أحدث المقالات

في عام 1798م أصدر عالم الرياضيات والإقتصاد توماس مالتوس كتاباً تحت عنوان “مقالة في مبدأ السكان” ذكر فيه أن عدد سكان الأرض يتزايد حسب متوالية هندسية (…..1,2,4,8,16) بينما الموارد الغذائية تـتبع متوالية حسابية (…..1,2,3,4) وبالنتيجة سوف يتضاعف عدد سكان الأرض كل 25 عاماً، بينما الموارد الغذائية تزداد بشكل بطيء جداً مما يسبب أزمة في الغذاء والماء والطاقة تدفع نحو ازدياد الفقر والمجاعة والحروب في العالم وسوف ينحدر الجنس البشري الأفضل ولذلك لابد من اتخاذ علاجات مسبقة لتوقي هذه الكارثة.

لحل أزمة الإنفجار السكاني المتوقعة طرح مالتوس عدة علاجات منها التشديد على الفقراء، وتأخير الزواج، وتأخير وتقنين الإنجاب، والتشجيع على عدم الزواج و إباحة الزنا ولكن أقسى تلك العلاجات هو تشجيع نشر المجاعة والأمراض الفتاكة، بحجة أن  (الغايات النبيلة تُبرر الوسائل الوحشية.

Urgent ends justify horrible means.

بناءا على نظرية وعلاجات مالتوس تم استحداث وتطبيق “قانون الفقراء الحديدي” رسمياً في الحكومة البريطانية عام 1834م، والذي أجبر الفقراء على العيش في الإصلاحيات لضبط ومنع تناسلهم، كما تمّ تشجيع المجاعة في إيرلاندا والتي راح ضحيتها مليون شخص وتشجيع المجاعة في الهند والتي ذهب ضحيتها عشرة ملايين شخص بالرغم من توفر بل تضاعف صادرات الغذاء في تلك السنة بالذات، وكان المبرر لهاتين الكارثتين هو مبدأ مالتوس كما استشهد بذلك حاكم الهند روبرت بولور آنذاك، وأما في أمريكا فقد تم تعقيم مئات الآلاف من السود والهنود لوقف تناسلهم.

تأثر بفكر مالتوس العديد من العلماء والفلاسفة ومنهم الفرد ووليس وشارلز دارون والذين أخذا منه فكرة “الصراع من أجل البقاء” وكذلك هيجل وهيدجر وغيرهم الكثير، فكان هؤلاء العلماء يؤيدون نظرية مالتوس في التحكم بالسكان عبر الطرق القاسية من أجل الأهداف النبيلة على حد زعمهم، فقد بيّن شارلز دارون في كتابه The Descent of Man استياءه من أن الضعفاء والمرضى والفقراء والمعوقين يحصلون على أدوية وتطعيم ومساعدات، وأما الفيلسوف هيجل وطلابه فكانوا هم السبب في انشاء القوانين العنصرية في المجتمع الألماني والتي قادت إلى تعقيم أكثر من 400 الف شخص وقتل اكثر من 70 الف من المرضى والضعفاء والأطفال والغجر والشواذ جنسياً  ثم تبعها المحرقة النازية والتي قتلت أكثر من 6 مليون شخص كما يؤكد ذلك مات ريدلي في كتابه “تطور كل شيء”، والذي يقول (كنت أظن ان تاريخ الوحشية في الغرب تم على شكل حلقات منفصلة ولكن مع تعمق البحث تبيّن لي أن هذه الحلقات مترابطة بحبل يرجع إلى منطق خاطيء)

وأما الكتب العلمية التي تناولت نظرية مالتوس وبنت عليها الكثير من العلاجات و احتوت على فتاوى علمية للقتل والإبادة والتعقيم ونشر المجاعة والأمراض فهي كثيرة وقد أُعيد طبع بعضها عدة مرات وتُرجم بعضها إلى عدة لغات وأشهرها:

1- The Passing of Great Race

2- The Next Million Years

3- A Blue Print To Survival

4- The Limits to Growth

5- Our Plundered Planet

6- Road to Survival

7- The Population Boom

أما الكتاب الأول فكان الكتاب المقدس عند هتلر وطبّق ما جاء فيه من فتاوى، وأما الكتابين الثالث والرابع  فتم ترجمتهما إلى اللغة الصينية وتمت تطبيق الفتاوى التي جاءت فيهما حتى حدث ما اطلق عليه الدكتور مات ريدلي “هولوكست” في الصين، وأما الكتاب الثاني وهو لحفيد دارون وهو دكتور شارلز غولتن كان يرى أن الطريقة المثلى في التحكم بتكاثر السكان هي “عبر الحروب وقتل الأطفال والتعقيم”.

أما الكتاب السابع والذي يُعتبر وحشي وقاسي فقد شبّه الانفجار السكاني بالسرطان ويجب استئصاله والقضاء عليه وإن كانت العملية مؤلمة وذلك حفاظاً على الإنسانية!

وأما المؤتمرات العلمية التي أُقيمت في هذا الجانب فهي ثلاثة مؤتمرات تحت عنوان “تحسين النسل” Eugenics ، وكان الأول عام 1912م في لندن تحت رئاسة ليونارد ابن شالز دارون حيث افـتـتح المؤتمر بقوله (لابد للإنتخاب الواعي أن يستبدل القوى العمياء للإنتخاب الطبيعي) وفي المؤتمر الثاني والذي أُقيم في نيويورك عام 1921م كان ليونارد أشد صراحةً حيث قال (إن لم نتدخل فسوف تضمحل الحضارة الغربية خلال مائة عام!) بعدها بدأت مشاريع القتل والتعقيم. والمؤتمر العلمي الثالث كان في متحف التاريخ الطبيعي في نيويورك عام 1932م، وكانت نتائجه التعقيم في أمريكا والتعقيم والقتل في أوروبا من أجل فرز الإنسان العظيم لتكوين الدول العظيمة!

من أشد المعارضين لنظرية مالتوس هم كارل ماركس وفريدريك انجلز، فقد اعتبر انجلز نظرية مالتوس بأنها ” أكثر نظرية وحشية وبربرية في الوجود”.

Engels called Malthus’s hypothesis “the crudest, most barbarous theory that ever existed”

هذه لمحة سريعة عما أحدثـته نظرية مالتوس وهذا غيض من فيض من المآسي والوحشية التي مرّت بها البشرية بسبب فتاوي بعض علماء الطبيعة.

أثبت الزمن بطلان نظرية مالتوس فالسكان لم يتضاعف كما توقعت النظرية، فمن المفترض أن يكون سكان الأرض حالياً أكثر من مائة مليار نسمة بينما السكان حاليا سبعة ونصف مليار نسمة، وفي المقابل فقد تضاعفت  الموارد الغذائية وذلك بفضل *الثورة الخضراء* عبر تطوير الزراعة ابتداءا من التطور في تخصيب التربة إلى البذور الـمُعدلة وراثياً، فلم يمر في تاريخ البشرية انحسار في المجاعات وتوفر في الغذاء كما في عصرنا الحالي.

في الحقيقة لم ارغب بالدخول في جدل عقيم منشؤه رأس حربة الملحدين ريتشارد داوكنز والذي ينطلق بشيطنة الدين ويرى أن الشر الوحيد على الأرض هو الدين والمتدينون بينما علماء الطبيعة والفلاسفة لم يُقتل بآرائهم أي انسان، ولكني فقط أردت أن أبين بطلان هذه الدعوة والتي راجت مع الأسف بين المثقفين في مجتمعنا، فمن الخطأ أن نضع الدين في كفة والعلم في كفة أخرى ليتم المقارنة بينهما لأن كلاً من العلم والدين له دور مهم في إجابة تساؤلات الإنسان وتلبية حاجاته الجسدية والروحية.

قبل الختام  أود أن أشير إلى نقطة مهمة أنه على المتدينين أن لا يفرحوا بحدوث تلك المآسي والتي كان سببها نظريات علمية، وذلك من أجل تخفيف الشعور بالألم من بعض الفتاوي الدينية الوحشية التي قتلت وأقصت ونبذت وانتهكت حقوق الإنسان، فهذا اصطياد في الماء العكر واقتناص الفرصة في تبرير الجرائم المرتكبة بإسم الدين، فالإجرام في حق الإنسانية لا ينبغي تبريره أو التخفيف من ألمه، هذه ليست منافسة فيمن قتل أكثر أو أقل، فالقتل وانتهاك حقوق الإنسان جريمة بشعة بحد ذاتها بغض النظر عمن دعى إليها وشارك في تنفيذها، سواء كان ديني أو علمي.

________________

*المصادر

1- The Evolution of Everything, by Matt Ridely

2- An Essay on the Principle  of Population, by Thomas Malthus

3- Several Topics from Wikipedia

 

 

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً