أحدث المقالات

الإنسان هو خليفة الله في أرضه المُتَشبّه به والمظهر لصفاته، والمرأة هي الموجود الحي الجميل المتكفل بإظهار صفات الجمال والجلال بقالب جمالي ظريف،تلتقي مع شريكها الرجل بجوانب وتختلف معه بجوانب أخرى وتحكم كلا الاتجاهين ( التشابه والاختلاف ) قيمتي العدالة والمساواة والأخيرة تأتي لتحقق الأولى دوما إذ العلاقة بين القيمتين علاقة العموم والخصوص.

المرأة لها بعدان كما للرجل ، تشترك معه في بعد وتختلف معه في آخر، اختلاف تكامل ،فالبعد الإنساني بعد مشترك بين كليهما ولذلك هما مشتركان في هذا البعد من الناحية الوظيفية وهي الخلافة والاستخلاف في الأرض ، وحيث إن قاعدة اللطف تحكي عن ضرورة إمداد المكلف بكل مقومات تأدية التكليف إذاً يكون كل من الرجل والمرأة في هذه المرتبة الوظيفية متساويين من جهة الأدوات والقدرات والقابليات لتأدية الدور الوظيفي التكويني المتعلق بمرتبتهما الوجودية الإنسانية ولا يوجد أدنى فارق بينهما في هذه المرتبة وهذه الوظيفة.

وحيث إن مكان الاستخلاف هو الدنيا ،وحيث أن تجليات الاستخلاف في هذه الدنيا تختلف باختلاف الأوجه فيها والمتطلبات تبدأ تجليات البعد الآخر تتضح حينما تبدأ حقيقة أداء التكليف بالتمظهر في الحياة الدنيا ، وهذا البعد بعد متعلق بوظيفة آلية مرتبطة بتركيبة كل منهما المتعلقة بجنسيهما ، وفي هذا البعد الطبيعي تختلف المرأة عن الرجل اختلاف تكامل وليس تنافر وعلى ضوء هذا الاختلاف تتمظهر اختلافات متعلقة بالحق والواجب وبعض الأدوار المرتبطة ارتباط عضوي بطبيعة كل منهما.

إذاً لدينا بعدان في شخصية المرأة :

  1. بعد وظيفي ثابت وله متعلقات ثابتة
  1. وبعد وظيفي متغير وعلى ضوئه تتغير الفوقيات وفق الزمان والمكان

ولكن تبقى مرجعية التغيير في المتغيرات هي الثوابت فكل ما يحقق وظيفة الاستخلاف وعلى ضوء إرادة المستَخلِف يكون مقبول كمتغير.

والمقصود بمرجعية التغيير هي أن أي متغير في هوية أو وظيفة المرأة لابد أن يحقق شرطين :

الأول : وظيفة الاستخلاف

الثاني : يكون وفق إرادة المستخلِف ( الله)

أي ليس كل متغير يمكن أن ينطبق عليه ما قلناه فلا بد للمتغيرات أن تحقق هذين الشرطين حتى تكون مقبولة .

فالمرأة لها بعد إنساني كخليفة الله وهي تلتقي في ذلك مع الرجل وهي كإنسان تتكون من بعدين :

١.روحي – معنوي

٢. ومادي – جسدي

ولا يتم أداء الوظيفة الخلافية كما يجب إلا إذا تكاملت في الجانبين ،وكل جانب مؤثر في الجانب الآخر.

وعلى ضوء قاعدة اللطف الالهي تم تجهيزها كالرجل روحيا وجسديا بأدوات تأهلها لمسيرة التكامل في بعديها الروحي والجسدي أي المعنوي والمادي.

ففي بعدها الروحي تتلاقى مع الرجل في التزكية والتعليم والارتقاء والجهاد ( الأكبر) بل قد تتفوق عليه ، وفي البعد الجسدي تختلف باختلاف جنسها عنه ، لكن تتكامل معه لأداء وظيفة الاستخلاف .

وحيث أن طبيعة الجسد وفق العلوم هي طبيعة التكيف والتشكل مع المتغيرات البيئية، وحيث أن العقل أيضا يتسع ويراكم وعيه مع تطور المسيرة البشرية ، فبالتالي سيكون هناك جانبان في طبيعة المرأة من الناحية الوظيفية ، ناحية ثابتة كوظيفة الأمومة والزوجية والأنوثة ، وجانب غير ثابت متعلق بطبيعة جسدها وتركيبته كأنثى ومدى موالمته لبعض الوظائف المتعلقة بتطور المدن والحضارات والمجتمعات وتطور الوظائف فيها بما يتطلب اتساع رقعة وحاجة وظيفة الاستخلاف ، فمثلا تختلف المرأة بوظيفتها في المجتمع اليوم عنها في السابق ، ولو استقرأنا وظيفتها الاجتماعية عبر التاريخ نجدها تتطور وتختلف مع تطور العقل البشري وقدرته على استنطاق الطبيعة من جهة والنص من جهة أخرى.

ومع التغير البيئي والاجتماعي أيضا تتغير تركيبة المرأة الطبيعية وقدرتها على التكيف والموالمة ،ولكن هذا التغير لا يمكنه أن يقف موقف النقيض من وظيفتها الطبيعية الثابتة كالزوجية والأمومة لذلك قلنا أن هذا التغير والتطور لابد أن يكون وفق إرادة المشرع ، فقد أشخص أن وظيفتي كخليفة أن أكون في موقع ما لكن لابد أن يحقق ذلك الموقع إرادة المستخلف -أي الله -ويكون وفقها.

لذلك يأتي دور الشريعة لتشخص الأولويات وتحدد الواجب والحق وترسم الحدود حتى لا تعم الفوضى ،وكل ذلك لترسيخ أهمية تشكل أسرة كنواة تكون وفق الرؤية الإلهية. لما للأسرة من دور هام ومحوري في بناء المجتمعات المتقدمة كونها النواة وتكون التشريعات مدعمة لأداء الدور الاستخلافي للمرأة والرجل كأفراد وهما سويا كأسرة.

فالفرد نواة الأسرة والأسرة نواة المجتمع ، والإسلام أولى أهمية قصوى لبناء الفرد كإنسان وكجنس ( إمرأة ورجل) ورسم خارطة الحقوق الواجبات وفق بعدين :

الأول : حقوق طبيعية وعلى ضوئها واجبات طبيعية

الثاني : حقوق تشريعية وعلى ضوئها واجبات تشريعية

وهناك بعد ثالث وهي الحقوق القانونية الاعتبارية التي تنتظم فيها حياة الإنسان وفق تشخيص عقلائي يتم اعتباره والأخذ به، لكنه يجب أن لا يتناقض ويتقاطع مع المقاصد الكلية للشريعة التي هي واقعا مقاصد السماء لا الأرض وأهمها العدالة والكرامة الإنسانية ومنظومة القيم الثابتة.

وعلى ضوء ذلك نتوقع أن لا تكون التشريعات معيقة للوظيفة الاستخلافية للمرأة والرجل بل هي مدعمة ومرسخة ودافعة لها والا تصبح كالسالبة بانتفاء الموضوع.

أما المرأة فالثابت الأصل هو الاستخلاف كوظيفة وكحق تترتب عليه واجبات،والاستخلاف فيه جوانب ثابتة متعلقة بتكوين كل جنس متناسب مع وجوده الدنيوي كالأمومة والزوجية وما يتطلبه ذلك من تجهيزات جسدية وحقوق وظيفية لكل منهما تترتب عليها أيضا واجبات وظيفية ، فالحقوق والواجبات وظيفتها آلية لتعين كل طرف على أداء وظيفته الاستخلافية فتتزن الأمور بعدالة دون ظلم، وجانب متغير وتغيره يكون بتحقق شرطين ذكرناهم آنفا، وكل وفق قابليته ومرتبته الوجودية وسعيه.

وفي أجواء اجتماعية تغيب فيها العدالة وتبتعد في رؤاها غالبا عن المنظور الالهي للمرأة واقعا رغم وجود ذلك المنظور نظريا تعاني المرأة من عدة أمور متعلقة بأداء وظيفتها الاستخلافية أهمها المعاناة على مستوى الفكر والحركة الفكرية التي تشكل هويتها وانتماءها وترسم استراتيجية حراكها وبنيتها الفكرية التي تنعكس على كيفية أداء وظيفة الاستخلاف بما لا يتناقض مع المرجعية في ذلك أي وظيفة الاستخلاف وعدم مخالفة إرادة المستَخْلِف، لذلك هي تعيش أزمة هوية سببها عولمة المفاهيم الفكرية الغربية كالجمال والحب والسلام والحقوق وغيرها من المفاهيم التي تحمل في وعائها كل مكونها الفكري والثقافي وفق الفلسفة الغربية.

هذه الأزمة سببها الرئيس غياب المشروع الاسلامي حول شخصية المرأة في الاسلام وإن وجد على مستوى التنظير فهو غائب على مستوى القناعة والعمل ، حيث السيادة غالبا في ذلك لمجموعة من العادات والتقاليد ومجموعة من الأحكام الفقهية التي غالبا تحتاج لإعادة نظر وفق المنظور القرآني.كمسألة القيمومة والضرب والحقوق والواجبات على سبيل المثال وليس الحصر. هذا في كثير من الأحيان يشكل لها عائقا في القيام بوظيفتها الاستخلافية.

وهذه وظيفة عليها أن تؤديها، وبكل تأكيد ستكون هناك عقبات في طريق تأدية التكليف ،ووظيفتها هي أن تزيل هذه العقبات دون انتظار إذن كي تقوم بتأدية التكليف والوظيفة حتى لو كلفها ذلك نفسها وكل ما تملك.

وأهم العقبات المعيقة لأداء الواجب الاستخلافي عقبتان رئيسيتان تتفرع عنهما عقبات فرعية :

العقبة الأولى : داخلية أو داخل دينية

بمعنى زواية النظر للمرأة في الشريعة وطريقة استقراء النصوص الدينية وآليات هذه الطريقة وأين موقع القرآن كمرجعية معصومة فيها.

العقبة الثانية : خارجية وهي الإحلال الثقافي وقدرته على اختراق المفاهيم وقدرته على الإقناع والإحلال نتيجة غياب المشروع.

فعلى المرأة من أجل حفظ هويتها الحقيقية الإنسانية والجنسية – أي كونها امرأة – أن تزيل العقبتين ، إذ أن العقبة الأولى عمدت إلى ضمور البعد الإنساني وتضييق مساحة الوظيفة الاستخلافية باسم الدين ، والعقبة الثانية وسّعت مساحة وظيفتها الأنثوية وأطلقت العنان لها مما أدى أيضا لضمور إنسانيتها ، وكلاهما جاء على حساب حقيقة دورها الإستخلافي وواقعها الإنساني ، ولنا في الزهراء عليها السلام أسوة حسنة ؛ فهي ناضلت لأجل مواجهة كل محاولات التشويه والتبديل حتى استشهدت في سبيل ذلك ، ومريم عليها السلام واجهت السلطة الدينية اليهودية التي حرفت موقع المرأة ودورها حتى لاقت ما لاقت.

إذاً نحتاج -واقعا- إعادة النظر في مسلماتنا الدينية بحق المرأة وبناء شخصية المرأة الحقيقية في الإسلام على ضوء العدالة.وحينما نبني المشروع لن يعد يهمنا لو جاءت مليون حضارة غربية لأننا سنكون محصنين ، بل نحن من سيغزوهم في عقر دارهم.

فباعتقادي أن اليوم وظيفتنا هي التحول من حالة تلقي الضربات وموقع الدفاع الى موقع المهاجم ، وهو ما يتطلب -واقعاً- إزالة العقبة الأولى وبناء المشروع ومن ثم الاختراق

ويجب في البداية أن نفرق بين أمرين مهمين هما الدين وحقائقه القدسية المتعلقة بالوحي وبين فهم الإنسان للدين فالأول ثابت لا يتعرض لمتغيرات الزمان والمكان ولا يلبس لبوس القديم والجديد,أما الثاني فهو عرضة لمتغيرات الزمان والمكان ويتلبس بلبوس القديم والجديد

وقد تعرضت المرأة واقعا للاقصاء والتهميش تحت عناوين دينية ، ولكن لا يعني ذلك أن هناك تعمد من الفقهاء أو العلماء ،بل علينا قراءة ذلك وفق تراكم الوعي وتنامي قدرات العقل في الفهم وإدراك النص، فالنص ثابت وحيوي ولكن العقل وفهمه وآليات إدراكه تتطور دوما وتتراكم،

لذلك نحتاج أن نقرأ الأحكام الصادرة في أزمنة سابقة الخاصة بالمرأة وفق بيئتها الزمانية والمكانية ودراسة الثابت والمتغير في ذلك . فحاجتنا لإعادة القراءة الفقهية كبيرة جدا بكبر أزمتنا في الهوية فبنظرة عابرة لواقع المرأة العربية والمسلمة سنكتشف عمق الفجوة بين واقع المرأة وواقع كثير من الأحكام الفقهية خاصة تلك المتعلقة بالمرأة

قد تكون التجربة الإيرانية رائدة في موضوعة المرأة ، لكن فيها ما يمكن الاستفادة منه وتعميمه وفيها ما هو خاص بإيران وبيئتها وظروفها الاجتماعية والخاصة بها.

ولكن حتى ما يمكن تعمميه لم يتم الاستفادة منه وأحد أهم أسباب عدم الاستفادة هي العصبيات القومية التي استطاعت أن تحجب عنا الاستفادة من نور الثورة .. وأنظمة الاستبداد التي هبطت بسقف الحرية ،ومشروع كهذا يحتاج مقومات دولة وليس أفراد ، وهذا لا يعني العجز أبدا ،لكن هذا من أهم أسباب عدم الاستفادة، فأمامنا فرصة وواجب بحق الأجيال القادمة ، وهو البدء فعلا في التغيير.

فنحتاج تضافر جهود ، فليس المرأة الإيرانية فقط معنية بالأمر ، بل يجب أن تتحقق إرادة التغيير والسعي لهذه الإرادة كي تتشكل جبهة عريضة في الوطن الإسلامي تكون واقعاً قادرة نظرياً وعملياً على تقديم الإسلام الناجح ،،وتطبيقه عملياً ليسري واقعاً حتى للغرب ويغزوه في عقر داره ، والأطروحة والفكرة أساس لأن ما يغزونا اليوم هو أفكار ومفاهيم.

اليوم نحن أمام أزمة مفاهيمية تتطلب -واقعا- دراسات مقارنة في صناعة المشروع العملي حول شخصية المرأة بين الغرب والإسلام ،خاصة فيما يتعلق بمفاهيم كالحرية والمساواة والحقوق والواجبات وعلاقتها بالعدالة والكرامة الانسانية ،، ونحتاج تأصيل فكري لتلك المفاهيم وفق الرؤية الإسلامية العصرية التي تمزج بين عنصري الأصالة والخلود ومنهجية البحث العلمي الموضوعي الباحث عن الحقيقة خاصة فيما يتعلق بموضوع المرأة ،وهذا يتطلب تضافر جهود النساء المتصديات في العالمين العربي والاسلامي وسرالتصدي هو الشعور بهذه الإشكاليات العظيمة من جهة والسعي الجاد لإيجاد الحلول المناسبة لهامن جهة أخرى.

فإذا انتظمت حبات السبحة في سبحة واحدة تكون جميلة الشكل والتنظيم ومحققة لهدف الذكر.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً