أحدث المقالات

ترجمة: حسني بن محمد شعير

مدخل  ــــــــــ

رأيت في سياق إكمال الدراسة التي كنت كتبتها سابقاً حول العلامة الطباطبائي والمدرسة التفكيكية، أن أطرح بعض الملاحظات النقدية حول المدرسة المذكورة؛ بهدف فتح باب النقاش حولها وتوضيح جوانبها المبهمة، فما سيأتي لاحقاً ما هو إلاّ محاولة للإجابة عن سؤالين في درجة من الأهمية ـ في نظر الكاتب على الأقل ـ يتعلّقان بهذه المدرسة، بل وبكل مدرسةٍ تسعى إلى تقويم منهج معرفي، والسؤالين هما:

1 ـ هل أن هذه المدرسة ممكنة أو ممتنعة؟ وبعبارة أخرى مع لحاظ الطبيعة التقنينية التي تعتمدها في بلورة مسائلها، هل يغدو تطبيق معالم هذه المدرسة ممكناً أو لا؟

2 ـ هل نجحت هذه المدرسة عملانيّاً وتطبيقياً لدى منظّريها أم لا؟

إن الإجابة عن كلّ من السؤالين ترجع ـ من وجهة نظرنا ـ إلى نقطة مفصلية، تحاول هذه المقالة استجلاءها والكشف عنها.

ألوان التفكيك ونقدها ــــــــــ

مقدمةً لقراءة المدرسة التفكيكية ولأجل وعيها بشكل أفضل، لابد أن نذكر المعاني والمصاديق المختلفة التي يمكن تصوّرها للتفكيك نفسه، ونميّز بين ما يمكن منها وما يجوز، بل وقد يلزم، وبين ما قد يجانب الصواب ويستحيل، وذلك على النحو التالي:

1 ـ تفكيك مصطلحات العلوم البشرية (أعمّ من العقلية والنقلية والتجربية و…) عن المصطلحات الدينية، وضرورة اجتناب الخلط بينهما.

2 ـ التفكيك بين الدين وبين نتائج العلوم الظنية.

3 ـ تفكيك العلوم البشرية ـ والإنسانيات أيضاً ـ بعضها عن بعض من حيث بيان موضوعاتها، ومبادئها، ومسائلها.

4 ـ التفكيك بين الدين في نفسه وفي مقام الثبوت وبين العلوم البشرية في مقام الإثبات.

5 ـ التفكيك بين الدين في مقام الإثبات وبين العلوم البشرية.

6 ـ تفكيك الدين عن العقل والشهود ـ أي عن الفلسفة والعرفان ـ في مقام الثبوت، وعدم تدخّلهما في فعل الفهم الديني([1]).

7 ـ تفكيك الدين عن النتائج القطعية للعلوم، أعمّ من المستقلات العقلية وغيرها.

يمكننا من بين كلّ هذه المعاني اعتبار المعاني الأربعة الأولى ممكنةً وجائزةً، بل نراها لازمةً في فهم العلوم البشرية والمعارف الدينية على السواء، بحيث يؤدّي عدم مراعاتها إلى التورّط في أنواع الانحراف والالتقاط، والتباس الفهم واعوجاجه، والدليل على ذلك أمور:

أولاً: على الرغم من التشابه اللفظي بين المصطلحات الدينية ومفاهيم بعض العلوم، ولكن سيتضح بعد تتبّعٍ يسير وتأمل عابر تفاوتهما، وستتجلى تلك الدقة التي أعملت لأجل تمييز التعابير الدينية، ورسمها بصورةٍ صحيحة.

ثانياً: إن فرض نتائج العلوم الظنية، وهي التي تقع في معرض التغيّر والتبدّل ـ سواء كانت تجريبيّة أو اجتماعية ـ على الدين يوجب سلب هويته وأصالته، ويجعله محض وعاء خال، يلزم ملؤه بمعطيات العلوم الأخرى.

ثالثاً: إن تفكيك العلوم البشرية وفروع العلوم الإسلامية بعضها عن بعض سيجنّبنا الخلط، وتداخل المباحث، وسيحافظ على التمايز بين مسائل كلّ علم، كما حصل في علم أصول الفقه حيث أدّى هذا التحفّظ إلى الحيلولة دون خلط الواقعيات بالاعتباريات، أو نفوذ القواعد التكوينية الفلسفية إلى حريم المسائل الاعتبارية الفقهية والأصولية.

رابعاً: إنّ الدين في مقام الثبوت ـ أي في نفسه وفي اللوح المحفوظ ـ لا يدركه المخاطب كما هو حقّه، ومن المسلّم به أن الدين قبل أن يصطبغ بالفهم والتعبير، ويُنسج ضمن اللغة البشرية ما هو إلا شعبة من العلوم الإلهية، فيكون مستغنياً عن العلوم البشرية، متمايزاً عنها بشكل واضح جداً.

أمّا المعاني الثلاثة الأخيرة للتفكيك، والتي تقترب من منظور المدرسة التفكيكية، فلا يمكن قبولها، وذلك:

1 ـ حتى لو لم نقبل الترابط ما بين المعرفة الدينية والمعارف البشرية على النحو المذكور في نظرية القبض والبسط([2])، كما هو رأينا؛ إذ نرى هذه النظرية مجانبةً للصواب في مديَاتها الوسيعة وكليانيّتها، ودعواها تأثير أيّ تغيير في المعرفة البشرية على الفهم الديني، إلا أنّ المسلّم به عدم إنكار مبدأ التأثير وقاعدته الأولية.

ونلمس في الرصد التاريخي لتفاسير القرآن الكريم آثار تقدّم أو تراجع العلوم العقلية والكلامية والشهودية، وحتى الأدبية، وبناء عليه، يتفاوت استنباط البشر من القرآن والحديث طبقاً لسعة وضيق، وسطحية وعمق معلوماتهم، وقدراتهم وإمكاناتهم في الفهم والوعي والإدراك. إن عقل الإنسان ذو هوية واحدة متكاملة يستحيل عليه معها الجمع بين ادعائين متعارضين، وقضيتين متخالفتين، بل يسعى هذا العقل ـ ودون تأني ـ للعمل على الجمع والتقريب، وعند العجز يضطر إلى حذف أحد الأطراف، إن كان يحكمها قانون التناقض، وبناءً على هذا تولد ظاهرة التأويل([3]).

فإذا أخذ التأويل بمعنى حمل اللفظ على ظاهره، فلن يكون من الأمور المختصّة بجماعةٍ أو طائفة خاصة من المدارس الإسلامية([4])، فحتى أولئك الذين ذهبوا إلى تقدير كلمة أهل في قوله تعالى: >واسأل القرية< أو أولئك الذين ذكروا أنّ المقصود بالإرادة في الآية الشريفة: >وجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ< كونه في معرض الانهدام، أو حملوا الإرادة على معنى الميل الطبيعي، حتى هؤلاء جميعهم اعتمدوا على معاني تخالف الظاهر، والجميع يبرر عمله من خلال قرائن عرفية وعقلية أو غيرها.

فالمهم هنا هو: هل أن القرينة التي تمثل مرجع التفاسير والتأويلات تنحصر بالفهم العرفي؟ وهل يكفي صرف كلام اللغوي وفهم العرف لفهم معاني القرآن الكريم؟ وهل يمكن وصف العقل القطعي أو الشهود القلبي عند أهله أحياناً بكونه قرينة؟([5]).

لا مناص أمامنا هنا من التأويل، كما نُقل عن العلامة الطباطبائي قوله باستحالة الوصول للمعنويات الحقيقية من دون تأويل([6])، فهل يمكن للكثير من الأحاديث التي نقلت بالمعنى وبحسب مستوى وعي الراوي الذي أوصلها إلينا من خلال ما يأنسه من تعابير ومفاهيم.. هل يمكنها أن تنتج يقيناً في أمر اعتقادي أو لا تخطئ مقولاً عقلياً؟

والشكل الأدق للسؤال هو: ما العمل اذا تعارضت الأحاديث المرتبطة بالمعارف والأصول الدينية مع مفاد العقل القطعي، فهل ستكون تخطئة العقل الذي أثبتنا من خلاله هو نفسه أصول الدين حلاً وطريقاً سليماً للتمسّك بالإسلام الأصيل الذي أكّد كثيراً على أهميّة العقل ووظيفته؟! وما هو المرجع ـ على أيّ حال ـ لاختيار أحد الطرفين في هذه الحالات؟ وإذا رفضنا مقولة الأخباريين الذين يؤمنون بجملة روايات الكتب الأربعة ويرفضون حجية العقل والقرآن فلابد لنا من أن نقبل بما هو حجةٌ ذاتيةٌ مثل العقل أو النص ومحكمات القرآن.

السؤال الذي يجب أن يجيب عليه منظرو المدرسة التفكيكية هو: هل إن المحتوى الاستدلالي الإثباتي في الدين ـ دين المتديّنين والعلماء وفهومهم ـ يمكن فصله عن القواعد المنطقية والأصول العقلية التي توازي البديهيات المقبولة لدى شخص ما، والقواعد الأدبية والأصول اللفظية، وسائر العلوم.. وباختصار كل المخزونات الفكرية للبشر أو أنّ الأمل بأمرٍ من هذا النوع ليس سوى تفكيرٍ محال غير واقعي؟([7]).

فالذي يرى تكدّس الذهن بالفلسفة وسائر العلوم مانعاً عن فهم الدين فهماً صائباً ووعي القرآن والأحاديث وعياً سليماً، يجب عليه أن يدقّق النظر في أن الإنسان إذا راعى حدود العلوم فيما بينها وراعى أيضاً معايير التغيّر وظروف المفسّر وشروطه، فلن تغدو هذه العلوم حائلاً، بل على العكس من ذلك تماماً سوف تكون عنصراً مساعداً له في أحيان كثيرة على فهم القرآن والأحاديث، وهذا ما جعلنا نعتقد أن الحكيمي جانب الصواب في دعوته لاستبعاد التأويل بأشكاله في الاجتهاد الديني([8]).

ومرد ذلك إلى أمور:

أولاً: لقد خلط الحكيمي بين العلوم الدينية في سيرورتها التاريخية وبينها بوجودها الواقعي الثبوتي، والحال أنّه لا يمكننا ـ انطلاقاً من زلات أو انحرافات ناتجة عن عدم رعاية قواعد علمٍ ما، وعن خلط عشوائي لموضوعات علوم مختلفة ـ أن نستنتج ضرورة فصل كلّ نوع من المعلومات على حدة، ورفض أي شكل من أشكال العلاقة القائمة على تصحيح بعضها لمسار البعض الآخر، فمبدأ التأويل نتاج تشييد الانسجام الذهني البشري بوصف صاحبه بشراً، لا خلط المعارف والأفكار خلطاً عشوائيا عسفياً، نعم كلامنا هنا ليس عن أيّ تأويلٍ ولو كان بنفسه غير منضبط، فليلحظ ذلك جيداً.

إن إجراء مبدأ التأويل حكم عقلي من ناحية وذو خلفية شرعية من ناحية أخرى، ونماذجه متمثلة في تفاسير المعصومين وتأويلاتهم، وفي الكثير من شروح الآيات، وأشكال الإخبار عن باطن القرآن الكريم في أبواب مختلفة([9])، فقد ذكر الأستاذ الحكيمي نفسه في تعريفه لمدرسة الوحي قائلاً: mمن المعروف أن العقل جهة باطنية في مدرسة الوحي، وبه يبدأ تصديق الولي، وفي ظلّه يسمو الإنسان، وبالاستنارة بمنارته المضيئة تُدرك الحقائقn.

ويا ليته أوضح هذه النقطة أكثر، فهل قصد المفكرون والفلاسفة والحكماء والعرفاء غير هذا عندما استمدّوا من الفلسفة والعرفان ما مكّنهم من تفسير الآيات، وعندما اتبعوا الاملاءات القطعية للعقل والقلب في إدراك معاني الآيات، وأقروّا في نتاجاتهم بضرورة اعتماد العقل على الوحي؟!([10]).

وإذا صرفنا النظر عن النتائج المختلفة التي وصل إليها مستخدمو التأويل لا يمكن استبعادهم بحجة إعمالهم هذا المنهج، لنعمد نحن بأنفسنا إلى استخدام المنهج عينه فيما بعد، وذلك لأن الأمور اليقينية وغير اليقينية تختلف بحسب وعي الإنسان ووجهة نظره، ومن الطبيعي جداً أن نعتمد التأويل في الآيات والروايات على خلاف ظاهرها اذا حصل لنا يقين بذلك.

ولبّ الكلام وجوهره أن نجاح أو عدم نجاح بعضٍ من الحكماء أو العرفاء في فهم حقيقة الوحي اعتماداً على العقل والقلب، يختلف في جوهره عن مبادئ المنهج نفسه، أي عن الأخذ بالمنهج من حيث المبدأ، وعليه فلا يحقّ لنا ذمّ أنصار التأويل ومستخدميه([11]) أو نعت من حاول الاستناد إلى عناصر عقلية بمثل الالتقاط([12])، كما قيل هذا في وصف الحكمة المتعالية، مع العلم أن الاعتراف بمنهجهم سيؤدي إلى التشكيك فيما وصلوا إليه من ضروريات لا غير([13]).

وخلاصة الكلام: الفلسفة والعرفان بوجودهما الواقعي وبما يعنيان من توظيفٍ للعقل والشهود لا يمنعان فهم الدين([14])، بل على العكس من ذلك تماماً، إذ يشكّلان نوافذ ومنافذ للإنسان تجعله أقدر على الإطلال على أبعاد مهمّة في نظام المعرفة الدينية، وعليه لا يمكننا محاسبتهما بجرم بعض الفلاسفة وأخطائهم الاجتهادية في الدين، كما لا يمكننا إقصاء مبدأ التأويل بحجّة إفراط البعض وسوء أدائه في الممارسة التأويلية الميدانية، تماماً كما لا يجور لنا الانتقاص من جامعية الفقه والأصول، أو اعتبار الفقه الإسلامي فاقداً للنظام الاقتصادي بسبب عدم تحمّل الفقهاء ـ حتى اللحظة ـ مسؤوليّاتهم في بلورة النظام الاقتصادي للفقه الإسلامي، والخلاصة كان يفترض أن لا يخلط التفكيكيون بين العلوم بواقعها الذاتي وبين الأخطاء الميدانية التي تورّطت بها هذه العلوم عبر التاريخ.

لقد استقر القول التفكيكي على نتيجة منهجية تقضي بضرورة تنحية الفهم الفلسفي والعرفاني وغيره تمهيداً لتحقّق المعرفة الدينية، غير أننا نلاحظ أن بعض معارف القرآن والأحاديث تتضمّن ـ على أيّ حال ـ مسحةً من الأصول الموضوعة، والبناءات التفسيرية اللفظية، والأصولية، والفلسفية، والعقلية، فنرى من يعتقد بالاختيار والأمر بين الأمرين يؤوّل الآيات الموهمة للجبر، وهكذ نرى أن المعتقد بالحسن والقبح العقليين يفسّر الآيات المتشابهة في القرآن الكريم تفسيراً مختلفاً بقدرٍ كبير عن ذاك التفسير الذي يقدّمه القائل بالحسن والقبح الشرعيين، وهذا معناه أنّ الدعوة التفكيكية ليست سوى تكليف بالمحال([15])؛ لأنها تستلزم دعوة البشر إلى فهمٍ غير بشري للدين.

لقد ركّز الحكيمي على ضرورة مواجهة المدّ التأويلي لدى حديثه عن مكانته في المدارس والفلسفات المزجية، مؤكّداً على الدفاع عن استقلال القرآن والمعارف القرآنية، يقول mليكون الجواب حاضراً كلّما سأل شخص عن وجهة نظر القرآن في المعاد مثلاًn([16]).

إلا أنّ ما جاء في ذيل كلامه كان التفكيك بمعناه الأول ـ أي أن تكون للعلوم مصطلحات متمايزة عن المصطلحات الروائية والقرآنية ـ لا يختلف فيه معه أحد، على الأقل في المبدأ والأساس، ونشير في هذا الصدد إلى ما جاء في التفاسير الموضوعية المهمّة في العقود الأخيرة، وهي التي تمثل عقود النهضة لدى الشيعة، سواء ما بيّنه العلامة الطباطبائي في هذا المجال في تفسيره mالميزانn حول هذا المعنى للتفكيك، أو ما طرحه الأستاذ الشهيد مطهري في مطاوي أبحاثه، أو ما بلوره المفسّر الكبير الأستاذ جوادي آملي بشكل منقطع النظير في تفاسيره الموضوعية، وكلّها أعمال قامت على أساس الوفاء المنهجي لأصول المدرسة التوليفية الدمجية([17]).

ومعنى ذلك أن أساسيات التفسير القرآني تستمدّ من القرآن الكريم عينه، غايته أن الفهم المعمّق للنصّ الكتابي يكون عبر معطيات الفكر الفلسفي، والمكاشفات العرفانية، إلى جانب التوغّل في فهم الأحاديث، ويمكننا في هذا الإطار استجلاء معنى مقولة التفسير بالرأي، بأن يفرض في حالة إسقاط المفسّر معلوماته اليقينية والظنية على القرآن، دون التقيّد بالقواعد التفسيرية، ودون الاستمداد من القرآن الكريم نفسه، أمّا لو وظف المفسّر مخزوناته المعرفية السابقة بشكل صحيح، معتمداً على النص نفسه، بوصفه واحداً من مصادر التفسير، آخذاً اصطلاحاته ومقولاته بعين الاعتبار، هادفاً كشف مستوره ومخفيّه، فإن هذا التفسير لن يكون بالرأي بل ممدوح ومحمود([18]).

وقفات نقديّة ــــــــــ

1 ـ هل هناك قطيعة منهجية؟!

الوقفة الأولى: لقد شرح الحكيمي الاتجاهات المعرفية الثلاثة: الوحي، والعقل، والكشف، بتكوين صورةٍ تتلخّص في أنّ اتجاه الوحي يصدّق بالعقديات إذا جاءت عبر الوحي والعلم الرباني، أمّا الاتجاه العقلي فهو يماشي العقل بمناهجه وإمكانياته للوصول للمعرفة، فيما يسلك الاتجاه العرفاني سبيل الكشف؛ لينال الحقائق ويبلغها، فكل واحدٍ من الأطراف الثلاثة يرى الوحي أو العقل أو العرفان صاحب الكلمة الفصل([19]).

إلا أننا نرى هنا أن هذه الصورة التي كوّنها الحكيمي في هذا المجال غير منطقية؛ ذلك أننا إذا أردنا أن نتحدّث باسم العقل أو العقلاء بما هو عقل أو بما هم عقلاء أو رغبنا في التحدّث باسم أغلب الفلاسفة الإسلاميين والتيار الإسلامي العقلاني العريض، فإننا نرى أنهم يلتمسون الوحي دوماً في طيّات دراساتهم الفكرية إلى جانب اعتبارهم العقل مصدراً أساسيّاً في تكوين المنظومة العقدية الدينية، إنهم يقرّون بأن مجهولاتهم أكبر بكثير من معلوماتهم وأنّ الحاجة إلى النبوّة والبعثة والوحي ليست عبثاً بل حقيقة مفروضة واقعة، ولعلنا لا نحتاج فعلاً إلى تكرار اعتراف العقلاء وأكابر الحكماء بأن معلوماتهم لا تساوي قطرةً واحدةً من مجهولاتهم، بل نقلوا عن أحد الحكماء قوله بأن الإقرار بنقص جهاز الإدراك العقلي وضيق مساحة حركته من أيقن المدركات العقلية التي لا يخالجها أدنى شك.

وهذا هو معنى ما نجده من اعتقاد جمعٍ كبيرٍ من الحكماء والفلاسفة بقضايا تفوق العقل، وتصنّف طوراً فوق طوره، لا بمعنى مناقضتها له، بل بمعنى الإقرار بعجزه عن إدراكها،فابن سينا على سبيل المثال قد أقرّ ـ تعبّداً ـ بالمعاد الجسماني دون أن يوصله إليه عقله، وكذلك عقيدته بإمكان ـ بل ضرورة ـ السعي لتزكية النفس والتريّض لنيل الحقائق.. ومؤدّى ذلك كلّه عدم إمكانية نسبة القول بأن العقل هو الفيصل دوماً ودائماً في المجال العقدي إلى العقل نفسه، ما دام العقل عينه يقرّ بالعجز ويراوح في بعض القضايا مكانه لا يعدوها أو يتخطّاها.

ويتأكّد هذا الأمر في الدائرة العرفانية؛ إذ نلاحظ تأكيداً شديداً من طرف أكابر العرفاء على لزوم رعاية الشرع، واتحاد الشريعة والطريقة والحقيقة، وأنّ معيار صحّة الكشف عدمُ مخالفة الشرع ولا الكشف التامّ المحمدي ـ أي القرآن والأحاديث النبوية ـ ولا العقل الواضح البيّن([20])، وبناءً عليه، لا يمكن الحديث عن تجاوز العرفاء للوحي أو العقل، وسوف يأتي مزيد من الإيضاح قريباً لهذا الأمر لدى الحديث عن موقف العلامة الطباطبائي من المدرسة التفكيكية.

2 ـ التعبّد بين العلمي والعملي

الوقفة الثانية: اتضح مما تقدّم أن ما يقال عن أن الفاضل لابد له أن يطابق عقائده مع عقائد المعصوم، ويعتبر الإسلام ونبيّه الأصل الأصيل في التصحيح، ويرفض كلام من يخالف ذلك، كلّه كلام مقبول ويسير، وليس هناك من خرج عن هذه الجادّة في أموره، إلا أنّ دور المعصوم هنا يكمن في تعيين الضوابط ورسم الحدود، وشرح كيفية الالتزام بعقائده وطريقة استنباطها.

وعليه، فمن الضروري في هذا المجال دراسة مسألة التعبّد في العقائديات ومقارنتها بالتعبّد في المجال العملي ودائرة الأحكام، بما يعني هناك من الالتزام والانقياد لأمر الشارع ونهيه، وبعبارة أدق: على المجتهد الالتزام بما أوصله له اجتهاده من الشرع، وعلى المقلِّد الالتزام بما استنبطه مرجع تقليده من المصادر المعتبرة، وتعني الحجية هناك ـ أي في باب الأحكام ـ قطع عذر العبد في المجال العملي ورفض أشكال التبرير الزائف الذي يمكن أن يختلقه أمام مولاه،وذلك لأن الأعمال الاختيارية قد ثبت حسنها أو قبحها سواء عقلاً ـ في المستقلات العقلية ـ أو شرعاً ـ في سائر الأحكام ـ وعلى الإنسان في سلوكه بعد ذلك أن يبحث عن الحجّة والعذر القاطع ليأمن من العقاب، وما يحتمل من سوء العاقبة.

إلا أنّ هذا النوع من التعبّد لا يمكن اعتماده في الدائرة العقدية، ذلك أن القضايا العقدية ليست من سنخ الاعتباريات مما يدخل فيه الحسن والقبح والاختيار والثواب والعقاب وما شابه ذلك، بل تنتمي إلى مجال العلم والمعرفة، وكلّها أمور تكوينية تحصل بأسبابها الخاصّة بها، وحجية العقل ـ التي عبرت عنها الروايات بالحجّة الباطنية ـ حجيّة قهرية تكوينية، نعم إذا أريد من التعبّد الإيمان والأخذ بالوحي الإلهي بوصفه مصدراً موثوقاً وأكيداً، والقبول بما جاء من عند الله تعالى مطلقاً في الأحكام والأخلاق والعقائد.. فإن هذا المعنى للتعبّد يعدّ صحيحاً وصائباً، أمّا إذا كان مقصودنا منه تعطيل العقل، والجمود على ظواهر ألفاظ الأحاديث، مع منع التأويل في حالات التعارض الظاهري بين العقل وظواهر الروايات، فسيؤدي بنا التعبد بهذه الصورة إلى تناقضٍ في عقل الإنسان، وعبر ذلك نفهم: لماذا حصر أكثر علماء أصول الفقه حجيّة خبر الواحد في فروع الدين دون أصوله؟([21]).

وللسبب عينه نجد أن أغلب العلماء قد أسقطوا في رسائلهم العملية أي اعتبار للإيمان التقليدي، واشترطوا اليقين وبلوغ العلم في أصول الدين.

ويبدو أن رجال المدرسة التفكيكية ـ ومن بينهم القزويني ـ قد فهموا مسألة mعدم تقييد الحكمة والفلسفة بالشرعn في مبحث تقسيم العلوم العقلية والنظرية إلى الكلام، وفلسفة المشاء، وفلسفة الإشراق، والعرفان، بما أدى بهم إلى تصوّر الحكمة والفلسفة معرفةً بحقائق الأشياء، وافقت الشرع أو خالفته، ولهذا قالوا: إن هذا التقسيم يضع الأنبياء في مقابل الفلاسفة([22])، وقد غفلوا عن أن هذا الكلام يعني ـ فقط ـ عدم أخذ العقل في استنتاجاته أيّ فرض مسبق لم يثبت تأييده بالعقل نفسه سلفاً، وهذا لا يعني بالضرورة التقابل مع الأنبياء، وهذا المنهج ديدن كلّ علم عقلي قطعي، أعمّ من الرياضيات والمنطقيات والفلسفة، ففيما نحن فيه نجد أن العقل قد أثبت ضرورة البعثة، واحتياج الإنسان للنبوّة، ولهذا فهو يجعل هذين المبدأين ـ أي النبوة والبعثة ـ أساساً مبرهناً عليه حاسماً، يمكن الاستناد إليه؛ من هنا نجد الكتب الفلسفية غاصّةً بالمعارف القرآنية والروائية، ما لم تخالف العقل القطعي، مثل مباحث المعاد، والحشر، والقيامة… وإذا لاحظنا تأويلاً في بعض المواضع، كالآيات المتشابهة في القرآن، فلا يجدر تفسيره ظلماً بحقّ صاحب الشريعة أو نسبةً للجهل والعجر إليه تبارك وتعالى، في إيصاله للمعاني الصحيحة الكاشفة عن مراده النهائي([23])، بل علينا أن ندقّق في أسباب ظاهرة المتشابه في آيات القرآن، وهو أمر هام في حدّ نفسه، ويستدعي بحثاً مستوعباً، وقد اعترف القزويني نفسه بوجود أسرار وبطون عديدة للقرآن الكريم، دون أن يذكر ميزات العالِم بها.

وفي سياق استعراضه سبيل الفلسفة وميزاته، يذكر أربعة عشرة خصوصية له، أتى وبشكل عابر على بعضها على هذا النحو: … 6 ـ إثبات قدم أصول العالم حتى العناصر… 8 ـ إثبات عدم إمكان التغيير والتغيّر في العالم وإنكار البداء… 10 ـ إنكار المعاد الجسماني. 11 ـ إنكار النبوّة بالمعنى الذي جاءت به الديانات. 12 ـ تقييد العلم والقدرة الإلهية بالأمور والموجودات الممكنة والكائنة([24]).

إلا أنّ أيّ مطلعٍ على الفلسفة يعرف أنّ هذه الأقوال لا يمكنها أن تكون من خصوصيات الفلسفة أصلاً، وكم هناك من أقوال شاذة ونادرة في طوائف المتكلّمين والمحدّثين والحكماء، أو حتى الفقهاء، مما يجعل اعتبار تلك الطوائف ومواقفها معالم لهذه العلوم برمتها أمراً لا مسوّغ له، كما هي الحال في نسبة بعضهم القول بسهو النبي إلى جملة المحدّثين والمتكلمين وعامّتهم، وهو أمر خاطئ بالتأكيد.

3 ـ العمق التاريخي للتفكيك، قراءة نقدية

الوقفة الثالثة: الملاحظ في بعض المصنّفات المعتبرة للمدرسة التفكيكية اعتبار بعض كبار علماء الإمامية من أنصار التفكيك وروّاده، في محاولةٍ تهدف إلى إضفاء أصالةٍ تاريخية على هذه المدرسة، دون أدنى إيضاح عن أسماء هؤلاء العلماء الشيعة الكبار، فإن كانوا من الفقهاء فيكون إجماعهم على فرض ثبوته حجةً في منهج الاستنباط الفقهي لا في الاجتهاد العقدي، وإن كانوا من جملة المفسّرين والمتكلّمين والفلاسفة وغيرهم، بدءًا بالشيخ المفيد، والسيد المرتضى، إلى الخواجة نصير، والعلامة الحلي، وصولاً إلى الحكماء والمتكلّمين والمفسّرين المتأخرين… فإنّ الاستشهاد بكتاباتهم يغدو ملتبساً بعد الشك في اتخاذهم مواقف من هذا النوع، مما يحيج الموضوع مزيداً من الرصد والتأمّل.

أمّا إذا كان المقصود بعض الأكابر والمحدّثين، مثل الشيخ الصدوق، والعلامة المجلسي، والفيض الكاشاني وغيرهم، فعلى فرض الإقرار بذهابهم إلى تبنّي هذا الاتجاه ـ رغم لجوء بعضهم لتأويلات خاصّة؛ بغية حفظ معتقداته الكلامية والفلسفية ـ فإن ذلك لن يثبت سوى ذهاب جمع من الكبار إلى الأخذ برؤى المدرسة التفكيكية، مع أن أعلام المدرسة التفكيكية أنفسهم يؤكّدون عدم وجود نتاجات أو رسائل تشرح العقديات القرآنية بشكل خالص وصاف إلا بين متأخري المتأخرين.

4 ـ احترام العلماء شعار أم ممارسة؟!

الوقفة الرابعة: ونهدف التعليق فيها على كلمات بعضهم بشأن دعوته لدعم المدرسة التفكيكية([25]).

إننا لا نشك في ضرورة احترام علماء الدين، كما لا يساورنا أدنى ارتياب في عدم كونهم من المعصومين، بل معرّضون للخطأ، أضف إلى هذا، إننا واثقون بأن الروح العلمية لصدر المتألهين الشيرازي وأمثاله تحترم الانتقادات العقلانية والمنطقية أكثر مما تقدّر الاعتقاد التقليدي الخالي عن البعد العقلاني والمنطقي.

إلا أنّه كان من المفترض مراعاة هذه الوصية حتى نهاية تلك المقالة من جانب هذا الأخ الفاضل، وأن لا نتهم الطرف المقابل لنا بالنفاق نتيجة اعتقادات خاصّة بنا حول موضوع التعبد والتسليم، فعلى رغم اعتقاد المدرسة التفكيكية بعدم عصمة العلماء إلا أننا قلما وجدنا واحداً من رجالات هذه المدرسة يسلّط معول النقد على مثل العلامة المجلسي، سواء كان ذلك منه خوفاً من الاتهامات أو لأسباب أخرى،فيما نجد رجال البحث المقارن من حكماء مدرسة الحكمة المتعالية من أمثال العلامة الطباطبائي ينتقدون بعض آراء الملا صدرا ومواقفه في حواشيهم على الأسفار، كما يمارسون النقد عينه ضدّ آراء العلامة المجلسي في حواشيهم على بحار الأنوار، الأمر الذي استصعبته المدرسة التفكيكية.

ويكفينا ـ إضافةً إلى ما سلف ـ لكي ندرك ظاهرة الفهم الخالص للقرآن
وأهل البيت E أن نقارن بين تفسير الميزان اللامع وكتاب بيان الفرقان للقزويني، كما والمقارنة بين كتاب: علي A والفلسفة الإلهية، ومبحث البيانات الفلسفية لأئمة الشيعة E من كتاب الشيعة للعلامة الطباطبائي، وبين رسالة أبواب الهدى للميرزا مهدي الإصفهاني، تاركين الحكم للمتتبع نفسه.

5 ـ الحاجة للدرس العقدي النصّي

الوقفة الخامسة: من العناصر الإيجابية في المدرسة التفكيكية إصرارها على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الأحاديث الاعتقادية ولزوم الغور في أعماقها، فلو صرفت الحوزات العلمية عُشر الوقت الذي تصرفه على دراسة بعض الأحاديث الشريفة في أصول الفقه، مثل حديث الرفع، أو حديث الاستصحاب لزرارة، أو غيره…، لو صرفته على دراسة الخطب التوحيدية في نهج البلاغة، أو الأدعية الواردة عن الأئمة E، أو الأحاديث الاعتقادية المستندة للآيات القرآنية.. فستصل ـ بالتأكيد ـ إلى درجة عالية من فهم المنظومة العقدية لأهل البيت وأبعادها المختلفة.

متابعة لمديات النجاح العملي للمدرسة التفكيكية ــــــــــ

من المعايير التي تؤخذ بعين الاعتبار لدى رصد مدَيات نجاح مدرسةٍ ما، النتائج الميدانية والعملية لمبادئ تلك المدرسة،من هنا، سنسلّط الضوء على واحدٍ من النصوص الرئيسية للمدرسة التفكيكية؛ لنحدّد مدى نجاح صاحبه ـ وهو الذي يعدّ من أكبر رموز التفكيك ـ في تطبيقه لمبادئ التفكيكيين، لنرصد فرص نجاح تلك المبادئ في عالم التطبيق، ونركّز النظر هنا على مقاطع من كتاب أبواب الهدى للميرزا مهدي الإصفهاني.

صياغة النظام الفلسفي ــــــــــ

ما هي الصورة التي يقدّمها لنا الإصفهاني عن عالم الوجود من وجهة نظر العلوم الإلهية؟ يقول: mإن الحقائق النورية ـ أي العلم، والعقل، والفهم، والحياة، والوجود ـ وكذلك الحقائق المظلمة بذاتها، وهي التي لا نور لديها في مقام الذات،أي سائر الأشياء، كلّها خلقت على يد المشيئة الإلهية، ومشيئة الحق تعالى فعله الحادث لا ذاته، والمخلوق الأوّل هو نور الرسول 2 في مقام النورانية، بحيث يكون ظلّه في العالم مجموعة الظلال والأشباح، وقد نشأت العوالم كلّها من الجوهر الفرد والمادة البسيطة المخلوقَين لله غير المركّب، من الهيولى والصورة، أمّا الاختلاف الحاصل في هذا الجوهر فهو من ناحية عروض العوارض المختلفة، فيما المخصّص والمعيّن لهوية كلّ شيء ليس غير المشيئة الإلهية.

أمّا عالم الآخرة المحيط بعالم الدنيا فقد خلق أيضاً من هذا الجوهر البسيط، وكذا الحال مع عالم الدنيا حيث خلق أيضاً منه، لكن مع درجة بين الصفاء والكدورة، بحيث يكون الاختلاف الحاصل فيه ناتجاً عن الأعراض مع المشيئة الإلهية،والأرواح والموجودات الروحانية خلقت هي أيضاً من نفس هذا الجوهر البسيط المادي، كما خلقت الأجساد من المادّة نفسها في حالة من اختلاط العلّيين والسجيين، أما فناء الدنيا وزوالها وبطلان امتزاج الطينتين المذكورتين فهو أمرٌ حتمي الوقوع، وصفاء هذا الجوهر راجع إلى عليين، فيما ترجع كدورته إلى سجين و…n([26]).

ومن الواضح أن هذا الفهم للقرآن والسنّة هو نوع من الاستنباط؛ لأن هذا التنظيم والتنسيق للأفكار مع ذكر المراحل وترتيبها ترتيباً معيّناً غير موجود بعينه في الروايات التي استشهد بها الإصفهاني، كما أنّ الأوصاف والتعابير التي استعملها في سياق بيان الأحاديث ومصطلحاتها ـ مثل مادية النفس والملائكة التي اعتبرها من لوازم نسبة المنام والرؤيا إليهما ـ يعدّ في حدّ ذاته نتيجاً لجهد فلسفي منه، وهو ما يتناسب طرداً وعكساً مع مَدَيات عمقه الفلسفي وقوّة استدلاله أو ضعفه،وكذا مستوى تفكيره ومعلوماته، وهو بأية حال محاولة لصياغة نظام فلسفي مدعوم بالأدلة والشواهد، مهما كان الحكم على صوابه أو خطئه([27]).

إنّ ذلك كلّه يرشد إلى مبدأ تأثر المعارف الدينية والاعتقادية بالأصول العقلية والموضوعية القبلية في الجملة، والحقيقة إن التصدي للاستدلال بغية إثبات تجرّد النفس وأمثاله([28]) أو لإثبات أيّ موقف آخر مختلف، هو في ذاته عمل فلسفي، رغم كلّ الإمعان في طرد الفلسفة والطعن فيها من جانب الميرزا الإصفهاني([29]).

الاعتماد على أصول معرفية ــــــــــ

ونحاول هنا تعداد بعض الأصول الموضوعية التي اعتمد عليها الإصفهاني في نظريته المعرفية ومنهجه الإدراكي:

1 ـ التذكر: أساس معرفة الحقّ تعالى:

التذكر أساس الاستدلال والمعرفة الإلهية، وذلك بالاعتماد على الأنوار العلمية والعقلية الظاهرة في نفسها، والمشيرة إلى الحق تعالى، ووجودها وعدمها في الإنسان متوقف على مشيئة الخالق تعالى.

ويقوم هذا القول على أنّ الحقائق المظلمة في ذاتها لا تنطوي على أيّ نور البتة، وهي التي تمثل سائر الموجودات غير تلك الأنوار القدسية (علم، فهم…)([30]).

2 ـ تخطئة العقل واليقينيات العقلية عند تعارضها مع النقل:

اعتقد الإصفهاني أن مبدأ استحالة اجتماع النقيضين يمكن العمل عليه في المفاهيم، وفي أفعال الباري تعالى وآثاره لا في رتبة ذاته([31])؛ وذلك لاستعصائها على أن تكون معقولة أو مفهومةً،ومن هنا خرج الإصفهاني باستنتاج ملفت يقضي بأن هذا المبدأ الأساسي وسائر التصديقات النظرية اليقينيّة المبنية عليه تمثل ـ معاً ـ معايير، لكنها قد تصيب وقد تخطئ، مما يعني أنه لا يوجد تمييز دقيق يفصل بين صوابها وخطئها.

3 ـ انتفاء الجامع المشترك بين العلوم البشرية والعلوم الإلهية الجديدة:

يعدّ هذا المبدأ من أهمّ مبادئ مدرسة الميرزا الإصفهاني، إنه يعتقد أن العلوم البشرية والعلوم الإلهية الجديدة ـ وهي تلك العلوم القرآنية التي جاءت بعد علوم اليونان القديمة ـ لا تشترك في شيء، حتى في مدخليهما ومنطلقهما، وقد شرح الإصفهاني مقولته هذه بالقول: mباب العلوم التعليمية، وهي الألفاظ الحاكية عن المرادات والمفاهيم الذهنية، بينما تقع الألفاظ في العلوم الإلهية مشيرةً إلى نفس الحقائق الخارجية لا المرادات، سواء كانت هذه الحقائق أسماء الحق تعالى أو الحقائق النورية، مثل العلم والعقل والحياة والشعور، أو الحقائق المظلمة المغايرة للأنوار القدسية، وهي سائر الموجودات، أما في العلوم البشرية فالألفاظ قوالب للتصورات، والمعاني والمرادات هي تلك التصوّرات الذهنية مهما كانتn([32]).

أقوال منسوبة إلى الفلاسفة والعرفاء ــــــــــ

ينسب الإصفهاني في كتابه المذكور، الهادف إلى مقارنة قراءته للآيات والروايات ـ أو ما يسمّيه هو بالعلوم الإلهية الجديدة ـ بالعلوم البشرية، وعمدتها الفلسفة والعرفان التي يعتبرها علوماً يونانية، ينسب إلى الفلاسفة والعرفاء بعض ما يدعو للعجب والاستغراب بين دارسي الفلسفة.

ومثال ذلك نسبة الجبر للفلاسفة؛ لقولهم بالمشيئة الأزلية والنظام الأحسن في العالم، أو ادّعائه أنّهم لا ينسبون الفعل لصاحبه، ولذا تراهم عاجزين عن تفسير ظاهرة الثواب والعقاب([33])، أو تفسيره الفناء عند العرفاء بالتبدّل وانقلاب العبد للحق، أو تفسير وحدة الوجود بكون العالم أطوار ذات الحق([34])، والأدهى من ذلك نسبته القول بوحدة الوجود إلى (اكسينوفانس) كزينوفانون اليوناني وغيرها من الأقوال، وهي أقوال تمثل ـ في الغالب ـ فهمه الخاص لها، لا نصوصهم الصريحة.

ومرجع ذلك كلّه اعتباره الفلسفة والفلاسفة حزباً واحداً من سنخ واحد، أساسه القول بمقولات مثل القدم الزماني للعالم، وكون الواجب غير مختار، وأن الإنسان مجبر وغيرها… وهذا ما أدى ـ برأيه ـ إلى ظهور الماديين، كما سنتحدّث عنه لاحقاً.

وجود أقوال شاذة ونادرة في المعارف الفلسفية ــــــــــ

1 ـ مباينة ذات الحق للوجود، وإمكان اجتماع النقيضين وارتفاعهما، أو نفي الوجود والعدم في مرتبة ذات الحق، واستنتاج أن ذاته تعالى ليست بمصداق لحقيقة الوجود([35])، كما أشرنا إليه آنفاً.

2 ـ رفضه الكامل لمبدأ العليّة، وكذلك مبدأ السنخية بين العلّة والمعلول، مثل السنخيّة بين الله والعالم، مستدلاً بنشوء شبهة الماديين في قولهم بمادية واجب الوجود من المبدأ الأخير([36]).

3 ـ القول بعدم تجرّد النفس([37]).

4 ـ القول الصحيح في مبحث الوجود أنه:

مفهـــومه مــن أغلط الأشــياء          وكنهه في غاية الجلاء([38])

إلى العديد من المسائل الأخرى التي يمكن المناقشة في صحّة كل واحدة منها وسقمه.

ومن الطبيعي أن لا يكون الاعتقاد بأقوال نادرة نقصاً في حدّ نفسه، يعاب عليه الكاتب أو يؤاخذ عليه المفكّر، لكن مع الأخذ بعين النظر ما ذكر آنفاً مما اعتبره الإصفهاني معارف أساسية، تتضح مرةً أخرى ضرورة المعرفة الدقيقة بالدراسات العقلية والعلوم الفلسفية حتى لمن ينكرها، بغية تكوين صورة منسجمة وصحيحة للرؤية الكونية، وأعتقد هنا أن على التفكيكيين أن يمارسوا تفكيكاً آخر، ألا وهو التفكيك بين عقائدهم وأفكارهم وبين واقع المعارف الوحيانية والعقائد النبوية والولوية، تلك المعارف المقدسة والمعصومة عن الخطأ، وهو ما يستدعي قدراً من الاحتياط.

نعم، يمكن أن يقال: إن ما جاء في كتاب الإصفهاني هو في نفسه محل بحث وجدل دائر بين التفكيكيين أنفسهم، وأنها لا تعبّر ـ بالضرورة ـ عن رأي الجميع، هذا بالإضافة إلى أن الخطأ قد يكون ناتجاً أحياناً عن تطبيقات القواعد المشار إليها لا القواعد نفسها، لكننا ـ ودون الخوض في نقاش القضايا المشار إليها أعلاه ـ نكتفي بتعليقين اثنين:

1 ـ علينا أن لا ننسى أن من جملة انتقادات هذه المدرسة لغيرها بروز التشتت في العقائد،والاختلاف بين أتباع المدارس العقلية والعرفانية، ومن الواضح أن مثل هذه النتيجة يعتبر نقضاً للغرض بالنسبة للتفكيكيين، فهم لم يتعدّوا هذا الإطار.

2 ـ الاحتمال الأقوى من بين الاحتمالات والجواب الأمتن من بين الأجوبة يكمن في عدم إمكانية إعمال هذه المنهج المعرفي التفكيكي؛ لأننا رأينا أن تأثير البناءات الفكرية المسبقة في الاستنتاجات الدينية، وتأثير العلوم العقلية واليقينية في الاجتهاد الديني، بات من القضايا الراسخة غير قابلة للإنكار.

دراسة إجمالية لموسوعة الحياة، المفارقة التفكيكية ــــــــــ

بعد التأمل والدقة في مجلدات كتاب الحياة لمؤلّفه الأستاذ محمد رضا الحكيمي و… يبدو لنا بوضوح دور البناءات الفكرية المسبقة وتأثير الأصول الموضوعة في اختيار الروايات وترتيبها، وإعادة تشكيلها، وفي نهاية المطاف في كيفية تفسيرها وطريقة ربط المصادر الشرعية مع بعضها، إننا نلاحظ أحياناً أن الحكيمي ينتقي من بين كمّ هائلٍ من الروايات ـ والتي قد تكون متعارضة ـ روايةً مؤيّدة لوجهة نظر خاصّة ـ بقطع النظر عن موضوع السند ـ كما يقدّم أحياناً روايةً خاصّة بوصفها مبدأ عامّاً ومرجعاً ومعياراً تقاس على ضوئه سائر الروايات، فنجده مثلاً جعل مبدأ عدم الفقر أو المساواة مبدأ عاماً كلياً، بوصفه روح الأحكام الإسلامية، ثمّ صيّره أساساً لقبول أو رفض أو ترجيح أيّ رواية. والسؤال الرئيس هنا: لماذا لم ينتبه سائر الفقهاء إلى هذا الأصل أو مع الانتباه إليه لماذا لم يتعاملوا معه بتلك المنزلة وبذلك القدر الرفيع؟!([39]).

ويستفيد الحكيمي أحياناً من روايات غير مسندة، كما حصل في اعتماده أحياناً على كتاب غرر الحكم، مثل mالعدل حياة الأحكامn، وذلك لأجل صياغة قانون أوّلي عام في الأنظمة السياسية والاقتصادية والقضائية، ومن الواضح أن هذا النوع من التوظيف لا يخدم سوى في تأييد ذلك المبدأ العام الذي يملك في حدّ نفسه مصدراً آخر يكمن في الحسن العقلي وحكم العقل و… وهذا هو ما يحكي عن رؤية مسبقة حملها الذي قام باختيار النصوص وتفسيرها طبقاً لمعاييره، تلك المعايير المتصلة بقضايا مثل التحسين والتقبيح العقليين ومسألة العدل وغير ذلك.

ولمزيد من التوضيح نذكر هذا المثال: إذا حاول فقيهٌ مناقشة بعض النتائج المتوصّل إليها في المباحث الاقتصادية لكتاب الحياة، مثل رفض إمكانية تحصيل الثروة المفرطة في المجتمع الإسلامي، وحاول أن يبيّن ـ من جهات مختلفة ـ مخالفة هذا الأصل للإسلام؛ انطلاقاً من ضعف مستنداته، أو معارضته لقاعدة اليد، أو مثل mالناس مسلّطون على أموالهمn، أو ذهب إلى القول بأن الفقر والتمييز من المقدَّرات الإلهية، ومن جملة موارد الامتحان والاختبار، وأن محو الفقر ليس وظيفة الدين ولا الأنبياء، وغيرها من الاستدلالات.

هذا الفقيه قد يقال له في مقابل ذلك: mوهل أن تجويز الفقر وتعميق الهوّة الطبقية تنسجم مع روح الإسلام؟! وتتوافق مع العدالة الاجتماعية؟! المسألة الهامّة هنا تكمن في مقولة روح الإسلام، إنها مقولة نابعة من توقعات هذا الفقيه من الدين وما يراه له من مساحة، ودوره في الحياة والتاريخ والإنسان، ومسؤوليته عن تأمين السعادة والتكامل الروحي والمعنوي، وتلبيته الرغبة الفطرية للعبادة والتقديس، واستجابته لنداءات الفطرة الأخرى كافّة، مثل نداء العدالة، وإقامة المجتمع السليم، وتأمين الرفاهية وغيرها…

هذه المقولات كلّها تمثل مجموعةً من الأسس القبلية والأصول الموضوعة التي تشكّل بدورها الرؤية الكونية والقراءة الفلسفية للعالم، ولرسالة الدين ونداء التوحيد، فقد يكون الطرف المقابل قائلاً بالحسن والقبح الشرعيين، وأن الخير والحسن هو ما جاء به الدين، أو ما فهمه هو من الدين، حتى وإن كان تجويز الفقر والسماح بالاستبداد، وبهذه الصورة يتضح جليّاً دور الرؤية الكونية والقراءة الفلسفية والنظام الفكري في صياغة استنباطات الباحث الفقهية، فما بالك باجتهاده العقدي والقرآني؟!

ولابد لنا في هذه المناسبة من الإشارة التوضيحية إلى أن ما ذكر من مواقف هنا لا يعتبر تنقيصاً من كتاب الحياة القيّم ولا حطّاً من قَدر مباحثه، بل شرحاً لواقع طبيعي يتحكّم بجهد الباحثين، ولو من سبيل غير شعوري،ليس في كتاب الحياة فحسب، بل في كل عملية تأليف أو تصنيف تهدف شرح الإسلام وتحديد مواقفه أو مواقف المذهب الشيعي، فالمطلوب أن يعيَ الإنسان هذا الأمر الطبيعي ولا ينكره نتيجة سهوٍ أو غفلة.

ونحاول هنا نقل بعض النماذج من موسوعة كتاب الحياة، تدلّنا بوضوح على دور العلوم القبلية والرؤية الكونية الخاصّة بالفرد المجتهد في المصادر الإسلامية، وهي نماذج اخترناها من المجلد الثالث من هذه الموسوعة([40]):

1 ـ جاءت الشرائع الإلهية لبناء المجتمع الإنساني الذي لا يعرف غير العدالة، ولا يقوم بغير القسط([41]).

2 ـ المشكل الأساس بالنسبة للإنسان على مرّ التاريخ هو الظلم الاقتصادي، لا الظلم السياسي أو الاجتماعي([42]).

3 ـ يعدّ المال في الدين الإسلامي قواماً للشعب، والخبز سبباً لإقامة الصلاة وأداء الصيام والحجّ وسائر الواجبات؛ لذا ورد عنهم E: لولا الخبز ما صلّينا، وعليه فالخبز عمود الصلاة، والصلاة عمود الدين، وعمود ما هو عمود كلّ شيء، يكون عموداً لكل شيء، وعليه: لا دين بلا مال أو خبز([43]).

4 ـ يضفي الإسلام على الاقتصاد نوعاً من الأصالة، ويتصدّى لتأمين معيشة الشعوب، وخبزها، وتعديل علاقاتهم المالية([44]).

لقد عدّد الحكيمي عشرين مورداً تقريباً([45]) ينبغي على الفقيه والعالم الاقتصادي الالتفات إليها قبل إصدار أي فتوى اقتصادية تهدف بناء نظام إسلامي، ولو تأمّلنا في هذه الموارد العشرين لتأكّد لنا ما نحن بصدد تأكيده فعلاً، فليراجع.

ولكي نطلع على المنهج الذي اعتمده الحكيمي في تأليف موسوعة الحياة نذكر أنه يتعرّض في كل موضوع إلى:

1 ـ الكتاب، 2 ـ الحديث وعنوان المطلب. 3 ـ قراءة الكتاب والحديث قراءة موضوعية منتظمة،بغية التدليل على أن كلّ حكمٍ من الأحكام له في حدّ ذاته مركز، كما يتصل من ناحية أخرى بسائر الأصول والأحكام، بنحو يحتم ضرورة معرفة تلك النواة المركزية وتلك الأحكام التي تدور حول المحور وارتباطاتها([46]).

ولدى حديثه عن الخطوة المبدئية الرابعة يتحدّث الحكيمي عن وضع الأصول الأصلية للقرآن بوصفها معياراً رئيسياً ومركزاً أساسياً تدور حوله الأحكام الأصلية والفرعية، فيذكر ـ من باب المثال ـ ثلاثة أصول قرآنية أساسية لابد من اعتبارها المعيار الفاصل في قبول الأحكام أو رفضها وهي:

1 ـ أصل تحقق العدالة والقسط. 2 ـ أصل رفض تكديس الثروة والترف. 3 ـ أصل الدفاع عن المستضعفين([47]).

ويتضح مما سبق تأثير وجهة النظر العامة للباحث ورؤيته الكونية حسب اعتراف المؤلف المحترم، يضاف إلى ذلك الدور الحتمي للعقل والمعطيات العقلية في الرؤية الكونية و..

ويؤكّد الحكيمي على ضرورة تعليم الفلسفة وتعلّمها، وكذا غيرها من شعب العلوم العقلية، وقد كتب في ذلك مقالات عدّة([48])، إنه يلحّ على ضرورة اطلاع الطلاب والفضلاء في الحوزة العلمية على فروع العلوم الجديدة ومسائلها، وعلى امتلاك الوعي اللازم الذي يتطلّبه العصر الحاضر،خاصّةً في تلك الجهات ذات الصلة بالفكر الإسلامي، فإذا كان الأمر على هذا النحو فهل سندرس هذه الفروع والعلوم بغية الجواب عنها، وهذا ما لا نراه مقصوداً للحكيمي نفسه،أم ندرسها لفتح آفاق جديدة أمام علماء الدين؛ بهدف ممارسة اجتهاد أكثر عمقاً في العقائد والفقهيات الدينية،حفاظاً على درجةٍ أعلى من حيوية الفقه وسائر شعب العلوم الإسلامية؟

وفي هذه الصورة لن يكون لمجرّد حداثة هذه العلوم وجِدَتها دور في موضوعنا هنا، كما لن تأخذ ـ بحال من الأحوال ـ مكان الفلسفة والحكمة المتعالية والعرفان والكلام، وإذا جاز لتلك الإدراكات والعلوم الجديدة أن تؤثر في الفهم الديني للأفراد فإن ذلك سوف يثبت ـ من باب أولى ـ للفلسفة والعرفان، وفي كلا الحالين، فالأصل بذل الجهد لفهم القرآن والسنة بالاستفادة من الأدوات العلمية والإدراكات المتنوّعة الحاضرة لدى الفرد، وهذا أمر تكويني وطبيعي، ولا ينافي خلوص الفهم الإسلامي وأصالته، ما دمنا لم نجعل مضامين تلك العلوم هي الأصل، كما ولم نسع لإسقاطها على القرآن والسنّة.

في كتاب يحمل عنوان: mكزارشي مختصر بيرامون جلد سوم تا ششم الحياةn، أي تقرير مختصر حول المجلد الثالث إلى السادس من الحياة، تصادفنا موارد مثيرة وداعمة لما ذكرناه ومنها:

أ ـ تعريف العدل بأنه الهدف الاجتماعي الوحيد للرسل وإنزال الكتاب والميزان([49])، تأثير الأصول الاعتقادية في الاستنباط.

ب ـ الاستفادة من تجارب الحياة البشرية التي أثبتت أن الدين لن يكون له معنى من دون تطبيق العدالة([50])، تأثير التجارب والعلوم الإنسانية في الاجتهاد.

ج ـ التأكيد على ضرورة تكوين مفهوم صحيح للحياة، والتطوّر، والتفاعل مع العصر([51]).

د ـ لا ينظر الإسلام بعين الاحترام والتقدير والقداسة لتلك الملكية المفضية لتخريب العدل والإحسان؛ لأن القوانين التي تقابل الإسلام لا قيمة لها، بل الإسلام هو الحجة على هذه القوانين.

وهنا يعاد طرح السؤال نفسه: ما هو المقصود من الإسلام؟ هل قراءة خاصّة له قدّمت بوصفها تصوّراً شاملاً له؟ هذا بالإضافة إلى أن تلك القوانين والقواعد قد استحصلت من بطن الإسلام نفسه.

واستدامة للموضوع عينه يذكر الحكيمي في الحياة: mكل قانون أو عادة أو رسم لابد أن يكون خاضعاً وتابعاً للأهداف الأصلية للإسلام وتوجّهاته الثابتة في بناء المجتمع، وإعادة تشكيل الإنسانية وفقاً للمثل العليا للإسلام في عالم الإنسانn([52]).

هـ ـ إنّ حرمة كثرة الأموال وتكاثر الثروات وتكديسها حرمةٌ ذاتية، مع قطع النظر عما يلحقها من حرمات عرضية أيضاً.

و ـ إسقاط المال التكاثري عن أحكام المالية وحقيقتها([53])، ويشير الحكيمي ـ بعد بيان هذين الحكمين ـ: mموقفي الشخصي أنه يمكن استنباط كلا الحكمين بالتدقيق في آيات الباب وأخباره، مع الأخذ بعين الاعتبار العمومات والإطلاقات والأصول، مثل أصل إقامة القسط، وأصل نفي الظلم، وأصل إمكان العيش للجميع، وحرمة احتكار الأموال وكنزهاn([54]).

ونشيد هنا بنزوع الحكيمي الرفيع ناحية مبدأ العدالة، واهتمامه المميّز بروح النص والشريعة.

وأحاول هنا ـ ودون مناقشة صحّة ولا سقم نتائج اجتهاده ـ أن أطرح بعض الأسئلة حول توظيف المدرسة التفكيكية نفسها للعلوم العقلية وسائر العلوم البشرية:

هل هذا الاجتهاد الفقهي ناتج فقط عن الرجوع للآيات والأحاديث، بمعنى اتّباع المنهج عينه الذي سلكه سائر الفقهاء فوصلوا به إلى نتائج مخالفة، أم أن تلك الاجتهادات حصلت نتيجة مدّ يد العون للعقل وسيرة العقلاء، والكثير من الأحكام القبلية الحاصلة من العقل أو المستنبطة من العلوم القبلية، إنسانيةً كانت أو غيرها؟

أعتقد أنه يتعسّر دون تكوين مفروضات فكرية مسبقة ـ كالتي سيأتي ذكرها ـ الوصول لهذا الاجتهاد الذي أظهرته موسوعة الحياة، لا بل يتعذر، وهذه المفروضات هي ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ:

1 ـ الحسن والقبح العقليان، أي حسن العدل، وأن الاسلام يحكم بما هو عدلِ في الواقع.

2 ـ قاعدة اللطف.

3 ـ إثبات وجود ملاءمة وارتباط وانسجام بين الروح والبدن، وكذا بين احتياجاتهما ومقتضياتهما، كما وإثبات وجود علاقة متوازنة بين المعنويات والماديات.

4 ـ الاعتقاد بالمجتمع بوصفه كلّاً حقيقياً، وأن حياته أو موته ظواهر واقعية.

5 ـ إثبات سعة أهداف الأنبياء ووظائف الدين، تبعاً للحاجات الرئيسية للإنسان؛ بغية الوصول لرقيّه المادي والمعنوي.

6 ـ افتراض معيار محدّد لتعيين أصالة مجموعةٍ من الحاجات البشرية.

7 ـ القول بالحقوق الإلهية أو الطبيعية للإنسان.

8 ـ منافاة تكديس الأموال للتنمية المعنوية والأخلاقيّة.

نتيجة وخلاصة ــــــــــ

يمكن أن نعرض بعض تأملات هذه المقالة حول المدرسة التفكيكية في نقاط محدّدة:

1 ـ الخلط بين مقامي الثبوت والإثبات، في مسير الفعل المعرفي الوحياني والعقلاني والشهودي.

2 ـ استحالة التوصية بضرورة حذف جميع المعلومات والأصول المسبقة، حتى وإن كانت يقينيّةً وعقلية، بغية فهم الآيات والأحاديث، والغفلة عن كيفية نفوذ المبادئ والبناءات العقلية في منهج الاجتهاد الديني.

3 ـ استحالة إقصاء الفعل التأويلي نظريّاً وعمليّاً، بما يعني حمل بعض النصوص على خلاف ظاهرها، وهو أمر لا مفرّ منه.

4 ـ وجود بعض الإبهام حول موارد تعارض العقل والنقل.

5 ـ عدم تقديم المدرسة التفكيكية ضمانات عملانية لرفع الاختلافات الدينية الحاصلة.

6 ـ عدم نجاح رادة التفكيك ولا أنصاره في بلورة آرائهم عملياً.

*    *     *

الهوامش



(*) رئيس تحرير مجلّة پاسدار اسلام، والرئيس السابق لمؤسسة الشهيد الإيرانية.



[1] ــ هذا المعنى للتفكيك بينه المرحوم القزويني في بيان الفرقان1: 7، 8. بهذا الشكل: على الرغم من وجود فلاسفة وعرفاء موالين للأنبياء، إلا أن قصدنا الرئيس يتجلّى في أن لا نعتبر النبيَّ والمبعوث الإلهي حكيماً ولا عارفاً بالمعنى المصطلح عليه، كما نؤكّد على أن طريق الأنبياء E يختلف في فهمه للحقائق عن سبيل الحكماء والعرفاء، كما يختلفان ـ أي العرفان والفلسفة ـ فيما بينهما في آليات تحصيل المعرفة وبلوغها؛ إذ يركّز أحدهما على العقل لكشف الحقائق، بينما يعتمد الثاني على الكشف والعرفان والرياضة. وهذا هو مرجع تصديق جماعةٍ من الحكماء بالأنبياء، إذ يرون ـ مقرّين ـ أنّ إدراكهم لعلومهم كان حصوليّاً، بينما كانت علوم الأنبياء حضوريةً، يطلقون عليها مصطلح الوحي، وهي علوم لا يمكن لأيّ شخص الاطلاع عليها ما لم تحصل له عياناً، وهكذا اعتبر العرفاء الوحي درجةً أعلى من مكاشفاتهم وأرقى من مشهوداتهم، ورغم ذلك، وخلافاً لأصحاب المدرسة التفكيكية، لا نجد أحداً من الفلاسفة والعرفاء يقرّ بمخالفة نتائجه لصراط الأنبياء ومعارفهم المستمدّة من الوحي، بل نرى أكثرهم يرى اتّباع الشرع شرطاً أساسيّاً وخطوةً حاسمة في اتجاه كسب الكمالات الروحية، ونيل المعارف العليا.

[2] ــ تقف المدرسة التفكيكية على الطرف المقابل لنظرية القبض والبسط، وتقع الرؤية التي أسميناها سابقاً بالرؤية الدمجية التوليفية الاتحادية بمثابة الحدّ الوسط المعتدل بين الفريقين، ومن باب أن الأشياء تعرف بأضدادها نشير هنا ـ بشكلٍ مختصر ـ لنظرية القبض والبسط، مع نبذة من الانتقادات التي وجّهت إليها.

وخلاصة هذه النظرية كما بينها مبتكرها (الدكتور عبد الكريم سروش) كالآتي:

توجد لدينا ادعاءات متعدّدة:

أولاً: لا يوجد أيّ فهم للدين لا يستند إلى معارف وأفهام خارجية.

ثانياً: إذا كانت الأفهام الخارجية متحوّلة فسيكون الفهم الديني متحوّلاً تبعاً لذلك، وإذا كانت ثابتةً فسيثبت الفهم الديني أيضاً.

ثالثاً: الأفهام الخارجيّة متحوّلة، وهذه القضايا الثلاث كلّها كلّية، راجع: سروش، قبض وبسط تئوريك شريعت:80، وبعبارة أخرى: لهذه النظرية ثلاثة أركان: أ ـ التوصيف. ب ـ التبيين. ج ـ التوصية، إذ إنها تخبر أولاً عن تكامل الفهم الديني (التوصيف)، وتسعى ثانياً إلى تبيان سرّ هذا التحوّل والغور في أسبابه (التبيين)، وتشجّع ـ ثالثاً بناءً على ما سبق ـ الضائعين على ساحل البحر للغوص في العمق، وتوجيههم ناحية إكمال معرفتهم الدينية (المصدر نفسه: 157)، ثم تعرض هذه النظرية أطروحةً مترامية الأطراف؛ إذ ترى:

أولاً: أن كلّ الأفهام البشرية في حالة تغيير.

ثانياً: كل تغيير سيطرأ على المعارف البشرية سيؤدّي بالضرورة لتغيير المعرفة الدينية، حتى وإن كان محدوداً.

ثالثاً: سرّ هذا التغيير هو الارتباط الموجود بين المعرفة الدينية والمعرفة البشرية.

هذا، وقد جوبهت أركان هذه النظرية وخاصّة كليّة المقدمتين: الأولى والثانية، بانتقادات من جانب مجموعةٍ من المفكّرين (يراجع الكتب الثلاثة التالية: المعرفة الدينية ]لاريجاني[، قبض وبسط در قبض وبسط ديكر ]لاريجاني[، شريعت در آينه معرفت ]جوادي آملي[).

وقد طرح بعض الناقدين تصوراً خاصاً حول ارتباط المعارف الدينية بالمعارف البشرية، بحيث يصعب على محقّق في العلوم الإسلامية أن يخالفه، ومفاد هذه الأطروحة هو: إن المعارف الدينية بما تعنيه من فهمٍ للكتاب والسنة تستند إلى معرفة أو معارف بشرية، ولكن ليس إلى كلّ المعارف البشرية، هذا بالإضافة إلى أن هذا الاستثناء يتمّ من خلال قناة خاصة… وليس من الصحيح أن نعتبر أن كل معرفة جزئية ضمن علم معين تستند إلى كلّ المعارف الخارجية، ففي هذه الأطروحة لا يقرّ بتحوّل كلّ المعارف الدينية، لأن انبناء المعارف الدينية على بعض المعارف البشرية يستلزم تغييرها دائماً (قبض وبسط در قبض وبسط ديكر: 9)، ومن جملة الانتقادات الواردة على نظرية القبض والبسط أن الحكم الكلّي لا يثبت بالاستقراء الناقص، كما أن مدّعى الوصول لفرد العلم بالذات لا يمكن الجزم به لأن باب الاحتمال مفتوح امام تدخل خصوصيات وصفات جانبية مغفول عنها في خضم بحث مسألة علمية خاصة تبعد الباحث عن الوصول لفرد العلم بالذات، وفوق كل هذا لا نرى تحققاً للربط المنطقي بين الادعاء المذكور في مورد الوجودات مع تلك التوصية في ما يخص الواجبات، التي تفرِض على عالم الدين الاطلاع على كل العلوم، وحتى مع تسليمنا بصحة استنتاج تلك التوصية لا نرى تحققاً لثمرة معينة، فهو من باب التكليف بالمحال وبما لا يطاق، فالاطلاع المقبول على العلوم ـ سواء كانت عقلية أو نقلية أو تجربية أو إنسانية أو أدبية… ــ لا يتسنّى لأحد مع الأخذ بعين الاعتبار اتساعها وتشعّبها المذهلين.

[3] ــ وكما أسلفنا، فإن المقصود من التأويل أي حملٍ للفظ على خلاف ظاهر معناه، لا بمعنى الحقائق التكوينية التي تقع بإزاء القرآن، فيشمل أيضاً بيان باطن القرآن الكريم، ولمزيد من التوضيح لمعاني التأويل، ومبدئه، وقواعده عند العرفاء يراجع مقالة: مكتب استاد جوادي آملي، كيهان انديشه، العدد: 39.

[4] ــ فعلى ما قيل، حتى أنصار الاتجاه الظاهري مثل أحمد بن حنبل لم يجدوا مفرّاً من تأويل الأحاديث في ثلاث موارد، راجع: كتاب شرح الأسماء الحسنى، للملا هادي السبزواري: 81، طبع ناصري، تحت عنوان: ما من مذهب إلا وللتأويل فيه قدم راسخ.

[5] ــ وحيث كان الشهود حالةً ذاتية وشخصية، تبقى معطياته حجةً على المشاهد نفسه ما دامت بلغت به درجة اليقين، ومن ثم ليس من الضروري أن تكون حجةً على غيره ممّن لم تحصل له المشاهدة عينها.

[6] ــ يراجع: داريوش شايغان، هنري كوربان، آفاق الفكر الروحي في الإسلام الإيراني: 44، ترجمة: باقر پرهام، نشر آكاه.

[7] ــ فعلى سبيل المثال: ماذا سيكون موقفكم إذا افترضنا ظهور آية أو رواية صحيحة السند في عصيان الأنبياء E أو سهو النبي A أو تحريف القرآن، أو وجود رواية أخرى تدلّ على ثبوت الإرادة المتجدّدة والحادثة لذات الحقّ تعالى، أو عندما نواجه ظهور حديث في صحّة إعادة المعدوم، أو التناسخ، أو جملةٍ من المطالب الأخرى التي تكون بملاحظة لوازمها وملزوماتها أو حدودها الوسطى مغايرةً لأحد الأصول المسلّمة العقلية، فهل يوجد طريق آخر غير التأويل وحملها على المعاني الصحيحة أو ردّ علمها إلى أهلها ووضعها بعيداً عن مجموعة الروايات التي تبيّن القضايا الاعتقادية؟ هل تعتقدون بمفادها من باب التسليم والانقياد، وتصرّون على أن المصادر النقلية هي المصادر الوحيدة الخالية من الأخطاء؟

[8] ــ مجلة: كيهان فرهنكي: 10، السنة 9، العدد 12، لقد أقرّ الحكيمي بصواب العمل بالتأويل في مواضع معدودة، ولما كان يرى أن استبعاد التأويل حكمٌ عقلي، وما كان كذلك فلا يقبل التخصيص، كان من الضروري له أن يملك تصوّراً يفسّر لنا عمله بالتأويل في تلك المواضع المعدودة، فلو رجع تبريره إلى عدم الانسجام مع ضروريات الدين أو إلى عدم التوافق مع أصول موضوعة خاصة، عقلانية أو غيرها، فمن الواجب عليه ـ إذاً ـ تعميم هذا التبرير إلى كلّ الحالات المماثلة.

[9] ــ يراجع: مجلة كيهان انديشه: 17 ـ 19، العدد 39، مقالة: در مكتب استاد جوادي آملي؛ ولمزيد من المراجعة والتعمّق في مسألة التأويل وموارد جوازه أو عدم جوازه، يفضل الرجوع إلى كتاب الميزان3: 31 ـ 64؛ وأيضاً: رسالة قواعد التأويل للغزالي؛ ورسالة قواعد التفسير للمرحوم التنكابني؛ وكتاب قرآن پژوه لبهاء الدين خرمشاهي؛ ومقالتي: mتأويلn وmآيا تأويل قرآن را فقط خدا من داند؟n؛ ومقالة: mتأويل وحكمت معنوي إسلامn لمؤلفها هنري كوربان، والموجودة ضمن كتاب mمباني هنر دينيn، من إصدارات منظمة الإعلام الإسلامي؛ ويراجع أيضاً: مبحث بطون القرآن في كتب علوم القرآن.

[10] ــ يراجع تفسير صدر المتألهين7: 124، 125؛ وشرح أصول الكافي: 438؛ ومقدّمة كتاب الحجّة؛ والميزان5: 205 و255، وج1: 421، وج7: 326؛ وكتاب شريعت در آينه معرفت للأستاذ جوادي آملي؛ وأيضاً يراجع كتاب روش علامه طباطبائي در الميزان، لمؤلّفه علي الأوسي، ترجمة مير خليلي، مبحث الجنبة العقلية في الميزان: 241 ـ 281.

[11] ــ مجلة كيهان فرهنكي، العدد الخاص بالمدرسة التفكيكية: 21، السنة 9، العدد 12.

[12] ــ المصدر نفسه: 9.

[13] ــ أضف إلى هذا، إنّ ما يطرح أحياناً بوصفه تأويلات للعرفاء ليس في الحقيقة سوى إدراك بمقتضى الحال، وسنخ حوار معنوي وروحي مع القرآن الكريم، أو مجموعة إلهامات حصلت لهم أثناء تعاملهم مع القرآن، وظاهر الأمر خلوّه من أي إشكال ما داموا لم ينسبوا مضامين ما وصلوا إليه إلى الله تعالى، مع عدم علمهم بالمراد الحقيقي للقرآن، طبعاً قد نجدهم في بعض المواضع يعتبرون فهمهم للآية باطناً لها أو تأويلاً أو تفسيراً رسمياً، وهنا علينا ممارسة تقويم علمي لآرائهم، حالهم في ذلك حال غيرهم من المفسّرين، وهدف هذا التقويم العلمي الحكم على تأويلاتهم بالصحّة أو السقم عبر إعمال قواعد التأويل والتفسير.

[14] ــ وقد تفضل العلامة الطباطبائي بالقول في هذا الخصوص: mتوجد مجموعة من القضايا التي لا يساورنا أدنى شك في صدقها، ونقبلها بالضرورة، بحيث تكون هذه الإدراكات والتصديقات عقلاً قطعياً، ومعنى حجيّتها قبولنا الحتمي بها، فإذا طلبنا من خلال هذه المعلومات البديهية والضرورية دفع مجهول من مجهولات مسائل المبدأ والمعاد، وكليات الخلقة فإننا نطلق على هذا البحث اسم البحث الفلسفي، وبناءً عليه، ليس بإمكان أي دين أو مذهب أو منهج نظري آخر أن ينفي حجيّة العقل القطعي، وحقه في البحث الفلسفي، لأن مؤدى هذا الرفض ـ إن حصل ـ إبطال حقانيّته الخاصة، باعتبار قيامها بحجية العقل القطعيn، كتاب الشيعة1: 227.

[15] ــ إن هذه الدعوة في المدارس العرفانية إنما تتصوّر بعد تحصيل القرب بالنوافل؛ لأن الإنسان في تلك المرحلة سوف يبصر من خلال الرؤية الإلهية لا البشرية، وسيدرك ـ تبعاً لذلك ـ الدين كما هو في اللوح المحفوظ، إدراكاً شهوديّاً حضوريّاً بالسمع والبصر الإلهي، لا عبر القواعد والمناهج المعرفية الخاصّة باكتساب العلوم الحصوليّة.

[16] ــ كيهان فرهنكي، مصدر سابق: 10.

[17] ــ إن رعاية كلا المنهجين لا تستلزم تعارضاً، من هنا كان ترجيح العلامة الطباطبائي منهجَ تفسير القرآن بالقرآن على التفسير الروائي والعلمي في مقدمة تفسير الميزان، وفي كتاب القرآن في الإسلام، ويعني ذلك حمل المفاهيم والمصطلحات القرآنية على المصطلحات العلمية، كما هي الحال مثلاً في مسألة الخلق والأمر والسماوات والروح و… بدون استناد للقرآن ولا استنطاقٍ له، وهذا هو ما يصدق عليه عنوان التفسير بالرأي، إلا أنّ هذا لا ينافي الاستفادة من المباحث العقلية والفلسفية في تشريح المباحث التفسيريّة، وهذا ما فعله الطباطبائي في مواقف كثيرة من الميزان؛ إذ نجد عناوين مثل: بحث فلسفي، بحث روائي، وغيره، هذا بالإضافة إلى ما أشار إليه هو نفسه من اختلاف بين الأمرين المذكورين في حاشيته على الكفاية، فراجعها (1: 163، 164).

[18] ــ للمزيد من الاطلاع، يراجع مقالة الكاتب في مجلة كيهان انديشه، العدد 47: 142.

[19] ــ مجلة كيهان فرهنكي، السنة 9، العدد 12: 7 بتصرّف واختصار.

[20] ــ راجع: ابن تركة، تمهيد القواعد: 256 ـ 275؛ ورسالة ما لا يعوّل عليه، لابن عربي، وغيرها من الكتب في العرفان العملي، ومن جملتها: مرصاد العباد، مصباح الهداية، منازل السائرين…

[21] ــ وبالإضافة إلى ذلك، اعتبر العلامة الطباطبائي الروايات والأخبار مؤيّدات وشواهد ملهمة في المجال العقدي، خاصة وأن ظواهر القرآن الكريم ذات أوجه ومحامل متعدّدة، أضف إلى ذلك كثرة ما يراد بالروايات غير ما يفهمه العرف، كما وفيها مواضع تحتمل التقية، أو مراعاة فهم المخاطب، أو الظروف الزمانية، علاوةً على النقل بالمعنى من جانب الراوي، وعدم ضبطه للكلمات أو المعاني، وإذا أمكننا استبعاد هذه الاحتمالات في الفقه والعلم بالتكليف الظاهري عبر أصالة نفيها وعدمها، فإن ذلك لا ينفع في المجال العقائدي بعد أن كان بحاجةٍ إلى يقين، راجع: الميزان4: 119، وج5: 265، وج6: 57؛ وله أيضاً: حاشية الكفاية: 185 و191.

[22] ــ رضا استادي، بيرامون مكتب تفكيك، كيهان فرهنكي، السنة العاشرة، العدد 9: 44 ]والمقال منشور في هذا العدد من نصوص معاصرة، التحرير[.

[23] ــ راجع: القزويني، بيان الفرقان 1: 13.

[24] ــ المصدر نفسه: 8، 9.

[25] ــ الشيخ رضا استادي، بيرامون مكتب تفيكيك، مصدر سابق: 42.

[26] ــ الميرزا مهدي الإصفهاني، أبواب الهدى: 26، ويلاحظ له أيضاً ابتكار آخر للنظرية في مباحث النفس والمعرفة من المصدر نفسه: 9 ـ 12.

[27] ــ أورد الأستاذ السيد جلال الدين الآشتياني ـ في دراساته التي تناولت نقد تهافت الغزالي ـ بعض الانتقادات على آراء الإصفهاني، فراجع مجلّة كيهان انديشه، الأعداد الأولى، سلسلة مباحث نقد التهافت.

[28] ــ راجع: أبواب الهدى: 35، وسيأتي المزيد من التوضيح في هذا الخصوص، وكمثال راجع الكتاب نفسه: 16 في خصوص الاستدلال على الذات الإلهية على نحو التذكّر.

[29] ــ ثمّة نتيجة هامّة لهذا البحث تكمن في ضرورة اعتماد منتهى الاحتياط في نسبة الكفر للآخرين وإخراجهم عن الدين وذلك أنه: أولاً: يصعب على الإنسان أن يقدّم صورةً عن الذات الإلهية وسائر المبادئ الاعتقادية تمثل التصوّر الكامل والإدراك النهائي للحق تعالى. وثانياً: لا يحق لنا إخراج شخص من الإسلام بلحاظ قناعته بأمر اعتقادي تؤدّي لوازمه إلى نفي أحد الاعتقادات الإسلامية الحقة ما دام لم يلتزم هو نفسه بهذا اللازم، تماماً كما تعامل السلف الصالح مع الأشاعرة وغيرهم ضمن إطار أهل الاسلام لا الكفر، بالرغم من إفضاء بعض عقائدهم إلى نسبة الظلم والمادّية للحق تعالى، واذا ما كان الأمر غير ذلك فلن ينجو من التكفير إلاّ القليل، راجع: كيهان انديشه، العدد 45: 90 ـ 91.

[30] ــ المصدر نفسه: 15، هذا وقد أشار إلى مباينة هذه النظرية لنظرية الفلاسفة، وهي الاستدلال بالمعلومات المتصوّرة على العلة المتصوّرة من وجه، أو تباينها مع مرام العرفاء، في خصوص المعرفة الشهودية بذات الحق، لكنه لم يلتفت إلى تطابق هذه النظرية مع مذهب أفلاطون في المعرفة، كما جاء في بعض كلمات العلامة الطباطبائي.

[31] ــ ويرى أن قضية امتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما تتعلّق بظهور حقيقة الوجود، ومعنى ذلك عدم وجود معنى لها في مقام حقيقة الوجود نفسه، وهنا نصل إلى هذه النتيجة: إن أساس المعارف الإلهية تتقوّم بالدعوة إلى الله تعالى، لا إلى حقيقة الوجود، ولا يمكن القول بأنه تعالى إذا لم يكن هو حقيقة الوجود ـ مع عدم كونه عدماً ـ فلابد أن يكون أمر ثالثاً بين الوجود والعدم، لأن موطن الوجود والعدم آيته وأثره وفعله لا ذاته، راجع: أبواب الهدى: 47 ـ 50.

[32] ــ المصدر نفسه: 12؛ هذا وتطرح هنا العديد من الأسئلة من قبيل: ما هو معنى الإشارات في العلوم الإلهية؟ وأيّ فرق بينها وبين الدلالة في باب الألفاظ والمعاني؟ وهل يمكن لعلمٍ أن يستعمل فيه اللفظ من دون الإشارة إلى مطابقه؟ سواء أكان هذا المطابق ما بإزاء أو كان منشأ انتزاع، فإذا قال الفيلسوف مثلاً: العالم ممكن الوجود، فهل يقصد العالم الذهني الموجود في تصوّره أو أنه لاحظ الخارج واستعمل اللفظ والمعنى بوصفهما عنوانين مشيرين للخارج؟ الذي يبدو أن الخطأ الذي حصل كان في الخلط بين المفهوم والمصداق، وهو الذي أوجب استثناء ذات الحق من قضية امتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما.

[33] ــ المصدر نفسه: 36، 37.

[34] ــ المصدر نفسه:23.

[35] ــ المصدر نفسه: 49، 50.

[36] ــ المصدر نفسه: 45، 50.

[37] ــ المصدر نفسه: 35.

[38] ــ المصدر نفسه: 48.

[39] ــ إن تكوين قاعدة فقهية عامة تتصل بها فروع عملية يرتهن بالبناءات والأصول الموضوعة التي يختارها الباحث سلفاً، وكذلك نمط رؤيته الفردية والاجتماعية، وشكل ترقبّه من الدين والشريعة، ولمزيد من التوضيح نشير إلى مقالة: mدور الرؤية الكونية للفقيه في صياغة فتاويهn، ضمن كتاب: ده كفتار، وكتاب إسلام ومقتضيات زمان، للشهيد مطهري، حديث يطرح هناك مبدأ العدالة بوصفه المبدأ المغيّب أو الغائب في أغلب الاجتهادات، فيما يملك دوراً عظيماً وقدرةً عالية على حلّ ما استعصى من المسائل الاجتماعية والحكومية، راجع: ختم النبوة، مبحث الاجتهاد والحكم الحكومتي وختم الأنبياء، وأيضاً كتاب الخاتمية، المبحث: 8، 9، 10.

[40] ــ ونؤكد هنا ـ خلافاً له ـ على تأثير القبليات الفكرية دون أن تخلّ بخلوص فهمه واجتهاده.

[41] ــ محمد رضا الحكيمي و..، الحياة 3: 20، نشر دفتر نشر فرهنك إسلامي.

[42] ــ المصدر نفسه: 21 ـ 23.

[43] ــ المصدر نفسه: 23.

[44] ــ المصدر نفسه: 24.

[45] ــ المصدر نفسه: 23 ـ 34.

[46] ــ وقد أضاف سماحته في الحاشية أمراً يؤدّي التأمل فيه والالتزام به إلى تأمين هدف المقالة وهو: أن مرادنا من الأصول في الكلام المذكور تلك الأصول الاعتقادية والأصول العامة التي جاء بها الدين لبناء الفرد والمجتمع، ومن الواضح ذاك الارتباط الوثيق بين أصول العقائد وزوايا الأحكام الفقهية، لأنه لا يمكن للدين الذي يعتبر العدل من الأصول الإلهية ويقرّ بعدالة الحق المتعال أن يشتمل حكماً أو تشريعاً يستتبع ظلماً، مثل تكديس الثروة والفقر، فلا يمكن للمجتهد من العدلية أن يغضّ الطرف ـ دون مبالاة ـ عن عملية استنباط تؤدّي إلى تحقيق العدالة، وبهذه الصورة ينسجم البعدان العقدي والتشريعي. (ص37، 38).

[47] ــ الحكيمي، الحياة 3: 38 ـ 40.

[48] ــ راجع: مجلة آينه پژوهش، العدد 24: 70 و71.

[49] ــ تقرير مختصر: 93.

[50] ــ المصدر نفسه: 100.

[51] ــ المصدر نفسه: 106.

[52] ــ المصدر نفسه: 84.

[53] ــ المصدر نفسه: 63.

[54] ــ المصدر نفسه.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً