أحدث المقالات

الشيخ محمد أمين صادقي الأرزكاني(*)

 

1ـ أهداف البحث وأهمّيته ــــــ

في العصر الذي تقود فيه الجاهليّة المعاصرة العالم والإنسان نحو حافة الانهيار، والذي طغى فيه الظلم والعدوان والجور في الحكم، وشاعت مناهضة المعنويات، والتملّص من الأخلاق، وتفشّت الآلاف من الكوارث المرعبة الأخرى، وجاوزت كلّ الحدود، حتّى أضحى مستقبل البشريّة يزداد ظلمةً يوماً بعد يوم، وتصاعد الخوف واليأس، في عصرٍ كهذا يعدّ البحث حول تيّار المهدويّة ـ من أيّ جهة من جهاته ـ بحثاً عن الأمل، عن السعادة والرفاهية، عن انتصار المعنويات والأخلاق، عن العدالة والتقوى، وعن التخطيط لمستقبل مشرِق للإنسان، بل عن الآلاف من الرغبات الإلهيّة والإنسانيّة الأخرى.

ومن ناحية أخرى تُعدّ المهدويّة من أهمّ الأبحاث الحيويّة التي اعتنت بها النصوص الدينيّة (الآيات والروايات) بشكل خاصّ، والتي يوجد حولها العديد من الأسرار الخفيّة والمعارف العميقة، التي بإمكان الإفصاح عنها ـ مضافاً إلى إطلاع القرّاء على المعارف الدينيّة ـ أن يمنح قلوبنا وأرواحنا النورانيّة الحرارة والعشق، ويبثّ فيها النشاط والحركة، ويبعث فيها الفاعليّة والإيمان، ويقوّي فيها الثبات والأمل، ويشعّ أمامها بالهداية والسعادة الأبديّة.

تجول في ذهن المتأمّل، وخصوصاً المنتمي إلى جيل الشباب، العديد من المسائل التي ترتبط بالإمام المهديّ من جهات مختلفة. وينبغي على الباحثين في القضايا الدينيّة أن يلتفتوا إليها، ويعرضوا حولها حقائق تناسب ظروف العصر. وعليه يُعدّ بحث المهدويّة، وعرض الوجه النوراني للإمام المهديّ على مرآة التحقيق، من أهمّ الوظائف الملقاة على عاتق الباحثين في القضايا الدينيّة، وأوجبها في العصر الحالي.

ومن الجدير بالذكر أنّ مسألة المهدويّة تتوفّر على نطاق واسع، وجوانب متعدّدة، غير أنّنا سنكتفي فيها بالتعرّض إلى بعض الأمور حسبما يُناسب الموضوع، وتسمح به حدود المقالة، والتي سنأخذ بدراسة مسائلها وتحليلها من وجهة نظر سيّد الشهداء الحسين بن عليّ×.

 

2ـ المهدويّة استمرار للخلافة الإلهيّة على الأرض ــــــ

من المسائل المهمّة التي تُعتبر ـ ومن جهات عدّة ـ من المبادئ الأوّلية للمهدويّة مسألة الاستخلاف الإلهيّ للإنسان الكامل. فهي ليست قضيّة شخصيّة ومحدّدة مضى عليها الزمان، نظير: قضيّة سفينة نوح، أو سفينة موسى والخضر، وأمثالهما، بل هي فيضٌ متّصل، وفوز مستمرّ، تمّ طرحه منذ البداية؛ ليدوم ويستمر. ولذلك لم تكن مختصّة بآدم أبي البشر، بل امتدّت إلى دائرة النبوّة والإمامة([1]).

ومن هنا فقد تمّ التأكيد في روايات أهل البيت^ بشكل خاصّ على مسألة ضرورة وجود خليفة وحجّة إلهيّة، وجاء في هذا الصدد: اللهُمَّ بَلَى لا تَخْلُو الأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ للهِ بِحُجَّةٍ؛ إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً؛ وإِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً، لِئَلاّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وبَيِّنَاتُهُ، وكَمْ ذَا وأَيْنَ؟ أُولَئِكَ ـ واللهِ ـ الأَقَلُّونَ عَدَداً، والأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللهِ قَدْراً، يَحْفَظُ اللهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وبَيِّنَاتِهِ، حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ، ويَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ… وصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الأَعْلَى، أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، والدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ. آهٍ آهٍ؛ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ([2]).

فقد تمّ التركيز في كلامه× على عدم خلوّ الأرض من حجّة إلهيّة أبداً؛ مع أنّ هذه الحجّة قد تكون أحياناً حاضرة مشهورة؛ وأحياناً أخرى غائبة مستورة. وقد جرت سنّة الله القطعيّة على أن يأتي عددٌ قليل من الناس المصطفين بشكل متناوب ويتحمّلون مسؤولية الخلافة الإلهيّة. وقد كانت قضيّة استمرار الخلافة الإلهيّة على الأرض محلّ اهتمام في دعاء العشرات، المنسوب إلى سيّد الشهداء، بالنحو الذي خاطب فيه× ربَّه قائلاً: وأشهد أنّ عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين حقّاً حقّاً، وأنّ الأئمّة من وُلده هم الأئمّة الهداة المهديّون… وأنّهم أولياؤك المصطفون، وحزبك الغالبون، وصفوتك وخيرتك من خلقك، ونجباؤك الذين انتجبتهم لدينك، واختصصتهم من خلقك، واصطفيتهم على عبادك، وجعلتهم حجّة على العالمين‏([3]).

وقد تمّت الإشارة في كلام الإمام الحسين× إلى نقطتين:

الأولى: مسألة انتخاب الأئمّة^، وحجّيتهم، والتي تحدّث فيها× عن منزلتهم ومكانتهم في عالم الوجود، وركّز فيها على أنّ الأئمّة^ هم حزب الله الغالب؛ لكونهم حائزين على مقام الولاية والخلافة، وبالتالي سيكون النصر حليفاً لهم. وبما أنّ النصر المطلق لأئمّة الدين سيتحقّق على اليد المقتدرة للمهديّ الموعود فإنّ الوعد الإلهيّ الذي يقول: ﴿فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمْ الْغَالِبُونَ﴾ (المائدة: 56)، و﴿أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ (المجادلة: 22)، هو حقيقةٌ لن تتحقّق بشكل كامل إلاّ في عصر ظهور الإمام المهديّ×؛ إذ إنّ الفلاح ـ على حدّ قول بعض المفسّرين ـ هو الظفر المطلق والاستيلاء الكامل على المراد. وبما أنّه تمّ الحديث في الآيتين المذكورتين بشكل مطلق عن غلبة حزب الله وفلاحه فيعلم من ذلك أنّ المقصود هو الغلبة والفلاح والسعادة المطلقة، التي تتحقّق في الدنيا بالحياة الطيّبة والطاهرة على الأرض في مجتمعٍ صالح على يد أولياء الله ـ وخصوصاً المهديّ الموعود× ـ، وفي الآخرة بالالتحاق بجوار الرحمة الإلهيّة.

الثانية: إنّه؛ ونظراً لكون الأئمّة^ هم صفوة عالم الوجود وزُبدته، فقد اصطفاهم الله تعالى لنفسه، واختصّهم بعد الرسول الأكرم| بهذا الأمر من بين جميع الموجودات، وجعلهم حججه وخلفاءه على العالم والإنسان. فالأئمّة^ هم تلك الذريّة التي قال في حقّها القرآن الكريم: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾ (آل عمران: 33 ـ 34).

فمن أهمّ المسائل المطروحة في هذا الاصطفاء مسألة الخلافة الإلهيّة على الأرض، والتي كانت قد بدأت مع آدم×، ولا تزال مستمرّة إلى اليوم.

وقد روي في هذا الصدد أنّ المأمون سأل الإمام الرضا× يوماً فقال: هل فضّل الله تعالى العترة على سائر الناس؟ فقال×: إنّ الله أبان فضل العترة على سائر الناس في مُحكم كتابه. وعندئذٍ قام× بتلاوة الآية المتقدّمة، مستدلاًّ بالذرّيّة.

كما أنّ الإمام الباقر× قال بعد قراءته للآية المتقدّمة: نحن بقيّة تلك العترة.

فمن خلال هذه العبارة يتبيّن أنّ هذه العترة بدأت من آدم إلى أن وصلت إلى الأئمّة^. ولهذا السبب فقد تمّت الإشارة في هذه الآية المباركة، بعد التعرُّض لذكر آدم، ونوح، وآل عمران، وآل إبراهيم، إلى ذرّيّتهم([4]).

ويقول سيد الشهداء في إشارةٍ إلى أنّ مهديّ آخر الزمان هو وارث جميع الأنبياء، وأنّه يأتي بالعديد من سننهم: التاسعُ من وُلدي، وهو قائمنا أهل البيت، يُصلح الله تعالى أمرَه في ليلةٍ واحدة([5]).

ومن خلال ما تمّ بيانه حتّى الآن نخلص إلى عدّة أمور:

أوّلاً: إنّ الأرض لا تخلو أبداً من حجّة لله وخليفة له؛ ولذلك يذكر سبحانه وتعالى الخلافة كفيضٍ مستمرّ، ويقول: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة: 30).

ثانياً: إنّ الأنبياء^ هم عُصارة الوجود، وصفوة الله، وأنّهم كانوا مكلّفين ـ كلٌّ بدوره ـ بتحمّل الخلافة الإلهيّة على الأرض.

ثالثاً: حسب العديد من الروايات ـ ومن جملتها كلام سيّد الشهداء الذي تمّ التعرّض له آنفاً ـ فإنّ الأئمّة^ هم ذريّة أنبياء الله، وعُصارة نظام الخلق، وحجج الله وخلفاؤه على الأرض.

رابعاً: إنّ الخلافة التي تُعدّ فيضاً إلهيّاً دائماً قد استمرّت بعد الأنبياء على شكل ولاية أهل بيت خاتم الرسل| وإمامتهم.

خامساً: إنّ الإمام المهديّ سيكون خليفة الله على الأرض؛ لأنّه ينتمي إلى سلالة الأنبياء. وهو آخر حامل للواء الولاية، والتاسع من أولاد الحسين×. ومن هنا فقد أُطلق عليه في العديد من الروايات لقب (خليفة الله)، ومن جُملة ذلك: ما قاله الرسول الأكرم|: يخرج المهديّ على رأسه عمامة، فيها ملك ينادي: هذا المهديّ خليفة الله، فاتَّبعوه([6]).

وقد ورد أيضاً في إسعاف الراغبين: وجاء في روايات أنّه عند ظهوره [أي المهديّ] يُنادي من فوق رأسه ملكٌ: هذا المهديّ خليفة الله، فاتَّبعوه([7]).

 

 3ـ المهديّ من أبناء الإمام الحسين× ــــــ

بعد أن تبيّن لنا أنّ المهدويّة هي في الواقع استمرار للخلافة الإلهيّة التي تستمدّ جذورها من القرآن الكريم، وأنّ الأرض لن تخلو أبداً من خليفةٍ وحجّة، وأنّ الإمام المهديّ× هو خليفة الله على الأرض؛ بصفته آخر حامل للواء الولاية، بعد ذلك علينا أن نشير إلى أنّ المهديّ الموعود هو من أولاد سيّد الشهداء الحسين بن عليّ×؛ وذلك طِبْقاً للروايات الصادرة عن الرسول الأكرم، وكذلك الروايات التي وصلتنا عن طريق أهل البيت^، ومنهم الإمام الحسين×. ونظراً لكون بعض أهل السنّة([8]) قد توهَّموا بأنّ المهديّ الموعود هو من أولاد الإمام الحسن المجتبى× ـ وذلك بعد قبولهم بأصل المهدويّة، وأنّ المهديّ الموعود هو من أهل بيت الرسول| ـ فإنّنا سنسعى إلى تناول هذا البحث عَرْضاً وتحليلاً في ضمن محورَيْن، وبشكل مختصر:

 

3 ـ 1ـ رأي الشيعة؛ استناداً إلى كلام الإمام الحسين× ــــــ

بدايةً، وبحسب ما تقتضيه المناسبة مع موضوع المقالة، ينبغي استعراض هذا البحث من وجهة نظر الإمام الحسين× نفسه. ولا يخفى أنّ من المظالم التي تعرّض لها سيّد الشهداء× هو عدم وفرة الروايات عنه×؛ بسبب الظروف السياسيّة الخاصّة، وأجواء الاختناق الشديدة التي فرضها معاوية وأسرة بني أميّة عليه. لكنْ مع ذلك، وفي ذلك المقدار الذي وصلنا من هذه الروايات، يُؤكّد الإمام الحسين× في مواضع مختلفة على مسألة أنّ المهديّ الموعود هو من أبنائه. وهذا الأمر قد يكون مُعبِّراً بنفسه عن معنىً ما من المعاني. وعلى أيّ حال جاء في إحدى الروايات أنّ أعرابيّاً قال له: أخبرني عن عدد الأئمّة بعد رسول الله|، فقال×: اثنا عشر، عدد نُقباء بني إسرائيل، قال: فسمِّهم لي، فأطرق الحسين مليّاً، ثمّ رفع رأسه، وقال: نعم، أخبرك يا أخا العرب، إنّ الإمام والخليفة بعد رسول الله أبي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب×، والحسن، وأنا، وتسعة من وُلدي، منهم: عليّ ابني، وبعده محمّد ابنه، وبعده جعفر ابنه، وبعده موسى ابنه، وبعده عليّ ابنه، وبعده محمّد ابنه، وبعده عليّ ابنه، وبعده الحسن ابنه، وبعده الخلف المهديّ، وهو التاسع من وُلدي، يقوم بالدين في آخر الزمان([9]).

من المحتمل أن يكون الإمام الحسين× قد راعى في هذا الكلام بعض المقتضيات السياسيّة أو الثقافيّة أو الاعتقاديّة للناس في ذلك العصر، أو بالنسبة إلى خصوص السائل، حيث أجابه بعد إطراق مليّ وتفكير وتأمّل، وقد تمّت الإشارة فيه إلى عدّة نقاط مهمّة وجوهريّة:

أوّلاً: وضع الإمام يده على مسألة عقائديّة مهمّة هي الخلافة والإمامة بعد الرسول الأكرم|.

ثانياً: سمّى× الأئمّة^ فرداً فرداً، وبشكلٍ دقيق؛ ليتّضح جليّاً وبالترتيب مَنْ هو الإمام والخليفة؛ إذ إنّ كلّ واحد من الأئمّة^ كان يمتلك عدّة أولاد، وينبغي تشخيص الإمام منهم بالتحديد.

ثالثاً: عيَّن× آباء الإمام المهديّ×، وأكّد على أنّ كلّ واحد منهم يُعدّ من أبنائه، وأصرّ في الأخير على أنّ المهديّ هو التاسع من أبنائه. وقد يكون ذلك بسبب أنّه كان يسعى وبشكلٍ كامل للوقوف في وجه جميع التوهّمات؛ لأنّه لو عبّر عن ذلك بطريقة أخرى فمن المحتمل وجود أشخاص يرغبون في تفسير حادثة المهدويّة ـ التي أنبأ عنها الرسول ـ بمسألة عيسى المسيح، أو إخراجها عن دائرة أهل البيت^، أو عدم الاعتراف بكونها مختصّة بأولاد الإمام الحسين×. إلاّ أنّ هذا البيان الصادر منه×، بالإضافة إلى كلماته الأخرى، وكذلك الروايات المتعدِّدة التي وصلتنا عن الرسول الأكرم| والأئمّة^، قد وقفت سدّاً منيعاً أمام هذا النوع من التحريفات.

وقد وردت روايةٌ أخرى عن الإمام الحسين× يقول فيها: دخلتُ على جدّي رسول الله| (في فترة الطفولة)، فأجلسني على فخذه، وقال لي: إنّ الله اختار من صُلبك يا حسين تسعة أئمّة، تاسعهم قائمهم([10]).

وجاء في رواية أخرى أنّ رجلاً سأل الإمام الحسين× عن عدد الأئمّة^، فقال له: عدد نقباء بني إسرائيل. تسعةٌ من وُلدي، آخرهم القائم، ولقد سمعت رسول الله| يقول: أبشروا ثمّ أبشروا ـ ثلاث مرات ـ، إنّما مثل أهل بيتي كمثل حديقة أُطعِم منها فوجٌ عاماً، ثمّ أُطعِم منها فوجٌ عاماً، في آخرها فوجٌ يكون أعرضها بحراً (من حيث العدد)، وأعمقها طولاً وفرعاً (من حيث الفهم)، وأحسنها جَنىً (من حيث الاستفادة من الوجود النوراني لإمام زمانهم)([11]).

وعليه يُصبح معلوماً أنّه، وبشكل عامّ، لا يوجد أدنى شكّ ـ بحسب رأي الشيعة الإماميّة ـ في كون المهديّ الموعود من أولاد الإمام الحسين×، وخصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار هذه الروايات، والروايات المتعدِّدة الأخرى التي وصلتنا عن الرسول الأكرم وسائر الأئمّة^. وهو ما دفع بعض العظماء لأن يقول في هذا الصدد: «والأخبار بذلك (أنّ المهديّ الموعود من ذريّة الإمام الحسين×) مستفيضةٌ، وعليه إجماعُنا معاشر الشيعيّة الإماميّة، وإليه ذهب المشهورُ من علماء إخواننا أهل السنّة»([12]).

ومن الجدير بالذكر أنّ تلك الروايات التي يُخاطب فيها الرسول الأكرم| فاطمة الزهراء قائلاً: «يا فاطمة، والذي بعثني بالحقّ، إنّ منهما ـ يعني الحسن والحسين’ ـ مهديُّ هذه الأمّة»([13]) ناظرةٌ إلى مسألة رجوع سلسلة نسب الإمام المهديّ الموعود بلحاظ معيّن إلى الإمام الحسن المجتبى أيضاً؛ إذ إنّ أمّ الإمام الباقر× زوجة الإمام زين العابدين هي فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى×. وعلى هذا فإنّ الإمام الباقر ينتهي عن طريق الأب إلى الإمام الحسين×، وعن طريق الأمّ إلى الإمام الحسن المجتبى×، وبالتالي يكون الإمام المهديّ الموعود؛ لهذا السبب، من أبناء الإمام الحسن المجتبى× أيضاً([14]).

 

3ـ 2ـ رأي بعض كبار أهل السنّة ــــــ

يُصرّ عدّة من علماء أهل السنّة ـ نظير مؤلِّف (الصواعق المحرقة)([15]) ـ على أن يجدوا موطئ قدم لتوهُّماتهم القاضية بأنّ المهديّ الموعود هو من أبناء الإمام الحسن المجتبى×. غير أنّ العديد من كبار أهل السنّة يعتقدون ـ كالشيعة ـ بأنّ الإمام المهديّ هو من أولاد الإمام الحسين×. وفي هذا الإطار يتوفّر عبد الوهاب الشعراني ـ الذي يُعدّ من أعاظم علماء السنّة، كما يحظى بثقة واعتماد الكثير من علماء الشيعة الكبار ـ على بعض الحقائق القيّمة، التي سنعرُض لها بالتفصيل؛ نظراً للأهمّية التي تمتلكها؛ حيث يعتقد بأنّ الإمام المهديّ هو من أولاد الإمام الحسين×، وأنّه مولود اليوم، ولهذا يُصرّح قائلاً: وهو [المهديّ] من أولاد حسن العسكريّ، ومولده× ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين…، فيكون عمرُه إلى وقتنا هذا، وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، سبعمائة سنة وستّ سنين… وعبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس والستين وثلاثمائمة من «الفتوحات»: واعلموا أنّه لا بدّ من خروج المهديّ×، لكن لا يخرج حتّى تمتلئ الأرضُ جوراً وظلماً، فيملؤها قسطاً وعدلاً، ولو لم يكن من الدنيا إلاّ يومٌ واحد طوّل الله تعالى ذلك اليوم حتّى يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله|، من وُلد فاطمة رضي الله عنها، جدّه الحسين بن عليّ بن أبي طالب، ووالده حسن العسكري ابن الإمام عليّ النقيّ ـ بالنون ـ ابن محمد التقي ـ بالتاء ـ ابن الإمام عليّ الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين عليّ ابن الإمام الحسين ابن الإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، يُواطئ اسمُه اسم رسول الله|، يُبايعه المسلمون بين الركن والمقام، يُشبه رسولَ الله| في الخَلْق([16]).

وجاء أيضاً في ينابيع المودّة: عن حذيفة بن اليمان قال: خطبنا رسول الله|، فذكَّرنا ما هو كائنٌ، فقال: لو لم يبقَ من الدنيا إلا يومٌ واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يبعث رجلاً من وُلدي اسمه اسمي، فقام سلمان الفارسي فقال: يا رسول الله، من أيِّ وُلدك هو؟ قال: من وَلَدي هذا، وضرب بيده على الحسين سلام الله عليه([17]).

وينقل يوسف بن يحيى الشافعي، وهو من علماء القرن السابع، في كتابه عقد الدرر في أخبار المنتظر، روايةً عن الرسول بنفس هذا المضمون، حيث قال|، وهو يضرب بيده على الحسين×: الذي اسمه يُطابق اسمي، ويظهر في آخر الزمان، هو من أولاد ابني هذا([18]).

4ـ أمل اللقاء ــــــ

من الأمور الأخرى التي وردت في كلمات سيّد الشهداء× حول المهديّ الموعود هي مسألة تمنّي لقائه وخدمته. فقد جاء في بعض الروايات أنّه سُئل×: هل وُلد المهديّ؟ فأجاب× قائلاً: «لا، ولو أدركتُه لخدمته أيّام حياتي»([19]).

وقد نُقل نظير هذا الكلام عن الإمام الصادق×([20]). كما قال أميرُ المؤمنين× في نهج البلاغة: لا تخلو الأرضُ من قائم لله بحجّة… أولئك خلفاء الله في أرضه. آه آه؛ شوقاً إلى رؤيتهم([21]).

وفي هذا الصدد، وفي رواية مفصّلة، يحكي سيّد الشهداء حول شوق عليّ أمير المؤمنين× لرؤية الإمام المهديّ ما مفاده: أنّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين×، فقال له: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن مهديّ آل محمّد؟ فقال: إذا درج الدارجون، وانصرمت الأزمنة، وقلّ المؤمنون، فعندئذٍ سيظهر. فقال السائل: من أيّ قبيلة هو؟ فقال: من بني هاشم، من ذروة طود العرب، في أعمق نقطة من بحرها. إنّه خبير، محنّك، ظافر ومنتصر. هو أسدٌ في ساحات الوغى، معروف بدحضه للأعداء، سيف من سيوف الله، وفي نفس الوقت سيّد كريم وعظيم. فكرُه متحرِّر عن الدنيا والآخرة، قد ارتقى أعلى مرتبة في السيادة والفضيلة والقرب من الله. فأحذِّرك أن يثنيك الشيطان عن الحقّ؛ لأنّه سيُثير في كلّ زمان فتنةً؛ ليصرفك عن بيعته. ثمّ أشار× إلى أوصاف المهديّ فقال: أوسعكم كهفاً، وأكثركم علماً، وأوصلكم رحماً. وبعدما تعرّض× لبيان كلّ هذه الحقائق قال: اللهمّ فاجعلْ بعثه خروجاً من الغمّة، واجمع به شمل الأمّة. فإنْ خار الله لك فاعزِمْ، ولا تنثنِ عنه إنْ وُفِّقتَ له، ولا تجوزنّ عنه إنْ هُديتَ إليه، ها هو أومأ بيده إلى صدره شوقاً إلى رؤيته([22]).

فممّا يظهر جليّاً من خلال هذا الكلام أنّه× وضع يده على قلبه متمنّياً بشوق ومحبّة بالغين التمكّن من لقاء المهديّ الموعود.

وفي هذا الإطار جاء في كتاب كمال الدين وتمام النعمة أنّه في يومٍ من الأيّام تلا دعبل الخزاعي أشعاراً في محضر الإمام الرضا، وفي ضمنها تحدّث عن أمله في ظهور إمامٍ سيقوم حتماً يوماً ما على اسم الله وبركات متواترة ومتواصلة. عند ذلك بكى الإمام الرضا× بشدّة، وقال: يا خزاعي، لقد أجرى روح القدس هذا الكلام على لسانك، فهل تعلم مَنْ هو هذا الإمام؟ فقال دعبل: لا يا مولاي، غير أنّي سمعت بقيام إمامٍ من بيتكم، فيطهِّر الأرض من الفساد، ويعمرها بالعدل. بعد ذلك قام الإمام الرضا× بتعداد الأئمّة من بعده، ثمّ قال: بَعْدَ الْحَسَنِ ابْنُهُ الْحُجَّةُ الْقَائِمُ، الْمُنْتَظَرُ فِي غَيْبَتِهِ، الْمُطَاعُ فِي ظُهُورِهِ([23]).

فمن مجموع هذه الروايات يُعلم أنّ «المهدويّة» هي من أهمّ مسائل الولاية ونظام عالم الوجود، إلى درجة أنّ الأئمّة من قبله، وآباءه، كانوا يتمنَّوْن لقاءه. ويتضّح ذلك خصوصاً في تلك المسألة التي أشار إليها الإمام الحسين× عندما قال: لو أدركتُه لخدمته أيّام حياتي. من هنا نستطيع أن نفهم السبب من وراء تأكيد الروايات على مسألة انتظار المهديّ، والدعاء لظهوره، وتعرّضها لبيان أجر ذلك والثواب عليه.

 

 5ـ تجلّي سنن الأنبياء في وجود المهديّ من وجهة نظر الإمام الحسين× ــــــ

من الحقائق الأخرى التي تمّت الإشارة إليها في كلام سيّد الشهداء الحسين بن عليّ× حول المهديّ الموعود هي كونه الوارث لسنن الأنبياء وصفاتهم، وأنّ العديد من الظروف التي عاشها الأنبياء ستحدث له كذلك، كما أنّ الكثير من الأعمال التي قاموا بها سيقوم بها هو كذلك، بحسب ما تقتضيه الظروف، وأنّه سيعمل بسيرتهم^. يقول الإمام الحسين× حول تجلّي سنن الأنبياء في وجود المهديّ: فِي الْقَائِمِ مِنَّا سُنَنٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، سُنَّةٌ مِن نُوحٍ وسُنَّةٌ مِن إِبْرَاهِيمَ وسُنَّةٌ مِنْ مُوسَى وسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى وسُنَّةٌ مِنْ أَيُّوبَ وسُنَّةٌ مِنْ محمّد. فَأَمَّا مِن نُوحٍ فَطُولُ الْعُمُرِ، وأَمَّا مِنْ إِبْرَاهِيمَ فَخَفَاءُ الْوِلادَةِ واعْتِزَالُ النَّاسِ، وأَمَّا مِنْ مُوسَى فَالْخَوْفُ والْغَيْبَةُ، وأَمَّا مِن عِيسَى فَاخْتِلافُ النَّاسِ فِيهِ، وأَمَّا مِنْ أَيُّوبَ فَالْفَرَجُ بَعْدَ الْبَلْوَى، وأَمَّا مِنْ محمّد فَالْخُرُوجُ بِالسَّيْف([24]). ‏

وعلى الرغم من طرح مسألة تجلّي سنن الأنبياء في الإمام المهديّ بصورةٍ عابرة وإجمالية في هذه الرواية، إلاّ أنّنا سنتعرّض بالبحث والتحقيق للمطالب الواردة فيها بشكلٍ تفصيلي، وفي ضمن عدّة عناوين؛ وذلك للأهميّة والجامعيّة التي يحظى بها هذا الحديث:

 

5 ـ 1ـ سنّة نوح: تحليلٌ لطول عمر المهديّ ــــــ

لا تُعدّ حادثة طول عمر الإمام المهديّ× من المسائل الشاذّة والنادرة؛ فقد وردت عدّة أخبار في التاريخ والنصوص الدينيّة والكتب السماوية ـ ومن جملتها: القرآن الكريم ـ حول المعمّرين والأشخاص الذين عاشوا ولا يزالون يعيشون عمراً مديداً. ومع هذا فقد أُثيرت تساؤلات حول طول عمر المهديّ الموعود في ضمن الأبحاث المتعلّقة بمهديّ آخر الزمان، وقد تمّ بحثها من طرف أصحاب الرأي بشكلٍ مفصّل، ومن عدّة زوايا، وقدَّموا عنها إجاباتٍ مقنعةً إلى حدٍّ ما. وبما أنّه قد تمّت الإشارة ـ في ضمن ذلك ـ إلى هذه الحادثة، والاهتمام بما ورد عنها في كلمات الإمام الحسين×، فإنّنا سنتعرّض بدورنا لذكر نقطتَيْن حولها بما يتناسب وموضوع هذه المقالة:

الأولى: إنّ أحد أصحاب الرأي، ممَّنْ يمتلكون آراءً علميّة عميقة ودقيقة، يعتقد بعدم وجود أيّ مانع من الناحيّة العقليّة والعلميّة والعمليّة من طول عمر المهديّ، ويقول ما مفاده: إنّ شخصيّتين ذواتا عُمر غير معهود وغير مألوف لدينا أُنيطت بهما على مرّ الزمان مهمّةُ تطهير المجتمع الإنساني من محتواه الفاسد بشكلٍ كامل، وإعادة بنائه من جديد على أساس الحقّ والعدل. وفي هذا الصدد يُصرّح بما يلي: هل هي صدفة أن يقوم شخصان فقط بتفريغ الحضارة الإنسانية من محتواها الفاسد وبنائها من جديد، فيكون لكلٍّ منهما عمرٌ مديد يزيد على أعمارنا الاعتيادية أضعافاً مضاعفة؟ أحدهما مارس دوره في ماضي البشرية، وهو النبيّ نوح، الذي نصّ القرآن الكريم على أنّه مكث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، وقدّر له من خلال الطوفان أن يبني العالم من جديد؛ والآخر يمارس دوره في مستقبل البشرية، وهو المهديّ، الذي مكث في قومه حتّى الآن أكثر من ألف عام، وسيقدّر له في اليوم الموعود أن يبني العالم من جديد. فلماذا نقبل نوح، الذي ناهز ألف عام على أقلّ تقدير، ولا نقبل المهديّ؟!([25]).

الثانية: بغضّ النظر عن جميع المسائل والأبحاث والأجوبة التي أُثيرت حول مدّة عمر المهديّ من الجدير بالذكر أنّنا نحسب عمره الشريف اعتماداً على تصرّم الزمان، ثمّ نأتي بعد ذلك ونقول بأنّ عمره قد امتدّ كثيراً، ولا ندري إلى متى يطول، فلا نستسيغ كيف أنّ إنساناً استطاع أن يُعمّر إلى هذا الحدّ. ولو بدَّلنا هذا التفكير الزماني بالتفكير الإلهي، وقلنا بأنّ المهديّ هو إنسانٌ كامل، والإنسان الكامل هو خليفة الله، وخليفة الله هو الواسطة في الفيض، والزمان مع جميع الأمور الزمانيّة هو من مقولة الفيض الإلهي. فنظراً لكون المهديّ الموعود في عصره هو واسطة الفيض الإلهي بالنسبة لجميع مظاهر العالم ـ على الرغم من أنّه يُعدّ بنفسه فيضاً لله تعالى ـ، ونحن نعلم بأنّ الواسطة في الفيض الإلهيّ تكون أعلى من الفيض ومسيطرة عليه، فإنّ المهديّ يكون مسيطراً على الزمان؛ إذ إنّ الزمان من مقولة نفس ذلك الفيض الذي تنزَّل بواسطته×؛ وقد يكون هذا هو السبب الذي أدّى إلى إطلاق اسم صاحب الزمان على المهديّ في الروايات والأدعية والزيارات. وعليه ينبغي علينا أن لا نقيس عمر الإمام× بمقياس الزمان أبداً؛ لأنّ لكلّ شيء مقياسه وميزانه الخاصّ، ولا يمكن للزمان أن يكون مقياساً لعمر خليفة الله؛ إذ لا مسانخة بين الأمرين. وبالتالي علينا أن نقيس عمر المهديّ بميزان العلم والقدرة الإلهيّة، ونقول: بما أنّه لا نهاية لقدرة الله تعالى فإنّه يستطيع أن يحتفظ بخليفته في الأرض ما دام يرى في ذلك مصلحة؛ وذلك من أجل إيصال فيضه الوجودي إلى الزمان والزمانيّات من خلال القناة الوجوديّة للخليفة؛ ولهذا فقد ورد في بعض الأدعية أنّه: «بِيُمنه رُزق الورى، وبوجوده ثبتت الأرضُ والسماء»([26]).

وعليه كيف يمكن للزمان الذي يُنتزع من مقدار الحركة ودوران الأجرام السماويّة أن يكون ميزاناً نقيس به عمرَ موجودٍ يُعدّ بحدّ ذاته منشأً للزمان؛ بمعنى أنّ حركة الأجرام الفلكيّة لا تتجلّى إلاّ في ظلّ وجوده×، وإذا لم يوجد هو فلن توجد تلك الأجرام، ولا حركاتها، وبالتالي لن يظهر الزمان أبداً. وعلى هذا لا يُعدّ الزمان محكّاً نستطيع من خلاله تشخيص مقياس عمر المهديّ وطول هذا العمر. نعم، علينا الالتفات إلى أنّنا لا نهدف من كلّ هذا إلى القول بوجوب إيكال الأمر إلى القدرة الإلهيّة، وبالتالي ينبغي السكوت، بل إنّ الهدف هو لزوم انتخاب ميزان يتناسب مع الموزون (عُمْر خليفة الله).

5 ـ 2ـ سنّة إبراهيم: تحليل للسرّ الكامن وراء خفاء ولادة المهديّ ــــــ

من وجهة النظر المستقاة من النصوص الإسلاميّة فإنّ النبيّ إبراهيم كان يعيش منذ فترة طفولته وحتّى بداية بلوغه وفترة مراهقته منزوياً، وفي منأى عن الناس، ولم يأتِ إلى قومه إلاّ بعد أن استوى واكتمل، في الوقت الذي كان فيه جميعُهم يتخبّطون في الشرك وعبادة الأصنام والمئات من المشاكل الأخرى في أخلاقهم وعلاقاتهم الاجتماعيّة و…. ولأنّه× كان يمتلك فطرة توحيديّة طاهرة ومسدَّدةً من قِبَل الله تعالى، ومطَّلعاً على ملكوت كلّ شيء، فإنّه كان شديد الاستياء من الحالة الاعتقاديّة والأخلاقيّة للناس. ومن أجل ذلك فقد تعبّأ لمواجهة الشرك وعبادة الأصنام، كما تعرّض في هذا الإطار لـمُحاجّة أقوام آخرين يعبدون الأجرام السماويّة، نظير: الشمس والقمر والكواكب، فقام بمناظرتهم، ودعاهم إلى التوحيد وعبادة الحقّ سبحانه([27]).

يقول سيّد الشهداء× في الحديث المزبور: وَأَمَّا [السنّة التي] مِنْ إِبْرَاهِيمَ فَخَفَاءُ الْوِلادَةِ واعْتِزَالُ النَّاسِ.

ومضافاً إلى ذلك فقد نُقل عنه× أنّه قال حول هذا الأمر: القائم منّا يخفى عن الناس ولادته حتّى يقولوا لم يولَد بعدُ؛ لِيخرج حين يخرج وليس لأحدٍ في عُنقه بيعة([28]).

وفي ما يخصّ هذا البحث سنتعرّض وبشكلٍ مختصر لذكر نقطتين:

أوّلاً: إنّ الاعتقاد بكون المهديّ الموعود× قد وُلد، وله تحقّق فعليّ في هذا العالم، وهو حيٌّ يُرزق ـ الأمر الذي لا مجال للشكّ فيه ـ، لا يُعدّ مختصّاً بالشيعة الإماميّة فقط، بل يُشاركهم فيه عددٌ كبير من كبار أهل السنّة أيضاً([29]).

ثانياً: من خلال الرجوع إلى الروايات والمصادر التاريخيّة فإنّ أحد الأسرار الكامنة وراء إخفاء ولادة المهديّ تتجلّى في اطّلاع خلفاء بني العبّاس ـ عن طريق الروايات الصادرة عن الرسول والأئمّة^ ـ على أنّ الإمام الثاني عشر هو المهديّ×، الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويُطيح بحكومة الجبّارين، ويُهيمن على شرق العالم وغربه، ويُقيم الحكومة الإلهيّة. ولهذا السبب فقد سعوا بكلّ جهدهم من أجل إطفاء هذا النور، فكلَّفوا القوابل بمراقبة زوجة الإمام العسكريّ× بشكلٍ كامل، وجعلها تحت إشرافهم. ومع كلّ ذلك فقد تعهَّد الله تعالى بحفظ نور المهديّ، فلم يتمكّن أحدٌ من الجواسيس من الاطّلاع على حادثة ولادة المهديّ، وقام سبحانه وتعالى في ما يخصّ الإمام المهديّ بنفس العمل الذي قام به مع موسى×. ولهذا ورد عن الإمام الحسين× في روايات متعدّدة ـ ومن جملتها تلك الرواية المذكورة ـ أنّ عدّة سنن من إبراهيم وموسى قد تبلورت في وجود المهديّ. وعليه من الأسرار الكامنة وراء خفاء الإمام المهديّ هو المحافظة على روح تلك الوديعة الإلهيّة من خلال هذه الوسيلة.

 

5 ـ 3ـ السنّة الموسويّة: تحليل للأسرار الكامنة وراء غيبة المهديّ ــــــ

المسألة الأخرى التي تمّت الإشارة إليها في كلام الإمام الحسين× حول الإمام المهديّ تتعلّق بقوله: وَأَمَّا [السنّة التي وصلت] مِنْ مُوسَى [إلى المهديّ] فَالْخَوْفُ والْغَيْبَةُ.

وبنظر كاتب المقال فقد تمّ التعرُّض في هذه العبارة من كلام سيّد الشهداء إلى نقطتين حسّاستين وجوهريّتين، ينبغي علينا استعراضهما وبحثهما بشكلٍ تفصيلي:

 

أـ معنى الخوف، والدور الذي يلعبه في غيبة المهديّ ــــــ

في ما يخصّ غيبة الإمام المهديّ لا بدّ لنا من القول:

أوّلاً: تمّت الإشارة في ضمن كلمات الإمام الحسين× إلى غيبة المهديّ في موارد أخرى، إضافة إلى المورد السابق، ومن جملتها: قوله: يُظهر الله قائمَنا، فينتقم من الظالمين، فقيل له: يا بن رسول الله، مَنْ قائمكم؟ قال×: التاسع من وُلدي، وهو الحجّة بن الحسن، وهو الذي يغيب مدّة طويلة، ثمّ يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظُلماً([30]).

وقوله أيضاً: قائم هذه الأمّة هو التاسع من وُلدي، وهو صاحب الغَيْبة([31]).

فمن خلال الإشارة إلى طول غَيْبة المهديّ في الرواية الأولى، ووصفه× بـ «صاحب الغَيْبة» في الرواية الثانية، يُمكننا أن نستشفّ بأنّ حادثة غَيْبة المهديّ وطولها تُماثل مسألة أصل المهدويّة من حيث زمان طرحها؛ أيّ إنّها كانت تُعَدّ قبل ولادته من الأبحاث المهمّة، والتي استرعَتْ اهتماماً خاصّاً ضمن كلمات الأئمّة، ومنهم الإمام الحسين×.

وعليه حين نُواجه هذا النوع من النصوص الدينيّة التي عرضت مسألة المهديّ بشكلٍ ملازم لحادثة غيبته فإنّه يتَّضح لنا جليّاً لماذا تعامل أئمّة الدين مع غيبة المهديّ بنوع من الاهتمام، وسعَوْا إلى إفهام الجميع بأنّ حصول الغَيْبة الطويلة للإمام المهديّ هو بدوره مسألة يقينيّة، مثلما كان أصل المهدويّة حقيقة قطعيّة لا يُمكن إنكارها: وذلك خشيةَ إصابة الموالين الحقيقيّين بالشكّ؛ بسبب طول الغيبة.

ثانياً: صرّح الإمام الحسين× بأنّ الخوف والغيبة هما سنّتان موسويّتان ستحصلان للمهديّ. وعليه؛ ووفقاً لكلام الإمام الحسين، والعديد من الروايات الأخرى، تُعدّ مسألة الخوف مطروحةً في غيبته×. لكنّ النقطة الجوهريّة في هذا الأمر تكمن في حقيقة دور الخوفُ في غيبة المهديّ، وبأيّ معنى هو؟ فقد أصرّ البعض([32]) على حمل الخوف في مسألة غيبة المهديّ على معنى الخوف على النفس من القتل، غير أنّ ما يبدو لنا هو أنّ الخوف الذي تعرَّضت له الروايات بصفته أحد العوامل المساهمة في الغيبة يُمكنه أن يتوفَّر على معنى أعمق ممّا طرحه أولئك الأعلام؛ لأنّه إذا كان في مقدور الإمام المهديّ أن يعيش في عالم الغَيْب بشكلٍ مُعجز فإنّه يستطيع أن يعيش حضوريّاً بين الناس وبشكلٍ علنيّ من خلال الإعجاز كذلك، دون أن يتمكّن أحدٌ من المساس به. وعليه بإمكاننا الجزم واليقين بأنّ غيبة الإمام المهديّ لم تكن هي السبيل الوحيد للمحافظة على روحه. ومضافاً إلى ذلك سوف تُحاك المؤامرات لقتله× في زمان ظهوره أيضاً، غير أنّ سلطته القهّارة ستمنع من تنفيذ ذلك، كما صرّح به بعض الأعاظم من أهل المعرفة: ولولا أن السيف بيد المهدي لأفتى الفقهاء بقتله، ولكنّ الله يظهره بالسيف والكرم، فيطمعون ويخافون، فيقبلون حكمه من غير إيمان، بل يضمرون خلافه([33]).

ومن هنا يُمكننا القول بأنّ الخوف الذي عُدّ في بعض الروايات أحد العوامل المساهمة في الغيبة يمتلك مفهوماً أوسع، وأنّه بمعنى الخوف من جهل الناس، لا الخوف من القتل، وخصوصاً أنّه قد ذُكر الارتباط بين الخوف والغَيْبة في كلام سيّد الشهداء بعنوانه يُمثّل سنّةً موسويّة، وقد قال أمير المؤمنين عليّ× في تفسيره لخوف موسى×: لم يوجس موسى خيفةً على نفسه، بل أشفق من غَلَبة الجُهّال ودول الضلال([34]).

فما يقصده الإمام× هو أنّ موسى× كان يخشى على مستوى ساحة المواجهة الثقافيّة أن يُؤدّي جهل المتفرِّجين إلى عدم اتّضاح الاختلاف الموجود بين المعجزة والسحر، الأمر الذي سيفضي إلى انتصار الجهّال وحكومة المستبدّين. وعليه إذا كان الإمام المهديّ في الواقع خائفاً، ولا يزال كذلك، فبسبب أنّ عدم امتلاك الناس للوعي والمستوى الثقافي والفكري الرفيع، الذي سيُؤدّي بهم إلى عدم التمييز بين مقام الولاية وبين الأنظمة الاستبداديّة لحكّام الجور، فيتركونه وحيداً ـ كما فعلوا مع بقيّة الأئمّة ـ، وينكبّون على اتّباع السلطات الغاشمة، وبذلك لن تختلف غيبتُه عن حضوره وسط الناس.

وهذا هو الذي دفع بعض أساطين الحكمة والمعرفة لأن يقول في تفسيره لغيبة الإمام المهديّ: لا يجوز أن يكون ذلك السبب [سبب غيبة الإمام المهديّ] من الله تعالى؛ لكونه مناقضاً لغرض التكليف، ولا من الإمام نفسه؛ لكونه معصوماً، فوجب أن يكون سبب الغيبة من الأمّة، وهو الخوف الغالب، وعدم التمكين، والإثم في ذلك، وما يستلزم من تعطيل الحدود والأحكام عليهم([35]).

ويقول حكيمٌ آخر أيضاً: فإنّ الغاية الحقيقيّة في وجوده [أي الإمام] شيءٌ أعلى وأرفع من تعلّم الناس منه… وأمّا عدم اهتدائهم بنوره، واستضاءتهم بضوئه، فليس من جهته×، بل من جهة الناس؛ لاحتجابهم عن الحقّ بالظلم الغاشية بينهم، وغلبة الهوى والشهوات على نفوسهم [فيحرمون أنفسهم من بركات الإمام]([36]).

وبناءً على ذلك فقد ورد الخوف في الروايات كعاملٍ مساهم في الغَيْبة. وقد فسّره عدّةٌ من العلماء بمعنى الخوف على النفس. ولكنْ كاتب هذه السطور يرى أنّ الروايات التي تحدّثت عن الخوف تحتوي على مضمون أعمق، ولا سيّما أنّ الخوف في بعضها ورد بشكلٍ مطلق، من دون أن يُتعرّض فيها لأيّ كلام حول الخوف على النفس، وفي بعضها الآخر جاء الحديث عن الخوف على النفس كتفسيرٍ شخصيّ من الراوي لكلام الإمام المعصوم([37]).

ومن خلال الاستعانة بهاتين الطائفتين من الروايات يُمكننا بكلّ سهولة أن نحلّ الإشكال الذي واجهته الرواية التي تحدَّثت عن الخوف على النفس.

وبالإضافة إلى ذلك؛ واعتماداً على العديد من الآيات القرآنيّة الكريمة([38])، والروايات الشريفة ـ وخصوصاً كلمات أمير المؤمنين([39]) في نهج البلاغة ـ، وكذلك بحسب المباني العرفانيّة والفلسفيّة المحكمة([40])، فإنّ الإنسان الكامل لا يخشى أبداً من الموت والقتل؛ وذلك لكونه مطَّلعاً على نتائج أعماله بإذن الله تعالى؛ وبسبب طمأنينة قلبه وقدرته الروحيّة والسكينة الإلهيّة النازلة عليه. ومن هنا يتّضح لنا جليّاً من كلّ ما مرّ ذكرُه ـ وخلافاً لأقوال بعض العلماء ـ أنّ إسناد غيبة المهديّ إلى الخوف على النفس لا يمتلك دليلاً مُقنعاً. ولهذا لا يُمكننا عدُّه أفضل احتمالٍ لتفسير معنى الخوف المُشار إليه في بعض الروايات.

 

ب ـ الآثار الوجوديّة للمهديّ في عصر الغيبة ــــــ

قبل أن نستعرض أصل المسألة من الجدير بالذكر أنّ غيبة الإمام المهديّ ـ التي عُدّت في كلام الإمام الحسين× من سنن الأنبياء السابقين ـ ستطول إلى درجة لن يُصدّق معها الناس أبداً بأنّه× سيظهر على صورة شابّ يافع؛ ولذلك سيُصاب الناس حين ظهوره بالشكّ، كما جاء في حديث عن الإمام الحسين: لو قام المهديّ لأنكره الناس؛ لأنّه يرجع إليهم شابّاً موفقاً. وإنّ من أعظم البليّة أن يخرج إليهم صاحبهم شابّاً، وهم يحسبونه شيخاً كبيراً([41]).

لكن يبقى السؤال المطروح في هذا المجال: ما هي فائدة الإمام المهديّ وآثاره الوجوديّة في غيبة طويلة كهذه؟

وجواباً عن هذا السؤال بشكلٍ مختصر نقول:

أوّلاً: مع أنّ التساؤل عن وجود المهديّ في زمان الغيبة، والدور الذي يلعبه في تعيين مصير الإنسان، والأثر الذي يتركه على العالم، هو في الظاهر تساؤلٌ صحيح، لكنْ إذا أمعنّا النظر فيه بشكل جيّد سيتّضح لنا بأنّه يستمدّ جذوره من التفكير الحسّي، وأنّ الذين يطرحون هذا النوع من الأسئلة عادةً ما يتحرَّوْن عن آثار الظواهر الوجوديّة وتأثيراتها في الطبيعة والنشأة الحسّية فحَسْب، وإنّهم يرغبون في أن يكون كلٌّ من التأثير والمؤثّر محسوسين وملموسين لديهم؛ لكي يقبلوا بهما. والحال أنّ هناك في دار الوجود حسب الفكر الإلهيّ والديني وما وراء الطبيعي الكثير من الظواهر ـ بغضّ النظر عن حادثة المهديّ ـ التي تؤثّر في العالم والإنسان، مع أنّه من الممكن أن لا يكون شكل التأثّر ونفس المؤثّر محسوساً لأيّ شخصٍ كان. وبعبارة أوضح: إنّ طرح هذا النوع من الأسئلة يُماثل قول أحدهم: ما هو التأثير الذي يتركه وجود الملائكة ـ التي لا نراها، وهي غائبة عن أنظار الناس ـ على العالم ومصير الإنسان؟

ثانياً: إنّما يطرح هذا النوع من الأسئلة ـ على حدّ تعبير بعض الأعاظم ـ مَنْ لم يقفوا على حقيقة معنى الإمامة؛ لأنّ وظيفة الإمام لا تنحصر في البيان الظاهريّ للمعارف، والهداية الظاهريّة للناس. فكما أنّ الإمام يتكفّل بالقيام بهذه الوظيفة هو يتحمّل كذلك عبء الولاية الباطنيّة على الأعمال، والإرشاد الباطني إليها، كما أنّه يتقدّم بحقائق الأعمال إلى الله جلّ شأنه. فمن البديهيّ إذاً أن لا يكون لحضور الإمام الجسمانيّ أو غيبته أيّ تأثير في هذا المجال. والإمام يتّصل بالنفوس ويشرف عليها عن طريق الباطن، وإنْ بعُد عن الأنظار، وخفي عن الأبصار، وتأخّر وقت ظهوره وإصلاحه للعالم([42]).

ثالثاً: ما أكثر العظماء الذين يعتقدون بإمكانيّة الاستفادة في زمن الغيبة الكبرى من وجود الإمام المهديّ في مجال بيان الأحكام أيضاً، فضلاً عن آثاره وبركاته التكوينيّة. فالذين استدلّوا على الإجماع ـ مثلاً ـ في علم الأصول؛ اعتماداً على قاعدة اللطف، يلتزمون في الواقع بالآثار والفوائد التشريعيّة لوجود الإمام في عصر الغيبة.

رابعاً: إنّ مَثَل الإمام المهديّ ـ بحسب الروايات ـ كمَثَل الشمس المستترة خلف السحاب (سحاب الغَيْبة)؛ وهل يُمكن لأيّ عاقل أن يشكّك في وجود آثار وفوائد للشمس وهي على هذه الحالة؟

وعليه فقد كانت البركات الوجوديّة للإمام المهديّ في جميع الحالات من نصيب العالمين، ولا زالت أمطار رحمته الوجوديّة تهطل على العالم. وبالتالي فوجود الإمام المهديّ في ظرف الغَيْبة ليس وجوداً ذا فائدة فحَسْب، بل إنّ جميع البركات الإلهيّة والفيوضات الرحمانيّة إنّما تصل إلى العالم والإنسان من خلال وجوده المبارك.

 

 5 ـ 4ـ السنّة العيسويّة: تحليل للاختلافات القائمة حول المهديّ ــــــ

يقول القرآن الكريم في ما يخصّ اختلاف الناس حول عيسى×: ﴿فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ﴾ (مريم: 37)، حيث تُعدّ هذه الآية ناظرةً لاختلاف آراء الناس حول عيسى. وأمّا سبب ورود عبارة ﴿مِنْ بَيْنِهِمْ﴾ في الآية المباركة فللإشارة إلى وجود أشخاص من الطوائف المسيحيّة المختلفة كانوا يصدقون القول حول عيسى، وكانوا ثابتين على الحقّ([43]). وعلى أيّ حال فإنّ مرادنا الأساسي هو بيان أنّ بعض الجوانب من تلك الاختلافات قد طُرحت كذلك حول الإمام المهديّ؛ ولهذا يقول الإمام الحسين× في إحدى الروايات ما مفاده أنّ السنّة التي ستصل من عيسى إلى المهديّ هي حدوث الخلافات وتعدّد الآراء حوله.

وفي هذا الصدد أيضاً ورد عن سيّد الشهداء أنّه قال في روايةٍ أخرى: لصاحب هذا الأمر، يعني المهديّ، غيبتان: إحداهما: تطول، حتّى يقول بعضهم مات، وبعضهم قُتل، وبعضهم ذهب، ولا يطّلع على موضعه أحدٌ، من وليّ ولا غيره، إلاّ المولى الذي يلي أمره([44]).

وبناءً على هذا تتعالى مسألة المهدويّة في أصلها وأساسها على نطاق المذهبيّة، وتُشكِّل حَدَثاً دينيّاً آمنت به الأمّة الإسلامية جمعاء. وأمّا في ما يخصّ قضاياها الفرعيّة فتوجد حولها بعض الخلافات. ولهذا السبب لم يدُرْ الحديث في الرواية التي نُقلت عن الإمام الحسين× عن الإنكار والشكّ في أصل المهدويّة، بل تمّ الكلام فيها عن وجود خلافات في بعض الأمور الجزئيّة. وبحسب إحدى الروايات يقول× ما مفاده أنّ هذا الإرث وصل إلى المهديّ عن طريق عيسى×.

 

 5 ـ 5ـ السنّة المحمّديّة: تحليل لمعنى ظهور المهديّ بالسيف ــــــ

وفي نهاية الأمر يقول سيّد الشهداء في آخر عبارة من الحديث المزبور: وَأَمَّا [السنّة التي يرثها المهديّ] مِنْ محمّد فَالْخُرُوجُ بِالسَّيْف.

ومن الجدير بالذكر أنّ حادثة خروج المهديّ بالسيف قد ورد ذكرُها في عدّة أحاديث. كما ورد عن الإمام الحسين أنّه قال في موضعٍ آخر: إذا خرج المهديّ لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلاّ السيف. وما يستعجلون بخروج المهديّ، واللهِ، ما لباسه إلاّ الغليظ، ولا طعامه إلاّ الشعير، وما هو إلاّ السيف والموت تحت ظلّ السيف([45]).

وينبغي الإشارةُ في ما يخصّ خروج المهديّ بالسيف إلى عدّة نقاط:

أوّلاً: إنّ الإمام المهديّ ـ بحسب الروايات والأدلّة العقليّة ـ سيظهر مع التوفّر على قدرة تتفوّق وتعلو تماماً على جميع القدرات البشريّة؛ لكي يتمكّن بذلك من تحقيق الأهداف التي كان يصبو إليها رُسُل الله عبر التاريخ، ويضع الإنسان المتمرّد في مسيرة كماله الفطري.

ثانياً: يقول الإمام الحسين في الرواية التي هي مدار بحثنا ما مفاده أنّ السنّة المحمّديّة المتحقّقة في وجود المهديّ هي خروجه بالسيف.

وفي هذا الصدد لا بدّ لنا من الالتفات إلى أنّ القرآن الكريم قد عرّف الرسول الأكرم بهذا الشكل: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ (الفتح: 29). ويقول بعض كبار المفسّرين: وأفادت الجملتان أنّ سيرتهم (الرسول وصحابته) مع الكفّار هي الشدّة، ومع المؤمنين فيما بينهم هي الرحمة([46]). كما ورد أيضاً في سورة التوبة: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة: 128).

وقد تجلّت هذه السيرة والسنّة المحمديّة في وجود ولده الإمام المهديّ، الذي سيُواجه بدوره الظَّلَمة المعاندين بشدّة؛ ولذلك فقد ورد في إحدى الروايات أنّ رجلاً سأل الإمام الحسين×: أَيَسير المهديّ× إذا خرج بخلاف سيرة عليّ×؟ قال×: نعم؛ وذلك أنّ عليّاً× سار باللين والكفّ؛ لأنّه علِم أنّ شيعته سيُظهَر عليهم من بعده، وأنّ المهديّ إذا خرج سار فيهم بالبسط والسبي؛ وذلك أنّه يعلم أنّ شيعته لن يُظهَر عليهم من بعده أبداً([47]).

ثالثاً: ينبغي الالتفات إلى أنّ الإسلام دينُ الرحمة، وأنّ نبيّ الإسلام هو نبيُّ الرحمة؛ ولهذا يقول القرآن: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107).

ففي نفس الوقت الذي يُعدّ فيه الإمام المهديّ مظهراً لاسم القهّار، والفاتح، والحاكم، والرافع، يُعدّ أيضاً مظهراً تامّاً لاسم الرحمن، والرحيم، والحليم، والرؤوف، وغيرها. ولهذا السبب فإنّ الإمام يُعتبر مجلىً للرحمة والمحبّة. وعليه حين تمّت الإشارة في الرواية مدار البحث إلى أنّ المهديّ سيخرج بالسيف ـ الذي يُعدّ سنّة محمديّة ـ فمن المحتمل أن يكون أحد معاني هذا الحديث هو الإشارة إلى أنّه نظراً لكون السيف هو أحدّ وآخر سلاح يستعمله المحارب لمنازلة الأعداء في ساحات الجهاد، وبما أنّ دين محمّد| هو الدين الخاتم، ويُمثّل الحلقة الأخيرة والأكمل في ضمن سلسلة النبوّة، فإنّ مراد الرواية يتعلّق ببيان أنّ المهديّ سيخرج بسلاح الخاتميّة ـ أي السلاح المحمّدي ـ؛ ليتحقّق مضمون الآية: ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً﴾ (النصر: 2) بشكل كامل، ويتجلّى اسم الله تعالى الهادي في العالم أجمع، وذلك تحت ظلّ اسمي (الفاتح) و(الحاكم)، ولينضوي الجميعُ بهدايةٍ من الله تحت لواء التوحيد.

 

6ـ حتميّة ظهور المهديّ ــــــ

من الأمور الأخرى التي تمّ التعرّض لها ضمن كلمات الإمام الحسين× حول المهديّ الموعود هي مسألة حتميّة ظهوره×. يقول الراوي: سمعتُ الإمام الحسين× يقول: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاّ يَوْمٌ وَاحِدٌ، لَطَوَّلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي فَيَمْلأَهَا عَدْلاً وقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وظُلْماً([48]).

وفي موضعٍ آخر، ومن خلال الإشارة إلى أنّ مُحبّي أهل الجور ومُواليهم يُعدّون جزءاً منهم، وسيُكافئهم المهديّ× على سوء أعمالهم، يقول×: أما والله لا تذهب الدنيا حتّى يبعث اللهُ منّي رجلاً يقتل منكم ألفاً، ومع الألف ألفاً، ومع الألف ألفاً. فقيل له: أَفَيَصل هؤلاء (بنو أميّة) إلى زمان ظهور المهديّ، حتّى يُجازيهم على أعمالهم؟ فقال الإمام جواباً عن ذلك: ويحك، في ذلك الزمان يكون الرجل من صُلبه كذا وكذا رجلاً، وإنّ مولى القوم من أنفسهم([49]).

ومن الجدير بالذكر أنّ حتميّة ظهور المهديّ هي من الأمور التي تستمدّ جذورها من القرآن الكريم؛ حيث تعرّضت لذكرها العديد من الآيات الشريفة، ناهيك عن الروايات المستفيضة التي وردت في مصادر الشيعة والسنّة: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ﴾ (النور: 55)، و﴿ولَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾، ويقول الحقّ سبحانه في آية أخرى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص: 5).

وهذا الذي دفع البعض من كبار أهل المعنى إلى القول في ما يخصّ حتميّة خروج المهديّ: اعلم ـ أيَّدنا الله ـ أنّ لله خليفةً يخرج وقد امتلأت الأرضُ جوراً وظلماً، فيملؤها قسطاً وعدلاً، لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يومٌ واحدٌ طوّل اللهُ ذلك اليوم حتّى يلي هذا الخليفة من عترة رسول الله| من وُلد فاطمة([50]).

وعليه فإنّ ظهور المهديّ والمنجي هو من الأمور التي لم يختصّ الاهتمام بها بالنصوص الدينيّة وحدها، بل تعرَّضت لذلك النتاجات الشهوديّة لأهل المعرفة أيضاً. وفي هذا الإطار يقول لسان الغيب الشيرازي ما معناه:

يوسف المفقود سيرجع إلى كنعان، فلا تغتمّ، وبيت الأحزان سيصبح يوماً ما روضة للأزهار، فلا تغتمّ.

أيّها القلب المهموم، سترجع لك عافيتك، فلا تبتئس، وهذا البال المشوّش سيعود له الهدوء، فلا تغتمّ.

إذا ما أمهَلَنا الأجل، أيّها البلبل الغرّيد، فإنّنا سنجلس على أريكة الوصال، مستظلّين بظلّ المحبوب، فلا تغتمّ.

انتبِهْ أيّها القلب، ولا يُصيبنّك اليأس، فأنتَ غير مطّلع على الأسرار الغيبيّة؛ إذ يوجد خلف الستار الكثير من الألعاب الخفيّة والأفعال العجيبة، فلا تغتمّ.

فالله تعالى محوِّل الأحوال، مُطّلع على جميع أحوالنا، وما يُصيبنا في فراق المحبوب، وإصرار الخصم على إيقاعنا في هذ الفراق، فلا تغتمّ([51]).

7ـ علامات ومقدّمات ظهور المهديّ# ــــــ

من المسائل الأخرى المرتبطة بالمهدويّة، والتي لاقت عنايةً فائقة في النصوص الدينيّة، ووردت حولها العديد من الروايات، سواءٌ في المصادر الشيعيّة أم السنّية، هي تلك التي تتحدّث عن علامات ومقدّمات ظهور الإمام المهديّ. ورغم ورود روايات كثيرة في هذا المجال عن النبيّ وأهل بيته^، فإنّنا سنكتفي هنا بالتعرّض للأحاديث التي نُقلت عن الإمام الحسين×، وبما يتناسب وموضوع هذه المقالة. لكنْ قبل كلّ شيء لا بدّ لنا من الإشارة إلى أنّه قد يُطرح علينا سؤال مفاده: إنّه بالنظر إلى وقوع وتحقّق العديد من الأمور التي ذُكرت في الروايات كعلامات على ظهور المهديّ فلماذا إذاً لا يأتي المهديّ ابن فاطمة ليُنقذ العالم؟

وجواباً عن ذلك نقول:

أوّلاً: إنّ المقصود ممّا ورد في الروايات هو بيان أنّ تلك العلامات المذكورة ستتحقّق قبل ظهور المهديّ وخروجه، ولا تعني أبداً أنّ المهديّ الموعود سيظهر مباشرةً بعدها. وبالتالي لا يكون تحقّق تلك العلامات مع عدم ظهور المهديّ دليلاً على بطلان تلك الروايات، كما أنّ صحّة تلك الروايات ووقوع تلك العلامات لا يُعدّ علّة تامّة لظهور المهديّ.

ثانياً: لقد بلغ حجم الأسرار الخفيّة والمكتومة حول ظهور المهديّ حدّاً كبيراً جدّاً، إلى درجة أنّ ما تمّت الإشارة إليه في بعض الروايات قد اقتصر على جانب ضئيل جدّاً. كما أنّ العلم بزمان خروجه× ينحصر بالله تعالى فقط، ولا يملك كلّ مَنْ هو دونه أيَّ اطّلاع على ذلك. ولذلك فقد تمّ النهي بشدّة في الروايات عن توقيت وتحديد زمانٍ لظهور المهديّ.

وسنستعرض الآن بعض الروايات الواردة عن الإمام الحسين× حول مقدّمات خروج المهديّ:

1ـ للمهديّ خمس علامات: السفياني، واليماني، والصيحة من السماء، والخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكيّة([52]).

2ـ إذا رأيتم علامة في السماء، ناراً عظيمة من قبل المشرق، تطلع ليالي، فعندها فرج الناس، وهي قدّام المهديّ×([53]).

3ـ إذا هدم حائط مسجد الكوفة، ممّا يلي دار عبد الله بن مسعود، فعند ذلك زوال ملك القوم، وعند زواله خروج المهديّ([54]).

  1. إنّ قدّام القائم× علامات تكون من الله للمؤمنين، وهي قول الله: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ يعني المؤمنين قبل خروج القائم، ﴿بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ﴾ من ملوك بني العباس في آخر سلطانهم، ﴿وَالْجُوعِ﴾؛ لغلاء أسعارهم، ﴿وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ﴾ فساد التجارات وقلّة الفضل، ﴿وَ ـ نقص من ـ الأَنفُسِ﴾ موت ذريع، ﴿وَ ـ نقص من ـ الثَّمَرَاتِ﴾ قلّة عطاء ما يزرع، ﴿وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ﴾ عند ذلك بتعجيل خروج القائم([55]).

وأمّا النقطة الأساسيّة في هذه المسألة فتكمن في الجواب عن هذا السؤال: مَنْ هو السفياني، الذي عُدّ خروجه في العديد من الروايات جزءاً من الحوادث الحتميّة الواقعة قبل قيام المهديّ الموعود؟ وما هي حقيقته؟ وهل هو في الحقيقة والواقع شخص من الأشخاص، أم أنّه عبارة عن تيّار فكري أو سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو عسكري أو وطني أو قومي؟

وجواباً عن هذا السؤال المهمّ سنقتصر حالياً على ذكر مسألة وردت عن الإمام الحسين× في إحدى الروايات. فحين سُئل الإمام: هل سيبقى من ذريّة بني أميّة أحدٌ عند ظهور المهديّ أجاب× قائلاً: ويحك، في ذلك الزمان يكون الرجل من صلبه كذا وكذا رجلاً، وإنّ مولى القوم من أنفسهم([56]).

وقد تمّت الإشارة في هذه الرواية إلى نقطتين:

أوّلاً: وجود أفراد من صُلب بني أميّة في زمان ظهور المهديّ.

ثانياً: إنّ المحبّين والموالين لأيّ طائفةٍ هم من أفرادها.

والظاهر أنّ الإمام قد صبّ جلّ اهتمامه على العبارة الأخيرة من هذا الحديث؛ إذ يُحتمل ـ بحسب ما ورد في مصادر الشيعة والسنّة، وأُشير إليه أيضاً في هذه الرواية ـ وجود مثل هذا الشخص في ذلك الزمان. لكنْ يبقى أنّ العمدة في ذلك هم الأشخاص الذين يتوافقون مع السفياني من الناحية الفكريّة، والسياسيّة، والعسكريّة، وغير ذلك، ويُساهمون في دعمه وتعزيز قدرته. ولذلك فقد اهتمّ الإمام الحسين× في الرواية المذكورة بقاعدة: «مولى القوم من أنفسهم».

وعليه، وفضلاً عن شخص السفياني، سيكون بروز الفكر السفياني ـ الذي يُمثِّل بشكل مختصر الفكر غير الإلهي والمناهض للقِيَم والإنسانيّة ـ جزءاً من الحوادث الواقعة قبل قيام المهديّ الموعود، والتي ستُصدّ وتُزال بواسطة سيف السلطة المهدويّة.

 

8ـ الإمام المهديّ# والعدل العالمي ــــــ

تُعدّ العدالة من أهمّ القضايا المرتبطة بثورة المهديّ وأكثرها إثارةً. غير أنّ السؤال المحوريّ في هذا المجال هو: هل يقتصر ظهور المصلح العالمي المهديّ الموعود على تحقيق العدالة الاجتماعيّة والرفاه الاقتصاديّ في العالم، أم أنّ هذه العدالة ـ مع أهميّتها القُصوى والحاجة العامّة إليها ـ لا تُمثّل إلاّ قسماً بسيطاً من تلك العدالة التي ستتحقّق من خلال قدومه المبارك؟

من الطبيعي أنّ تقديم جواب جامع وشامل عن هذا السؤال يتطلّب بحثاً واسعاً ومفصّلاً، إلاّ أنّنا سنكتفي بتناوله ـ عرضاً وتحليلاً ـ بشكلٍ مختصر من منظار كلمات الإمام الحسين، بحسب ما تسمح به هذه المقالة، ويتناسب مع موضوعها.

 

نطاق العدالة المهدويّة ــــــ

تُعدّ العدالة بمثابة بيت القصيد في جميع الأقوال والخُطب التي وردت ـ وسترد بعد ذلك ـ حول ثورة المهديّ، بالإضافة إلى أنّه متى ما جرى البحث في الرأي العامّ الإنساني حول انتظار المنجي والمهديّ وتوقّع ظهوره فإنّ أنظار الجميع تتوجّه نحو مسألة العدالة، بالشكل الذي يُنظر فيه إلى ظهور المهديّ بمثابة ظهور للعدالة. وفي الواقع عندما يتمّ الحديث عن مسألة انتظار المهديّ فإنّه يحصل في أذهان عامّة الناس تداعٍ لمعنى العدالة.

وكذلك نجد في الروايات أنّه متى ما ورد الحديث عن ظهور المهديّ فإنّه يتمّ التركيز على عنصر العدالة، والقول بأنّ المهديّ سيظهر من أجل تحقيق العدل والقسط. والمـُلفت للنظر أنّ جميع الروايات ـ سواءٌ التي نُقلت عن الرسول الأكرم أو عن أهل البيت، وخصوصاً الإمام الحسين ـ تعرّضت لذكر العدالة بشكلٍ مطلق، ولم تحصرها في العدالة الاجتماعيّة، والاقتصاديّة، والسياسيّة، والثقافيّة، وأمثال ذلك. وفي هذا الصدد يقول الراوي: دخلتُ على أبي عبد الله الحسين بن عليّ’، فقلتُ له: أنتَ صاحب هذا الأمر؟ قال×: لا. فقلتُ: فولدك؟ قال×: لا. فقلتُ: فولد ولدك؟ قال×: لا. فقلتُ: فمَنْ هو؟ قال×: الذي يملؤها عدلاً كما مُلئت جوراً، على فترةٍ من الأئمّة تأتي، كما أنّ رسول الله| بُعث على فترةٍ من الرسل([57]).

ويقول أيضاً: يخرج رجلٌ من وُلدي فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظُلماً، كذلك سمِعتُ رسولَ الله يقول([58]).

وعليه فإنّ هذه العدالة التي ستبرز في زمان ظهور المهديّ ستكون عالميّة من الناحية الكمّية، وشاملة من الناحية الكيفيّة لجميع شؤون العالم والإنسان. كما ورد في كلام الإمام الخميني: لقد جاء كلّ واحد من الأنبياء بُغية إقامة العدل، غير أنّهم لم يتمكّنوا من ذلك، وحتّى الرسول الخاتم الذي بُعث من أجل إصلاح الناس لم يُوفّق لهذا الأمر. وأمّا الذي سيُقيم العدل في جميع أرجاء العالم فهو المهديّ الموعود. على أنّ هذه العدالة ليست كما يفهم عامّة الناس، والتي تنحصر في تحقيق العدالة في الأرض من أجل رفاه البشر، بل هي عدالة تشمل جميع مراتب الإنسانيّة. فعندما ينحرف الإنسان انحرافاً عمليّاً، روحيّاً أو عقليّاً، فإنّ الرجوع بهذه الانحرافات إلى معناها الأصليّ هو تحقيق العدالة في الإنسان. وإذا أصيبت أخلاقُه بالانحراف، أو عرفت عقائده بعض الانحراف والاعوجاج، فإنّ الرجوع بها إلى حدّ الاعتدال هو العدالة. وعليه فهو (المهديّ الموعود) مكلَّفٌ بإيصال جميع هذه الانحرافات إلى حدّ الاعتدال([59]).

ومن هنا يتبيّن أنّ العدل الذي سيُقيمه المهديّ الموعود واسعٌ جدّاً، بحيث سيشمل جميع شؤون الوجود الإنساني. وسنشير هنا إلى مثالَيْن على ذلك:

 

أـ العدالة الاجتماعيّة والرخاء الاقتصادي ــــــ

إنّ إحدى البركات والآثار المترتّبة على ظهور المصلح الموعود الإمام المهديّ× هي تحقّق العدالة الاجتماعيّة بمعناها الواسع والواقعي، وضمان الرخاء والأمن الاقتصادي؛ حيث أفادت الروايات الواردة عن الرسول الأكرم وأهل بيته^ أنّ العدل سيتجلّى في زمان حكم الإمام المهديّ× في سائر المجالات، وعلى مستوى جميع شؤون العالم، وأنّ البشر سيذوقون طعم الحريّة والأمان والعزّة والنشاط والمحبّة والتعاطف والتعاون والتآزر والرخاء والطمأنينة والآلاف من الرغبات الإنسانيّة الأخرى، وأنّ العالم سيكون تحت إدارة ولاية وسلطة الحكومة الإسلاميّة، بحيث إنّ السلطة الإلهيّة القهّارة ستوقف المتجبّرين وعُبّاد الأموال عند حدّهم، وستبلغ هذه البركات السماويّة والأرضيّة حدّاً بحيث لن يبقى أيُّ جائع في العالم. كما جاء عن سيّد الشهداء أنّه قال: تواصوا وتبارّوا، فوَالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لَيأتينّ عليكم وقتٌ لا يجد أحدُكم لديناره ولا لدرهمه موضعاً([60]).

وقد وردت في كلمات بقيّة الأئمّة، بل حتّى في مطاوي المؤلَّفات العرفانيّة لأهل المعرفة، العديدُ من المسائل حول البركات ووفرة النعم الإلهيّة في زمان حكم الإمام المهديّ، ومن جملة ذلك قول أمير المؤمنين×: «تُخرج الأرضُ أفاليذ كبدها [المعادن]، وتُلقي إليه سلماً مقاليدها»([61]).

كما ورد أيضاً في كلام أهل المعنى، حول تحقّق العدالة الاجتماعيّة والازدهار الاقتصاديّ في زمان حكومة المهديّ: ومن أشراط الساعة خروج المهديّ×، وأن يعدل أربعين سنة في الأنام، وأن تكون أيّامُه خضراء، ولياليه زهراء، يخصب فيها الزرع، ويكثر فيها درّ الضرع، ويكون الناس في أمانٍ، مشتغلين بعبادة الرحمن([62]).

وجاء في كلام آخر عن أحد كبار أهل المعرفة: اعلم ـ أيَّدنا الله ـ أنّ لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرضُ جوراً وظلماً، فيملؤها قسطاً وعدلاً… يقسّم المال بالسويّة، ويعدل في الرعيّة، ويفصل في القضيّة [أي إنّه سيُظهر العدل في المجتمع، ويحقّق العدالة الاقتصاديّة]، يأتيه الرجل فيقول له: يا مهديّ، أعطِني، وبين يديه المال، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله([63]).‏

وفي هذا الصدد أيضاً يقول آخر من أرباب القلوب: إنّ صاحب الزمان الذي يمتلك العلم بالكمال سيضمّ جميع مَنْ في الأرض تحت حكمه، ويزيّنهم بالعدل، وسيقتلع الكفر والظلم من وجه الأرض دفعةً واحدةً، وستُخرج له الأرض جميع كنوزها([64]).

ومن خلال كلّ ما ذكرنا يتبيّن أنّ العدالة الاجتماعيّة والرخاء الاقتصادي يعدّان من أفضل نتائج وثمار ثورة الإمام المهديّ العالميّة، التي تمّ الاعتناء بها في كلمات الإمام الحسين وبقيّة الروايات، وكذلك في كلمات أهل المعرفة؛ إذ إنّ العدالة الاجتماعيّة، وضمان الراحة، والحريّة، والأمن، وأمثال ذلك، هي من الأمور الأساسيّة والجوهريّة التي تمتدّ جذورها في قلب تاريخ حياة الإنسان على الأرض، بحيث إنّ العديد من النهضات قد تبلورت عبر التاريخ من أجل تحقيقها والوصول إليها. كما أنّها تُشكّل الأمل الدائم للصالحين. وفي هذا الصدد تُعدّ مسألة تحقيق العدالة وضمان الحقوق الاجتماعيّة للإنسان من الأهداف الرئيسة لبعثة الأنبياء، حتّى أنّ العديد من السفراء الإلهيّين الكبار ضحَّوْا بأنفسهم في هذا الطريق، إلى أن يتحقّق في الأخير هذا الأمر العظيم بشكلٍ تامّ وكامل مع ظهور ذخيرة عالم الوجود، المهديّ الموعود، ويذوق البشر بذلك حلاوة طعم العدالة على كافّة الأصعدة، وفي جميع المستويات.

 

ب ـ إحياء المعارف الدينيّة، وإصلاح الثقافة السائدة ــــــ

وكما تقدمت الإشارة فإنّ الفهم السائد لتحقّق العدالة في زمان ظهور المصلح الموعود يكمن عادةً في العدالة الاجتماعيّة، وإصلاح الأمور الاقتصاديّة، والتوزيع العادل للثروات العموميّة. لكنّ حقيقة الأمر أنّ العدالة والإصلاح سيطالان ـ مع ظهور ذلك المصلح ـ جميع الشؤون والمجالات، وسيُصلَح فكر الإنسان وسلوكه بشكلٍ كامل، وتُهذّب عقول الناس في كلا البُعْدَيْن: العلمي؛ والعملي. وبيان ذلك: إنّه؛ وبسبب ابتعاد البشر عن معارف الوحي ـ التي هي بمثابة مائدة سماويّة كبيرة، وماء المعرفة العذب الزلال ـ، فإنّ جميع قواهم الإدراكيّة والمحرّكة قد أُصيبت بالجهل العلميّ، والانحراف العمليّ، وغرقت في مستنقع الإفراط والتفريط، بحيث إنّها بدأت مع مرور الأيّام تقترب شيئاً فشيئاً من حافة الانحدار الأخلاقي، والفكري، والثقافي، والاعتقادي. وفي هذا الصدد سعت المدارس الغربيّة الحديثة، من خلال إيجاد فوضى فكريّة وثقافيّة ومذهبيّة، إلى إحداث الاضطراب في ميدان الأخلاق والمعنويّات، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فقد أدّت بعض العوامل المنتشرة في وسط العالم الإسلامي ـ من قبيل: الابتعاد عن ولاية أهل البيت^، وهُجران الأحكام والمعارف القرآنيّة، وانتشار الأفكار ذات النزعة القوميّة المتطرّفة والمتشدّدة ـ إلى احتراق الأمّة الإسلاميّة بنار النفاق، والحرمان، والفقر الفكري والثقافي والاقتصادي، والاستلاب الفكري، وتصاعد الفساد الأخلاقي والاجتماعي والسياسي، والآلاف من الكوارث الخطيرة الأخرى. فجميع هذه المشاكل، التي تستمدّ جذورها من ابتعاد الإنسان عن المعارف السماويّة والحقائق المستلهمة من الوحي الإلهي، سيتمّ تذليلها عند ظهور المصلح العالمي ومحيي الإسلام المهديّ الموعود؛ إذ إنّه خيرٌ مطلق، سيوصل العالم إلى الخير والفلاح، ويُصلح الزمان والمكان، ويُعمّرهما، ويُحكّم المعارف الدينيّة الإلهيّة على كافّة شؤون البشر الوجوديّة؛ لكي يتمّ بذلك إصلاح الثقافة العالميّة، وتتحقّق العدالة الثقافيّة في العالم. ومن الجدير بالذكر أنّ كلّ ما تمّ التطرّق له في كلا البُعْدَيْن: الإيجابي؛ والسلبي، الآلام والأحزان؛ والأماني والآمال، قد تمّ عرضه وبيانه بشكلٍ مفصّل في الروايات الواردة عن النبيّ الأكرم وأهل البيت^. غير أنّنا سنكتفي هنا بالإشارة إلى عيّنةٍ من بعض الروايات الصادرة عن الإمام الحسين×:

1ـ منا اثنا عشر مهديّاً، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الإمام القائم بالحقّ، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحقّ على الدين كلّه، ولو كره المشركون. له غيبةٌ يرتدّ فيها أقوام، ويثبت فيها على الدين آخرون، فيؤذَوْن، ويقال لهم: متى هذا الوعد إنْ كنتم صادقين. أما إنّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله|([65]).

2ـ لا يَكونُ الأمرُ الذي تَنتَظرونَه حتّى يَبرَأَ بعضُكم مِن بعضٍ، ويَثفلُ بعضُكم في وُجوهِ بعضٍ، ويَشهَدُ بعضُكُم على بعضٍ بِالكُفر، ويَلعَنُ بعضُكم بعضاً، فقيل له: ما في ذَلِك الزمانِ مِن خيرٍ، فَقالَ الحسينُ×: الخيرُ كُلُّه في ذلِك الزمانِ، يَقومُ قائِمُنا، ويَدفَعُ ذَلِك كُلَّه([66]).

3ـ التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحقّ، المظهر للدين، والباسط للعدل، قال الحسين: فقلتُ له: يا أمير المؤمنين، وإنّ ذلك لكائن؟ فقال×: إي والذي بعث محمداً| بالنبوّة، واصطفاه على جميع البريّة، ولكن بعد غَيْبة وحَيْرة، فلا يثبت فيها على دينه إلاّ المخلصون المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ الله عزَّ وجلَّ ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان، وأيَّدهم بروحٍ منه([67]).

ولبيان مفاد هذه الروايات ينبغي علينا الإشارة إلى أنّ كبار الحكماء والمفكِّرين يعتقدون بأنّ الإنسان منذ أن وُجد على ظهر البسيطة كان يهدف دائماً إلى حياة اجتماعيّة مقرونة بالسعادة ـ بمعناها الواقعي ـ، وبما أنّ هذه الأمنيّة عامّة وجماعيّة فإنّها ستتحقّق في الواقع والخارج، وإلاّ لما كان لها أيّ دور في طبيعة عامّة البشر، كما أنّه لو لم يكن هناك ماء فلا معنى لوجود العطش. ومن هنا؛ وبحكم الضرورة، فإنّ مستقبل العالم سيكشف عن يومٍ يُهيمن فيه العدل والقسط على المجتمع البشري، بحيث يتعايش أعضاؤه في صلح وصفاء، وتتحقّق العدالة في كافّة شؤون الإنسان الوجوديّة، وتسود الفضيلة والكمال جميعَ الناس. لكنْ علينا الالتفات إلى مسألتين:

أوّلاً: إنّ إنجاز هذا الأمر سيكون بيد الإنسان نفسه، والقائد لمثل هذا المجتمع سيكون منجي العالم البشري، والذي يُطلق عليه اسم المهديّ([68]).

ثانياً: لا يُمكن تحقّق هذه الأمنية إلاّ في ظلّ تطبيق أحكام الدين، وإحياء معارف الوحي. ولهذا فقد تمّ التأكيد في الروايات المتقدّمة، وبقيّة النصوص الدينيّة، على إحياء معارف الوحي بصفتها تُمثّل أهمّ ثمرة من ثمار ثورة المهديّ. وكما قال أمير المؤمنين في نهج البلاغة: «يُحيي ميت الكتاب والسنّة»([69]).

ويقول كذلك بعض كبار أهل الشهود: يُقيم الدين، ينفخ الروح في الإسلام، يُعزّ الإسلام به بعد ذلّه، ويحيا بعد موته… يُظهر من الدين حقيقَتَه، ما لو كان رسول الله| لَحَكم به، يرفع المذاهب من الأرض، فلا يبقى إلاّ الدين الخالص([70]).

كما جاء في موضعٍ آخر من كلام هذا الجليل: وإذا خرج هذا الإمام المهديّ فليس له عدوٌّ مبين، إلاّ الفقهاء خاصّة، فإنّهم لا تبقى لهم رياسةٌ، ولا تمييز عن العامّة، ولا يبقى لهم علمٌ بحكمٍ، إلاّ قليل. ويرتفع الخلاف من العالم في الأحكام بوجود هذا الإمام. ولولا أنّ السيف بيد المهديّ لأفتى الفقهاء بقتله، ولكنّ الله يظهره بالسيف والكرم، فيطمعون ويخافون، فيقبلون حكمه من غير إيمان، بل يضمرون خلافه([71]).

وأخيراً نبتهل مع جميع عشّاق ومنتظري المهديّ بصوتٍ واحد: اللهمّ إنّا نشكو إليك فقدَ نبيّنا، وغيبة وليّنا، وكثرة عدوّنا، وقلّة عددنا، وشدّة الفِتَن بنا، وتظاهر الزمان علينا، فصلّ على محمّد وآله، وأعِنّا على ذلك بفتحٍ منك تُعجّله، وبضُرّ تكشفه، ونصر تُعزّه، وسلطان حقّ تُظهره([72]).

 

الهوامش

(*) باحثٌ وأستاذ في الحوزة العلمية، ومن المختصّين بالدراسات العرفانيّة والأخلاقيّة، له مجموعةٌ من الكتب والمقالات، من أفغانستان.

([1]) جوادي الآملي، تفسير تسنيم 3: 138.

([2]) نهج البلاغة، الحكمة 147.

([3]) الكفعمي، المصباح: 88.

([4]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 3: 165، 168.

([5]) الحُرّ العاملي، إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات 6: 397.

([6]) يوسف بن يحيى المقدسي، عقد الدرر في أخبار المنتظر: 134، الباب 6.

([7]) الشيخ محمد بن علي الصبّان، إسعاف الراغبين في سير المصطفى وفضائل أهل بيته: 149. هذا الكتاب مطبوع في حاشية نور الأبصار، تأليف: الشيخ مؤمن الشبلنجي.

([8]) أحمد بن حجر المكّي، الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع والزندقة: 167، الباب 11، الفصل 1.

([9]) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات 2: 556، الباب 9، الفصل 27، ح573.

([10]) فرهنگ جامع سخنان إمام حسين (موسوعة كلمات الإمام الحسين×): 732.

([11]) عليّ بن محمد بن عليّ الخزّاز القمّي، كفاية الأثر: 230.

([12]) صدر الدين الصدر، المهديّ: 67.

([13]) عقد الدرر في أخبار المنتظر، الباب 9، الفصل 3: 217.

([14]) الصدر، المهديّ: 66.

([15]) الصواعق المحرقة: 167، الباب 11، الفصل 1.

([16]) عبد الوهّاب الشعراني، اليواقيت والجواهر 2: 422، المبحث 65.

([17]) سليمان القندوزي، ينابيع المودّة 3: 165، الباب 94.

([18]) عقد الدرر في أخبار المنتظر: 24، الباب الأوّل.

وردت هذه الرواية في «عقد الدرر» بهذا الشكل: عن حذيفة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله|، فذكّرنا رسول الله| بما هو كائن، ثمّ قال: «لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يومٌ واحد لطول الله عزَّ وجلَّ ذلك اليوم، حتّى يبعث فيه رجلاً من ولدي، اسمه اسمي»، فقام سلمان الفارسي رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، من أيّ وُلدك؟ قال: «هو من وَلَدي هذا»، وضرب بيده على الحسين×. [المترجم].

([19]) فرهنگ جامع سخنان إمام حسين× (موسوعة كلمات الإمام الحسين×): 733.

([20]) محمد بن إبراهيم النعماني، الغيبة: 245، الباب 13، ح46.

([21]) نهج البلاغة، الحكمة 147.

([22]) النعماني، الغيبة، الباب 13: 214.

وقد ورد النصّ الأصل للرواية كما يلي: جاء رجلٌ إلى أمير المؤمنين×، فقال له: يا أمير المؤمنين، نبّئنا بمهديِّكم هذا؟ فقال: إذا درج الدارجون، وقلّ المؤمنون، وذهب المجلبون، هناك هناك. فقال: يا أمير المؤمنين، ممَّنْ الرجل؟ فقال: من بني هاشم، من ذروة طود العرب، وبحر مغيضها إذا وردت، ومخفر أهلها إذا أتيت، ومعدن صفوتها إذا اكتدرت، ولا يجبن إذا المنايا هلعت، ولا يخور إذا المنون اكتنعت، ولا ينكل إذا الكماة اصطرعت، مشمر مغلولب، ظفر ضرغامة، حصد مخدش ذكر، سيف من سيوف الله، رأس قثم، نشؤر أسهف، يباذخ السؤدد، وغارز مجده في أكرم المحتد، فلا يصرفنّك عن بيعته صارف عارض، ينوص إلى الفتنة كلّ مناص، إنْ قال فشرّ قائل، وإنْ سكت فذو دعائر. ثمّ رجع إلى صفة المهديّ×، فقال: أوسعكم كهفاً، وأكثركم علماً، وأوصلكم رحماً، اللهمّ فاجعل بعثه… [المترجم].

([23]) الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة 1: 62، الباب 35.

وقد وردت هذه الرواية في النصّ الأصلي بهذا الشكل: عَنْ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ صَالِحٍ الْهَرَوِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ دِعْبِلَ بْنَ عَلِيٍّ الْخُزَاعِيَّ يَقُولُ: أَنْشَدْتُ مَوْلايَ الرِّضَا عَلِيَّ بْنَ مُوسَى× قَصِيدَتِيَ الَّتِي أَوَّلُهَا:

مَدَارِسُ آيَاتٍ خَلَتْ مِنْ تِـلاوَةٍ *** ومَنْزِلُ وَحْيٍ مُقْفِـرُ الْعَرَصَـاتِ

فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى قَوْلِي:

خُرُوجُ إِمَـامٍ لا مَحَـالَةَ خَارِجٌ *** يَقُومُ عَلَى اسْـمِ اللَّهِ والْبَرَكَـاتِ

يُمَيِّزُ فِينَا كُـلَّ حَـقٍّ وبَـاطِـلٍ *** ويُجْزِي عَلَى النَّعْمَاءِ والنَّقِمَـاتِ

بَكَى الرِّضَا× بُكَاءً شَدِيداً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ فَقَالَ لِي: يَا خُزَاعِيُّ، نَطَقَ رُوحُ الْقُدُسِ عَلَى لِسَانِكَ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ، فَهَلْ تَدْرِي مَنْ هَذَا الإِمَامُ؟ ومَتَى يَقُومُ؟ فَقُلْتُ: لا يَا مَوْلايَ، إِلاّ أَنِّي سَمِعْتُ بِخُرُوجِ إِمَامٍ مِنْكُمْ يُطَهِّرُ الأَرْضَ مِنَ الْفَسَادِ، ويَمْلَؤُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً. فَقَالَ: يَا دِعْبِلُ الإِمَامُ بَعْدِي محمد ابْنِي، وبَعْدَ محمد ابْنُهُ عَلِيٌّ، وبَعْدَ عَلِيٍّ ابْنُهُ الْحَسَنُ، وبَعْدَ الْحَسَنِ ابْنُهُ الْحُجَّةُ الْقَائِمُ، الْمُنْتَظَرُ فِي غَيْبَتِهِ، الْمُطَاعُ فِي ظُهُورِهِ. [المترجم].

([24]) محسن الفيض الكاشاني، علم اليقين 2: 793، الباب 16، الفصل 4 (نقلاً عن: كمال الدين وتمام النعمة).

([25]) محمد باقر الصدر، رسالة (بحث حول المهديّ): 38.

([26]) مفاتيح الجنان، دعاء العديلة.

([27]) الميزان 7: 215.

([28]) فرهنگ جامع سخنان إمام حسين× (موسوعة كلمات الإمام الحسين×): 742.

([29]) أبو طالب تجليل التبريزي، تنـزيه الشيعة الاثني عشريّة 2: 555.

([30]) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات 7: 139، الفصل 44، ح681.

([31]) كمال الدين وتمام النعمة: 317، الباب 30.

([32]) الطوسي، الغَيْبة: 199؛ المرتضى، كلمات المحقّقين: 32.

([33]) محيي الدين ابن عربي، الفتوحات المكّية 3: 336، الباب 366.

([34]) نهج البلاغة، الخطبة 4.

([35]) حيدر الآملي، نصّ النصوص في شرح الفصوص 1: 254، القسم 2.

([36]) صدر المتألّهين، شرح أصول الكافي: 467، كتاب الحجّة، باب أنّه لو لم يكن في الأرض إلاّ رجلان لكان أحدهما الحجّة.

([37]) كمال الدين وتمام النعمة 2: 231، الباب 44.

([38]) القصص: 20؛ النمل: 10.

([39]) نهج البلاغة، الرسالتان: 45، 62، والخطبة 5.

([40]) ابن سينا، الإشارات والتنبيهات 3: 393، الفصل 44.

([41]) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات 7: 215.

([42]) الطباطبائي، الشيعة في الإسلام: 152.

([43]) الطباطبائي، الميزان 14: 49.

([44]) عقد الدرر في أخبار المنتظر: 228.

([45]) المصدر نفسه.

([46]) الطباطبائي، الميزان 18: 299.

([47]) فرهنگ جامع سخنان إمام حسين× (موسوعة كلمات الإمام الحسين×): 740.

([48]) كمال الدين وتمام النعمة 1: 584، الباب 30، ح4.

([49]) فرهنگ جامع سخنان إمام حسين× (موسوعة كلمات الإمام الحسين×): 743.

([50]) الفتوحات المكّية 3: 327، الباب 366.

([51]) ديوان حافظ الشيرازي: 171.

([52]) عقد الدرر في أخبار المنتظر: 111، الباب 4، الفصل 3.

([53]) المصدر السابق: 106.

([54]) المصدر السابق: 51، الباب 4، الفصل 1.

([55]) قطب الدين الراوندي، الخرائج والجرائح 3: 1153.

([56]) الطوسي، الغَيْبة: 116.

([57]) عقد الدرر في أخبار المنتظر: 159.

([58]) بحار الأنوار 51: 133، الباب 3، ح5.

([59]) الخميني، صحيفة النور 12: 208.

([60]) عقد الدرر في أخبار المنتظر: 171.

([61]) نهج البلاغة، الخطبة 138.

([62]) عبد الكريم الجيلاني، الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل 2: 84، الباب 61.

([63]) الفتوحات المكّية 3: 327، الباب 366.

([64]) عزيز الدين النسفي، الإنسان الكامل (رسالة النبوّة والولاية): 320، الفصل 6.

([65]) كمال الدين وتمام النعمة: 317، الباب 30، ح3.

([66]) محمد بن إبراهيم النعماني، الغَيْبة: 205.

([67]) كمال الدين وتمام النعمة: 304، الباب 26، ح16.

([68]) الطباطبائي، شيعه در إسلام (الشيعة في الإسلام): 150.

([69]) نهج البلاغة، الخطبة 128.

([70]) الفتوحات المكّية 3: 327، الباب 366.

([71]) المصدر السابق: 336.

([72]) مفاتيح الجنان: 235، دعاء الافتتاح.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً