أحدث المقالات

د. محمد حسن يعقوبيان(*)

ترجمة: د. حسن نصر

خلاصةٌ

تستخدم هذه الدراسة المنهج الوصفي ـ التحليلي، والأسلوب المقارن؛ للتحقيق في صورة الشيطان في الكتب الثلاثة: الأفستا؛ والإنجيل؛ والقرآن الكريم، وإعادة قراءة آراء أتباع هذه الأديان في الصور الإيجابية والسلبية للشيطان، ودرجة تدخُّله ونفوذه. أهريمان الأفستا، بصفته خالقاً في تقديم أهورامزدا في الأفستا المتأخِّر يتعارض مع صورة الشيطان في الكتاب المقدَّس، وإبليس في القرآن، بصفته مخلوقاً وليس خالقاً. يقدِّم الكتاب المقدَّس الشيطان بصفته كائناً محبّاً الخير للإنسان، وأيضاً كائناً شرّيراً وعظيم القدرة، يمكنه الحلول في بدن الإنسان. أما ابليس في القرآن فقد تمّ تصويره بصفته مخلوقاً مختاراً، وقد اختار الشرّ، ولا يملك من القوّة إلاّ إغراء البشر. يوجد أيضاً تحليلاتٌ هامشية وغير صحيحة للشيطان نشأت عبر الزمان في ثقافة هذه الأديان، مثل: تأليه الشيطان في الدين الزرادشتي، وقدرته على التدخُّل في أمور الكائنات؛ أما في المسيحية فحلوله في أجساد الناس، والنظرة الإيجابيّة له، وعبادة الشيطان؛ وكذلك النظرة الإيجابية للشيطان في علم الكلام والعرفان الإسلاميّ.

 

عرض المسألة

لقد شغلت مسألة الشرّ ـ وخاصّةً دَوْر الشيطان في ظهور الشرور في العالم بشكلٍ عامّ ـ أذهان البشر منذ قديم الأيام، ولا تكاد توجد ثقافةٌ أو دينٌ لا يكون فيها نظيرٌ للشيطان. فإله الشرّ المصري «ست»([1]) و«دي إت بوليس» اليوناني([2]) والعفاريت والقوى الشيطانية في فكر المجوس قبل زرادشت في إيران القديمة نماذج من هذا القبيل([3]).

المسألة الأساسية في هذه الدراسة هي صورة الشيطان في أربعة أديان إلهية، وثلاث كتب: الأفستا؛ الكتاب المقدَّس؛ والقرآن الكريم. ترسم دراسة هذه الكتب صورةً للشيطان، سواء كانت إيجابية أو سلبية، ومدى قدرته وصلاحيّاته للتدخُّل في الكائنات. وتبحث هذه المقالة أيضاً وتحلِّل بالتفصيل الأعمال التي أنجزها أتباع هذه الأديان بدَوْرهم؛ لتوضيح صورة الشيطان في كتبهم المقدَّسة أو التحريف والبِدَع التي أحدثوها حول ذلك.

ومن الواضح أن هذه المقالة تعتبر أن الدين الزرادشتي أحد الأديان الإلهيّة. وبما أن إثبات هذا الأمر ليس من صلب موضوعنا فسوف نعتذر عن إيراد وجهات النظر المختلفة للباحثين في هذا الباب.

أهريمان في الأفستا

الدين الذي عرضه زرادشت كان يعتبره توحيدياً، ويتوجَّه إلى أهورامزدا. في قسم ﮔاتها من كتاب الأفستا، وفي معرض الحديث عن عنصر الشرّ، جاء الكلام حول روح سيّئ بصفته مخلوقاً: «في البداية تحدّث هذان الروحان التوأمان، وهما في الفكر والقول والعمل، أحدهما: جيِّدٌ؛ والآخر: سيّئ. ومن بين هذين الروحين وقع اختيار الأبرار على الحقيقيّ الصادق منهما، وليس الأشرار»([4]). ولكنْ بعد زرادشت حلَّت الثنوية محلّ التوحيد: «من خلال تحليل نظريات علماء الأفستا نصل إلى نتيجةٍ مفادها أن الغالبية العظمى منهم يختلفون مع نظرية أن دين زرادشت كان ثنويّاً، وأنه هو الذي اقترح حرب أهريمان وأورمزد، والقليل منهم الذين يقبلون ثنويّة رسالة زرادشت لم يقدِّموا أيّ دليلٍ على مدّعاهم من كتاب ﮔاتها، بل اعتمدوا على كتاب الأفستا المتأخِّر»([5]). يرى علماء الأعراق أن الثنويّة في نظرية الخلق الموجودة في الأديان الإيرانية تعود إلى الكتابات التي دُوِّنت بعد زرادشت، مثل: كتاب الفنديداد. صورة أهريمان مقابل أهورامزدا تضخَّمت كثيراً، بحيث ظهر أهريمان على أنه خالقٌ عظيم القدرة إلى جانب أهورا. جاء في القسم الأوّل من الفنديداد أن أهريمان يقدم على تخريب وتدمير ستّ عشرة مدينةً عامرة لأهورامزدا: «أوّل أرضٍ وبلد طيب خلقتُه أنا أهورامزدا كان في منطقة (إيران ويج)[= قريبة من خوارزم]، على ضفاف نهر (دايتا) الطيّب،وبعد ذلك جاء أهريمان، الذي كلّه موت، وخلق تنّيناً من نهر دايتا، والشتاء الذي خلقه العفاريت، وسلَّطهما على العالم؛ ليناصبني العداء»([6]). وكذلك اشتبك مع زرادشت، وقصد هلاكه. لقد كان يصفه أثناء حربه معه بخالق العالم الشرّير وخالق الشياطين([7])، ومن ثمّ يخاطب زرادشت قائلاً: «أهريمان المخادع خالق عالم الشرّ، قال له مرّةً أخرى: بأيّ كلماتٍ سوف تتغلَّب عليَّ وتطردني من عندك؟ بأيّ أسلحةٍ سوف يتمّ التغلُّب على مخلوقاتي ـ أنا أهريمان ـ ويطردونهم؟»([8]). بالنظر إلى هذا الوصف نرى أهريمان، الذي كلّه موتٌ، بقوّةٍ عظيمة وبصفته خالقاً جرَّ نصف العالم إلى الشرّ والظلام، يقف مقابل أهورامزدا وزرادشت. هذه الصور لأرواح الشرّ تسرَّبت إلى الثقافة الغربيّة والمسيحيّة، حتّى أن البعض يعتقدون أن كلمة «شرّ» في اللغة الإنجليزية مشتقّة من كلمة «ديف» الفارسية، يقول روبرت هيوم: «يمكن ذكر بعض أرواح الشرّ، مثل: الجوع والعطش والغضب، الغطرسة، الحسد، الكذب، الجفاف، الشتاء، الأعمال السيّئة للنساء. والاسم العامّ لكلّ تلك الأرواح هو «ديف»، الذي أصبح يُكتب فيما بعد بهذا الشكل DIV، وهو الأصل الذي جاءت منه الكلمة الإنكليزية Devil([9]). وقد استمرّت هذه العملية إلى الأديان الزرفانية والمانوية حيث تمّ تقديم الشيطان (آز) بصفته أمّ الشرور: «…والخلاصة أنه في الكتابات المانوية يظهر (آز) بصفته أصل الشرّ. إنه يتجلّى في ثلاث صور: الغفلة التي تجعل عيني الإنسان مغمضةً أمام مصيره ما وراء الطبيعي (الحظّ)، والشهوة، والحرص»([10]).

الشيطان في الكتاب المقدَّس

اعتبر الكتاب المقدَّس أن الثمرة الممنوعة في قصّة آدم وحواء هي المعرفة: «وأوصى الإله الربّ آدم قال: «من جميع شجر الجنّة تأكل، وأما شجرة معرفة الخير والشرّ فلا تأكل منها، فيوم تأكل منها تموت موتاً»([11]). دخل الشيطان الجنّة على شكل حيّةٍ، وقال: الله لم يُرِدْ للإنسان أن يعرف الخير والشرّ، «فقالت المرأة للحيّة: «من ثمر شجر الجنّة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنّة فقال الله: لا تأكلا منه، ولا تمسّاه؛ لئلا تموتا»، فقالت الحيّة للمرأة: «لن تموتا، ولكنّ الله يعرف أنكما يوم تأكلان من ثمر تلك الشجرة تنفتح أعينكما، وتصيران مثل الله، تعرفان الخير والشرّ»([12]). ومن هنا نرى أن الشخص الذي دعا الإنسان للمعرفة كان الشيطان، وليس الله. وأيضاً في إنجيل متّى، في مواجهة الشيطان مع المسيح، يبدو الشيطان بصورة كائنٍ قويّ: «ثمّ أخذه أيضاً إبليس إلى جبلٍ عالٍ جدّاً، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها، وقال له: «أعطيك هذه جميعاً إنْ خرَرْتَ وسجَدْتَ لي»([13]). ومثل ذلك جاء في إنجيل لوقا حول قوّة إبليس وتمكينه: «وقال له إبليس: لك أعطي هذا السلطان كلّه ومجدهُنَّ؛ لأنّه إليَّ قد دُفِع، وأنا أعطيه لمَنْ أريد»([14]). وفقاً لهذه الأمثلة من الكتاب المقدَّس يُصوَّر الشيطان في أذهان المسيحيّين عظيمَ القدرة: «اصحوا واسهروا؛ لأن ابليس خصمكم كأسدٍ زائر يجول ملتمساً مَنْ يبتلعه»([15]). وهذا الأسد الزائر تتعاظم قوّته، بحيث يحلّ في البشر، ويسلب منهم الإرادة والقوّة([16]). وفضلاً عن ذلك فقد جاء في العهد الجديد ذكر الشياطين ورئيسهم، واسمه «بعلزبول»([17]). وورد اسم «الدجّال» على أنه ابن الشيطان، وسوف يخرج في آخر الزمان من البحر، ويستمدّ قوّةً عظيمة من التنّين، الذي هو الشيطان نفسه([18]): «وسجدوا للتنّين الذي أعطى السلطان للوحش، وسجدوا للوحش قائلين: (مَنْ هو مثل الوحش؟ مَنْ يستطيع أن يحاربه؟). وأُعطيَ فماً يتكلّم بعظائم وتجاديف، وأُعطي سلطاناً أن يفعل اثنين وأربعين شهراً، ففتح فمه بالتجديف على الله؛ ليجدف على اسمه، وعلى مسكنه، وعلى الساكنين في السماء، وأُعطي أن يصنع حرباً مع القدِّيسين ويغلبهم، وأعطي سلطاناً على كلّ قبيلةٍ ولسان وأمّة، فسيمجّد له جميع الساكنين على الأرض، الذين ليست أسماؤهم مكتوبةً منذ تأسيس العالم في سفر حياة الخروف الذي ذُبح»([19]). هذا الكائن المتوحِّش الذي يمتلك قوّة الشيطان سوف يُبْعَد، وبإكمال النصّ سيتمّ الحديث أيضاً عن حيوانٍ آخر يخرج من الأرض، وعلامته العدد 666: «هنا الحكمة: مَنْ له فهمٌ فليحسب عدد الوحش، فإنه عدد إنسان وعدده: ستّمئة وستّة وستّون»([20]). هذا العدد 666، الذي هو رمز الحيوان الوحشي، سيصبح رمزاً للشيطان في عقائد عَبَدة الشيطان. ووفقاً لرؤيا يوحنّا يجب على الناس أن يختاروا بين هذين الطريقين: طريق الكائنُ الوحشي تابعٌ للشيطان؛ وطريق المسيح الإنسان([21]) وفي النهاية سوف يتمّ القضاء على هذا الكائن الوحشيّ بصفته ضدّ المسيح، وكذلك على الشيطان أيضاً في الصراع النهائيّ بينهم وبين السيد المسيح([22]).

إبليس في القرآن

يذكر القرآن الكريم اسمَيْ «الشيطان» و«إبليس». وقد تكرَّرت كلمة «إبليس» كاسمٍ خاصّ للشيطان إحدى عشرة مرّةً في القرآن الكريم([23]). طبعاً الشيطان كقوّةٍ شيطانية ليس شرّاً بطبيعته، ولكنّه كائنٌ مُكلَّف، وقد اختار طريق الشرّ والعصيان بإرادته: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ﴾ (البقرة: 34). وسبب استكبار الشيطان وعصيانه هو الأنانية والكِبْر: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ (ص: 75 ـ 76). وقد طُرد الشيطان من الحضرة الإلهيّة بعد هذا الامتحان، وأصبح ملعوناً. كما أنه لم يكن أبداً قويّاً إلى درجة أن يقف مقابل الله، ولكنّه مخلوقٌ تحت تصرُّف القوّة الإلهية: ﴿وَجَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ﴾ (الأنعام: 100).

وممّا سبق يتبيَّن أن الشيطان بحَسَب القرآن هو مخلوقٌ مُخيَّر، وقد اختار طريق الشرّ. لذلك من حيث خلقه وانتسابه إلى الله مثله مثل بقيّة المخلوقات، يتمتَّع بخيرٍ تكوينيّ، ومن حيث تمرُّده واختيار طريقه لديه «قبحٌ تشريعيّ»([24]). بالطبع قوّة الشيطان واختياره ترجع إلى التوحيد الأفعالي لله، ولكنْ وفقاً لأفعاله القبيحة تنسب أفعاله إليه نفسه. ويمكن تعريف هذه العلاقة في شكل العلاقة الطولية بين العلّة والمعلول. وهكذا فإن أفعاله من ناحيةٍ تُنْسَب إلى الله والقدرة الإلهيّة([25])؛ ومن ناحيةٍ أخرى، وتحت عنوان الشرّ، تُنسب إليه وحده.

وعمله الأساسي بحَسَب القرآن هو الإغراء وخداع المؤمنين، الذي ورد تحت أسماء مختلفة، من قبيل: الوسوسة([26])، النزغ([27]) النجوى([28]) الدعوة([29])، الوحي([30])، الهمزات([31])، المسّ([32]). وعليه فلا يُسمَح للشيطان أن يتسلَّط على الناس، ويحلّ فيهم، وليس له سلطانٌ على الكاملين من الناس والأنبياء المخلصين([33])، ولا على سائر الناس إذا آمنوا بالله: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ (النحل: 99 ـ 100). وينبغي التذكير أن تسلُّط الشيطان على الذين وقعوا في خداعه ليس من النوع الذي يسلبهم حرِّية الاختيار: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ (إبراهيم: 22).

ينسب القرآن الكريم عمل الوسوسة الشيطاني تارةً إلى إرادة الإنسان نفسه، الذي أضحى من أتباع الشيطان؛ وتارةً يجعله تحت الهيمنة والقوّة الإلهية: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ (الأعراف: 27). وهذه التَّبَعية للشيطان لا تعني أنه يحلّ داخل الإنسان، ولكنْ في الحدّ الأقصى يكون قريناً له، ويعمل على إغرائه: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ (الزخرف: 36). وفي القرآن الكريم أيضاً إذا لبّى أحدٌ دعوة الشيطان باختياره، وأطاع أمره، فقد عبده في الواقع: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ (يس: 60).

دراسةٌ مقارنة

في الدراسة المقارنة لصورة الشيطان في هذه الكتب الثلاثة، كما بيَّنّا، يجب أن نميِّز بين موضوعين:

الأوّل: مجرّد الالتفات إلى نصوص هذه الكتب وتصويرها للشيطان.

الثاني: صور الانحراف التي تشكَّلت في هوامش النصوص الرئيسة، وفي المجال الثقافي لهذه الديانات؛ لأسباب مختلفة على مرّ الزمان.

لذلك وبالنظر إلى هذين الاتجاهين سنقوم بهذه الدراسة المقارنة بينهما.

1ـ المقارنة من حيث النصوص الأصليّة

أصبح من الواضح، من خلال الصور التي سقناها لأهريمان في الأفستا، أنه يوجد صورتان للشيطان والقوى الشيطانية في الأفستا المبكِّر والمتأخِّر([34]). مع أنه في باب الثنوية يعتقد بعضهم، مثل: دوشن ﮔيمن (Ducensne Guillemin)، أن الثنوية جزءٌ من الفكر الإيراني([35]).

وكنّا قد قلنا: إن هذه الثنوية في الأفستا تبدأ من ﮔاتها من الروح الشرّير بصفته توأماً لـ «سينت مينو» [= الروح الخيِّر]. ولكنّ هذه الثنوية وكيفيتها كانت موضوع تفسيراتٍ مختلفة؛ لأن بعضهم يعتبرها ثنوية أخلاقية، ويفسِّر هذين الروحين (الخيِّر؛ والشرير) بأنهما مخلوقان أخلاقيّان، وفكر جيّد وسيّئ([36])؛ وفي المقابل يتحدَّث البعض الآخر عن ثنوية خالقيّة، وذلك اعتماداَ على الأفستا المتأخِّر، أي إن هناك خالقين في هذا العالم: خالقاً للخير؛ وخالقاً للشرّ([37]).

ويبدو أن التفسير الأوّل هو الصحيح؛ لأن الثنوية في ﮔاتها هي ثنويّة أخلاقية كما فسَّروها. وبالطبع مع تقادم الزمان والتحريف الذي طرأ عليها بالتدريج أصبح الروح الخيِّر «سينت مينو» في صفٍّ واحد مع أهورامزدا([38])، وتمّ استبدال الروح الشرّير «أنگره مينو» بأهريمان، الذي كلّه موتٌ، وخالقُ الظلام والأمراض([39]).

ومن الطبيعيّ أنه يجب الاعتراف أن نقد الثنوية الخالقية في التاريخ المتأخِّر لعلم الكلام الزرادشتي سيكون لصالح التفسير الأوّل في بعض الفترات التي تمّ فيها قبول التحريف في الأفستا الموجود. ولكنْ بشكلٍ عامّ، وبحَسَب كلا التفسيرين، فإن صورة الشيطان في الأفستا سلبيّة وشرّيرة، مع هذا الفرق، وهو أنه في الأفستا المتأخِّر؛ وبتحوُّل الروح الشرير أنگره مينو إلى أهريمان، أصبح يتمتَّع بقوّةٍ كبيرة، إلى أن تمّ تأليهه في نهاية الأمر. أمّا صورة الشيطان في الكتاب المقدَّس، وسواء كنّا نقبل بالتأثير الذي أحدثه أهريمان الأفستا فيه أو كنّا، مثل دوشن ﮔيمن، نرفض أيّ شكلٍ من أشكال التأثير، بالرغم من الإقرار بالتشابه بينهما([40])، ولكنْ على الرغم من الاختلاف بين أهريمان الخالق مع الشيطان المخلوق في الكتاب المقدَّس والقوّة المحدودة للشيطان في الكتاب المقدَّس، فإن تشابه تمكين الشيطان في هذين الكتابين لا يمكن إنكارُه. الشيطان صاحب القدرة، ويستطيع منحها لمَنْ يشاء([41])، مُرعِبٌ، ويمكنه الحلول في الإنسان، وسلب إرادته([42])، ويقف مع ابنه مقابل ابن الله، كما جاء في الكتاب المقدَّس حول أخبار آخر الزمان: «وسجدوا للتنّين الذي أعطى السلطان للوحش، وسجدوا للوحش قائلين: (مَنْ هو مثل الوحش؟ مَنْ يستطيع أن يحاربه؟). وأُعطيَ فماً يتكلّم بعظائم وتجاديف، وأُعطي سلطاناً أن يفعل اثنين وأربعين شهراً، ففتح فمه بالتجديف على الله؛ ليجدف على اسمه، وعلى مسكنه، وعلى الساكنين في السماء، وأُعطي أن يصنع حرباً مع القدِّيسين ويغلبهم، وأعطي سلطاناً على كلّ قبيلةٍ ولسان وأمّة، فسيمجّد له جميع الساكنين على الأرض، الذين ليست أسماؤهم مكتوبةً منذ تأسيس العالم في سفر حياة الخروف الذي ذُبح»([43]). ولن يأتي المسيح إلاّ إذا أتى عدوّ المسيح: «لا يخدعنّكم أحدٌ على طريقةٍ ما؛ لأنّه لا يأتي إنْ لم يأتِ الارتداد أوّلاً، ويستعلن إنسان الخطيئة ابن الهلال، المقاوم والمرتفع على كلّ ما يُدْعى إلهاً أو معبوداً، حتّى أنه يجلس في هيكل الله كإلهٍ، مظهراً نفسه أنه إلهٌ»([44]).

لكنّ الميزة الأخرى التي تميِّز الكتاب المقدَّس عن الأفستا هي الطبيعة الثنائيّة، أي إيجابيّة وسلبيّة الشيطان، كما هو موجودٌ في الكتاب المقدَّس. فبالإضافة إلى الصورة الشرّيرة والسلبية للشيطان في إضلال الناس، والحلول في أبدانهم، والتي هي صورةٌ مرعبة وسلبيّة للشيطان، هناك نوعٌ من الصُّوَر الإيجابيّة للشيطان، يبدو فيها مشفقاً ومحبّاً لخير الإنسان؛ من أجل أن يكتسب المعرفة. والخلاصة أنه تمّ تصوير الشيطان في الكتاب المقدَّس على أنه قويٌّ، ولكنّه ليس سلبيّاً للغاية.

في الإسلام، ورغم أنه ليس من المستبعد وجود بعض التأثيرات الطفيفة من الصورة التي قدَّمتها المسيحيّة عن الشيطان في الثقافة الإسلاميّة، مثل: الدجّال؛ لأنه لا يوجد ذكرٌ له في الأخبار الواردة عن علامات ظهور المهديّ الموعود#([45])؛ إذ قد تمّ التأكيد أكثر على السفيانيّ([46])؛ ولكنّ صورة الشيطان في القرآن بصفته مخلوقاً أقرب إلى رؤية الكتاب المقدَّس منه إلى أهريمان الفنديداد المحرّف. ومع ذلك فإن التعاليم الإسلاميّة لا تعكس الصورة الإيجابية للشيطان وتصرّفه وحلوله في نفوس البشر كما هو مقرَّر في الثقافة المسيحيّة. وعلى سبيل المثال: ورد ذكر لقاءِ رجلٍ به مسّ من الجنّ يُدعى لجئون مع عيسى في الكتاب المقدَّس: (فلمّا رأى يسوع من بعيدٍ ركض وسجد له، وصرخ بصوتٍ عظيم، وقال: «ما لي ولك يا يسوع ابن الله العليّ؟ أستحلفك بالله أن لا تعذِّبني»؛ لأنه قال له: «اخرُجْ من الإنسان يا أيّها الروح النجس»([47]). هذا الأمر من وجهة نظر التعاليم العقلانية للإسلام ضدّ إرادة الإنسان والعدالة الإلهيّة، ولذلك فإن عمل وقوّة الشيطان في الإسلام محصورٌ بالوسوسة القلبيّة: «تصرُّف الشيطان في وجود الإنسان يقتصر على الوسوسة القلبية، وإيجاد الرغبة في المعصية، وإظهار الأمور السيئة على أنها حَسَنةٌ، وبالعكس، ولا سلطة له على سلب إرادة الإنسان، ولكنّ وجوده مكمِّلٌ لها. وقد قصد الله منذ البداية وجود مثل هذا العامل المُوَسْوِس في طبيعة البشر، وجعله أحد المكوِّنات الضروريّة لحياة الإنسان في عالم التكليف، كما جاء في جواب الشيطان الذي قال: ﴿أَنْظِرْنِي﴾ فقال الله له: ﴿إِنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ﴾. ونستنتج من هذا الجواب أن المهلة التي أُعطيت للشيطان كانت بأمر الله، وليس تلبيةً لرغبة الشيطان؛ فالأمور منذ البداية كانت مقرَّرةً بهذا الشكل، كما جاء في قصة آدم؛ إذ كان مقدَّراً له أن يعيش على الأرض، وما ذهابه إلى الجنّة إلاّ بمثابة المقدّمة لهبوطه إلى الأرض([48]). بالطبع نفس الشيء ينطبق على أهريمان زرادشت. ولكنْ لا يوافق على ذلك بعض الزرادشتيين، الذين يؤكِّدون أكثر على مسألتَيْ الإرادة والاختيار حتّى يمنحوا أهريمان بسهولةٍ رَوْنقاً وبروزاً، ويجعلوا نصف العالم تحت تصرُّفه، في حين يضيِّقون على المساحة الخاصّة بالله والإنسان. وتجدر الإشارة إلى أن أهريمان في الأفستا المتأخِّر ولو أنه تمّ تقديمه بصفته مخلوقاً لله، ولكنّه غير قابلٍ للمطابقة الكاملة مع إبليس في القرآن؛ لأنه وفقاً للتوحيد الأفعالي في الإسلام فإن الوجود والخلق كلّه بيد الله، وليس في يد كائنٍ آخر. كما أن مجال عمل الشيطان محصورٌ في مجال التشريع، وليس التكوين([49]). ومكان الشيطان ومَرَدته في عالم الكائنات الطبيعيّة، وليس في عالم الملائكة بصفتهم جنود الله([50]). وهنا يتّضح الفارق بين الشياطين المخرِّبين الأشرار بطبيعتهم في الأفستا([51]) وبين الجنّ في القرآن بصفتهم كائناتٍ مادّيةً مختارةً، ومكلَّفة أيضاً([52]).

2ـ المقارنة من حيث الصور الهامشيّة المحرَّفة

ما تقدَّم كان صُوَراً مستمدّةً من النصوص الأصليّة للأديان الإلهيّة. لكنْ كلّما ابتعَدْنا عن المصادر تزداد الانحرافات على هوامش هذه الأديان حول صُوَر الشيطان، بشكلٍ يدعو إلى التأمُّل.

والآن سندرس هذه الصُّوَر في الأجواء الثقافية للأديان الإلهيّة، ونناقش سبب ظهورها.

أـ تمكُّن أهريمان وألوهيّته

لقد ذكرنا أن روح الشرّ «أنگره مينو» في الفنديداد تحوّل إلى أهريمان الذي كلّ جسده موتٌ، الصورة التي أعطَتْها الألوهيّة لأهريمان كشريكٍ لها في المقدرة على الخلق والتصرُّف في الكائنات. ولكنْ لدى دراسة أسباب هذا التضخُّم التدريجي تظهر عدّة عوامل مهمّة: أحدها: هو المؤثِّرات الثقافية والاجتماعية لخرافات دين المجوس في الاعتقاد بالعفاريت والقوى الشيطانية، والتي أُعيدَتْ صناعتُها وتداولها في بعض الفرق الدينيّة، مثل: ديانة ميثرا، الأمر الذي أدّى إلى انحراف مسار زرادشت ودين مزديسنا التقليديّ؛ والعامل الثاني: هو مسألة الاعتقاد بالشرّ، التي تحدَّتْ خيريّة أهورامزدا، وتركت السؤال عن سبب خلقه للشرّ بدون جواب([53])، كما جاء في بعض النصوص البهلوية المتأخِّرة. وحتّى أنها لم تحتمل خلق أهريمان بيد أهورامزدا([54])، وقادتهم الإجابة عن هذه الشبهة إلى تصوير إلهٍ آخر إلى جانب أهورامزدا، يكون خالقاً لشرور العالم، بما في ذلك الظلام والشياطين والعفاريت، وذلك وفقاً لقاعدة توافق الطبائع وجوهر الأشياء، بحيث تبقى الخيرات من نصيب أهورامزدا، ويبقى محافظاً على خيريّته.

يبدو أن الثنويّة الخالقيّة تقدّم صورةً قويّة وخلاّقة ذات حدودٍ ثنوية في عالم الخلق، وهي تواصل طريقها في الطوائف الإيرانية اللاحقة، مثل: المانوية والمزدكية والزرفانية([55]). وقد أثَّر هذا الاعتقاد في النظرة اليهودية ـ المسيحية من خلال المانوية وديانة ميثرا؛ لأن ديانة ميثرا تسرَّبت إلى الثقافة الغربيّة في زمن الإمبراطورية الرومانية، وبقيت تنافس المسيحيّة قرابة مئتي عامٍ، إلى درجة أن بعض علماء الأديان يرَوْن أن بعض معتقدات المسيحية الحالية هي بقايا من ديانة ميثرا([56]). يصف ويل ديورانت هذا الانتقال الثقافي لعقائد القوى الشيطانية الذي حصل في العصور الوسطى على النحو التالي: «لقد انتقل للمسيحية إرثٌ عظيم من عصور الشرك، مثل: الكثير من الكائنات الغامضة وغير العادية، وإلى الآن ما يزال يَرِدُ إلى هذه الديانة أعداد غفيرةٌ من العفاريت والجنّيات، والشياطين الصغيرة والكبيرة، والطيّبة والشريرة، تنانين غامضة، وأفاعي مصّاصة للدماء من السماء الإسكندنافية والإيرلندية، ويستمرّ انتقال خرافاتٍ جديدة من الشرق إلى أوروبا»([57]).

ب ـ حلول الشياطين وعبادة الشيطان

الصُّوَر المنحرفة في هوامش الكتاب المقدَّس تتضمن روابط مع الشياطين في العصور الوسطى، وعبادة الشيطان في العصور اللاحقة. وتمّ تشكيل عبادة الشيطان المعاصرة في عام 1966م، من قِبَل أنطوان سنادور ليفي Anton Szandor lavey، في سان فرانسيسكو ـ الولايات المتّحدة الأمريكية، عن طريق تأسيس كنيسة الشيطان The Church of Satan. وفي عام 1975م أسَّس رجلٌ يُدْعَى ميشيل أكينوMicheale Aquino معبد سِتْ Temple of set؛ بسبب الاختلافات الفكرية والإدارية مع ليفي.

وقبل أن تهتمّّ بالوجود الخارجي للشيطان تولي عبادة الشياطين الجديدة في فرعها الأوّل ـ على عكس المجموعة الثانية ـ اهتمامَها للشيطان الباطني، والمَيْل نحو المعاصي والأهواء. وإن التخلُّص من أيّ قانونٍ أو تكليف، وكسر كلّ الأوامر الدينية والإلهية، واتّباع الشيطان بصفته كائناً مقدّساً ومحبّاً لمصلحة الإنسان، هي خصائص هذه الفرقة.

لقد كان نصّ الكتاب المقدَّس نفسه مؤثِّراً في ظهور هذه الصور المحرَّفة؛ إذ إنه وفَّر أرضيّةً مناسبة للانحراف؛ لأنّ تمكين الشيطان يمهِّد الطريق للناس للارتباط بهذه القوّة الشيطانية، والاستفادة منها، وتجنُّب شرّها والرعب الذي تثيره في النفوس. هذا الأمر أساس إقامة نوعٍ من العلاقة مع الشياطين والسَّحَرة. وكذلك فإن نظرة الكتاب المقدَّس الإيجابيّة عن الشيطان، بصفته داعياً إلى المعرفة، ومحذِّراً آدم وحوّاء من الجهل، قد دفعت عَبَدة الشيطان الجُدُد إلى هذه الادّعاءات: «نحن أناسٌ قبلنا العلم بَدَلاً من الجهل. لقد اختَرْنا بوعيٍ شجرة المعرفة، الطريق الذي دلّ عليه الشيطان. نحن نأكل تفاحة شجرة المعرفة. نحن نحاكم الذين يدوسون على الحقيقة»([58]). وبالطبع، بالإضافة إلى السياق الكتابي، لا ينبغي للمرء أن يتجاهل الجهود المصطنعة لإيجاد علامات آخر الزمان المسيحيّ في الترويج لعبادة الشيطان الحديثة، التي تستدعي سماتها المميّزة إنكار الكنيسة والمسيح. وبالإضافة إلى السياق المناسب لتعاليم الكتاب المقدَّس في التوجُّه نحو الشيطان، هناك عاملٌ مهمّ آخر، وهو منحى السلوك الذي اتَّخذته الكنيسة ضدّ السِّحْر والارتباط بالشيطان، وتاريخ الكنيسة في هذا الموضوع شاهدٌ على المواجهة المفرطة لها، والتضخيم الكاذب للشيطان.

يكشف تاريخ السِّحْر في العصور الوسطى عن مسائل مختلفة، مثل: استحضار الأرواح، وعلم معرفة الشيطان (الديمونولوجيا / demonology)، الساحرات، ونحو ذلك. ومن جملة هذه الأمثلة: إقامة الاحتفالات الليليّة للسَّحَرة، المسمّاة «إسبات» و«سابات»، حيث يشرب السَّحَرة في هذه الحفلات دماء الخفّاش والقطط، ويقدِّسون الشيطان، وينكرون عالم الغيب والله. في المقابل يؤكِّد نظام الكنيسة على ترسيخ دَوْر الشيطان في سبيل إحكام سيطرته. في عام 1233م تمّ تشكيل محاكم التفتيش، وعوقب السَّحَرة والمتَّهمين بالسِّحْر بأقسى وأفظع الطرق الممكنة. وفي عام 1593م وضعت الملكة أليزابيت الأولى قواعد صارمة بالسجن والموت للسَّحَرة. وفي 1604م يزيد جيمس الأوّل عقوبة الإعدام([59]). لكنّ هذه الجهود لم تكن ناجحةً تماماً: «حاربت الكنيسة بشدّةٍ ضدّ الجهل والخرافة. استنكرت الكثير من العادات والمعتقدات، وأقرّت كفّارات لها، بحَسَب شدّتها وضعفها، ورفضت السِّحْر الأسود، أي تسخير الشياطين لاكتساب القدرة على التحكُّم في مجريات الأمور. ولكنّ هذه المسائل انتشرت وازدهرت في آلاف الزوايا والأركان. أولئك الذين مارسوا السِّحْر نشروا كتاباً بعنوان «اللعنة الدائمة»، وقد تضمَّن أسماء المقرّات والسلطات الخاصّة بالشياطين الرئيسيين. كان الجميع تقريباً يؤمن بنوعٍ من الأدوات السِّحْرية؛ ليجعلوا تلك الكائنات الخارقة تستجيب لهدفهم المنشود([60]). ولكنْ جاءت هذه الضغوط بنتائج عكسيّة: «سواء كان ذلك نتيجة إثارة عناد الناس، من خلال محاكم التفتيش؛ أو لأسباب أخرى. بعض الناس الذين اعتبروا أنفسهم سَحَرة أو ظنّ الناس أنهم سَحَرة تزايدت أعدادهم بسرعةٍ، وخاصّة في إيطاليا بالقرب من الألب، وأصبح الساحر من حيث الماهية والمقياس مَرَضاً سارياً»([61]). طبعاً استمرّ نظام تفتيش العقائد في عمله إلى عصر النهضة، وأُحرقت الكثير من النساء بتهمة السِّحْر. كما دعا أنيوكنيوس الثامن عام 1484م في توقيعٍ له إلى معاقبة السَّحَرة([62]). ومع ذلك فقد تمّ اتّباع هذه الخرافات أيضاً في عصر النهضة الفلورنسي؛ حيث آمن الإنسانويّون ببعض الأرواح الغريبة والعفاريت([63])، وشيئاً فشيئاً بدأت تتلاشى قوانين العقوبات الخاصّة بالسِّحْر؛ فقد اقتصرَتْ على الحبس فقط على عهد تشارلز الثاني عام 1736م، ومن ثمّ فإن المَيْل إلى السِّحْر وسحر الشيطان اكتسب صفةً قويّة كردّة فعلٍ على ضغوط الكنيسة، وتشكَّلت حلقاتٌ سرّية لعبادة الشيطان، اعتباراً من كاترين دومديجي (1519 ـ 1589) في فرنسا إلى مجمع نار الجحيم،أو راهبات مدمنهام في بريطانيا. وفي القرن العشرين كان هناك شخصٌ اسمه آليستر كراولي (Alister Crowly)، معروفٌ بالحيوان الكبير، يتابع إقامة حلقات الشيطان وعبادة الشيطان بشكلٍ مبتذل وإباحيّ وفوضويّ، ولم يكن يعرف سوى قانونٍ واحد في الحياة، هو: «القانون هو أن تفعل ما تريد»([64]). أخيراً تمّ إلغاء قانون معاقبة السِّحْر بشكلٍ كامل عام 1951م. يشير بيتر هاينينگ ـ بصفته أحد الباحثين في تاريخ السِّحْر ـ بدقّةٍ إلى أن ما حصل في السِّحْر اعتباراً من القرن التاسع عشر هو أن عمل السِّحْر الأسود Black Mass، الذي كان يسعى إلى إذلال وإهانة الكنيسة من خلال ممارساته الشيطانية، يستمرّ هذا السِّحْر نفسه إلى أن يأخذ شكل عبادة الشيطان الحديثة: «وهكذا رسَّخ السِّحْر الأسود نفسه، وإنْ كان سرّاً، ولكنْ بشكلٍ حاسم من خلال طقوسه الشائنة. وسنكتشف لاحقاً كيف استمر السِّحْر الأسود حتّى يومنا هذا، ما عدا بعض المفاهيم، التي تغيَّرت فقط من أجل التكيُّف مع الظروف الاجتماعية المتغيِّرة، لكنّ أساسها لم يتغيَّر على الإطلاق في ما يتعلَّق بالترويج للأعمال الشيطانية، عن طريق الانحراف الجنسيّ، وإهانة مقدَّسات الكنيسة»([65]).

ج ـ النظرة الإيجابيّة لإبليس عند بعض المتكلِّمين والعُرفاء

على الرغم من الصورة الواضحة للشيطان في القرآن هناك طوائف، مثل: «اليزيديين»، قد اتَّبعوا بطريقةٍ ما العبادة الشيطانية في الثقافة الإسلاميّة، مع ميولهم الصوفية. ينسب بعضٌ هذه الطائفة إلى عدي بن مسافر؛ وينسبها بعضٌ آخر إلى شخصٍ من ذرّيته يُدْعى الشيخ حسن بن عديّ بن أبي الأكراد بن صخر بن مسافر (591 ـ 644)، الملقَّب بتاج العارفين([66]). ومن حيث تسمية هذه الفرقة يرى بعضٌ، مثل: الشهرستاني، أنها تُنسب إلى يزيد بن أنيسة من الخوارج([67]). ولكنّ الظاهر أن اليزيديين أنفسهم يدّعون انتسابهم إلى يزيد بن معاوية([68]). تتمركز الطائفة في كردستان العراق، في منطقة لالش. يطلق اليزيديون على الشيطان تسمية «طاووس ملك»([69]). إنهم يقدِّسون الشيطان بصفته كان يوماً ما ملاكاً طاهراً. وأيضاً سوف يُصْلِح علاقته بالله في نهاية العالم. طبعاً بعضهم، مثل: عبد الحسين آيتي؛ برفضه عبادة الشيطان في هذه الفرقة([70])، يعتبر أن (ملك طاووس) هو عزرائيل مدبِّر عالم الكَوْن. وكان في خدمة بني هؤلاء القوم([71])، ويعتبر اتّهام الآخرين بعبادة الشيطان عائداً إلى تعدُّد تفسيراتهم وميولهم البِدْعية.

وإلى جانب هذه الطائفة توجد اتجاهاتٌ أخرى لديها نظرةٌ إيجابيّة إلى الشيطان. فبعض الأشخاص، مثل: الحسين بن منصور الحلاّج، كان يعتبر الشيطان موحِّداً من أهل الفتوّة، لم يتنازل ويسجد لغير الله([72])، ويرى بأنه مظهر القَهْر الإلهيّ، واسم الله المُضِلّ([73]). وكذلك أحمد الغزالي المعروف، كان يتعصَّب للشيطان، ويعتبره سيّد الموحِّدين([74]). لذلك؛ وبالنظر إلى هذه الآراء الهامشية إلى جانب القرآن، ينبغي أن يُقال:

أوّلاً: هذا الموقف الإيجابيّ من الشيطان تعرَّض للنقد من قِبَل العارفين أنفسهم، كما يقول الشيخ روزبهان بقلي الشيرازي: «إذا كنت موحّداً فلم تجحد؛ لأن الموحِّد في جلال الله لا يرى الأغيار، فأين الجحود في الحقّ؟ إذ إنّ أزلية الحقّ منزّهةٌ عن توحيد وجحود إبليس». إذا كنتَ في محلّ التحقيق لم تتكلَّم في الحقّ، ولم تَرَ نفسك، وسجَدْتَ لآدم؛ لأنه جديرٌ بأن يخدمه المخلوق»([75]). ابن عربي أيضاً يعتبر الشيطان أوّل شقيّ، ومطروداً من حضرة الحقّ: «فمَنْ عصى من الجنّ كان شيطاناً، أي مُبْعَداً من رحمة الله، وكان أوّل مَنْ سُمِّي شيطاناً من الجنّ الحارث، فأبلسه الله، أي طرده من رحمته، وطرد الرحمة عنه، ومنه تفرَّعت الشياطين بأجمعها([76])؛ لأنه تمرَّد على أوّل أمرٍ إلهيّ، وتعرَّض لهبوط الخذلان، وأسَّس لسنّة الشِّرْك([77]).

ثانياً: هذا النمط من التفكير الإيجابيّ بالنسبة إلى الشيطان ليس بسبب أنه يمتلك قوّةً ضدّ الله، ولكنْ كمخلوقٍ عاشق لله وموحِّد لم ينظر إلى غير الله، لا أن العصيان أمرٌ جيّد، ويجب الاقتداء به، كما هو موجودٌ في أسطورة برومثيوس (= اليونانية). اليزيديون أنفسهم هكذا يبرِّرون هذا التقديس. «واليزيديون الذين لا يعبدون الخالق المنزّه، ويعتمدون فقط على تقديس طاووس ملك، يبرِّرون عملهم بأن الله رحيمٌ بعباده، إنما الشيطان هو الذي يقود الناس إلى الأعمال السيّئة، فلا مندوحة من إظهار المحبّة له، والتخلُّص بذلك من شرِّه»([78]). وبناءً على ذلك فقد صوِّرت الصفة الإيجابيّة للشيطان في هوامش القرآن ذات الميول العرفانيّة كمخلوقٍ موحّد من أهل الفتوّة. لكنّ النظرة الإيجابية للكتاب المقدَّس قائمةٌ على أنه كائنٌ يتمتَّع بالقوّة، ويدعو إلى المعرفة. وفي البحث عن أصول هذه الصورة الإيجابية للشيطان في الثقافة الإسلاميّة يمكن الإشارة بدايةً إلى عاملٍ ثقافي داخلي في بعض المباني الكلامية الأشعريّة غير الصحيحة، التي مهَّدَتْ الأرضية المناسبة لتبرئة إبليس في إبائه و ممانعته للسجود لآدم، من خلال الترويج للجَبْرية([79]). بالطبع بعض الأشاعرة، أو مثل: الجرجاني، ورغم هذا الفكر الجبري، تخلَّوْا بسهولة عن تمرُّد الشيطان وعصيانه الاختياريّ؛ أو مثل: الفخر الرازي، ضمن اعترافه تلويحاً بإنكار الجَبْر، فإنه لم يتخلَّ عن أصول الأشاعرة وإشكال المعتزلة في هذا الباب([80]). وبالطبع تغلغل هذا الموقف الأشعريّ في فكر بعض العُرَفاء([81])، وأدّى إلى التصوُّر الإيجابي عن الشيطان.

وبالإضافة إلى ذلك، يمكننا الانتباه إلى عاملٍ خارجي، وهو تأثير الفكر الأفستاني المتأخِّر والفكر الإيراني في ما يخصّ أهريمان في الثقافة الإسلامية. كما يعتبر البعض أن جذور اليزيديين مشتقّةٌ من الآلهة والملائكة الفارسية القديمة، ويُرجعون أصول هذه الفرقة إلى الفكر الإيراني القديم([82]). وبشّار بن بُرْد إيراني الأصل، والمتَّهم بالزندقة، كان يتحدَّث في شعره وكلامه عن تفوُّق النار على التراب، وابليس على آدم([83]). ويبدو أن فكر العرب في الجاهلية كان لا يخلو من الخرافات المتنوِّعة حول الشياطين والجانّ([84])، والتي بقيَتْ محفوظةً في الذاكرة التاريخية لبعض الفِرَق الإسلامية، وتركَتْ بصماتها.

خاتمةٌ

صُوَر الكتب المقدَّسة الثلاثة لكائن الشرّ الشيطانيّ ليست متوافقةً تماماً مع بعضها. وبالنظر إلى النصوص الأصليّة لهذه الأديان، وعلى الرغم من أوجه الشَّبَه الموجودة بين روح الشر «أنگره مينو» في كتاب الأفستا المتقدِّم والشيطان في الكتاب المقدَّس وإبليس في القرآن الكريم، من حيث بعض الخصائص، نظير: كونهم مخلوقين، ودعاة البشر إلى طريق غير محمودٍ، فإنهم مختلفون في الصورة المزدوجة لأهريمان، وخاصّة ألوهيّته في الأفستا المتأخِّر، فإنها تختلف عن الشيطان المخلوق في القرآن والكتاب المقدَّس. الصورة الثنائية (إيجابي ـ سلبي) للشيطان في الكتاب المقدَّس، ومسائل أخرى، نظير: تمكينه وحلوله في أجساد الناس، تجعله مختلفاً عن صورة ابليس في القرآن، بصفته مخلوقاً سلبيّاً ووسواساً. ولكنْ في الصور المنحرفة في هوامش هذه النصوص المقدَّسة تعتبر ألوهية أهريمان وقوّته وتدخُّله في شؤون الكائنات من الفكر المنحرف الذي ترك أثراً في دين زرادشت. وبالطبع فإن مسار هذه النظرة إلى الشيطان وأهريمان تعدَّلت مع الزمن، بدءاً من تضخيم قوّته في الخرافات الإيرانية القديمة والتحريفات الأفستانية، وصولاً إلى تضاؤل هذه السلطة في الأديان الإبراهيمية، ولو أن ملامح من الصور القديمة قد انتقلت بفعل عوامل التأثير والتأثُّر التاريخي إلى قلب الثقافة الدينيّة الإبراهيمية.

وفي الثقافة اليهوديّة ـ المسيحيّة، مع الصورة الغنوصيّة للشيطان، الذي له وجهٌ إيجابيّ وقويّ ووجهٌ سلبيّ مخيف، وهو مثل: الأسد الزائر، يلعب دَوْره بشكلٍ جيّد في آخر الزمان، ثارت لدى الناس الميول لإقامة علاقاتٍ سِحْرية مع الشيطان أو عبادته بشكلٍ إباحي. وبالطبع كان ذلك على حساب خَيْريّة الله وإرادة الإنسان.

الجَبْرية في بعض الفِرَق الإسلامية، التي نشأت بدافع تقدير القوّة والإرادة الإلهيّة، أدَّتْ في النهاية إلى تبرئة الشيطان. وعلى عكس التحدّي الزرادشتي، الذي ألغى نفسه في مواجهة تحدِّيات عقلية، وبخسارته لقوّة أهورامزدا اكتسب خيريّته، فإن الجَبْريّة الإسلاميّة بتركيزها على قدرة الله وصلَتْ إلى خيريّة الشيطان وفتوّته وفسّرَتْ معصيته لله ـ بصورةٍ متناقضة ـ على أنها نتيجة العشق والطاعة.

هذه التفاسير الهامشية غير الصحيحة أدَّتْ إلى ظهور فرقٍ متعدّدة وانحرافات فكرية واجتماعية مختلفة في المجتمعات الدينيّة، والتي تحدِّد أصولها العلميّة نقطة انحرافها وعلاجها.

الهوامش

(*) أستاذٌ مساعِدٌ في جامعة معارف القرآن والعترة في إصفهان.

([1]) جان باير ناس، تاريخ الأديان الشامل: 52، ترجمة: علي أصغر حكمت، ط14، طهران، العلمية والثقافية، 1383.

([2]) شاهپور حسيني، 1390، «عبدة الشيطان»، موعود، العدد المزدوج 123 ـ 124: 98.

([3]) ﮊالة آموزﮔار، تاريخ الأساطير الإيرانية: 37 ـ 42، طهران، سمت، 1386.

([4]) يسنا، هات 30، الفقرة 3، ويسنا، هات 45، الفقرة 2.

([5]) جلال الدين الآشتياني، زرادشت، مزديسنا، والحكومة: 150، ط6، طهران، شركة سهامي انتشار، 1371.

([6]) الفنديداد، الفصل الأول، الفقرة الثالثة.

([7]) المصدر السابق، الفصل التاسع عشر، الفقرة الأولى.

([8]) المصدر السابق، الفصل التاسع عشر، الفقرة الثامنة.

([9]) روبرت هيوم، أديان العالم الحيّة: 324، ترجمة: عبد الرحيم ﮔواهي، طهران، علم، 1386.

([10]) آر سي زنر، زرفان أو السرّ الزرادشتي: 270، طهران، أمير كبير، 1384.

([11]) سفر التكوين 2: 17 ـ 18.

([12]) سفر التكوين 3: 2 ـ 5.

([13]) إنجيل متّى 4: 8 ـ 9.

([14]) انجيل لوقا 4: 6.

([15]) رسالة بطرس الأولى 8: 5.

([16]) مرقس 5: 6 ـ 9.

([17]) إنجيل متّى 12: 25 ـ 29؛ وإنجيل لوقا 3: 31 ـ 33.

([18]) رؤيا يوحنّا 9: 12.

([19]) رؤيا يوحنّا 13: 4 ـ 8.

([20]) المصدر السابق 13: 18.

([21]) فيلويد فيلسون، مفتاح العهد الجديد: 258، ترجمة: مسعود رجب نيا، بدون مكان، نور العالم، 1333.

([22]) رؤيا يوحنّا 20: 7 ـ 10.

([23]) مهدي كمپاني زارع، إبليس عاشق أم فاسق؟: 20، طهران، رؤية معاصرة، 1390.

([24]) عبد الله جوادي الآملي، تسنيم 3: 306، ط3، قم، إسراء، 1385.

([25]) السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 7: 484 ـ 485، ط5، مؤسّسة العلاّمة الطباطبائي العلمية والفكرية، 1370.

([26]) الأعراف: 20.

([27]) فصِّلت: 26.

([28]) المجادلة: 10.

([29]) لقمان: 31.

([30]) الأنعام: 121.

([31]) المؤمنون: 97.

([32]) الأعراف: 201.

([33]) ص: 82 ـ 83.

([34]) مقدّمة الأفستا، المجلد الأوّل: 46 ـ 47، تحقيق: جليل دولت خواه، ط11، طهران، مرواريد، 1386؛ الآشتياني، زرادشت، مزديسنا، والحكومة: 13 ـ 115.

([35]) دوشن ﮔيمن، أورمزد وأهريمن: 1، طهران، فروزان، 1378.

([36]) فرهنگ مهر، فلسفة زرادشت: 75، ط7، طهران، جامي، 1387.

([37]) المصدر السابق: 77.

([38]) الفنديداد، الفصل 19، الفقرة 11؛ والفصل 20، الفقرة 1.

([39]) الفنديداد، الفصل 20، الفقرتان 3 و10؛ والفصل 22، الفقرة 2.

([40]) ﮔيمن، أورمزد وأهريمن: 85.

([41]) إنجيل لوقا 4: 6 ـ 7.

([42]) إنجيل مرقس 5: 6 ـ 9.

([43]) رؤيا يوحنّا 13: 4 ـ 8

([44]) الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي 2: 3 ـ 4.

([45]) أبو زينب النعماني، الغيبة: 261، تحقيق: فارس حسّون كريم، قم، مدين، 1426هـ؛ مجموعة من المؤلِّفين، عين على طريق المهديّ: 267، ط4، قم، بستان الكتاب، 1375.

([46]) أبو زينب النعماني، الغيبة: 310.

([47]) إنجيل مرقس: 5: 6 ـ 8.

([48]) السيد مصطفى الحسيني الدشتي، معارف ومعاريف دائرة المعارف الإسلامية الشاملة: 598، طهران، مؤسّسة آرايه، 1379.

([49]) مرتضى مطهَّري، الخدمات المتبادلة بين الإسلام وإيران: 234،طهران، صدرا، 1357.

([50]) المصدر نفسه.

([51]) الفنديداد، الفصل 20، الفقرتان 45 و46.

([52]) مطهَّري، الخدمات المتبادلة بين الإسلام وإيران: 235.

([53]) المصدر السابق: 229.

([54]) مهر، فلسفة زرادشت: 83.

([55]) المصدر السابق: 85.

([56]) فرانتس كومن، دين ميثرا المليء بالرموز والأسرار: 170، ترجمة: هاشم رضي، طهران، بهجت، 1380.

([57]) ويل ديورانت، قصة الحضارة (القسم الثاني): 1326 (عصر الإيمان)، ترجمة: أبو القاسم طاهري، ط4، طهران، 1373.

([58]) علي صديقي ياشاكي، جنون عبادة الشيطان: 138، طهران، ناظرين، 1386.

([59]) پيتر هاينينگ، جولة في تاريخ السحر: 34، ترجمة: هايدة تولاي، طهران، آتية، 1377.

([60]) المصدر السابق: 1327.

([61]) ديورانت، قصة الحضارة (القسم الثاني): 560.

([62]) المصدر السابق: 559.

([63]) المصدر السابق: 558.

([64]) هاينينگ، جولة في تاريخ السحر: 106.

([65]) المصدر السابق: 94.

([66]) أحمد روزبهاني، بحث حول عبدة الشيطان أو اليزيديين: 13، قم، دار ابتكار العلم،، 1386.

([67]) محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني، توضيح الملل 1: 174، ترجمة: مصطفى بن خالقداد هاشمي، طهران، إقبال، 1384.

([68]) المصدر السابق: 20.

([69]) مصحف رش، الفصل 7، راجع فايل pdf: www.efrin.net

([70]) عبد الحسين آيتي، كشف الحيل: 304، طهران، طريق الأخيار، 1389.

([71]) المصدر السابق: 305.

([72]) روزبهان بقلي الشيرازي، شرح الشطحيات: 373، تصحيح: هنري كوربان، طهران، دار نشر اللغة والثقافة الإيرانية، 1360.

([73]) المصدر السابق: 510.

([74]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 1: 107، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط2، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1385هـ .

([75]) المصدر السابق: 514.

([76]) محيي الدين ابن عربي، الفتوحات المكية في أسرار المالكية والملكية 2: 288، تصحيح: محمد بن عبد الرحمن المرعشي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1431هـ.

([77]) المصدر السابق 1: 346، 347.

([78]) المصدر السابق: 35.

([79]) مير سيد شريف الجرجاني، شرح المواقف 8: 145 ـ 282، تصحيح: محمد بدر الدين نعماني، قم، الشريف الرضي، 1325هـ.

([80]) محمد بن عمر الفخر الرازي، مفاتيح الغيب 2: 1141، 1142، ترجمة: علي أصغر حلبي، طهران، أساطير، 1373.

([81]) كمباني زارع، إبليس عاشق أم فاسق؟: 187 ـ 188.

([82]) آيتي، كشف الحيل: 295.

([83]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 1: 106.

([84]) كمباني زارع، إبليس عاشق أم فاسق؟: 10.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً