أحدث المقالات

أ. علي رضا بهاردوست(*)

ترجمة: حسن الخرس

مقدّمةٌ

إن أحد التيّارات الفكريّة ـ الدينيّة المعاصرة التي انبعثت من أرض خراسان تيارٌ حمل همَّ ترويجه وتوضيحه أشهر رموزه: الأستاذ محمد رضا الحكيمي، الذي أطلق على هذا التيّار اسم «المدرسة التفكيكية». وبهذا الاسم اشتهر في المحافل والمراكز العلميّة. ولكنْ هل استعمال لفظ «مدرسة» للتفكيك صحيحٌ أم أنّه يجب التعبير عنه بلفظ «تيّار» أو «رواية»؟ هذا أمرٌ آخر، لا شأن لنا به الآن هنا.

ولكنْ على أيّ تقديرٍ لا يوجد شكٌّ في أنّ الأساس الذي تقوم عليه المدرسة التفكيكية هو الفصل والتمييز بين الطرق والمناهج المعرفية الثلاثة: العقل؛ والوحي؛ والشهود الباطني أو الكشف.

إنّ للتفكيك جذوراً وقواعد في مراحل مختلفة من الحضارة الإسلامية، وبين العلماء والمفكِّرين المسلمين. وحينما جاء بعدئذٍ الأستاذ الحكيمي؛ ليشرح «المدرسة التفكيكية» على شكل صياغةٍ جديدة لهذه الرؤية، أضاف إلى فكرة التفكيك بين طرق المعرفة الثلاثة مظهراً مشوِّقاً، وذلك بوساطة طرح مقولة: «العقل الدينيّ المستقلّ».

في السنوات الأخيرة الماضية ألّفت عدّة كتب في مجال دراسة وتحليل «المدرسة التفكيكية»، والتي جاء غالبها بطابعٍ فلسفي؛ فأهمّ هذه الآثار هي:

1ـ العلم والعقل في رؤية المدرسة التفكيكية، تأليف: السيد عبّاس المرتضوي.

2ـ المنهج والفكر، دراسةٌ وتحليل لمباني ورؤى المدرسة التفكيكيّة، تأليف: السيد محمد الموسوي([1]).

3ـ نقد وتحليل نظرية التفكيك، تأليف: محمد رضا إرشادي نيا([2]).

4ـ كما يلزم بالطبع أن نذكر كتاب قصّة الفكر الفلسفي في العالم الإسلامي، من تأليف: الدكتور غلام حسين إبراهيمي ديناني([3])، الذي قد بحث أسس هذه النظرية، وقام بنقدها، ولكنْ بشكلٍ موجز ومختصر، وبنحوٍ غير مباشر.

وأما في هذه الفترة فلم يتمّ نشر أيّ مؤلَّفاتٍ تحليلية جادّة، سواء كانت في الدفاع عن هذه المدرسة أم في نقد أسسها ومبانيها. ولكنْ بالطبع توجد مؤلَّفات مختلفة منشورة قد أخذَتْ جانب الاحتفاء بشخصيّة الأستاذ الحكيمي بشكلٍ أكبر من نفس الاشتغال بمسائل البحث.

ولأجل التمثيل يمكن ذكر هذين العنوانين:

1ـ فيلسوف العدالة، نظرةٌ في الحياة العلميّة والعمليّة للعلاّمة محمد رضا الحكيمي، من تأليف: كريم فيضي.

2ـ طريق النور، رسول المعرفة وقائد المسيرة الأستاذ محمد رضا الحكيمي، من تأليف: محمد إسفندياري.

3ـ وكذلك في قسمٍ من كتاب نُشر أخيراً، وهو بحجمٍ صغير، وذو محتوى ثريّ وجديد، لبهاء الدين خرّمشاهي، الباحث القرآني والعالم المشهور المعاصر، بعنوان: «من الشكّ إلى اليقين»([4])، قد حمل فيه همّ الدفاع والتأييد لهذه النظرية.

4ـ وهناك عملٌ آخر من أكثر الأعمال تحليلاً وجدّةً في مجال مطالعة ونقد «المدرسة التفكيكية»، وقد نُشر أخيراً، وهو هذا العمل الحاضر بعنوان: «حلم النقاء، مطالعاتٌ في المدرسة التفكيكية»([5])، تأليف: السيد حسن إسلامي، وتصحيح: السيد محمود صادقي.

 

المدرسة التفكيكيّة وبطلان بعض لوازمها القهريّة

يصرِّح المؤلِّف ـ السيد حسن إسلامي ـ في هذا العمل بأنّ ادّعاءات المدرسة التفكيكية لا تبدو مقنعةً إلى هذا الحين. ويضيف ـ بعد موافقته على المبادئ الأوّليّة لبعض نقّاد التفكيك، ونتائج بعض انتقاداتهم ـ: إنّ هذه الأوراق تختلف عن الأعمال المشابهة؛ فإنّ رؤية المؤلِّف في التحليل رؤيةٌ تفكيكيّة.

وبالرغم من أنّ المؤلِّف ذو تربيةٍ فلسفيّة، فإنه يؤكِّد أنّه لا يريد في هذا العمل أن ينتقد هذه النظرية من منطلق الدفاع عن الفلسفة الصدرائية والحكمة المتعالية، ولكنّه قد صبّ جهوده على بيان اللوازم القهريّة لهذه النظريّة، والتي غفل عنها، فيضع إصبعه عليها ويشخِّصها.

وفي ضمن انتقاد المؤلِّف للسلوك النظري والعملي لبعض المدافعين عن التفكيكيّة؛ إذ رأى تصرُّفاتهم انتزاعاً لحقّ أيّ شكلٍ من أشكال النقد من قِبَل مخالفيهم، يقول: إنّ حقّ النقد يجب أن يكون محفوظاً، فيجب على مَنْ يقبل بالفلسفة أو ينقدها بشكلٍ قاطع أن لا يمنعا كلاهما عن إتاحة فرصة المقابلة بالنقد والمناقشة فيما بينهما.

ويركِّز الكاتب في كتابه على محورَيْن مركزيَّيْن:

الأوّل: نقد نظرية المعرفة الحكائية عن المدرسة التفكيكيّة (أي رواية الأستاذ محمد رضا الحكيمي).

الثاني: نقد أخلاقها.

وبهذين المحورين سيتّضح لدينا أنّه هل يمكن تشييد الأدلّة على الاعتقادات الأساسية لهذه المدرسة؟ وهل رُوعيت الأصول الأخلاقية أثناء شرح وإيضاح هذه المدرسة والدفاع عنها ومناقضة مخالفيها أم لم تُراعَ؟ ولذلك فهذا المؤلَّف ذو صبغةٍ معرفية ـ أخلاقية.

وفي إطار حديثه في هذا الكتاب عن المراد من «المدرسة التفكيكية» يقوم المؤلِّف بحصر التقريرات والبيانات لهذه المدرسة في تقرير الأستاذ محمد رضا الحكيمي لها؛ فإنّ مدرسة خراسان ـ عدا الأستاذ الحكيمي ـ قد قدَّمت العديد من القراءات والبيانات لهذه النظريّة، وهي خارجةٌ عن محور كلامنا هنا.

ويضيف أيضاً، إنّ تقرير الحكيمي لأفكار هذه المدرسة قد اشتمل على عرض وبيان مسائل متنوّعة وكثيرة، بدءاً من نقد الفلاسفة والعرفاء انتهاءً إلى لزوم الرجوع إلى النصوص الدينية الأصيلة. ولكنّ الكاتب قد اختار في هذا الكتاب بحث دعوى «التفكيك بين الثلاثية المعرفية: العقل، الوحي، الشهود الباطني» فقط، واجتنب الدخول في المسائل الأخرى.

عَقَباتٌ في مسار النقد

وفي السياق المتقدِّم أيضاً يشرح السيد حسن إسلامي ـ مؤلِّف الكتاب ـ الصعوبات التي واجهها في مسير بحثه الحاضر، وهي على النحو التالي:

1ـ للأسف الشديد إنّ «النقد» في مجتمعنا يعاني من جعله مساوياً للعداء والبغضاء، ولأجل ذلك يسلك الكثير جدّاً من الناس طريقاً مختلفاً عن طريق النقد وتحليل المسائل العلمية فقط.

2ـ يضرب الاحترام الشديد للأستاذ الحكيمي وأهدافه في تحقيق العدالة طَوْقاً دون نقده، ممّا يجعل نقد نظرياته بمنزلة العداوة والبغضاء له وللعدالة، بل ويتصوَّر أنّ نصرة العدالة ملازمةٌ للقول بنظرية التفكيك، مع أنّ المؤلِّف لا يَعُدّ النقد هَتْكاً لحُرْمة الناس أو إهانةً لهم، وإنما يعتبره عاملاً في تنشيط العلم وإصلاح أخطائه. وبنقل نفس الأستاذ الحكيمي لقوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ﴾ (يونس: 35) يجد أنّ معيار حرمة الناس في مدى اتّباعهم للحقّ.

3ـ يتصوّر بعضُ أنصار المدرسة التفكيكية أنّ نقد هذه المدرسة إنمّا هو نقدٌ لأصل الإسلام، وتجاسرٌ على أهل البيت والأئمّة الأطهار^. إنّهم بكلّ صراحةٍ يعتبرون مدرستهم عين الإسلام، وعلى اعتقادٍ بأنّ «حقيقة المنهج التفكيكي أمرٌ مساوٍ لنفس الإسلام ومظاهره؛ أي القرآن والحديث، الكتاب والسنّة، معارف القرآن وتعاليم أهل البيت^ وخلاصة كلّ ما يُستفاد من الثقلين»([6]). والنتيجة من هذه الرؤية أنّ سبب اعتراضات مخالفي هذه المدرسة هو عدم الإحاطة بكلام المعصومين؛ إذ «السادة ليس عندهم كثير مراجعةٍ واشتغال بأحاديث آل محمّد^ ومعارفهم الحَصْرية»([7]).

والأمر الآخر هو أنّ نقد الناقدين ـ بنظر المدافعين عن المدرسة التفكيكية ـ ليس متوجِّهاً إليهم، وإنما هو متوجِّهٌ إلى القرآن الكريم وأهل البيت^. وبناءً على هذا فمَنْ يعمل على نقد التفكيكيين فهو علم أو لم يعلم، «أراد أو لم يُرِدْ، إنّما يتحرّك في فضاء سياسات بني أميّة وبني العبّاس»([8]).

والمحصّلة في نظرهم أنّ مَنْ يُقْدِم على نقد هذه المدرسة فإنّه سيتورَّط في الشبهة والتُّهْمة، وسيكون معاوناً لبني أميّة وبني العبّاس، شعر بذلك أم لم يشعر.

إنّ مطالعة أدبيّات بعض المحامين عن هذه المدرسة، والعبارات الخاصة التي يتداولونها، تنضح بمعاني الرعب والاستحقار لناقديهم، بل وتبعث برسائل تحذير إليهم بأنّه من الممكن أن لا تنتهي العواقب بخيرٍ.

وفي ضمن حديث المؤلِّف عن تقديم الاحترام والتقدير لجميع أنصار المدرسة التفكيكية يقول: إنّ تيّار التفكيك تيّارٌ مثل غيره من التيّارات الدينيّة والفكريّة ـ وليس أفضل منهم ـ، يمتلكون الحقّ في أن يدافعوا عن أفكارهم ومبانيهم، ولكنْ يجب أن يكون أيضاً هذا الحقّ محفوظاً لغيرهم، كما هو محفوظٌ لهم. فيمكن للجميع أن يبيِّن نظره حول هذه الأفكار. فلا يوجد أيُّ إنسانٍ متعالٍ عن النقد، وهذا هو عين احترام العلم والحقيقة، ولا نسمح لأحدٍ بأن يفرض علينا رأيه.

خطّة البحث في الكتاب

وبعد المقدّمة بنى المؤلِّف كتابه على قسمين:

القسم الأوّل بعنوان: «المدرسة التفكيكية، عرضٌ وتحليل».

والقسم الثاني بعنوان: «نقد أخلاقي على المدرسة التفكيكية».

والقسم الأوّل بدَوْره مقسَّمٌ إلى ثلاثة فصول: الفصل الأوّل بعنوان: «جذور وأصول المدرسة التفكيكية»؛ والفصل الثاني بعنوان: «المدرسة التفكيكية في ساحة النقد»؛ والفصل الثالث بعنوان: «أصول المدرسة التفكيكية في مرحلة التطبيق».

 

«جذور وأصول المدرسة التفكيكيّة»، تقريرٌ وتحليل

وقد اشتغل المؤلِّف في الفصل الأوّل من القسم الأوّل بتقرير وتحليل «جذور وأصول المدرسة التفكيكية». والأمر اللافت للانتباه في هذا الفصل هو أنّ المؤلِّف يؤكِّد على هذه الفكرة: «بالرغم من أنّ الأستاذ الحكيمي يعتبر نفسه امتداداً لمنهج مؤسِّسي المدرسة التفكيكية، وأنّ أفكاره متطابقةٌ مع أفكار سابقيه، إلا أنّه بنظرنا قد أحدث بعض التغييرات في تلك الأفكار، وقدَّم قراءةً جديدة لهذه المدرسة». ويقول بشكلٍ صريح: «تلك المدرسة التي نعرفها في هذا العصر باسم المدرسة التفكيكية لا ينبغي أن نحتسبها شيئاً واحداً مع ما طرحه مؤسِّسو هذه المدرسة.

وفي متابعة لقراءة الأستاذ الحكيمي لهذه المدرسة رأى أنّ هناك ثلاث مسائل على الأقلّ يختلف فيها مع رؤية مؤسِّسي هذا المنهج:

أـ النسبة بين الوحي والعقل والكشف.

ب ـ الاهتمام بالفلسفة والفلاسفة.

ج ـ المَدَيات السياسية ـ الاجتماعية للمدرسة التفكيكية.

يقول إسلامي حول المسألة الأولى: إنّ مؤسِّس المدرسة التفكيكية([9]) كان يعتبر طريق الدِّين منفصلاً بالكامل عن طريق العقل والعرفان. ويؤكِّد على هذا الأصل بأنّ «العلوم الإلهية نزلت لإبطال العلوم البشرية»([10])، و«سنخ العلوم الإلهية متمايزة بتمامها عن العلوم البشرية»([11])، و«العلوم البشرية من أوّلها إلى آخرها جهل وظلام»([12]). وأما الأستاذ الحكيمي، فبالرغم من تأكيده على التباين الكلّي بين هذه المناهج الثلاثة في تقريره لهذا الأصل، إلا أنّه أحياناً يدّعي بأنّ «النسبة بين الفلسفة الإلهية الإسلاميّة والوحي القرآني ليست نسبة التباين الكلّي، وإنما هي عدم التساوي الكلّي»([13]). وعلى هذا الأساس هناك عدولٌ واضح عنده عن المبنى الأصليّ للتفكيك.

وأما عن المسألة الثانية فالمؤسِّسون الأوائل للمدرسة التفكيكية كانوا يعتبرون الفلسفة والعرفان أمراً خارجاً عن الإسلام، بل مغايراً للدِّين، ويؤكِّدون على أنّ الخلفاء قد روَّجوا هذه العلوم لأجل محاصرة أهل البيت^، ومنع الناس من الرجوع إلى سلالة الوحي، بينما تختلف رؤية الأستاذ الحكيمي لهذه المسألة عن رؤية المؤسِّسين الأوائل للمدرسة التفكيكية، يقول إسلامي: «إنّه في مواضع مختلفة يصرّ على أنّ للفلسفة والعرفان قيمةً ومقاماً، والمدرسة التفكيكية ليست في صَدَد نفيهما، بل في صدد تأطير حدودهما. وبناءً على هذا فقد عدل الحكيمي عن الأصل الأصيل، أي «مخالفة الفلسفة والفلاسفة»، الذي هو مورد قبولٍ لمؤسِّس هذه المدرسة.

وفي بيان المسألة الثالثة يبيِّن السيد حسن إسلامي أنّ قراءة الأستاذ الحكيمي للتفكيك تختلف أيضاً مع رؤية مؤسِّسي هذه المدرسة، فيكتب: الاختلاف المهمّ في هذا التقرير الجديد للمدرسة هو مدى الالتفات إلى مَدَياتها السياسية ـ الاجتماعية؛ إذ لم يكن هناك شيءٌ واضح حولها في آثار مؤسِّس هذه المدرسة؛ وأما في فكر الأستاذ الحكيمي فقد ظهر الاهتمام بالتفكير المحوري: «لأن المدرسة التفكيكية مبنيّةٌ على أصول تمهيدية وأسس راسخة من تعاليم القرآن والأوصياء في الموضوعات المهمة الحياتية، وتطرح نظريّات في السياسة والمجتمع والاقتصاد والتربية؛ إذ لا يمكن صناعة مجتمعٍ قرآني بدونها»([14]). ويحتمل أنّ هذه الرؤية للأبعاد الاجتماعية قد جذبَتْ بعض الناس إليه.

وفي مواصلة بحثه يستخلص المؤلِّف من مقالةٍ للأستاذ الحكيمي خمسة أصول أساسيّة للمدرسة التفكيكية، وهي:

1ـ الفصل بين الفلسفة والعرفان والدِّين.

2ـ علوّ وأصالة المعرفة الدينية.

3ـ استناد المعرفة الدينيّة إلى القرآن والحديث.

4ـ الاتّكاء على ظاهر الآيات والروايات.

5ـ رفض أيّ شكلٍ من أشكال التأويل.

نقدٌ وتحليل لأصول المدرسة التفكيكيّة

ثمّ ينقد هذه الأصول الأساسية ويحلِّلها نظريّاً ومعرفيّاً ضمن الفصل الثاني من القسم الأوّل، المعنون بـ «المدرسة التفكيكية في ساحة النقد» ؛ وعمليّاً ومصداقيّاً في الفصل الثالث من القسم الأوّل، المعنون بـ «أصول المدرسة التفكيكية في مرحلة التطبيق».

يكتب في نقد أوّل الأصول الأساسية للمدرسة التفكيكية: «إذا لم يكن هناك تباينٌ كلّي بين كلّ واحد من المناهج المعرفية الثلاثة: العقل، والوحي، والشهود الباطنيّ، فلا يوجد تساوٍ كلّيٌّ أيضاً. وبالاصطلاح توجد بين هذه الثلاثة نسبة العموم والخصوص من وجهٍ. وبناء عليه على أصحاب التفكيك أن يوضِّحوا ما هي تلك الموارد التي تتَّحد مع غيرها. ولكنْ للأسف لم نَرَ جُهْداً منهم في بيان هذا الأمر».

ويواصل المؤلِّف نقده، فيضع الأصل الثاني لهذه المدرسة على طاولة التشريح. فهويّة الأصل في دعوى أصحابه هي أنّه بالإمكان بناء علمٍ دينيّ خالصٍ بشكلٍ مستقلّ عن العقل. فيرى المؤلِّف هذه الدعوى غيرَ مقبولةٍ نظريّاً وعمليّاً، يكتب عن هذا الأصل: «إنّ مَنْ ينظر إلى الدين من خارجه، أو إنّه أساساً ليس ذا دين ويريد الآن أن يبحث عنه، لن يكون بالإمكان الحديث معه عن علوّ المعرفة الدينية. ما يلفت النظر في الأستاذ الحكيمي أنّه حينما يريد أن يثبت هذا الأصل، وأنّ المعرفة الدينية مقدّمة على المعرفة العقليّة، إمّا أن يتوسّل بكلام المعصوم أو يستند على كلام الفلاسفة، في حين أنّ كلا الاحتجاجين من الدلائل النقلية، ولا يكونان حجّةً إلاّ بنظر مَنْ يرى تقدُّم حجِّية كلامهم على العقل أو الكشف.

لنتذكَّر أنّ مدّعي التفكيك يقولون: «كلامنا عين الإسلام، وليس فقط فهماً خاصّاً من الإسلام؛ في حين أني إذا أردْتُ أن أقول لشخصٍ من غير ديني مثلاً: قال الإمام الصادق× كذا وكذا، يجب قبل ذلك أن أثبت له أنّ كلام هذا الإمام المعصوم يجب أن يتمّ التصديق به. وإثبات هذا يتطلَّب إثبات صدق لسان النبيّ الأعظم|، وهذا أمرٌ يتمّ إثباته خارج المعتقدات الدينية. إنّنا أوّلاً نقبل بدينٍ ما، ثمّ نتعبَّد به، ولا نتعبّد به مباشرةً.

وأما عن الأصل الثالث للمدرسة التفكيكية، وهو «استناد المعرفة الدينية إلى القرآن والحديث» فيعتقد المؤلِّف أنّه يجب التفكيك هذه المرّة بين القضايا الدينية؛ فبعض هذه القضايا أساسية، بحيث يجب أن يتمّ إثباتها قبل قبول أصل الدين، كوجود الله سبحانه؛ وأما عن القضايا الداخل ـ دينيّة فالأصل المتقدِّم صحيحٌ بالنسبة إليها كما نرى.

ومن الأصول الأخرى لهذه المدرسة «التأكيد على ظواهر المتون الدينية، والابتعاد عن أيّ نوعٍ من أنواع التأويل». وهنا يطرح المؤلِّف عدّة ملاحظات:

الملاحظة الأولى: هل المراد من هذا الأصل هو أنّ أيّ شخصٍ يقرأ المتن العربي للقرآن الكريم أو ترجمته يصبح قادراً على فهم جميع مطالبه، وأنّ ما فهمه حجّة في حقّه؟!

الملاحظة الثانية: إذا كانت جميع الظواهر حجّةً فما هو الفرق بين رؤية الظاهريّين والمذهب الظاهري وبين المدرسة التفكيكية؟! فهنا لم يطرح أيّ معيارٍ ليتمكَّن من التفريق بين الظاهرية والتفكيكية.

الملاحظة الثالثة: بعض العلماء الكبار من الشيعة، بعد قبول حجّية الظواهر، توصَّلوا إلى نتائج لا نرى ـ في تقديرنا ـ إمكان التسليم بها من قِبَل أصحاب التفكيك([15]).

الملاحظة الرابعة: في مقابل ادّعاء أنّ لغة القرآن للعامّة وجمهور الناس هناك علماء، مثل: العلاّمة الطباطبائي، يمتلكون رأياً آخر.

الملاحظة الخامسة: وهي أهمّ من سابقاتها، وهي أنّ الدليل الذي أتى به الأستاذ الحكيمي لإثبات هذا الأصل هو كون حجِّية الظواهر أصلاً عقلائيّاً. يقول: «يمكن رفع اليد عن الظهور فقط إذا كان يوجد في مقابل ذلك الظهور برهانٌ بديهيّ، لا برهان نظريّ، الذي يمكن مناهضته ببرهانٍ نظريّ آخر»([16]).

ولكنْ هنا يُطْرَح إشكالٌ في مقابل هذا الكلام؛ إذ حتّى لو اعتبر العقل الظهورات حجّةً فإنّه طبقاً لمبنى التفكيك لا يمكن أن يكون العقل مدركاً لحجِّية ظواهر النصوص الدينية؛ لأنّ التفكيكيّ قد ضرب إسفيناً بين ساحة العقل وساحة الدِّين، وتصوَّر إمكان بناء المعرفة الدينيّة بشكلٍ خالص؛ أي بنائها ذاتيّاً، ولهذا فالاستناد إلى سيرة العقلاء لإثبات حجِّية الظواهر خلافُ رؤية ومبنى أصحاب التفكيك([17]).

الملاحظة السادسة: ادُّعي في هذا الاستدلال أنّ الظهور حجّةٌ دائماً، ويمكن إسقاط حجِّيته فقط إذا توفَّر ظاهرٌ آخر يصل إلى حدّ البرهان البديهي. ولكنْ ما هو «البرهان البديهي»؟ باعتقاد الأستاذ الحكيمي البرهان البديهي هو أن تكون «صورة البرهان من الشكل الأوّل، ومادّةُ المقدّمتين يقينيّةً وبديهيّةً لا تحتاج إلى البرهان، مثل: الواحد نصف الاثنين»([18]).

هذه المفاهيم ليست دينيّةً؛ فإنّها من مباحث المنطق الصُّوري.

إنّ الشكل الأوّل أحد قواعد المنطق الصُّوري الذي أرساه أرسطو، وهو من ميراث اليونانيين الذي استورد إلى بيت الحكمة في بغداد؛ كي يحاصر بيت القرآن، كما يقول الأستاذ الحكيمي([19]).

ويواصل المؤلِّف حديثه، فيبيِّن أنّنا بأيّ تفسيرٍ فسَّرنا البرهان البديهي فهو لا ينفكّ عن قبول مرجعيّة العقل في الأمور الدينيّة. يقول: إنّ الجهود التي تُبْذَل لإثبات عدم لياقة العقل يجب أن تستعين بالعقل نفسه. وفي تقديرنا إنّ نفي العقل بدون العقل ليس ممكناً.

يطرح الكاتب حول خامس الأصول الأساسية للمدرسة التفكيكية، وهو «رفض أيّ شكلٍ من أشكال التأويل»، ملاحظتين مهمّتين:

الملاحظة الأولى: إنّ المعنى الذي يريده الأستاذ الحكيمي من التأويل كما هو الظاهر معنىً خاصّ بالتفكيكيّين، في حين أنّ التأويل في النصوص الدينيّة للمسلمين لم يَأْتِ بهذا النحو من المعنى.

الملاحظة الثانية: إنّ التوصُّل إلى متنٍ خالٍ عن أيّ شكلٍ من أشكال التأويل ليس ممكناً فقط في النصوص الدينية، بل هو كذلك غيرُ ممكنٍ في أيّ نصٍّ على الإطلاق.

من خلال ما تقدَّم يتّضح أنّ نصوصنا الدينية بالخصوص ـ ووجه التأكيد خارجٌ عن بحثنا الفعلي ـ تحتاج إلى التأويل.

ويتابع أيضاً: إنّ نقد الرؤية التفكيكية لا يُقْصَد منه الدفاع عن الفلسفة أو العرفان الرسمي. يقول: لا برفض الفلسفة يمكن أن يبنى جسرٌ إلى نظرية التفكيك بشكلٍ صحيح، ولا بنقد نظرية التفكيك يمكن البلوغ إلى الفلسفة بشكلٍ صحيح؛ فلا شَكَّ في أنّ بعضاً من انتقادات التفكيكيّين على الفلسفة والعرفان صحيحةٌ.

كذلك يجب أن تُؤخَذ العلوم الدينية من أصحابها الحقيقيين، ولكنْ لا يمكن تعطيل العقل من خلال كلامهم الصحيح.

وفي الفصل الثالث من القسم الأوّل يجتهد المؤلِّف في أن يفحص التفكيك المدَّعى بين المناهج المعرفية الثلاثة: العقل، والوحي، والشهود الباطني. فإلى أيّ حدٍّ يمكن ذلك التفكيك؟ وإلى أيّ حدٍّ استطاع التفكيكيّون أن يبتعدوا عن التأويلات العصرية والفلسفية؟ إنّ هذا الاختبار من قِبَل المؤلِّف قد اختار له ـ لأجل التحليل والمعالجة ـ كتاب الحياة من رواية إخوة الحكيمي، والذي هو أهمّ كتابٍ لأصحاب التفكيك، والأكثر تفصيلاً.

يؤكِّد المؤلِّف أنّه قد افترض في نقده أنّ جميع الأحاديث المنقولة في هذا الكتاب تتمتَّع بأعلى درجات الوثاقة، وأنّ المؤلِّفين قد أعملوا جميع أصول نقد الحديث خلال انتخابهم لهذه الروايات. وحصر نقده في التفسيرات والاستنتاجات الموجودة فيه، وكذا ترتيب مباحثه.

وبحَسَب عبارة المؤلِّف فإنّ مؤلِّفي كتاب الحياة يريدون منّا ـ أو ضيوف الحقائق الخالدة ـ أن نسلِّم بعنصرين لأجل عرض إسلامٍ جامع ونابض بالحياة:

العنصر الأوّل: العودة إلى الإسلام الأصيل وأصل الإسلام.

العنصر الثاني: التعرُّف على الإنسان الجديد وقضايا حياته، والعثور على أجوبة لها من النصوص الأصلية، بدون أيّ جمودٍ أو انحراف.

وفي اعتقاد المؤلِّف إنّ العنصرين السابقين لا يمكن أن يتناسقا مع أصول المدرسة التفكيكية؛ فيجب إما أن ترفع اليد عن خلوص الإسلام؛ أو لا يتمّ الإصرار على طلب إجابة الإسلام على قضايا اليوم.

وبعد أن يحلِّل الكاتب مسألة الخلوص التي يدَّعيها أصحاب التفكيك، ولياقة الإسلام الأصيل، والمُسْبَقات العلمية لمؤلِّفي الحياة، والتحيُّز في التفسير، والتفسير الاقتصادي للحركات الدينية، والاختلافات الداخل ـ دينية، ومسألة المعرفة الخالصة، وتنوُّع التفاسير ومسألة التحريف المعنوي، يستنتج في الأخير أنّ نفس مجموعة الحياة دليلٌ بنفسه على عدم إمكان نظريّة التفكيك.

إنّ الذين اعتبروا التمايز بين المناهج المعرفية الثلاثة: الوحي، والعقل، والكشف؛ والذين اعتبروا ظهورات النصوص حَصْراً هي القابلة للاعتماد؛ والذين أنكروا التأويل مطلقاً أو حدّاً قريباً منه؛ والذين أرادوا أن ينزعوا جميع النظّارات عن عيونهم، ويلبسوا فقط نظّارة الوحي، قد نسَوْا في مرحلة التطبيق أصولهم التي افترضوها، وأقدموا على العمل بعكس مدَّعياتهم، بل وخلطوا هذه الأُطُر ببعضها؛ فقد أوَّلوا النصوص بشكلٍ واسع، ولم يأبهوا بالظهورات، وأحياناً يقدِّمون تأويلات تتغاير تماماً مع الظاهر، وكذلك يفهمون الوحي بنظّارة الزمن المعاصر. وفي المحصّلة قدَّموا عملاً تأويليّاً وتفسيريّاً بقوّةٍ.

والمفترض بعد هذا أن يستنتج أنّه إما أنّ التفكيك غيرُ ممكنِ؛ أو أنّه ممكنٌ ولكنّ الكتّاب لم يستطيعوا حتى الآن التمسُّك بأصولهم الأساسية.

ويتابع المؤلِّف فيقول: رغم الادّعاءات البرّاقة للمدرسة التفكيكية إلاّ أنّه لو ادّعى شخصٌ أنّ هذه النظرية هي نفس الاتّجاه الأخباري الجديد، والظاهر أنّ هذا الكلام ليس جزافيّاً على اللسان، فإنّ محتوى ومبدأ ونتائج كلا التيّارين واحدٌ.

إنّ التمايز الذي وضعه الأستاذ الحكيمي للتفريق بين الأخبارية والمنهج الأخباري لا يعدو كونه تغييراً في التعابير واستعمالاً للألفاظ. يقول: هذه المدرسة لا تناسق داخليّاً فيها، ولا تناسق خارجيّاً؛ لأنّ إثبات تقدُّم المعرفة الدينيّة على المعرفة العقليّة لا ينفك عن الاستعانة بالعقل.

لا يوجد في هذه المدرسة تناسقٌ خارجيّ، ولا ثبات على الأصول الخاصّة بها في مرحلة التطبيق؛ لأنها تنفِّذ أكثر التأويلات، وتضع نظّارةً معاصرة على عينها الدينيّة، وترى الوحي بمنظارٍ بشريّ، على خلاف ادّعائهم.

النقد الأخلاقيّ للمدرسة التفكيكيّة

ويختصّ القسم الثاني من الكتاب بالنقد الأخلاقيّ على المدرسة التفكيكيّة. وقد اجتهد المؤلِّف في هذا القسم، في ضمن أربعة فصول وخاتمة، بنقد هذه المدرسة من الزاوية الأخلاقية، مع افتراض الفراغ عن صحّة وسلامة أفكار هذه المدرسة في هذه المرحلة من الكتاب. فإذا كانت أصول هذه المدرسة مقبولةً فإنّ المناصرين لها قد حملوا في تبيينها وتوضيحها ونقد آراء مخالفيها سلوكياتٍ أخلاقية تبرزها بشكلٍ غير مقبول. إنّه يعتقد أنّ الأخطاء الأخلاقيّة التي ارتكبها مناصرو المدرسة التفكيكية يمكن جعلها في خمسة محاور، وهي التي بيَّنها في أربعة فصولٍ، وهي باختصارٍ:

1ـ انتحال الشخصيّة: من الطرق الرائجة لمناصري هذه المدرسة نسبة أفرادٍ إلى مدرستهم، وهم بوضوحٍ من مشارب فكريّة أخرى. وللتمثيل يمكن الإشارة إلى ادّعاء الأستاذ الحكيمي بتفكيكيّة الملاّ صدرا والعلاّمة الطباطبائي.

يسعى المؤلِّف هنا إلى إثبات أنّ هذين العَلَمين، مضافاً إلى عدم كونهما تفكيكيَّيْن، قد ردّا بنفسَيْهما على مدَّعياتهم.

2ـ النسبة غير الصحيحة إلى أفراد مختلفين: باعتقاد الكاتب إنّ مناصري المدرسة التفكيكيّة قد نسبوا كلماتٍ وأفكاراً مختلفة إلى بعض الأفراد، وقد استفادوا من هذه النسبة في تعزيز مواقفهم. وبالطبع فإنّه من الممكن أن يقع هذا الفعل عند أيّ تيّارٍ ما، وإلى هنا لا توجد أيُّ مشكلةٍ، ولكنّ الخطأ الأخلاقي الفادح الذي ارتكبه مناصرو هذه المدرسة هو أنّ تلك الكلمات والأفكار التي نسبوها إلى بعض الأفراد قد اتّضح بعد التحقيق عدمُ دقّتها.

وبحَسَب كلام المؤلِّف فإنّ الأستاذ الحكيمي قد ادّعى أنّ كبار الفلاسفة قد كفَّروا الملاّ صدرا في باب الاعتقاد بـ «المعاد المثالي»، ومن بين هؤلاء: وجوه بارزة، مثل: آقا عليّ حكيم، العلاّمة الحائري السمناني، الميرزا أحمد الآشتياني، السيد أبو الحسن رفيعي القزويني، الإمام الخميني، والشهيد مطهَّري. وبنظر المؤلِّف فإنّه لا توجد إشارةٌ ما في مؤلَّفات أيٍّ من هؤلاء بتكفير الملاّ صدرا. وفي النهاية يطرح هذا السؤال: هل كانت جميع هذه الأخطاء من الغفلة وسَهْو القلم؟!

3ـ الاستفادة من أنواع المغالطات المنطقية: بنظر مؤلِّف الكتاب فإنّ المدافعين عن المدرسة التفكيكية قد ارتكبوا عدّة مغالطاتٍ في آثارهم، من قبيل: مغالطة مهاجمة الشخص، مغالطة رجل القشّ، مغالطة تسميم البئر، مغالطة الدليل الناقص أو التقاط الكرز، مغالطة النبرة أو اللهجة، مغالطة الاحتكام الكاذب إلى السلطة، مغالطة الألفاظ المشحونة، مغالطة التحقير والاستخفاف، مغالطة سوء التفسير، مغالطة المصادرة على المطلوب. وقد عرض المؤلِّف لكلّ واحدةٍ من المغالطات أمثلةً متعدّدة من نصوصهم.

4ـ إغلاق باب النقد والتوهين بالناقدين: وبعبارة المؤلِّف: إذا أرادَتْ المدرسة التفكيكية أن تدعو الآخرين إلى القبول بأفكارهم والانضمام إليهم فيجب أن يهيِّئوا الفُرَص قبل ذلك لتحليل أفكارهم ـ ونَقْدها أحياناً. ولكنْ بَدَلاً من ذلك يستنتج المؤلِّف من كتاباتٍ للأستاذ الحكيمي أنّ مدرسة التفكيك قد أغلقَتْ باب النقد على نفسها، وتريد من الآخرين فقط أن يقبلوا أفكارها بلا رويّةٍ، ويضعوا الحكمة والعقل والتفكير النقدي جانباً. وهذا، مضافاً إلى كونه مظهرَ ضعفٍ وقلّة قوّةٍ لهذه المدرسة، هو عملٌ غير أخلاقي.

كذلك يقول المؤلِّف: إنّه إذا لم يأبَهْ شخصٌ ما بتحذيرات وإنذارات مناصري التفكيك بأنّ هذه المدرسة عين الإسلام، وأنّ مخالفيها متحالفون مع الأمويّين والعبّاسيّين، واشتغل بنقد هذه المدرسة، فإنّه سيكون هَدَفاً لمختلف أشكال التعبيرات المرّة والمُوهِنة واللاذعة، ويتمّ التشكيك في صلاحيّته وعلميّته وحُسْن نيّته واستقامته بصورٍ مختلفة. يصرِّح: لم أجِدْ حتّى مورداً واحداً سلم شخصٌ ما من سهامهم بهذه العبارات، أو قُبِل نقدٌ ما من قبلهم ولو كان ذلك النقد باهتاً.

خاتمةٌ في ملاحظات حول النَّقد

وفي خاتمة الكتاب يذكر المؤلِّف بعض الملاحظات حول مسألة النقد:

1ـ النقد هو إبراز الرأي وإظهار النظر حول شيءٍ أو شخصٍ أو نظريّة. وهذا الجهد قد يكون موفَّقاً أحياناً؛ وقد لا يكون كذلك. ولكنْ قبل ذلك لا يمكن حسم مقدار التوفيق في النقد.

2ـ حقّ النقد مكفولٌ لكلّ أحدٍ، وهو حقٌّ ملازمٌ للذات الإنسانية.

3ـ النقد بطبيعته مرٌّ وثقيل على النفس.

4ـ من حقّ كلّ شخصٍ أن يدافع عن نظره الخاصّ، وأن يقيِّم النقد الموجَّه إليه، وينقده في المقابل.

5ـ لا يمكن بسهولةٍ اعتبار أيّ ناقدٍ مغرضاً.

6ـ سوء النيّة يعمي العقل، والعشق والشغف يمنعان عن رؤية العيوب والنواقص.

7ـ إنّ النقد مفيدٌ لفهم الأفكار وتتميم النواقص، حتّى وإنْ كان صادراً بدافع الحقد أو الخبث.

8ـ كون كلّ فردٍ له حقّ في النقد لا يعني أنّ كلّ نقدٍ صحيح.

9ـ يجب قبول النقد الصحيح أو التامّ إذا صدر من أيّ شخصٍ كان؛ وإذا لم نعتبر النقد صحيحاً بتصوُّرنا فيجب حينئذٍ الإشارة إلى نقاط الضعف في هذا النقد، بَدَلاً من الاشتغال بشخص الناقد ودوافعه.

10ـ تجب مراعاة أصول وقواعد النقد.

إنّ اختيار العنوان الجميل «حلم النقاء» للكتاب ينمّ عن ذوقٍ ظريف وقريحة متفجِّرة عند المؤلِّف. ولكنّ كاتب هذه السطور يُخيَّل إليه أنّ المؤلِّف لم يضع هذا الاسم، وإنما كما ـ هو الظاهر ـ قد أخذه من مقالةٍ في نقد هذه المدرسة. فما أحسن لو أنّه أشار إلى اسم صاحب تلك المقالة!

الهوامش

(*) كاتبٌ وباحثٌ في الفكر الدينيّ.

([1]) هذا الكتاب قد بيَّنه ونقده كاتب هذه السطور في مقالةٍ في نفس هذه المجلة، العددان 70 و71 (مرداد و شهريور 1382).

([2]) ما أثبتناه في المتن هو ترجمتنا لعناوين الكتب التي أوردها مؤلِّف المقالة، وليست هي العناوين الرسمية باللغة العربية، على تقدير ترجمة هذه المؤلَّفات.

وعناوين هذه الكتب باللغة الفارسية هي ما يلي ـ بالترتيب الذي في المتن ـ:

أـ علم وعقل أز ديدگاه مکتب تفکيك.

ب ـ آيين وأنديشه بررسي مباني وديدگاه هاي مکتب تفکيك.

ج ـ نقد وبررسي نظريه تفکيك. (المعرِّب).

([3]) عنوان الکتاب باللغة الفارسية: ماجراي فکر فلسفي در جهان إسلام. المعرِّب.

([4]) عنوان الكتاب باللغة الفارسية: أز شكّ تا يقين. المعرِّب.

([5]) عنوان الكتاب باللغة الفارسية: رؤياي خلوص: بازخواني مکتب تفکيك.

([6]) الحكيمي، المدرسة التفكيكية: 187، طهران، مؤسسة نشر الثقافة الإسلامية، 1375.

([7]) محمد علي رحيميان فردوسي، المتألِّه القرآني: 74، من مقدمة الأستاذ الحكيمي، قم، دليل ما، 1382.

([8]) المصدر السابق: 69.

([9]) يعني الميرزا مهدي الأصفهاني&، صاحب كتاب أبواب الهدى.

([10]) الميرزا مهدي الأصفهاني، أبواب الهدى: 6، تحقيق: محمد باقر اليزدي، مشهد.

([11]) المصدر السابق: 12.

([12]) المصدر السابق: 73.

([13]) الحكيمي، المعاد الجسماني في الحكمة المتعالية: 308، قم، دليل ما، 1381.

([14]) المصدر السابق: 343.

([15]) للتمثيل: يستنتج العلاّمة المجلسي من عبارة «لن يفترقا» في حديث الثقلين المشهور أنّ لفظ ومعنى القرآن عند أهل البيت^، واستناداً إلى بعض أخبار الآحاد حول القرآن يصل إلى حكمٍ يجتنبه التفكيكيّون قطعاً.

([16]) الحكيمي، الفكر الديني المستقلّ، همشهري ما، العدد 9: 41، آذر، 1380.

([17]) هذه المناقشة قابلةٌ للتأمُّل؛ فالسيرة العقلائية لا تكون حجّةً إلاّ إذا كانت ممضاةً من قِبَل الشارع. وعليه تكون السيرة أحد الأدلة الصادرة من المعصوم بنحوٍ سكوتيّ. هذا على مبنى مشهور الأصوليين، من أنّ حجية السيرة إمضائيةٌ، وليست حجّيتها ذاتيةً، كما يفهم من بعض عبارات العلاّمة الطباطبائي صاحب الميزان مثلاً. (المعرِّب).

([18]) المصدر نفسه.

([19]) المصدر السابق: 43.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً