أحدث المقالات

السيد جعفر صادقي فدكي(*)

د. الشيخ كاظم قاضي زاده(**)

ترجمة: حسن علي مطر

المقدّمة

لقد انشعبت العلوم والمعارف الإسلامية، منذ بداية ظهورها وتأسيسها، إلى مختلف المجالات والعلوم، ومن بينها: العقائد، والأخلاق، والفقه، والتاريخ، وما إلى ذلك. وعلى أساس هذا التقسيم يتمّ بحث كلّ قسمٍ من الموضوعات والمسائل التي يحتاجها المجتمع في أحد هذه العلوم، واشتهرت بوصفها موضوعات ومسائل لذلك العلم، وتمّ حَظْر العلوم الأخرى من الدخول والتحقيق في تلك المسائل والموضوعات.

ومن بين هذه العلوم علما الفقه والأخلاق، اللذان ظهرا منذ بداية تشعُّب العلوم الإسلامية وانقسامها، حيث عمد المسلمون إلى تخصيص كلٍّ من هذين العلمين بموضوعات ومسائل خاصّة به؛ فعلم الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية، والذي كان يُطلق في بادئ الأمر على الفهم العميق لجميع المسائل والمعارف الدينية، ثمّ تمّ تحديده لاحقاً وبالتدريج مع حلول عصر تدوين العلوم الإسلامية، وانحصر شأنه بفهم واستنباط الأحكام الخاصّة بالفروع العملية. وأما الأخلاق فهي علم تهذيب النفس، حيث يبحث أعمال الأفراد وسلوكيّاتهم من حيث دَوْرُها في تهذيب النفس أو تدنيسها.

وعلى هذا الأساس لا يُبْحَث في علم الفقه سوى الموضوعات المرتبطة بالفروع العملية، وهي في الفقه الشيعي أبحاث خاصّة، تبدأ بباب الطهارة وتنتهي بباب الدِّيات. وقد اكتفى عموم فقهاء الإسلام ـ باستثناء النَّزْر القليل منهم ـ ببحث هذه الأبواب من زاوية الفقه والتكليف فقط. كما تمّ بحث ذات هذه الأبواب ـ مع تغييرٍ طفيف ـ في فقه أهل السنّة أيضاً. وفي المقابل يتمّ في علم الأخلاق بحث الموضوعات التي تلعب دَوْراً في تهذيب أو تدنيس النفس، من قبيل: التوبة، والصدق، والأمانة، والكذب، والغيبة، والتجسُّس. وقد عمد عامّة علماء الأخلاق ـ سوى القليل منهم ـ إلى بحث هذه الموضوعات من زاوية الأخلاق فقط، وبحثوا دَوْر هذه الموضوعات في تهذيب النفس.

هذا، في حين أن الرؤية التشريعية والفقهية للقرآن والسنّة الإسلامية ـ حتى في ضوء المصطلح الراهن للفقه ـ لا تقتصر على الموضوعات السائدة في فقه الشيعة وأهل السنّة؛ بل تشمل موضوعات أخرى، مثل: الكثير من الموضوعات والمسائل المبحوثة في علم الأخلاق أيضاً؛ حيث نجد شرح وبيان هذه الموضوعات في الكثير من الآيات والروايات من زاوية الفقه والتكليف. ومن هنا، كما بحث الفقهاء الموضوعات السائدة في الفقه من زاوية الشرع والتكليف، يمكنهم كذلك توسيع دائرة الفقه، لتشمل الأخلاق أيضاً، وأن يعملوا على بحث الموضوعات والمسائل المطروحة في علم الأخلاق من زاوية التشريع والتكليف، وتناول هذه الأبواب بالبحث والتحقيق في أبواب خاصّة من الكتب الفقهية، أو في مؤلَّفات مستقلّة تحت عنوان: «فقه الأخلاق».

وبطبيعة الحال إن اتساع دائرة الفقه لتشمل الأخلاق، والنظر إلى الأبحاث الأخلاقية من زاويةٍ فقهية، لا يعني إلغاء علم الأخلاق، وإدخال جميع الأبحاث الأخلاقية ضمن مجال الفقه، وبحثها من زاوية التكليف فقط؛ بل إن معنى هذه التوسعة هي أن علم الفقه؛ من خلال دخوله إلى دائرة الأخلاق، يتكفّل بالناحية الحقوقية والتكليفية للموضوعات الأخلاقية، ويبيِّن الوظيفة الشرعية للأفراد في كلٍّ من هذه الموضوعات، مع الإبقاء على الناحية القِيَميّة لهذه المسائل وتهذيب النفس في موضعها الخاصّ المتمثِّل بعلم الأخلاق. ومن ذلك ـ مثلاً ـ أن الغيبة تُعَدّ من المسائل الأخلاقية، إلاّ أن لهذه المسألة ناحيتين: إحداهما: الناحية الفقهية والحقوقية؛ والأخرى: الناحية القِيَميّة والأخلاقية. إن الفقه من خلال دخوله في مجال الأخلاق إنما يبحث الناحية الحقوقية والتكليفية لهذا الموضوع، وبالاستناد إلى الآيات والروايات يحكم بحرمة الغيبة في أغلب الموارد، وأن على المكلّف أن لا يرتكب الغيبة، وقد تجوز الغيبة أو تجب في بعض الموارد؛ حيث يقوم المكلّف باغتياب شخصٍ في جميع المواطن أو عند بعض الأشخاص، إلاّ أن الناحية القِيَميّة للغيبة وارتباطها بتهذيب النفس يبقى داخلاً في علم الأخلاق، وإن علماء الأخلاق يواصلون بحث هذه الظاهرة ودراستها من الناحية الأخلاقية، من قبيل: إن الغيبة من الرذائل الأخلاقية، وإنها تدخل ضمن الأمراض النفسية التي تؤدّي إلى تدنيس النفس، وتحول دون تكامل الإنسان، ويعملون على بيان ما هي الآثار والتداعيات المترتِّبة على الغيبة؟ وما هي الطرق التي تؤدّي إلى ترك الغيبة وعلاجها؟ إن هذا الأمر، بالإضافة إلى أنه يؤدّي إلى زيادة وَعْي الأفراد بالموقف الدقيق للإسلام في ما يتعلّق بالموضوعات الأخلاقية، يشتمل كذلك على الكثير من الفوائد الأخرى للأفراد والمجتمع، وسوف نشير إلى هذه الفوائد لاحقاً. ولكنْ قبل الدخول في هذا البحث، والتعرُّض للآراء المذكورة في هذا الموضوع، نجد من الضروري بيان تعريف مصطلحَيْ: الفقه؛ والأخلاق؛ لتحديد الموضوع مورد البحث والدراسة في هذه المقالة.

تعريف الفقه والأخلاق

إن الفقه لغةً يعني الفهم؛ فقد ورد في المصباح المنير: «الفقه فهم الشيء»([1]). وقد ورد استعمال هذه الكلمة في القرآن بهذا المعنى أيضاً، كما في قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ﴾ (هود: 91)، و﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ (الأعراف: 179).

وقد ذهب الراغب الإصفهاني في تعريف الفقه قائلاً: «الفقه هو التوصُّل إلى علمٍ غائب بعلمٍ شاهد؛ فهو أخصُّ من العلم»([2]).

كما قيل في التعريف الاصطلاحي للفقه: «الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلّتها التفصيلية؛ لتحصيل السعادة الأخروية»([3]).

وقال آخرون: «الفقه هو مجموع الأحكام الشرعية الفرعية الكلّية، أو الوظائف المجعولة من قِبَل الشارع، أو العقل عند عدمها»([4]).

والأخلاق: جمع «خُلْق» و«خُلُق» بمعنى الطبيعة والسجية([5]).

وعلى حدّ تعبير الراغب الإصفهاني فإن الخَلْق والخُلق من جَذْرٍ وأصل واحد، مع فارق أن الخَلْق يعني الهيئة والشكل والصورة الظاهرية التي يراها الإنسان بعينه، وأما الخُلُق فيعني القوى والسجايا والصفات الداخلية التي ترى بالبصيرة والعين الباطنة([6]).

وأما في المصطلح فيستعمل الفقه في مختلف المعاني، ومن أهمّها:

أـ المَلَكة والصفات النفسية الثابتة: يُراد بالأخلاق في بعض الأحيان الصفة التي تتحوّل في نفس الإنسان إلى مَلَكة. وتطلق المَلَكة على الصفة التي تترسّخ في ذات وروح الفرد، بحيث تنعكس من تلقائها على أفعاله، دون تأمُّل أو تريُّث([7]).

ويمكن للمَلَكة النفسية والثابتة أن تكون حَسَنةً أو قبيحة؛ وهي المَلَكات التي تشكّل مصدراً لظهور الأفعال الحَسَنة، وتسمّى بالمَلَكات الفاضلة؛ والمَلَكات التي تكون منشأ للأعمال القبيحة، ويطلق عليها اسم الأخلاق القبيحة، والمَلَكات الرذيلة([8]).

وفي تقسيمٍ آخر عمد علماء الأخلاق إلى تقسيم الخُلُقيات والصفات الروحية والنفسية للإنسان إلى قسمين، وهما:

1ـ الخُلُقيات الفطرية والطبيعية: حيث تطلق على الصفات والغرائز والقابليات المُودَعة في طبيعة الإنسان، ولا دَخْل للعمل والاختيار فيها أبداً، من قبيل: غريزة البحث عن الله، والمطالبة بالحقّ، والعدالة، والعزّة والكرامة، وغريزة حبّ البقاء، وحبّ الكمال، وقوّة العقل، والشهوات، والغضب، وأمثال ذلك.

2ـ الخُلُقيات المُكْتَسَبة والاختيارية: وهي التي تطلق على الأخلاق والصفات التي يكون للإنسان دَوْرٌ في تحصيلها، حيث يعمل على إيجادها بفعله واختياره، من قبيل: صفة ومَلَكة التواضع، والصدق، والسخاء، والبَذْل والكَرَم، وما إلى ذلك([9]).

ب ـ الأفعال والسلوكيات الحَسَنة أو القبيحة: تطلق مفردة الأخلاق في بعض الموارد على الآثار العملية والأفعال الناشئة من الصفات النفسية أيضاً؛ فالذي تظهر عليه آثار الغضب دائماً يتمّ وصف سلوكه بالقُبْح، ويُقال عنه: إنه صاحب أخلاق قبيحة، وبعكسه مَنْ يُعْرَف عنه البَذْل والسخاء، حيث يُقال عنه: إنه يمتلك خُلُقاً حَسَناً([10]).

ج ـ الأفعال والصفات الحَسَنة: والمراد من هذا المصطلح الثالث في مفردة الأخلاق هو مجرّد الحالات أو المَلَكات الحَسَنة والصالحة. كما في قولنا: الكذب مخالفٌ للأخلاق، حيث نعتبر الأخلاق هنا مجرّد الأعمال الصالحة والحَسَنة([11]).

اتّضح من مجموع التعاريف والمسائل المتقدّمة بشأن الأخلاق أن للأخلاق أقساماً ومصطلحات متنوّعة؛ ولكنّ المراد في هذه الدراسة ـ من بين تلك الأقسام المتقدّمة في المرتبة الأولى وبشكلٍ مباشر ـ هو خصوص الأفعال والسلوكيات الأخلاقية الحَسَنة والقبيحة، ويشمل في المرتبة الثانية وبشكلٍ غير مباشر المَلَكات والأخلاق المكتَسَبة والاختيارية أيضاً؛ وبذلك تكون المَلَكات والأخلاق الفطرية والطبيعية خارجةً عن محلّ بحثنا؛ ببيان: إن الأفعال والسلوكيات الأخلاقية الصادرة عن الإنسان بشكلٍ مباشر تقع متعلّقاً للتكليف، وإن الفقه من خلال دخوله إلى دائرة الأخلاق يستطيع تعيين الحكم الشرعي لهذه الأفعال الأخلاقية. وإن المَلَكات والأخلاق الثابتة والمكتَسَبة، وإنْ كانت لا تقع متعلّقاً للتكليف بشكلٍ مباشر، إلاّ أن التكليف في هذا القسم من الأخلاقيات يتعلّق بالمقدّمات وما يكون سبباً في ظهور أو زوال هذه المَلَكات أو آثار وتَبِعات هذه المَلَكات. وإن الفقه من خلال دخوله إلى دائرة الأخلاق يستطيع أن يُدخِل هذا القسم من الأخلاقيات ـ من هذه الناحية ـ ضمن دائرة الأبحاث الفقهية. بَيْدَ أن الأخلاقيات الفطرية والطبيعية؛ حيث لا تقع تحت سلطة واختيار المكلّف، لا يمكن لدائرة الفقه أن تتوسَّع لتشمل المساحة الأخلاقية أيضاً.

الأقوال والآراء

هناك رأيان وقولان رئيسان بين العلماء والفقهاء بشأن تشريع وجعل الموضوعات والأبحاث الأخلاقية فقهيةً: القول الأوّل: إن الأخلاق بحثٌ مستقلّ ومنفصل عن الفقه، ويجب أن يتمّ بحث الأخلاق في مجالها التخصُّصي الخاصّ بها؛ والقول الثاني: جواز توسيع دائرة الفقه لتشمل الأخلاق أيضاً؛ ونسعى في هذه الدراسة إلى تأييد وإثبات هذه النظرية الثانية.

أـ نظرية عدم جواز توسيع دائرة الفقه وشمولها للأخلاق

إن الرأي الأول والرئيس المذكور في هذا الشأن هو أن كلاًّ من الفقه والأخلاق عملٌ مستقلّ، ويحتوي على موضوعاتٍ ومسائل منفصلة عن مسائل وموضوعات الآخر. ومن هنا لا نستطيع بحث الموضوعات والمسائل الأخلاقية من زاوية الفقه والتكليف. ويجب عدّ أكثر العلماء ـ الأعمّ من علماء الفقه والأخلاق ـ، الذين لم يُدخلوا كلاًّ من الموضوعات والمسائل الفقهية والأخلاقية في العلم الآخر، بل بحثوها بشكلٍ منفصل وفي المصادر المستقلّة، في عداد القائلين بهذه النظرية. وقد ذكروا الكثير من الأدلة لإثبات هذا القول. ويمكن تلخيص الأهمّ منها في الدليلين التاليين:

أـ اختلاف الفقه عن الأخلاق: إن من بين الأدلة التي ذُكرت لإثبات هذه النظرية هو الاختلاف والتفاوت بين الفقه والأخلاق؛ بمعنى أن الفقه والأخلاق علمان مستقلاّن عن بعضهما، وأن بينهما اختلافاً ماهوياً. ومن هنا لا يمكن إدراج كلا هذين المفهومين ضمن علمٍ واحد، والنظر إليهما معاً من الزاوية الفقهية.

ومن بين الاختلافات التي ذُكرت لهذين المفهومين:

1ـ دائرة الأخلاق هي الأعمال الجوانحية والداخلية والباطنية، الخارجة عن دائرة التكليف؛ وأما دائرة الفقه فهي الأعمال الجوارحية والخارجية، التي تقع متعلَّقاً للتكليف([12]).

2ـ إن مصدر الأحكام الفقهية هي النصوص الدينية فقط؛ أما القوانين الأخلاقية فيمكن الحصول عليها من غير المصادر الدينية أيضاً([13]). وقد ذكر البعض هذا الاختلاف بشكلٍ آخر، وقال: إن علم الفقه يستند إلى الكتاب والسنّة، وتأخذ مادّتها من نصوص الشريعة؛ في حين أن الأخلاق تقوم على تحسين وتقبيح العقل، وكذلك على فهم الشريعة([14]). وجاء في عبارةٍ ثالثة: إن الأحكام الأخلاقية بحيث تقترن دائماً بالفطرة الأخلاقية للإنسان، وإن لدى العاديين من البشر مقدرةً إدراكية ومعرفية عالية في ما يتعلّق بالحُسْن والقُبْح والأحكام الأخلاقية، ولذلك لا حاجة إلى بيان وتوضيح الأحكام من قِبَل الشارع. وبالمناسبة فإن هذا هو ما أكّد عليه القرآن في عددٍ من الآيات الكريمة، ومنها: قوله تعالى: ﴿بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ (القيامة: 14 ـ 15)، و﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ (الشمس: 7 ـ 8)([15]).

3ـ إن الضامن التنفيذي لقوانين الأخلاق هو الوجدان؛ في حين أن الضامن التنفيذي للأحكام الفقهية هو المكافأة والثواب والعقاب الأخروي([16]). وقال آخرون: إن الأخلاق ليس لها من ضمانة تنفيذية سوى الإيمان، الذي هو أمرٌ داخلي وشخصي؛ في حين أن الأحكام الفقهية قد تكون لها ـ بالإضافة إلى الضمانة التنفيذية الداخلية ـ ضمانةٌ تنفيذية حكومية وخارجية أيضاً([17]).

4ـ إن المسائل الأخلاقية هي أمورٌ نزلت من قِبَل الباري تعالى؛ لغرض العمل على تهذيب النفس والتعالي الروحي، وذلك ليغدو بإمكان الإنسان أن يبني ذاته، وينفتح أمامه الطريق إلى تهذيب الأخلاق، والتصفية من الأدناس والأدران. ولذلك فإنه إذا لم تتوفّر مثل هذه الخصائص في الأخلاق، ولن نصل إلى هذه النتيجة، لن تكون هناك أخلاقٌ؛ وأما المسائل الفقهية فلا شأن لها بهذه الناحية، وإن الفقيه لا يبحث عن نتيجة وأثر الحكم، بمعنى أن الأحكام الفقهية يجب الإتيان بها حتّى إذا لم تؤدِّ إلى النتيجة المطلوبة؛ إذ من وجهة نظر مشهور الفقهاء لا تلعب فلسفة الأحكام وحدها دَوْراً في تحكيم الأحكام.

5ـ إن الفقه في حالة تحوُّلٍ مستمرّ؛ حيث يتغيَّر بتغيُّر شرائط الموضوع والحكم. وهكذا الأمر في القوانين؛ حيث لا يمكن لأيّ قانونٍ أن تكون له صفة الدوام والاستمرار؛ وأما الأخلاق؛ وحيث هي من قبيل: القِيَم، فإنها تتَّصف بالدوام. فالكذب ـ مثلاً ـ هو كذبٌ أبداً، وكذلك الحَسَد والظلم وما إلى ذلك، ولا يمكن لهذه الأمور أن تتصف بالحُسْن أبداً([18]).

ب ـ تضرُّر الأخلاق والفقه: وهناك مَنْ ذهب في تأييده لنظرية فصل دائرة الأخلاق عن دائرة الفقه إلى أبعد من مجرّد ذكر الاختلافات القائمة بين هذين العلمين، وقال بضرورة عدم إدخال الفقه في دائرة الأخلاق؛ زاعماً أن هذا الأمر يضرّ بالأخلاق، ويؤدّي ـ في الوقت نفسه ـ إلى عدم الوثوق بالشريعة. وقال بعض هؤلاء الأشخاص في تأييد هذه الرؤية: «إن توسيع دائرة الفقه لتطال حريم الأخلاق ليس له من معنى سوى سلب الحرّية والإرادة عن المتشرّعين؛ وذلك لأن مجال الأخلاق هو مجال إرادةٍ واختيار وحرّية الأشخاص، وأما مجال الفقه فهو بشكلٍ عامّ مجال الإلزام والإجبار القانوني والشرعي، حيث يتمّ سلب الاختيار عن المكلّفين، بناءً على بعض الضرورات. إن التجاوز على حريم الأخلاق تحت عنوان (أحكام الشريعة) و(جعل المسائل الأخلاقية فقهيةً)، دون إثبات عقلائي لضرورة هذا التحوُّل وتغيير الماهية، لا يؤدّي إلاّ إلى الإخلال بتطابق الشريعة مع الفطرة الإنسانية. وإن تحقُّق هذا الطغيان والانحراف هو الذي أدّى ويؤدّي إلى اضمحلال وفناء الإيمان والاعتماد على الشرائع. وإن قضية الحقّ والتكليف وظاهرة محورية التكليف السائدة في الاتجاه الفقهي لمشهور الفقهاء إنما تنشأ من دخول الفقه إلى دائرة الأخلاق»([19]).

الإجابة عن أدلّة المخالفين

ما تقدَّم ذكره كان من أهمّ الأدلة التي ذُكرت لإثبات فصل الأخلاق عن الفقه، وعدم اتساع دائرة الفقه؛ لتشمل الأخلاق أيضاً.

بَيْدَ أن هذه الأدلة غير مقنعةٍ، ولا يمكنها أن تحول دون توسيع الفقه ليطال مجال الأخلاق أيضاً؛ وذلك للأسباب التالية:

أـ ما قيل من أن دائرة الأخلاق تتعلَّق بالأعمال الجوانحية، والفقه يتعلّق بالأفعال الجوارحية، ومن هنا لا يمكن للمسائل الأخلاقية أن تندرج ضمن دائرة الفقه والتكليف، غيرُ صحيحٍ؛ وذلك أوّلاً: لأن الأخلاق لا تتعلّق بالأعمال الجوانحية فقط، بل هي ـ مثل الفقه ـ قد تشمل بعض الأفعال الجوارحية أيضاً، من قبيل: الكذب، والغيبة، والتهمة، والأمانة، والإنفاق، والكثير من أعمال البرّ الأخرى، التي هي من فعل جوارح الإنسان. وثانياً: إن تلك المجموعة من المسائل الأخلاقية، ومن بينها: التكبُّر، والحَسَد، والحبّ، وما إلى ذلك ممّا يندرج ضمن الأعمال الجوانحية والداخلية، يمكن أن تكون متعلّقاً للحكم والتكليف أيضاً. ببيان: إن متعلّق التكليف والخطاب الشرعي في هذا النوع من المسائل هو مقدّمات هذه المَلَكات، التي تؤدّي إلى ظهور التكبُّر والحَسَد والمحبّة، أو آثارها وتَبِعاتها الواقعة تحت اختيار الإنسان، وليس نفس مَلَكة التكبُّر أو الحَسَد أو المحبّة. وعلى هذا الأساس فإن الإشكال بعدم اختيارية المسائل الأخلاقية وعدم تعلّق التكليف بها لن يكون صحيحاً.

2ـ وفي ما يتعلق باختلاف مصدر الأخلاق يجب القول: أوّلاً: رغم أن الأخلاق تنشأ ـ بالإضافة إلى الشرع ـ عن مصدرين، وهما: الفطرة؛ والعقل، أيضاً، بَيْدَ أن فطرة الإنسان وعقله لا يستطيعان لوحدهما، ومن دون مؤازرة من الشرع، أن يحصلا على معرفةٍ جامعة وتفصيلية، ومن دون خطأ، في جميع التعاليم والمسائل الأخلاقية. ومن هنا فإن جميع الناس يحتاجون إلى مصدرٍ أسمى وأكمل؛ كي يهديهم إلى التعاليم والسلوكيات الأخلاقية بشكلٍ جامع ومناسب، وليس هذا المصدر سوى الشرع، بمعنى القرآن والسنّة. وثانياً: إن محلّ بحثنا في هذا الموضوع إنما هو ذلك القسم من المسائل والموضوعات الأخلاقية التي تنبثق عن مصدر الوحي، والتي يرشد إليها القرآن والسنّة، وعلى أساس الرأي المنظور يمكن للفقه أن يدخل هذه المساحة من التعاليم الأخلاقية، ويبحث هذه المسائل من زاوية التكليف والمسؤولية.

3ـ في ما يتعلّق بالقول: إن الأخلاق لا تمتلك ضمانةً تنفيذية، في حين أن الفقه يحتوي على مثل هذه الضمانة، يجب القول أيضاً: هناك أحكامٌ فقهية كثيرة، مثل: الصلاة والصوم وأمثالهما، ليس لها من ضمانةٍ تنفيذية سوى الإيمان والوجدان؛ حيث لا يتمّ في الخارج تعقُّب الشخص بسبب ترك هذه الأحكام، أو بسبب عدم اهتمامه وتهاونه بها. كما أن بعض التعاليم الأخلاقية، من قبيل: خيانة الأمانة، والافتراء على الآخرين، يمكن أن يفرض عليها ضمانة تنفيذية خارجية، ومطاردة الأشخاص بجريرة ترك هذه المعايير الأخلاقية. وعلى هذا الأساس فإن القول باختلاف المسائل الأخلاقية عن المسائل الفقهية من هذه الناحية لا يشكِّل سبباً للاختلاف والقول بالفصل بين هذين العلمين.

4ـ وفي ما يتعلَّق بما قيل من أن المسائل الأخلاقية قد تمّ تشريعها من قِبَل الشارع بغية تهذيب النفس، إلاّ أن المسائل الفقهية لا شأن لها بهذه الناحية، يجب القول: أوّلاً: إن الأمر ليس كذلك؛ إذ لا يعدم الفقه تماماً من الدعوة إلى تهذيب النفس؛ لأن الغاية من الإتيان بالتكاليف الشرعية هي الأخرى تهذيب النفس وابتعاد الإنسان عن الأدران والمفاسد. وقد بيَّن القرآن الكريم أن الغاية من تشريع حكم الزكاة هو تطهير النفس وتزكيتها، قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ (التوبة: 103)، وإن من بين الحِكَم الأصلية لتشريع الصلاة هو الانتهاء عن الفحشاء والمنكر؛ إذ يقول تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ (العنكبوت: 45).

وثانياً: صحيحٌ أن الغاية الأساسية في الأخلاق هي تهذيب النفس، وأن المقصود في الفقه غالباً هو رفع التكليف والإتيان بالوظيفة، إلاّ أن هذا الأمر لا يمنع من بحث المسائل الأخلاقية في الفقه، ولذلك فإن المسائل الأخلاقية ـ كما ذكرنا آنفاً ـ عندما تدخل في دائرة الفقه فإن الفقيه إنما يبحث هذه المسائل من زاوية التكليف والوظيفة، ويترك بُعْد تهذيب النفس إلى مجاله الخاصّ، أي علم الأخلاق. وبعبارةٍ أخرى: إن الفقه إنما يهتمّ بالجانب الحقوقي والتكليفي من الموضوع، ولا يتدخّل في المجال والجانب القِيَمي والأخلاقي لهذه المسائل، وهو المجال المتمثِّل بتهذيب النفس.

5ـ كما أن القول باختلاف الأخلاق عن الفقه من حيث ثبات القِيَم الأخلاقية، وتغيُّر القوانين الفقهية، لا يصحّ على إطلاقه؛ إذ كما يوجد في الفقه بعض الأحكام المتغيِّرة، كذلك نجد في الأخلاق بعض التعاليم والقوانين المتغيِّرة أيضاً، من قبيل: الآداب والتقاليد الاجتماعية التي تتغيَّر بتغيُّر المجتمع. فقد يكون المفهوم الأخلاقي ذا قيمةٍ عند مجتمعٍ، ولا يكون كذلك في مجتمعٍ آخر، بل قد يُعَدّ مخالفاً للقِيَم.

ب ـ في ما يتعلّق بالإشكال الثاني، حيث قيل: «إن توسيع دائرة الفقه لتشمل مجال الأخلاق يؤدّي إلى سلب حرّية وإرادة المتشرّعين، والإخلال بتطابق الشريعة مع الفطرة، واضمحلال الإيمان والاعتماد على الشريعة»، فهو كلامٌ مجانبٌ للصواب؛ وذلك للأسباب التالية:

أوّلاً: إذا كان إدخال التعاليم الأخلاقية إلى الفقه، وتحديد الإنسان بواسطة دخول الفقه إلى مجال الأخلاق، ينطوي على مثل هذه التداعيات فيجب عدم حصر هذه التَّبِعة في محدودية الإنسان ضمن هذه الدائرة فقط، بل يجب تعميمها على كل موردٍ يتم تحديد الإنسان بواسطة الواجبات والمحظورات بغير العقل والفطرة، حيث يجب أن ينطوي على مثل هذه التَّبِعة أيضاً. ومن بين الموارد والمجالات التي يتمّ فيها تحديد أفعال وسلوك الإنسان بواسطة الواجبات والمحظورات هو مجال الفقه والقوانين التي يتمّ تشريعها في مورد الفروع العملية؛ إذ تعمل هذه القوانين والأحكام في الكثير من الموارد على تحديد ميول ورَغَبات الإنسان. وعليه هل يمكن القول باختلال تطابق الفطرة والشريعة الإلهية في هذه المورد؛ حيث تمّ تحديد حرّية وإرادة الإنسان؟

ثانياً: إن دخول الفقه في مجال الأخلاق إنما يحول دون الحرّية والإرادة المنبثقة عن الأهواء النفسية والميول الشيطانية، التي لا تجدي الإنسان نفعاً في الدنيا والآخرة، ويضع الإنسان في المسار الحقيقي للعقل والفطرة، ولا شأن له بالحرّية والإرادة المشروعة والنافعة للإنسان.

ثالثاً: ليس توسيع دائرة الفقه لتستوعب الأخلاق غيرَ مُخِلٍّ بتطابق التشريع مع الفطرة فحَسْب، بل يؤدّي إلى إحياء نداء الفطرة وانتشالها من مأزق النسيان والفناء؛ وذلك لأن جميع أحكام الدين والشريعة الإلهية إنما جاءت في إطار نداء الفطرة والعقل. وإن هذا الأمر هو أحد أهمّ الأدلة على إرسال الأنبياء؛ كما قال أمير المؤمنين×: «فبعث [الله] فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه؛ ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسيّ نعمته، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول»([20]).

رابعاً: إن اتّساع الفقه ليشمل الأخلاق لن يستتبع التداعيات المذكورة آنفاً، بل سينطوي على الكثير من الفوائد للأخلاق ـ الأعمّ من الفردية والاجتماعية ـ أيضاً، وسوف نشير إلى الفوائد الهامّة المترتِّبة على ذلك في ختام هذه الدراسة.

ب ـ نظرية جواز توسيع دائر الفقه لتشمل الأخلاق

الرأي الآخر في هذا الشأن يقول بجواز توسيع دائرة الفقه؛ لتشمل مجال الأخلاق أيضاً. ويمكن اعتبار تلك الطائفة من الفقهاء ـ الذين تناولوا بعض الأبحاث الأخلاقية في كتب آيات الأحكام والمصادر الفقهية الخاصّة، وبحثوها من زاوية الفقه والتكليف ـ ضمن أنصار هذه الرؤية.

ويُعَدّ عبد الله درّاز ـ وهو من علماء أهل السنّة ـ من القائلين بهذه النظرية؛ حيث انتقد الفقهاء في معرض إشارته إلى هذا الموضوع، آخذاً عليهم تجاهلهم الأوامر والنواهي الأخلاقية في المسائل والموضوعات الفقهية، وعدم إدراجهم لها ضمن أبواب خاصّة([21]).

كما قال الغزالي ـ من علماء أهل السنّة ـ في هذا الشأن: «معرفة آفات الأعمال قد اندرست في هذه الأعصار؛ فإن الناس كلّهم قد هجروا هذه العلوم، واشتغلوا بالتوسُّط بين الخلق في الخصومات الثائرة في اتّباع الشهوات، وقالوا: هذا هو الفقه، وأخرجوا هذا العلم الذي هو فقه الدِّين عن جملة العلوم، وتجرَّدوا لفقه الدنيا الذي ما قصد به إلاّ دفع الشواغل عن القلوب؛ ليتفرّغ لفقه الدِّين، فكان فقه الدنيا من الدين بواسطة هذا الفقه»([22]).

إن هذا الكلام من الغزالي وإنْ كان ينطوي ـ من بعض الجهات ـ على بعض الشَّطَط، ومن ذلك اعتباره الفقه من علوم الدنيا، ولكنه يشير في الوقت نفسه إلى هذه المسألة صراحةً، ويقول: يجب على الفقهاء أن لا يكتفوا بالأبحاث السائدة في الفقه فقط، بل عليهم، بالإضافة إلى ذلك، أن يهتمّوا بالمسائل الأخلاقية ـ ذات الأهمّية الأكبر ـ أيضاً.

وقد عمد السيد محمد الصدر ـ من فقهاء الإمامية المعاصرين ـ إلى بحث جانب من المسائل الأخلاقية من زاوية الفقه في كتابٍ مستقلّ بعنوان: «فقه الأخلاق».

كما ذهب مفكِّرٌ معاصر آخر ـ ضمن إشارته إلى بعض الاختلافات بين الأخلاق والفقه ـ إلى اعتبار هذه الاختلافات سبباً في عدم اتّساع الفقه لدائرة الأخلاق، قائلاً: «إن هذه المسائل [الاختلافات بين الفقه والأخلاق] لا تقتضي عدم إدراج المسائل الأخلاقية ضمن الأُطُر القانونية، أو العمل على تبويب وتفصيل المسائل الأخلاقية من هذه الزاوية. كما تندرج بعض المسائل الأخلاقية بشكلٍ ملحوظ في الأحكام الفردية والاجتماعية، ويبحثها الفقهاء بشكلٍ عامّ أو خاصّ، ويدخلونها في بحث الاستنباط. وبالتالي فإن تلك المحدودية التي فرضت على آيات الأحكام ـ وحشرتها ضمن عددٍ قليل جدّاً يترواح ما بين مئتين أو ثلاثمئة أو خمسمئة أو تسعمئة آية، على اختلاف الآراء ـ أخذت تنحسر، وبدأت تتّسع لموضوعات أوسع؛ وذلك لأن القرآن إذا كان كتاب حياة وبيان لطريق السعادة فإن كلّ نقطةٍ فيه تمثِّل تأسيساً لمبنىً، وتبياناً لحكمٍ من الأحكام.

وعلى هذا الأساس فإن المسائل الأخلاقية يمكن أن تقدِّم حلاًّ في هذا الشأن، ويتحوَّل الجانب التوصيفي والقِيَمي فيها إلى دستورٍ وحكم، وتندرج ضمن أُطُرها الخاصّة في مختلف أبواب الأحكام الفردية والاجتماعية والسياسية، ويخرج الفقه من حصار الأبواب الضيِّقة إلى رحابٍ جديدة أوسع»([23]).

كما شكا محقِّقٌ آخر ـ من محدودية الفقه واقتصاره على أبواب خاصّة، وعدم دخوله في مجالات المعارف الدينية الأخرى، ومن بينها: مجال الأخلاق ـ وقال في هذا الشأن: «لقد تمّ تقليص دائرة الاجتهاد منذ أمدٍ بعيد من حدود الفقه الشامل = الفقه العلمي (المعتقدات والآراء الدينية) والفقه العملي (الأحكام والأخلاق)؛ ليقتصر على مجال الأحكام فقط. كما تمّ تضييق دائرة الاجتهاد والتفقُّه في مجال الأحكام؛ لتقتصر على دائرة التكاليف الفردية والعبادية. وبذلك لم يَعُدْ يجري كما ينبغي في قسم الآراء الدينية (العقائد)، والسلوكيات الدينية (الأخلاق)، والتربية الدينية. كما لا نجد سرياناً لفقه المجتمع والسياسة، حيث لا وجود لاستنباطٍ طليعيّ فعّال في هذا الشأن. ويكفي لإثبات هذا المدَّعى أن نجري مقارنةً كمية وكيفية بين أبحاث ومسائل الأبواب المعدودة لفقه العبادات وبين الأبواب ذات العناوين العريضة والحجم المقتضب لفقه المجتمع والسياسات والقضاء»([24]).

الأدلّة على إثبات نظرية جواز اتّساع الفقه لدائرة الأخلاق

يمكن إقامة مختلف الأدلة والشواهد على تشريعية الموضوعات والمسائل الأخلاقية، وجواز توسيع دائرة الفقه لتشمل الأخلاق أيضاً. ومن أهمّ تلك الأدلة ما يلي:

 

1ـ الاشتراك في الموضوع والمساحة والهدف

إن من بين الأدلة التي يمكن على أساسها إضافة الفقه إلى مجال الأخلاق، وبحث الموضوعات والمسائل الأخلاقية من زاوية الفقه، هي أن الموضوعات والأبحاث الأخلاقية وإنْ كانت تختلف عن الفقه من ناحيةٍ، ولكنّها تشترك معه من جهات متعدّدة. وذات نقاط الاشتراك هذه تصلح أن تكون دليلاً على طرح هذه الأبحاث في دائرة الفقه. ومن بين نقاط الاشتراك بين هذين العلمين اشتراكهما في الموضوع والمساحة والهدف، ببيان:

1ـ إن موضوع الفقه والأخلاق مشتركٌ من جهةٍ؛ أي كما أن موضوع الفقه هو أفعال المكلّفين من حيث الجواز والحرمة فإن موضوع الأخلاق من جهةٍ هو السلوك العملي والاختياري لأفراد البشر([25])، بمعنى أن هذا العلم يُبحث فيه عن الأفعال الجائزة والحَسَنة التي يجب على المكلّفين أن يقوموا بها، والأفعال القبيحة التي يجب عليهم تركها. وعليه حتّى إذا نظرنا إلى الفقه بمعناه المصطلح فإن هذا المعنى سوف يكون شاملاً للسلوكيات والأفعال الأخلاقية للإنسان أيضاً.

2ـ ويشترك الفقه والأخلاق في المساحة أيضاً، حيث يشتمل كلّ واحدٍ منهما على ثلاثة أنواع من العلاقات، وهي: علاقة الإنسان بخالقه؛ وعلاقته بنفسه؛ وعلاقته بالآخرين وبيئته. وكلا هذين العلمين يحدِّد نوع تعامل الفرد مع كلّ واحدٍ من هذه العلاقات الثلاث([26]).

3ـ ويشترك هذان العلمان من حيث الهدف أيضاً؛ فكما أن غاية الفقه هي إصلاح الفرد والمجتمع؛ وصولاً إلى السعادة الأخروية([27])، كذلك فإن غاية الأخلاق هي تقويم سلوك الإنسان وإصلاح الفرد والمجتمع؛ من أجل الوصول في نهاية المطاف إلى الفلاح والسعادة الأخروية([28]).

وعليه؛ حيث يشترك هذان العلمان في هذه الجهات الثلاثة، فإن الفقه عندما يدخل في دائرة الأخلاق إنما يدخل في الواقع في دائرة موضوعاته، لا أنه يتجاوز حدوده ويدخل في حدود خاصّة بالأخلاق. ومن هنا نجد السيد محمد الصدر، في كتاب فقه الأخلاق، يقول، بعد بيان أربعة وجوه من موارد الاشتراك بين هذين العلمين: «إن هناك علاقةً وثيقة وحميمة بين علمَيْ: الفقه؛ والأخلاق؛ حتّى كاد أن يكون أحدهما عين الآخر»، بمعنى اعتبار الفقه أخلاقاً والأخلاق فقهاً، وإن الاختلاف بينهما إما أن يكون من جهة القصور؛ أو من جهة التقصير؛ أو إن الاختلاف بينهما يأتي من جهة النظر إلى كلّ واحدٍ من هذه الموضوعات([29]).

2ـ وحدة سياق القرآن في الموضوعات الفقهية والأخلاقية

الدليل الثاني على جواز تشريعية الموضوعات الأخلاقية هو سياق وأسلوب بيان القرآن الكريم في الموضوعات الأخلاقية، ببيان: إنه عند المقارنة بين أسلوب ولحن بيان القرآن في مورد المسائل الأخلاقية والمسائل الشائعة في الفقه نشاهد أنه لا يوجد هناك أيُّ اختلافٍ في هذين الموردين أبداً، بل نجد في بعض الموارد أن اللحن التشريعي والحكمي للقرآن في الموضوعات الأخلاقية أشدّ بكثيرٍ من بيان القرآن في بعض الموضوعات الفقهية. ومن ذلك أن القرآن ـ على سبيل المثال ـ كما أمر المسلمين بالصلاة في قوله: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ (العنكبوت: 45)، أو أوجب عليهم الصيام بقوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ (البقرة: 183)، قد أمر المسلمين بالعدل والإحسان وتقديم العَوْن لذوي القربى بذات اللحن والبيان؛ إذ يقول: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾ (النحل: 90)، وأمرهم بأداء الأمانة بقوله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ (النساء: 58). بل ويعمد في بعض الموارد إلى بيان أهمّية المسائل الأخلاقية ـ من قبيل: الإحسان إلى الوالدين ـ، بحيث يؤكِّد عليها مراراً وتكراراً، بل ويقرنها بأهمّ رسالةٍ للأنبياء، أي العبادة التوحيدية ونفي الشرك؛ إذ يقول تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾ (الإسراء: 23)([30]).

وكما نهى القرآن المسلمين عن الصلاة في حالة السكر والجنابة، في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾ (النساء: 43)، أو نهاهم عن قتل بعضهم بعضاً، واعتبر قتل المؤمن عن عمدٍ سبباً للخلود في النار، بقوله: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً… وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً﴾ (النساء: 92 ـ 93)، فقد منع المسلمين كذلك من الاستهزاء ونبز بعضهم بالألقاب القبيحة، ونهاهم عن سوء الظنّ، والتجسُّس، واغتياب بعضهم، بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ (الحجرات: 11 ـ 12)، واعتبر أن عاقبة بعض الرذائل الأخلاقية هي السقوط في الدرك الأسفل من الجحيم، قائلاً: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ﴾ (الهمزة: 1 ـ 6).

كما نلاحظ في الكثير من الموارد أن القرآن الكريم يقرن بين المسائل الأخلاقية والفقهية ضمن سياقٍ واحد، كما في الأمر بالخشوع أثناء الصلاة، والابتعاد عن الذنوب، ودفع الزكاة، ورعاية العفاف، وأداء الأمانة، واحترام العهود والمواثيق، والمحافظة على الصلاة، كما في قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ (المؤمنون: 1 ـ 9).

وهكذا الأمر بالصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم التكبُّر، والاعتدال في الحياة، وعدم رفع الصوت؛ إذ يقول تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ (لقمان: 17 ـ 19).

فعلى هذا الأساس؛ وبالنظر إلى هذه الوحدة في السياق والأسلوب، فكما أن الله قد أمر بالصلاة والصيام، وعدم الصلاة في حالة السكر أو الجنابة، في الآيات الآنف ذكرها، وتمّ بحثها ودراستها في الفقه، كذلك أمر الله تعالى بالعدل والإحسان وأداء الأمانة، ونهى عن الخيانة والغيبة والتكبُّر، حيث تُعَدّ في الآيات المذكورة من التشريعات الإلهية، ويمكن بحثها في مصادر آيات الأحكام والفقه أيضاً.

3ـ وحدة أسلوب وسياق الروايات في الموضوعات الفقهية والأخلاقية

الدليل الآخر على تشريعية الأوامر والتعاليم الأخلاقية هو الروايات الواردة في المصادر الإسلامية؛ فإن أسلوب المعصومين في بيان الموضوعات والمسائل الأخلاقية يشبه أسلوبهم في بيان الموضوعات الشائعة في الفقه. فالبيان في كلا الموردين هو التشريع والتكليف، وقد أمر النبيّ الأكرم| وأهل البيت^ عموم المكلَّفين بفعل أو ترك المسائل الأخلاقية صراحةً، أو أنهم قد استعملوا فيها تعبيرات هي في حكم الأمر والنهي، ويُستفاد من بعضها أحد الأحكام التكليفية الخمسة، أي: الوجوب، أو الحرمة، أو الاستحباب، أو الكراهة، أو الإباحة، من قبيل: التعبير بالوجوب في مورد ردّ جواب السلام والكتاب: «ردّ جواب الكتاب واجبٌ، كوجوب ردّ السلام»([31])؛ وإبداء الحبّ والمودّة لأولياء الله، وبُغْض أعداء الله: «وحبّ أولياء الله ـ عزَّ وجلَّ ـ واجبٌ، وكذلك بُغْض أعدائهم والبراءة منهم ومن أئمّتهم»([32])؛ والأمر بأداء الأمانة: «أدّوا الأمانة إلى مَنْ ائتمنكم عليها، برّاً أو فاجراً»([33])؛ والأمر بحُسْن الخُلُق: «عليكم بحُسْن الخُلُق»([34])؛ والأمر بالتواضع: «عليكم بالتواضع»([35])؛ وكذلك النهي عن الحَسَد والحرص والتكبُّر: «أنهاك عن ثلاث خصال: الحَسَد والحِرْص والكِبْر»([36]).

والذي يؤيِّد تشريعية هذه الموضوعات أسلوب ومنهج بعض المحدِّثين الإمامية؛ حيث عمدوا إلى جمع هذه الروايات في الكتب الروائية الخاصّة بالروايات الفقهية، وأصدروا الأحكام التكليفية على أساسها. ومن هؤلاء المحدِّثين يمكن لنا أن نذكر الشيخ الحُرّ العاملي، حيث جمع في كتاب وسائل الشيعة الكثير من الأحاديث الخاصّة بالمسائل الأخلاقية في أبواب خاصّة، واستنبط من هذه الروايات أحكاماً فقهية، من قبيل: «باب استحباب التفكُّر في ما يوجب الاعتبار»، و«باب استحباب التخلُّق بمكارم الأخلاق»، و«باب وجوب التوكُّل على الله»، و«باب وجوب الخوف من الله»، و«باب استحباب كثرة البكاء من خشية الله»، و«باب وجوب حُسْن الظنّ بالله وتحريم سوء الظنّ به»، و«باب وجوب الصبر على طاعة الله»، و«باب استحباب الصبر في جميع الأمور»، و«باب استحباب التواضع»، و«باب تحريم طلب الرئاسة مع عدم الوثوق بالعدل»، و«باب تحريم طلب الرئاسة مع عدم الوثوق بالعدل»، و«باب وجوب تسكين الغضب عن فعل الحرام»، و«باب تحريم الحَسَد ووجوب اجتنابه دون الغبطة»، و«باب تحريم الكِبْر»([37])، و«باب تحريم حبّ الدنيا المحرَّمة ووجوب بُغْضها»، و«باب استحباب الزُّهْد في الدنيا، وحدّ الزُّهْد»، و«باب كراهة الحِرْص على الدنيا»، و«باب كراهة حبّ المال والشَّرَف»، و«باب كراهة الطمع»([38]).

4ـ سيرة ومنهج الفقهاء ومفسِّري آيات الأحكام

لقد بحث الكثير من الفقهاء ـ من الفريقين ـ في كتبهم الفقهية الخاصّة وآيات الأحكام بعض الأبحاث الأخلاقية والمسائل المرتبطة بتهذيب النفس من جهة التشريع والتكليف. ويمكن أن نذكر من بين الكتب الفقهية الخاصّة كتاب «سُبُل السلام»، لمؤلِّفه: محمد بن إسماعيل الكحلاني ـ من علماء أهل السنّة ـ، حيث عمد ـ بعد الخوض في بعض الأبحاث الشائعة في الفقه، ومنها: بحث الطهارة، والصلاة، والصوم، والزكاة وما إلى ذلك ـ إلى التعرُّض في المجلد الرابع من هذا الكتاب إلى بعض الأبحاث الأخلاقية، من قبيل: السلام وإلقاء التحية وآدابها، وآداب الأكل والشرب، والإحسان وصلة الرحم، والزهد والورع، والذكر والدعاء، والتوبة، والحَسَد، والغضب، والبُخْل، والرِّياء وأنواعه، والنفاق، والتكبُّر، وإيذاء المسلمين، والتواضع، وما إلى ذلك([39]).

كما قام الشيخ وهبة الزحيلي ـ وهو الآخر من فقهاء أهل السنّة أيضاً ـ ببحث بعض المسائل الأخلاقية والاجتماعية، ومنها: بحث التوبة، في كتابه «الفقه الإسلامي وأدلّته»([40]).

كما بحث الشيخ الأنصاري ـ من فقهاء الإمامية ـ بدَوْره الكثير من المسائل الأخلاقية من زاوية الفقه أيضاً، ويمكن الإشارة من بينها إلى: سبّ المؤمن، والكذب وأنواعه، واللهو واللعب، والمديح والتملُّق، والإعانة على الظلم والمعصية، والغيبة، والنميمة، والغشّ في المعاملة، وهجاء المؤمن([41]). كما ألَّف الشيخ الأنصاري رسالةً مستقلّة في موضوع العدالة من الزاوية الفقهية أيضاً([42]).

كما يمكن أن نذكر من علماء الشيعة الآخرين: جدّ الشيخ البهائي، والسيد المرتضى([43])، والسيد محمد البجنوردي، حيث ألَّف كلٌّ منهم رسالةً مستقلّة في موضوع التوبة من الزاوية الفقهية([44]). هذا وقد بحث المحقِّق الكركي ثلاث مسائل، وهي: الغيبة، والسلام والتحية، والعدالة، في رسائل مستقلّة من زاوية الفقه أيضاً. وقد ذكر الآغا بزرگ الطهراني، في كتابه القيِّم «الذريعة»، ما يقرب من عشرة كتب ورسائل مستقلّة في موضوع العدالة([45])، كما ذكر ما يقرب من عشر رسائل في موضوع الغيبة، حيث تمّ تأليفها من قِبَل علماء الشيعة من زاويةٍ فقهية([46]).

ومن بين كتب آيات الأحكام التي تناولت هذه المسائل يمكن لنا أن نشير إلى «تفسير أحكام القرآن»، لمؤلِّفه: محمد خزائلي، حيث تعرَّض إلى بحث بعض المسائل الأخلاقية، ومنها: الفضائل والرذائل المرتبطة بالمُدْرَكات والمشاعر والعواطف والإرادة واللغة والعلاقات الإنسانية مع العالم الخارجي، في جزءٍ من هذا التفسير تحت عنوان: «الأحكام النفسانية»([47]). وقد كتب في مستهلّ مسائله الأخلاقية ما يلي: «إن هذا النوع من الأحكام التي اختَرْنا لها عنوان: الأحكام النفسانية، ونسعى هنا إلى بيانها، يطلق عليه في المصطلح العامّ عنوان: الأحكام الأخلاقية، ولا ينبغي من بعض الجهات اعتبارها من الأحكام الفقهية؛ ولذلك لم يتعرَّض لها عامّة مؤلِّفي أحكام القرآن. وأما من وجهة نظر كاتب السطور فإن هذا النوع من الأحكام يجب تسميته بـ «الأحكام النفسانية»؛ لأن المراد منها هو إيجاد المَلَكات الفاضلة والعادات الفردية والاجتماعية الحَسَنة. ففي مقابل كلّ واحدةٍ من المَلَكات الفاضلة يمكن تصوُّر رذيلةٍ أو رذائل من شأنها أن تتحوَّل إلى مَلَكات نفسانية. ولا شَكَّ في أن كلّ واحدةٍ من هذه المَلَكات، تشكّل دافعاً لصدور الأفعال الحَسَنة أو القبيحة؛ إذ يترتَّب عليها الثواب والعقاب، وحيث إن الفقهاء يدرجون الأعمال المندوبة والأفعال المكروهة ـ وحتّى الأمور المباحة ـ ضمن الأحكام التكليفية يمكن اعتبار الأحكام النفسانية ـ بلحاظ منشئيّتها للأعمال والأحكام ـ في عداد الأحكام الفقهية»([48]).

ومن بين المفسِّرين المعاصرين مَنْ تعرَّض بدَوْره في تفسيره «فقه القرآن» إلى بعض المسائل الأخلاقية من زاويةٍ فقهية أيضاً، ومن بين المسائل التي تناولها بالبحث يمكن لنا أن نذكر: النفاق، والافتراء، والغيبة، والتُّهْمة، والكذب، والسبّ، والتوبة والاستغفار، والتوسُّل والشفاعة، والرزق، والآداب الاجتماعية، والدعاء والتضرُّع([49]).

إن منهج وأسلوب هذه الطائفة من الفقهاء ومفسِّري آيات الأحكام، الذين تناولوا المسائل الأخلاقية بالبحث من زاويةٍ فقهية، يؤيِّد هذه المسألة، وهي أن الفقه يمكن إقحامه في دائرة المسائل الأخلاقية، والعمل على بحث وتحليل هذه المسائل والموضوعات من زاوية الفقه والتكليف.

فوائد وآثار توسعة الفقه وشموله للأخلاق

إن توسيع دائرة الفقه لتشمل الأخلاق، ودراسة المسائل والموضوعات الأخلاقية من زاوية التكليف، يعود بالكثير من الفوائد على الأفراد والمجتمع، وإن وجود هذه المنافع يستدعي جواز ـ بل وضرورة ـ بحث الموضوعات الأخلاقية من زاوية علم الفقه والتكليف. وإن أهمّ هذه الآثار والفوائد هي:

1ـ إن اتساع الفقه لدائرة الأخلاق ينتشل الأفعال والأخلاق الفردية والاجتماعية للناس من الهرج والمرج، وعدم القيود المحدّدة، ويؤدّي إلى إندراج الموازين الأخلاقية ضمن أُطُرها الشرعية الصحيحة. ويعود السبب في ذلك إلى أن الأخلاق عندما تستند إلى المصادر المختلفة، والأفهام المتفاوتة، والمدارك المتنوِّعة، والآداب الاجتماعية المتضاربة، فإن كلّ شخصٍ سوف يعمل على تفسير الأخلاق والموازين الأخلاقية، ويعمل على تطبيقها استناداً إلى كلٍّ من تلك المصادر المختلفة، وهذا بدَوْره يؤدّي إلى ظهور أشكال متعدّدة من الأخلاق في المجتمع، ورُبَما تكون متضاربةً أحياناً؛ وأما عندما يتمّ بحث الأخلاق من قِبَل المتخصِّصين في الدِّين ـ الذين هم الفقهاء ـ، ويتمّ استنباط الإرشادات واستخراج التعاليم الأخلاقية من مصادرها الأصلية والكاملة، ونعني بذلك القرآن والسنّة، فإنه يمكن لها أن تكون أخلاقاً صحيحةً ومستندة إلى موازين الشرع والدِّين. وبالتالي فإن أخلاق الأفراد في جميع المجتمعات والأماكن سوف تكون واحدةً، وذات حدود واضحة ومتعيِّنة.

2ـ والفائدة الثانية التي تترتَّب على بحث الأخلاق فقهياً تكمن في تعرّف أفراد المجتمع على وظائفهم بشكلٍ دقيق؛ ببيان: إنه في بحث التعاليم والمفاهيم الأخلاقية فقهياً يتمّ تحديد مقدار اعتبارها بشكلٍ دقيق، ويتّضح ما إذا كان كلّ واحدٍ من هذه المفاهيم والتعاليم الأخلاقية هو من النوع الواجب أو الحرام أو المكروه أو المستحبّ أو المباح. وقال أحد المحقِّقين المعاصرين في هذا الشأن: «إن الفائدة التي تُجنى من بحث المسائل الأخلاقية على المستوى الفقهي هي أنها سوف تتمتّع ببيانٍ قاطع ومحدَّد؛ فإن الفقه حيث يفيد حدوداً مختلفة، ويبيِّن لكلّ واحد من الأمور حدّاً معيناً، فإنه يُحْدِث مثل هذه الخصائص في المسائل الأخلاقية. وبعبارةٍ أخرى: إن بحث المسائل الأخلاقية فقهياً سوف يُخرج المكلَّف من حالة الحَيْرة وانعدام التكليف؛ حيث يتبيَّن له بشكلٍ قاطع ما الذي يجب عليه فعله؟ وما الذي يجب عليه عدم فعله؟»([50]).

3ـ الفائدة الثالثة من هذه التوسعة هي أن الأخلاق تكتفي في الغالب بالإرشادات والتوصيات العامّة، ولا تبدي رأياً في مورد الجزئيّات وفروع الموضوعات المختلفة؛ وأما في الفقه فيتمّ بحث جميع جهات كلٍّ من الموضوعات الابتلائية، بواسطة الاستعانة بالأدلة الواردة في ذلك الموضوع بشكلٍ عامّ أو خاصّ، ثمّ يتمّ بيان حكم تلك المسألة ـ سواء في المورد العامّ لذلك الوضوع أو في كلّ واحدٍ من جزئياته ـ، وهذا يؤدّي بالأفراد إلى التعرُّف على وظائفهم في مقابل كلّ واحدٍ من الجهات والأنحاء المختلفة للمسائل الأخلاقية. وقال مؤلِّف «فقه پژوهشي قرآني» في هذا الشأن: «إن التعاليم الأخلاقية تحتاج في بعض الأحيان ـ بسبب اختلاف حالات الإنسان في التعاطي معها ـ إلى البحث والتحقيق في مختلف جوانب وشرائط الموضوع والحكم. ومن ذلك أن القرآن الكريم يُشير في قوله تعالى: ﴿إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ﴾ (المجادلة: 11) إلى عملٍ استحبابي، وهو التفسُّح للآخرين في المجالس، إلاّ أن ذات عملية التفسُّح لها شرائط مختلفة. ولا شَكَّ في أن الأشخاص والحالات تختلف؛ كأنْ يكون الشخص في دعوةٍ أو لا يكون في دعوةٍ، أو يتناسب التفسُّح مع حضوره أو لا يتناسب، فهذه أمورٌ وحالات مختلفة. فقد لا يكون هناك معنىً لهذا «التفسُّح» في بعض الموارد، ويؤدّي إلى إرباك المجلس، وتعمّ الفوضى بين الحاضرين، ورُبَما ينطوي عدم التفسُّح في بعض الأحيان على إهانةٍ أو إيذاء أو استهزاء، وبذلك يكون هذا العمل محرَّماً. فيجب مراعاة جميع هذه الحالات في هذه المسألة الأخلاقية. وإن رعاية جميع جهاتها، وبيان أحكام كلّ واحدٍ من هذه الوجوه المختلفة، وموضع بحث جميع هذه الموارد والحالات، إنما يكون في علم الفقه»([51]).

4ـ أما الفائدة الرابعة المترتِّبة على بحث المفاهيم الأخلاقية فقهياً فهي إيجاد الحافز والمزيد من الاهتمام والعمل بهذه المفاهيم. إن هذه الحوافز والاهتمامات يتمّ إيجادها على بُعْدين: البُعْد الأوّل: انتساب التعاليم الفقهية إلى الوحي والإله؛ بمعنى أن الأحكام والقوانين الفقهية ـ خلافاً لجميع التعاليم الأخلاقية ـ تنشأ من الدِّين والوحي الإلهي. وعلى هذا الأساس عندما يدرك الأفراد في المجتمع أن هذا التكليف الذي تمّ بيانه يمثِّل الوظيفة الدينية وكلام الله يحصل لديهم دافعٌ أكبر للقيام به وامتثاله؛ والبُعْد الثاني: وجود الثواب والعقاب في التكاليف الفقهية. ومن هنا عندما يعلم المكلَّف أن القيام بالفعل الأخلاقي أو تركه يعود عليه بمثل هذه النتائج فإن الحافز لديه إلى العمل بهذه التعاليم الأخلاقية سوف يتضاعف.

5ـ والمنفعة الأخرى المترتِّبة على بحث المسائل الأخلاقية فقهياً، والتي يمكن عدُّها من أهمّ فوائد دخول الفقه إلى دائرة الأخلاق، هي أن توسيع الفقه ليشمل الأخلاق يؤدّي إلى العمل بالتعاليم الأخلاقية للدِّين، وعدم تجاهل هذه التعاليم الأخلاقية؛ والسبب في ذلك أن الكثير من المسائل الأخلاقية يتمّ تجاهلها ولا تحظى بالاهتمام الكافي؛ بحجّة أنها مجرّد مفاهيم أخلاقية، وأن امتثالها أو تركها لا يستتبع غير الثناء أو الشَّجْب الأخلاقي، ولكنْ عندما يتمّ ربط هذه التعاليم بالشرع والدِّين، ويندرج كلٌّ منها تحت عنوانٍ من الأحكام الشرعية الخمسة، من الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة، فإن الأشخاص المتشرِّعين ـ في الحدّ الأدنى ـ سوف يُبْدُون تجاهها ذات الاهتمام الذي يُبْدُونه تجاه الصلاة والصوم ونظائرهما من التكاليف الشرعية، ويعملون بها. وبذلك فإن هذا الأمر سوف يُدخل التعاليم والمفاهيم الأخلاقية إلى مسرح الحياة العملية للناس. يُضاف إلى ذلك أن الضمانة التنفيذية الموجودة في الإلزامات الفقهية، وعدم وجود مثل هذه الضمانة بالنسبة إلى المسائل الأخلاقية، يشكِّل مؤيِّداً آخر يمكنه أن يوجب الاهتمام والمزيد من العمل من قِبَل الأفراد بالتعاليم الأخلاقية في مثل هذه الحالة.

النتيجة

إن النتيجة التي يمكن الحصول عليها من مجموع ما تقدَّم هي أن موضوعات ومسائل الأخلاق العملية التي تندرج ضمن حدود اختيار وإرادة الإنسان، كما يمكن أن تبحث في مجال الأخلاق، ويمكن لعلماء الأخلاق دراستها وبحثها من مختلف الجهات والأبعاد الأخلاقية، كذلك يمكن بحثها من زاوية الفقه أيضاً. وإن الفقهاء يمكنهم ـ من خلال إثارة هذه الأبحاث في تفاسير آيات الأحكام والكتب الفقهية الخاصة ـ بيان الحكم الشرعي في مورد كلّ واحدٍ من هذه الموضوعات. وإن الطريقة العملية إلى تحقيق هذه الغاية تكمن في انتهاج ذات سيرة وأسلوب بعض الفقهاء الذين أدرجوا بعض المسائل الأخلاقية في كتب الفقه وآيات الأحكام؛ وإضافة أبواب وكتب جديدة إلى الفقه والمصادر الفقهية، وأن يتمّ بحث الموضوعات والمسائل الأخلاقية، بشكلٍ تفصيلي، من زاوية الآيات والروايات وسائر الأدلّة الأخرى، كما هو الشأن في الأبحاث المتداولة في علم الفقه. وبذلك، وبالإضافة إلى حصول الفرد والمجتمع على الفوائد المتقدّمة، سوف يتحرَّر الفقه من الضيق والمحدودية التي يعاني منها حالياً، ويدخل من الناحية العملية في جميع مجالات الحياة الفردية والاجتماعية للبشر؛ حيث تمسّ الحاجة المُبْرَمة إلى بيان رؤية الشرع بشأنها.

الهوامش

(*) باحثٌ في العلوم الدينيّة.

(**) أستاذٌ مساعِدٌ في كلِّية علوم الحديث.

([1]) الفيومي، المصباح المنير: 1 ـ 2، 479، منشورات دار الهجرة، قم، 1405هـ.

([2]) الراغب الإصفهاني، المفردات في غريب القرآن: 385، دار المعرفة، ط5، بيروت، 1428هـ ـ 2007م.

([3]) انظر: المحقّق الكركي، جامع المقاصد 1: 12، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت^، قم، 1408هـ؛ الشهيد الأول، الذكرى 1: 289، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت^، قم، 1419هـ.

([4]) محمد تقي الحكيم، الأصول العامة لفقه المقارن: 41، مؤسّسة آل البيت^ للطباعة والنشر، قم، 1979م.

([5]) انظر: الفيومي، المصباح المنير: 181.

([6]) انظر: الراغب الإصفهاني، المفردات في غريب القرآن: 297.

([7]) انظر: محسن غرويان، فلسفه أخلاق (فلسفة الأخلاق): 25، مركز تحقيقات إسلامي، قم، 1379هـ.ش. (مصدر فارسي).

([8]) انظر: ناصر مكارم الشيرازي، أخلاق در قرآن (الأخلاق في القرآن): 24، مدرسة الإمام أمير المؤمنين×، قم، 1377هـ.ش. (مصدر فارسي).

([9]) انظر: محمد رضا مهدوي كني، نقطه هاي آغازين در أخلاق عملي (المناشئ الأولى في الأخلاق العملية): 13 ـ 14، دفتر نشر فرهنگ إسلامي، قم، 1372هـ.ش. (مصدر فارسي).

([10]) انظر: مكارم الشيرازي، أخلاق در قرآن (الأخلاق في القرآن): 24 ـ 25.

([11]) انظر: محسن غرويان، فلسفه أخلاق (فلسفة الأخلاق): 25.

([12]) انظر: محمد علي إيازي، فقه پژوهشي قرآني (بحث الفقه القرآني): 418، انتشارات دفتر تبليغات إسلامي، قم، 1380هـ.ش؛ حسن نقي زاده، جايگاه قرآن كريم در فرايند استنباط فقهي (موقع القرآن الكريم في مسار الاستنباط الفقهي): 396، نشر دانش شرقي، مشهد، 1386هـ.ش. (مصدران فارسيان).

([13]) انظر: محمد فتح علي خاني، آموزه هاي بنيادين علم أخلاق (التعاليم الجوهرية لعلم الأخلاق): 39، مركز جهاني علوم إسلامي، قم، 1379هـ.ش. (مصدر فارسي).

([14]) انظر: حسن نقي زاده، جايگاه قرآن كريم در فرايند استنباط فقهي (موقع القرآن الكريم في مسار الاستنباط الفقهي): 396.

([15]) انظر: محمد علي إيازي، فقه پژوهشي قرآني (بحث الفقه القرآني): 441 ـ 442.

([16]) انظر: محمد فتح علي خاني، آموزه هاي بنيادين علم أخلاق (التعاليم الجوهرية لعلم الأخلاق): 38.

([17]) انظر: السيد إبراهيم الحسيني، فقه وأخلاق (الفقه والأخلاق)، مجلة قبسات، العدد 13: 108، پژوهشگاه فرهنگ وأنديشه إسلامي، قم، 1378هـ.ش. (مصدر فارسي).

([18]) انظر: محمد علي إيازي، فقه پژوهشي قرآني (بحث الفقه القرآني): 420 ـ 421.

([19]) أحمد قابل، أخلاق بر فقه أرجح است (رجحان كفّة الأخلاق على كفّة الفقه)، صحيفة اعتماد ملي، العدد 1771: 7، 1378هـ.ش. (مصدر فارسي).

([20]) نهج البلاغة، الخطبة الأولى.

([21]) انظر: محمد بن عبد الله درّاز، دستور الأخلاق في القرآن الكريم: 8، تحقيق: عبد الصبور شاهين، دار الكتاب الإسلامي، قم، 1423هـ.

([22]) أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين 4: 401، دار المعرفة، بيروت.

([23]) انظر: محمد علي إيازي، فقه پژوهشي قرآني (بحث الفقه القرآني): 432.

([24]) علي أكبر رشاد، المجلة الفصليّة (كتاب نقد): 7، پژوهشگاه فرهنگ وأنديشه إسلامي، قم، 1373هـ.ش. (مصدر فارسي).

([25]) انظر: محمد جواد مغنية، فلسفة الأخلاق في الإسلام: 12، دار العلم للملايين، بيروت، 1997م.

([26]) انظر: وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته 1: 140، دار الفكر، دمشق، 1418هـ؛ محمد فتح علي خاني، آموزه هاي بنيادين علم أخلاق (التعاليم الجوهرية لعلم الأخلاق): 20.

([27]) انظر: الشهيد الأول، الذكرى 1: 40.

([28]) انظر: محمد فتح علي خاني، آموزه هاي بنيادين علم أخلاق (التعاليم الجوهرية لعلم الأخلاق): 24.

([29]) السيد محمد الصدر، فقه الأخلاق: 14، أنوار الهدى، 1380هـ.ش.

([30]) وانظر أيضاً: النساء: 36.

([31]) الكليني، أصول الكافي 2: 670، تحقيق علي أكبر غفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1363هـ.ش.

([32]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 16: 169، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، 1414هـ.

([33]) الكليني، أصول الكافي 2: 636.

([34]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 12: 152.

([35]) المتقي الهندي، كنـز العمال 3: 111، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1409هـ.

([36]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 15: 367.

([37]) انظر: المصدر السابق 15: 195 ـ 376.

([38]) انظر: المصدر السابق 16: 8 ـ 76.

([39]) انظر: محمد بن إسماعيل الكحلاني، سُبُل السلام 4: 148 ـ 227، مكتبة مصطفى البابي، القاهرة، 1379هـ.

([40]) انظر: وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته 7: 5539 ـ 5574.

([41]) انظر: الشيخ مرتضى الأنصاري، كتاب المكاسب 1: 351 ـ 387، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأنصاري، المؤتمر العالمي لإحياء الذكرى السنوية المئة على رحيل الشيخ الأنصاري، قم، 1420هـ.

([42]) انظر: الشيخ مرتضى الأنصاري، رسائل فقهية: 1، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأنصاري، 1414هـ.

([43]) انظر: الطهراني، الذريعة 4: 476؛ 20: 385، دار الأضواء، بيروت، 1389هـ.ش.

([44]) انظر: السيد محمد حسن البجنوردي، القواعد الفقهية 7: 325، تحقيق: مهريزي ودرايتي، نشر الهادي، قم، 1419هـ.

([45]) انظر: آغا بزرگ الطهراني، ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 15: 224.

([46]) انظر: المصدر السابق 16: 73 ـ 83.

([47]) انظر: محمد خزائلي، أحكام القرآن: 676 ـ 729، سازمان انتشارات جاويد، طهران، 1361هـ.ش.

([48]) المصدر السابق: 677.

([49]) انظر: محمد اليزدي، فقه القرآن 2: 151 ـ 388، مؤسّسة مطبوعاتي إسماعيليان، قم، 1374هـ.ش.

([50]) انظر: محمد علي إيازي، فقه پژوهشي قرآني (بحث الفقه القرآني): 426 ـ 427.

([51]) انظر: المصدر السابق: 446.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً