أحدث المقالات
المستند الروائي لنظرية التحريم

الأخبار الناهية عن ذبائح أهل الكتاب

ا ــ ما في الكافي، عن سماعة، عن أبي إبراهيم، قال: سألته عن ذبيحة اليهودي والنصراني، فقال: <لا تقربوها>([1])، وهذا الخبر موثق سنداً([2]).

2 ــ ما في الكافي، عن زيد الشحام، قال: سئل أبو عبدالله % عن ذبيحة الذمّي، فقال: <لا تأكله إن سمّى وإن لم يسمّ>([3])، وهو خبر ضعيف بالمفضل بن صالح المضعّف([4])، فلا نتكلم حول سائر رجاله؛ فالنتيجة تابعة لأخسّ المقدمات.

3 ــ ما في الكافي، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر وعبدالله بن طلحة، قال ابن سنان: قال إسماعيل بن جابر: قال أبو عبدالله %: <لا تأكل من ذبائح اليهود والنصارى، ولا تأكل من آنيتهم>([5]).

أمّا إسماعيل بن جابر الخثعمي (الجعفي) الكوفي، فهو ثقة ممدوح، له أصول، رواها عنه صفوان بن يحيى([6])، وأمّا محمد بن سنان أبو جعفر الزاهري، فقد تكلّمنا عنه سابقاً ونفينا عنه البأس، وإن ضعّفه كثيرٌ من الرجاليين، والأمر في سهل بن زياد الآدمي سهلٌ أيضاً كما قيل، وسائر رواة الحديث لا بأس بهم؛ إذ يعقوب بن يزيد ثقة، كما قال النجاشي والشيخ([7])؛ فالخبر لا بأس به من حيث المجموع، نعم في النفس شيء من إمكان رواية محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر، إذ في رأيي احتمال السقط موجود وفي رأيهم ضعيف، فالصفح عنه أولى.

4 ــ ما في التهذيب، عن محمد بن عذافر، قال: قلت لأبي عبدالله %: رجل يجلب الغنم من الجبل يكون فيها الأجير المجوسي والنصراني، فتقع العارضة، فيأتيه بها مملّحة، فقال: <لا تأكله (تأكلها)>([8]).

والرواية تامة من ناحية محمد بن عذافر بن عيسى الصيرفي المدائني الثقة، كما قال النجاشي([9])، وعمرو بن عثمان الثقفي الخزاز، وقيل: الأزدي، أبو علي، الكوفي، الثقة، كما قال النجاشي([10]) أيضاً، لكنّ الإشكال في أحمد بن هلال؛ إذ اختلفت كلمة الرجاليين فيه([11])، لكنّ الخبر وإن لم يكن قابلاً للاعتماد، بيد أنّ مضمونه موجود ضمن أخبار أخر، فيلزم التركيز على دلالته، كما سيأتي.

5 ــ ما في الكافي، عن الحسين الأحمسي، عن أبي عبدالله % قال: قال له رجل؛ أصلحك الله، إنّ لنا جاراً قصّاباً، فيجيء يهودي فيذبح له، حتى يشتري منه اليهود، فقال: <لا تأكل من ذبيحته ولا تشتر منه>([12])، والخبر صحيح؛ اذ رجال السند كلّهم من الأجلاء، والوسوسة في إبراهيم بن هاشم غير وجيهة.

6 ــ صحيحة شعيب العقرقوفي، قال: كنت عند أبي عبد الله % ــ ومعنا أبو بصير وأناس من أهل الجبل يسألونه عن ذبائح أهل الكتاب ــ فقال لهم أبو عبدالله %: <قد سمعتم ما قال الله في كتابه>، فقالوا له: نحب أن تخبرنا. فقال: <لا تأكلوها>، فلمّا خرجنا من عنده، قال أبو بصير: كلها في عنقي ما فيها، فقد سمعته وسمعت أباه جميعاً يأمران بأكلها، فرجعنا إليه، فقال لي أبو بصير: سله، فقلت له: جعلت فداك، ما تقول في ذبائح أهل الكتاب؟ فقال: <أليس قد شهدتنا بالغداة وسمعت؟> قلت: بلى، فقال: <لا تأكلها>، فقال لي أبو بصير: في عنقي كُلها، ثم قال لي: سله الثانية، فقال لي مثل مقالته الأولى، وعاد أبو بصير، فقال لي قوله الأول: في عنقي كُلها. ثم قال لي: سله. فقلت: لا أسأله بعد مرتين([13]).

والخبر صحيح؛ إذ العقرقوفي من خواصّ أصحاب الصادق، والنضر بن سويد الصيرفي الكوفي ثقة، كما قال النجاشي والشيخ([14]).

7 ــ صحيحة زكريا بن آدم، قال: قال أبو الحسن %: <إني أنهاك عن ذبيحة كلّ من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك، إلا في وقت الضرورة إليه>([15])، وهذا الخبر صحيح أيضاً، والكلام في دلالته يأتي إن شاء الله.

8 ــ عبدالله بن جعفر في قرب الإسناد، عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه: أن علياً كان يقول: <كلوا من طعام المجوس كلّه ما خلا ذباحهم، فإنها لا تحلّ، وإن ذكر اسم الله عليها>([16]).

9 ــ صحيحة حنان بن سدير، قال: دخلنا أبي عبدالله % أنا وأبي، فقلنا له: جعلنا الله فداك، إن لنا خلطاء من النصارى وإنا نأتيهم فيذبحون لنا الدجاج والفراخ والجداء، أفناكلها؟ قال: فقال: <لا تأكلوها ولا تقربوها، فإنهم يقولون على ذبائحهم ما لا أحبّ لكم أكلها>، قال: فلمّا قدمنا الكوفة دعانا بعضهم، فأبينا أن نذهب. فقال: ما بالكم تأتونا ثم تركتموه اليوم؟ قال: فقلنا: إن عالماً لنا نهانا وزعم أنكم تقولون على ذبائحكم شيئاً لا يحبّ لنا أكلها. فقال: من هذا العالم؟ هذا والله أعلم الناس وأعلم من خلق الله، صدق والله، إنا لنقول: بسم المسيح([17]).

10 ــ خبر محمد بن مسلم، عن أبي جعفر %، قال: سألته عن نصارى العرب أتوكل ذبيحتهم؟ فقال: <كان علي (بن الحسين) % ينهى عن ذبائحهم وصيدهم ومناكحتهم>([18])، ورجال هذا الخبر كلّهم أجلاء، إلا سهل بن زياد الآدمي، فمختلف فيه، اللهم إلا أن يقال: إنّ الأمر فيه سهل كما مرّ؛ فالسند لا بأس به.

11 ــ خبر محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبدالله %، قال: أتاني رجلان أظنهما من أهل الجبل، فسألني أحدهما عن الذبيحة، فقلت: <والله لأبرد لكما على ظهري، لا تأكل>. قال محمد: فسألته أنا عن ذبيحة اليهودي والنصراني، فقال: <لا تأكل منه>([19])، و <لأبرد لكما على ظهري>، إما من الإبراد بمعنى إزالة التعب، يعني لأتحمل على ظهري المشقة، وأرفعها عنكما فأفتيكما بمرّ الحق من غير تقية. وإما لا نافية، يعني لا راحة لكما بإفتائي بالإباحة، حاملاً وزره على ظهري([20])، ويحتمل أن يكون من الإبراد بمعنى التهنّي وازالة التعب، لكن بمعنى: أتعب نفسي وأفتيكما خلاف الواقع وأتحمّل على ظهري مشقّته، إذ هذه الفتوى بنفعكم مطابقة للاحتياط، وهذا الاحتمال يناسب قوله: <أظنهما من أهل الجبل>، إذ أهل الجبل ليسوا من أهل المداقة؛ حتى يدقّقوا في أمور أهل الكتاب ويحرزوا التسمية ورعاية سائر الشروط؛ فالمناسب لحالهم رعاية جانب الاحتياط.

ويمكن أن يجرى هذا الاحتمال في خبر شعيب العقرقوفي: <كنت عند أبي عبدالله % ومعنا أناس من الجبل.. فقال لهم: لا تأكلوها..>([21])؛ إذ السؤال كان بمحضر أناس من أهل الجبل، فراعى الإمام جانب الاحتياط، وفي المرّة الثانية والثالثة أيضاً كان الجواب على طبق تلك الشرائط، ووجهه أنّ إثبات بقاء تلك الوضعية، أعني وجود أهل الجبل في اليوم الثاني والثالث، مشكل.

12 ــ ما عن الحسين بن عبدالله، قال: اصطحب المعلّى بن خنيس وابن أبي يعفور في سفر، فأكل أحدهما ذبيحة اليهود والنصارى، وأبى الآخر عن أكلها، فاجتمعا عند أبي عبدالله %، فأخبراه. فقال: <أيكما الذي أباه؟> فقال: أنا، فقال: <أحسنت>([22])، ونحوه خبر ابن أبي عمير في القصّة نفسها ([23])، والظاهر وحدة القضية؛ إذ من البعيد ــ بل المحال عادةً ــ أنهما فعلا شيئاً، وسألا الإمام %، وبعد وضوح الأمر اختلفا، أو ارتكبا مرةً ثانية.

وهذه القضية لا تدلّ على حرمة فعل المعلّى ولا على حرمة ذبيحة أهل الكتاب؛ إذ الاحتياط حسنٌ على كل حال، خصوصاً لمثل المعلى الذي هو من البطانة، والإمام % قال للذي لم يأكل: <أحسنت>، ولم يوبخ أو يردّ فعل من أكل، فما فهمه ابن أبي عمير من تخطئة المعلّى ليس في محلّه، وكيف كان لو دل على الحرمة مع ذلك كان مجملاً؛ إذ كما يمكن أن تكون علة الحرمة عدم كون الذابح مسلماً يمكن أن تكون عدم إحراز التسمية أو غيرها من الشروط.

13 ــ خبر مسعدة بن صدقة، عن أبي عبدالله % في حديث أنه سئل عن ذبيحة المرأة، فقال: <إذا كانت مسلمةً فذكرت اسم الله عليها فكُل>([24])، وتمام الخبر في الكافي، وصدره سؤالٌ عن ذبيحة الغلام([25]).

14 ــ صحيحة سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبدالله % عن ذبيحة الغلام والمرأة هل تؤكل، فقال: <إذا كانت المرأة مسلمةً وذكرت اسم الله عزّوجل على ذبيحتها حلّت ذبيحتها، وكذلك الغلام إذ أقوى على الذبيحة وذكر اسم الله عزّوجل عليها، و ذلك إذا خيف فوت الذبيحة ولم يوجد من يذبح غيرهما>([26]).

لكنّ الاستدلال لاشتراط كون الذابح مسلماً بهذين الخبرين يكون بمفهوم اللقب أو الوصف، وكلاهما لا حجيّة له كما تحقّق في محلّه، فليلاحظ كلام للإمام الخميني هنا([27]).

وإلى هنا ذكرنا أربعة عشرة رواية، وتكلّمنا حول أسانيدها إجمالاً، ولم نتكلّم في دلالتها جميعها؛ إذ فهمُ دلالتها يحتاج إلى ذكر الأخبار الدالّة على الحلّ، وإجمال القول فيها: إنّ الضعيف منها لا اعتبار به، والصحيح منها لا دلالة له على الحرمة؛ إذ لفظ: <لا أحبّ لكم أكلها>، لا يدلّ على أكثر من الكراهة، وألفاظ <لا تقربوها> و<لا تأكلها> و<إني أنهاك> وما شابه ذلك ظاهرة في الحرمة، لكن بملاحظ الأخبار الصريحة في الحلية يلزم حملها على الكراهة.

نظرية عدم تحريم ذبائح أهل الكتاب

الأخبار الدالّة على حليّة ذبائح أهل الكتاب

1 ــ الخبر المستفيض ــ بل المتواتر ــ الدالّ على أكل النبي 2 من لحم الشاة المسموم في خيبر، قال في الكامل في التاريخ: <ولمّا استقرّ رسول الله 2، أهدت له زينب بنت الحارث ــ امرأة سلام بن مشكم ــ شاةً مصلية مسمومة، فوضعتها بين يديه، فأخذ رسول الله 2 منه مضعفة، فلم يُسِغْها، ومعه بشر بن البراء بن معرور فأكل بشر منها، وقال رسول الله 2: إن هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة.. ومات بشر من تلك الأكلة>([28])، ونظيره في الطبري([29]).

وفي صحيح مسلم، عن أنس: أن امرأةً يهودية، أتت رسول الله 2 بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله 2، فسألها عن ذلك. فقالت: أردت لأقتلك. قال: ما كان الله يسلّطك على ذلك. قال: أو قال علي %: ألا تقتلها؟ قال: لا. قال: فمازلت أعرفها في لهوات رسول الله 2([30]).

وقد نقلت القصّة في الكافي بسند موثوق به، فعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر %، قال: <إنّ رسول الله 2 أتي باليهودية التي سمّت الشاة للنبي 2، فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت: إن كان نبياً لم يضرّه، وإن كان ملكاً أرحت الناس منه، قال: فعفا رسول الله 2 عنها>([31]).

وفي مجمع البيان، قال: <ولما اطمأن رسول الله 2، أهدت له زينب بنت الحارث، امرأة السلام بن مشكم ــ وهي ابنة أخي مرحب ــ شاة مصلية، قد سألت أيّ عضو من الشاة أحبّ إلى رسول الله 2، فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها السمّ، وسمّمت سائر الشاة ثم جاءت بها، فلمّا وضعتها بين يديه، تناول الذراع فأخذها، فلاك منها مضعفة، وانتهش منها، ومعه بشر بن البراء بن معرور، فتناول عظماً فانتهش منه، فقال رسول الله2: ارفعوا أيديكم، فإنّ كتف هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة، ثم دعاها فاعترفت.. ودخلت أم بشر بن البراء على رسول الله 2، تعوده في مرضه الذي توفى فيه، فقال 2: يا أم بشر، ما زالت أكلة خيبر التي أكلت بخيبر مع ابنك تعاودني>([32]).

واستفاضة الخبر، بل تواتره، أمر غير قابل للإنكار والشك؛ كما اعترف به الشهيد الثاني([33])، فقول الشيخ البهائي في رسالة حرمة ذبائح أهل الكتاب مردود، لا يلتفت إليه، حيث قال: <والجواب عمّا روي من أكله 2 من اللحم الذي أهدته إليه اليهودية، بأنّ الرواية لم يثبت عندنا، فضلاً عن تواترها، وعلى تقدير صحتها فاحتمال علمه 2 بشراء تلك اليهودية ذلك اللحم من جزار مسلم بإخبار أحد من الصحابة أو بإلهام ونحوه قائم، والتقريب لا يتم بدون انتفائه>([34]).

كيف أوحى الله لنبيّه 2 أن الذابح كان مسلماً ولم يوح له أنّ الشاة مسمومة حتى أكل منها، وأكل أصحابه منها؟ وكيف وجدت اليهودية رجلاً مسلماً يذبح لها مع أن المسلمين كانوا يقاتلون ضدّهم، فكيف يحتمل أن يطلب الشخص من عدوه أن يفعل له شيئاً؟ ولو فرض طلبه، فكيف لم يخبر الأصحاب بهذه المسألة مع أنهم أخبروا بجزئيات المسائل في هذه الواقعة وفي نظيرها، مثل أيّ الأعضاء أحبّ إلى رسول الله 2 وكلامه 2 لأمّ بشر وغيرها، فأصل الحلية ثابت، ولو لم يكن عندنا دليلٌ آخر غير هذه القصّة، سيما بملاحظة أنّ الآيات النازلة في موضوع الذبائح كلّها نزلت قبل خيبر، إلا آيات المائدة التي لم تأت بجديد، عدا ما احتمل من الترخيص بالنسبة إلى أهل الكتاب لا التحريم؛ فيلزم علينا تأويل الأخبار الناهية هنا؛ لظهورها في الحرمة وفعله 2 صريح فيها؛ فيلزم حمل الظاهر على النصّ.

2 ــ ما في سيرة ابن هشام، قال ابن إسحاق: <وحدّثني من لا أتهم، عن عبدالله بن مغفل المزني، قال: أصبت من فيء خيبر جراب (إناء من جلد) شحم، فاحتملته على عاتقي إلى رحلي وأصحابي. قال: فلقيني صاحب المغانم التي جعل عليها، فأخذ بناحيته، وقال: هلمّ هذا نقسمه بين المسلمين. قال: قلت: والله لا أعطيكه؟ قال: فجعل يجاذبني الجرابز، قال: فرآنا رسول الله 2 ونحن نصنع ذلك، قال: فتبسّم رسول الله 2 ضاحكاً، ثم قال لصاحب المغانم: لا بالك، خلّ بينه وبينه، قال: فأرسله؛ فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي، فأكلناه>([35]).

وهذا الخبر ــ مضافاً إلى دلالته على طهارتهم وطهارة أمتعتهم ــ يدلّ على حلية ذبائحهم؛ إذ لو لم تكن حلالاً لم تكن لها مالية؛ فلا دليل على إصرار صاحب المغانم لأخذه، وأيضاً لم يجز لعبد الله بن مغفل وأصدقائه أن يأكلوا منه، وكان على رسول الله 2 بيان حكمه لهم.

هذا على تسليم صحّة سنده؛ فإن استطعنا أن نثبت صحّته ببعض الأمور فبها، وإلا يكون مؤيداً لا دليلاً مستقلاً، وممّا يمكن أن يؤيد صحّة هذا الخبر وقوعُه في كثير من المواضع في كتب أهل السنّة عن عبدالله بن مغفل، منها ثلاث موارد في كتاب المسند لأحمد([36]).

3 ــ الأخبار الكثيرة الناهية عن ذبح اليهود والنصارى الأضاحي:

أ ــ خبر أبي بصير ــ يعني المرادي ــ قال: سمعت أبا عبدالله %: <لا يذبح أضحيتك يهودي ولا نصراني ولا المجوسي، وإن كانت امرأة فلتذبح لنفسها>([37])، والسند صحيح؛ فكلّهم ثقات، والمتن في التهذيب والاستبصار <ولا المجوسي>، وفي الوسائل <ولا مجوسي>.

ب ــ خبر سلمة أبي حفص، عن أبي عبدالله %، قال: <لا يذبح ضحاياك اليهود والنصارى، ولا يذبحها إلا مسلم>([38])، لكنّ سلمة أبا حفص مجهول.

ج ــ صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبدالله %: ذبائح نصارى العرب هل تؤكل؟ فقال: <كان علي % ينهاهم عن أكل ذبائحهم وصيدهم، وقال: لا يذبح لك يهودي ولا نصراني أضحيتك>([39]).

د ــ خبر إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه %: أن علياً % كان يقول: <لا يذبح نسككم إلا أهل ملّتكم، ولا تصدّقوا بشيء من نسككم إلا على المسلمين، وتصدّقوا بما سواه ــ غير الزكاة ــ على أهل الذمة>([40]).

ومشكلة الرواية من ناحية غياث بن كلوب العامي، حيث لم يذكر بذمّ ولا مدح، لكن ما يفهم من عبارات الشيخ توثيقه([41]).

هـ ــ قرب الإسناد، عن علي %: أنه كان يأمر مناديه بالكوفة أيام الأضحى: <ألا لا تذبح نسائككم ــ يعني نسككم ــ اليهود والنصارى، ولا يذبحها إلا المسلمون>([42]).

و ــ قال الصدوق: وفي كتاب علي %: <لا يذبح اليهودي ولا النصراني العرب الأضاحي>، وقال: <تأكل ذبيحته إذا ذكر الله عزوجل>([43]).

فهذه ستّ روايات مرتبطة ببحث الأضاحي، وحاصلها أنّ علياً % كان ينهى عن أن يذبح اليهود والنصارى الأضاحي وكان يأمر مناديه أن ينادي بالكوفة ويعلن للناس هذا الحكم الشرعي، فالمنع عن ذبح الأضاحي دون غيره يُشعر بعدم الإشكال في سائر ذبائح أهل الكتاب، ولو كان في غير الأضاحي أيضاً إشكال للزم عليه أن ينبّه الناس وينهاهم، لا سيّما أن أهل السنّة ــ وكانوا أكثر المسلمين آنذاك ــ كانوا يحلّون ذبائح أهل الكتاب، وببيان آخر: كان بإمكان علي % القول: لا يذبح ذبائحكم أهل الكتاب، بدل قوله: لا يذبح أضحيتكم؛ فهذا التعبير يدلّ على التفكيك بين المسألتين، والكليني ) أيضاً كان ملتفتاً لهذا التفكيك؛ لذا لم يذكر أخبار الأضاحي في باب ذبائح أهل الكتاب([44])، كما أنّ الصدوق أيضاً كذلك، حيث قال: وقال الصادق %: <ولا تأكل ذبيحة اليهودي والنصراني والمجوسي، وجميع من خالف الدين إلاّ [ما] إذا سمعته يذكر اسم الله عليه>. وفي كتاب علي %: <لا يذبح المجوسي ولا النصراني ولا نصارى العرب الأضاحي>، وقال: <تأكل ذبيحته إذا ذكر اسم الله عزّو جل>([45])؛ فالصدوق ) لا يريد أن يفتي على خلاف قول علي %، ولا يريد أن يرجّح خبر الصادق على خبر علي، بل يريد أن يبيّن أنّ حكم ذبائح أهل الكتاب هو الحلّية بشرط التسمية، وحكم الأضاحي أن يذبحها المسلم دون غيره، أمّا الشيخ الطوسي فاختلط الأمر عليه؛ فأدخل أحاديث الأضاحي في بحث ذبائح أهل الكتاب، وتبعه صاحب الوسائل وغيره([46])، والشيخ جمع بين الخبرين في خبرٍ واحد مع أنهما خبران مختلفان، اتّباعاً لظنّه اتحادَ المسألتين؛ ولذا نرى أن صحيحة الحلبي التي كان فيها حكم الذبائح والضحايا، ذكر ذيلها الكليني في باب الأضاحي في كتاب الحج، دون كتاب الذبائح؛ قال: <لا يذبح لك اليهودي ولا النصراني أضحيتك، فإن كانت المرأة فلتذبح لنفسها وتستقبل القبلة..>([47]).

وعليه؛ فأخبار الأضاحي لا تدلّ على النهي عن ذبائح أهل الكتاب، بل تشعر أو تدل على جواز أكل ذبائحهم، وأنّ المنهي عنه هو ذبح الأضاحي، ودليله معلوم؛ إذ الأضاحي من الأمور العبادية دون الذبح؛ فذبحهم الأضحية معناه تولّي الذبح عن المسلمين، وتولي أهل الخلاف عن أهل الحق محلّ إشكال؛ فكيف بتولّي الكفار عن المسلمين، وأيضاً اختلاف السياق في البابين يدلّ على اختلاف الأحكام؛ ففي بحث الأضحية كان يقول: <لا يذبح نسكك>، <لا يذبح أضحيتك>، فيكون أصرح في النهي ممّا في بحث الذبائح، والآيات القرانية المرتبطة بالحج ــ كما في سورة الحج ــ تختلف عن تلك المرتبطة بالذبائح في سورة الأنعام كما مرّ([48]).

4 ــ الأخبار الدالّة على أنّ الذبيحة بالاسم، أو إن سمعتهم يذكرون الله فكُل، أو إن سمّوا فكُل، وما شابه هذه التعبيرات؛ إذ على اختلافها تدلّ على شيء واحد، وهو أن الذابح بالنسبة إلى الإسلام وعدمه لا بشرط، فالإسلام ليس شرطاً لحلية الذبيحة، بل التسمية شرطها، واشتراط التسمية شيءٌ آخر غير ما نحن بصدده، وهذه بعض الأخبار في هذا المجال:

أ ــ صحيحة قتيبة الأعشي، قال: سأل رجل أبا عبدالله % وأنا عنده، فقال له: الغنم يرسل فيها اليهودي والنصراني فتعرض فيها العارضة، فيذبح أناكل ذبيحته؟ فقال: أبو عبدالله %: <لا تدخل ثمنها مالك ولا تأكلها، فإنّما هو الاسم ولا يؤمن عليه إلا مسلم>، فقال له الرجل: قال الله تعالى: >الْيَوْمَ أحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ<، فقال له أبو عبدالله %: <كان أبي يقول: إنما هو الحبوب وأشبابها>([49])، ونحوها خبره الآخر الشبيه به([50]).

ب ــ خبر الأعشى أيضاً، عن أبي عبدالله، قال: رأيت عنده رجلاً يسأله فقال: إن لي أخاً فيسلف في الغنم في الجبال، فيعطي السن مكان السن، فقال: <أليس بطيبة نفس من أصحابه؟> قال: بلى، قال <فلا بأس>، قال: فإنه يكون له فيها الوكين فيكون يهودياً أو نصرانياً، فتقع فيها، فيبيعها مذبوحةً ويأتيه بثمنها، وربما ملّحها فيأتيه بها مملوحة، قال: فقال: <إن أتاه بثمنها فلا يخالطه بماله ولا يحرّكه، وإن أتاه بها مملوحة فلا يأكلها، فإنما هو الاسم، وليس يؤمن على الاسم إلا مسلم>، فقال له بعض من في البيت: فأين قول الله عزّو جل: >وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم وطعامُكم حلّ لهم<؟ فقال: <إنّ أبي كان يقول: ذلك الحبوب وما أشبهها>([51]).

فكلام الإمام % في هذه الأخبار كان إثباتياً، أي بما أنهم لا يسمّون، والذبيحة بدون الاسم لا تحلّ؛ فذبيحتهم حرام؛ فلا تُدخل ثمنَها مالَكَ، وتوهم أحد الموجودين في البيت أنّ ذبائح أهل الكتاب ــ دون اطمئنان بتسميتهم ــ حلال أيضاً، صوّبه الإمام %.

ج ــ مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، قال: سألت أبا عبدالله % عن ذبيحة أهل الكتاب، قال: فقال: <والله ما يأكلون ذبائحكم، فكيف تستحلّون أن تأكلوا ذبائحهم؟ إنما هو الاسم، ولا يؤمن عليه إلا مسلم>([52]).

وإرسال خبر ابن أبي عمير لا يضرّ؛ إذ مراسيله كمسانيد غيره، على ما قاله الشيخ الطوسي([53])، وهناك أخبار كثيرة يجبر بعضها بعضاً، وصدر الخبر يدلّ على أن الحكم بالحلية والحرمة هنا يكون على نحو التقاصّ والردّ، أو أن الإمام يريد أن يوجد نحو اشمئزاز في أذهان المسلمين، أو يكون الحكم بالحلية والحرمة في مثل هذه المجالات من الأحكام السياسية المرتبطة بالحاكم.

د ــ خبر معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبدالله % عن ذبائح أهل الكتاب فقال: <لا بأس، إذا ذكروا اسم الله عزّ وجل، ولكن أعني منهم من يكون على أمر موسى وعيسى ‘>([54]).

ورجال سند هذا الخبر كلّهم أجلاء، إلا إسماعيل بن مرار الذي في وثاقته خلاف، لكن يمكن الوثوق بقوله لأمرين: أحدهما وقوعه في إسناد تفسير علي بن إبراهيم؛ فله توثيق عام موجود، وثانيهما أنّ محمد بن الحسن بن الوليد قال: كُتُب يونس بن عبدالرحمن التي هي بالروايات كلّها صحيحة معتمد عليها، إلا ما ينفرد به محمّد بن عيسى بن عبيد ولم يروه غيره. فعدم استثناء إسماعيل، مع أنه راوي كتب يونس، يدلّ على وثاقته([55]).

وقوله: <أعني منهم من يكون.. > قيدٌ لإخراج نصارى العرب أو نصارى بني تغلب، الذين تنصّروا فراراً من القتل والإسلام، لا ما احتمله صاحب الوسائل حيث قال: <هذا محمول على الإتيان بالتسمية الصحيحة، وهي لا تجامع الشرك؛ لما مرّ>([56])، إذ لو أراد بالشرك ما عليه المشركون، فهم ليسوا سواء، ولذا تختلف أحكامهم في كثير من الأبواب، وفي التسمية أيضاً، ولو أراد الشرك الخفي فأكثر المؤمنين والمسلمين مشركون؛ فذبائحهم لا تحلّ!

هـ ــ خبر الحسين بن المنذر، قال: قلت لأبي عبدالله %: إنّا قومٌ نختلف إلى الجبل، والطريق بعيد، بيننا وبين الجبل فراسخ، فنشتري القطيع والاثنين والثلاثة، ويكون في القطيع ألف وخمسمائة شاة وألف وستمائة شاة، وألف وسبعمائة شاة؛ فتقع الشاة والاثنتان والثلاثة، فنسأل الرعاة الذين يجيئون بها عن أديانهم، فيقولون: نصارى، قال: فقلت: أيّ شيء قولك في ذبيحة اليهود والنصارى؟ فقال: <يا حسين! الذبيحة بالاسم، ولا يؤمن عليها إلا أهل التوحيد>([57]).

ح ــ خبر حنان بن سدير ــ بعد أن أخبره ابن المنذر بالرواية السابقة ــ قلت لأبي عبدالله%: إنّ الحسين بن المنذر روى عنك أنك قلت: إنّ الذبيحة بالاسم ولا يؤمن عليها إلا أهلها، فقال: <إنهم أحدثوا فيها شيئاً لا أشتهيه>، قال حنان: فسألت نصرانياً، فقلت له: أي شيء تقولون إذا ذبحتم؟ فقال: نقول باسم المسيح([58])، فمضافاً إلى ما مرّ ــ من أن قوله <الذبيحة بالاسم> لا يدلّ على حرمة ذبائح أهل الكتاب بل يدل على حليّتها ــ إن قوله: <لا أشتهيه> في جواب حنان الذي يرى حلية ذبائحهم، لا يدلّ على الحرمة بدون التسمية، وكذا قوله % في صحيحة حنان.. فنألكها؟ قال: فقال: <لا تأكلوها ولا تقربوها، فإنهم يقولون على ذبائحهم ما لا أحبّ لكم أكلها>([59]).

فإذا كان الحكم دائراً مدار العلة توسعةً وضيقاً، شدةً وضعفاً، فلمّا علل الحكم بعدم حبّه ــ ومعلوم أنه لا يحب المكروهات أيضاً لا لنفسه ولا لأصحابه ــ نفهم عدم حرمة ذبائح أهل الكتاب، ولو في صورة عدم التسمية أو تسمية المسيح، إذ يمكن أن يقال: إن كلمة: <لا أحبّ لكم أكلها> يكفي لمنع هؤلاء عن أكل ذبائح أهل الكتاب.

ط ــ عن محمد بن سنان عن الحسين بن المنذر قال: قلت لأبي عبدالله %: إنّا نتكارى هؤلاء الأكراد في أقطاع الغنم، وإنما هم عبدة النيران وأشباه ذلك، فتسقط العارضة فيذبحونها ويبيعونها. فقال: <ما أحبّ أن تفعله في مالك، إنما الذبيحة اسم، ولا يؤمن على الاسم إلا المسلم>([60])، هكذا في التهذيب، وفي الوسائل: <ما أحبّ أن تجعله في مالك>، وهو الأنسب والأصح.

ويمكن أن يقال باتحاد هذا الخبر مع الخبر السادس؛ لاتحاد الراوي والمروي عنه والمضمون، والاختلاف في السؤال فقط؛ إذ هناك سأله عن ذبيحة اليهود والنصارى، وهنا عن ذبيحة عبدة النيران.

ي ــ خبر الحسين بن عبدالله، قال: قلت لأبي عبدالله %: إنا نكون بالجبل، فنبعث الرعاة إلى الغنم، فربما عطبت الشاة وأصابها شيء، فذبحوها فنأكلها؟ فقال: <إنما هي الذبيحة، فلا يؤمن عليها إلا المسلم>([61]).

وقد نقل هذا الحديث المشايخُ الثلاثة، ففي الكافي([62]): <هي الذبيحة ولا يؤمن عليها إلا مسلم>، وفي التهذيب([63]): <إنما هي الذبيحة؛ فلا يؤمن عليها إلا المسلم>، وفي الفقيه([64]): <إنما هي الذبيحة، ولا يومن عليها إلا مسلم>، وفي الوسائل الذي نقل عن هذه الكتب([65]): <هي الذبيحة ولا يومن عليها إلا مسلم>، فانظر إلى اختلاف النسخ والكتب في هذه الجملة الصغيرة مع أنّ الحديث واحد؛ ممّا يرشدنا إلى ما أشرنا إليه سابقاً من أنه لا يمكن الإفتاء على أساس بعض الخصوصيات اللفظية والأدبية، مثل: الفاء، واللام، وإنما، وأمثال ذلك، ففي هذه الموارد يكون الاحتياط أحسن من الفتوى على أساس حرف أو كلمة لا ندري صدورها عن الإمام %، وعلى أية حال، فالحديث صحيح لوثاقة رواته.

إلى هنا ذكرنا تسعة أو عشرة من الأخبار، وهي تفيد حلية ذبائح أهل الكتاب ثبوتاً وعدم حليتها إثباتاً؛ إذ إنهم لا يسمّون عليها، فالإشكال في مقام الإثبات، لذا لم يعلّل الإمام % النهي عن ذبائحهم بأنهم أهل الكتاب، بل علله بعدم التسمية.

النصوص الدالّة ــ منطوقاً ــ على الحلية مع التسمية

ونصل الآن إلى النصوص التي تدلّ بمنطوقها على حلية ذبائحهم، وهي:

1 ــ صحيحة حمران، قال: سمعت أبا جعفر % يقول في ذبيحة الناصب واليهودي والنصراني: <لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم الله>، قلت: المجوسي؟ قال: <نعم إذا سمعته يذكر اسم الله عليه، أما سمعت قول الله: >وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الله عَلَيْهِ<>([66]).

2 ــ صحيحة جميل ومحمد بن حمران، سألا أبا عبدالله % عن ذبائح اليهود والنصارى والمجوس، فقال: <كُل>، فقال بعضهم: إنهم لا يسمّون، فقال: <فإن حضرتموهم فلم يسمّوا فلا تأكلوا، قال: إذا غاب فكُل>([67]).

3 ــ صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبدالله % عن ذبيحة أهل الكتاب ونسائهم؟ فقال: <لا بأس به>([68]).

4 ــ صحيحة حريز، عن أبي عبدالله %، وزرارة عن أبي جعفر %، أنهما قالا في ذبائح أهل الكتاب: <فإذا شهدتموهم وقد سمّوا اسم الله فكلوا ذبائحهم، وإن لم تشهدهم فلا تأكل، وإن أتاك رجلٌ مسلم فأخبرك أنهم سمّوا فكُل>([69]).

5 ــ خبر حريز، قال: سئل أبو عبدالله % عن ذبائح اليهود والنصارى والمجوس، فقال: <إذا سمعتهم يسمّون أو شهد لك من رآهم يسمّون فكُل، وإن لم تسمعهم ولم يشهد عندك من رآهم يسمّون فلا تأكل ذبيحتهم>([70]).

وسند الشيخ إلى القاسم بن سليمان صحيح، والقاسم وإن لم يوثق بتوثيق خاصّ، لكنّ وقوعه في إسناد تفسير علي بن إبراهيم، وعدم تضعيف الشيخ والنجاشي، مع أنهما ذكراه، يكون نحو توثيق له([71]).

وفي الوسائل: <وشهد لك من رآهم>، والظاهر أن نسخة الوسائل خطأ، أو أن الواو بمعنى أو، بقرينة <وإن لم تسمعهم ولم يشهد>؛ إذ مفهومه كفاية أحدهما.

وهل هذا الخبر متحد مع الخبر السابق أو أنهما خبران؟ بما أنّ الراوي والمروي عنه والمضمون واحد، فالظاهر أنهما خبرٌ واحد، فالأصحاب نقلوه مرةً وحيداً، وأخرى منضماً إلى خبر زرارة عن أبي جعفر %، فإن قلت: المضمون ليس واحداً تماماً؛ فلا وجه لاتحاد الخبرين، قلت: عدم الاتحاد والالتزام بأنهما خبران صدرا عن الإمام الصادق % أيضاً مشكل، بل أشكل، فهل يمكن أن يقال: إن الباقر % قال كلاماً لزرارة، وقال الصادق % نفس الكلام، بلا تغيير حرف لحريز؟ هل نقل زرارة وحريز ما سمعاه دون أيّ تغيير ولو في حرف واحد؟ فمن البعيد أن يقال: إنهما ــ أو غيرهما ــ كانوا يحفظون كلام الإمام بلا زيادة ولا نقصان، وكانوا ينقلون نفس الألفاظ، وشاهد ذلك الروايات التي يسألون الإمام % فيها عن النقل بالمعنى وتغيير الألفاظ، كصحيحة محمد بن مسلم([72])، وصحيحة داود بن فرقد ([73])، وغيرهما من الأحاديث المذكورة في الباب نفسه وغيره.

والحاصل: إنا نرى اتحاد خبر حريز مع خبر حريز وزرارة، وعليه فقوله: <فإذا شهدتموه قد سموا.. > معناه <إذا سمعتهم يسمّون>، وقوله: <وإن لم تشهدهم فلا تأكل>، معناه <وإن لم تسمعهم>، وقوله: <وإن أتاك رجلٌ مسلم>، معناه <أو شهد لك من رآهم يسمّون>.

هذا، وهناك أخبار أخرى تدلّ ــ بالمنطوق أو المفهوم ــ على حلية ذبائح أهل الكتاب، فالأحاديث كثيرة، ووقوعها بهذا الكثرة يغنينا عن البحث في إسنادها؛ إذ التواتر الإجمالي بصدور هذه المضامين من الإمام موجود، والقدر المتيقّن الحاصل من هذا التواتر الاجمالي يكفينا؛ إذ نحن في صدد إثبات حلية ذبائح أهل الكتاب بما هم أهل كتاب إجمالاً، أمّا التسمية فبحث آخر.

الأخبار الدالة على الحليّة المطلقة دون ذكر قيد التسمية

1 ــ صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبدالله % عن ذبيحة أهل الكتاب ونسائهم، فقال: <لا بأس به>([74]).

2 ــ خبر يونس بن بهمن، قال: قلت لأبي الحسن %: أهدى إليّ قرابة نصراني دجاجاً وفراخاً قد شواها، عمل لي فالوذجة فآكله؟ فقال: <لا بأس به>([75])، لكنّ يونس بن بهمن ضعّفه ابن الغضائري ولم يوثقه الآخرون؛ فالسند ضعيف به([76]). اللهم إلا أن يقال: إن الراوي عنه هو أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، وهو من أصحاب الإجماع الذين تثبت وثاقة من يروون عنه أو صحّة المضمون الذي يروونه على الخلاف في تفسير نصّ الكشي فيهم مما محلّه علم الرجال.

3 ــ خبر إسماعيل بن عيسى قال: سألت الرضا % عن ذبائح اليهود والنصارى وطعامهم، فقال: <نعم>([77])، وإسماعيل بن عيسى وولده سعد بن إسماعيل كلاهما مجهولان، والأخبار منهما لا تتجاوز الستة عشر([78]).

4 ــ خبر عبدالملك بن عمرو، قال: قلت لأبي عبدالله %: ما تقول في ذبائح النصارى؟ فقال: <لا بأس بها>، قلت: فإنهم يذكرون عليها المسيح. فقال: <إنما أرادوا بالمسيح الله>([79])، وهذا الخبر ضعيف أيضاً بعبد الملك بن عمرو، مضافاً إلى مخالفة متنه لقوله تعالى: >كُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ<.

5 ــ محمد بن قيس، عن أبي جعفر %، قال: قال أمير المؤمنين %: <لا تأكلوا ذبيحة نصارى العرب؛ فإنهم ليسوا أهل الكتاب>([80]).

6 ــ خبر أبي بصير، قال: سألت أبا عبدالله % عن ذبيحة اليهودي؟ فقال: <حلال. قلت: وإن سمّى المسيح، قال: <وإن سمّى المسيح؛ فإنه إنّما يريد الله>([81]).

وهذا الخبر ــ مضافاً إلى ضعف السند، ومخالفته لقوله تعالى:>كُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ< ــ باطل؛ لأنّ اليهود لا يسمّون المسيح على ذبائحهم.

7 ــ خبر بشير بن أبي غيلان الشيباني، قال: سألت أبا عبدالله % عن ذبائح اليهود و النصارى والنصّاب، قال: فلوّى شدقه، وقال: <كلها إلى يومٍ ما>([82]).

إنّ بشر بن أبي غيلان ــ أو بشير أو بسر أو بشار ــ لم يوثقه الرجاليون ولم يضعّفوه، وقد عدّه الشيخ من أصحاب الصادق %؛ فالسند مجهول([83])، والعجب من الشيخ الطوسي )، حيث جعل هذا الخبر الضعيف دليلاً على حمل الأخبار الكثيرة الدالّة على حلية ذبائح أهل الكتاب على التقية، حيث قال: والوجه الثاني أن تكون هذه الأخبار ــ يعني أخبار الحلّ ــ وردت للتقية؛ لأن من خالفنا يجيز أكل ذبيحة من خالف الإسلام من أهل الذمّة، والذي يدلّ على ذلك ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى.. عن بشر بن أبي غيلان الشيباني..([84])، وتبعه الحر العاملي، حيث قال بعد ذكر الخبر : هذا ظاهرٌ في التقية، وفي المنع مع عدمها، كما قاله الشيخ وغيره([85])، فبعد ضعف الخبر كيف يكون سبباً للجمع، على أنّه لا ظهور فيه للتقية؛ إذ يمكن أن يكون الإمام متضجّراً من ضعف المسلمين بحيث يحتاجون إلى ذبائح أهل الكتاب، أو من عدم إيمان أهل الكتاب بنبوة نبيّنا 2، والأذى الذي تحمّله 2 منهم. وغير ذلك، فالظهور في التقية غير ثابت.

8 ــ روى أحمد، بإسناده عن قيس بن سكن الأسدي، قال: قال رسول الله 2: <إنكم نزلتم بفارس من النبط، فإذا اشتريتم لحماً، فإن كان من يهودي أو نصراني فكلوا، وإن كانت ذبيحة مجوس فلا تأكلوا>([86]).

9 ــ في كنز العمال، أنّ النبي 2 سئل عن ذبائح النصارى، قال: <إن لم تأكلوه فأطعموني>([87]).

10 ــ في كنز العمال، عن علي % قال: <لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب؛ فإنهم لم يتمسّكوا بشيء من النصرانية، إلا بشرب الخمر>([88]).

إن قلت: الأخبار الدالّة على الحل أكثرها ضعاف أو مجاهيل أو عاميّة.

قلت: أولاً: خبر الحلبي بينها صحيح.

وثانياً: الأخبار المجاهيل والعامية ليست كالأخبار الضعاف، والفرق بينهما واضح لا يحتاج إلى البيان، فنحن ذكرنا هذه الأخبار تأييداً لما دلّت عليه صحيحة الحلبي.

كما أنّ مفروغية حلّيتها في كلام عمر بن الخطاب وعدم الإنكار عليه تقريرٌ لفعله وفتواه، نظير ما قاله عفيف بن الحارث: <كتب عامل عمر إلى عمر: إنّ قِبَلَنا ناساً يُدعون السامرة، يقرؤون التوراة، ويسبتون السبت، ولا يؤمنون بالبعث.. فكتب إليه عمر: إنهم طائفة من أهل الكتاب، ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب([89]).

وجوه الجمع بين الأخبار أو كيفية التعامل مع الأخبار المختلفة

1 ــ ترجيح أخبار الحلية

الجمع الأول: تتعارض أخبار الحلية المطلقة مع أخبار الحرمة المطلقة، وتترجّح أخبار الحلية بموافقتها لسنّة النبي 2 في أكل لحم المشوية المسمومة التي أهديت له، وبموافقتها لسيرة المسلمين في صدر الإسلام، المعلومة من نهي أمير المؤمنين % أن يذبح نسكهم اليهود والنصارى، الدالّ على شيوع ذبح اليهود والنصارى النسك وغيرها، والنهي شمل النسك فيبقى غيره على حالته الأولى غير المنهية، وبموافقتها للقرآن الكريم، على ما شرحناه سابقاً.

إن قلت: الشهرة من المرجّحات، كما في المقبولة والمرفوعة، فبها نرجّح جانب الحرمة. قلت: اختلف في المراد من الشهرة فيهما، فبعض حملها على الشهرة الروائية، وبعض آخر على الشهرة الفتوائية، وقد حققناه في موضعه وليس بحثه هنا؛ لكن القدر المتيقّن من الشهرة المرجّحة هي الشهرة الفتوائية المستندة إلى الروايات المشهورة، وفي ما نحن فيه ليس مستندهم في الفتوى الأخبار الدالّة على الحرمة، بل تمسّكهم بطريقة الاحتياط وبالإجماع أيضاً؛ فمثل هذه الشهرة ليست مرجّحةً.

إن قلت: الأخبار الدالة على حرمة ذبائحهم مخالفة لقول أهل السنّة الذين في خلافهم الرشد، كما في الأخبار المرجحة، قلت: إن وصل الدور إلى الترجيح بالمرجّحات الخارجية فموافقة القرآن مقدّمة على مخالفتهم، فيلزم الحكم بالحلية المطلقة.

إن قلت: يلزم أن يكون المسلم أسوء حالاً من أهل الكتاب؛ إذ على هذا الفرض ذبائحهم حلال مطلقاً، وذبائحنا حلالٌ بالتسمية، قلت: نعم هذا الإشكال لا مفرّ منه، كما أنّ في موافقة القرآن للحلّية المطلقة كلاماً كما مرّ.

فالوجه الأول للجمع قابل للمناقشة، مضافاً إلى عدم اعتنائه بالروايات الكثيرة الواردة حول التسمية، وتسمية هذا الوجه بوجه الجمع لا يخلو من إشكال أيضاً؛ إذ إنه لم يجمع بين الأخبار، بل رجّح طائفةً على أخرى.

2 ــ التفصيل بين التسمية وعدمها

الجمع الثاني: إنّ أخبار الحلية المطلقة تقيّد بالأخبار التي تشترط التسمية في الحلية، والجميع يتعارض مع أخبار الحرمة، فالملاك هو ذكر اسم الله وعدمه، فذبيحة أهل الكتاب حلال، إن ذكروا اسم الله عليها، وحرام إن لم يذكروه، ويدل عليه جملة من الأخبار التي ميّزت بين الذكر وعدمه، كصحيحة أو موثقة معاوية بن وهب، وخبر الحسين بن عبدالله وخبر الحسين بن منذر وعلي بن جعفر وصحيحة قتيبة الأعشى المتقدّمين، وكذلك خبر الورد بن زيد قال: قلت لأبي جعفر %: حدثني حديثاً وأمْلِهِ علي حتى أكتبه. فقال: <أين حفظكم يا أهل الكوفة؟> قال: قلت: حتى لا يردّه عليّ أحد. ما تقول في مجوسي قال بسم الله ثم ذبح؟ فقال: <كل>، قلت: مسلم ذبح ولم يسمّ؟ فقال: <لا تأكله؛ إن الله يقول: >فكلوا مما ذكر اسم الله عليه<، >ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه<>([90])، وميزة الخبر الأخير أنّه جيد سنداً ومتناً، ويفصّل بين التسمية وعدمها، ويتمسّك بالقرآن؛ فتحمل عليه سائر الأخبار.

وإن شت قلت: أخبار الحلية المطلقة وأخبار الحلية المشروطة بالتسمية كلّها تقابل أخبار الحرمة، فتصير أخبار الحلية أحسن سنداً، وأقوى دلالةً، وأكثر عدداً من أخبار الحرمة، فنلتزم بالحلّية المشروطة بالتسمية.

وهذا الوجه من الجمع أقوى من السابق وأقرب إلى الاحتياط وموافق للقرآن، حيث يقول: >وكلوا مما ذكر اسم الله عليه< ويقول أيضاً: >ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق<، وفرض أن جملة <وإنه لفسق> لم تكن حاليةً، بل عطف كما احتمل، وهذا الوجه مخالف لبعض أهل السنّة مثل الشافعية والمالكية؛ إذ الشافعية لا يرون التسمية واجبةً، لا في المسلم ولا في غيره، والمالكية لا يرونها واجبةً في ذبيحة أهل الكتاب، كما سيأتي؛ فالترجيح بمخالفتهم موجود هنا أيضاً.

إن قلت: على هذا فإحراز التسمية شرطٌ لجواز الأكل؛ فكيف أكل رسول الله% لحم الشاة المسمومة قبل إحراز التسمية؟ وكيف أكل الأصحاب الشحم من الجراب كما مر؟ قلت: إن اليهود يرون التسمية فرضاً على الذبيحة، ولهم أوراد مخصوصة في هذا المجال، كما هو مكتوب في كتابهم المقدّس، ويدلّ عليه خبر عامر بن علي الجامعي، قال: قلت لأبي عبدالله %: جعلت فداك، إنا نأكل ذبائح أهل الكتاب، ولا ندري يسمّون عليها أم لا؟ فقال: <إذا سمعتهم قد سمّوا فكلوا، أتدري ما يقولون على ذبائحهم؟> فقلت: لا، فقرأ كأنه شبه يهودي قد هذّها، ثم قال: <بهذا أمروا>، فقلت: جعلت فداك، إن رأيت أن نكتبها، فقال: <اكتب..>([91]).

3 ــ التفصيل بين سماع التسمية وعدمه

الجمع الثالث: حمل أخبار الحلية المطلقة على سماع التسمية، وأخبار الحرمة على عدمها، فالملاك هو سماع التسمية وعدمها، وهو مختار الصدوق، حيث قال: ولا تأكل ذبيحة من ليس على دينك في الإسلام، ولا تأكل ذبيحة اليهودي والنصراني والمجوسي إلاّ إذا سمعتهم يذكرون الله عليها، فإذا ذكروا اسم الله فلا بأس بأكلها؛ فإن الله يقول: >وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الله< ويقول: >فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ<([92]).

ويدلّ على هذا الوجه من الجمع بعض الأخبار:

منها: ما في الفقيه، قال الصادق %: <ولا تأكل ذبيحة اليهودي والنصراني والمجوسي وجميع من خالف الدين إلا إذا سمعته يذكر اسم الله عليها>([93]).

ومنها: صحيحة حمران، قال: سمعت أبا جعفر % يقول في ذبيحة الناصب واليهودي والنصراني: <لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم الله>، فقلت: المجوسي؟ فقال: <نعم إذا سمعته يذكر اسم الله. أما سمعت قول الله: >ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه<>([94]).

ومنها: خبر القاسم بن سليمان عن حريز، قال: سئل أبو عبدالله % عن ذبائح اليهود والنصارى والمجوس، فقال: <إذا سمعتهم يسمّون أو شهد لك من رآهم يسمّون فكل، وان لم تسمعهم ولم يشهد عندك من رآهم يسمّون فلا تأكل ذبيحتهم>([95])، وفي نسخة الوسائل: <وشهد لك من رآهم> بدل أو، والظاهر أنه غلط وسقط للألف من كلمة <أو>، كما أنّ القاسم بن سليمان لم يذكر بذم ولا مدح، إلا على وجوده في إسناد كامل الزيارات وتفسير علي بن إبراهيم([96]).

رجوع الجمع الثالث إلى الثاني

وهكذا أفتى الصدوق في المقنع، ونظره إلى السماع كان نظراً آلياً طريقياً، لا استقلالياً موضوعياً؛ لذا قال في أول كلامه: إلا إذا سمعتهم يذكرون اسم الله، ثم يقول: <فإذا ذكروا اسم الله فلا بأس>، ففي أوله علّق الحلّية على سماع التسمية، وفي آخره علّقها على ذكر الله واقعاً، ومعلومٌ أنّ المقصود واحد، والمهم ذكر اسم الله، ولذا استدلّ بالآية القرآنية: >فكلوا مما ذكر اسم الله عليه<، ففي مقام الثبوت يكفي ذكر اسم الله، لكن في مقام الإثبات نحتاج إلى طرق لإحراز التسمية، منها السماع، ومنها شهادة العدلين؛ وعليه فالجمع الثالث يرجع إلى الجمع الثاني المتقدّم.

4 ــ اعتبار الحرمة حكماً سياسياً بملاك التحقير

الجمع الرابع: ما يلوح من بعض الأخبار وبعض الآيات الشريفة، وأشرنا له في بيان الاحتمالات الموجودة في آية: >الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.. الْيَوْمَ أحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ<، وهو أن تكون حلية ذبائح أهل الكتاب حكماً سياسياً مرتبطاً بكيفية تعاملهم مع المسلمين، بمعنى أنهم إن أكلوا ذبائحنا نأكل ذبائحهم، وإن حقّرونا نحقّرهم ولا نأكل ذبائحهم.

ويشهد لذلك ــ مضافاً إلى ما ذكرناه في ذيل الآية، من أنّ كلمة <اليوم> تدلّ على الامتنان، فيلزم أن يكون تحليلاً لما كان محرّماً سابقاً، وبما أنّ الحبوب وغيرها لم يكن حراماً حتى يصبح حلالاً، فالآية تحلّل لنا ذبائحهم ــ مرسلة ابن أبي عمير المتقدّمة، والتعليق فيها على الاسم لا يضرّ بما احتملنا بعد عدم معلومية مرجعه؛ إذ كما يجوز أن يرجع إلى الذبح الذي نفهمه من الذبيحة أو الذبائح، كذلك يجوز أن يرجع إلى ملاك الذبح، وعلى هذا إنما ملاك الذبح هو التسمية، أي إن سمّوا فمعلوم أنهم لا يريدون تحقير المسلمين، من هنا نستطيع أن نقول: إن جميع الأخبار الدالّة على وجوب التسمية تريد أن ترشدنا إلى معيار نعرف به حال الذابح ونيّته، فإن سمّى نعرف أنه لا يريد تحقير المسلمين وتحقير اسم الله، وإن لم يسمّ نفهم أنه يريد تحقير الله والمسلمين؛ فنستطيع أن نستنبط حكماً كلياً ونقول: كل شخص سمّى الله فذبيحته حلال وإلا فلا. كما يدلّ عليه خبر الورد بن زيد المتقدّم([97]).

ويدلّ على ما احتملنا من أنّ الحكم سياسي، صحيحة الحسين الأحمسي عن أبي عبدالله %، قال: قال له رجل: أصلحك الله، إنّ لنا رجلاً قصاباً فيجيء يهودي فيذبح له حتى يشتري منه اليهود، فقال: <لا تأكل من ذبيحته ولا تشتر منه>([98])؛ فإنّ اليهود كانوا يريدون تحقير المسلمين بترك شراء اللحم من ذلك القصّاب، والقصاب ــ طمعاً بحطام الدنيا ــ حقّر نفسه والمسلمين، وجاء بذابح يهودي حتى يشتري منه اليهود؛ فالإمام% نهى عن أكل ذبائحه حتى يفهم ويتنبّه، وبهذا يرتفع التعارض، ويؤيده ما قاله الصادق % في ذيل صحيحة جميل ومحمد بن حمران: <إذا غاب فكل>، بعد قوله: <فقال بعضهم: إنهم لا يسمّون، فقال: فإن حضرتموهم فلم يسمّوا فلا تأكلوا، وقال: إذا غاب فكل>([99]).

وملخّص الكلام: تارةً ننظر إلى التسمية كشيء له دخل في الحلية، فيكون موضوع التذكية الذبح بشرط التسمية؛ ففي هذه الحالة تحرم الذبيحة بترك التسمية، لأنها جزء موضوع الذكاة، وأخرى ننظر إليها مرآةً لعدم تحقير المسلمين، ففي هذه الحالة إن تركوا التسمية عمداً لكن لا للتحقير والإهلال لغير الله، بل لشبهة عرضت عليهم، أو تركوها سهواً فذبائحهم حلال؛ إذ الملاك عدم التحقير، لا التسمية، حتى أنه لو فرض أن اليهودي الذي جاء للذبح للقصاب ذكر اسم الله، مع ذلك ذبائحه حرام؛ لملاك التحقير.

5 ــ ترجيح أخبار الحرمة، وحمل أخبار الحلية على التقيّة

الجمع الخامس: وهو الطريق الذي ذهب إليه الأكثر، بل كاد يكون إجماعاً بعد زمان الشيخ الطوسي إلى زماننا هذا، وهو حمل جميع أخبار الحلية مطلقاً أو مع التسمية على التقية، والالتزام بأخبار الحرمة وطريقة الاحتياط. قال صاحب الجواهر: ومن المعلوم أن هذه النصوص بين الإمامية كالنصوص الدالة على طهارة سؤرهم ونحوها مما هو معلومٌ خروجها مخرج التقية، كما أومأ إليه خبر بشير بن أبي غيلان الشيباني: <سألت أبا عبدالله % عن ذبائح اليهود والنصارى، قال: فلوّى شدقه، وقال: كلها إلى يوم ما>([100]).

لكنّنا نرى أنّه قد ثبت في محلّه طهارة أهل الكتاب، وأنها أمر مفروغ عنه في الأبواب المختلفة من الفقه، نظير باب تغسيل اليهودي المماثل للمسلم، وجواز أخذ اليهودية مرضعةً للطفل المسلم، وجواز نكاحها متعة، وبقاء نكاحها الدائم إذا أسلم الزوج دونها، وإيجاب الضيافة على أهل الذمة ضمن عقد الجزية؛ بأن يضيّفوا المسلمين المارين عليهم ثلاثة أيام ويطعموهم الخبز والشيرج و.، فكما أن طهارتهم قد فرغ عنها في الفقه([101]) ــ وان اختلفت روايتنا فيها ــ كذا حلية ذبائحهم؛ فالطريق الذي سلكه صاحب الجواهر وهاجم كلّ من احتمل حلية ذبيحتهم بقوله: <فمن الغريب وسوسة بعض الناس فيه>([102]) أو <ومن الغريب بعد ذلك إطناب ثاني الشهيدين في المسالك وبعض أتباعه في تأييد القول بالجواز، واختياره وذكر الجمع بالكراهة ونحوه، وذكره فيها ما لو وقع من غيره لعدّ من الخرافات>([103])، ليس بسديد، كما أن تقسيم الأخبار إلى اثنتي عشرة طائفة، والاستشهاد باختلاف الأخبار لما ذهب إليه من حرمة ذبائح أهل الكتاب غير مناسب أيضاً للصناعة الفقهية. قال ما ملخّصه: لا يخفى على من رزقه الله فهم اللحن في القول أنّ هذا الاختلاف منهم في الجواب ليس إلا لها، يعني التقية([104])، ثمّ ذكر وجوه اختلاف الروايات.

والشيء الذي أجبره على تقسيم الأخبار طوائفَ كثيرة ــ حتى أنه فرّق بين سماع التسمية وإخبار المسلم بسماع التسمية ــ هو الشهرة العظيمة أو الإجماع على حرمة ذبائح أهل الكتاب، ولكن ينبغي ان يُعلَم أنّ الشهرة والإجماع لم يتحقّقا زمن الأئمة؛ إذ الاختلاف كان كثيراً في هذا الموضوع بين أصحابنا الإمامية، بحيث يرى أبو بصير حليّتها حتى بعد السماع من الإمام % خلافَ ذلك، والورد بن زيد طلب من الإمام % أن يُملي عليه حتى لا يردّ عليه أحد، والمعلّى أكل من ذبائح أهل الكتاب؛ فلم يتحقق إجماع نطمئن بأنّ الإمام داخل فيه، لاسيما مع هذه الروايات الكثيرة القائلة بالحلّية، وبعد عصر الأئمة( لم يتحقّق الإجماع أيضاً؛ إذ الصدوقَين والقديمَين كانوا من المخالفين لحرمة ذبائح أهل الكتاب، كما سيأتي.

فالإجماع حصل من زمان الشيخ الطوسي المتأخر عن عصر الأئمة؛ فلم يكن بمرأى المعصوم، ولا داخلاً فيه، ونحن نطمئن([105]) أنّ المجمعين أيضاً لم يكن بأيديهم غير هذه الأخبار التي بأيدينا، فعلينا أن نتفحّص دلالتها، فترك الأخبار وحملها على التقية خوفاً من الإجماع أو الشهرة ليس صحيحاً. والعجب من الشهيد الثاني؛ إذ ردّ دلالة الأخبار التي استدلّ بها على الحرمة، وأثبت دلالة أخبار الحلية وصحّح أسانيدها، ثم بعد هذا كلّه أفتى بحرمة ذبائح أهل الكتاب؛ مراعاةً لما عليه الأصحاب ومراعاةً لجانب الاحتياط([106]).

وأنا أظنّ أنّ هذه الفتوى صدرت منه تقيةً من الأصحاب، كما نرى في زماننا الحاضر أنّ علماءنا في المجالس العلمية يفتون بشيء ويكتبون في رسائلهم العمليّة خلاف ما وصلوا إليه في المباحث العلمية؛ خوفاً من عوام الشيعة وبعض المتلبّسين بلباس التقدّس وأهل العلم، وكذلك خوفاً من الحكّام والرؤساء، ومن أظهر نماذجها في الأحكام مسألة أهل الكتاب، وفي الموضوعات مسألة تعيين المرجع الأعلم.

فروع ذات صلة

بقي هنا أمور ينبغي الإشارة إليها:

الأول: كما يجوز أن يُعتمد على فعل المسلم، إذا كان يُحسن الذبح ويعلم شرائطه ويعمل به، كذلك يجوز الاعتماد على فعل بعض أهل الكتاب، ممّن هو كذلك، بحيث يطمئن الإنسان بأنه لا يذبح بدون التسمية، وقد جرّبناه غير مرة في موارد مختلفة. فحينئذ لا يلزم أن نسمع تسميته، أو يشهد عندنا شاهد أنّه سمعها، وهذا هو مقتضى الطريقية التي شرحناها سابقاً؛ وبهذا يمكن توجيه فعل النبي 2 في أكل لحم المسمومة التي أهدته إيّاها اليهودية؛ إذ ــ كما قلنا سابقاً ــ كان اليهود يلتزمون التسمية حين الذبح، والأخبار الدالة على الحلية المطلقة يمكن حملها على مثل هذا المورد الذي نطمئن فيه أنهم يسمّون، كما أنّ الأخبار التي تحكم بعدم جواز الأكل معلّلاً بأنهم لا يسمّون موردها غالباً إما راعي الغنم الذي لا يلتزم بشيء من العبادات والعادات الدينية، لكن إن سألناهم عن دينهم أجابوا: إنهم نصارى أو مجوس، مثل ما في خبر الحسين بن منذر المتقدّم([107])، وإما مبدعٌ أحدث في دينه شيئاً، كما في صحيحة حنان المتقدّمة التي يسأل فيها عمّا ينقله ابن المنذر([108]).

وعليه، فالمناهي الواردة بشأن ذبائح أهل الكتاب موردها إما جاهل غير عارف وراعٍ بدوي غير ملتزم بشيء، وإما مبدع خارج عن طريق الحق، فحكم الحرمة جزئيٌ موردي مرتبط بالموارد التي نطمئن أنهم لا يسمّون فيها.

الثاني: إذا كان الذابح مسلماً ولا يُحسن الذباحة، أو لا يرى التسمية واجباً، بل يتركها غالباً حين الذبح، أو يتّبع بعض طوائف المسلمين، مثل المالكية الذين لا يرون التسمية واجباً، فحينئذ لا نستطيع أكل ذبائحه؛ إذ لو كنّا حاضرين عنده وشاهدناه يذبح دون تسمية فهذا واضح ولا شك في حرمته، وأما لو كان غائباً وذبح، فهنا أيضاً لا تجري أصالة الصحة في فعل المسلم؛ إذ نطمئن بعدم تسميته لاتّباع مذهبه، والتزامه بالواجبات دون المستحبات.

ويدلّ على ما قلنا صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر % في حديث، قال: <لا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم الله عليها>([109])، وصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله%، في حديث أنه سأله عن الرجل يذبح، فينسى أن يسمّي أتؤكل ذبيحته؟ فقال: <نعم إذا كان لا يتّهم، وكان يُحسن الذبح قبل ذلك، ولا ينخع، ولا يكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة>([110])، وصحيحة أخرى لمحمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر % عن الرجل يذبح ولا يسمّي، قال: <إن كان ناسياً فلا بأس إذا كان مسلماً، وكان يُحسن أن يذبح، ولا ينخع، ولا يقطع الرقبة بعدما يذبح>([111]).

والذي يسهّل الخطب أنّ مثل هذه الصورة نادرة؛ فالمعروف بين المسلمين ــ حتى المالكية الذين لا يرون التسمية واجباً ــ أنهم يسمّون؛ لاستحبابه، ولأنّ <كل أمر ذي بال لم يبدء ببسم الله فهو أبتر>؛ فالوسوسة في هذا المجال غير مقبولة، كما أنّ التحقيق والتفحّص في حال الأفراد أمرٌ مرفوض.

الثالث: إنّ طريق الجمع القائم على إحراز التسمية، لا يمكن أن نفسّر به بعض أخبار الحرمة، كما لا يمكن تفسير بعض أخبار الحلية به، وذلك مثل خبر زيد الشحام، قال: سئل أبو عبدالله % عن ذبيحة الذمي، فقال: <لا تأكله إن سمّى وإن لم يسمّ>([112])، لكنّ هذا الخبر ضعيف جداً، فالمفضل بن صالح الوارد في سنده كان كذاباً يضع الحديث([113])، ومعه لا حاجة للجمع بينه وبين سائر الأخبار.

ومن هذه الأخبار أيضاً خبر قرب الإسناد عن جعفر عن أبيه: أنّ علياً كان يقول: <كلوا من طعام المجوس كلّه ماخلا ذبائحهم؛ فإنها لا تحلّ، وإن ذكر اسم الله عليها>([114]).

وهنا، أولاً: خبر قرب الإسناد ليس كأخبار الكتب الأربعة؛ إذ أخبارها كانت تقرأ كل عصر بواسطة الأستاذ على التلاميذ، وكانوا يجيزون نقلها، فكان لها اعتبار خاصّ عند الشيعة، ومع ذلك نرى اختلاف النسخ والسقط موجوداً فيها، أمّا سائر الكتب فلم تكن بهذه المنزلة، ومن ناحية أخرى كأن وجهة نظر مؤلّف قرب الإسناد كانت على قلّة الواسطة في الحديث، وعليه كان يغفل سائر الامور التي يلزم رعايتها في نقل الحديث، ومعه فلا نستطيع الاعتماد على ألفاظه مائة بالمائة.

ثانياً: هذا الخبر يدلّ على طهارة المجوس، وهو ما لم يلتزم به علماؤنا القائلون بنجاستهم، فترك علم هذا الحديث لأهله يمكن أن يكون أحسن من ترك الأحاديث الصحاح الواضحة لأجل خبرٍ لا نفهم مقصود الإمام % منه بالضبط.

ومن تلك الأخبار خبر عبدالملك بن عمرو، قال: قلت لأبي عبدالله %: ما تقول في ذبائح النصارى؟ فقال: <لا بأس بها>، قلت: فإنهم يذكرون عليها المسيح، فقال: <إنما أرادوا بالمسيح الله>([115])، ومنها: خبر أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله % عن ذبيحة اليهودي؟ فقال: <حلال>، قلت: فإن سمّى المسيح؟ قال: <وإن سمّى، فإنه إنما أراد به الله>([116]).

 ولكن، بما أن الخبرين ليسا صحيحين ولا موثقين؛ فلا يحتاجان للتبرير؛ إذ مضافاً لمخالفتهما صريح القرآن، لم يُفتِ بهما أحد من علمائنا؛ فإما أن نضربهما على الجدار أو نردّ علمهما إلى أهله، لكنّ في ذهني شيئاً لا بأس ببيانه، وهو أن للنصارى ــ كما يظهر من الكتب الكلامية والحِكَمية ــ ثلاث طوائف: فبعضهم يقول بعينية جوهر المسيح مع جوهر الله، وبعضهم يقول بتشابه جوهر المسيح مع جوهر الله، وبعضهم الآخر يقول بتغاير الجوهرين، لكنّهم قليل، وعلى أيّ حال، ليس المسيح في تصوّرهم هو الجسم الذي ولد في زمان ومات في زمان آخر، بل مقصودهم منه الحقيقة المسيحية التي هي الصادر الأول، وهو كلّ العقل وعقل الكل، نظير ما يقال بالنسبة إلى الحقيقة المحمدية، وأنّه المعلم الأول والصادر الأول، فإن كان هذا مرادهم يمكن توجيه تسميتهم باسم المسيح بأنهم يريدون صفةً من الصفات الكمالية لله تعالى؛ وبهذا ينتفي الشرك والإهلال لغير الله، وتحلّ ذبائحهم.

حكم ذبيحة المشرك

الرابع: ظهور بعض الأخبار وعموم بعضها الآخر يدلّ على حلية ذبائح المشركين أيضا بشرط التسمية، مثل صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر %، قال: <كل ذبيحة المشرك إذا ذكر اسم الله عليها وأنت تسمع..>([117])، وخبر الفقيه، قال الصادق%: <لا تأكل ذبيحة اليهودي والنصراني والمجوسي وجميع من خالف الدين، إلا إذا سمعته يذكر اسم الله عليها>([118])، فجميع من خالف الدين يشمل المشركين، فيستوعب هذا الخبر بعمومه المشركين، كما كان الخبر السابق صريحاً فيهم، وعلى هذه الشاكلة خبر الحسين بن المنذر المتقدّم في الأكراد([119]).

لكن يمكن أن يجاب عنها كلها، أما الأخير فذيلها: <إن الذبيحة بالاسم ولا يؤمن عليها إلا أهلها أو أهل التوحيد>، فلا يشمل المشركين، وأما خبر الحسين بن المنذر فـ <أشباه ذلك> ــ أي أشباه المجوس ــ إنما يشمل اليهود والنصارى دون المشركين؛ لأنّهم ليسوا أشباه المجوس ــ وهم معروفون بعبدة النار ــ ويمكن أن يجاب عن خبر الصدوق بأن قوله %: <وجميع من خالف الدين> يشمل الصابئين وسائر الموحّدين، دون المشركين، وعن صحيحة محمد بن مسلم بأنّ الإمام % أراد أن يبيّن خباثة نصارى العرب؛ إذ إنهم تنصّروا فراراً من الإسلام والقتل لا اعتقاداً وواقعاً؛ فهم أخبث من المشركين؛ بحيث يمكن أن يُقال بحلية ذبيحة المشرك ولا يمكن أن يقال بحلية ذبيحتهم، كما يمكن أن يكون لفظ المشرك في الحديث مصحّفاً عن المجوس، وبعد هذا كله وفرض سلامته عن هذه الإشكالات والاحتمالات، فهذا الحديث لا يقاوم سائر الأخبار والإجماع القطعي من الفريقين؛ إذ منذ الصدر الأول كان المسلمون يكرهون ذباح المشركين أشدّ كراهة، وكانوا يتقيئون لإخراج اللحم من جوفهم، كما في السيرة لابن الهشام: قال ابن إسحاق :.. عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: <كنت في الغزاة التي بعث فيها رسول الله 2 عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل، قال: فصحبت أبابكر وعمر، فمررت بقوم على جزور لهم قد نحروها، وهم لا يقدرون على أن يعضّوها، قال: وكنت امرأ لبقاً جازراً قال: فقلت: أتعطونني منها عشيراً على أن أقسّمها بينكم؟ قالوا: نعم، قال: فأخذت الشفرتين فجزأتها مكاني وأخذت منها جزءاً، فحملته إلى أصحابي فأطبخناه فأكلناه، فقال لي أبو بكر وعمر: أنى لك هذا اللحم يا عوف؟ قال: فأخبرتهما خبره. فقالا: والله ما أحسنت حين أطعمتنا هذا، ثم قاما يتقيّآن ما في بطونهما من ذلك.. >([120])، واللبق هو الحاذق الرقيق في العمل، والعشير: النصيب؛ لأن الجزور كانت تقسّم على عشرة أجزاء، فكل جزء منها عشير.

إنّ الإجماع الإمامي على حرمة ذبائح المشركين كالشمس في رائعة النهار؛ إذ يرسلها فقهاؤنا 2 إرسال المسلّمات، ثم يتكلّمون عن ذبائح أهل الكتاب، وأكثرهم يفتون بحرمتها أيضاً، أما غيرنا ــ أعني أهل السنّة ــ الذين يفتون بحلية ذبائح أهل الكتاب فيحكمون بحرمة ذبائح المشركين، فمن أراد فليراجع المصادر؛ وبه يظهر أن جميع فقهاء الفريقين يستخلصون أنفسهم عن ذبائح المشركين، ثم يبحثون ذبائح أهل الكتاب، فراجع ــ كمثال ــ الجواهر([121])، والمغني([122])، وما في الفقه على المذاهب الأربعة([123])، وغيرها.

آراء الفقهاء المسلمين في ذبائح أهل الكتاب

وعلى أية حال، يمكن مراجعة فتاوى الفقهاء في مسألة ذبائح أهل الكتاب ــ حليّةً وتحريماً ــ فضلاً عن غيرهم، في المصادر الفقهية؛ فلينظر الصدوق في المقنع([124])، والهداية([125])، والمفيد في المقنعة([126])، وابن أبي عقيل([127])، وابن الجنيد([128])، والسيد ابن زهرة في الغنية([129])، والسيد المرتضى في الانتصار([130])، وابن حمزة في الوسيلة([131])، والقاضي ابن البراج في المهذب([132])، وقد قيّد الذابح المسلم بكونه من أهل الحق، وهو قيد يمكن أن يكون توضيحياً، ومعناه المسلم الذي يكون من أهل الحق دون أهل الكتاب؛ لأنهم ليسوا أهل الحقّ، ويمكن أن يكون لإخراج أهل الخلاف؛ وعلى هذا يكون ظاهر نظر القاضي كنظر ابن حمزة في الوسيلة في اشتراط أن يكون الذابح مؤمناً، وكيف كان فاشتراط كون الذابح مؤمناً لا يوجد له دليل إلا صحيحة زكريا بن آدم، قال: قال أبو الحسن %: <إني أنهاك عن ذبيحة كلّ من كان خلاف الذي أنت عليه وأصحابك، إلا في وقت الضرورة إليه..>([133])، وهي لا تدلّ على أكثر من كراهة ذبائح أهل الخلاف؛ إذ قوله %: <إني أنهاك> لا يدلّ على عموم الحكم لكلّ أحد، بل يمكن أن يكون مختصّاً بزكريا؛ لخصوصية فيه؛ بحيث يحسُن منه الاحتياط والاجتناب عن هذا النحو من المباحات، كما أنّ الاستثناء في قوله % يدلّ على عدم النهي وعدم الحرمة في حالة الضرورة، والتعبير بالضرورة دون الاضطرار يدلّ على أنّ ذبائحهم ليست محرّمة؛ إذ لو كانت محرمةً فيلزم عدم الفرق بين حالة الضرورة وعدمها، ما لم يصل إلى حدّ الاضطرار؛ إذ الاضطرار مجوّز لارتكاب المحرمات، دون الضرورة، ومعلوم أنّ الضرورة أعمّ من الاضطرار؛ إذ كثيراً ما نجد أموراً تكون ضروريات لنا لكنّنا لسنا مضطرّين إليها، بحيث لا نستطيع العيش دونها، بل حتى لو سلّمنا دلالة الصحيحة على حرمة ذبائح أهل الخلاف، فلا نسلم جواز تقييد جميع المطلقات وتخصيص جميع العمومات بهذا الخبر الواحد؛ إذ الإطلاق والتقييد وتقديم الخاصّ على العام من الأمور العقلائية، والعقلاء لا يحكمون، بل لا يجيزون تقييد جميع المطلقات وتخصيص جميع العمومات بمقيّد واحد؛ فإن كان مطلقٌ واحد ومقيد واحد، فهذا المقيد يقيّد المطلق، أمّا إذا كان المطلق عشرين أو ثلاثين مثلاً، ثم جاء مقيّدٌ واحد، فيحملون هذا المقيد على أفضل الأفراد وأكملها وأمثال ذلك.

كما يمكن مراجعة نظرالشيخ الطوسي في مسألة ذبائح أهل الكتاب في النهاية([134])، والخلاف([135])، وكذا المحقق الحلي في الشرائع([136])، والشهيد الأول في اللمعة([137])، والشهيد الثاني في المسالك([138])، والسيد العاملي في المدارك([139])، وغيرها من كلمات الفقهاء الشيعة، والتي حاصلها: إنَّ مسألة حرمة ذبائح أهل الكتاب ليست إجماعيةً إجماعاً تعبدياً وصل من المعصوم إلينا يداً بيد، بل اجتهادية من الصدر الأول إلى يومنا هذا، وإن أفتى جلّ علمائنا بعد زمان الشيخ الطوسي إلى زماننا هذا بالحرمة، لكن ليس عندهم شيء أكثر مما بأيدينا، والذي دعاهم إلى هذه الفتوى تطابقها مع الاحتياط وشهرة القدماء، لكن نحن نقول: الشهرة ليست حجةً شرعية ما لم يكن المعصوم فيها، والاحتياط ليس دليلاً شرعياً.

وأمّا أراء الفقه السنّي فلا نطيل باستعراضها أيضاً، فتنظر في الفقه على المذاهب الأربعة([140])، وفي الأمّ للشافعي([141])، وفي الفتاوى الهندية في فقه الحنفية([142])، وفي المحلّى لابن حزم الأندلسي([143]).

ومع الدقة في أقوال فقهاء أهل السنّة والانتباه إلى زمانهم وفقهم الرائج، نستطيع أن نفهم الأخبار التي صدرت من أئمتنا ( تقيةً من التي صدرت لبيان الحكم الواقعي؛ فأكثر أخبارنا صادرة من الصادق والباقر ‘، وكانت تقول: <الذبيحة بالاسم، ولا يؤمن عليها إلا مسلم>، أو <لا تأكل حتى تسمعه يذكر اسم الله>، أو <شهد عندك من رآهم يسمون> و.. والفقه الرائج في زمان الصادق % كان الفقه الحنفي الذي يرى ــ كما في المصدر المشار إليه ــ أنّه إنما تؤكل ذبيحة الكتابي إذا لم تشهد ذبحه.. لأنه إذا لم يسمع منه ذكر اسم الله يحمل على أنه قد سمّى الله تعالى؛ تحسينا للظنّ به كالمسلم، ومعه فلا يمكن أن يقال: إنّ هذه الأخبار من أئمتنا صدرت تقيةً؛ لأنّ كلها مخالف للفقه الرائج في تلك الأعصار، وأكثر كلمات الأئمة ( كالتعليقات على المتون التي يمثّلها الفقه السنّي السائد، فإن أراد الإمام % أن يفتي تقيةً كان عليه أن يفتي مطابقاً لفتواهم، وبما أنه لم يفت كذلك يظهر لنا أنه % كان بصدد بيان الحكم الواقعي.

نعم خبر جميل ومحمد بن حمران: أنهما سألا أبا عبدالله % عن ذبائح اليهود والنصارى والمجوس؟ فقال: <كل>، فقال بعضهم: إنهم لا يسمّون. فقال: <فإن حضرتموهم فلم يسمّوا فلا تأكلوا>. وقال: <إذا غاب فكل>، محمولٌ على التقية؛ إذ إنه موافق لهم ومخالف لسائر أخبارنا كما مرّ.

والأخبار الدالّة على الحليّة المطلقة ــ مضافاً إلى إمكان تقييدها كما مرّ ــ موافقة لفقه المالكيّة، وفقههم أيضاً كان شائعاً في تلك الأعصار، فبما أنّ المطلقات قيّدت في أخبار أخرى، لا يضرّنا أن نقول: إنها صدرت مطلقةً للتقية، ثم وردت قيودها في مكان آخر لبيان حكم الواقعي، أما الشافعية والحنابلة فكان رواج فقههم وعصرهم متأخراً عن عصر الصادق %، فلا يمكن أن نقول: قول الصادق % صدر تقيةً منهم، وعليه فالقول الذي انتخبنا وأيّدناه لا يحتمل التقية، فالحقّ حلية ذبائح أهل الكتاب مع إحراز التسمية.

ملخص البحث

 الأدلّة الثلاثة التي ذكروها لحرمة ذبائح أهل الكتاب كلّها مخدوشة، بل الأول والثاني ــ أي القرآن والسنّة ــ يدلان على حلية ذبائحهم إن ذكروا اسم الله عليها، وهو ما نلتزم به.

*     *     *

الهوامش



(*) باحث وأستاذ في الحوزة العلمية في مدينة إصفهان، من إيران.



([1]) فروع الكافي 6: 239؛ ووسائل الشيعة 16: 347، الباب 27 من أبواب الذبائح.

([2]) معجم رجال الحديث 6: 294، و8: 294، 297، و11: 381، و22: 54، 53.

([3]) فروع الكافي 6: 238؛ ووسائل الشيعة 16: 346، الباب 27 من أبواب الذبائح، ح 5.

([4]) معجم رجال الحديث 18: 285، 287؛ ورجال النجاشي: 93.

([5]) فروع الكافي 6: 240؛ ووسائل الشيعة 16: 346، الباب 27 من أبواب الذبائح، ح 7.

([6]) معجم رجال الحديث 3: 118.

([7]) المصدر نفسه 20: 147.

([8]) تهذيب الأحكام 3: 232، ح 603؛ ووسائل الشيعة 16: 344، الباب 26 من أبواب الذبائح، ح 8.

([9]) رجال النجاشي: 255.

([10]) المصدر نفسه: 204.

([11]) المصدر نفسه: 60؛ وراجع: معجم رجال الحديث: 354 ـ 359؛ وتهذيب الأحكام 9: 204، في ذيل الحديث 812.

([12]) فروع الكافي 6: 240؛ ووسائل الشيعة 16: 345، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 1.

([13]) تهذيب الأحكام 9: 66، ح 282؛ ووسائل الشيعة 16: 350، الباب 27 من أبواب الذبائح، ح 25، مع تغيير في دليله.

([14]) رجال النجاشي: 139، 301.

([15]) وسائل الشيعة 16: 344، الباب 26، من أبواب الذبائح، ح 9.

([16]) المصدر نفسه 16: 348، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 12.

([17]) فروع الكافي 6: 241، باب ذبائح أهل الكتاب، ح 15.

([18]) المصدر نفسه 6: 239، باب ذبائح أهل الكتاب، ح 4.

([19]) تهذيب الأحكام 9: 67، ح 286.

([20]) المصدر نفسه.

([21]) وسائل الشيعة 16: 350، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 25.

([22]) المصدر نفسه 16: 343، الباب 26، من أبواب الذبائح، ح 5.

([23]) المصدر نفسه 16: 349، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 16.

([24]) المصدر نفسه 16: 338، الباب 22، من أبواب الذبائح، ح 6.

([25]) فروع الكافي 6: 237، باب ذبيحة الصبي والمرأة والأعمى؛ ووسائل الشيعة، الباب 22 و 33 من أبواب الذبائح.

([26]) المصدران نفساهما.

([27]) تهذيب الأصول 1: 449.

([28]) الكامل في التاريخ 1: 598.

([29]) تاريخ الطبري 2: 303.

([30]) صحيح المسلم بشرح النووي 14: 178، باب السم.

([31]) أصول الكافي 2: 108، باب العفو، ح 9؛ ووسائل الشيعة 8: 519.

([32]) مجمع البيان 9: 122، ذيل آيات سورة الفتح؛ وبحار الأنوار 21: 6.

([33]) مسالك الأفهام 2: 224.

([34]) كتاب حرمة ذبائح أهل الكتاب للشيخ البهائي: 73؛ وراجع: بحار الأنوار 66: 8.

([35]) السيرة النبوية 3: 354.

([36]) مسند ابن حنبل 5: 55، 56؛ و4: 86.

([37]) تهذيب الأحكام 9: 64، ح 273؛ ووسائل الشيعة 16: 350؛ والاستبصار 4: 82 ح 306.

([38]) تهذيب الأحكام 9: 65، ح 274؛ ووسائل الشيعة 16: 350، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 21.

([39]) تهذيب الأحكام 9: 64، ح 271؛ ووسائل الشيعة 16: 349، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 19.

([40]) تهذيب الأحكام 9: 64، ح 281؛ ووسائل الشيعة 16: 352، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 29.

([41]) معجم رجال الحديث 12: 235.

([42]) وسائل الشيعة 16: 348، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 13.

([43]) المصدر نفسه 16: 355، من أبواب الذبائح، ح 44؛ والفقيه 3: 330.

([44]) فروع الكافي 6: 238 ـ 241.

([45]) كتاب من لا يحضره الفقيه 3: 330.

([46]) راجع: تهذيب الأحكام 9: 64، ح 273؛ ووسائل الشيعة 16: 350.

([47]) فروع الكافي 4: 497.

([48]) إذ ذكر اسم الله يكون مبنيّاً للمفعول في سورة الأنعام، ومبنيّاً للفاعل في سورة الحج.

([49]) فروع الكافي 6: 240، باب ذبائح أهل الكتاب، ح 10؛ ووسائل الشيعة 16: 341.

([50]) فروع الكافي 6: 240، باب ذبائح أهل الكتاب، ح 12؛ ووسائل الشيعة 16: 347.

([51]) فروع الكافي 6: 241، باب ذبائح أهل الكتاب، الحديث 17؛ ووسائل الشيعة 16: 343.

([52]) فروع الكافي 6: 241، باب ذبائح أهل الكتاب، ح 17، 16؛ ووسائل الشيعة 16: 343، 346.

([53]) راجع العدّة.

([54]) فروع الكافي 240؛ ووسائل الشيعة 16: 347.

([55]) معجم رجال الحديث 3: 163.

([56]) وسائل الشيعة 16: 347.

([57]) فروع الكافي 6: 239، باب ذبائح أهل الكتاب، ح 2.

([58]) المصدر نفسه، ح 3.

([59]) المصدر نفسه 6: 241، باب ذبائح أهل الكتاب، ح 15.

([60]) تهذيب الأحكام 9: 63، ح 268.

([61]) المصدر نفسه: 66، ح 280.

([62]) فروع الكافي 6: 139، ح 6.

([63]) تهذيب الأحكام 9: 66، ح 280.

([64]) من لا يحضره الفقيه 3: 332، ح 4184.

([65]) وسائل الشيعة 16: 343، أبواب الذبائح، الباب 26، ح 4.

([66]) تهذيب الأحكام 9: 68، ح 287.

([67]) المصدر نفسه: 68، ح 289.

([68]) المصدر نفسه: 68، ح 290.

([69]) المصدر نفسه: 69، ح 294.

([70]) المصدر نفسه: 69، ح 295؛ عنه وسائل الشيعة 16: 354؛ الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 39.

([71]) معجم رجال الحديث 14: 20.

([72]) وسائل الشيعة 18: 54؛ أبواب صفات القاضي، الباب 8، ح9.

([73]) المصدر نفسه، ح 10.

([74]) راجع: المصدر نفسه 16، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 34.

([75]) راجع: المصدر نفسه، ح 40.

([76]) معجم رجال الحديث 20: 189.

([77]) راجع: وسائل الشيعة ج16، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 41.

([78]) معجم رجال الحديث 3: 163، و8: 55.

([79]) راجع: وسائل الشيعة ج16، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 35.

([80]) المصدر نفسه 16: 350، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 23.

([81]) راجع: المصدر نفسه، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 36.

([82]) تهذيب الأحكام 9: 70.

([83]) معجم رجال الحديث 3: 300، 312.

([84]) تهذيب الأحكام 9: 70.

([85]) وسائل الشيعة 16: 351؛ ذيل الحديث 28، من الباب 27.

([86]) المغني لابن قدامة 11: 38.

([87]) كنـز العمال 6: 265، ح 15626، و6: 261، ح 15650، 15651.

([88]) المصدر نفسه: 256، ح 15626، و6: 261، ح 15650، 15651.

([89]) المصدر نفسه: 267، الرقم 15637.

([90]) وسائل الشيعة 16: 346 و347 و353، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 11، 14، 41، 37.

([91]) بحار الأنوار: 47: 81، ونقل زهير الأعرجي ما يرونه فرضاً من كتبهم، فراجع.

([92]) الجوامع الفقهية: 35 في كتاب المقنع للصدوق.

([93]) كتاب من لا يحضره الفقيه 3: 330، ح 4180.

([94]) وسائل الشيعة 16: 352، 354، الباب 27 من أبواب الذبائح، ح 31، 39؛ وتهذيب الأحكام 9: 68، 69.

([95]) راجع: وسائل الشيعة ج 16، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 34، 40، 41، 35، 36.

([96]) معجم رجال الحديث 14: 20.

([97]) وسائل الشيعة 16: 346، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 4.

([98]) المصدر نفسه 16: 345، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 1.

([99]) المصدر نفسه 16: 352، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 33.

([100]) جواهر الكلام 36: 80.

([101]) راجع: mالطهارة الذاتية للإنسانn من مؤلفات أحمد عابديني.

([102]) جواهر الكلام 36: 80، 86.

([103]) المصدر نفسه 36: 86.

([104]) المصدر نفسه 36: 80، 86.

([105]) وإن كان الاحتمال أيضاً يكفي؛ إذ لو احتمل أنّ مستند المجمعين كان الأخبار الموجودة عندنا يسمّى الإجماع: محتمل المدرك.

([106]) راجع: مسالك الأفهام 2: 225.

([107]) وسائل الشيعة 16: 342، الباب 26، من أبواب الذبائح، ح2.

([108]) راجع: المصدر نفسه ج16، 342؛ الباب 26، من أبواب الذبائح، ح 3.

([109]) المصدر نفسه 16: 326، الباب 15، من أبواب الذبائح، ح 2.

([110]) المصدر نفسه، الباب 15، من أبواب الذبائح، ح 3.

([111]) المصدر نفسه 16: 326، الباب 15، من أبواب الذبائح، ح 4.

([112]) المصدر نفسه 16: 346، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح5.

([113]) معجم رجال الحديث 18: 286؛ ورجال النجاشي: 93، في ترجمة جابر بن يزيد حيث قال: روى عنه جماعة، غُمز فيهم وضعّفوا، منهم عمرو بن شمر ومفضل بن صالح ومنخل بن جميل و..

([114]) وسائل الشيعة 16: 348، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 5، 12.

([115]) المصدر نفسه 16: 353، ح 35؛ والاستبصار 4: 85.

([116]) وسائل الشيعة 16: 348، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 12.

([117]) المصدر نفسه 16: 352؛ الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 32.

([118]) من لا يحضره الفقيه 3: 330، ح 4180.

([119]) وسائل الشيعة 16: 344، الباب 27، من أبواب الذبائح، ح 7.

([120]) السيرة لابن هشام 4: 274.

([121]) جواهر الكلام 36: 79.

([122]) المغني والشرح الكبير 11: 38 ـ 39.

([123]) الفقه على المذاهب الأربعة 1: 24.

([124]) المقنع: 417؛ والجوامع الفقهية: 35.

([125]) الجوامع الفقهية: 62.

([126]) المقنعة: 579، 580، 581.

([127]) مختلفة الشيعة 8: 316، طبع مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية: 679 طبع حجري.

([128]) المصدر نفسه: 316، 679.

([129]) الجوامع الفقهية: 556.

([130]) الانتصار 403؛ وراجع الجوامع الفقهية: 182.

([131]) الجوامع الفقهية: 768.

([132]) المهذب لابن البراج 2: 439.

([133]) تهذيب الأحكام 9: 70؛ ووسائل الشيعة 16: 356، أبواب الذبائح، ح 5.

([134]) النهاية ونكتها 3: 189؛ والجوامع الفقهية: 374.

([135]) كتاب الخلاف، كتاب الصيد والذباحة، المسألة 23.

([136]) شرائع الإسلام 3: 204.

([137]) شرح اللمعة 2: 204.

([138]) مسالك الأفهام 2: 223.

([139]) جامع المدارك 5: 114 ـ 116.

([140]) الفقه على المذاهب الأربعة 2: 21 ـ 23.

([141]) الشافعي، كتاب الأم 2: 232.

([142]) الفتاوى الهندية في الفقه الحنفي 5: 285.

([143]) المحلّى 7: 454.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً