أحدث المقالات

ترجمة: السيد علي عباس الموسوي

 

الحقوق الطبيعية والحقوق التاريخية ـــــــ

● يتضمّن الفقه الإسلامي ـ كما تعلمون ـ اختلافاً في الحقوق بين المرأة والرجل، يرتبط بمجالات متعدّدة كالطلاق وحقّ الحضانة، ومسؤولية الأسرة، والقضاء، والإرث.. برأيكم ما هي المقدّمات المفروضة مسبقاً والأسئلة المثارة سلفاً التي اعتمد عليها الفقهاء في استنباط الأحكام الفقهية المتعلّقة بالمرأة؟

لدى الفقهاء فتاوى مختلفة فيما يرجع إلى النظام الحقوقي للأسرة، وهذه الفتاوى تعتمد بشكل مسلّم على فرضيات وآراء مسبقة، وما يترقّبه هؤلاء من الأحكام الدينية، نعم، هذه الفرضيات المسبقة لا تختصّ بالفقهاء، بل يمكن لنا ــ بشكل عام ــ تقسيم أصحاب الرأي في التشريعات الإنسانية جميعها، سواء على مستوى نظام الأسرة أو النظام السياسي أوالنظام الاقتصادي، إلى فئتين:

الفئة الأولى: وتسعى إلى اعتبار هذا النظام هو النظام الطبيعي، أي ـ وبحسب تعبيرهم ـ نظام الخلقة، ويرى هؤلاء أنّ الأسرة تملك نظاماً طبيعيّاً، وتقسيم الوظائف داخل الأسرة وخارجها يأخذ شكله وفقاً لهذا النظام الطبيعي، وهذا يعني ـ في الحقيقة ـ أنّه لابد وأن تكون الحقوق المعطاة جميعها للرجل والمرأة أو المسلوبة عنهما تابعةً لهذا النظام الطبيعي.

ولا يختصّ هذا النمط من التفكير بدائرة الأسرة، بل ينتقل إلى الدوائر الأخرى، فمثلاً في الدائرة السياسيّة، يتحدّث أنصار هذه المدرسة عن تبعيّة النظام السياسي السويّ للنظام الذي يأخذ فيه كلّ فرد مكانه الطبيعي، ويشبّهون النظام السياسي بالنظام الحياتي الذي يوزّع فيه العمل بين الأعضاء، فلابدّ لكلّ واحدٍ أن يقوم بوظيفته الخاصّة به حتى يتمكّن الكائن الحيّ من الاستمرار بالحياة.

وطبقاً لهذا المنطق، يتوصّل أنصار هذا الاتجاه إلى نتيجة تتحدّد على أساسها الفئة التي تمثل قلب النظام السياسي، وتلك التي تمثل الرأس أو اليد أو القدم، وقس على ذلك.

ويتبنّى بعض فلاسفة المسلمين هذا الرأي، كجلال الدين الدواني والخواجة نصير الطوسي؛ فيرون أن للمجتمع والأسرة بناءً طبيعيّاً لابدّ لنا من اتباعه، ومع علمهم بوجود أنظمة متعدّدة للأسرة في تاريخ البشرية، لكنهم يذهبون إلى وجود نظام طبيعيّ واحد وصحيح لابد أن يسير المجتمع على أساسه؛ وبهذا يتناغم النظام الأُسري مع سائر البناءات الاجتماعية في عالم الخلقة؛ وعلى هذا الأساس سوف تكون الأشكال الأخرى من العلاقة بين الرجل والمرأة ومن النظام الأُسري انحرافاً عن النظام الطبيعي.

لقد تبنّى الكثيرون هذا النمط من التفكير، واعتقدوا أنّ حقوق الرجل والمرأة وواجباتهما لابدّ وأن تتلاءم مع هذا النظام الطبيعي، كما اعتبروا نظام الأسرة أساس أيّ نظام حياتي اجتماعي، ولذا رأوا ضرورة تطابق الأنظمة السياسية والاقتصادية وغيرها مع النظام الأسري.

الفئة الثانية: ومقابل هذا النمط، ثمّة نمط آخر من التفكير لم يحظ برواجٍ فيما مضى، لكن الكثيرين في العصر الحاضر يتبنّونه، ويرى هؤلاء أنّه لا فائدة في البحث عن نظامٍ طبيعي إنساني في الحياة الاجتماعية، لكي نفتّش عن نظامٍ طبيعي للأسرة قائمٍ على البناء الجسدي والنفسي للرجل والمرأة، وما يُقام من أدلّة لإثبات وجود مثل هذا النظام لا يكفي للإقناع؛ فلا يمكننا الحديث عن أنظمة إنسانية ثابتة، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الأسرة؛ فأسئلة مثل: هل الشكل الفلاني للأسرة هو الأفضل، أو أنّه أحد الأنواع المتصوّرة لتنظيم العلاقات بين الرجل والمرأة؟ على أيّ أساس ينبغي تنظيم حقوق المرأة والرجل؟.. مثل هذه الأسئلة ذات أجوبة مختلفة في العصور المختلفة.

وعلى أيّة حال، ينطلق هذا المنهج الجديد من نوعٍ من القراءة التاريخية لموضوعة الأسرة وأصل العلاقة بين الرجل والمرأة، ويعتقد أنّه من اللازم في كلّ عصرٍ وزمان إعادة الحديث عن تحديد النوع الأنسب للنظام الاجتماعي والأسري؛ بغية تحديد ما يمكن أن يكون أساساً للحياة المشتركة، ومن ثمّ تحديد الحقوق وتعيين نوع التوزيع في العمل، وبعبارة أخرى: تحديد النظام العادل إذا كانت العدالة هي المعيار النهائي للحكم.

إذن، هناك قراءتان للنظام الاجتماعي، ومن ضمنه النظام الأسري، وكما ذكرنا تتحوّل القراءة الثانية إلى تفكير نشط وفاعل عندما تجري مطالعة الحياة الإنسانية بعين تاريخية.

وعليه، يأتي السؤال عن قراءة الفقهاء لنظام الأسرة وكيف تتكوّن وتتبلور؟ وما هي الفرضيات المسبقة التي تمّ على أساسها استنطاق الكتاب والسنّة وممارسة العملية الاجتهادية؟

إن أبحاث الفقهاء تدلّ على أنّهم كانوا ينزعون دوماً ناحية وجود نظامٍ طبيعيّ للأسرة، ولسنا بحاجة لكثير توغّل؛ إذ تكفي إطلالة عابرة على آثار بعض المفكّرين المتأخرين؛ لنجد الصورة عينها للعلاقة بين الرجل والمرأة التي كان القدماء قد بنوا عليها تصوّراتهم، فأمّهات ما ذكره المطهري ـ مثلاً ـ في كتاب: نظام حقوق المرأة في الإسلام، وما صوّره هناك من نظام طبيعي، متطابقٌ مع الصورة التي رسمها القدماء.

● ما هو دور الرجل والمرأة عند القدماء وفق النظام الطبيعي التقليدي الذي تصوّروه؟

بشكلٍ مجمل، يمكن القول: إنّ القدماء كانوا يرون المرأة موجوداً وظيفته الأولى الحملُ والولادة لحفظ النسل الإنساني، وفي واقع الأمر، نرى الكثير من الحقوق المعطاة للمرأة أو المسلوبة منها قائمٌ على هذه الرؤية، وأنّ الأسرة هي الأساس لقيام الأنشطة الاجتماعية جميعها، ويرى القدماء أنّ الرجل موجود صانعٌ للحضارة، ومدير للمجتمع، تقع على عاتقه وظيفة القيام بالأعمال الكبرى، ومسؤوليّة رقيّ الحياة الإنسانية، أمّا المرأة فوظيفتها حفظ المؤسّسة التي تمنح الرجل القدرةَ على القيام بهذه الأعمال الاجتماعية الكبرى؛ لأنّ هذه المؤسّسة إن لم تكن فلن يوجد المجتمع حتى يتمّ السعي من قِبَل أفراده إلى بناء الحضارة، والصناعة، والعلم، والفلسفة.

لم يكن يجول في خاطر هذا الفريق أبداً أن تخرج المرأة من إطار الأسرة لتجد لها دوراً في المجتمع، وهو ما كان متطابقاً تماماً مع البناء السياسي الاجتماعي للمجتمع آنذاك؛ فلم تكن المرأة شريكةَ حياة للرجل، بل كانت وظيفتها التخفيف من ضغوط الحياة الإنسانية ومشاكلها عنه، والسير بهذه لتوفير الظروف لرجل الأسرة كي يقوم بالدور الكبير الملقى على عاتقه.

● يرى بعض القدماء الرجلَ إنساناً من الدرجة الأولى، والمرأة إنساناً من الدرجة الثانية، بل يعتقد بعضهم أنّ المرأة تفقد بعض الخصوصيات الإنسانية؛ فهل لهذا التفكير من رواج لدى أنصار النظام الطبيعي؟

لو أردنا تحليل دور المرأة في السابق، فسنواجه مسائل متعدّدة تبعث على الأسف؛ فقد كان الإفراط في بعض المجتمعات يصلّ حدَّ اعتبار المرأة موجوداً لا يتمتع بالروح الإنسانية، وبعض من كانت لديه رؤية إنسانية كان يذهب إلى التفكيك، فيعتبر الرجل والمرأة كليهما إنساناً، بيد أنّه عندما كان يصل الأمر إلى الحديث عن الحقوق وتقسيم الواجبات تتغيّر اللغة لتُشاد الحقوق على أساس البناء الطبيعي للرجال والنساء؛ ونتيجة ذلك ـ سواء كانت مقصودةً أم لم تكن ـ أن تصبح المرأة في الفعل والانفعال الاجتماعي إنساناً من الدرجة الثانية.

● ذكرتم أنّ أنصار القراءة التقليدية يتبنّون النظامَ الطبيعي للأسرة، ويؤكّدون ـ بشكلٍ متكرّر ـ على الاختلاف الجسدي والنفسي بين الرجل والمرأة، فهل تُنكر القراءة المقابلة التي لا تتبنّى النظام الطبيعي هذا الاختلاف؟

لا يُنكر أنصار القراءة التاريخية الاختلافات الجسدية والنفسيّة بين الرجل والمرأة، لكنّهم يختلفون مع غيرهم في منشئها ومنطلقها؛ فمن يعتقد بأنّ هذا الاختلاف نتيجٌ للتطور التدريجي للإنسان لا يمكنه أن يوافق على البناء الطبيعي؛ ذلك أنّ معنى التكامل التاريخي أن يكون هذا التكامل قد حصل دون تخطيطٍ مسبق؛ فالنظرية الأولى تذهب إلى أنّ الاختلافات القائمة راسخة، وهي نظرية ثبات الأنواع، أمّا نظرية التكامل ـ وهي النظرية الثانية ـ فترى أنّه يمكن أن يكون للموجودات ألف نوعٍ وشكل.

يعتقد أصحاب نظرية التكامل التاريخي أنّ هذا الاختلاف ـ سواء كان جسديّاً أو نفسيّاً ـ إنّما وقع نتيجة التطوّر التاريخي، وأنّه وإن اتخذ شكله الحالي فعلاً بيد أنّه ما زال يقبل التغيير والتحوّل والصيرورة، فيمكنه أن يتخذ أشكالاً أخرى من الحياة الأُسرية، ونوعاً آخر من توزيع العمل ونظام الحقوق، وهذا ما يقلّص ـ بشكل تدريجي ـ التفاوت لصالح العدالة والمساواة في الحقوق، نعم لا ينبغي أن يصل الأمر إلى حدّ سقوط أصل النظام الأسري.

● نعود من جديد للحديث عن المفروضات المسبقة، وما ينتظره الفقهاء والمتكلّمون المسلمون، وتأثير ذلك على صدور الأحكام الفقهية والآراء الكلامية، وأنّ التنوّع في هذه الفرضيات المسبقة هل يمكنه أن يوجب تنوّعاً في الأحكام والآراء؟

لا شكّ في أنّ من الفرضيّات المسبقة لدى الفقهاء المسلمين كون نظام الأسرة نظاماً طبيعيّاً، وأنّ هذا النظام له شكلٌ خاص، وبعبارة أخرى: هناك نوع واحد من نظام الأسرة يستحقّ نعته بالطبيعي، وهو الذي يوجب تقسيماً خاصاً للحقوق والواجبات. وقد قام الفقهاء ـ ضمن هذا التصوّر ـ بمطالعة الأحكام الموجودة في الكتاب والسنّة، فبنوا على افتراض أنّ الله عز وجل لا يمكنه ولا يريد إصدار أحكام تتعلّق بالأسرة، تقع على خلاف النظام الطبيعي لها، وهو النظام الذي خلقها عليه.. والنتيجة أنّهم اعتبروا الأحكام المبيّنة في الكتاب والسنّة تعبيراً عن الوضع الطبيعي للأسرة، وأنّها صدرت في صدر الإسلام دائمةً لا تقبل التغيير ولا التبديل.

لقد اعتبروا وظيفتهم ـ في افتراضٍ مسبق آخر ـ البحثَ عن قانونٍ أبدي؛ وعلى أساس هذا النوع من الفرضيات المسبقة لم يخطر في ذهن أحد على امتداد التاريخ وإلى عصرنا الأخير إمكان تغيير هذه الأحكام، لكن بعد ذلك، وبحكم الضرورة، حدثت سلسلة تغييرات اجتماعية وثقافية في المجتمع الإسلامي، ومنه مجتمعنا (الإيراني)، فغدا من الواضح أنّ التمسّك بطريقة التفكير القديمة قد أفضى إلى الوقوع في العديد من المشاكل، الأمر الذي أوجد مجموعة تدبيرات داخل النظام الفقهي الحقوقي؛ ممّا أدّى إلى الخروج من ظلمٍ واضح للمرأة؛ فمثلاً وضعت في وثيقة الزواج اليوم مجموعةٌ من الشروط التي يرجع مضمونها إلى مراعاة بعض الحقوق المناصرة للمرأة، كالشرط الذي ينصّ على حقّها في المطالبة بالطلاق في حالات خاصّة.

● بنظركم، هل تفي هذه التدبيرات المؤقتة للقيام بتغييرٍ أساسي في هذه الخلفيات الفكرية المسبقة، ومن ثمّ رفع الاختلاف الحقوقي بين الطرفين في عالمنا الإسلامي المعاصر أم أن الأمر يحتاج إلى سعي أكبر وجهد أوسع؟

ذكرت سابقاً ـ وفي أكثر من مناسبة ـ أنّني أعتقد أن هذه التغييرات الجزئية الداخلية لا تكفي، نعم لا أريد أن أقول: إنها عاجزة عن معالجة الثغرات الموجودة، بل أرى أنّ من المفترض بنا التركيز على التربة التي تقوم عليها هذه الثغرات، ومطالعة الكتاب والسنّة مطالعةً تاريخية.

القراءة التاريخية للدين وتأثيرات منظومة الحقوق النسوية ـــــــ

● ما هو رأيكم بالقراءة التاريخية للدين؟ وبعبارةٍ أخرى: ما هو تأثير ملاحظة نمط تكوّن الدين وتكامله في إدراكنا للأحكام الدينية، ومن جملة ذلك الأحكام الناظرة إلى المرأة؟

قبل أن أجيب على سؤالكم أريد أن أذكر حادثةً تذكّرتها الآن عن الشهيد السيد محمد باقر الصدر، فقبل حوالي الأربع والعشرين عاماً سافرتُ إلى العراق، وذهبت لزيارة السيّد محمد باقر الصدر، وجرى حديثٌ بيني وبينه، وكان من المجتهدين المستنيرين، وقد تعرّضت في حديثي معه للمسائل المتعلّقة بحقوق الرجل والمرأة، محاولاً معرفة رأيه في هذا الموضوع، وقد ذكر لي ـ بشكلٍ صريح ـ أنّ الزمن الذي كان للمرأة فيه حقوقٌ أقلّ من الرجل، كانت المسؤوليّات الحياتية الكبرى ـ وضمن ذلك مسؤولية الأسرة ـ تقع على عاتق الرجل. وقد كان البناء الاجتماعي يقتضي ذلك، وقُدّمت للرجل مجموعة من الخصوصيات بنحو تتلاءم مع هذا البناء الاجتماعي، وقد حُرمت منها النساء، قال لي الصدر ذلك بعبارة أخرى: إذا تقرّر اليوم أن تكون المرأة (شريكة حياة) بالنسبة للرجل، لا أمينةً على حياته الخاصة فلا بدّ أن تتغيّر الأحكام الفقهية بنحوٍ يتناسب مع هذا التغيير، وضمن حديثه تعرّض الشهيد الصدر لمسألة كون الرجل رأسَ الأسرة، وقال: إنّ هذا في فرض كون الرجل حاملاً على عاتقه بشكلٍ فعليّ تمام المسؤوليات العائلية، أمّا لو كان الواقع ينحو باتجاه عملية تقسيم المسؤوليّات بين الرجل والمرأة، فلا يمكن أن يكون الرجل وحده رأسَ الأسرة، لقد كان يعتقد أنّ دور المرأة إذا كان هو المشاركة الفعّالة في التنمية الاجتماعية، أي تنمية النهضة الإنسانية إلى جانب الرجل، فلا بدّ وأن يكون لها من الحقوق ما يتناسب مع هذا الدور الموكل إليها.

لا أتصوّر أنّه بالإمكان تشييد دليلٍ محكم على وجود سلسلة من الأنظمة الطبيعية ـ أعمّ من النظام السياسي والاقتصادي والأسري ـ في هذا العالم بنحو يتناسب مع دور الخلق، بل هناك أدلّة تدلّ على العكس من ذلك تماماً، فلا يمكننا اعتبار النظام الطبيعي فرضيةً مسبقة مسلّمة يُعتمد عليها عند مطالعة الكتاب والسنّة، ومعنى ذلك أنّه لابد من تغيير نظرتنا للأمور، وقراءة الكتاب والسنّة قراءةً تاريخية.

علينا أن نسأل أنفسنا: ما الذي كان يريد النبيّ أن يؤدّيه من خلال الكتاب والسنّة في ذلك العصر، وضمن الظروف التاريخية والاجتماعية الخاصّة آنذاك؟ لابدّ وأن نجد تفسيراً لما كان يقوم به، فماذا كان يريد أن ينجز ويحقّق؟

نعم، لا شكّ لدينا بأنّه قد قام بمجموعةٍ من التغييرات على مستوى حقوق النساء، لقد صنع مجموعةً من التغييرات في وضع المرأة القائم، ومن هنا يلزمنا البحث عن المقاصد التي قام لأجلها بما قام به، أي فهم حقيقة ما قام به، وأنّه إلى أيّ اتجاه كان يسير بالمجتمع؟ وما هي التغييرات التي أحدثها مقارناً بما كانت الحال عليه فيما مضى؟

لقد بدّل النبي بعض الأحكام الظالمة بحقّ المرأة في ذلك العصر، فأخرجها من ظلم ذلك العصر إلى عدله؛ فأقرّ تملّك المرأة، وحدّد حرية الرجل في تعدّد الزوجات، وعدّل أحكام الإرث و.. والخلاصة: إنّ ذلك النوع من عدم المساواة الذي كان موجوداً في ذلك المجتمع سار به نحو العدالة بنحو يتناسب وظروف ذلك الزمان، ولو سرنا بهذا النوع من الفرضيات المسبقة فسيعني ذلك أنّ هذا المقدار من التغييرات التي أحدثها النبي، لا تمثل التغيير النهائي الممكن، فتلك التغييرات هي التي كانت ممكنةً وقد تمّت، والرسالة الأساسية التي تؤدّيها تلك التغييرات هي أنّه لابدّ من السعي لرفع الأنواع الأخرى لعدم المساواة ممّا فرض على المرأة على مرّ التاريخ، هذه هي الرسالة العامّة التي حملها النبي.

وعلى هذا الأساس، وضمن ملاحظة هذه الرسالة العامّة لابدّ وأن نجيب عن سبب اللامساواة القائم في الحقوق اليوم، ما هو الواقع الاجتماعي الذي نعيشه؟ وما هو الواقع الاقتصادي الحالي؟ وما هو الأمر الذي تفرضه علينا العدالة اليوم؟ لابد لنا أن نتحرّك من منطلق العدالة لتعديل الأحكام الموجودة، وهذا عملٌ اجتهادي يتطابق مع رسالة الوحي.

● تعتقدون أنّه يفترض الانطلاق من العدالة، ألا نواجه هنا معضل اختلاف مفهوم العدالة وتعريفها؟

يلزم تعريف العدالة في كلّ عصر، إنّنا لا نملك تعريفاً ثابتاً لها، ليس فيما يرجع إلى أحكام الرجل والمرأة فحسب، بل للنظام السياسي والاقتصادي أيضاً، إنّ تعريف العدالة في كلّ عصر شأنٌ موكولٌ للإنسان؛ فلابدّ له من تحديد تعريف لها، وأقصى ما يمكن أن يقال هو: إنّ العدالة إعطاء كلّ ذي حقٍّ حقّه، لكنّ هذا التعريف عام، فلابد في كلّ عصرٍ من تحديد أيّ أنواع النظام الاقتصادي، والأسري، والسياسي يمكنه أن يقدّم لأفراد المجتمع حقوقهم. وبعبارةٍ أخرى، أن يضع الفرص أمام الجميع بشكلٍ متساو، في نظام الأسرة وغيره، ووظيفة رجال الفكر هنا السعي لمعرفة مواطن عدم المساواة، فلابدّ لهم ــ عبر التوسّل بالأدلة ــ من تحديدها ليتمكّنوا من الاقتراب من تعريف العدالة.

وما أراه هو أنّنا بدل الاعتماد على النظام الطبيعي لرفع عدم المساواة الموجود بين الرجل والمرأة، لابدّ لنا من العمل على تحليل مفهوم العدالة المرتبط بنظام الأسرة.

*  *  *

(*) من أبرز رموز الحركة الفكرية الإصلاحية في إيران، اشتهر بنظرية تعدّد القراءات الدينية، وبنقده على نظريات حقوق الإنسان في الإسلام.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً