أحدث المقالات

دراسة استدلالية مقارنة في التحديد والضبط

ـ القسم الأول ـ

السيد عباس نجيب خلف(*)

مقدمة

ما سوف أتعرض له في هذه الأوراق مسألة من المسائل المهمة، التي يحتاج إليها كل مكلف، وقد وقعت محل بحث، حتى أثَّر ذلك على عمل المكلف في الخارج.

الغروب الشرعي أو وقت صلاة المغرب ليس مسألة تختص بالصلاة فقط، وإنما هي مرتبطة بحكم إفطار الصائم في شهر رمضان، وإفاضة الحاج من عرفات، ووجوب غسل المستحاضة و…. وقد تكون مدخلاً لنظرية كبرى في المستقبل.

ثم إن هذه المسألة لم تقع محل نقاش علمي بين السنة والشيعة فقط، وإنما بحثت ضمن المذهب الواحد. وقد كوَّن كلٌّ رأياً يحدد من خلاله بداية الغروب الشرعي، مرتِّباً على ذلك الآثار.

وقد أعطى الفقهاء هذه المسألة حقها في البحث، وتم شرحهم للمسألة بما فيه الكفاية، وكوَّنوا من خلال هذا الجو نظريات، مالت كل مجموعة من الفقهاء إلى واحدة منها، فصار عندنا المشهور، والأشهر، وغير المشهور.

والطريقة التي اتبعتُها في البحث هو الذهاب إلى اللغة؛ لتحديد المعنى والاستعمالات العرفية للمسألة، ثم إلى نظرة تاريخية جامعة، ثم عرض كل الروايات التي تغني البحث، ثم عرض استنتاجات ولفتات سريعة، ثم الخروج بنتيجة تمثل عصارة هذا البحث.

ويمكن القول: بأنه لا يصح التسليم بنتائج السابقين في مجال استنباط الأحكام الشرعية، وإن ما يجب فعله هو الاطلاع، وفهم ما قالوه، وبعد ذلك قد نأخذ بنتائجهم، أو نعطي نتائج جديدة.

وقد يتصور من يريد البحث في مسألة معينة أن الفقهاء لم يتركوا لنا مجالاً للبحث والنقاش فيها، إلا أن الأمر خلاف ذلك تماماً، فقد بطل كلام من كان يقول: ما ترك السابقون لنا شيئاً، وصحّ كلام من يقول: كم ترك السابقون لنا من أشياء.

فالفقه يتطور مع تطور الزمان والمكان؛ وذلك لما استقاه من كتاب الله وسنة نبيه وأهل بيته سلام الله عليهم أجمعين، فينبغي عدم الوقوف عند ألفاظ الروايات والجمود عليها، بل لا بد من محاكاتها، ومحاكاة الزمن والظرف الذي وقعت فيه، من خلال نظرتين:

الأولى: تفصيلية لكل رواية على حدة، من خلال مراجعة سندية ودلالية.

الثانية: مجموعية شاملة لكل الروايات، مع ملاحظة زمن صدور النص، ومقاربته مع زماننا الحاضر؛ للخروج بنتيجة أدق وأقرب إلى الواقع.

وهذا ما سوف أسير عليه في هذا البحث إن شاء الله تعالى.

الغروب في الدلالة اللغوية

لابد من مراجعة اللغة قبل الدخول في أي بحث فقهي؛ لأن المشرع تعالى صاغ خطابه باللغة العربية، إلا أن بُعدنا عن ذلك الجو يجعلنا نرجع إلى المعاجم. وقد عملت على مراجعتها بحسب ترتيبها الزمني؛ تجويداً للفهم، فجاءت على الشكل التالي:

قال الفراهيدي (175هـ) في كتاب العين: الغروب: غيبوبة الشمس([1]).

وقال ابن فارس (395هـ) في معجم مقاييس اللغة: الغربة: البعد عن الوطن، يقال: غربت الدار، ومن هذا الباب غروب الشمس، كأنه بعدها عن وجه الأرض([2]).

وقال الجوهري (398هـ) في صحاحه: والغرب والمغرب بمعنى واحد، وغرب أي بعد، وغربت الشمس غروباً([3]).

وقال الراغب الأصفهاني (425هـ) في مفرداته: الغرب: غيبوبة الشمس، يقال: غربت تغرب غرباً وغروباً([4]).

وقال ابن الأثير (606هـ) في النهاية: يقال: غربت الشمس تغرب غروباً ومغيرباناً، وهو مصغر على غير مكبره، كأنهم صغَّروا مغرباناً، والمغرب في الأصل موضع الغروب، ثم استعمل في المصدر والزمان، وقياسه الفَتْح، ولكن استعمل بالكسر، كالمشرِق والمسجِد([5]).

 وقال ابن منظور (711هـ) في لسان العرب: الغروب: غيبوبة الشمس، غربت الشمس تغرب غروباً ومغيرباناً: غابت في المغرب([6]).

وقال الفيومي (770هـ) في مصباحه: غربت الشمس تغرب غروباً: بعدت وتوارت في مغيبها([7]).

وقال الفيروزآبادي (817هـ) في القاموس المحيط: الغرب: المغرب والذهاب والتنحي وأول الشيء وحده([8]).

وقال الطريحي (1085هـ) في مجمع البحرين: غربت الشمس غروباً: بعدت وتوارت عن مغيبها([9]).

وقال الزبيدي (1085هـ) في تاج العروس: الغرب: الذهاب. وقد أوصل المؤلف المعاني إلى أربعة وعشرين، واستدرك على ذلك حتى ثلاثين معنى([10])، إلا أن هذه المعاني لا تفيد في المقام.

والمعنى اللغوي الذي نأخذه من هذه المراجعة هو أن المقصود بغروب الشمس على صعيد اللغة فقط هو ذهاب الشمس واختفاؤها وابتعادها وغيابها، ولم أجد بعد التتبع أحداً ذكر في مصدر لغوي أوفي معنى من المعاني أكثر مما سبق ذكره.

الغروب الشرعي، دراسة تاريخية في المواقف والاتجاهات

بعد مراجعة تاريخية لهذه المسألة تبين معي عدة أمور:

الأمر الأول: وجود عدة نظريات:

النظرية الأولى: وهي النظرية الأشهر بين الفقهاء، والتي تقول: إن الغروب الشرعي يتحقق عند ذهاب الحمرة المشرقية. وأبرز من قال بها: المحقق الآبي (كان حيا في 672هـ)([11])؛ 2ـ يحيى بن سعيد (689 أو 690 هـ)([12])؛ العلامة الحلي (726هـ)([13])؛ الشهيد الأول(786هـ)([14])؛ الفاضل المقداد (826هـ)([15])؛ ابن فهد الحلي (841هـ)([16])؛ المحقق الكركي (940هـ)([17])؛ الشهيد الثاني (966هـ)؛ المقدَّس الأردبيلي (993هـ)([18])؛ الحر العاملي (1104هـ)([19])؛ الفاضل الهندي (1137هـ)([20])؛ الشيخ يوسف البحراني (1186هـ)([21])؛ الشيخ حسين آل عصفور (1216هـ)([22])؛ السيد جواد محمد العاملي (1226هـ)([23])؛ صاحب الرياض (1231هـ)([24])؛ الشيخ الأنصاري (1281هـ)([25])؛ السيد القزويني (1297هـ)([26])؛ الآخوند الخراساني (1329هـ)([27])؛ الشيخ عبد الكريم اليزدي (1355هـ)([28])؛ الميرزا النائيني (1355هـ)([29])؛ السيد البروجردي (1380هـ)([30])؛ الشيخ الأراكي (1415هـ)([31])؛ السيد محسن الحكيم (1390هـ)([32])؛ الإمام الخميني (1410هـ)([33])؛ السيد الگلبايكاني (1413هـ)([34])؛ الشهيد الصدر (1400هـ)([35])؛ الشيخ التبريزي (1427هـ)([36])؛ الشيخ محمد فاضل اللنكراني (1427هـ)([37])؛ السيد علي الخامنئي([38])؛ السيد علي السيستاني([39])؛ الشيخ حسين الخراساني([40])، ويحتاط بالحمرة ـ؛ الشيخ الصانعي([41])؛ الشيخ لطف الله الصافي الگلبايكاني([42]).

النظرية الثانية: وهي النظرية غير المشهورة بين الفقهاء الإمامية، والتي تقول بأن الغروب الشرعي يتحقق عند سقوط القرص وغيابه عن العين. وأبرز من قال بها: ابن أبي عقيل العماني (كان حياً في 329هـ)([43])؛ ابن الجنيد (381هـ)([44])؛ الشيخ الصدوق (381هـ)([45])؛ الشريف المرتضى (436هـ)([46])؛ الشيخ الطوسي (460هـ)([47])؛ سلار (448 أو 463هـ)([48])؛ القاضي ابن البراج (481هـ)([49])؛ المحقق الحلي (676هـ)([50])؛ الصيمري (حدود 900هـ)([51])؛ الفيض الكاشاني (1090هـ)([52])؛ المجلسي الثاني (1110هـ)([53])؛ الوحيد البهبهاني (1205 أو 1206هـ)([54])؛ النراقي (1245هـ)([55])؛ صاحب الجواهر (1266هـ)([56])؛ آغا رضا الهمداني (1322هـ)([57])؛ السيد السبزواري (1414هـ)([58])؛ السيد الخوئي (1413هـ)، وإن كان يحتاط وجوباً على صعيد الفتوى؛ السيد محمد الروحاني([59])؛ السيد محمد سعيد الحكيم([60])؛ السيد محمد صادق الروحاني([61])، وإن كان يحتاط وجوباً على صعيد الفتوى؛ الشيخ محمد إسحاق الفياض([62])، وإن كان يحتاط وجوباً على صعيد الفتوى؛ السيد محمد حسين فضل الله([63])؛ الشيخ بهجت([64]).

النظرية الثالثة: وهي النظرية الوسطية، والتي تقول بأن الغروب الشرعي لا يتحقق بسقوط القرص فقط، ولا يشترط ذهاب الحمرة السماوية من ناحية الشرق، وإنما يتحقق بعد سقوط القرص وبعد ذهاب الحمرة من على المنازل والأشجار والجبال فقط. وأبرز من قال بها: صاحب المدارك (1009هـ)([65])؛ المحقق السبزواري (1090هـ)([66])؛ الفيض الكاشاني (1091هـ)([67]).

وقد لاحظت بعد التتبع أن أصل هذه النظرية من جمهور أهل السنة([68])، وقد تبناها كل من هؤلاء الأعلام الثلاثة، وأشار إليها بعض فقهاء الشيعة، وأن ذلك علامة لسقوط القرص في المحل السكني والمناطق الجبلية([69]).

الأمر الثاني: ادعاء الإجماع من كل الفقهاء السنة والشيعة على أن وقت صلاة المغرب يتحقق بغروب الشمس([70])، وأن الخلاف هو أنه متى يتحقق الغروب، وهل هو باستتار القرص أو بذهاب الحمرة المشرقية أو بشيء آخر؟

الأمر الثالث: إدعاء الشهرة على أن الغروب يتحقق بذهاب الحمرة المشرقية، وقد ذكره المحقق الحلي([71])؛ والعلامة الحلي([72])؛ والصيمري([73])؛ والكركي([74])؛ وصاحب المدارك([75])؛ وصاحب الرياض([76])؛ وغيرهم من الفقهاء.

الأمر الرابع: أول من أشار إلى هذه المسألة ـ بحسب ما تتبعت ـ هو ابن أبي عقيل العماني (كان حياً في 329هـ)([77]).

 وأول من طور هذه المسألة هو الشيخ الطوسي (460هـ)، فقد تكلم بوضوح عن مسألة الحائل، الذي يسمى اليوم بجغرافية المكان، وأنه مع عدم وجوده فالعين هي التي تعلم بغروب الشمس، بل وإن الحمرة التي تبقى على الجبال والمنارات والأمكنة العالية لا يلتفت إليها([78]).

مطالعة قرآنية في تحديد الغروب الشرعي

بعد معرفة أهمية البحث، والاطلاع على مسألة الغروب من الناحية اللغوية والتاريخية، لابد من الرجوع إلى المصدر القرآني ومعرفة ما جاء في هذه المسألة.

 وبعد مراجعة الآيات الكريمات قد يقال: إن هناك ما يشير إلى مسألة الغروب وصلاة المغرب، وهو:

الآية الأولى: قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} (الإسراء: 78).

وقد يتصور أن قوله تعالى: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} إشارة إلى صلاتي المغرب والعشاء، إلا أن المراد هو صلاة العشاء فقط، فغسق الليل هو ظهور ظلامه([79]).

وقد قال الراغب الأصفهاني: غسق الليل: شدة ظلمته، قال تعالى: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}. والغاسق الليل المظلم([80]). وهذا لا يتناسب مع صلاة المغرب حتى لو قلنا بأن المغرب يتحقق بذهاب الحمرة المشرقية.

وقال العلامة الشيرازي: وأما {غَسَقِ اللَّيْلِ} فإنها تعني منتصف الليل، حيث إن (غَسَق) تعني الظلمة الشديدة، وأكثر ما يكون الليل ظلمة في منتصفه([81]). كما أنه يمكن إضافة شيء وهو ملاحظة كلمة (إلى)، فهي تشير إلى آخر وقت صلاة معينة، وهي صلاة العشاء، وهذا ما يقرب أن المراد من غسق الليل هو صلاة العشاء فقط.

وقال ابن عاشور: والغسق: الظلمة، وهي انقطاع بقايا شعاع الشمس حين يماثل سواد بقية الأفق، وهو وقت غيبوبة الشفق، وذلك وقت العشاء، ويسمى العتمة، أي الظلمة([82]).

 فهذه الآية لا تفيد في مسألة الغروب الشرعي، وقد استعرضتها من أجل دفع دخل.

الآية الثانية: قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ} (هود: 114).

قال ابن عاشور: وطرف الشيء منتهاه، من أوله أو من آخره، فالتثنية صريحة في أن المراد أول النهار وآخره، والنهار ما بين الفجر إلى غروب الشمس، وقد سمي نهاراً لأن الضياء ينهر فيه، أي يبرز كما يبرز النهر. والأمر بالإقامة يؤذن بأنه عمل واجب؛ لأن الإقامة إيقاع العمل على ما يستحقه، فتقتضي أن المراد بالصلاة هنا الصلاة المفروضة، فعلم أن المأمور إيقاع صلاة في أول النهار، وهي صلاة الصبح، وصلاة في آخره، وهي صلاة العصر، وقبل المغرب.

والزلف جمع زلفة، مثل غرفة، وهي الساعة القريبة من أختها([83]).

إلا أنه قد يقال: لماذا لم يدخل ابن عاشور في طرفي النهار وقت ما بين غياب الشمس إلى حلول الليل والظلام، بعد أن أدخل مقداراً من العتمة بعد أذان الفجر، فالمفترض بعد أن ثبت أن صلاة الصبح هي الطرف الأول أن يكون الطرف الثاني هو صلاة المغرب، وتكون الزلفة، أي الساعة القريبة من أختها، وهي صلاة العشاء؛ بقرينة التعبير عن صلاتي المغرب والعشاء بالعشاءين، وهذا لا يتم بين صلاتي العصر والمغرب.

وقال الشيخ الطوسي: وقوله: {طَرَفَيِ النَّهَارِ} يريد بهما صلاة الفجر والمغرب، كما في قول ابن عباس والحسن وابن زيد والجبائي. وقال الزجاج: يعني الغداة، الظهر والعصر، وبه قال مجاهد، ومحمد بن كعب القرطي، والضحاك. ويحتمل أن يريد بذلك صلاة الفجر والعصر؛ لأن طرف الشيء من الشيء، وصلاة المغرب ليست من النهار([84]).

ومما يعزز أن المقصود من طرفي النهار هو صلاتي الصبح والمغرب عدة شواهد:

1ـ إن وقت صلاة المغرب هو من النهار، وليس من الليل؛ لأن أول الليل يبدأ من العشاء، وليس من المغرب، كما ذكر غير واحد([85]).

 2ـ من الناحية العرفية فإنّ مَنْ يرى أن أول المغرب سقوط القرص لا يصحِّح إطلاق الليل على هذا الوقت. نعم، يصح إطلاق آخر النهار على هذا الوقت.

 3ـ من الناحية اللغوية فإن الليل ضد النهار، والليل ظلام وسواد([86])، فبعد سقوط القرص لا يقال: بدأ الليل. نعم، بعد سقوط الشفق وسيطرة الظلام يقال: بدأ الليل.

 4ـ ما جاء في الرواية الصحيحة التي تفسر قوله تعالى: {طَرَفَيِ النَّهَار} بصلاة الصبح والمغرب([87]).

 فيكون معنى طرفي النهار هو صلاة الصبح والمغرب. وهذا ما يدعم النظرية الثانية المتقدمة.

 هذا ما أمكن جمعه من آيات قد يقال: إنها دالة في المقام.

 والنتيجة على صعيد البحث القرآني القول بأن صلاة المغرب هي أحد طرفي النهار، من خلال ما ثبت عند مناقشة ما ذكره ابن عاشور، ويتطابق مع ما ذهب إليه الشيخ الطوسي، وما نقل عن ابن عباس والحسن وابن زيد والجبائي.

مدعوماً بالفكرة اللغوية التي تقول: إن الليل يبدأ بعد سقوط الشفق وسيطرة الظلام.

وهذا ما يتناسب مع سقوط القرص أكثر من ذهاب الحمرة المشرقية، فكما كان الطرف الأول الداخل يبدأ مع أول لحظات الضوء إلى أن تطلع الشمس فكذلك الطرف الثاني الداخل يبدأ مع أول لحظات العتمة إلى أن يسيطر الليل. بالإضافة إلى أنه يمكن القول عند سقوط القرص: إن هذا الوقت نهارٌ؛ لأن الضوء يكون موجوداً، ولا يوجد من العتمة شيء، بخلاف ما لو فسرنا ذلك بغياب الحمرة المشرقية، فعند ذلك لا يصدق لغة وعرفاً أن هذا الوقت هو آخر النهار، فتأمل.

الغروب الشرعي، قراءة في ضوء السنّة الشريفة

 بعد أن عرضت البحث من الناحية اللغوية والاصطلاحية والقرآنية، وتبين أنها كلها دالة على أن تحقق الغروب يـكون بمجرد غياب القرص، لابد من عرض الروايات ضمن مجموعات؛ تنظيماً للبحث، وتسهيلاً على القارئ.

المجموعة الأولى: روايات الغروب بشكل مطلق

1ـ رواية محمد بن علي بن الحسين: قال: قال أبو جعفر×: كان رسول الله‘ لا يصلي بالنهار شيئاً حتى تزول الشمس وإذا زالت صلى ثماني ركعات، وهي صلاة الأوّابين، تفتح في تلك الساعة أبواب السماء، ويستجاب الدعاء، وتهب الرياح، وينظر الله إلى خلقه، فإذا فاء الفيء ذراعاً صلى الظهر أربعاً، وصلى بعد الظهر ركعتين، ثم صلى ركعتين أخريين، ثم صلى العصر أربعاً إذا فاء الفيء ذراعاً، ثم لا يصلي بعد العصر شيئاً حتى تؤوب الشمس، فإذا آبت، وهو أن تغيب، صلى المغرب ثلاثاً، وبعد المغرب أربعاً، ثم لا يصلي شيئاً حتى يسقط الشفق، فإذا سقط الشفق صلى العشاء، ثم آوى رسول الله‘ إلى فراشه، ولم يصلِّ شيئاً حتى يزول نصف الليل، فإذا زال نصف الليل صلى ثماني ركعات، وأوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات، فقرأ فيهنّ الفاتحة وقل هو الله أحد، ويفصل بين الثلاث بتسليمة، ويتكلم، ويأمر بالحاجة، ولا يخرج من مصلاه حتى يصلي الثلاثة التي يوتر فيها، ويقنت فيها قبل الركوع، ثم يسلِّم، ويصلي ركعتي الفجر قبل الفجر وعنده وبعيده، ثم يصلي ركعتي الصبح، وهي الفجر، إذا اعترض الفجر وأضاء حسناً. فهذه صلاة رسول الله‘ التي قبضه الله عز وجل عليها([88]).

أما من الناحية السندية فالرواية ضعيفة السند؛ بالإرسال من محمد بن علي بن الحسين بن بابويه إلى الإمام الباقر مباشرة.

وأما من الناحية الدلالية فالذي يفيدنا في المقام هو وسطها، الذي يتحدث عن سيرة النبي في صلواته، فكان يصلي صلاة المغرب عندما تغيب الشمس.

فهي تامة الدلالة على هذا المستوى من خلال الدلالة على أن النبي كان يصلي صلاة المغرب عند غروب الشمس، من دون ذكر أي قيد إضافيٍّ.

2ـ رواية أبان بن تغلب: قال: قلت لأبي عبد الله×: أي ساعة كان الرسول‘ يوتر؟ فقال: على مثل مغيب الشمس إلى صلاة المغرب([89]).

أما من الناحية السندية فالرواية ضعيفة؛ بإسماعيل بن أبي سارة، فهو لم يوثَّق في كتب الرجال([90]).

وأما من الناحية الدلالية فالرواية تدل على أن السائل يسأل عن الوقت الذي كان رسول الله يصلي فيه ركعة الوتر من صلاة الليل، فأجابه الإمام الصادق بأنه هو نفس الوقت ما بين غروب الشمس وصلاة المغرب، إلا أن هذا قد يساند روايات الحمرة لو كان الوقت الذي يوتر به رسول الله هو ما يقارب الربع ساعة، أما لو كان رسول الله يوتر، أي يصلي صلاة الوتر، قبل صلاة الفجر بقليل، أو يلصقها بصلاة الفجر، فهي تساند روايات القرص.

فدلالاتها غير واضحة.

3ـ رواية محمد بن علي بن الحسين: وقال الصادق: إذا غابت الشمس فقد حلّ الإفطار ووجبت الصلاة، وإذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل([91]).

أمّا من الناحية السندية فالرواية ضعيفة؛ بسبب الرفع من محمد بن علي بن الحسين بن بابويه إلى الإمام الصادق مباشرة.

وأما من الناحية الدلالية فالإمام يقول: يحلّ الإفطار وتجب الصلاة عندما تغيب الشمس.

فهي تامة الدلالة بالمعنى الذي سبق.

4ـ رواية عبد الله بن زرارة: عن أبي عبد الله× قال: سمعته يقول: صاحبني رجل كان يمسي بالمغرب ويغلس بالفجر، وكنت أنا أصلي المغرب إذا غربت الشمس، وأصلي الفجر إذا استبان لي الفجر، فقال لي الرجل: ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع، فإن الشمس تطلع على قوم قبلنا، وتغرب عنا وهي طالعة على مرقد آخرين بعد؟ قال: قلت: إنما علينا أن نصلي إذا وجبت الشمس عنا، وإذا طلع الفجر عندنا، ليس علينا إلا ذلك، وعلى أولئك أن يصلوا إذا غربت الشمس عنهم([92]).

أما من الناحية السندية فالرواية ضعيفة؛ بعلي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة، فهو لم يوثَّق في كتب الرجال([93]).

وأما من الناحية الدلالية فالإمام يروي قصة حدثت معه أثناء السفر، فكان معه رجل يؤخِّر صلاة المغرب عن وقتها، فيمسي بها، أي يوقعها في المساء، ويبكر في صلاة الفجر، فيغلس بالفجر، أي يصليه آخر الليل وقبل استبانة الفجر، والإمام كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس، ويصلي الفجر إذا استبان الفجر، فسأله الرجل: لماذا لا تعمل مثل ما أعمل؛ لأن الشمس عندما تغرب عندنا تتأخر في الغروب عند المنطقة التي تلينا، لذلك فإني أؤخر الصلاة، والفجر يستبين عن المنطقة التي تسبقنا قبل أن يستبين عندنا ولذا فإني أقدم صلاة الفجر على استبانة الفجر عندنا، فقال له الإمام: الواجب علينا هو غروب الشمس في منطقتنا، واستبانة الفجر كذلك، فكل منطقة لها غروبها وفجرها.

فالرواية تامة الدلالة على صلاة المغرب عند غروب الشمس.

5 ـ رواية الربيع بن سليمان وأبان بن أرقم وغيرهم:  قالوا: أقبلنا من مكة حتى إذا كنا بوادي الأخضر إذا نحن برجل يصلي، ونحن ننظر إلى شعاع الشمس، فوجدنا في أنفسنا، فجعل يصلي، ونحن ندعو عليه، حتى صلّى ركعة، ونحن ندعو عليه، ونقول: هذا من شباب أهل المدينة، فلما أتيناه وإذا هو أبو عبد الله جعفر بن محمد×، فنزلنا، فصلينا معه، وقد فاتتنا ركعة، فلما قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا: جعلنا فداك، هذه الساعة تصلي؟! فقال: إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت([94]).

أما من الناحية السندية فالرواية ضعيفة السند، ولها تسعة طرق متداخلة، كلها تمرّ بموسى بن يسار العطار، وهو غير مذكور في كتب الرجال.

وأما من الناحية الدلالية فهي تدل على أن الإمام يصلي وشعاع الشمس، أو ما يعبر عنه بالحمرة المشرقية، ما زال موجوداً، وقد سئل عن ذلك فقال: إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت.

فالرواية تامة الدلالة على أن وقت صلاة المغرب عند غروب الشمس.

ويمكن القول بأن الإمام من خلال صلاته صلاة المغرب وشعاع الشمس في السماء، ومن خلال جوابه عندما سئل بأنه إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت، يفسر ويطابق بين غياب الشمس وسقوط القرص.

6ـ رواية عبيد بن زرارة: عن أبي عبد الله× قال: إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل، إلا أن هذه قبل هذه، وإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، إلا أن هذه قبل هذه([95]).

أما من الناحية السندية فالرواية ضعيفة؛ بالقاسم بن عروة مولى أبي أيوب، فهو لم يوثَّق في كتب الرجال([96]).

وأما من الناحية الدلالية فالرواية تدلّ على أن وقت صلاتي المغرب والعشاء يدخل عند غروب الشمس، إلا أن صلاة المغرب قبل صلاة العشاء. وهكذا الأمر بالنسبة للظهرين.

فالرواية تامة الدلالة على أن غروب الشمس يحقق وقت العشاءين.

7ـ رواية محمد بن زياد، عن عبد الله بن سنان: عن أبي عبد الله× أنه قال: وقت المغرب من حين تغيب الشمس إلى أن تشتبك النجوم([97]).

أما من الناحية السندية فالرواية صحيحة السند.

وأما من الناحية الدلالية فالإمام الصادق يحدِّد وقت صلاة المغرب بداية ونهاية. والمقصود هو أفضل وقت لهذه الصلاة، وهو يبدأ عند غروب الشمس وينتهي عندما تشتبك النجوم. والظاهر أن المقصود من اشتباك النجوم صيرورتها متشابكة كشبكة الصياد عندما يلمع عليها السمك. وهذا يتحقق عند ذهاب الحمرة المغربية، ويبعد حصوله عند ذهاب الحمرة المشرقية. وهو ما نلاحظه بالوجدان. إلا أنه يمكن القول بأن هذا التحديد لوقت انتهاء صلاة المغرب إنما هو الوقت المفضَّل والمستحب لا الواجب؛ لأن بعض الروايات تحدثت عن إمكانية صلاة المغرب بعد غياب الشفق وبعد تشابك النجوم.

فالرواية تامة الدلالة على دخول وقت صلاة المغرب عند غياب الشمس. وهذا ينسجم مع سقوط القرص أكثر من ذهاب الحمرة؛ لأن معنى الغروب ظاهر لغة وعرفاً في سقوط القرص أو خفائه.

8 ـ رواية أبي بصير: عن أبي عبد الله× قال: وقت المغرب حين تغيب الشمس([98]).

أما من الناحية السندية فالرواية ضعيفة السند؛ بسليمان بن داوود المنقري، فقد ضعفه ابن الغضائري في كتابه([99])، ووثَّقه النجاشي في رجاله([100]). وحتى مع الأخذ بتوثيق النجاشي وترك تضعيف ابن الغضائري ـ على بعض المباني ـ فإن في الرواية علي بن أبي حمزة البطائني، وقد ضعفه ابن الغضائري([101])، والكشي في رجاله([102])، والنجاشي في كتابه([103]). فالرواية غير تامة من ناحية السند.

وأما من الناحية الدلالية فهي واضحة في أن وقت المغرب يكون عندما تغيب الشمس، وغياب الشمس ـ كما سبق ـ ينسجم مع خفاء الشمس أكثر من خفاء الحمرة المشرقية.

9ـ رواية إسماعيل بن جابر: عن أبي عبد الله× قال: سألته عن وقت المغرب؟ قال: ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق([104]).

أما من الناحية السندية فالرواية صحيحة.

وأما من الناحية الدلالية فظاهرها يحدِّد أن أول وقت صلاة المغرب يتحقق بعد غروب الشمس، وأن آخره يكون عند سقوط الشفق. إلا أنه لا يمكن الالتزام بمسألة آخر الوقت إلا بعد مراجعة كل الروايات الواردة في هذا المجال. وما يهمنا هو دلالة الرواية على أن وقت الصلاة يكون عند غروب الشمس، فهي تدل على أن وقت صلاة المغرب يكون عند غروب الشمس، وغروب الشمس ـ كما سبق ـ ينسجم مع غياب الشمس.

10ـ رواية زرارة: عن أبي جعفر× قال: إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب وعشاء الآخرة([105]).

أما من الناحية السندية فالرواية صحيحة السند.

وأما من الناحية الدلالية فهي تتحدث عن أن الزوال يدخل وقتي الظهرين، والغروب يدخل وقتي العشاءين.

فهي تامة الدلالة. وقد سبق هذا المعنى في الرواية السادسة.

11ـ رواية محمد بن علي بن الحسين: قال الصادق×: إذا غابت الشمس فقد حلّ الإفطار ووجبت الصلاة، وإذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل([106]).

أما من الناحية السندية فالرواية ضعيفة؛ بسبب الرفع من محمد بن علي بن الحسين بن بابويه إلى الإمام الصادق مباشرة.

وأما من الناحية الدلالية فهي تدل على أن غياب الشمس يحل الإفطار ويوجب صلاة المغرب، وبمجرد أن نصلي المغرب يدخل وقت صلاة العشاء، ويمتد إلى نصف الليل. وقد سبق هذا المضمون في الرواية السادسة.

12ـ رواية داوود بن أبي يزيد، وهو داوود بن فرقد، عن بعض أصحابنا: عن أبي عبد الله× قال: إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب، وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل([107]).

أما من الناحية السندية فالرواية ضعيفة؛ بموسى بن جعفر بن وهب البغدادي.

وأما من الناحية الدلالية فهي تتحدث عن أن غروب الشمس يدخل وقت المغرب، وبعد مضي وقت صلاة المغرب يدخل وقت صلاة العشاء. وقد تكرر مضمون هذه الرواية في روايات سابقة.

13ـ رواية عبيد بن زرارة: عن أبي عبد الله× قال: إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين؛ إلا أن هذه قبل هذه([108]).

أما من الناحية السندية فالرواية ضعيفة السند؛ بالقاسم بن عروة، فهو لم يوثَّق في كتب الرجال([109]).

وأما من الناحية الدلالية فهي تدل على أن غروب الشمس يحقق دخول وقت الصلاة، والمعنى الذي استقربناه في الروايات السابقة يجري هنا أيضاً.

14ـ رواية محمد بن مكي الشهيد في «الذكرى»: قال: عنه×: من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر([110]).

أما من الناحية السندية فالرواية ضعيفة؛ بسبب الرفع من الشهيد في الذكرى إلى الإمام مباشرة.

وأما من الناحية الدلالية فهي تدل على أن وقت العصر ينتهي بغروب الشمس. ويمكن أن تدل على أن غروب الشمس هو الحد الفاصل بين وقتي العصر والمغرب، إلا أن هذا بحاجة إلى مراجعة أكثر.

فالرواية غير تامة الدلالة.

15ـ رواية معاوية بن عمار: قال: قال أبو عبد الله×: إن المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس فخالفهم رسول الله وأفاض بعد غروب الشمس([111]).

أما من الناحية السندية فالرواية صحيحة السند.

وأما من الناحية الدلالية فإن هذه الرواية، وإن وردت في كتاب الحج، إلا أن ارتباط حكم الإفاضة من عرفات بالغروب يمكن أن يكشف لنا عن المراد من الغروب عند النبي والأئمة من خلال هذه الروايات، ولكنّ هذا بحاجة إلى بحث وتدقيق في روايات الحج والصوم. والنتيجة التي تظهر هناك يمكن أن تخدم هذه الروايات.

فالرواية لا يستدل بها في المقام.

ونتيجة هذه المجموعة على الشكل التالي:

الروايات التي ثبت أنها صحيحة هي: (7 ـ 9 ـ 10 ـ 15).

والروايات التامة دلالةً هي: (1 ـ 3 ـ 4 ـ 5 ـ 6 ـ 7 ـ 8 ـ 9ـ 10 ـ 11 ـ 12 ـ 13 ـ 17).

والنتيجة على المستوى السندي والدلالي معاً هي: الروايات رقم: (7 ـ 9 ـ10).

وعليه يمكن القول بأن الذي يُطمأنّ به؛ من خلال هذا المجموع من الروايات، والتي جاءت على لسان واحد في ما يتعلق بالغروب أو غروب الشمس، وعدم البيان في مقام البيان، ووجود قرائن في بعض الروايات، بالإضافة المعنى الظاهر لغةً وعرفاً، أن المراد من غروب الشمس هو خفاؤها وغيابها فقط.

 

المجموعة الثانية: روايات الحمرة الشرقية

إن أول من أشار إلى نظرية الحمرة المشرقية هو المحقِّق الآبي (كان حياً في 672هـ)، ومن خلال مراجعتي للمصادر المتوفرة لم أجد من تحدَّث عن هذا الشرط في تحقق الغروب، ودخول وقت صلاة المغرب([112]).

وأول من طور نظرية الحمرة ـ بحسب التتبع ـ هو العلامة الحلي، فقد تحدث عن إجماع المسلمين على مسألة المغرب، واختلاف العلماء في علامته، ثم قال: إن مسألة ذهاب الحمرة هي المشهورة، ثم ضعَّف القول الذي يقول بسقوط القرص، واستقربه في خصوص الصحاري، دون أمكنة العمران والجبال([113]).

والروايات التي يمكن أن يستدل بها على ذلك هي:

1ـ رواية بريد بن معاوية: عن أبي جعفر× قال: إذا غابت الحمرة من هذا الجانب، يعني من المشرق، فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها([114]).

 أما من الناحية السندية فالرواية ـ على بعض المباني ـ ضعيفة السند؛ بالقاسم بن عروة، فهو لم يوثَّق؛ وعلى مبنى وثاقة مَنْ روى عنه الثلاثة فهي صحيحة.

 وأما من الناحية الدلالية فهي تدل على أن غياب الحمرة من المشرق يدل على غياب الشمس. إلا أنه يوجد ملاحظة لغوية، وهي أن الإمام إذا أراد أن يوضح كلامه أكثر فهل يستعمل عبارة يعني أو أعني؟

وبعد مراجعة أهم المصادر اللغوية([115]) لم أجد أن المتكلم يستعمل كلمة يعني في بيان مراده، وإنما تستعمل لكلامٍ ماضٍ، أو مفصول عن المتكلم. وقد وجدت في بعض المعاجم ما يؤيِّد أن ما يستعمل للبيان وزيادة التوضيح هو كلمة «عنيت»، وجاءت على الشكل التالي: عنيت بالقول كذا، أي أردت وقصدت([116])؛ وكلمة أعني، وجاءت على الشكل التالي: عنيت الشيء أعنيه، إذا كنت قاصداً له([117]). فالذي يستعمل اليوم في البيان عندما يقول المتكلم كلاماً ثم يقول: «يعني» هو من الخطأ الشائع، ولا دليل عليه من اللغة والاستعمالات المدوَّنة في المعاجم. كما أن نفس التأمُّل في كلمة «يعني» التي ينصرف فيها الضمير إلى شخص آخر وكلمة «أعني» التي ينصرف فيها الضمير إلى نفس المتكلم دليلٌ على صحة ما قلته. بل وحتى لو أراد المتكلم بيان ما خرج منه من كلام ومضى، فهو يقول: «عنيت»، ولا يقول: يعني. وهذا يؤكد ما قلتُه من أن كلمة «يعني» الموجودة في عدة روايات إنما هي من إضافة وتوضيح الناقل، وليس من كلام الإمام، وخصوصاً إذا وضعنا في الحسبان كيفية الكتابة في ذلك الزمان، وعدم وضع الفواصل والنقاط والجمل الاعتراضية و…، حتى نعرف المتن الأساسي من الإضافات والتوضيحات، وهذا ما يلاحظه المقارن بين الروايات، ولا سيما تلك التي لها عدة طرق مختلفة.

وبمراجعة الطرق والأسانيد الأخرى لهذه الرواية، التي لم تَرِد فيها كلمة «يعني»، يكاد يطمأن إلى هذا الكلام([118]). إلا أن هذا لا يؤثر على دلالة هذه الرواية هنا؛ لأن هذه العبارة (يعني من المشرق) هي عبارة عن زيادة توضيح، فتحدد المكان، وإن كنا لا نحتاج إلى ذلك؛ لأن الحمرة المترقبة هي إما في المشرق وإما في المغرب، ومن الواضح أن المقصود ليس حمرة المغرب، فتتعين حمرة المشرق. لذلك أتصور أن العبارة الزائدة هي إما من الناقل المباشر أوغير المباشر؛ لزيادة التوضيح، فتكون الرواية التي ذكرها الإمام من دون هذه الزيادة، وحذفُها هو نقلُ كلام الإمام بشكل تام ومن دون زيادة، غير أنه يفتح الباب أمام القول بأن بعض الروايات التي يتصور أنها حرفيةٌ هي منقولةٌ بالمعنى، وهذا يفرض علينا جهداً إضافياً في التدقيق في الروايات، وعدم الاكتفاء بالمنقول.

ومع ذلك فإن دلالة هذه الرواية تامة.

2ـ رواية أحمد بن أشيم: عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله× قال: سمعته يقول: وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق، وتدري كيف ذلك؟ قلت: لا، قال: لأن المشرق مطلٌّ على المغرب هكذا، ورفع يمينه فوق يساره، فإذا غابت ها هنا ذهبت الحمرة من ها هنا([119]).

أما من الناحية السندية فالرواية ضعيفة؛ بعلي بن أحمد بن أشيم، فهو لم يوثَّق في كتب الرجال([120])، ولم يُذكر أصلاً في بعضها.

 وأما من الناحية الدلالية فالإمام يعلِّم من لا يعرف وقت المغرب، فيعطيه أوضح مثال في ذاك الزمن، وهو أن غياب الحمرة من المشرق يعني غروب الشمس، وقد احتاج الإمام إلى استعمال الإشارة بيده، وهذا يدل على المستوى العلمي عند الطرف المقابل.

فالرواية تامة الدلالة.

3ـ رواية محمد بن علي: قال: صحبت الرضا× في السفر، فرأيته يصلي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق، يعني السواد([121]).

أما من الناحية السندية فسندها ضعيفٌ؛ بمحمد بن علي، فهو لم يوثَّق في كتب الرجال([122]).

وأما من الناحية الدلالية فهي تدل على أن الإمام صلى صلاة المغرب عند ذهاب الحمرة من المشرق، إلا أن هذا لا يدل على التكرار؛ إذ لعله صاحب الإمام في سفره لليلة واحدة. كما أن دلالتها صامتة، ينقل فيها الراوي صلاة الإمام عند ذهاب الحمرة من المشرق، ونحن لا نعرف الظرف المحيط بالإمام وسفره.

فالرواية غير دالة على المطلوب.

4ـ رواية عمار الساباطي: عن أبي عبد الله× قال: إنما أمرت أبا الخطاب أن يصلي المغرب حين زالت الحمرة (من مطلع الشمس)، فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب، وكان يصلي حين يغيب الشفق([123]).

أما من الناحية السندية فالرواية صحيحة.

وأما من الناحية الدلالية فالإمام يعترض على عمل أبي الخطاب، وهو رجلٌ غالٍ، ملعونٌ على لسان الإمام الصادق، واسمه محمد بن مقلاص الكوفي، وكان صاحب بدع وأهواء، فقد أمره الإمام بصلاة المغرب عند ذهاب الحمرة من ناحية المشرق، فصار يصلي المغرب عند ذهاب الحمرة من ناحية المغرب وسقوط الشفق، مع أن المعلوم أن ذهاب الشفق يرتبط بصلاة العشاء.

فالرواية تدل على أن صلاة المغرب تكون عند ذهاب الحمرة من المشرق، وليس من المغرب.

فهي تامة الدلالة.

5ـ رواية محمد بن شريح: عن أبي عبد الله× قال: سألته عن وقت المغرب؟ فقال: إذا تغيَّرت الحمرة في الأفق، وذهبت الصفرة، وقبل (أن) تشتبك النجوم([124]).

أما من الناحية السندية فالرواية ضعيفة؛ بعلي بن الحارث، فهو لم يوثَّق في كتب الرجال([125]).

وأما من الناحية الدلالية فالإمام يحدد أن وقت المغرب يكون بعد ذهاب الصفرة، التي هي من آثار الحمرة([126]) لا الشمس، يعني بعد أن تذهب الحمرة من المشرق، وتذهب بعدها الصفرة، وقبل أن نرى النجوم في السماء متشابكة، يكون هذا الوقت هو وقت صلاة المغرب.

فالرواية تؤيد الروايات السابقة في الدلالة على المطلوب.

6ـ رواية يعقوب بن شعيب: عن أبي عبد الله× قال: قال لي: مسّوا بالمغرب قليلاً؛ فإن الشمس تغيب من عندكم قبل أن تغيب من عندنا([127]).

أما من الناحية السندية فالرواية صحيحة.

وأما من الناحية الدلالية فالإمام يدعوهم إلى أن يمسّوا بالمغرب، وهو مأخوذ من المساء، أي أن يؤخِّروا صلاة المغرب إلى أول الليل، أو قريباً من الليل. ويحتمل في كلام الإمام عدة وجوه:

1ـ الاحتياط، وربما كان ذلك لسبب لا نعرفه.

2ـ حتى تذهب الحمرة المشرقية.

3ـ لكونه في مكان منخفض أو في جغرافيا معينة، بحيث لا يتيسر لهم المعرفة تحقق المغرب. وذيل الرواية يشير إلى أن الإمام هو الذي دعاهم إلى تأخير صلاة المغرب في منطقة واحدة؛ لبعض الخصوصيات، وهي أن الشمس تغيب من عندهم قبل أن تغيب من منطقة الإمام، فيظنّون أنها قد غابت، كما لو كان بينهم وبين غروب الشمس جبل مثلاً، أو لسبب آخر لا نعلمه.

فالرواية غير دالة على المطلوب بشكل واضح؛ لتعدد الاحتمالات فيها.

 7ـ رواية محمد بن عبد بن وضاح: قال: كتبت إلى العبد الصالح×: يتوارى القرص ويقبل الليل، ثم يزيد الليل ارتفاعاً، وتستر عنا الشمس، وترتفع فوق الليل حمرة، ويؤذن عندنا المؤذِّنون، أفأصلي حينئذ وأفطر إن كنت صائماً أو أنتظر حتى تذهب الحمرة إلى فوق الليل؟ فكتب إليّ: أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة، وتأخذ بالحائط لدينك([128]).

أما من الناحية السندية فالرواية صحيحة.

وأما من الناحية الدلالية فالسائل يسأل الإمام أنه بعد سقوط القرص، وبعد أن يؤذن المؤذِّن، أصلي وأفطر أو أنتظر حتى تذهب الحمرة؟ فيجبيه الإمام: أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة. و«أرى لك» يعني الأفضل. والذي يطمأن له أكثر؛ بقرينة ذيل الرواية الذي يقول الإمام فيه: وتأخذ بالحائط، أن ذلك إنما هو لتحصيل سقوط القرص.

فدلالاتها احتياطية لا تفيد على مستوى تأسيس حكم. ولسانها لسان الأفضلية. غير أنها دالة على المطلوب.

8 ـ رواية ابن أبي عمير: عن أبي عبد الله× قال: وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار (من الصيام) أن تقوم بحذاء القبلة، وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق، فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص([129]).

أما من الناحية السندية فالرواية ـ على بعض المباني ـ ضعيفة السند؛ بسهل بن زياد، فهو لم يوثَّق في كتاب الرجال([130])؛ وعلى بعض المباني صحيحة. إلا أني ـ رغم محاولة البعض توثيقه ـ لا أطمئن لهذه المحاولة مع وجود هذا الطعن والجرح فيه. كما أن الرواية من مراسيل ابن أبي عمير، وبالتالي تكون الرواية ضعيفة عند من لا يأخذ بمراسيله. كما أن البعض ضعَّف محمد بن عيسى، ووثّقه بعضهم، فالرواية ضعيفة عند من يتوقَّف في رواياته أيضاً.

وأما من الناحية الدلالية فالإمام الصادق× يتحدث مع شخص من منطقة معينة، ويحدد له كيفية التأكد من ذهاب القرص، من خلال النظر إلى ناحية القبلة، التي هي جهة مشرق الشمس، فيتفقد الحمرة، فإذا ذهبت الحمرة إلى ما بعد وسط السماء باتجاه الغروب فعند ذلك يجب الإفطار، ويكون القرص قد سقط تماماً.

وتعتبر هذه الرواية أقوى رواية في الدلالة على تحقق المغرب بذهاب الحمرة. وقد علَّق عليها مجموعة من العلماء. فقد قال الشهيد الأول، بعد ذكر هذه الرواية: وهذا صريح في أن زوال الحمرة علامة سقوط القرص([131]).

وعلق المحقِّق الكركي بالقول: وهو صريح في أن زوال الحمرة علامة سقوط القرص، الذي هو غيبوبة الشمس([132]).

وقال الشهيد الثاني: وهذا الحديث دلّ على أن سقوط الحمرة علامة سقوط القرص، وهو موافق الاعتبار، فإن المراد بسقوط القرص وغيبوبة الشمس سقوطه عن الأفق الغربي، لا خفاؤها عن أعيننا؛ لأن ذلك يحصل بسبب ارتفاع الأرض([133]).

وعلّق المحقِّق السبزواري أيضاً: وهذا صريح في أن زوال الحمرة علامة سقوط القرص([134]).

وعلّق المحقِّق الخوانساري بالقول: وهذا صريح في أن زوال الحمرة علامة سقوط القرص([135]).

ومع التدقيق في تعليقات الأعلام السابقة على الرواية، وتكرر كلمة علامة على سقوط القرص، يتبين معنا علامية وإرشادية ودلالة ذهاب الحمرة على أن المغرب الشرعي قد تحقق، أو عدم توقف تحقق الوقت على ذهاب الحمرة.

وقد علَّق السيد الخوئي بأن هذه الرواية ضعيفة الدلالة؛ لأن مدلولها غير مطابق لما هو المشاهد بالوجدان، فإن من نظر إلى المشرق عند الغروب رأى أن الحمرة قد ارتفعت من ناحيته ثم زالت، وحدثت حمرة أخرى في ناحية المغرب. إذاً فالحمرة المشرقية تعدم عند الغروب وتحدث حمرة أخرى، لا أن تلك الحمرة باقية سارية تتعدى من المشرق إلى المغرب، كما هو صريح الرواية، حيث قال: فإذا جازت قمة الرأس ناحية المغرب([136]).

إلا أنه يمكن أن يقال: إن المسألة ليست بهذا الشكل، بحيث تختفي الحمرة من ناحية المشرق وتظهر في المغرب، بل إن شعاع الشمس الموجود في المشرق هو امتداد للشمس التي تغيب في المغرب، وكلما غابت الشمس كلما صار هذا الشعاع ينسحب من المشرق تدريجياً إلى المغرب، وفي وسط هذه العملية غير التامة في وضوحها يصل الشعاع في الانسحاب إلى وسط السماء، وهو ما يعبر عنه بفوق الرأس، ثم يكمل إلى أن ينحسر في الأفق الغربي، ويبقى مدة ثم يختفي.

فلا مشكلة في دلالتها. وإنما الإشكال كيف أن الإمام طلب من الراوي أن يقوم بحذاء القبلة، أي باتجاه القبلة، التي هي جهة المشرق أيضاً، وهل يصح هذا من الناحية الخارجية أو لا؟

إن بيان الإمام للسائل عن طلب القبلة لمعرفة الحمرة المشرقية يدل على أن المنطقة التي كان فيها الإمام أو السائل أو كليهما هي منطقة غرب مكة، وهي ما يعبر عنها الآن بمنطقة جدة وما يحيطها.

 إلا أنه قد يقال: إن ما ذكره الإمام هو عبارة عن العلامة التي يتيقن معها سقوط القرص، والإمام نفسه صدَّر الكلام بقوله: وقت سقوط القرص… وقد يقال: إن الإمام حدد بذلك المفهوم الشرعي لسقوط القرص، وهو ذهاب الحمرة المشرقية.

إلا أن هذا الكلام غير دقيق. فقد يكون له وجه لو ساعدت الروايات على ذلك. وسوف تأتي الروايات التي اشترطت سقوط القرص فقط، من دون الإشارة إلى الحمرة المشرقية. وسوف نرى مجموع الروايات التي تتحدث عن الحمرة، والروايات التي تتحدث عن القرص فقط، ونقارن بينهما. هذا مضافاً إلى ما علق به الأعلام على هذه الرواية من كون الحمرة علامة على سقوط القرص، ومعنى ذلك أنه لو تحققت علامة أخرى، أو عاينّا الغروب، فلا نحتاج إلى هذه العلامة.

فالرواية تامة الدلالة.

9ـ رواية يونس بن يعقوب: قال: قلت لأبي عبد الله×: متى تفيض من عرفات؟ فقال: إذا ذهبت الحمرة من هنا، وأشار بيده إلى المشرق وإلى مطلع الشمس([137]).

أما من الناحية السندية فالرواية صحيحة السند، وكل رواتها من الإمامية الثقات.

وأما من الناحية الدلالية فهي، وإن وضعها الحر العاملي في باب عدم جواز الإفاضة من عرفات قبل الغروب، إلا أنها تفيد في البحث عن الغروب؛ لأن الظاهر أن الغروب من الناحية الشرعية متَّحد في صلاة المغرب وإفطار الصائم وإفاضة الحاج وغسل المستحاضة. وقد اشترط الإمام ذهاب الحمرة المشرقية للإفاضة من عرفات. إلا أنه لا بد من معرفة أن هذا الشرط هو شرط قيد أو شرط علامة. وهذا ما سوف يتضح من خلال الاطلاع على كل الروايات.

فهذه الرواية تصلح كمؤيِّد للروايات السابقة، وهي تامة الدلالة.

10ـ رواية بكر بن محمد: عن أبي عبد الله× أنه سأله سائل عن وقت المغرب؟ فقال: إن الله يقول في كتابه لإبراهيم×: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي} (الأنعام: 76)، فهذا أول الوقت، وآخر ذلك غيبوبة الشفق، وأول وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة، وآخر وقتها إلى غسق الليل، يعني نصف الليل([138]).

أما من الناحية السندية فالرواية صحيحة السند.

وأما من الناحية الدلالية فيمكن أن يقال: إن السائل يسأل الإمام عن وقت المغرب، وقد أجابه الإمام عن شيء آخر؛ لأن (جن الليل) هو إسداله الظلام، لا مجرد غروب الشمس. ورؤية الكوكب تؤيد هذا الكلام. إلا أنه يمكن أن يكون الإمام في مقام بيان الاستحباب؛ لبعض القرائن والظروف التي لم تذكر في الروايات، أو يكون الإمام في مقام بيان الترخيص.

وقد يقال: إن هذا الكلام يتعارض مع الروايات التي ذمت تأخير صلاة المغرب.

ويجاب عنه بأن اللعن والذم انصب على تحريف كلام الإمام والإعلان أن هذا ما أمر به، لا مجرد إمكانية التأخير. وبعبارة أخرى: إن النهي انصب على التشريع من أبي الخطاب ومن اتَّبعه، في مقابل ما ذكره الإمام من حكم، وهذا سوف يؤدي إلى إيجاد الخلاف وتشويه مذهب أهل البيت^([139]).

وقد يقال: إن ذهاب الحمرة المشرقية يستلزم رؤية كوكب. وقد قالوا من الناحية العلمية: إن الذي يمكن رؤيته هو كوكب الزهرة السيّار. وهذا ما ذكرته الروايات أيضاً. فتكون رؤيةُ الكوكب علامةً على ذهاب الحمرة المشرقية. وعند ذلك يتضح المراد من كلام الإمام، وأن موضع الشاهد في مقطع الآية «رأى كوكباً»، وليس «جن الليل»، فيرتفع الإشكال من الأساس.

فهي لا تدل بشكل مباشر على ذهاب الحمرة، إلا أن الدلالة غير المباشرة تصب في صالح اشتراط ذهاب الحمرة في دخول وقت صلاة المغرب.

فهي تامة الدلالة بالملازمة التي تقول: إن رؤية كوكب الزهرة يلازم ذهاب الحمرة المشرقية.

11ـ رواية شهاب بن عبد ربّه: قال: قال أبو عبد الله×: يا شهاب، إني أحب إذا صليت المغرب أن أرى في السماء كوكباً([140]).

أما من الناحية السندية فهي صحيحة السند.

وأما من الناحية الدلالية فهي تدل على أن الإمام يحب إذا صلى صلاة المغرب أن يرى في السماء كوكباً. ومما تقدم يظهر أن رؤية الكوكب المراد في الرواية هو كوكب الزهرة السيّار، الذي يمكن رؤيته بعد ذهاب الحمرة المشرقية مباشرة، فيكون حب الإمام منصبّاً على التأكد من تحقق الغروب.

وإن قيل: هذا يصح دليلاً على أن المراد من الغروب هو ذهاب الحمرة المشرقية فيمكن الجواب عنه:

أولاً: لا يمكن الخروج بهذه النتيجة في رواية واحدة، من دون مراجعة كل الروايات.

وثانياً: لو كانت الحمرة متعينة لما قال الإمام: أحب أن أرى في السماء كوكباً.

وثالثاً: إن لسان الرواية لا يدل على إصدار حكم أو تقييد حكم معين، وإنما لسانه لسان الأفضلية، وهذا ينسجم مع العلامة أكثر من الشرط.

إلا أن دلالة الرواية تامة بالملازمة، كالرواية السابقة.

أقول: هذا ما أمكن جمعه وحشده من روايات تتحدث عن أن وقت الصلاة أو وقت الغروب يتحقق عند ذهاب الحمرة المشرقية.

ونتيجة هذه الطائفة على الشكل التالي:

الروايات الصحيحة سنداً: (4 ـ 6 ـ 7 ـ 9 ـ 10 ـ 11).

والروايات التامة دلالة: (1 ـ 2 ـ 4 ـ 5 ـ 7 ـ 8 ـ 9).

وأما التامة دلالة وسنداً فهي: الروايات رقم (4 ـ 7 ـ 9).

 كما أنه لا بد من الالتفات إلى أن العمدة في هذه الروايات الروايتان الأولى والسادسة؛ لأن السابعة تفيد الاحتياط، والتاسعة والعاشرة والحادية عشر تحتوي على دلالة بشكل غير مباشر. كما أن الرواية الأولى تفيد مفروغية تحقق الغروب الشرعي بعد ذهاب الحمرة المشرقية؛ بقرينة ذيل الرواية في قوله× «من شرق الأرض وغربها». نعم، يوجد فيها إيحاء بأن هذه العلامة أساسية وواضحة في التأكيد والاطمئنان لتحقق الغروب أو غياب الشمس، إلا أنها ضعيفة السند.

والرواية السادسة فيها عدة احتمالات، ولسان الاحتياط ظاهر فيها، فلا يمكن التأسيس فيها. والذي ثبت على صعيد السند والدلالة هو الرواية السابعة والتاسعة فقط. والسابعة؛ بقرينة «أرى» لسانُها لسان احتياط. أما التاسعة فهي واردة في باب الإفاضة من عرفات، ولا تكفي.

فلا تبقى أية رواية تامة من كل الجهات على تحقق الغروب بذهاب الحمرة المشرقية.

ـ يتبع ـ

الهوامش

(*) كاتب في الحوزة العلمية، من لبنان.

([1]) ترتيب كتاب العين، للخليل بن أحمد الفراهيدي 2: 1333.

([2]) معجم مقاييس اللغة: 786، باب غرب.

([3]) تاج العروس وصحاح العربية 1: 172.

([4]) الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن: 604.

([5]) النهاية في غريب الحديث والأثر 3: 991.

([6]) لسان العرب 10: 31.

([7]) قاموس المصباح المنير: 236.

([8]) القاموس المحيط: 123.

([9]) مجمع البحرين 1 ـ 2: 378.

([10]) تاج العروس 3 ـ 4: 285 ـ 289.

([11]) كشف الرموز في شرح مختصر النافع 1: 127.

([12]) الجامع للشرائع: 155.

([13]) كتاب تذكرة الفقهاء 2: 310.

([14]) البيان: 109.

([15]) التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 1: 168.

([16]) المهذب البارع في شرح المختصر النافع 1: 286.

([17]) جامع المقاصد في شرح القواعد 2: 17.

([18]) مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان 2: 20.

([19]) هداية الأمة إلى أحكام الأئمة 2: 38.

([20]) كشف اللثام والإبهام عن قواعد الأحكام 3: 33.

([21]) الحدائق الناضرة 6: 174.

([22]) سداد العباد ورشاد العباد: 68.

([23]) مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة 5: 77.

([24]) الرياض 2: 205.

([25]) كتاب الصلاة 1: 70.

([26]) رسالة في العدالة: 73.

([27]) اللمعات النيرة في شرح تكملة التبصرة 2: 9.

([28]) كتاب الصلاة 1: 62.

([29]) كتاب الصلاة: 11.

([30]) تقرير بحث السيد البروجردي 2: 301.

([31]) كتاب الصلاة 1: 74.

([32]) منهاج الصالحين 1: 180، مسألة 5.

([33]) العروة الوثقى 2: 252.

([34]) مختصر الأحكام: 49، مسألة 201.

([35]) الفتاوى الواضحة: 374، مسألة 32.

([36]) منهاج الصالحين 1: 137، مسألة 502.

([37]) كتاب الصلاة: 124.

([38]) أجوبة الاستفتاءات 1: 107،مسألة 360.

([39]) المسائل المنتخبة: 115.

([40]) توضيح المسائل: 316 مسألة 741، يحتاط بالحمرة.

([41]) توضيح المسائل: 124، مسألة 727.

([42]) توضيح المسائل: 152.

([43]) حياة ابن أبي عقيل: 159.

([44]) نقله المعتبر في شرح المختصر 2: 40.

([45]) علل الشرائع 2: 350.

([46]) شرح جمل العلم والعمل: 66.

([47]) المبسوط 1: 74.

([48]) المراسم:62.

([49]) المهذب 1: 69.

([50]) شرائع الإسلام 1: 51.

([51]) كتاب غاية المرام في شرح شرائع الإسلام 1: 117.

([52]) مفاتيح الشرائع 1: 94.

([53]) ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار 3: 394.

([54]) مصابيح الظلام 5: 487.

([55]) مستند الشيعة في أحكام الشريعة 4: 25.

([56]) جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 7: 106.

([57]) مصابيح الفقيه 9: 142.

([58]) مهذب الأحكام 5: 64 ـ 65.

([59]) منهاج الصالحين 1: 141 مسألة 475.

([60]) منهاج الصالحين 1: 160 مسألة 12.

([61]) منهاج الصالحين 1: 141 مسألة 502.

([62]) منهاج الصالحين 1: 202 مسألة 501.

([63]) فقه الشريعة 1: 249.

([64]) بهجت الفقيه: 78.

([65]) مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام 3: 53.

([66]) كفاية الأحكام 1: 77.

([67]) الوافي 7: 266.

([68]) راجع: المجموع 3: 29؛ فتح العزيز 3: 20 ـ 21؛ المغني 1: 424؛ الشرح الكبير 1: 472؛ بداية المجتهد 1: 95.

([69]) تذكرة الفقهاء 2: 310.

([70]) المعتبر في شرح المختصر 2: 41.

([71]) شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام 1: 51.

([72]) منتهى المطلب 4: 46.

([73]) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام 1: 117.

([74]) جامع المقاصد في شرح القواعد 2: 17.

([75]) مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام 3: 64.

([76]) رياض المسائل 2: 205.

([77]) حياة ابن أبي عقيل العماني: 159.

([78]) المبسوط 1: 74.

([79]) التبيان في تفسير القرآن 6: 509.

([80]) مفردات ألفاظ القرآن: 606.

([81]) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل 9: 85.

([82]) التحرير لابن عاشور 14: 144.

([83]) التحرير والتنوير 11: 342.

([84]) التبيان في تفسير القرآن 6: 80.

([85]) حياة ابن أبي عقيل وفقهه: 160؛ مستند الشيعة في أحكام الشريعة 15: 255؛ ابن البراج، المهذب 1: 142؛ وغيرهم…

([86]) ترتيب كتاب العين 3: 1667.

([87]) تهذيب الأحكام 2: 213، في فضل الصلاة والمفروض منها والمسنون، الحديث 23.

([88]) وسائل الشيعة 4: 61، الباب 14 من أبواب أعداد الفرائض، الحديث 6.

([89]) وسائل الشيعة 4: 174، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 5.

([90]) معجم رجال الحديث 4: 25.

([91]) وسائل الشيعة 4: 179، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 19.

([92]) وسائل الشيعة 4: 179ـ 180، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 22.

([93]) معجم رجال الحديث 12: 358 ـ 366.

([94]) وسائل الشيعة 4: 180، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 23.

([95]) وسائل الشيعة 4: 181، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 24.

([96]) معجم رجال الحديث 15: 29 ـ 35.

([97]) وسائل الشيعة 4: 182، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 26.

([98]) وسائل الشيعة 4: 182، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 28.

([99]) رجال ابن الغضائري 1: 56.

([100]) رجال النجاشي: 185.

([101]) رجال ابن الغضائري: 83.

([102]) رجال النجاشي: 403 ـ 406.

([103]) رجال النجاشي: 249 ـ 250.

([104]) وسائل الشيعة 4: 182 ـ 183، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 29.

([105]) وسائل الشيعة 4: 183 ـ 184، الباب 17 من أبواب المواقيت، الحديث 1.

([106]) وسائل الشيعة 4: 184، الباب 17 من أبواب المواقيت، الحديث 2.

([107]) وسائل الشيعة 4: 184، الباب 17 من أبواب المواقيت، الحديث 4.

([108]) وسائل الشيعة 4: 186، الباب 17 من أبواب المواقيت، الحديث 11.

([109]) معجم رجال الحديث 15: 29 ـ 35.

([110]) وسائل الشيعة 4: 218.

([111]) وسائل الشيعة 13: 56.

([112]) كشف الرموز في شرح المختصر النافع 1: 172.

([113]) تذكرة الفقهاء 2: 310.

([114]) وسائل الشيعة 4: 172، باب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 1.

([115]) كتاب العين، للفراهيدي؛ والصحاح، للجوهري؛ ومعجم مقاييس اللغة؛ والنهاية؛ والقاموس المحيط؛ ومجمع البحرين؛ و….

([116]) الجوهري، الصحاح 5: 1942.

([117]) لسان العرب 5: 445.

([118]) راجع: وسائل الشيعة 4: 175، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 7.

([119]) وسائل الشيعة 4: 173، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 3.

([120]) معجم رجال الحديث 12: 271.

([121]) وسائل الشيعة 4: 175، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 8.

([122]) معجم رجال الحديث 17: 308 ـ 314.

([123]) وسائل الشيعة 4: 175 ـ 176، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 10.

([124]) وسائل الشيعة 4: 176، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 12.

([125]) معجم رجال الحديث 12: 325.

([126]) الوافي 7: 267.

([127]) وسائل الشيعة 4: 176، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 13.

([128]) وسائل الشيعة 4: 176 ـ 177، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 14.

([129]) وسائل الشيعة 4: 173ـ 174، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 4.

([130]) معجم رجال الحديث 9: 354.

([131]) ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة 2: 342.

([132]) جامع المقاصد 2: 17.

([133]) روض الجنان (ط.ق): 173.

([134]) ذخير المعاد (ط.ق): 193.

([135]) مشارق الشموس (ط.ق) 2: 347.

([136]) شرح العروة الوثقى 11: 173.

([137]) وسائل الشيعة 13: 557، الباب 22 من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة، الحديث 2.

([138]) وسائل الشيعة 4: 174، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 6.

([139]) راجع: ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد 2: 193.

([140]) وسائل الشيعة 4: 175، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 9.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً