، يقول: انشغل الشيعة ــ طبقاً لتعاليم أهل البيت ( ــ بضبط الأخبار النبوية وروايات أهل البيت (، فحصلوا في القرون الهجرية الثلاثة الأولى على عشرات آلاف الأحاديث في الفنون الإسلامية المختلفة، ثمّ وضعوها في مئات بل آلاف المصنّفات (كتاب أو أصل)، رغم أن كثيراً منها قد ضاع نتيجة عدم مساعدة الظروف آنذاك وعدم ملائمة أوضاع الحكومة، في ظلّ محيطٍ من الظلم والقهر والتعذيب، تحت السيف والسوط، لكن مع ذلك حفظوا عشرات آلاف الأحاديث الكافية في الفنون الإسلامية على مستوى كليّات الموضوعات، كما أنّ ذلك كان رغم وجود الأيدي الخبيثة، كما جرى في أخبار أهل السنّة حيث دسّوا وحرّفوا وجعلوا الكثير من الأحاديث، إلاّ أنّ الشيعة ــ وطبقاً لأوامر أهل البيت ( ــ عملوا بالأمر النبوي في هذا لمجال، فعرضوا صحيح الحديث وسقيمه على الكتاب، مميّزين بينهما بذلك([73]).

إن كلمات النبي 2 والأئمة متكفّلة لبيان تفاصيل الأحكام التي جاءت كليّاتها في القرآن الكريم، أما الروايات العقائدية والأخلاقية، فقد علّمتنا منهج الرجوع إلى القرآن، رغم أن مضامين الآيات في هذا المجال كان ميسوراً فهمه لعموم الناس([74]).

والحديث الذي يسمع من النبي 2 أو الأئمة (، فله حكم القرآن، أمّا ما يصل عبر وسائط، فإنّ المنهج الشيعي في التعامل معه يقع على الشكل التالي:

أ ــ في المعارف العقائدية، حيث يلزم ــ بنصّ القرآن ــ تحصيل العلم واليقين، يُعمل بالخبر المتواتر أو الخبر المحفوف بالشواهد اليقينية على صحّته، أما غير هذين القسمين ــ وهو المسمّى بخبر الواحد ــ فلا اعتبار له هنا.

ب ــ على مستوى استنباط الأحكام الشرعية، ونظراً للأدلّة المقامة في هذا المجال، يمكن الاعتماد على الخبر المتواتر، وكذا الخبر الآحادي القطعي الذي يفيد وثوقاً نوعياً، إذاً فالخبر المتواتر وكذا الخبر القطعي حجّة يجب اتباعها عند الشيعة مطلقاً، أما خبر الواحد غير القطعي فيجوز العمل به إذا أفاد الوثوق النوعي في خصوص الأحكام الشرعية لا مطلقاً([75]).

ويخوض الطباطبائي برؤية معمّقة في تاريخ الحديث ومكانته في الفكر الإسلامي فيقول: لا نقاش بين الشيعة وسائر المسلمين في اعتبار أساس الحديث الذي أمضاه القرآن، إلا أنه وعلى إثر التفريط الذي مارسه حكّام صدر الإسلام في حفظ الحديث، والإفراط الذي صدر من الصحابة والتابعين في أهميّة العمل بالحديث، فقد لقي الحديث مصيراً مؤسفاً، حتى بلغت الحال أن صار الحديث حاكماً ومقدّماً على القرآن، بل قد يُنسخ حكم آيةٍ بالحديث، وقد تلبّس بعض الغرباء بلباس الإسلام وعمل أعداء الإسلام على وضع الحديث ودسّه وجعله وتغييره، مما أطاح بوثوق الأحاديث واعتبارها؛ لهذا فتّش علماء الدين عن مخلص لهذا الوضع القائم؛ فأشادوا علم الرجال وعلم الدراية.

أما الشيعة، فإضافةً إلى ضرورة تنقيح السند عندهم، اعتبروا أنه من الضروري مطابقة متن الحديث مع القرآن، ورأوا أنّ الأحاديث ــ وفقاً لذلك ــ على طوائف ثلاث هي:

أ ــ الأحاديث الموافقة للكتاب وهي التي كانوا يعملون بها.

ب ــ الأحاديث المخالفة للقرآن، وكانوا لا يعملون بها.

ج ــ الأحاديث التي لا يتحدّد مدى موافقتها أو مخالفتها للكتاب الكريم، وقد تركوا هذه الأحاديث وجعلوها في عداد المسكوت عنه.

وهنا، يشير الطباطبائي لفريقٍ من الشيعة يراهم مثل أهل الحديث عند السنّة، يعملون بكلّ حديث وصل إليهم([76]).

ويرى الطباطبائي بعض مواضع بحار الأنوار، ممّا جاءت فيه أحاديث يعدّها ــ بضرس قاطع ــ من المخالف للقرآن أو العقل، وأنها محرّفةً مجعولة([77])، ولا يرى فرقاً في ضرورة البحث عن السند والمتن معاً بين الكتب الأربعة وغيرها، من هنا؛ لا يعتبر أنّ هذه الروايات ــ ودون إعمال البحث والتنقيب المذكور فيها ــ حجة يلزم العمل بها.

7 ـ تدهور علم الحديث في التراث الإسلامي ـــــــ

يرى العلامة الطباطبائي أنّ المعارف الإلهية أرفعُ العلوم؛ ذلك أن شرف العلوم عنده يتبع شرف موضوعها، والله سبحانه أشرف الموضوعات وكلامه أقدس الكلام، وفهم كلامه أفضل العلوم([78])، ويرى الطباطبائي أن علم الحديث قد سقط عن قيمته الواقعيّة عند أهل السنّة، وأن أسباب هذا الانحطاط يرجع إلى عدّة أمور هي:

أ ــ نفوذ سلسلة من الخرافات والأحاديث الموضوعة، لا سيما في مجال التفسير، وتاريخ الأنبياء والأمم الماضية، وكذا وقائع صدر الإسلام، وفيها ما لا يمكن لعقلٍ سليم أن يقبله([79]).

ب ــ انحراف الحديث عن مسيره الطبيعي تحت تأثير مجموعة عوامل وظروف مرّت عليه في تاريخ الإسلام، فسلبت منه الروح الحيّة لديانة إلهية، ليمنح دور مؤسّسة اجتماعية عادية ذات نفوذ.

ج ــ ترك علم الحديث ــ وبسبب العوامل المشار إليها ــ حالةً من الجمود والركود، في سائر العلوم الإسلامية، الأمر الذي غدا باعثاً على الحؤول دون حريّة النقد والبحث النقدي، ومن جملة هذه العلوم كان علم التفسير؛ حيث اختُزل بأقوال الصحابة والتابعين والآراء اللغوية، كما أنّ منها علم الكلام، حيث كان متدنّي المستوى إلى حدّ غدا فيه عواميّاً، بل تحوّلت عقائد العامّة إلى حقائق إسلامية عقدية، ليهبّ المسلمون للدفاع عنها، حتى أنّ بعضهم يفتخر بالقول: إنّ لدينا عقائد عامية بسيطة، وحصيلة القول: إنّ الاعتقاد غدا معتمداً على تقليد رجال المذهب، فيما غدا البحث العلمي والاستدلالي المنطقي مجرّد تسلية أو تمضية للوقت أو تدريبٍ للذهن أو..

وأبسط نتيجة غير مستساغة لهذا النمط العلمي أن جعل أهلُ كلّ مذهب إجماعات مذهبهم ومسلّماته من الضروريات، فيما عدّوا الآخرين الذين لا يعتقدون بمسلّماتهم منكرين للضروري وأهل بدعةٍ وابتداع([80]).

إنّ هذه المضامين رغم ارتباطها بأهل السنّة، إلا أنها انتشرت في أوساط المسلمين لتغطي مساحة العالم الإسلامي كلّه، والمذاهب الإسلامية برمّتها.

8 ـ تعدّد الدرجات الدلالية في النص الديني ـــــــ

للعلامة الطباطبائي في علم الحديث بناءٌ معرفي دقيق، وهو أنّ معاني الروايات ليست على مستوى واحد، ورغم أنّ أكثر الأخبار جاءت جواباً لأسئلة من عامّة الناس وكانت بحيث يفهمها عوامهم، إلا أنّه كان في باطنها غُرَرٌ لا ينالها إلا الأفهام العالية والعقول الخالصة. إن وقوع تمام الأخبار في مرتبةٍ واحدة، هي مرتبة فهم العوام، يؤدّي إلى اختلاط المعارف الرفيعة للأئمة ( وتنـزّلها إلى منـزلةٍ ليست من شأنها، كما أن البيانات العادية البسيطة الصادرة منهم تفقد قيمتها بعدم تميّزها، فلم يكن الرواة والسائلون جميعاً على مستوى واحد من الفهم والإدراك، كما أنّ الحقائق أيضاً ليست على نسقٍ واحد من اللطافة والدقة، فكتاب الله وسنّة رسوله مشحونان بهذا المضمون، وهو أن الكلمات الدينية الحاوية للمعارف الإيمانية ذات مراتب متعدّدة، وأنّ لفهم كلّ مرتبةٍ منها شريحة أو فئة من الناس، وإلغاء أو التغافل عن هذه المراتب يوجب تلاشي المعارف الحقيقية وزوالها([81]).

يرى الطباطبائي أن الخطأ الذي وقع فيه المجلسي كان في عدم التفاته إلى هذا الأمر، فظنّ أن تمام الروايات يقع على مستوى واحد من الفهم والتفسير، ألا وهو مستوى العامّة من الناس، ففسّر النصوص بلغتهم، فلم يفهم تلك الغرر والمختارات فهماً كاملاً؛ فظُلمت بذلك هذه الروايات وأنقص حقها..

إن هذا الكلام الذي يقوله الطباطبائي هنا بالضبط شكّل تعليقةً من تعليقتين له على البحار سببتا إيقاف تعليقاته على هذا الكتاب إثر الضغوطات التي مورست عليه.

ويسعى الطباطبائي في كلّ باب من أبواب البحار لاختيار رواية محورية ومفتاحية يسمّيها غُرر الروايات، جاهداً في إعادة بناء المعارف التي تقدّمها هذه الرواية عبر تناول سائر الروايات التي تشترك معها، وقد فتح بهذا المنهج التفسيري بإرجاع الروايات إلى مشابهاتها باباً لتفسير الأحاديث، في عملٍ يُشبه ما فعله في كتابه: الميزان، من تفسير القرآن بالقرآن([82]).

9 ـ تعارض العقل والنقل ـــــــ

تشرّف البروفسور هنري كوربان، المستشرق الفرنسي الشهير عدّة مرات بزيارة العلامة الطباطبائي في مدينتي: قم وطهران، للانتهال من علمه وفكره، وكان من جملة ما سأله ما يلي: ماذا تفعلون عندما يظهر الاختلاف بين العقل والنقل (الكتاب والسنّة)؟ فأجابه العلامة: عندما يصرّح الكتاب بإمضاء نظر العقل فإنه يكون قد منحه الحجية، ومن ثم فلن يكون هناك اختلاف بينهما بعد ذلك، كما أن البرهان العقلي يعطي النتيجة عينها في مجال فرض حقيقة الكتاب، ذلك أن فرض أمرين واقعيين متناقضين لا يمكن تصوّره، ولو فرض أحياناً تعارض الدليل العقلي القطعي مع الدليل النقلي، فحيث كانت الدلالة النقلية قد وصلتنا عبر الظهور الظنّي للفظ، فإنها لن تعارض الدليل القطعي الدلالة حينئذٍ، ومن ثم فلن يكون هناك موردٌ لمثل هذا الاختلاف.

ويشكل كوربان على العلامة بأنّ تقدّم الروح على البدن غير متصوّر عقلاً، والحال أن النقل يؤكّد أن الروح خُلقت قبل البدن، لكن الطباطبائي يجيبه بالقول: mإنّ خلق الروح قبل البدن غير مذكور في القرآن الكريم، وإنّما ورد في الحديث الشريف، وهذه الأحاديث المذكورة من أخبار الآحاد ــ حسب تصريح أهل الفنّ ــ ونحن لا نعمل بالآحاد في أصول العقائد إلا إذا احتفّت بقرينةٍ قطعية، ومن الواضح أن قيام الحجّة القطعية على خلاف مدلول الخبر يفقده القرينة القطعية على السند والدلالة، نعم، نحن لا نطرح هذه الروايات، وإنما نأوّلها بوجهٍ صحيح قدر الإمكان، أما مع عدم الإمكان فنتركها مسكوتاً عنهاn([83]).

وأهمّ تعليقات العلامة الطباطبائي على بحار الأنوار، والتي دفعت إلى عدم نشر تعليقاته، كانت تعليقته على موضوع تعارض العقل والنقل، فبعد ردّ العلامة المجلسي القول بالعقول المجرّدة ــ تحت عنوان أن تجرّد العقول محال عقلاً وأنّ التجرّد خاصّ بواجب الوجود، وأن كلام الفلاسفة هنا فضول من القول ــ يكتب بعد أسطر أنه من الممكن أن يكون المراد بالعقل نور النبي 2، وهو النور الذي تنشعب منه أنوار الأئمة (، أي أن ما عدّه المجلسي محالاً عقلاً صار ممكناً بوضع اسم النبي والأئمة عليه([84]).

وهنا يعلّق الطباطبائي على هذا الكلام بالقول: إن رجوع الفلاسفة إلى الأدلّة العقلية ليس فضولاً، بل قد أثبتوا ــ أولاً ــ توقف حجية الظواهر الدينية على البراهين التي يقيمها العقل، والعقل لا فرق عنده في اعتماده على المقدّمات البرهانية بين مقدّمةٍ وأخرى، وعليه فإذا أقيم البرهان على أمرٍ ما فعلى العقل الإذعان مضطرّاً لقبوله، كما أن الظواهر الدينية متوقفة ــ ثانياً ــ على الظهور الموجود في اللفظ، وهذا الظهور دليلٌ ظني، والظنّ لا يمكنه مقاومة العلم واليقين الحاصلين من إقامة البرهان على شيء.

أما مسألة عدم التمسّك بالبرهان العقلي في مسائل أصول الدين، ثم عزل العقل في أخبار الآحاد الواردة في المعارف العقلية وعدم العمل به، فهو من قبيل إبطال المقدّمة بسبب النتيجة التي تستنتج من هذه المقدّمة عينها، وهو تناقض صريح.

وعليه، فإذا أرادت هذه الظواهر إبطال حكم العقل، فهي تبطل حكمها ــ أولاً ــ حيث تستند حجيّتها إلى حكم العقل نفسه، والسبيل القويم وطريق الاحتياط يستدعي من غير المتبحّرين في الأبحاث العقلية العميقة العملَ بظواهر الكتاب وظواهر الأخبار المستفيضة، وأن يرجعوا العلم بواقع الأمر إلى الله تعالى، دون الخوض في المباحث العقلية العميقة، لا سلباً ولا إيجاباً، أما إيجاباً فلأنّ في ذلك مظنّة الضلال والتيه والهلاك الدائم، وأما سلباً فلما فيه من منقصة القول بلا علم، ومساندة الدين بما لا يرضاه الله والابتلاء بتناقض الآراء، تماماً كما حصل مع المجلسي، ذلك أنه لم يورد أيّ إشكال على آراء أهل الرأي إلا وتورّط هو نفسه به أو وقع فيما هو أشدّ منه، وأوّل تلك المسائل مسألة المجرّدات العقلية التي طعن فيها على الحكماء الإلهيين فيما أثبت تمام آثار التجرّد لأنوار النبي 2 والأئمة (، دون أن يلتفت إلى أنه لو كان تحقّق موجودٍ مجرّد في الخارج غير الله تعالى محالاً فإن هذا الحكم لا يتغيّر بتغيّر الأسماء، ولا يحدث أيّ تغيير في الاستحالة بمجرّد تبديل اسم العقل المجرّد باسم النور والطينة وأمثال ذلك([85]).

ويعلّق الطباطبائي على كلام العلامة المجلسي الذي توهّم فيه أن الروايات سدّت باب العقل بعد معرفة الإمام، وأمرت بأخذ تمام الأشياء منهم ( فيما نهت عن الاعتماد على العقول الناقصة مطلقاً وفي جميع الأبواب.. يعلّق الطباطبائي بأن هذا الرأي للأخباريين وغيرهم من أعجب الأخطاء؛ ذلك أن إبطال حكم العقل بعد معرفة الإمام ملازمٌ لإبطال التوحيد والنبوّة والإمامة وسائر العقائد الدينية، فكيف يمكن أخذ نتيجةٍ ما من العقل ثم إبطال حكم العقل نفسه بهذه النتيجة عينها، والحال أننا ما زلنا نصدّق بهذه النتيجة؟!

فإذا كان مراد العلامة المجلسي هنا صدق حكم العقل بشرط أن يعطينا نتيجةً شرعية، ثم بعد ذلك يُسدّ بابه، فهذا معناه تبعيّة حكمه لحكم النقل وفساد هذا الأمر أكبر، وفي الحقيقة فالمراد من تمام هذه الأخبار النهي عن متابعة العقليات عندما لا يستطيع الباحث تمييز المقدّمات الحقّة عن المقدّمات المشكوكة الباطلة([86]).

وطبقاً لذلك، لا تعارض ــ عند العلامة الطباطبائي ــ بين العقل والدين بتاتاً؛ ذلك أنّ الدين جاء من ذاك الإله عينه الذي خلق العقل، فإذا كانت الظواهر الدينية مخالفةً لحكم العقل القطعي كان العقل القطعي نفسه قرينةً وشاهداً على عدم إرادة هذا الظاهر، مما يُلزم بالتأويل، وإذا لم يكن هذا التأويل ممكناً لزم طرح ذلك الظاهر الديني، أي الرواية الواحدة الظنية. نعم، هذه الرواية التي يقدّمها لنا الطباطبائي مختصّة عنده بغير الفقه، أما في الفقه، فالأمر مختلف؛ حيث ثبتت فيه حجية خبر الواحد الموثوق، وندرة الأحكام العقلية القطعية نوعاً في مجاله، الأمر الذي يحدّ جداً من وقوع هذه المعارضة، ولا أقلّ من أنّ هذا الجانب لم يكن منظوراً للطباطبائي، فدراسته كانت مركّزةً ــ نوعاً ــ على قسم العقائد الدينية([87]).

10 ـ الموقف من الفلاسفة ـــــــ

كان الطباطبائي مدافعاً منصفاً عن العرفاء والحكماء، فإضافةً إلى المباحث المستقلّة التي تقدّمت، يسجّل الطباطبائي في نقده لكلمات المجلسي في معنى العقل، أن اشتباه الأخير في تفسير العقل منبثقٌ من عاملين، من بينهما سوء الظنّ بالباحثين المعنيين بالدراسات العقلية عبر استخدام العقل والبرهان([88]).

وإضافةً إلى مصنّفات الطباطبائي القيّمة في المجال الفلسفي، فقد دافع في مطاوي أعماله الأخرى عن الحكمة والفلسفة، معلناً بصراحة: أن الفلسفة لا تقبل نفيها أو إقصائها، بل الدين نفسه غير قادر على فعل ذلك!

mفليس هناك أيّ دينٍ أو منهج نظري آخر، ولا بأيّ طريق، قادر على إلغاء حجيّة العقل القطعي وصواب البحث الفلسفي؛ ذلك أن هذا السهم سيرتدّ إلى جذوره، وحقّانية الدين تبطل بنفسها، وهي مضطرّة لتأمين نفسها عبر هذا السبيل، نعم، إنّ هذا لا يعني صحّة كل ما وصلنا من الماضين في هذا المجال، وليس هذا خاصّاً بالفلسفة، بل إنه يجري في سائر العلوم النظرية أيضاً، وما لم يصل موضوع ما إلى حدّ البداهة فسيكون هذا حاله ومصيره.. إضافة إلى أن إبطال الفلسفة وإقصائها هو بنفسه بحث فلسفيn([89]).

لقد كان الطباطبائي عالماً حرّاً في تفكيره وباحثاً محقّقاً، يكتب مجيباً عن أحد الإشكالات: mإن حُسن الظنّ بالعلماء واحترام شخصيّتهم الدينية أمر، واتّباع نظريّاتهم العلمية وأفكارهم العقلية شيء آخر، فمثل هذه المسائل لا تقبل التقليد، حتى كلّما وصلنا إلى مسألةٍ ما حملت مخالفة العلماء مثل قميص عثمان، ليتمّ تجييش مجموعةٍ من البسطاء ضدّه، كما أن نسبة المخالفة إلى علماء الإسلام قصّة طويلة واضطراب من نوع آخر، ذلك أنّ علماء الفقه والأصول وغيرهما لا يبحثون في أصول المعارف والعقائد، والمتكلّمون وحدهم هم من يعمل على هذه الموضوعات، ويخالفون في الوقت عينه الفلسفة، كما وهناك أيضاً متكلّمون ليسوا من ذوي الفنّين، فهم ليسوا مثل الخواجة نصير الدين الطوسي والعلامة الحلي من أهل التصنيف في العلمين، وعليه يصبح معنى مخالفة الفلاسفة لعلماء الإسلام هو أن عدداً من العلماء اختلفوا مع عدد آخر في منهج التعامل مع سلسلة من الموضوعات والنظريات العقلية، فما هي ضرورة وما هو وجه هذه الفوضى والغوغاء هنا؟!n([90])

ويرى العلامة الطباطبائي أن الاشتغال بالعلوم العقلية كان بغية تدعيم وترسيخ الأسس الدينية للإسلام، وتحقيق الأهداف الدينية([91])، ففلسفة اليونان عنده رغم أنها كانت ــ في بدو أمرها ــ لسدّ أبواب أهل البيت (، إلا أن هذا الهدف غير المبرّر للحكومات القائمة آنذاك وسوء استفادتها من الترجمات وإشاعة الأدب هل يجعلنا في غنى عن مباحث الإلهيات؟ وهل يستدعي ذلك تجنّب الاشتغال بهذه المسائل؟ إن مباحث الإلهيات تمثل مجموعةً من الأبحاث العقلية المحضة التي تقع نتيجتها في صراط إثبات الصانع والبرهنة على واجب الوجود، والوحدانية، وسائر الصفات الكمالية له، كما ولوازم وجوده من النبوّة والمعاد، وهذه هي المسائل المسمّاة بأصول الدين والتي يلزم إثباتها ــ بدايةً ــ عن طريق العقل؛ حتى يتوفر بذلك إثبات حجية تفاصيل الكتاب والسنّة، وإلا فإن الاستدلال والاحتجاج لإثبات حجيّة الكتاب والسنّة بعين الكتاب والسنّة احتجاج دوري وباطل، بل حتى المسائل المعدّة من أصول الدين مثل وجود الله، ووحدانيته، وربوبيته مما جاء في الكتاب والسنّة إنما تثبت عبر سبيل العقل والاستدلال العقلي.. إنّ وجود العقائد الإلهية في الكتاب والسنّة لا يغنينا عن وضع علمٍ خاص بهذه المسائل على مستوى رفيع([92]).

ويذهب العلامة الطباطبائي إلى أن المعارف والعقائد الحقيقية الموجودة في الكتاب والسنّة بلغة بسيطة وعامّة هي عينها المعارف والعقائد الحقيقية التي يُتوصّل إليها عبر المباحث العقلية، والتي جرى الحديث هنا بلغة علمية ووسط اصطلاحات علمية، والفرق بين المرحلتين ليس سوى عمومية اللغة وبساطتها من جهة، وخصوصيتها وعلميتها وفنيّتها من جهة ثانية، لا أن البيانات الدينية أكثر فصاحةً وبلاغة([93]).

ويرى العلامة الطباطبائي أن المنهج الفلسفي الشيعي هو ما نجد له نماذج عديدة في الكتاب والسنّة، نعم، وخلافاً لأوهام جماعة، لا يراد من البحث الفلسفي جمع آراء أرسطو وأفلاطون وسقراط بطريقة تقليدية عمياء دون نقدها أو مناقشتها، كما يحصل في المباحث المذهبية؛ حيث تتخذ آراء الرجال في كلّ مذهب مسلّمات يجب الإذعان بها، وتكون حجةً يحتجّ بها؛ ذلك أن هذا التفسير للبحث الفلسفي يصيّره بحثاً كلامياً لا فلسفياً، فالقيمة في البحث الفلسفي للنظر والتفكير، لا للرجال وأصحاب الرأي، ولا يمكن إطلاقاً أن يكون لأيّ نظريةٍ فلسفية وقعٌ وتأثير وقيمة بسبب انتسابها إلى شخصيةٍ ما ــ هي صاحبتها ــ كائنةً من كانت، ومهما كان أنصارها، حتى لو بلغوا حدّ الإجماع والاتفاق، بل كانوا يشتملون الناس جميعاً من الماضين والآتين([94]).

ومن وجهة نظر العلامة الطباطبائي، ثمّة آيات وروايات لا تُحصى صيغت ونسجت بسبكٍ فلسفي، فالإمام الأوّل عند الشيعة علي % هو من فتح هذا الطريق في الإسلام، والحال أن من مجموع اثني عشر ألف صحابي ممّن نقلت عنهم روايات لا نجد ــ ولو حديثاً واحداً ــ بهذا المضمون لهم، فالكثير من كلماته % إنما فُهمت بعد مرور قرون من الزمن (القرن الحادي عشر الهجري، انطلاقاً من منهج الحكمة المتعالية)، كما أنّ الإمام السادس والثامن من أئمة الشيعة تشاهد في المنقول عنهم مطالب كثيرة في هذا المجال، والعنصر المؤثر في ظهور التفكير الفلسفي والعقلي في وسط الشيعة وعبرهم في أوساط الآخرين هو تلك الذخائر العلمية لأهل البيت (، ويكفي هنا مقارنة هذه الذخائر بالكتب الفلسفية التي دوّنت بمرور التاريخ؛ إذ سنرى بالعيان أن الفلسفة تقترب يوماً فيوماً من تلك الذخائر العلمية، إلى أن نصل إلى القرن الحادي عشر الهجري تقريباً حيث نجد تطابقاً، والاختلاف لا يقع سوى على مستوى التعبير وأساليب العرض والبيان([95]).

11 ـ الموقف من العرفان والتصوّف ـــــــ

لا يرفض الطباطبائي العرفان، بل يراه أحد السُبُل الثلاثة التي تبلغ بنا الفكر والمعارف الدينية؛ لهذا يرى أنّ العارف يتلقّى العالم وظواهره كمرايا تكشف عن الواقع الثابت الجميل، حيث تكون لذّة إدراكها عظيمة جداً، لا تبلغها أيّ لذة ذات قيمة أو اعتبار، ومن الطبيعي أنّها تمنع عن اللذات الدنيوية الزائلة، وهذه هي الجذبة العرفانية التي توجّه الإنسان العارف بالله إلى العالم الأرقى والأسمى، وتجعل لحبّ الله في قلبه مكاناً وموطئاً، فينسى كلّ شيء، وتدفعه حالته هذه إلى عبادة الإله الذي لم يرَه، حيث يراه أوضح وأجلى من كل ما يُرى ويسمع.. إن العارف هو الإنسان الذي يعبد الله عن طريق العشق والمحبّة، لا رغبةً في ثواب ولا خوفاً من عقاب، وعليه، لا يصحّ أن يُجعل العرفان مذهباً في عرض سائر المذاهب الأخرى، إنما هو سبيل من سُبُل العبادة، وطريق لمعرفة حقائق الأديان في مقابل سبيل الظواهر الدلاليّة الدينية والتفكير العقلي([96]).

ويصرّح العلامة الطباطبائي بأنّ الإسلام دينٌ اجتماعي يُلغي تمام أشكال العزلة والرهبانية، ويرى أن تهذيب النفس وتكميل الإيمان ومعرفة الله إنما يكونان في بطن الاجتماع الإنساني وعبر مشاركة الآخرين، وإن الذين ربّاهم أئمة الهدى ( في صدر الإسلام كانت لديهم هذه التوجّهات أيضاً، مثل سلمان الفارسي وأويس القرني([97]).

إلا أن الطباطبائي لا يؤيّد المنهج الذي اتّبعه بعض المتظاهرين بالعرفان، حيث جعلوا سيرهم وسلوكهم ضمن آدابٍ ورسوم وعادات مخالفة لما جاء في الكتاب والسنّة، فاعتبروا الشريعة مقابلةً للطريقة، وانتهجوا نهج الذكر والتلقين والخرق والغناء والموسيقى؛ من هنا يعتقد الطباطبائي أنّ ما يمكن فهمه من المصادر الأصلية للإسلام مع مراعاة المعايير الشيعية النظرية مخالفٌ لهذا المنهج، ولا يمكن أبداً للنصوص الدينية ترك الإرشاد إلى مثل ذلك، أو إهمال إيضاح بعض البرامج المتعلّقة بذلك، أو صرف أيّ إنسان ــ كائناً من كان ــ عن واجباته ومحرّماته.. إن الكتاب والسنّة يرشداننا إلى عرفان النفس، ويدلاّننا على برامج ذلك وآلياته([98]).

12 ـ مسألة التقليد عند الطباطبائي ـــــــ

سبق أن قلنا: إنّ العلامة الطباطبائي قد ردّ التقليد في المسائل الاعتقادية وأصول الدين ردّاً شديداً، إلا أن ما يجلب النظر في أفكاره هو رؤيته لكيفية الاستدلال على لزوم التقليد في فروع الدين، حيث يرى أن تحصيل العلم بأصول الدين ــ ولو عبر الدليل الإجمالي ــ أمرٌ ميسورٌ للعموم، وداخلٌ تحت قدرتهم، إلا أن تحصيل العلم بتفاصيل الأحكام والقوانين الدينية عبر الاستنباط المعروف من المدارك الرئيسية للكتاب والسنّة (الفقه الإستدلالي)، ليس حرفة أيّ إنسان، ومن ثم فهو مقدور لبعضهم فحسب، ولم يشرّع في الإسلام حكم حرجي؛ من هنا، كان تحصيل العلم بالأحكام والقواين الدينية عبر الدليل واجباً كفائياً على بعض الناس ممن يملكون أهلية ذلك وقدرته، أما سائر الناس فتكون وظيفتهم، طبقاً للقاعدة العامة التي تستدعي رجوع الجاهل إلى العالم، وهي قاعدة الرجوع إلى أهل الخبرة، العودة إلى الأشخاص المذكورين ممّن يسمّون بالفقهاء والمجتهدين، وهذه العودة والرجوع هو ما يُطلق عليه اسم: التقليد.

نعم، هذا الرجوع إلى المجتهد مغايرٌ للتقليد في أصول العقائد، وهو الممنوع عنه بنصّ الآية الكريمة: >ولا تقف ما ليس لك به علم<، كما أنّ الشيعة لا تجيز التقليد الابتدائيّ للميت، إلا إذا عاد المقلّد إلى مجتهد حيّ ثم توفي فبقي يعمل على رأيه، وهذه المسألة من أهمّ عوامل نضارة الفقه الإسلامي عند الشيعة، حيث يواصل فريقٌ من الناس ــ عبر سلوك سبيل الاجتهاد ــ سعيهم في البحث في المسائل الفقهية([99]).

13 ـ رفع الحظر عن البحث في الصفات الإلهية و… ـــــــ

لا يمانع العلامة الطباطبائي ــ كسائر الفلاسفة والحكماء ــ من التفكير في صفات الله عزوجل، إنه يرى أنّ الصفات الذاتية منتزعة من مقام الذات، وهي عين الذات، كما أنّ كلّ واحدة منها عين الأخرى، وهو القول المشهور عند الحكماء، إلا أنّ هذه الصفات رغم الاتحاد المصداقي فيها لكنّها متفاوتة مفهوماً([100])، كما يذهب الطباطبائي إلى عدم انحصار المجرّدات في الله، فالعقول والنفوس والملائكة كلّها ــ عنده ــ مجرّدات عن المادة. وما سوى الله، ولو كان حادثاً ذاتياً، إلا أنّه يمكن أن يكون قديماً زمانياً، والاعتقاد بمثل هذه المسائل عنده لا يؤدّي إلى الكفر([101]).

14 ـ تعليقات جزئية على بحار الأنوار ـــــــ

ونشير أخيراً إلى بعض النقاط الجزئية الواردة في تعليقة العلامة الطباطبائي على بحار الأنوار، تستحقّ الوقوف عندها، وهي:

أ ــ إن المغفور له العلامة المجلسي، وبسبب عدم ممارسته البحث العقلي، بل وعدم تقديره له، ابتلي في مواضع متعدّدة بالتناقض، وقد أرشد الطباطبائي في تعليقاته إلى هذه التناقضات مستخدماً كمال الأدب، ومشيراً إلى الحلّ الصحيح لها([102]).

ب ــ يذكر الطباطبائي في بعض الموارد ــ ضمن تأييده لكلمات المجلسي وفهمه للنصوص ــ معاني أكثر دقةً للروايات([103]).

ج ــ يعتبر الطباطبائي أنّ بعض الاحتمالات التي طرحها المجلسي ضمن بعض الروايات بعيدة عن ساحة الدين وميدانه، مثل تشخيص الإمام % الحكم الديني عن طريق القرعة([104]).

د ــ ممّا يستحقّ التأمل هو اختلاف الرأي بين الطباطبائي والمجلسي في معنى الرزق([105])، وفي معنى نسبة المكر والإضلال والقبح إلى الله([106])، وفي معنى العلم الإلهي([107])، وفي معنى خالقية الإنسان لأفعاله([108])، وفي مصاديق الأشياء القديمة([109]).

ويشكل الطباطبائي على كلام المجلسي في قوله بعدم ورود نصّ ديني في مسألة عينيّة الصفات للذات، فيرى ذلك استدلالاً عجيباً([110])، ويرى المجلسي برهان النظم الوارد في بعض الروايات من أقوى الأدلّة على وجود الله، إلا أنّ الطباطبائي يسمّيه: أقرب الأدلّة([111])، وبين هذين التعبيرين اختلافٌ كبير.

هـ ــ يستنتج العلامة الطباطبائي ــ عبر منهج تفسير الروايات بالروايات ــ معاني أكثر دقةً منها([112]).

و ــ يمكن مشاهدة نماذج من تأثير المعارف الخارج ــ دينية على فهم النصوص الدينية في متن البحار وهوامشه وتعليقاته، ومن باب المثال يلاحظ تأثير الفلسفة على فهم ظواهر الروايات ومعانيها([113])، ودخالة الآراء الكلامية في هذا المضمار أيضاً([114]).

هذا، وقد ذكرتُ هذه الموارد بسردٍ مفهرس سريع؛ لاحتياج البحث فيها بالتفصيل إلى كتاب مستقل، إضافةً إلى أنّ هدفنا هنا ممارسة مطالعة معرفية ايبستمولوجية للموضوع، وبيان الآراء المفتاحية لهذين العالمين، وإلا فبيان موارد الاختلاف الجزئي يجعل المثنوي بحاجة إلى سبعين منّاً من الورق ([115]).

المحور الثالث: نظريّتا الطباطبائي والمجلسي في مسألة العقل والدين، قراءة تقويمية مقارنة ـــــــ

1 ــ يعدّ بحث العلاقة بين العقل والدين، أو العلم والدين، أو العقل والنقل، أو الوحي والعقل، من أهمّ وأشرف مباحث الفكر الإنساني، وقد حظي منذ زمن بعيد بتأملات المفكّرين ودراسات الباحثين، أمّا المفكرون اللادينيون فلم يتحفّظوا أو يشغلوا بالهم، حيث ارتبطوا بالعلم والعقل، رغم أنهم ــ ومن حيث لا يشعرون أحياناً ــ أخذوا بمقولات ميتافيزيقية غير مدروسة على طريقتهم.

وبحثنا هنا لا يدور حول هذا الفريق، بل يتركّز على المفكّرين الدينيين، الذين عقدوا قلوبهم ووجّهوها ناحية العلم والدين معاً، فهم من جهة متديّنون يعبدون الله، ويعتقدون بكلامه، ويسلّمون لأوامره وقوانينه، كما أنهم ــ من جهةٍ أخرى ــ مفكّرون، أصحاب عقل وعلم ومعرفة بالتجربة وبالفنّ أيضاً، وتلوح المشكلة من أنّ كلّ واحدٍ من هذين الطرفين، أي العقل والدين، يتجه نحو ناحية، ويدعو صاحبه إلى جهة، فيبقى القلب حيراناً، إلى أي ناحيةٍ يتّجه؟ فلا هو بالقادر على تخطّي المعتقدات، ولا بالمتمكّن من الدّوس بقدميه على العقل والعلم.

ووسط هذه المعركة الملتهبة، حكم فريقٌ بسدّ باب العقل وانسداده، فاعتبروا كلامه فضولاً وتطفّلاً، فذهبوا إلى سريان التعبّد في تمام المعارف والعقائد والأحكام، فيما عطّلوا العقل وشلّوا حركته، وقد سمّي هؤلاء بمسمّيات مثل: أهل الحديث، وأهل الظاهر، والأخباريين و..

على الخطّ الآخر، ذهب فريقٌ ثان إلى التزام منهج التأويل الكامل للفكر الديني طبقاً للمعطيات العقلية والعلمية، وفسّروا الدين دوماً بما يتناسب مع أيّ كشف جديد في ميدان المعرفة البشرية.

أما الفريق الثالث، فرفض المنهجين السالفين واعتبرهما معاً مخالفين للعقل والوحي، مطلِقاً طريقاً جديداً في هذا المجال، ويقول هذا الفريق بنظرية الفصل بين المعارف العقدية والمعارف العملية، كما يتبنّى أيضاً الفصل بين المعطيات القاطعة والحتمية للعلم والعقل وبين المعطيات الظنّية والاحتمالية والفرضية لهما، كما عمد هذا الفريق إلى ممارسة تشريح أكثر دقّةً للدين نفسه، فذهب إلى اعتبار ما يقابل العلم معرفةً دينية، أي معلوماتنا عن الدين، لا الدين نفسه، وهذه المعارف الدينية تنبعث من النصوص الدينية، والنصوص هذه لا تقع في مرتبةٍ واحدة، فبعضها يستند إلى الشارع سبحانه ويُسند إليه على نحو البتّ والجزم، وبعضها الآخر لا يحظى في ذلك سوى بالظن، والقسمان معاً إما أن يكونا في مجال الدلالة قطعيين أو أن يكون للاحتمال فيهما مجال على الصعيد نفسه، وكلّ واحد من هذه الشقوق له حكمه ووضعه الخاص.

والذي رأيناه في دراستنا هذه أن العلامة المجلسي يصنّف داخل الفريق الأول، فيما يندرج العلامة الطباطبائي في الفريق الثالث الأخير؛ فالعقل لا اعتبار له ــ عند المجلسي ــ إلا في مسألةٍ واحدة، وهي معرفة الإمام %، وبمعرفته يلزمنا أخذ كلّ شيء منه، ونظام التفكير وآلياته عند المجلسي واحدٌ قائم على أساس واحد أيضاً، ففي الكثير من الحالات يرى المجلسي أنّ الرواية تساوي كلام الإمام % ولا اختلاف بينها وبينه أصلاً، وحتى القرآن نفسه لا بدّ ــ عنده ــ من تفسيره عبر الأحاديث حتى يغدو قابلاً للفهم، إنه لا يشير لنا هل تلك الاحتمالات التي تطرّقت إلى النصّ القرآني وأدّت إلى إسقاط حجية ظواهره اللفظية تسري إلى ظواهر الروايات أم لا؟!

وهنا، لا بدّ من السؤال: إذا كانت معرفة الإمام تعتمد على حكم العقل، فكيف يأمر هذا الإمام بسدّ باب العقل نفسه؟! ألا يبطل بهذا الأمر الذي يتخذه، الأساسَ الذي قامت إمامته عليه؟

إن العلامة المجلسي يقع في خلطٍ عظيم عندما يوحّد بين عصمة الإمام % وعصمة الروايات الموجودة بين أيدينا، والمشكل يكمن هنا في أنّه كيف استطاع التأكّد من أنّ هذا الكلام الوارد في الرواية قد قاله الإمام حتماً (فنحن إذا قاله حتماً نسلّم)؟ هل يمكن في تمام المجالات ــ ومنها المجال العقائدي ــ الاعتماد على الظن والتخمين؟!

وفي مقابل المجلسي، نجد العلامة الطباطبائي يقدّم لنا فكراً منظّماً، إنه يرى أنّ العقل القطعي حجّة بذاته، وأنّ إثبات الله والنبي والإمام والمعاد إنما يكون عن طريقه، لا العكس، فالدين لم يساعد على إبطال رأي العقل، بل أيّده ودعمه، فالمعارف الكلية العقائدية معطيات عقلية، وما جاء في النصوص الدينية في هذا المجال إنّما كان إرشاداً إلى حكم العقل، فالعقل القطعي هو صاحب الميدان في المجال العقائدي.

وقد اعتقد الطباطبائي بوجود ثلاثة سُبُل للوصول إلى الفكر الديني، هي: الظواهر الدينية اللفظية، والعقل القطعي، وسبيل القلب، إنه يرى أن الظواهر الدينية حيث كانت بيانات لفظية ملقاة على الناس بأبسط لسان وتعبير، لهذا كانت متداولةً بين أيدي الناس، من هنا يفهم كلّ إنسان منها بمقدار طاقته واستعدادته، على خلاف السبيلين الآخرين حيث يختصّ كلّ واحدٍ منهما بفريقٍ من الناس، دون أن يكونا عامّين.

إضافةً إلى ذلك، يمكن عبر سبيل الظواهر النصيّة الدينية فهم أصول المعارف الإسلامية وفروعها، على خلاف السبيلين الآخرين؛ ذلك أنه وإن أمكن عن طريق العقل الوصول إلى المسائل العقائدية والأخلاقية وكليّات المسائل العملية، أي فروع الدين، إلا أنّ جزئيات الأحكام خارجة عن تحت سيطرته؛ لعدم قدرته على اكتشاف المصالح الخاصّة التي فيها، وهكذا الحال في سبيل تهذيب النفس، ذلك أنّ نتيجته انكشاف الحقائق، وهو علم موهوب من الله تعالى، إلا أنه لا يمكن تحديد نتائجه والحقائق الواصلة المنكشفة المشهودة عبر هذا الطريق([116])، كما أنّ هذا السبيل سبيلٌ شخصي لا يمكن كشفه للآخرين وإن كان معتبراً للشخص نفسه اعتباراً كاملاً.

وعلى أيّة حال، فالعلامة الطباطبائي يرى العقل في ميدان الاعتقادات مظفّراً ومنصوراً، كما أن الآية ذات الدلالة النصّية في مضمونها، وكذا الرواية المتواترة، في حكم العقل القطعي، وعلى هذا الأساس كلّه، يذهب الطباطبائي إلى عدم إمكان التعارض بين هذه السبل الثلاثة مطلقاً، كما لم يقع حتّى الآن تعارض بينها، فهو يرى العقل مقرّاً في مجال الفقه والعمل والأحكام بعدم القدرة على تحديد المصالح والمفاسد للكثير من الأحكام، وأن النبي والإمام هما فقط من يدركها، لهذا يضع نفسه تحت تصرّفهما في هذا المضمار، ومن هنا كان الظفر في هذا الميدان للدّين.

وبعبارةٍ أخرى، لا تعارض أبداً في هذين الميدانين ولم يقع إطلاقاً، ففي أحدهما كان فارس الميدان هو العقل القطعي وإلى جانبه ما وافقه من نصوص الآيات والروايات المتواترة القطعية الدلالة، أما في الثاني فالآيات والروايات المعتبرة، ولو كانت ظنيةً هي الفارس، أمّا العقل فلا سبيل له إلى هناك حتى يعارض غيره.

ويرى الطباطبائي، أن الأصل لصالح القرآن في مجال الفكر الديني، وأنّه هو سند الدين وأساس أيّ فكرٍ في الإسلام، إنه يرى أنّ النصّ القرآني أمضى حجيّة العقل القطعي، كما أعطى الاعتبار في الأحكام العملية لكلام النبي والإمام؛ لهذا لزم العمل بالروايات الظنّية الموثقة في الفقه، ولهذا كانت حجية خبر الواحد الموثق محصورةً في دائرة علم الفقه والأحكام العملية لا غير، وعليه فمع وقوع التعارض الاحتمالي بين العقل القطعي والظنّ تغدو النتيجة واضحةً، وهو انتصار اليقين على الظن.

ويرى الطباطبائي أن لغة الظهورات اللفظية الدينية ولغة العقل الحجّة إنما هما تعبيران عن واقعٍ واحد، أوّلهما بسيط يفهمه الجميع، وثانيهما علمي تخصّصي، ويذهب العلامة إلى أن تقدّم العلوم العقلية بمرور الأيام جعلها تقترب ــ شيئاً فشيئاً ــ من المعطيات النقلية، حتى لم يعد هناك اليوم اختلافٌ بينهما سوى باللغة والتعبير وأساليب البيان.

انطلاقاً من مجمل ما تقّدم، نلاحظ أن الفكر الديني عند الطباطبائي فكرٌ عقلاني، فقد وفى لكلّ قسمٍ من الدين حقّه، ولم تنفذ شبهة التعارض بين العقل والدين إلى نظامه الفكري، فالعقل حجّة داخلية باطنية، والنبي حجّة ظاهرية خارجية، فكيف يتعارض الإثنان مع بعضهما؟!

إلا أنّ هذا الموضوع يستدعي البحث من زاوية أخرى، وهي mأنّ التدين له ثلاث مراحل: 1 ــ معرفة الله والنبي. 2 ــ فهم ما يقوله النبي نفسه أو ما ينقله عن الله تعالى. 3 ــ تحريك الحياة ونظمها طبقاً للتعاليم النبويةn([117])، ونظر العلامة الطباطبائي كان مركّزاً على المرحلة الأولى، أي أنّه وفى للعقل حقّه جيداً، في هذه المرحلة، أمّا حقّ العقل والعلم والمعطيات الجديدة للمعارف للبشرية في المرحلة الثانية، فهو جدير بمطالعة مركّزة، فقد أعطى الطباطبائي معيارين هنا:

1 ــ عرض الروايات على القرآن، وضرورة عدم مخالفتها له.

2 ــ العرض على العقل القطعي، وضرورة عدم مخالفته.

إلا أنّ القضية لا تنتهي عند هذين المعيارين؛ ذلك أن المسألة تجري أيضاً في فهم الكتاب نفسه، وبعبارةٍ أخرى: هل هناك في فهم ظواهر القرآن استقاء لنظريات بشرية؟ وما هو الميزان في هذا الأمر؟

هذا أولاً، أما ثانياً، فإن الكلام ليس في إثبات الظهورات الدينية أو نفيها، وإنما في علاقتها الجدلية مع العلوم العقلية والتجربية والإنسانية، وأنه هل يمكن فهم النصوص الدينية دون نظريات مسبقة أو أحكام أو معطيات كذلك؟ وإذا ما كانت هنا قبليات فما هي؟ وما هو معيار تأثيرها على فهم ظواهر النصوص ودرجة هذا التأثير؟ هذا ما ينبغي بحثه في مسألة mالتغيّر والثبات في فهم ظواهر ألفاظ النصوص الدينيةn.

إضافةً إلى ذلك كلّه، فإنّ أعقد المراحل وأشكلها هي المرحلة الثالثة، أي الميزان في حقّ العلم والعقل في توجيه حياة الإنسان طبقاً للتعاليم النبوية، وبعبارةٍ أخرى: ما هو مقدار تدخّل العلم والعقل في المجال الفقهي؟ فثمة ادّعاء اليوم يرى في بعض الحالات أنّ الأحكام الفقهيّة ليست ذات إنتاجية وفعالية، أو أنها تخالف متطلّبات العصر أو معطيات العلوم الإنسانية أو الأسس والمباني العقلية، وهذا الأمر يمثل بياناً آخر لتعارض العلم والدين، وبعبارة أكثر دقةً: المعرفة الدينية والمعرفة غير الدينية.

لم يتحدّث العلامة الطباطبائي عن هذه المرحلة؛ مما جعل الإشكالية متواصلةً في حضورها، أي أنّ بناءاته الفكرية لم تستطع تقديم جواب عن التساؤلات هنا، وكلّما كانت دائرة الدين ونشاطه أكبر وأوسع وكان للدين ادّعاء الشمول لتمام مجالات الحياة أكثر كان التعارض بين العلم والدين أكثر جديّةً، وقد قدّم الإسلام ــ بوصفه خاتم الأديان ــ أوسع هذه الادعاءات، لهذا كان معضل التعارض المذكور أكثر حضوراً وجديةً فيه، وكان لا بدّ من جديةٍ أكبر لحلّه.

والجدير ذكره أن تساؤلات المرحلة الأخيرة قد طرحت في ثقافتنا بعد العلامة الطباطبائي، لهذا لم يكن بصدد الجواب عنها.

2 ــ ثمّة تشابه ــ من إحدى الزوايا ــ بين وجهة نظر العلامة المجلسي والأخباريين في العقل وعدم قيمة إدراكاته وبين رأي التجريبيين والحسّيين الجدد، والوجه المشترك هو عدم الاهتمام بالإدراكات العقلية؛ فقد قسّم محمد أمين الإسترآبادي ــ كبير الأخباريين ــ العلوم إلى قسمين: العلوم الحسية، والعلوم غير المبنية على الحسّ والتي لا يمكن إثبات نتائجها بالدليل الحسي، إنه يرى أنّ الرياضيات ذات مبادئ قريبة من الحس، لهذا أدرجها في الصنف الأول، أما الثاني فهو ما يُعنى بمباحث الميتافيزيقيا وما وراء الطبيعة، وعلى هذا الأساس رأى الإسترآبادي إمكان الاعتماد على العلوم ذات القسم الأول (الحسية والرياضية)، أما القسم الثاني، فلم يرَ له قيمةً؛ لعدم قيامه على الحس.

إنّ هذا اللون من التفكير قريبٌ من أفكار جون لوك وديفيد هيوم، رغم تقدّم الإسترآبادي ــ زماناً ــ عليهما، فقد كان معاصراً لفرانسيس بيكون.

على خطّ آخر، يختلف الفريقان عن بعضهما من جهة، إلا أنهما يتفقان في هجومهما النقدي على الفكر العقلاني، مع فرق وهو أن الحسّيين الغربيين قد وصلوا إلى الإلحاد واللادينية (التفريط)، فيما بلغ الأخباريون الجمود والتحجّر (الإفراط)، إضافةً إلى أن الغربيين كانوا في ظلّ عنفوان عصر الأنوار وازدهار حركة العلوم التجريبية ومعطياتها، فيما كان الأخباريون على الخطّ المقابل تماماً، حيث عاشوا في عصر الانحطاط العلمي والحضيض التجريبي للمسلمين، وفي عصر الهيمنة الرسمية للمذاهب الإسلامية([118]).

وهنا، لا بدّ أن نسأل العالم الأخباري: إذا تعارضت المعطيات الحسية التي تراها معتبرةً مع معرفةٍ دينية ما، فما هو الحلّ عندك؟ لا شك في أن الأخباريين سوف يظلّون يرون في المعطيات الحسية قيمةً ما لم تخالف ظواهر الروايات الدينية، وهذا في الحقيقة إشكالٌ وارد على بناءاتهم الفكرية، والملفت هنا أنّ الأخباريين ــ ومنهم العلامة المجلسي ــ يرون الأخبار الصحيحة على مبنى القدماء يقينيّةً، أمّا المعارف الفلسفية فظنيّة، أفهل اليقين والظن نسبيّان؟

وعلى أيّة حال، فالعلوم التجريبية ومعطياتها لم تدخل بشكل واسع إلى دائرة البحث والتحقيق في مجال المعرفة الدينية، لهذا يقلّ الحديث عن التعارض بين المعطيات التجريبية والمعارف الدينية، وأكثر منها العلوم الإنسانية والمباحث العقلانية؛ حيث يقلّ جداً دراستها وتناول هذا الموضوع فيها.

على المؤمنين اليوم أن يقدّموا أجوبةً محكمة متقنة حول التنافي المحتمل بين العلوم الإنسانية والدينية في بعض المجالات، الأمر الذي لا نجده على الصعيدين: التجريبي والإنساني في كلمات المجلسي والطباطبائي.

إن البحث حول العقل والدين ما يزال في بداياته، وقد شرعت أولى بوادره في بلادنا (إيران) منذ زمن ليس بالبعيد، فقدّم شيءٌ في هذا الميدان ما يزال أولياً، والأمر متواصل.

*   *     *

الهوامش

(*) أستاذ جامعي وكاتب إيراني معروف، متخصّص في الفلسفة، والفكر السياسي، وله كتابات عديدة فيهما منها: نظريات الدولة في الفقه الشيعي، الحكومة الولائية، و..

[1] ــــ تعبير علامة المحدثين أخذتُه من الشهيد مرتضى مطهري، فراجع له: خدمات متقابل إسلام وإيران: 473، صدرا، طهران الطبعة الثانية عشرة، 1362هـ . ش، (1983م).

[2] ــــ راجع حول حياة المجلسي: تلميذ المجلسي، محمد بن علي الأردبيلي، جامع الرواة 2: 78؛ وتلميذ المجلسي الميرزا عبدالله أفندي، رياض العلماء وحياض الفضلاء 5: 39؛ والشيخ محمد الحر العاملي المعاصر للمجلسي والحائز منه على إجازةٍ في الرواية، أمل الآمل 2: 249؛ والشيخ يوسف البحراني، لؤلؤة البحرين: 55؛ والميرزا محمد التنكابني، قصص العلماء: 204؛ والميرزا محمد باقر الموسوي الخوانساري، روضات الجنات 2: 78؛ والشيخ عباس القمي، الفوائد الرضوية: 410؛ والكنى والألقاب 3: 121؛ والسيد محسن الأمين العاملي، أعيان الشيعة 9: 183؛ والمحدث الميرزا حسين النوري، الفيض القدسي، مطبوع في أوّل إجازات بحار الأنوار ج105، طبعة إيران؛ ومقدّمة الشيخ عبدالرحيم الرباني الشيرازي على المجلّد الأول لبحار الأنوار؛ والسيد مصلح الدين مهدوي، زندكينامه علامة مجلسي، ولغت نامه دهخدا؛ وريحانة الأدب، ومن خصائص هذه المصادر التي ذكرناها ـ باستثناء أعيان الشيعة إلى حدّ ما ـ أنها تكرارية، وغير ممنهجة ولا علمية.

[3] ــــ ذكر سبط العلامة المجلسي، وهو السيد محمد حسين بن محمد صالح الحسيني الخاتون آبادي (1151هـ) عشرة مصنّفات عربية للمجلسي، وتسعةً وأربعين مصنفاً فارسياً، فراجع: بيست وينج رساله فارسي مجلسي: 631؛ تحقيق: السيد مهدي الرجائي.

[4] ــــ مقدّمة المجلسي على البحار 1: 3، 4.

[5] ــــ راجع: البحراني، الحدائق الناضرة 1: 14؛ وأيضاً: علي حسين الجابري، الفكر السلفي عند الشيعة الإمامية: 361؛ والشهيد مرتضى مطهري، ده كفتار، مقالة أصل اجتهاد در إسلام: 86؛ ودائرة معارف تشيع 2: 11.

[6] ــــ منها: بحار الأنوار 4: 129.

[7] ــــ محسن الأمين، أعيان الشيعة 9: 183، طبعة دار التعارف، بيروت، 1403هـ.

[8] ــــ لمزيد من الاطلاع على حياة العلامة الطباطبائي وأعماله العلمية، انظر: يادنامه علامة طباطبائي، مجلّدين، مؤسسة مطالعات وتحقيقات فرهنكي؛ ويادنامه علامة.. انتشارات شفق؛ ومهرتابان، للسيد محمد حسين الحسيني الطهراني؛ والطباطبائي ومنهجه في تفسيره الميزان للأوسي، وتفسير القرآن بالقرآن عند العلامة الطباطبائي لخضير جعفر.

[9] ــــ كانت للعلامة الطباطبائي تعليقات على أربعة مواضع من المجلّد السابع من البحار في الصفحات: 35، 36، 39، 45، وقد غفل مؤلّف كتاب mمهرتابانn أو mالشمس الساطعةn عن ذلك.

[10] ــــ التعليقات صفحة: 100، 104 من المجلّد الأوّل للبحار، وسوف نشير إلى هاتين التعليقتين لاحقاً.

[11] ــــ آية الله السيد محمد حسين الحسيني الطهراني، مهرتابان (الشمس الساطعة): 35، انتشارات باقر العلوم، 1402 هـ توزيع انتشارات صدرا، طهران.

[12] ــــ يكتب الطباطبائي ذيل أحد الأحاديث في قصة هابيل وقابيل: إنّ هذا الخبر مجهول؛ وسوف نبيّن ذلك في كتاب قصص الأنبياء، وهو ما حالت الموانع دون تحقيقه، انظر: بحار الأنوار 6: 291.

[13] ــــ السيد مصلح الدين مهدوي، زندكينامه علامة مجلسي 1: 98، انتشارات حسينية عمادزاده اصفهان، 1401هـ.

[14] ــــ اعتبر السيد إبراهيم الحميد العلوي أن تعليقات العلامة تبلغ 67 تعليقة، وهو غير صحيح، راجع مقالة: تعليقات العلامة الطباطبائي على بحار الأنوار، مجلّة كيهان انديشه، العدد:38، 1370هـ. ش / 1991م، ص20.

[15] ــــ مطهري، ده كفتار، أصل اجتهاد در إسلام: 86، انتشارات حكمت، طهران، 1356هـ. ش / 1977م، الطبعة الأولى.

[16] ــــ يشبه ما جاء في البحار وتعليقته ما جاء في كتابين آخرين هما: 1 ـ شرح الملا صالح المازندراني على أصول الكافي وروضته، مع تعليقة العلامة أبي الحسن الشعراني، المكتبة الإسلامية، طهران، 1382هـ. 2 ـ الأنوار النعمانية للسيد نعمة الله الجزائري مع تعليقة الشهيد السيد محمد علي القاضي الطباطبائي، مكتبة بني هاشمي وحقيقت، تبريز، إن طريقة الملا صالح المازندراني والسيد نعمة الله الجزائري تشابه المجلسي الأخباري، فيما طريقة الشعراني والقاضي تشابه طريقة الطباطبائي الفلسفية.

[17] ــــ بحار الأنوار 1: 99، 100.

[18] ــــ المصدر نفسه: 103.

[19] ــــ العلامة محمد باقر المجلسي، رسالة الاعتقادات: 17، تحقيق السيد مهدي الرجائي، مكتبة العلامة المجلسي، إصفهان، 1409 هـ الطبعة الأولى.

[20] ــــ بحار الأنوار 2: 313.

[21] ــــ مرآة العقول (شرح العلامة المجلسي على كتاب الكافي للكليني) 1: 2.

[22] ــــ بحار الأنوار 2: 313.

[23] ــــ المجلسي، رسالة الاعتقادات: 16، 17.

[24] ــــ المصدر نفسه: 20.

[25] ــــ المصدر نفسه: 17.

[26] ــــ بحار الأنوار 1: 3.

[27] ــــ رسالة الاعتقادات: 17.

[28] ــــ الكليني، الكافي 2: 644، كتاب فضل القرآن، باب النوادر، ح28.

[29] ــــ مرآة العقول 12: 525.

[30] ــــ بحار الأنوار 1: 135.

[31] ــــ تقوم العقيدة الشيعية على عدم تحريف القرآن، ولن يكفّ ـ مع ذلك ـ أعداء أهل البيت ( عن توجيه تهمة التحريف للشيعة وتجاهل الرأي المتفق عليه بيننا، فراجع حول موضوع تحريف القرآن البحث المستوفى للعلامة الطباطبائي، في المجلّد الثاني عشر من كتاب mالميزانn، وكذا كتاب: صيانة القرآن من التحريف للأستاذ محمد هادي معرفت، وكتاب التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف للسيد علي الحسيني الميلاني، وحقائق هامّة حول القرآن الكريم للسيد جعفر مرتضى العاملي.

[32] ــــ بحار الأنوار 2: 104.

[33] ــــ المجلسي، رسالة الاعتقادات: 21.

[34] ــــ بحار الأنوار 89: 222.

[35] ــــ محمد أمين الاسترآبادي، الفوائد المدنية: 136، ولم يردّ المجلسي هذا الكلام.

[36] ــــ الاعتقادات: 17.

[37] ــــ مرآة العقول 1: 3.

[38] ــــ المصدر نفسه 1: 21، 22.

[39] ــــ رسالة الاعتقادات: 38، 39.

[40] ــــ المصدر نفسه: 38.

[41] ــــ علي حسين الجابري، الفكر السلفي عند الشيعة الإمامية الإثنا عشرية: 361، نشر وتحقيق وإخراج: مؤسسة إحياء الإحياء، قم، 1367.

[42] ــــ رسالة الاعتقادات: 17.

[43] ــــ بحار الأنوار 110: 141، 147، 149، 152 و..

[44] ــــ رسالة الاعتقادات: 17.

[45] ــــ بحار الأنوار 1: 101.

[46] ــــ المصدر نفسه: 103.

[47] ــــ مرآة العقول 1: 2.

[48] ــــ المصدر نفسه: 2.

[49] ــــ وهي جوابات المسائل الثلاث، كتبها المجلسي في الحديث عن طريقة الحكماء والأصوليين المجتهدين والصوفية، كما تسمّى أيضاً برسالة السلوك.

[50] ــــ رسالة الاعتقادات: 48.

[51] ــــ المصدر نفسه: 24.

[52] ــــ المصدر نفسه: 28.

[53] ــــ مجموعة رسائل اعتقادي: 18، 19، (سلسلة الرسائل الفارسية للعلامة المجلسي)، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، بنياد بزوهشهاي إسلامي آستان قدس رضوي، مشهد، 1368هـ. ش / 1989م، الطبعة الأولى.

[54] ــــ رسالة الاعتقادات: 28.

[55] ــــ المصدر نفسه: 27.

[56] ــــ المصدر نفسه: 29.

[57] ــــ المصدر نفسه: 22.

[58] ــــ العلامة الطباطبائي، شيعة در إسلام (الشيعة في الإسلام): 41، دار الكتب الإسلامية، شركت انتشار، طهران، 1348 هـ . ش / 1969م، الطبعة الأولى.

[59] ــــ المصدر نفسه: 58، 59.

[60] ــــ الشيعة، مجموعة حوارات العلامة الطباطبائي مع البروفسور هنري كوربان: 47، 48، انتشارات رسالت، 1397 هـ، قم.

[61] ــــ بررسيهاي إسلامي (مجموعة مقالات فارسية للعلامة) 3: 4 ـ 202، كتاب العلم والفلسفة الإلهية، انتشارات دار الهجرة، قم، الطبعة الأولى.

[62] ــــ بحار الأنوار 1: 104، التعليقة.

[63] ــــ الشيعة: 49.

[64] ــــ شيعة در اسلام: 54.

[65] ــــ بحار الأنوار 6: 336، التعليقة.

[66] ــــ قرآن در إسلام: 42.

[67] ــــ شيعة در إسلام: 45.

[68] ــــ المصدر نفسه: 46.

[69] ــــ قرآن در إسلام: 31، 32؛ وراجع أيضاً: الشيعة: 53.

[70] ــــ المصدر نفسه: 49.

[71] ــــ حاشية العلامة على أصول الكافي 1: 228؛ وبحار الأنوار 1: 135، وبحار الأنوار 2: التعليقة: 104؛ وكذلك الميزان 12: 106، بحث تحريف القرآن.

[72] ــــ الشيعة: 50.

[73] ــــ المصدر نفسه: 53، 54.

[74] ــــ شيعة در إسلام: 47.

[75] ــــ شيعة: 53.

[76] ــــ شيعة در إسلام: 53، 54.

[77] ــــ بحار الأنوار 3: 249، و4: 290، و6: 291، و7: 45.

[78] ــــ انظر: تعليقة الطباطبائي على الأسفار الأربعة في أوائل ج1 و6، وكذا مقدّمة كتابه: نهاية الحكمة.

[79] ــــ إنّ الغوغاء المحيّرة التي أثارها تقدّم علم الحديث لم تسمح بإجراء القانون النبوي الذي يُلزم بعرض الروايات كافّة على القرآن، فبمجرّد أن يأتي ولو خبر واحد على أمرٍ ما ولو كان خرافياً يُحسب جزءاً من الحقائق.

[80] ــــ شيعة: 43، 44، مع تلخيص.

[81] ــــ التعليقة على البحار 1: 100.

[82] ــــ يظهر منهج اختيار غرر الروايات في المواضع التالية: بحار الأنوار، التعليقات، ج4: 185، و2: 192، و3: 327، و4: 302، و5: 111، و4: 164.

[83] ــــ شيعة: 50.

[84] ــــ بحار الأنوار 1: 103 ـ 105.

[85] ــــ التعليقة على البحار 1: 104.

[86] ــــ المصدر نفسه 2: 314.

[87] ــــ من ذلك راجع: التعليقة على البحار 2: 52.

[88] ــــ التعليقة على البحار 1: 100.

[89] ــــ شيعة: 219.

[90] ــــ المصدر نفسه: 220.

[91] ــــ إسلام وإنسان معاصر: 83 (المجموعة الثانية من المقالات الفارسية للعلامة الطباطبائي).

[92] ــــ المصدر نفسه: 84.

[93] ــــ المصدر نفسه: 85.

[94] ــــ شيعة: 56.

[95] ــــ شيعة در إسلام: 59، 60.

[96] ــــ المصدر نفسه: 64.

[97] ــــ إسلام وإنسان معاصر: 86.

[98] ــــ شيعة در إسلام: 65، 66.

[99] ــــ المصدر نفسه: 55.

[100] ــــ نهاية الحكمة: 121، الفصل التاسع: 284.

[101] ــــ الرسائل التوحيدية، وأيضاً نهاية الحكمة: 232.

[102] ــــ بحار الأنوار 1: 90، 104، 135، 194 و4: 72، 87.

[103] ــــ المصدر نفسه 1: 90، 179، وج2: 52، 176.

[104] ــــ المصدر نفسه 2: 177.

[105] ــــ المصدر نفسه 5: 149.

[106] ــــ المصدر نفسه 5: 207.

[107] ــــ المصدر نفسه 4: 72، 87.

[108] ــــ المصدر نفسه 4: 148، 197.

[109] ــــ المصدر نفسه 4: 296.

[110] ــــ المصدر نفسه 4: 62.

[111] ــــ المصدر نفسه 2: 62.

[112] ــــ المصدر نفسه 5: 122، 223؛ و4: 86، و3: 327؛ و6: 326.

[113] ــــ المصدر نفسه 4: 98، و5: 294.

[114] ــــ المصدر نفسه 4: 144.

[115] ــــ إشارة إلى مثل فارسي حول كتاب المثنوي لجلال الدين الرومي. (المترجم)

[116] ــــ شيعه در إسلام: 45، 44.

[117] ــــ محمد مجتهد شبستري، مقال دين وعقل، مجلة كيهان فرهنكي، السنة الرابعة، العدد 6: 12.

[118] ــــ راجع: محمد باقر الصدر، المعالم الجديدة للأصول: 42 ـ 45.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً