أحدث المقالات

ص. ن(*)

ترجمة: حسن علي حسن

 

مقدّمة

إنّ مسألة الطهارة والنجاسة تدخل في الحياة اليومية لكلّ مسلم، وتترتَّب عليها مجموعة من الأحكام. فالمسلم يتعاطى يومياً مع طهارة بدنه وثيابه في الصلاة، وطهارة الأطعمة والأشربة، وطهارة ماء الوضوء والغسل، وطهارة الماء الذي يراد منه تطهير البدن والثوب وغيرهما من النجاسة. وكذلك المنع من نجاسة هذه الأمور المذكورة آنفاً.

من هنا يجب على مَنْ يسعى إلى استنباط أحكام الطهارات والنجاسات من الأدلة الفقهية والاجتهادية أن يحدِّد مفهوم الطهارة والنجاسة في القرآن الكريم والسنّة المطهّرة. وعليه أن يثبت هل الطهارة والنجاسة في مصادر التشريع الإسلامي يراد منها نفس معناها اللغوي والعرفي، أم أنها من المفاهيم المنقولة في الشرع، وأنّ الشارع قد استعملها في معانٍ جديدة خاصة؟

إنّ المعنى اللغوي للطهارة هو التنزُّه. كما أنّ المعنى اللغوي للنجاسة هو القذارة([1])، التي لها تحقق خارجي وتكويني. فهل المراد في القرآن الكريم والسنة الشريفة بلفظ الطهارة والنجاسة هو ذات المعنى اللغوي أم لا؟ على مَنْ يريد ممارسة الاجتهاد أن يعمل أوّلاً على تنقيح هذه المسألة؛ وذلك لوجود الاختلاف بين الفقهاء بشأنها كما يلي:

هناك مَنْ ذهب إلى القول: إنّ الطهارة والنجاسة لم تُستعملا في القرآن والسنّة في معناهما اللغوي، بل استعملتا في معنىً اعتباري واصطلاحي، لا وجود له إلاّ في عالم الاعتبار، دون التكوين والحقيقة الخارجية. مثلاً: إذا تنجَّس سطح زجاجة بالدم، وغسلناه بماء الملح يبقى الزجاج نجساً؛ إذ لا يصحّ تطهير النجاسة بسائلٍ غير الماء المطلق. فليس هناك لنجاسة الزجاجة واقعية تكوينية وخارجية، بمعنى أنه لا وجود تكوينيّاً للدم على الزجاجة، وليس هناك من قَذَر خارجي بعد غسله بماء الملح، ولا بأس باستعماله من الناحية الصحّية، ومع ذلك يصرّ الشارع على بقائه على النجاسة، فلو أمسكت بالزجاجة وكانت يدك نديّة فسوف تتنجَّس. وأما إذا غسلت الزجاجة بالماء فسوف تطهر. وعليه ليس هناك لأيٍّ من الطهارة والنجاسة واقعية خارجية وتكوينية، وإنما هي موجودة في عالم الاعتبار فقط. فالشارع هنا هو الذي يعتبر النجاسة إذا تمّ الغسل بماء الملح، وهو الذي يعتبر الطهارة إذا تمّ الغسل بالماء المطلق. هذا رأيٌ.

وبناءً على هذا الرأي إذا قلنا: إنّ بول الإنسان نجس لا يعني ذلك أنّ لقذارته واقعية خارجية، بل يعني أنّ الشارع هو الذي اعتبر نجاسته وقذارته. من هنا يقول صاحب هذا الرأي: إنّ الطهارة والنجاسة من الأحكام الوضعية، أي إنها أحكام تكون بوضعٍ من قبل الواضع، واعتبارٍ من قبل المعتبر، فهي أحكامٌ قائمة بالوضع والاعتبار.

وقال آخرون: إنّ الطهارة والنجاسة مستعملتان في القرآن الكريم والسنّة الشريفة في معناهما اللغوي، ولكنّ الشارع يعمد أحياناً إلى تخطئة العرف في تحديد المصداق. فمثلاً: في المثال المذكور آنفاً يقول العرف: إنّ الزجاج الذي لاقى الدم إذا غسل بماء الملح يكون نظيفاً، ويغدو طاهراً، ولكن الشارع يقول: لا يزال الزجاج نجساً، ولكنّ العرف لا يدرك ذلك. وهذا يعني أنّ نجاسة وقذارة الزجاج بعد غسله بماء الملح لا تزال لها واقعية تكوينية وخارجية، ولكنّنا لا نراها، ولا يمكن للناس أن يدركوها.

وهناك رأيٌ ثالث يقول: إنّ الطهارة والنجاسة في القرآن والسنّة مستعملتان في معناهما اللغوي. فالنجاسة تعني القذارة، والطهارة تعني النزاهة. وكلما كان هناك قذر فهو محسوسٌ وملموس، وله واقعية خارجية وتكوينية، كالدم على الزجاج. وعندما تزول هذه القذارة تتحقَّق الطهارة؛ لأنّ الطهارة تعني النزاهة، والنزاهة تعني عدم القذارة، التي هي بدورها أمرٌ محسوس. وعليه فإنّ الدم الواقع على الزجاجة يطهر بغسله بماء الملح، لأنّ الطهارة تعني زوال النجاسة القذارة.

وهذا الرأي هو المنقول عن الشيخ المفيد والسيد المرتضى. فقد نقل عنهما الشيخ النجفي صاحب الجواهر أنهما قالا: «مذهبنا جواز تطهير الأشياء بغير الماء من السوائل والمائعات». وقال الشيخ المفيد: «إنّ هذا هو المرويّ عن الأئمة^»([2]). وقال السيد المرتضى في معرض الاستدلال على ذلك: «تطهر الثياب المتنجّسة بغسلها بغير الماء؛ لأنّ الطهارة ليست سوى زوال النجاسة، وليس في الأدلة العقلية ما يمنع من استعمال المائعات في الإزالة، ولا ما يوجبها. ونحن نعلم أنه لا فرق بين الماء والخلّ في الإزالة، بل ربما كان غير الماء أبلغ، فحكمنا حينئذٍ بدليل العقل»([3]).

يفهم من كلام السيد المرتضى أنّ للطهارة والنجاسة ـ من وجهة نظره ـ واقعية تكوينية وخارجية، وليست أمراً اعتبارياً ووضعياً. وإننا إذا غسلنا الزجاجة الملاقية للدم بماء الملح ستطهر. وإنّ ماء الملح من السوائل التي يقول السيد المرتضى بأنها أفضل من الماء في إزالة النجاسة. وعليه فإنّ النجاسة في رأيه مستعملةٌ في معناها اللغوي، أي القذارة، وإنّ الطهارة تعني النزاهة.

وقد تمسّّك السيد المرتضى لرأيه برواية غياث بن إبراهيم، عن الإمام الصادق×، أنه قال([4]):«لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق»([5]). وكذلك برواية الحكم بن حكيم الصيرفي، أنه سأل الإمام الصادق×: «أَبُول فلا أصيب الماء، وقد أصاب يدي شيءٌ من البول، فأمسحه بالحائط وبالتراب، ثم تعرق يدي، فأمسح وجهي أو بعض جسدي، أو يصيب ثوبي؟ فقال: لا بأس به»([6]).

يتّضح من استدلال السيد المرتضى وتمسُّكه بهاتين الروايتين أنّ النجاسة واقعية تكوينية وخارجية، وهي نفس الدم والبول، وأنّ الدم عندما يزول بالريق، وعندما يزول البول بالتراب أو الجدار، لا تبقى هناك نجاسةٌ. وعندما تزول النجاسة تحصل الطهارة؛ لأنّ الطهارة تعني زوال النجاسة. وعليه فإنّ الطهارة والنجاسة ـ كما قال بعضٌ ـ ليست اعتبارية أو وضعية، بل هي تكوينية وخارجية. وكذلك كما قال بعضٌ آخر فإنّ الشارع هنا لم يخطِّئ العرف؛ لأنّ العرف يرى ويقول: إن الدم يزول بالريق، والبول يزول بالتراب أو الجدار. وإن الشارع طبقاً لهاتين الروايتين قد صوّب العرف ولم يخطِّئه. وعليه من البديهي أن يطهِّر ماء الملح الدم من الزجاج، فيطهر الزجاج. ولو زرق المريض بإبرة فخرج الدم من الموضع، ثم زال الدم بالقطنة المنقوعة بسائل التعقيم أو اللعاب، سيطهر موضع الإبرة.

وعلى هذا المبنى تكون الطهارة بمعنى النظافة والنزاهة. وإنّ نظافة الزجاج بماء الملح، ونظافة موضع الإبرة بالتعقيم أو الريق، أمرٌ محسوس وملحوظ. إذن فالقول بأنّ الزجاج الملاقي للدم إذا غسل بماء الملح فإنه سيغدو نظيفاً، ولكنه لا يكون طاهراً، ليس صحيحاً. وإنّ الطهارة بمعنى النظافة، وإنّ الطهارة والنظافة بمعنىً واحد.

إذا قبلنا ذلك ستكون طهارة أبدان الحيوانات بزوال عين النجاسة طِبْق القاعدة، وليست استثناءً. فلو أنّ سنّوراً أكل فأرةً ميتة، وتلطّخ فكّاه بالدماء، ثم لعق هذه الدماء بلسانه حتّى زالت، تقوم فتوى الفقهاء على طهارته. فلو غمس فمه بعد ذلك في وعاء ماءٍ لن ينجس الماء. وطبقاً للرأي المذكور ستكون طهارة فم السنّور وعدم تنجّس الماء مطابقاً للقاعدة، وليس تعبُّداً واستثناءً. ومقتضى ذلك أنّ شفة الإنسان إذا تشقَّقت وخرج منها الدم، فأزاله بلسانه، ستطهر شفته، ولن تكون هناك حاجةٌ لغسلها بالماء.

فعلى الذي يروم الاجتهاد في الطهارة والنجاسة قبل كلِّ شيء أن يحدِّد معنى الطهارة والنجاسة الواردتين في القرآن الكريم والسنّة الشريفة من طريق الاجتهاد، ويطمئنّ إلى صحّة واحدٍ من الآراء الثلاثة المتقدِّمة، ثم يعمد إلى بحث مسائل الطهارة والنجاسة وفق المبنى الذي يذهب إليه، مع الالتفات إلى الأدلّة الاجتهادية.

 

مسألةٌ

لا بُدَّ هنا من الالتفات إلى أنّ القائلين باعتبارية الطهارة والنجاسة لا يدّعون أنّ الشارع قد صرّح في موضعٍ بعينه باعتبارية الطهارة والنجاسة، وإنما يتوصّل إلى ذلك من خلال الرؤية الخاصة لبعض الروايات التي تحكي عن هذا المعنى. مثلاً: جاء في الحديث: «إذا دخل الجنب البئر نزح منها سبع دلاء»([7]). وقد فهم بعض الفقهاء ـ كالشهيد الثاني ـ من هذا الحديث أنّ الأمر بنزح سبع دلاء من البئر لأنّ ماء البئر ينجس باغتسال الجنب فيه، حتّى وإن كان بدنه طاهراً. ومن هنا إذا اغتسل في البئر ارتماساً تحصل له طهارةٌ من الحدث، ولكنّه بعد تمام الغسل يكون قد تنجس بسبب ملاقاة ماء البئر([8]). ومراد الشهيد الثاني أنّ نفس عملية الاغتسال تنجِّس ماء البئر، وليس نجاسة بدن الجنب.

إنّ الفقيه الذي يفهم هذا الشيء من الرواية المذكورة، طبقاً لفهمه هذا، مضطرٌ إلى القول بأنّ الشارع بعد إكمال الغسل من الجنابة يعتبر النجاسة لماء البئر، وإنّ هذه النجاسة ليس لها واقعية تكوينية؛ وذلك لأنّ ماء البئر لا يطرأ عليه تغيّر محسوس ونجاسة ملحوظة باغتسال الجنب الذي يكون بدنه طاهراً، حتّى يُقال: إنّ لنجاسته واقعية تكوينية. إذن لا بُدَّ أن تكون هذه النجاسة اعتبارية ووضعية. وإذا سُئل: كيف يمكن لبدن الجنب إذا كان طاهراً أن ينجِّس ماء البئر؟ كان الجواب: إنّ الشارع قد اعتبر نفس عملية اغتسال الجنب سبباً لتنجُّس ماء البئر، رغم كون بدن المغتسل طاهراً. وهذا تعبّد وحكم وضعي واعتباري، لا نعرف حكمته.

وبذلك نرى كيف يتوصَّل الفقيه؛ طبقاً لفهمه من الرواية، إلى اعتبارية الشارع للطهارة والنجاسة، في حين أنّ الشارع لم يصرِّح في الكتاب والسنّة باعتبار ذلك.

ولكنْ في ذات المسألة نجد فقيهاً آخر أدقّ من الناحية الفكرية، وملتفتاً إلى ملاكات الأحكام، يفهم من الحديث المذكور أنّ الجنب عندما يرتمس في ماء البئر سيلوِّثه بقَذَر وعرق جسده قليلاً، ومن هنا؛ ورعايةً للنظافة والصحة، نجد الحديث يأمرنا بنزح سبع دلاء منه؛ ليحل محلّه بنفس المقدار ماءٌ جديد؛ ليزول ذلك القذر أو يُستهلك. إنّ مثل هذا الفقيه لا يجد نفسه مضطرّاً إلى القول: إنّ ماء البئر ينجس باغتسال الجنب رغم طهارة بدنه، وإنّ هذه النجاسة اعتبارية. وإنما يقول: إنّ ماء البئر لا ينجس باغتسال الجنب، لا بسبب ملاقاة بدن الجنب، ولا بسبب الاغتسال بمعناه المصدري.

وبهذا نجد أنّ فقيهاً في نظرته إلى المسائل الفقهية يجتهد تعبُّداً وبشكلٍ مغلق، في حين نجد فقيهاً آخر يجتهد في بحث المسائل الفقهية بشكلٍ منفتح وأسلوب ثاقب. وسوف نتناول في البحث التالي بعض موارد هذين النوعين من الاجتهاد:

 

الاجتهاد المفتوح، والاجتهاد المغلق

هناك في ما يتعلق بمسائل الطهارة والنجاسة نوعان من الاجتهاد، وهما: الاجتهاد المغلق؛ والاجتهاد المفتوح. إنّ الاجتهاد المغلق هو ذلك الاجتهاد الذي لا ينظر فيه إلى ملاك الحكم، وإنما يقتصر فيه على العمل بالتعبُّد البحت. وبعكسه الاجتهاد المفتوح، فهو الذي ينظر فيه إلى ملاك الحكم، فيشكِّل الملاك قاعدة ورافعة للاستنباط في الاجتهاد المفتوح.

وفي ما يلي نشير إلى نموذج من الاجتهاد المغلق، ونموذج من الاجتهاد المفتوح:

 

نموذج من الاجتهاد المغلق

يذهب الفقيه الذي يتبنى الاجتهاد المغلق إلى القول: حيث ورد في الحديث وجوب نزح دلو واحد من البئر؛ لموت العصفور فيه؛ إذ قال الإمام×: «في العصفور دلو واحد»([9])، ندرك أنّ موت العصفور في البئر ينجِّسه، حتّى وإنْ بلغ مقداره ألف كرّ([10]). وإنه يجب إخراج العصفور منه فوراً. ويكفي في تطهير ماء البئر أن ننزح دلواً واحداً.

وإذا سُئل: ما هو ملاك تنجّس ماء البئر البالغ ألف كرّ بموت العصفور، مع أننا أخرجنا العصفور الميت مباشرة، ولم يتفسَّخ في البئر، ولم تتغيَّر أوصاف الماء، حتى يكون له تأثيرٌ سلبيّ على الصحّة؟

يكون جوابه: أنا لا أنظر إلى ملاك الحكم، وإنما أتعبَّد بما قاله الدليل. وبعدها لا فرق عندي بين أن يبلغ ماء البئر ألف كرّ أو أقلّ أو أكثر. فهو ينجس بموت العصفور فيه، من دون فرق بين تفسُّخ العصفور وعدمه، وبين تغيُّر أحد أوصاف ماء البئر وعدم تغيّره.

وإذا سُئل: هل يطهر ماء البئر بنزح دلوٍ واحد أو يبقى على نجاسته؟

يجيب: إنّ ماء الدلو نجس، ولكنّ ماء البئر يطهر([11]).

وإذا سُئل: إنّ دلو الماء المنزوح هو من جنس ماء البئر البالغ ألف كرّ، فكيف يكون نجساً مع القول بطهارة الباقي؟ فما هو الفرق بين ماء الدلو وماء البئر؟ وهل ماء الدلو غير صحي، واستعماله مخالف لشروط النظافة والقواعد الصحية، في حين أنّ ماء البئر صحي، واستعماله موافق لشروط السلامة والنظافة؟

كان جوابه: ليس هناك فرقٌ بين بين ماء الدلو وماء البئر في شروط النظافة والصحّة. فكلاهما صحيّ ونظيف. ولكن ماء الدلو نجس ويحرم شربه، خلافاً لماء البئر، فهو طاهر وشربه حلال وجائز.

وإذا سُئل: ما هو الفرق بين ماء البئر قبل نَزْح دلو منه ومائه بعد نزح الدلو؛ كي يكون نجساً في الحالة الأولى، وطاهراً في الحالة الثانية؟

كان جوابه: لا فرق بين ماء البئر قبل نزحه وبعده، من حيث نوعية الماء وطبيعته، فهو صحيّ ونظيف، سواء قبل النزح أو بعده. ولكنّه نجسٌ قبل نزح الدلو، طاهرٌ بعده. وأساساً إنّ طهارة الماء لا ربط لها بنظافته وكونه صحياً، كما أنّ نجاسته لا ربط لها بقذارته وعدم صحيّته. من هنا حتّى إذا سقط في البئر مقدار من الحشرات، مثل: الصراصير والسحالي ممّا لا نفس سائلة له، ونفَقَتْ فيه، حتّى تغيَّرت إحدى أوصاف الماء، فهو وإنْ كان قَذِراً وغير صحي، إلاّ أنّه طاهر. وهذا تعبُّد بحت، لا يعلمه إلاّ الله سبحانه وتعالى([12]).

وإذا سُئل: مع علمنا بأنّ النجاسة في اللغة تعني القذارة، وأنّ النجس يعني القَذِر، والطهارةُ هي بمعنى النظافة والنزاهة، والطاهر يعني النظيف والنزيه، كيف يكون ماء البئر الذي قذَّره نفوق الحشرات التي لا نفس سائلة لها طاهراً، ويكون ماء البئر البالغ ألف كرّ، رغم نظافته وصحيّته، نجساً؟! فهل تصرّف الشارع في المعنى اللغوي للنجاسة والطهارة؟

كان الجواب أحياناً: إنّ النجاسة في المصطلح الشرعي لا تعني القذارة التكوينية والخارجية، بل هي أمرٌ اعتباري ووضعي. توضيح ذلك: مقدار ماء البئر البالغ ألف كرّ إذا لاقى العصفور الميت يعتبره الشارع نجساً، حتّى وإن كان نظيفاً ونزيهاً من الناحية التكوينية. وعليه فإنّ نجاسة هذا الماء ليست قذارة تكوينية وخارجية، بل هي أمرٌ اعتباري ووضعي. وكذلك فإنّ الطهارة في المصطلح الشرعي لا تعني النظافة التكوينية، بل هي أمرٌ اعتباري. وإنّ الماء الذي غيَّرته الحشرات النافقة وإنْ كان قذراً تكويناً، إلاّ أنّ الشارع اعتبر طهارته. إذن النجاسة والطهارة من الأحكام الوضعية والاعتبارية.

وكان الجواب في حين آخر: إنّ النجاسة في العرف تعني القذارة، والطهارة تعني النظافة. إلاّ أنّ الشارع المقدّس في ما يتعلَّق بالماء الذي تغيَّرت أوصافه؛ بسبب موت الحشرات، يخطِّئ العرف، ويقول: إنّ العرف الذي يرى الماء المذكور قَذِراً مخطئ، فهو طاهرٌ ونظيف. وكذلك بالنسبة إلى ماء البئر البالغ ألف كرّ الذي لاقى العصفور الميت يعمد الشارع إلى تخطئة العرف أيضاً، ويقول: إنّ العرف مخطئ في قوله بطهارة هذا الماء، فهو في الواقع ليس طاهراً ونظيفاً، بل هو قَذِر ونجس.

 

قول عموم الفقهاء

إنّ القول بتنجُّس ماء البئر بملاقاة النجاسة حتّى إذا لم يتغيَّر هو مذهب عموم الفقهاء المتقدِّمين، باستثناء ابن عقيل العماني. وهناك جماعة من كبار الفقهاء ذهبت إلى ادّعاء الإجماع عليه. وهناك مَنْ عبَّر عن هذا الإجماع بلفظ: «نفي الخلاف»، وقالوا صراحة: إنّ ماء البئر يتنجس بملاقاة النجاسة مهما بلغ من الكثرة([13]). وظلّ هذا القول ـ بوصفه قولاً قطعياً لا يقبل الشكّ ـ هو السائد على مناخ الفقه الاجتهادي، حتّى عصر العلاّمة الحلّي.

ومساند هذا القول رواياتٌ مفادها: إذا سقط حيوان من فأر أو سنّور أو شاة في بئر ومات وجب نزح سبع دلاءٍ من ذلك البئر، وإذا سقط حمار أو بعير وجب نزح كرّ منه، وإن سقط عصفور نزح منه دلوٌ واحد([14])، وإذا سقط فيه بول الرجل نُزح منه أربعون دلواً([15])، إلى غير ذلك من الروايات.

كما أن القول بعدم نجاسة ماء البئر وغيره إذا تغيَّرت أوصافه بغير النجاسات هو المذهب الشائع والمقبول عند عموم الفقهاء. فمثلاً: لو سقط في البئر بول الحمار أو الحصان أو البعير، والحشرات النافقة، فتغيَّر لونه أو رائحته أو طعمه، يبقى على طهارته، حتّى وإنْ لم يكن صحياً، وترك آثاراً سلبية على صحة الإنسان.

 

صحّة قول العلاّمة

رغم هيمنة القول بتنجُّس ماء البئر بملاقاة النجاسة على الأجواء الفقهية في عصر العلاّمة الحلّي فقد ذهب العلاّمة؛ من خلال مناقشته لأدلّة المسألة، إلى خلاف القول الشائع، وقال بكلّ شجاعة: إنّ ماء البئر لا يتنجَّس بملاقاة النجاسة، وإنما يتنجَّس بالتغيُّر فقط. وقد استدلّ العلاّمة لذلك بروايتين من الروايات المذكورة في هذا المجال، وهما:

1ـ صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن الإمام الرضا× أنه قال: «ماء البئر واسع لا يُفسده شيء، إلاّ أن يتغيَّر ريحه أو طعمه، فينزح حتّى يذهب الريح ويطيب طعمه؛ لأنّ له مادّة»([16]).

2ـ رواية عليّ بن جعفر، عن الإمام موسى بن جعفر×، قال: «سألتُه عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرةٍ رطبة أو يابسة، أو زنبيل من سرقين، أيصلح الوضوء منها؟ قال×: لا بأس»([17]).

وقال العلاّمة بعد استدلاله بهذين الحديثين: هناك روايات كثيرة أخرى تدلّ على عدم تنجُّس ماء البئر بمجرّد ملاقاة النجاسة. وقد ذكرها في كتابه (مصابيح الأنوار).

ثمّ تمسّك العلاّمة بالاستصحاب، وقال: «لأنه ماء محكوم بطهارته قبل ورود النجاسة عليه فتستمرّ بعده؛ عَمَلاً بالاستصحاب السالم عن معارضة الانفعال بالتغيُّر»([18])، بمعنى أنّ ماء البئر كان قبل ملاقاة النجاسة طاهراً، وبعد الملاقاة نشكّ في طهارته، فنستصحب بقاءه على الطهارة؛ إذ الفرض أنه لم يتغيّر، حتّى يكون تغيُّره مانعاً من التمسّك بالاستصحاب.

وبذلك يكون العلاّمة الحلّي قد تمسّك لمذهبه بالسنّة والاستصحاب.

ونحن نرى أنّ الحقّ في هذه المسألة إلى جانب العلاّمة الحلّي&؛ وذلك لقوّة أدلته، واشتمالها على عنصر الإقناع، خلافاً لأدلّة القول المخالف، فهي ضعيفةٌ وغير مقنعة. وإليك توضيح المسألة:

1ـ في الرواية الصحيحة المتقدِّمة عن محمد بن إسماعيل بن بزيع نجد الإمام الرضا× يقول صراحة عن ماء البئر: «…لا يفسده شيءٌ، إلاّ أن يتغيَّر ريحه أو طعمه…؛ لأنّ له مادّة». والمراد من قوله: (شيء) كلّ ما يفسد، أي لو سقط في البئر شيء من الأمور المفسدة لم يفسد ماء البئر بمجرّد الملاقاة؛ وذلك لأنّ للبئر مادة. فهو واسعٌ، ويتحمّل المواد المفسدة، ويتغلب عليها، ولا يفقد حالته الطبيعية سريعاً، إلاّ إذا كانت الملوثات من الكثرة بحيث تغيِّر واحداً من أوصاف ماء البئر، فيفسد حينها، ولا يجوز استعماله.

ومن الجدير بالذكر أنّ فساد الماء الوارد في الحديث بمعنى نجاسته. وقد استعملت الروايات المرتبطة بالماء ثلاث مفردات للتعبير عن التلوُّث، وهي: (الفساد)، و(النجاسة)، و(القذارات). أما كلمة (الفساد) فقد استعملت في هذا الحديث. كما استعملت كلمة (النجاسة) في رواية الحسن بن صالح الثوري عن الإمام الصادق×؛ إذ قال: «إذا كان الماء في الركي كرّاً لا ينجِّسه شيء»([19]). واستعملت كلمة (القذارات) في رواية حمّاد بن عثمان، عن الإمام الصادق×، حيث قال: «الماء كلّه طاهر، حتّى يُعلم أنه قذر»([20]).

ومن الواضح أنّ فساد الماء ونجاسته وقذارته بمعنى تلوّثه، بحيث يخرجه عن طبيعته بتغيير أوصافه الثلاثة من الريح واللون والطعم، أو أحدها. وفي هذه الحالة يكون لنجاسة الماء واقعية عينية وخارجية، وهو أمرٌ تكويني، وليس مفهوماً ذهنياً واعتبارياً.

ومن خلال هذا البيان اتّضح أنّ الحديث المذكور يدلّ بوضوحٍ على مدّعى العلاّمة، وهو أنّ ماء البئر لا يتنجَّس بمجرّد ملاقاة النجاسة، إلاّ إذا تغيَّر ريحه أو طعمه أو لونه، أي بأن يغدو فاسداً وغير صحّي.

كان هذا توضيحاً بشأن واحدٍ من الحديثين اللذين استدلّ بهما العلاّمة.

2ـ في هذا الحديث يسأل عليّ بن جعفر أخاه الإمام موسى بن جعفر× عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة، هل يصلح الوضوء منها؟ قال الإمام×: «لا بأس».

وبالالتفات إلى أنّ ماء البئر إذا تغيَّر أصبح فاسداً ونجساً، ولا يصلح للوضوء، فإن قول الإمام بجواز الوضوء في هذا الحديث يشكِّل قرينة على أنّ مراد الإمام هو أن ماء البئر الذي يلاقي النجاسة فلا يتغيَّر طاهرٌ يجوز الوضوء منه. ويتَّضح من جواب الإمام أنّ ماء البئر لا ينجس بمجرّد ملاقاة النجاسة؛ وذلك لعدم جواز الوضوء بالماء النجس. وعليه فإنّ هذا الحديث يدلّ على مذهب العلاّمة الحلّي بوضوحٍ.

جواب العلاّمة عن القول المخالف

قال العلاّمة: استدلّ مَنْ قال بنجاسة ماء البئر بمجرّد ملاقاة النجس بروايتين، هما:

1ـ رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع التي تقول: «كتبتُ إلى رجلٍ أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا× عن البئر تكون في المنزل للوضوء، فيقطر فيها قطرات من بول أو دم، أو يسقط فيها شيءٌ من عذرة، كالبعرة ونحوها، ما الذي يطهِّرها حتى يحلّ الوضوء منها للصلاة؟ فوقَّع× بخطّه في كتابي: ينزح منها دلاءٌ»([21]).

2ـ رواية عليّ بن يقطين، عن الإمام موسى بن جعفر×، قال: «سألتُه عن البئر تقع فيها الحمامة، والدجاجة، والفأرة، أو الكلب، أو الهرّة؟ فقال: يجزيك أن تنزح منها دلاء؛ فإنّ ذلك يطهِّرها، إنْ شاء الله تعالى»([22]).

قال العلاّمة&: إن هؤلاء العلماء قالوا: لقد أسندت طهارة ماء البئر في هذين الحديثين إلى نزح دلاءٍ منه، ولو كان ماء البئر طاهراً قبل نزح الدلاء لما كان هناك معنى لإسناد الطهارة إلى نزح دلاءٍ منه. إذن يتَّضح من هاتين الروايتين أنّ ماء البئر يتنجّس بالملاقاة حتّى إذا لم يتغيّر.

ثمّ أجاب العلاّمة الحلّي عن ذلك قائلاً: إنّ ما جاء في هذين الحديثين المذكورين من نزح دلاءٍ من البئر لا يدلّ على نجاسة الماء.

توضيح كلام العلاّمة: إنّ الأمر بنزح دلاء من ماء البئر لا يدلّ على نجاسته، لا بالدلالة المطابقية، ولا بالدلالة التضمنية، ولا بالدلالة الالتزامية؛ حيث نرى أنّ الروايات تأمر بنزح دلاءٍ من الماء لمجرَّد رعاية النظافة بشكلٍ كامل، وليس لرفع النجاسة. كما نرى في مورد سقوط (السام أبرص) تقول الرواية: «إنما عليك أن تنزح منها سبع دلاء»([23])؛ وذلك لأنّ السام أبرص ليس له نفسٌ سائلة، فلا تكون ميتته نجسة، ولكنْ لمّا كان يؤدي إلى تلوُّث الماء قليلاً ورد الأمر بنزح سبع دلاء؛ لتحصل النظافة الكاملة للماء. وكذلك حديث الإمام الصادق× القائل: «سألت أبا عبد الله× عن الفأرة تقع في البئر؟ قال: سبع دلاء… قال: وسألته عن الطير والدجاجة تقع في البئر؟ قال: سبع دلاء»([24]). فالإمام× يأمر بنزح سبع دلاء من ماء البئر في هذا الحديث، ومع ذلك يحكم في الوقت نفسه بعدم نجاسة الثياب الساقطة فيه، ويحكم أيضاً بصحّة الوضوء منه. وهذا يدلّ بوضوح على أن الأمر بنزح سبع دلاء من الماء مراعاةٌ للنظافة، وليس الطهارة. وبذلك يتّضح أنّ الأمر بنزح الدلاء ـ كما توصّل العلاّمة ـ لا يدلّ على نجاسة ماء البئر.

ثمّ قال العلاّمة: إذن هناك روايتان، إحداهما تسأل: «ما الذي يطهِّرها حتى يحلّ الوضوء منها؟»، وروايةٌ أخرى تجيب: «ينزح منها دلاء، فإنّ ذلك يطهِّرها إن شاء الله تعالى». ثمّ قال الحلّي معلِّقاً: يوجد هنا احتمالان: الأول: أن يراد بالتطهير هنا المعنى الاصطلاحي والشرعي، الذي هو الطهارة، ففي هذه الصورة يجب القول: إنّ مراد الإمام في كلتا الروايتين ماء البئر الذي تغيَّر بملاقاة النجاسة، وعندها يجب أن يُنزح منه عددٌ من الدلاء حتّى يزول التغيُّر. وفي هذه الصورة تستند طهارة الماء إلى نزح البئر. والاحتمال الثاني: أن يكون المراد من التطهير معناه اللغوي، أي النظافة. وعندها يكون الإمام× ناظراً إلى عدم تغيُّر ماء البئر بملاقاة النجاسة، فعندها يكون الأمر بنزح دلاء من البئر لتنظيف ماء البئر([25])؛ لأنّ سقوط مقدارٍ قليل من النجاسة يلوّث ماء البئر، ويطهر بنزح دلاءٍ منه.

ولا بُدَّ هنا؛ لتوضيح وتأييد كلام العلاّمة، من الالتفات إلى مسألتين:

الأولى: إنّ الحديث الأوّل من هذين الحديثين المذكورين اللذين استدلّ بهما المخالف مرويّ عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن الإمام الرضا×، ومن جهةٍ أخرى فإن محمد بن إسماعيل بن بزيع هذا هو الذي يروي الحديث الآخر الذي استند إليه العلاّمة، ورواه عن الإمام الرضا×؛ إذ يقول: «ماء البئر واسع، لا يفسده شيءٌ، إلاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه…؛ لأنّ له مادّة». ومن غير الممكن أن يروي راوٍ واحد عن إمام واحد حديثين متعارضين. ولكنّ بيان العلاّمة بشأن معنى التطهير رفع التعارض بين هذين الحديثين؛ وذلك لأنّ إحدى الروايتين تقول: إنّ ماء البئر لا يتنجّس بملاقاة النجاسة، إلاّ إذا تغيَّر. وتقول الرواية الثانية، بناءً على الاحتمال الأول: إذا تغير الماء وجب نزح دلاء منه حتّى يرتفع التغيّر؛ وبناء على الاحتمال الثاني: إنّ ماء البئر الذي لاقى النجاسة ولم يتغيَّر، وإنْ لم يتنجَّس، ولكنْ يجب نزح دلاء منه؛ مبالغةً في النظافة. وبهذا يتَّضح عدم وجود تعارض بين هاتين الروايتين المرويتين عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن الإمام الرضا×.

الثانية: جاء في كلتا الروايتين اللتين استند إليهما المخالف: «ينزح منها دلاء»، دون تحديدٍ لعدد الدلاء. وهذا يدلّ بوضوحٍ أنّ عدد الدلاء موكول إلى المكلَّف، الذي يتعيَّن عليه نزح مقدار من الدلاء حتّى يزول التغيُّر. كما أنّ تحديد عدد الدلاء من الإمام ليس صحيحاً؛ لأنّ هذا التحديد يتوقَّف على مقدار الماء الموجود في البئر، ويتوقَّف على حجم البئر. من هنا لم تذهب هاتان الروايتان إلى تحديد عدد الدلاء. ومن هنا لا بُدَّ أن يكون العدد المذكور في بعض الروايات لمجرَّد التمثيل، دون التعبُّد. ومن هنا جاء في بعض الروايات: «والسنور عشرون، أو ثلاثون، أو أربعون دلواً، والكلب وشبهه»([26]). وعليه لن يتعارض ذلك مع الرواية القائلة بنزح سبع دلاء لسقوط السنور في البئر([27])؛ إذ لا يكون عدد الدلاء المحدَّد في كلٍّ منهما مراداً بحرفيته، وإنّ عدد الدلاء متروك إلى المكلَّف، حتّى يزول التغيّر.

اتَّضح حتى الآن أنّ العلاّمة الحلّي& ردّ القول الذي كان سائداً بين الفقهاء ومهيمناً على المناخ الفقهي والاجتهادي، وقال: إنّ ماء البئر لا يتنجَّس بملاقاة النجس. وكان من أدلته حديث محمد بن إسماعيل بن بزيع القائل: إنّ ماء البئر؛ حيث له مادة، لا يتنجَّس بمجرّد الملاقاة. ففي هذا الحديث ذكر ملاك الحكم. وقد استدلّ العلامة بهذا الحديث، دون ملاكه. في حين إذا أراد الفقيه أن يستدلّ بملاك الحكم لأمكنه أن يجعل هذا الملاك المذكور في هذا الحديث أساساً لاستدلاله، ويستنبط ما يتفرّع عليه من الأحكام. وهذا هو ما نسمّيه بالاجتهاد المفتوح في مقابل الاجتهاد المغلق.

وقد تقدَّم أن ذكرنا اجتهاد المتقدِّمين بشأن تنجُّس ماء البئر بملاقاة النجاسة كنموذج للاجتهاد المغلق.

وفي ما يلي نستعرض في ذات هذه المسألة نموذجاً عن الاجتهاد المفتوح في مقابل الاجتهاد المغلق، بالاستناد إلى رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع، الذي يلاحظ فيه ملاك الحكم المذكور في الحديث بوصفه علّة للحكم.

 

الاجتهاد المفتوح على أساس الملاك

تقدّم أن ذكرنا أنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع روى في الصحيح عن الإمام الرضا× أنه قال: «ماء البئر واسع لا يفسده شيءٌ، إلاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه، فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه؛ لأنّ له مادة»([28]).

إنّ الذي يدرس هذه الرواية في ضوء الاجتهاد المفتوح، ويتخذ من ملاك الحكم المذكور في نصّ الحديث قاعدة لاستنباطه، ويدرك الروح المهيمنة على جميع فروع المسألة، يمكنه الوصول إلى الأمور التالية:

1ـ يفهم من عبارة «لا يُفسده شيء إلا أن يتغيّر… » أنّ لماء البئر حالتين: الأولى: الحالة التي يكون فيها الماء صالحاً وصحّياً، وهي حالته الطبيعية والأصلية؛ والأخرى: الحالة التي يكون فيها الماء فاسداً وغير صحّي، وهي حالةٌ غير أصلية وطارئة على الماء؛ بفعل الأمور الملوّثة التي تلاقي ماء البئر من خارجه.

2ـ يفهم من هذه العبارة أنّ ماء البئر لا يفسد بمجرّد ملاقاة النجاسة، سواء أكان قليلاً أم كثيراً. وإنما يفسد في حالة واحدة فقط، وهي الفساد بتغيُّر ريحه أو طعمه، وعندها يجب تجنّبه.

3ـ إنّ فساد الماء الذي عبَّرت عنه هذه الرواية، ونجاسته كما هو وراد في رواية الحسن بن صالح([29])، وقذارته التي عبَّرت عنها رواية حمّاد بن عثمان([30])، ناظرة إلى معنى واحد، وهو تلوّث الماء بحيث يخرجه عن حالته الطبيعيّة، ويغدو كَريه الطعم والرائحة.

4ـ يتّضح من عبارة (يتغيَّر ريحه أو طعمه) الواردة في الحديث أنّ النجاسة أمرٌ مادي ومحسوس، يمكننا أن ندركه ونستشعره بحاسة الشمّ وحاسة الذوق. وعليه تكون لنجاسة الماء حقيقة خارجية وتكوينية، وليست مجرَّد أمرٍ اعتباري ووضعي، وغير محسوس.

5ـ حيث ثبت أنّ نجاسة الماء أمر تكويني وحقيقة خارجية فبطبيعة الحال لا يمكن أن تكون حكماً شرعياً، بل هي وجود خارجي يقع موضوعاً للحكم الشرعي المتمثِّل بوجوب اجتنابه. وعليه من غير الصحيح القول: إنّ النجاسة حكم وضعي واعتباري، يحصل باعتبار من الشارع.

6ـ لما كانت النجاسة حقيقة خارجية فمن الطبيعي أن تكون طهارة الماء ـ التي هي ضدّها ـ حقيقةً حسّية وتكوينيّة، وهي النظافة. وعليه من غير الصحيح أن يقال: إنّ طهارة الماء حكم وضعي واعتباري، يحصل باعتبارٍ من الشارع، كما توهَّم بعضهم.

7ـ لما كان لكلٍّ من الطهارة والنجاسة حقيقة خارجية وواقعية تكوينية فمن الطبيعي أن تطلق مفردة الطهارة والنجاسة المستعملة في الروايات على هذه الحقيقة التكوينية. وإنّ هذه الحقيقة التكوينية هي المعنى اللغويّ لهاتين الكلمتين. وإنّ الشارع لم يأتِ لهما بمعنىً جديد. وعليه فإننا نرفض ما يُقال من أنّ النجاسة اكتسبت في الشرع مفهوماً جديداً باسم الحقيقة الشرعية([31]).

8ـ يفهم من عبارة: «لا يفسده شيء إلاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه…» أنّ ماء البئر الذي تلقى فيه المواد الملوّثة، حتّى قبل تغيّر ريحه وطعمه، يحتوي على نسبة من التلوث ضئيلة، ويمكن تحمّلها. وكما أنّ المنظمات والمؤسسات الصحية ترى لتلوث البيئة درجات ونسب عالية ومنخفضة، وأنها قد تكون محتملة أحياناً، نجد الشارع في هذه الرواية يثبت نِسَباً لتلوّث الماء؛ إذ يقول: ماء البئر إذا تغيّر وفسد فإنه نجس ويجب اجتنابه، وأما إذا بلغ التلوّث مقداراً ضئيلاً لم يؤدِّ إلى تغيّره فلن يكون الماء نجساً، ويجوز استعماله، ومع ذلك يهتمّ الشارع في هذه الحالة برعاية أقصى درجات شروط السلامة. من هنا يأمر الشارع بحفظ الماء في وعاءٍ مغلق، حتّى لا تسقط فيه الذرّات والغبار المعلّق في الهواء.

9ـ يفهم من عبارة: «لا يفسده شيء إلا أن يتغيّر ريحه أو طعمه…» الواردة في الحديث أنّ ماء البئر إذا فسد بملاقاة بعض المواد فإنه سيكون نجساً، حتى إذا كانت تلك المواد طاهرةً في الأصل، كما لو ألقي في البئر مقدارٌ من أوراق الشجر، أو الحشرات، من قبيل: الوزغ والعقرب، وبقيت مدّة فتغيّر ريحه وطعمه. ففي هذه الحالة يكون الماء فاسداً، والفاسد يعني العفن وغير الصحي. وقد تقدّم أنّ الفاسد والنجس والقذر الوارد في الروايات بمعنى واحد. وعليه يكون هذا الماء فاسداً ونجساً وقذراً، أي إنَه ملوَّث. وذكرنا أيضاً أنّ كلمة (النجس) باقية على معناها اللغوي، وأنّ الشارع لم يتصرّف فيها، ولم يعتبر لها معنىً جديداً. وكلّما استعملت كلمة النجس والنجاسة عبّرت عن واقعية تكوينية وحقيقة خارجية، وليس مفهوماً اعتبارياً. وفي هذه الحالة فإنّ الحقيقة الخارجية التي يمكن لنا أن نلمسها ونستشعرها بحاسّتي الشمّ والذوق هي أنّ هذا الماء الملوّث والعفن وغير الصحي نجسٌ. وإنّ كونَ المواد التي أدّت إلى تغيّر الماء وفساده كانت طاهرة قبل ذلك لا يشكِّل دليلاً على بقائها على الطهارة حتّى بعد ذلك؛ لأنها قد استحالت، وتغيَّرت ماهيتها؛ بسبب التفاعلات الكيميائية، وأصبحت فاسدة. كما أنّ الطعام والشراب الذي يتناوله الإنسان يكون طاهراً أولاً، ثم يتحوَّل بعد الهضم، ويغدو مقدارٌ منه ممّا يخرج على شكل البول والغائط فاسداً ونجساً. وعليه فبحكم هذه الرواية المذكورة والموافقة للاعتبارات العقلية يكون ماء البئر نجساً إذا تغيَّر وفسد بفعل المواد الخارجية، حتى إذا كانت طاهرة في أصلها؛ وذلك لأنّ المعوَّل على حالتها الراهنة، وليس على ما كانت في الأصل.

10ـ إنّ استعمال الرواية لعبارة «لا يفسده شيء» بدلاً من «لا ينجّسه شيء» يثبت أنّ ماء البئر لا يتنجَّس ما لم يفسد، بمعنى أنه لا يتجاوز التلوُّث فيه المستوى المسموح، ويكون استعماله جائزاً.

إنّ الفقيه الذي ينتهج الاجتهاد المفتوح، ويرى ملاك الحكم معوّلاً في ممارسة العملية الاجتهادية، يستنبط من هذا الحديث أنّ هذا الحكم ـ وهو أنّ الماء لا يتنجّس حتّى يفسد ـ لا يختص بماء البئر، وإنما يسري إلى كلّ ماء، سواء أكان في بئر أم نهر أم وكاء أم كوز أم سائر الأواني، وسواء أكان كثيراً أم قليلاً؛ لأنّ وعاء الماء مجرد ظرف له، وأما ماهية الماء فهي واحدة. إذن كلّ ماء لا ينجس حتّى يفسد ولا يغدو صحّياً؛ وذلك لأنّ هذه الرواية ذكرت أنّ علة التنجّس هي تغيّر الريح أو الطعم. والنتيجة المترتبة على ذلك أنه لن ينجس حتى يتغيَّر ويفسد. وعليه إذا سقطت قطرة بول في إناء يحتوي على عشرة ليترات من الماء الصحّي لا يكون نجساً؛ لأنه لا ينفعل بهذه القطرة من البول، ولا يفسد، ولا يتغيَّر طعمه أو ريحه، ولا يجب تجنُّبه. إنّ الرواية المتقدِّمة أثبتت للماء وصف عدم التنجّس حتّى يتغيّر بما هو ماء، لا بما هو ماء بئر. في هذا الاجتهاد يُعتبر ملاك الحكم المذكور في الحديث أصلاً وقاعدة مبنائية، يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً. وفي مثال الماء البالغ عشرة ليترات لا يوجد ملاك وجوب اجتنابه، وهو الفساد، فلا وجود لوجوب الاجتناب. وإنّ الرواية القائلة: سألتُه عن رجلٍ رعف فامتخط، فصار بعض ذلك الدم قطراً صغاراً، فأصاب إناءه، هل يصلح له الوضوء منه؟ فقال: «إنْ لم يكن شيئاً يستبين في الماء فلا بأس»([32]) مندرجةٌ في هذا الإطار؛ لأنّ ذرّة الدم المستهلكة في إناء الماء لا تغيِّر طعمه وريحه، فلا تفسده، وحيث لا تفسده لا يكون نجساً، ويمكن الوضوء منه.

وكذلك الرواية القائلة: كنتُ مع أبي عبد الله× في حائطٍ له، فحضرت الصلاة، فنزح دلواً للوضوء من ركيّ له، فخرج عليه قطعة عذرة يابسة، فأكفأ [أمال] رأسه، وتوضّأ بالباقي([33]). فإنها تندرج في هذا السياق أيضاً؛ لأنّ العذرة اليابسة التي يبادر إلى إخراجها مع مقدارٍ من ماء الدلو لا تفسد ماء الدلو، وحيث لا تفسده لا يكون نجساً، ويمكن الوضوء منه.

11ـ إنّ هذه الرواية ذكرت علّة عدم نجاسة ماء البئر، وعبَّرت عن تلك العلة بقولها: «لأنّ له مادّة»، فما دامت له مادّة لا ينجس بمجرّد ملاقاة النجاسة. وبذلك ندرك أنّ عدم تنجّس ماء البئر بملاقاة النجّاسة لا يقوم على التعبُّد، وإنّما يقوم على أمر طبيعي وتكويني، وهو ناظرٌ إلى سلامة الماء من الناحية الصحية. وإنّ هذه الرواية تريد أن تقول: إنّ ماء البئر ما لم يفسد لا تكون نسبة التلوُّث فيه قد تجاوزت الحدَّ المسموح به، وعليه يجوز استعماله. ولو أنّ عدم تنجُّس ماء البئر بملاقاة النجاسة كانت قائمة على التعبّد لكان ذكر العلّة لغواً؛ لأنّ الحاكم في هذه الحالة هو التعبُّد، ويكون إقحام العلّة لغواً، ومخالفاً لقواعد البلاغة.

وعليه فإنّ ذكر العلّة هنا يُشكِّل دليلاً على وجوب البحث عن العلة في مسألة الطهارة والنجاسة المائية. من هنا علينا أن نكشف عن العلة الطبيعية لطهارة الماء أو نجاسته. روي عن الإمام الصادق× أنه قال في حديث معروف: «علينا إلقاء الأصول، وعليكم أن تفرِّعوا، أو وعليكم التفريع»([34]). إنّ هذه الرواية تأمرنا بالسعي العلمي لاستخراج الأحكام الفرعية في ضوء القواعد والأصول العامة التي يؤسِّس لها الأئمة الأطهار^، ولا نتوقّع من الأئمة أن يتكفّلوا أنفسهم ببيان جميع الجزئيات والمصاديق. وإنّ الأصل العام الذي أسَّسه الإمام الرضا× في رواية ابن بزيع هو أنّ ماء البئر إذ كان مشتملاً على مادّة فإنه يتغلَّب على ما يلاقيه من النجاسة، ولذلك فإنه لا يفسد ولا يتنجّس. وإنّ الحكم الفرعي الذي نستنبطه من هذا الأصل العامّ هو أنّ كلّ ماءٍ يتغلب على النجاسة لا يتنجّس، لا لأجل التعبُّد، بل للعلّة المذكورة. إنّ الفقيه الذي يعتمد ملاك الحكم يفهم من العلّة المذكورة في رواية ابن بزيع أنّ الحاكم على الطهارة والنجاسة ليس هو التعبُّد، بل يجب التعرُّف على العلل الطبيعية والتكوينية للطهارة والنجاسة، وترتيب الأثر عليها.

12ـ إنّ عبارة «لا يفسده شيء…؛ لأنّ له مادّة» الواردة في الرواية تثبت قانون غلبة الماء على النجاسة.

وإنّ عبارة «إلاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه» تفهم قانون غلبة النجاسة على الماء.

ويتّضح من عبارة «لا يفسده شيء…؛ لأنّ له مادّة» أنّ ماء البئر لا يتنجّس ولا يفسد بمجرّد ملاقاة النجاسة، وأنّ العلة الطبيعية لذلك هي أنّ له مادة، وأنه في زيادة مستمرة، وأنّ هذه الزيادة هي التي تجعل ماء البئر يتغلَّب على النجاسة والفساد. وما لم يفسد لا يتجاوز التلوُّث فيه الحدّ المسموح، وعليه يجوز استعماله بطبيعة الحال.

ويتَّضح من عبارة «إلاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه» أنّ النجاسة الساقطة في البئر إذا بلغت من الكثرة بحيث تتغلَّب على ماء البئر فإنها تفسده. والعلة الطبيعية لذلك هو أنّ الفساد والتلوّث قد تجاوز الحدّ المسموح، فلا يكون صحّياً، فلا يجوز استعماله. ثم قال الحديث: «فينزح منه حتى يذهب الريح ويطيب طعمه». ومراده أنّ النجاسة إذا تغلبت على ماء البئر يمكن تحويل الغلبة عليها لماء البئر، واستبدال الماء الصحي بغير الصحي، وذلك من خلال نزح الماء والدلاء من البئر حتّى يحل الماء الجديد الصحي محل الماء القديم الفاسد، وعندها ستكون الغلبة للماء الصحي على الماء الفاسد والنجس.

اتّضح في ضوء هذا البيان أنّ غلبة ماء البئر على النجاسة هي العلة الطبيعية لسلامة ماء البئر وطهارته، وأنّ قانون غلبة النجاسة على ماء البئر هي العلة الطبيعية لفساد وتنجّس ماء البئر.

واتّضح أيضاً أنّ صرف اتصال ماء البئر بمصادر المياه الجوفية ليست هي العلة في عدم تنجّس الماء، بل إنّ العلة هي الزيادة المستمرّة لماء البئر، وبالتالي غلبة ماء البئر على النجاسة.

 

قانون الغَلَبة في الروايات

إنّ قانون غلبة الماء على النجاسة، وغلبة النجاسة على الماء، قد تمَّتْ الإشارة إليه في رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع. كما صرَّحت به الكثير من الروايات. وعليه يتّضح أنّ قانون الغلبة قانونٌ رئيس ومبنائي.

وفي ما يلي نشير إلى بعض الروايات المشتملة على هذا القانون:

1ـ رواية حريز بن عبد الله، عن الإمام الصادق× قال فيه: «كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب، فإذا تغيَّر الماء وتغيّر الطعم فلا تتوضّأ منه ولا تشرب»([35]).

وقد ذكرت هذه الرواية قانون غلبة الماء على النجاسة وغلبة النجاسة على الماء معاً.

2ـ رواية أبي بصير، عن الإمام الصادق×، التي تقول: «إنه سُئل عن الماء النقيع تبول فيه الدواب؟ فقال: إن تغيّر الماء فلا تتوضأ منه، وإنْ لم تغيّره أبوالها فتوضأ منه. وكذلك الدم إذا سال في الماء وأشباهه»([36]). أي إنّ الدم الذي يسقط في الماء إذا كان هو الغالب وغيَّر الماء كان الماء نجساً، ولم يصحّ الوضوء منه، وأما إذا تغلَّب الماء على الدم واستهلكه فلا يكون نجساً، وكان الوضوء منه صحيحاً.

وقد ذكرت هذه الرواية قانون الغلبة في كلا الجانبين أيضاً، فتحدَّثت عن غلبة الماء تارةً، وعن غلبة النجاسة تارةً أخرى.

3ـ رواية عبد الله بن سنان، عن الإمام الصادق×، التي جاء فيها: «سأل رجل أبا عبد الله×، وأنا حاضرٌ، عن غديرٍ أتوه وفيه جيفة؟ فقال×: إنْ كان الماء قاهراً ولا توجد منه الريح فتوضّأ»([37]).

وقد ذكر قانون غلبة الماء على النجاسة في منطوق هذه الرواية، وأما قانون غلبة النجاسة على الماء فنتوصَّل إليه من مفهومها، أي إنّ الماء إذا لم يتغلَّب على النجاسة، واكتسب رائحة الجيفة، وأصبح فاسداً، فلا تستعمله.

4ـ رواية العلاء بن فضيل، عن الإمام الصادق×، التي جاء فيها: «سألت أبا عبد الله× عن الحياض يُبال فيها؟ قال: لا بأس، إذا غلب لونُ الماء لونَ البول»([38]).

وقد ذكرت هذه الرواية قانون غلبة الماء على النجاسة صراحةً، وأمّا قانون غلبة النجاسة على الماء فيُدرك من مفهومها، أي إذا لم تكن الغلبة للون الماء على لون البول، بل كانت الغلبة للون البول، كان الماء فاسداً، وحظر استعماله.

5ـ رواية سماعة، عن الإمام الصادق×، قال فيها: «سألته عن الرجل يمرّ بالماء وفيه دابّة ميتة قد أنتَنَتْ؟ قال: إذا كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ ولا تشرب»([39]).

وقد ذكر في هذه الرواية قانون غلبة النجاسة على الماء صراحةً، وأما قانون غلبة الماء على النجاسة فنتوصَّل إليه من خلال المفهوم، أي إذا لم يغلب ريح الميتة على الماء، ولم يفسد الماء، فيمكن الوضوء منه وشربه.

6ـ رواية زرارة، عن الإمام محمد الباقر×، أنه قال: «إذا كان الماء أكثر من راوية([40]) لم ينجّسه شيءٌ، تفسّخ فيه أو لم يتفسّخ، إلاّ أن يجيء له ريحٌ تغلب على ريح الماء»([41]).

وقد ذكر في هذه الرواية قانون غلبة النجاسة على الماء صراحةً، وأما قانون غلبة الماء على النجاسة فيتوصَّل إليه من مفهومها، أي إنّ رائحة الميتة إذا لم تغلب الماء لم يكن الماء فاسداً أو نجساً.

7ـ رواية شهاب بن عبد ربّه، عن الإمام الصادق×، قال فيها: «جئتَ تسألني عن الغدير يكون في جانبه الجيفة، أتوضأ منه أو لا؟ قال: نعم. قال×: توضّأ من الجانب الآخر، إلاّ أن يغلب الماءَ الريحُ فينتن… وكلّما غلب كثرة الماء فهو طاهرٌ»([42]).

وقد ذكرت هذه الرواية قانون الغلبة في كلا الجانبين، فتحدَّثت تارة عن غلبة النجاسة على الماء، وتحدَّثت تارة أخرى عن غلبة الماء على النجاسة.

8ـ رواية هشام بن سالم، عن الإمام الصادق×، جاء فيها: «إنه سأل أبا عبد الله× عن السّطح يُبال عليه، فتصيبه السماء فيكِفُ، فيصيب الثوب؟ فقال: لا بأس به، ما أصابه من الماء أكثر»([43]).

وقد تعرَّضت هذه الرواية لقانون غلبة الماء على النجاسة.

9ـ رواية محمد بن النعمان الأحول، عن الإمام الصادق×، قال فيها: «دخلت على أبي عبد الله×… فقلت: جُعلت فداك، الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي يستنجي به؟ فقال: لا بأس به، فسكت، فقال: أَوَتدري لِمَ صار لا بأس به؟ قلت: لا واللهِ، فقال: إنّ الماء أكثر من القذر»([44]).

وقد ذكرت هذه الرواية قانون غلبة الماء على النجاسة.

كانت هذه بعض الروايات التي بيَّنت قانون غلبة الماء على النجاسة، أو قانون غلبة النجاسة على الماء، أو كلاهما في موضعٍ واحد.

إنّ الفقيه الذي ينتهج الاجتهاد المفتوح يستنبط من هذه الروايات الأمور التالية:

 

الأمر الأوّل

كلما تغلب الماء على النجاسة كان سبب عدم تنجّس الماء أمراً تكوينياً؛ لأنّ الماء الذي يتغلّب على النجاسة يُحفظ من الفساد تكويناً. وإنّ تلوثه لا يتجاوز الحدّ المسموح به، ولذلك لا يكون نجساً، وليس من الواجب اجتنابه. وإنّ لطهارة مثل هذا الماء واقعية وحقيقة خارجية.

 

الأمر الثاني

كلّما تغلبت النجاسة على الماء كان سبب تنجّس الماء أمراً تكوينياً؛ لأنّ النجاسة إذا تغلّبت على الماء سيفسد تكويناً، ويكون التلوُّث حينها أكثر من الحدّ المسموح به، ومن هنا سيكون نجساً بالمعنى اللغوي، وهو القذر. والقذر له تحقق خارجي، ويجب اجتناب القذر؛ رعاية للنظافة والقواعد الصحية.

 

الأمر الثالث

عندما تتغلّب النجاسة على الماء، وعندما يتغلّب الماء على النجاسة، حيث تتوفر العلة التكوينية وملاك الحكم، لا يكون هناك تعبُّد في البين، بل إنّ وجود الحكم وعدمه تابع لوجود الملاك وعدمه، بمعنى أنّ الماء الذي تغلب على النجاسة وحافظ على سلامته يكون استعماله جائزاً؛ بسبب بقائه سالماً وصالحاً للشرب. وهذه علة تكوينية، وليس للتعبّد. وكذلك عندما تتغلَّب النجاسة على الماء ويفسد يجب اجتنابه؛ بسبب الفساد، الذي هو أمر تكويني، فيثبت الحكم تكويناً، لا تعبُّداً. وفي الروايتين 8 و9 المتعلِّقة بطهارة ماء المطر وماء الاستنجاء ذكرت لطهارة ماء المطر الذي يهطل على موضع البول، وكذلك طهارة ماء الاستنجاء، علّة تكوينية، وهي كثرة ماء المطر وماء الاستنجاء بالقياس إلى المقدار القليل من البول، وبالتالي فإنّ هذا الماء الأكثر سيتغلب على البول الأقلّ ويستهلك فيه. ولو كان الأمر هنا مستنداً إلى التعبُّد لما كان هناك مبرِّر لذكر العلّة التكوينية. من هنا يجب القول: في ما يتعلق بمسألة طهارة الماء ونجاسته لا مجال للتعبُّد.

 

الأمر الرابع

لما كانت غلبة الماء على النجاسة علة تكوينية لطهارة الماء سيكون الماء الأقلّ من الكرّ والماء البالغ كرّاً في هذا الحكم سواءً؛ لأنّ وجود طهارة الماء وعدمها تابع لوجود وعدم علّتها التكوينية. وعليه إذا تغلّب الماء الأقلّ من الكرّ على النجاسة يكون قد توفر على العلة التكوينية للطهارة، فتكون الطهارة المعلولة لها حاصلة للماء بطبيعة الحال. ومن البديهي أنّ الطهارة بمعنى النظافة أمر تكويني، له تحقق خارجي، وليس أمراً اعتبارياً وحكماً وضعيّاً أبداً، بحيث لا يكون له وجودٌ إلا في عالم الذهن، واعتبار المعتبر.

 

الأمر الخامس

يتّضح من الروايتين 8 و9 المرتبطة بطهارة ماء المطر وماء الاستنجاء أنّ طهارة ماء المطر الذي يهطل على السطح الملوَّث بالبول، وكذلك طهارة ماء الاستنجاء، قائمة على قانون غلبة الماء على النجاسة، وهو قانون عام ينطبق على جميع أنواع المياه؛ لأنّ هاتين الروايتين صريحتان في أنّ علة طهارة الماء هي الكثرة: «ما أصابه من الماء أكثر»، و«إنّ الماء أكثر من القذر». وعليه فإنّ هذا الحكم لم يثبت لماء المطر وماء الاستنجاء استثناءً، وعلى خلاف العمومات وإطلاقات أدلة التعبُّد؛ إذ ليس هناك ما يخصِّص موارد التعبُّد، بل في مورد هذين الماءين يكون الحاكم هو قانون غلبة الماء على النجاسة.

 

الأمر السادس

يتّضح من الروايتين 8 و9 المرتبطة بطهارة ماء المطر وماء الاستنجاء أنّ الماء القليل (الأقلّ من الكرّ) إذا تغلَّب على النجاسة لن يتنجَّس بمجرّد ملاقاة النجاسة؛ لأنّ كلاًّ من ماء المطر وماء الاستنجاء قليلٌ، وإذا كان الحكم قائماً على تنجس الماء القليل بمجرّد الملاقاة لوجب أن يتنجّس ماء المطر وماء الاستنجاء، وهذا ما لا يلتزم به أيُّ فقيه.

 

الأمر السابع

إنّ عبارات من قبيل: «كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ…»، و«إن تغيّر الماء فلا تتوضأ…»، و«إن كان الماء قاهراً لا يوجد منه الريح فتوضأ…»، و«إذا كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ…»، و«كلما غلبت كثرة الماء فهو طاهر»، التي تقدّم ذكرها في الروايات السابقة، وقانون الغلبة في كلٍّ من الماء والنجاسة، لم تنظر إلى نوعٍ خاصّ من الماء. فالغلبة إذا كانت للماء على النجاسة ثبتت له الطهارة، سواء أكان كثيراً أم قليلاً؛ لأنه أثر تكويني لا يتخلَّف. فهو إذا ثبت ثبت في جميع الموارد، سواء في ذلك الماء القليل والماء الكثير.

إنّ كلمة (الماء) الواردة في هذه الروايات مطلقة، فهي تشمل جميع أقسام الماء. وإنّ قانون الغَلَبة لجانب الماء على النجاسة في هذه الروايات ثابتٌ لجنس الماء وطبيعته، سواء أكان قليلاً أم كثيراً، نهراً أم حوضاً، وسواء أكان في حفرة أم في كوز، وسواء أكان بحراً أم محصوراً في قدح؛ لأنّ وصف الغلبة متعلِّق بالجنس، وحيث إنّ الغلبة وصف تكويني إذا ثبت لكلّ ماء ترك أثره التكويني. وهكذا الأمر بالنسبة إلى غلبة النجاسة على الماء.

اتَّضح أنّ لفظ (الماء) في هذه الروايات باقٍ على إطلاقه، وهو يشمل الكرّ وما هو دون الكرّ. وعليه إذا تغلب الماء الأقلّ من الكرّ على النجاسة فسوف يتغلب على النجاسة، فيكون طاهراً. وإنّ هذا الحكم لا يختصّ بماء الكرّ. وأساساً من غير المعقول أن يحكم الإسلام ـ الذي هو دين الفطرة ـ بنجاسة الماء الصحّي البالغ عشرة ليترات؛ لملاقاة قطرة بول تستهلك فيه ولا يبقى لها أثرٌ؛ لأن النجاسة تعني القذارة، ولا يمكن تسمية الماء القليل إذا تغلَّب على النجاسة قذارة. وإنّ رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع التي تقدّّم ذكرها تشمل هذا المورد أيضاً.

 

تبرير صاحب الحدائق

حيث ذهب صاحب الحدائق& إلى الاعتقاد بتنجّس الماء القليل بمجرّد ملاقاة النجاسة، فقد حمل إطلاق كلمة (الماء) في الروايات القائلة: «إذا تغلب الماء على النجاسة لا يتنجس» على الموارد التي يكون فيها الماء قدر كرّ أو أكثر؛ إذ قال ما معناه: لما كان الوارد في بعض هذه الروايات لفظ (الغدير)، و(الحوض)، وفي الغالب تكون سعة الغدير والحوض قدر كرٍّ أو أكثر، فإننا نحمل سائر الروايات الأخرى التي لم تذكر لفظ (الغدير) و(الحوض) على ما يكون مقداره كرّاً وأكثر. وعليه فهو الذي يكون طاهراً رغم ملاقاة النجاسة، دون أن ينفعل بها. وأما إذا كان الماء أقلّ من الكرّ فإنه إذا لاقى النجاسة ينجس، حتّى وإنْ لم ينفعل بها.

ونصّ عبارة صاحب الحدائق هو: «إنّ التغيّر وعدمه إنّما جعل مناطاً في مثل الماء الذي يكون معرَّضاً لنجاسة الجِيَف وأبوال الدّواب ونحوهما مما يغيِّر الماء وإنْ كثر غالباً، كمياه الغدران والحيضان نحوهما مما لا ينفكّ عن كرورٍ، فضلاً عن كرّ غالباً… علمنا أن جعل التغيُّر مناطاً هناك إنّما هو من حيث الكثرة المانعة من الانفعال بمجرّد الملاقاة، غير القابلة للنجاسة إلاّ بالتغيّر، دون تلك المياه القليلة التي تنفعل بمجرّد الملاقاة، فلا يحتاج فيها إلى ذلك المناط المذكور؛ لانفعالها بما دونه»([45]).

إلا أنّ هذا الكلام من صاحب الحدائق لا يمكن قبوله بحالٍ؛ وذلك للأدلة التالية:

الأوّل: لم تذكر أيٌّ من الروايات السابقة، والتي تحدّثت عن قانون غلبة الماء على النجاسة، شيئاً عن الكرّ، ولم تشترط في طهارة الماء الذي يتغلّب على النجاسة أن يكون كرّاً أو أكثر. وعليه لن يكون لحمل إطلاق (الماء) في هذه الروايات على الموارد التي يبلغ فيها الماء كرّاً وأكثر وجهٌ مقبول.

الثاني: إنّ كلمة الغدير والحوض الواردين في بعض هذه الروايات لا يبلغان الكرّ وأكثر منه على الدوام بالضرورة، بل قد يكون الغدير والحوض بمقدار الكرّ؛ وقد يكون أكثر؛ وقد يكون أقلّ. ومن غير الصحيح أن يدَّعى بأنّ ماء الغدير وماء الحوض بمقدار الكرّ أو أكثر دائماً.

الثالث: إنّ هذه الروايات ذكرت أنّ علّة عدم تنجّس الماء تكمن في غلبته على النجاسة، وليس لأنه كرّ. ولو كانت الكرّية هي العلة لعدم تنجّس الماء لكانت صيغة الروايات على نحوٍ آخر، كأن تقول: (لما كان الماء كرّاً أو أكثر فإنه لا يتنجّس بمجرّد الملاقاة؛ لأنه كرٌّ). ولكنّ صيغة الروايات لم ترِدْ على هذا النحو، بل قالت: «إذا غلب الماء على النجاسة فإنه لن يكون نجساً»، أي إنّ علة عدم نجاسة الماء هي غلبته على النجاسة. وهو أثرٌ تكويني، وليس حكماً وضعياً واعتبارياً لا يكون له وجودٌ إلاّ في عالم الذهن والاعتبار. وإذا كانت هذه هي العلة، وكان الأثر يترتب عليها تكويناً، فإنّ هذا الأثر سوف لا يتخلَّف إذا تحقَّقت علّته أبداً. فسواء أكان الماء كراً أم أكثر أم أقل، وتغلَّب على النجاسة، ثبت الأثر، الذي هو الطهارة وعدم النجاسة.

ويجب التنويه إلى أننا سنبحث الروايات المتعلِّقة بالكرّ بحثاً تفصيلياً. وسوف نرى حينها هل أنّ المراد من الكرّ وزنٌ خاصّ لا يزيد عليه ولا ينقص، حتّى مثقالاً واحداً؟! وهل هو مساحةٌ محدَّدة لا تقبل الزيادة والنقصان، ولو لملّيمترٍ مكعّبٍ واحد، أم أنّ المراد شيءٌ آخر؟

وإنّ الروايات المرتبطة بالكرّ لا تريد وزناً خاصاً على نحو التعبُّد، ولا مساحةً خاصة، ولا سيَّما مع وجود الاختلاف بين الروايات في تحديد وزن الكرّ ومساحته.

فالمشهور يذهب إلى القول بأنه ألفٌ ومئتا رطلٍ بالعراقي، فيكون بذلك أقلّ بمئة وعشرة كيلوغرامات من القول المشهور في قياسه بالمساحة المقدَّرة باثنين وأربعين شبراً وسبعة أثمان الشبر!

 

قانون الكثرة في الروايات

وهناك في مسألة طهارة الماء ونجاسته رواياتٌ تقول: إنّ الماء إذا كان كثيراً فإنه لا يتنجّس بملاقاة النجاسة، دون تحديد لمقدار هذه الكثرة، لا من حيث الوزن، ولا من حيث المساحة. وسنذكر هنا بعض هذه الروايات؛ بغية النظر في مداليلها، وهي:

1ـ رواية عمّار، عن الإمام الصادق×، قال فيها: «سُئل أبو عبد الله× عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة؟ فقال: لا بأس، إذا كان فيها ماءٌ كثير»([46]).

ذهبَتْ هذه الرواية إلى القول باعتبار كثرة ماء البئر علّة لعدم تنجس الماء، دون أن يحدِّد مقداراً لتلك الكثرة. ولكنْ حيث كان مورد السؤال عن زنبيل من العذرة فلا بُدَّ أن تكون الكثرة هنا بما يتناسب وهذا الزنبيل. وعليه يكون المراد من الكثرة في هذه الرواية كثرةً نسبية، تقاس إلى حجم النجاسة ومقدارها. ومن غير الصحيح أن نحدَّها بمقدارٍ معيَّن. وعليه يجب القول: إنّ الحدّ الأقلّ من الكثير هو المقدار الذي لا تتغلَّب عليه النجاسة، ولا تغيِّر طعمه أو رائحته.

2ـ رواية عليّ بن جعفر، عن الإمام موسى بن جعفر×، قال فيها: «سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباهها تطأ العذرة، ثمّ تدخل في الماء، يُتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا، إلاّ أن يكون الماء كثيراً قدر كُرٍّ من الماء»([47]).

ذهبت هذه الرواية إلى اشتراط كثرة الماء لعدم نجاسته بملاقاة النجاسة، وحدَّدت أقلّ الكثرة بالكرّ، ولكنّها لم ترسم حدّاً للكرّ.

3ـ رواية زرارة بن أعين، عن الإمام الباقر×، التي جاء في آخرها: «إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجِّسه شيء، تفسّخ فيه أو لم يتفسّخ، إلاّ أن يجيء له ريح تغلب على ريح الماء»([48]). وقد ذكرت هذه الرواية في التهذيب في هامش حديث يُسأل فيه عن حكم راوية الماء تسقط فيها الفأرة فتموت.

استعمل في هذا الحديث لفظ (الأكثر)، فاشترطت الكثرة في ماء الراوية لعدم تنجس مائها بملاقاة الفأرة المتفسِّخة. و(الراوية) على ما جاء في المنجد عبارة عن وعاء ماء مكوَّن من ثلاثة جلود مخيطة إلى بعضها. ولما كانت جلود الحيوانات تختلف من حيث الصغر والكبر فإنّ الراويات بطبيعة الحال ستختلف في أحجامها. وعليه فإنّ الأكثرية المرادة في هذه الرواية هي أكثريّة نسبيّة.

4ـ رواية أبي بصير، عن الإمام الصادق×، التي قال فيها: «…ولا يشرب سؤر الكلب، إلاّ أن يكون حوضاً كبيراً يُستقى منه»([49]).

ذكرت هذه الرواية كبر الحوض. ولازم الكبر كثرة الماء الذي فيه. وعليه يمكن إدراج هذه الرواية ضمن الروايات التي تشترط كثرة الماء في عدم نجاسته بملاقاة النجاسة، ومباشرة الكلب له بلسانه. ولكنّها لم تحدِّد مقدار هذه الكثرة. ومن هنا يكون المراد من كثرة الماء وكبر الحوض كثرة وكبراً نسبيّاً وتقريبياً. ويجب القول: إنّ الحد الأدنى من هذه الكثرة هو أن لا ينفعل بالملاقاة، ولا تغلب عليه النجاسة.

5ـ رواية شهاب بن عبد ربّه، عن الإمام الصادق×، جاء في آخرها: «كلّما غلب كثرة الماء فهو طاهر»([50]). وقد تقدَّم منا ذكر هذه الرواية ضمن الروايات المشتملة على قانون غلبة الماء على النجاسة (رقم 7). وحيث إنها تشتمل على لفظ الكثرة أيضاً فقد أعدنا ذكرها ضمن هذه الطائفة من الروايات أيضاً.

 

مسائل

من الضروري أن نذكر هنا بعض المسائل في ما يتعلّق بقانون الكثرة، وهي:

الأولى: حيث لم تذكر هذه الروايات مقداراً معيّناً للكثرة فمن الطبيعي أن يكون المراد من الكثرة هنا مقداراً نسبياً، أي يجب تحديد كثرة الماء بالقياس إلى النجاسة التي تلاقيه؛ لأنّ النجاسة التي تلاقي الماء قد تكون قليلة؛ وقد تكون كثيرة، ولا يمكن تحديد مقدارٍ معيَّن لها. وعليه إذا كان مقدار النجاسة مقدّراً بزنبيل من العذرة، كما هو مبينٌ في الرواية الأولى، فلا بُدَّ من بيان كثرة الماء هنا بالقياس إلى هذا المقدار من النجاسة. وأما إذا كان مقدار النجاسة أقلّ من ذلك، كالعذرة التي تعلق برجل الدجاجة أو الحمامة، كما هو الحال بالنسبة إلى الرواية الثانية، وجب بيان كثرة الماء بالقياس إلى هذا المقدار القليل من النجاسة، أي بأن يكون مقدار الماء بحيث لا يتغيَّر بتأثير العذرة العالقة برجل الحمامة أو الدجاجة. وإذا كانت النجاسة عبارة عن حيوان ميت، كالفأرة مثلاً، كما هو منطوق الرواية الثالثة، وجب أن يكون مقدار ماء الراوية بحيث لا يتغير بتأثير الفأرة الميتة. وإذا كانت النجاسة عبارة عن ميتة كلب، كما هو مبين في الحديث الرابع، وجب أن يكون ماء الحوض من الكثرة بحيث لا يتغيَّر بتأثير الكلب الميت.

وخلاصة القول: لما كان الكثير والقليل أمراً نسبياً وجب بيان مقدار كثرة الماء بالقياس إلى مقدار النجاسة الملاقية له. وقد مرَّ بنا الحديث الخامس الذي يقول: «كلّما غلب كثرة الماء فهو طاهر»، ففي هذه الرواية تمّ بيان كثرة الماء بالنسبة إلى مقدار النجاسة التي لاقته، وقد عرَّفت علامة الكثرة بغلبة الماء على النجاسة. وقد قرأنا في الرواية الثامنة أنها قارنت كثرة ماء المطر بمقدار البول الموجود على السطح، فجاء فيها: «ما أصابه من الماء أكثر»، بمعنى أنّ الليترات العشرة من ماء المطر الذي نزل على السطح أكثر من مقدار البول الموجود هناك، ومن هنا كان ماء المطر المذكور في هذه الرواية مصداقاً للماء الكثير. وكذلك رأينا الرواية التاسعة تقيس ماء الاستنجاء إلى قطرة البول المتبقية على الإحليل، وتقول: «إنّ الماء أكثر من القذر»، بمعنى أنّ نصف ليتر من ماء الاستنجاء مثلاً أكثر بكثيرٍ من قطرة البول المتبقّية فوق المحلّ، بما أنّ ماء الاستنجاء يتغلّب على قطرة البول فيكون بذلك مصداقاً للماء الكثير.

اتَّضح مما تقدّم أنّ قانون الكثرة المذكور في هذه الروايات يجب قياسه إلى مقدار النجاسة التي تلاقيه، ولا يمكن تحديد مقدار معيّن للكثير. ومن هنا لم تعمد الروايات المتقدِّمة إلى ذكر مقدار معيَّن للكثير.

الثانية: إنّ العلاقة بين قانون كثرة الماء وقانون غلبة الماء على النجاسة الذي سبق ذكره هي علاقة العلّية والمعلولية، بمعنى أنّ كثرة الماء هي علّة غلبته على النجاسة. وإنّ الرواية القائلة: «كلما غلب كثرة الماء فهو طاهر» ذهبت صراحة إلى اعتبار كثرة الماء علّة غلبته على النجاسة، فهي تقول: إنّ كثرة الماء ـ التي تحتوي على حقيقة تكوينية وواقعية خارجية ـ هي العلّة التكوينية لغلبة الماء على النجاسة. ولهذه الغلبة بدورها حقيقة خارجية وواقعية تكوينية أيضاً.

وعليه ففي قانون كثرة الماء، وقانون غلبة الماء على النجاسة، اللذين شكّلا محتوى طائفتين من الروايات، هناك حديثٌ عن الحقائق الطبيعية والتكوينية، دون الأحكام الوضعية والاعتبارية. ويجب القول: إنّ المراد في هذه البحوث هو النظافة والصحّة وعنصر السلامة في البيئة، وليس جعل الأحكام الوضعية على أساسٍ من التعبُّد. وفي المسائل المتعلِّقة بالنظافة والصحّة يتعيَّن علينا التعرّف على العلل الطبيعية للنظافة والصحّة، والعمل على طبقها، لا أن نجعل التعبُّد أصلاً في مثل هذه الأمور؛ لأنّ الماء إذا كان نظيفاً وصحّياً من الناحية الطبيعية والتكوينية فلا يمكن القول بأنه نجس وقذر من الناحية التعبّدية. وفي المقابل إذا كان الماء ملوَّثاً وغير صحيّ من الناحية الطبيعية والتكوينية فلا يمكن القول بطهارته من الناحية التعبُّدية. ولذلك فإنّ الروايات المتعلِّقة بطهارة الماء ونجاسته تتحدّث عن العلل الطبيعية، فتشير إلى تغيّر رائحة الماء أو لونه أو طعمه، وتتحدّث عن عدم فساد الماء، وعن غلبة الماء على النجاسة. ومن المعلوم أنّه كلما كان الكلام حول العلل الطبيعية لا يُصار إلى الحمل على التعبُّد.

الثالثة: ذكر العلاّمة المجلسي نسبيّة كثرة الماء بالقياس إلى النجاسة التي تلاقيه. فقد عمد& أوّل الأمر إلى نقل حديثٍ عن تهذيب الأحكام، للشيخ الطوسي، على النحو التالي: «عن زرارة، عن أبي جعفر×، قال: قلتُ له: راويةٌ من ماء سقطت فيه فأرة أو جرذ أو صعوة([51]) ميتة؟ قال: إذا تفسَّخ فيها فلا تشرب من مائها، ولا تتوضّأ، وصبّها؛ وإنْ كان غير متفسّخ فاشرب منه وتوضّأ، واطرح الميتة، إذا أخرجتها طريّة. وكذلك الجرّة وحُبّ الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء. قال: وقال أبو جعفر×: إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجّسه شيءٌ، تفسّخ فيه أو لم يتفسّخ، إلاّ أن يجيء له ريح تغلب على ريح الماء»([52]).

وقد قال العلاّمة المجلسي بعد نقل هذا الحديث، والإشارة إلى دلالته على عدم تنجّس الماء القليل بمجرّد ملاقاة النجاسة: «أو يقال: تختلف الكثرة المعتبرة في عدم انفعال الماء بحسب اختلاف مقادير النجاسات الواردة عليه».

إنّ هذا الكلام من العلاّمة المجلسي& صحيحٌ، وهو مطابق لقانون الغلبة وقانون الكثرة الذي تقدّم في الروايات السابقة؛ لأنّ قانون الغلبة كان يقول: إذا تغلب الماء على النجاسة فهو طاهر، وإذا تغلبت النجاسة على الماء فهو نجس. وكان قانون الكثرة يقول: إذا كانت كثرة الماء سبباً لتغلبه على النجاسة فهو طاهر. ومن البديهي أنّ الماء إذا كان من الناحية النسبية أكثر من النجاسة التي تلاقيه فإنه سيتغلب عليها، وإذا كان أقلّ فسوف يكون مغلوباً. وهذا هو معنى نسبية كثرة الماء بالقياس إلى النجاسة، الذي هو مضمون كلام العلاّمة الحلّي المتقدّم.

ومضافاً إلى ذلك فإنّه ينطبق على التكوين أيضاً؛ لأنّ الماء الذي يكون مغلوباً عند ملاقاة النجاسة، حتّى إذا بلغ كرّاً، فهو قذر من الناحية التكوينية، وبطبيعة الحال يجب اجتنابه. وفي المقابل إذا تغلّب الماء على النجاسة، على الرغم من كونه أقلّ من الكرّ، فهو نظيف من الناحية التكوينية، ويكون استعماله بطبيعة الحال جائزاً.

وإنّ ما قاله العلاّمة المجلسي من أنّ الرواية المذكورة تدلّ على عدم تنجّس الماء القليل بمجرّد ملاقاة النجاسة صحيحٌ؛ لأنّ ماء الحُبّ والجرّة والقربة المذكورة في الحديث هو في العادة أقلّ من ماء الكرّ، وخاصّة القربة، التي كان يحملها الناس العاديون على أكتافهم، ولا يمكن لهم حمله لو كان بمقدار الكرّ؛ لأنّ وزنه بناءً على القول المشهور أكثر من ثلاثمئة وثمانين كيلو غراماً([53])، ولا يمكن لهذا الوزن أن يحمله سوى الرياضيين وأبطال رفع الأثقال، لبضعة ثوانٍ.

 

مسألةٌ دقيقة

تقدّم أنّ قلنا: إنه طبقاً لقانون الغلبة إذا غلبت النجاسةُ الماءَ فإنه سيتنجّس. وهنا يجب الالتفات إلى أننا حينما نقول بأنّ الماء الذي تغلبت عليه النجاسة نجس فلا يعني أنّ ذرّات الماء قد غيَّرت ماهيتها، وتحوّلت إلى ذرّات نجسة، وإنما يعني أنه حيث تغلَّبت النجاسة على الماء لا يمكن الاستفادة من ذرّات الماء الطاهرة بعد أن امتزجت بالنجاسة، وأنّ هذا الخليط سيكون نجساً. وبعبارة أدقّ: إنّ هذا خليطٌ من الذرّات القذرة وغير القذرة، وحيث تغلَّب القذر هنا على غيره لن يكون في هذه الحالة نظيفاً وصحّياً، ويجب اجتنابه في هذه الحالة. ولكنْ يجب الالتفات إلى أنّ ذرّات الماء الصحية والنظيفة لا تتداخل ولا تتَّحد مع الذرات القذرة والنجسة؛ لاستحالة تداخل الأجسام، كما ثبت في محلّه. وعليه ففي مثل هذه الحالة التي اختلطت فيها ذرّات الماء الطاهر بذرّات النجاسة تكون ذرّات الماء وذرات النجاسة متجاورات، ولكنها غير مندكّة ببعضها. ولو أمكن الاستفادة من الذرّات الطاهرة من طريق تنقيتها وتصفيتها لما كان هناك بأسٌ في ذلك. وبعبارةٍ أخرى: إنّ ذرّات الماء التي هي عبارة عن ذرّة من الأوكسيجين وذرّتين من الهايدروجين ـ على الرغم من مجاورتها واختلاطها بذرات النجاسة ـ طاهرة في ذاتها، وليس هناك من دليل يقول بتحوُّلها إلى نجاسةٍ ذاتية بمجرّد مجاورتها للذرّات النجسة. بل حتّى في مثل هذه الحالة تبقى على طهارتها، أي إنّ ذرات الماء الصحيّة لو أخذت كلّ ذرّةٍ منها على حِدَة لا نجدها مغلوبة للنجاسة، ولكنْ حيث إنها امتزجت والذرّات الأخرى بالنجاسة، واختلطت بها، بحيث لم يعُدْ من الممكن من الناحية الدقّية التمييز بينها حكم على الجميع بالقذارة، ووجب اجتناب الجميع؛ رعاية للنظافة وشروط السلامة والصحّة.

يقال: إنّ التكنولوجيا الحديثة في اليابان قد توصَّلت إلى تصفية مياه المجارير والبواليع، وأعادت تكريرها، وإرجاعها إلى حالتها السابقة، حيث استخرجت منه ماءً صحيّاً صالحاً للشرب. ومن الواضح أنّ هذا الماء المستصفى هو الذرّات السالمة والنظيفة للماء الذي اختلط بذرّات النجاسة (أي كان مجاوراً لها)، وأمّا الآن فقد تمّ استخلاصها وفصلها عن الذرّات النجسة بالكامل. وقد اتَّضح مما سبق أنّ الماء القليل لا يتنجّس بمجرّد ملاقاة النجاسة([54]). وعليه فإن هذه الذرّات السالمة والطاهرة من الماء التي سبق واختلطت بالذرّات النجسة لم تتنجَّس؛ لأنها لم تدغم في الذرّات النجسة، ولم تتغيَّر ماهيتها. إذن الماء السالم والصحي الذي تمّ استخراجه من المجرور وتصفيته بالآلات يصبح طاهراً. وهذا نظير ماء الثلوج التي تسقط على الجبال وتلاقي فضلات الحيوانات المتوحّشة، ثم تتسرَّب مع ذرّات النجاسة إلى المياه الجوفية، وتتمّ عملية تصفيتها بشكلٍ طبيعي، لتخرج ماءً عذباً زُلالاً من خلال العيون. فلا فرق بين هذه التصفية الطبيعية وبين التصفية الصناعية بالآلات الحديثة والمتطوِّرة داخل المعامل. لو هطل الثلج في عشر مناطق، وكان في كلِّ واحد منها فضلات نجاسة لدببة أو فهود، وبعد أن تتحوّل هذه الثلوج إلى مياهٍ قليلة ممتزجة بهذه النجاسات، ثم تتسرَّب إلى باطن الأرض، وتحصل لها تصفيةٌ بشكلٍ طبيعي، ثم يخرج من عشر عيون، ثم يتمّ جمعها في حوض للسباحة، سيكون ماء الحوض هذا طاهراً بطبيعة الحال. فلو قيل: إنّ الماء القليل يتنجّس بملاقاة النجاسة للزم من ذلك أن يكون ماء هذا الحوض نجساً. وهذا ما لا يلتزم به أيُّ فقيه. إنّ تصفية الماء بالمصنع شبيهةٌ بهذه التصفية الطبيعية.

 

الاشمئزاز الناشئ من القوّة الواهمة

قد يُصاب بعض الذين يقرؤون هذه الفقرات بالاشمئزاز؛ إذ يقول في نفسه: كيف يمكن للماء المستخلَص من بين القذارات أن يكون صالحاً للشرب، رغم امتزاجه بأنواع القذارات؟! كما يمكن لمَنْ يقرأ قوله تعالى: ﴿إِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ﴾ (النحل: 66) أن يقول: كيف يمكن للسائل الذي يخرج من بين السرقين والدماء أن يكون صالحاً للشرب؟

ولكنْ يجب إدراك هذه الحقيقة، وهي أنّ هذا الاشمئزاز حالةٌ عاطفية ناشئة عن القوّة الواهمة، التي إذا لم يستطع الفرد أن يتخلّّص منها، ويرجع إلى حكم العقل، قد تؤدّي به إلى ارتكاب ردود فعلٍ سلبية. يحكى أنّ فلاحاً كان يزرع في حقل سيّده، وفي موسم قطف الثمار كان قد جنى فاكهةً لذيذة للغاية، وعندما جاء السيد إلى الحقل وأكل من تلك الثمار أعجبته كثيراً، وقال للفلاح: كيف تمكَّنت من زرع مثل هذه الثمار اللذيذة؟ فأجاب الفلاح: لقد مزجت التربة بسمادٍ من فضلات الإنسان. فتغيَّر وجه السيد؛ غضباً، وصاح بالفلاح: لقد جعلتني أتناول الـ…! وعمد إلى طرده من عمله قائلاً له: عليك أن تغادر مزرعتي فوراً.

ففي ما يتعلَّق بالماء المستصفى من البالوعة قد يقع الفقيه تحت تأثير القوّة الواهمة أيضاً، فيحجم عن الإفتاء بطهارة مثل هذا الماء. وإنّ الطريق للتخلُّص من هذه الحالة العاطفية الناتجة عن القوّة الواهمة يكون من خلال توظيف العقل والتحليل الصائب للأمور، طبقاً للأسس والقواعد العلمية. وعلى الفقيه هنا أن يلتفت إلى عدّة أمور:

الأوّل: إنّ الماء الخالص مادّة مركبة من الأوكسجين والهايدروجين.

الثاني: إنّ الماء إذا اختلط بالخلّ لا يحصل هناك امتزاجٌ بين ذرّات الماء وذرّات الخلّ، وإنما تتجاور جَنْباً إلى جنب.

الثالث: إنّ ذرّات الماء الخالصة طوال مراحل اختلاطها بأيّ شيء آخر تحتفظ بأصالتها، ولا تتغيَّر ماهيتها.

الرابع: إنّ الماء الذي يستخلص من البالوعة عبارة عن ذرّات الماء الخالصة التي لم تتغيّر ماهيتها طوال مراحل اختلاطها بالأشياء الأخرى، وبعد تصفيتها من الشوائب تستعيد نقاءها وخلوصها، وتكون صالحة للشرب، وطاهرة.

إذا التفت الفقيه إلى هذه المسألة، وتغلَّب على قوّته الواهمة، سيؤوب إلى حكم العقل، ويفتي بطهارة الماء المستصفى من ماء البالوعة. وبطبيعة الحال فإنّ هذه المسألة تقوم على القول الحقّ، وهو عدم تنجّس الماء القليل بمجرّد ملاقاة النجاسة، إلاّ إذا تغيَّر. وهو مذهب الفقيه المبدع ابن عقيل العماني، والعالم الخبير الفيض الكاشاني، وهو مختارُنا أيضاً.

 

الهوامش

___________________________

(*) لم ينشر اسم الكاتب سوى بهذه الطريقة في مجلّة (نقد ونظر) الفارسية. وإننا نرجِّح أنه الشيخ نعمة الله صالحي نجف آبادي&.

([1]) الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مادة (طهر) و(نجس): 815، 1264.

([2]) محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 1: 369، مؤسسة الإمام صاحب الزمان، مشهد المقدّسة.

([3]) جواهر الكلام 1: 370.

([4]) المصدر نفسه.

([5]) وسائل الشيعة 1: 205، باب 4 من أبواب الماء المضاف والمستعمل، ح2، تحقيق: مؤسّسة آل البيت^.

([6]) المصدر السابق 3: 401، باب 6 من أبواب النجاسات والأواني والجلود، ح1.

([7]) المصدر السابق 1: 195، باب 22 من أبواب الماء المطلق، ح2، 3، 4، 6.

([8]) شرح اللمعة الدمشقية 1: 17.

([9]) وسائل الشيعة 1: 187، باب 18 من أبواب الماء المطلق، ح6.

([10]) جواهر الكلام 1: 199.

([11]) ابن البرّاج، المهذَّب 1: 23.

([12]) جواهر الكلام 1: 228.

([13]) المصدر السابق 1: 191.

([14]) وسائل الشيعة 1: 180، باب 15 من أبواب الماء المطلق، ح5.

([15]) المصدر السابق 1: 181، باب 18 من أبواب الماء المطلق، ح2.

([16]) المصدر السابق 1: 172، باب 14 من أبواب الماء المطلق، ح6، وكذلك ح7، وهو مكاتبة.

([17]) المصدر السابق 1: 192، باب 20 من أبواب الماء المطلق، ح6.

([18]) مختلف الشيعة 1: 26، مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، ط1، 1412هـ.

([19]) وسائل الشيعة 1: 160، باب 9 من أبواب الماء المطلق، ح8.

([20]) المصدر السابق 1: 134، باب 1 من أبواب الماء المطلق، ح5.

([21]) المصدر السابق 1: 176، باب 14 من أبواب الماء المطلق، ح21.

([22]) المصدر السابق 1: 183، باب 17 من أبواب الماء المطلق، ح2.

([23]) المصدر السابق 1: 189، باب 9 من أبواب الماء المطلق، ح7.

([24]) المصدر السابق 1: 186، باب 18 من أبواب الماء المطلق، ح2.

([25]) الحلّي، مختلف الشيعة: 4 (الطبعة الحجرية)، الفصل الثالث، المسألة الأولى.

([26]) وسائل الشيعة 1: 183، باب 17 من أبواب الماء المطلق، ح3.

([27]) المصدر السابق 1: 136، باب 17 من أبواب الماء المطلق، ح10.

([28]) المصدر السابق 1: 172، أبواب الماء المطلق، ح6، 7.

([29]) المصدر السابق 1: 160، باب 9 من أبواب الماء المطلق، ح8.

([30]) المصدر السابق 1: 134، باب 1 من أبواب الماء المطلق، ح5.

([31]) جواهر الكلام 1: 107، الطبعة الجديدة.

([32]) الطوسي، تهذيب الأحكام 1: 413، طبع النجف في عشرة مجلدات؛ وسائل الشيعة 1: 150 ـ 151، باب 8 من أبواب الماء المطلق، ح1.

([33]) وسائل الشيعة 1: 154 ـ 155، باب 8 من أبواب الماء المطلق، ح12.

([34]) المصدر السابق 18: 41، ح51، 52.

([35]) المصدر السابق 1: 102، ح1.

([36]) المصدر السابق 1: 103، ح3.

([37]) المصدر السابق 1: 105، ح11.

([38]) المصدر السابق 1: 104، ح7.

([39]) المصدر السابق 1: 104، ح6.

([40]) الراوية: المزادة من ثلاثة جلود فيها الماء. (انظر: المنجد).

([41]) وسائل الشيعة 1: 104، ح9.

([42]) المصدر السابق 1: 119، ح11.

([43]) المصدر السابق 1: 108، ح1.

([44]) الصدوق، علل الشرائع: 287، الباب 207، ح1؛ وسائل الشيعة 1: 161، ح2.

([45]) الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 1: 295 ـ 297، مؤسّسة النشر الإسلامي.

([46]) وسائل الشيعة 1: 174 ـ 175، باب 14 من أبواب الماء المطلق، ح15.

([47]) المصدر السابق 1: 159، باب 9 من أبواب الماء المطلق، ح4.

([48]) المصدر السابق 1: 140، باب 3 من أبواب الماء المطلق، ح9؛ تهذيب الأحكام 1: 412، ح17، طبعة النجف.

([49]) وسائل الشيعة 1: 227، باب 1 من أبواب الأسآر، ح7.

([50]) المصدر السابق 1: 162، باب 9 من أبواب الماء المطلق، ح11.

([51]) الصعوة: طائرٌ من صغار العصافير أحمر الرأس (مجمع البحرين 1: 262).

([52]) مرآة العقول 13: 9؛ تهذيب الأحكام 1: 412، ح17؛ وسائل الشيعة 1: 140، باب 3 من أبواب الماء المطلق، ح8، 9.

([53]) الإمام الخميني، توضيح المسائل، المسألة رقم 16.

([54]) إنّ المزيد من التوضيح بشأن هذه المسألة سيأتي عند بحثنا في أخبار الكرّ إنْ شاء الله تعالى.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً