أحدث المقالات

دراسةٌ تحقيقية

د. السيد رضا الموسوي(*)

ترجمة: نظيرة غلاب

خلاصة

يختصّ هذا المقال بمناقشة النقاط المجملة الأربعة حول حياة الإمام الصادق×، التي ذكرها الدكتور حسين مدرسي في كتابه (المذهب في صيرورة التكامل) (مكتب در فرايند تكامل)([1]).

تتمحور هذه النقاط الأربعة حول عدم قيام الإمام الصادق×، رغم مناسبة الظروف في الوسط الشيعي لذلك؛ وعدم قبوله للخلافة رغم العَرْض العباسي؛ ونهيه أتباعه وأنصاره عن تلقّيه بعنوان الإمام؛ وأخيراً نهيه عن الدعوة للتشيُّع.

ما مدى صحّة هذه النقاط؟ وما مدى انسجامها وأصول عقائد الشيعة؟

هذا ما ستحاول هذه المقالة الإجابة عنه، والتحقيق فيه.

المقدّمة

كانت ترجمة كتاب الدكتور حسين مدرسي الطباطبائي إلى اللغة الفارسية سبباً في ظهور العديد من ردود الفعل المختلفة، وخاصة في الأوساط المثقفة الناطقة بالفارسية. هذا الكتاب، الذي يتّخذ في شكله الرئيس منحىً تاريخياً وسوسيولوجياً، سبَّب العديد من المشكلات على المستوى العقائدي والكلامي. وإن بعضاً من النقاط التي طرحها وجدَتْها فئةٌ منهم منافيةً لأصول المعتقدات الشيعية، ورأَوْا ضرورة التصدّي والردّ عليها، والإجابة عن شبهاتها وإشكالاتها؛ في حين لم تَرَها فئةٌ أخرى معارِضةً أو منافية للمعتقدات، بل وجدَتْها مؤيِّدة لأفكارها في ردّ بعض المعتقدات التي تحسبها غير واقعية.

في هذا المقال، وبمقدار ما يسمح به، سنسعى إلى نقد بعض ما طُرح في هذا الكتاب، مع التذكير أن هذه النقاط مستقاةٌ من الصفحة السابعة والصفحة الثامنة من المتن الإنجليزي للكتاب([2]).

هدفنا الرئيس في هذا المقال البحث في مدى صحّة مدّعى الدكتور مدرسي، مع تتبُّع مدى انسجامها وتناسبها مع المعتقدات الشيعية.

منهجياً، قبل البدء في الموضوع لا بُدَّ من الإشارة إلى الاختلاف الجوهري بين المنهج المتَّبع في المعرفة الدينية لدى اللاهوتيين (مفكِّري الغرب) ومنهج الدراسات الدينية وتحصيل المعارف الدينية لدى العلماء المسلمين، وبشكلٍ عامّ لدى كل المعتقدين بالأديان والفكر الديني. من البديهي أن نعرف أن هدفنا (كإنسانٍ له عقيدة دينية) من وراء دراسة النصوص الدينية أن لها ما بإزائها، وهو أيديولوجيّ محض؛ إذ يتلخص في الوصول إلى حقانية أو بطلان النظريات، ومدى تناسبها وانسجامها بشكلٍ كلي مع المعتقدات الدينية الفعلية. علماً أن هدف اللاهوتيين هو رصد التيارات والمذاهب الفكرية المختلفة (سواء بلحاظ تاريخي ـ اجتماعي، وبُنيتها في المعتقد)، بعيداً عن الفعل التقييمي وفق ثنائية حقّ أو باطل. وبعبارةٍ أخرى: إن نشاط الباحث اللاهوتي في الغرب في تعامله مع النصوص الدينية لا يندرج في مجال البحث الكلامي اللاهوتي الذي يسعى إلى إثبات أو ردّ عقيدةٍ ما، ولعل الكثير منهم لا دينيٌّ وملحدٌ، وحتّى العقائديين منهم يتعاملون بكلّ موضوعية وحيادية، لذلك ليس غريباً أن تأتي بعض النظريات مناقضةً تماماً لبديهيات العقيدة.

تجدر الإشارة إلى مسألةٍ لها موضوعية في منهج البحث لدى اللاهوتيين ومفكِّري الغرب، وتكمن في مفهوم النظرية. فالنظرية التاريخية ـ السوسيولوجي يتناول مجموعةً كبيرة من الروايات التاريخية يلخِّص أحداثها في شكلٍ منسجم ومتناسق، وهذا الاختصار والتفسير المتناسب والجامع هو الملاك المشترك (الصحيح) بين النظريات التاريخية ـ الاجتماعية تختلف عن مفهوم البرهان والحجّة (ملاك الصحة في المباحث الكلامية)، لذلك فأغلب (الشبهات) التي يطرحونها ليس لها مفهومٌ أصيل في النصوص العقائدية الإسلامية عموماً، والشيعية خصوصاً. لكنّ هذا لا ينفي كلّياً أن تجد نتائج تحقيقات اللاهوتيين وبعض مفكّري الغرب معاني مناسبة ومساوقة لما يوجد في النصوص الدينية الإسلامية، ولكنْ لا تكون متناسبةً ومتساوقة مع مفاهيم عقيدتنا الفعلية. الدكتور مدرسي الطباطبائي اشتغل ضمن الفصل الأوّل من كتابه على عرض حياة الأئمّة الاثني عشر^ بشكلٍ مختصر ومقتضب. وفي تعرُّضه لحياة الإمام الصادق× ذكر أربعة موارد أساسية، هي:

1ـ إن الإمام الصادق×، مع وجود جمعٍ كبير من الشيعة (تقريباً مائة ألف رجل)، ورغم ما أبدَوْه من استعدادٍ للقيام ضدّ الحكم الجائر، لم يقبل بالقيام والخروج. وهذا الأمر كان باعثاً على اعتراض الشيعة عليه([3]).

2ـ استعداد السلطة العباسية للتنازل عن الحكم، وتسليم مقاليده للإمام الصادق×، لكنّ الإمام الصادق× لم يقبل دعوتهم لتسلُّم الخلافة([4]).

3ـ كان الإمام الصادق× في موارد عديدة لا يرى لنفسه الإمامة، ويرفض أن يُدْعى بها([5]).

4ـ كان الإمام الصادق ينهى أصحابه عن ممارسة أيّ عملٍ دعوي وتبليغي لصالح المذهب الشيعي، ولم يكن يجيز لعلماء أو دعاة الشيعة أن يقوموا باستقطاب أحد من أهل السنّة، ودعوتهم للالتحاق بالمذهب([6]).

بشكلٍ عامّ بعض هذه النقاط الأربعة (حَسَب نظر الكاتب) مستندةٌ إلى النصوص الشيعية، أو تجد معاني منسجمة ومساوقة لها في تلك النصوص.

لكن كاتب هذه السطور يرى أن الموردين الأخيرين لا ينسجمان ولا يتوافقان في معانيهما مع معتقداتنا، وتبقى النقطتان الأولى والثانية ـ كما سنبين ذلك لاحقاً ـ، يمكن تفسيرهما، وحمل معانيهما محملاً بحيث تساوق المعتقدات الشيعية الفعلية.

 

دراسةٌ وتحليل لهذه الموارد الأربعة

أـ بالنسبة إلى المورد الأول والثاني فقد ثبت أنهما كانتا مدّعى فئتين من الناس (فئة من الشيعة؛ وأخرى من العباسيين)، حيث كانا يرغبان في أن يخرج الإمام الصادق× لطلب الخلافة، بدعوى الظروف المؤاتية وجهوزية الأنصار. لكنّ الإمام الصادق×؛ باعتباره المرجع في معتقدات الشيعة، نفى إمكان ذلك.

وهناك شواهد تاريخية تبين الأسباب الموضوعية في ردّ دعوى تلك الفئتين؛ والظاهر أن الشخص المدِّعي قد سلَّم للإمام×، مقتنعاً بما طرحه أمامه من الأدلة الواقعية.

الأحاديث المتعلِّقة بالمدّعى الأول

في ما يخصّ دعوى جهوزية جمعٍ غفير من الشيعة نشير ـ على سبيل المثال ـ إلى حديثين، وهما بالمناسبة نفس ما استند إليه الدكتور مدرسي في دعواه:

1ـ محمد بن الحسن وعليّ بن محمد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حمّاد الأنصاري، عن سدير الصيرفي قال: دخلتُ على أبي عبد الله× فقلتُ له: والله، ما يسعك القعود، فقال: ولِمَ، يا سدير؟ قلتُ: لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك. واللهِ، لو كان لأمير المؤمنين× (عليّ بن أبي طالب) ما لك من الشيعة والأنصار والموالي ما طمع فيه تيم ولا عدي (كناية عن الخليفة الأول والخليفة الثاني)، فقال: يا سدير، وكم عسى أن يكونوا؟ قلتُ: مائة ألف، قال: مائة ألف! قلتُ: نعم ومائتي ألف، قال: مائتي ألف! قلتُ: نعم ونصف الدنيا، قال: فسكت عنّي، ثمّ قال: يخفّ عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع؟ قلتُ: نعم. فأمر بحمارٍ وبغلٍ أن يسرجا، فبادرتُ فركبتُ الحمار، فقال: يا سدير، أترى أن تؤثرني بالحمار؟ قلتُ: البغل أزين وأنبل، قال: الحمار أرفق بي، فنزلت فركب الحمار وركبتُ البغل، فمضينا فحانت الصلاة، فقال: يا سدير، انزل بنا نصلِّ، ثمَّ قال: هذه أرضٌ سبخة لا تجوز الصلاة فيها، فسِرْنا حتّى صِرْنا إلى أرض حمراء، ونظر إلى غلامٍ يرعى جداءً، فقال: واللهِ، يا سدير لو كان لي شيعةٌ بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود، ونزلنا وصلَّيْنا، ولما فرغنا من الصلاة عطفتُ على الجداء فعدَدْتها فإذا هي سبعة عشر([7]).

الرواية في الجملة تكشف أن الإمام الصادق×؛ باعتباره مرجع وإمام الشيعة، لم يكن يرى الوضع مناسباً ومواتياً للخروج في طلب حقّانيته في الخلافة وأحقّيته بها، بل كان يعلم أن عدد الأنصار والموالين لم يكن بالعدد الكافي الذي يمكن الاعتماد عليه والاكتفاء به في مثل هذه المهمة. الملفت أن سدير الصيرفي قد اقتنع بردِّ الإمام×، واستسلم له من دون أن ينبث ببنت شفةٍ؛ وعلى فرض أنه لم يكن قد اقتنع بجواب الإمام× فكلام الإمام× بالنسبة لنا نحن الشيعة دليلٌ وحجّة في المقام.

2ـ الرواية التالية مثالٌ آخر لما استند إليه الدكتور مدرسي في ادّعائه عدم خروج الإمام الصادق×، مع وجود أنصار وموالين كثر، واعتراض شيعته عليه في قعوده عن الخروج: حديث إبراهيم، عن أبي حمزة، عن مأمون الرقي قال: كنتُ عند سيدي الصادق×، إذ دخل سهل بن حسن الخراساني، فسلّم عليه، ثم جلس، فقال له: يا بن رسول الله، لكم الرأفة والرحمة، وأنتم أهل بيت الإمامة، ما الذي يمنعك أن يكون لك حقٌّ تقعد عنه وأنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك بالسيف؟ فقال له×: اجلس يا خراساني، رعى الله حقَّك، ثم قال: يا حنيفة، أسجري التنّور، فسجرته حتّى صار كالجمرة وابيضّ علوه، ثم قال: يا خراساني، قم فاجلس في التنّور، فقال الخراساني: يا سيدي، يا بن رسول الله، لا تعذِّبني بالنار، أقلني، أقالك الله، قال: قد أقلتك، فبينما نحن كذلك إذ أقبل هارون المكّي، ونَعْله في سبابته، فقال: السلام عليك يا بن رسول الله، فقال له الصادق×: أَلْقِ النَّعْل من يدك واجلس في التنّور، قال: فألقى النعل من سبابته، ثم جلس في التنّور، وأقبل الإمام يحدّث الخراساني حديث خراسان، حتّى كأنّه شاهدٌ له، ثم قال: قم يا خراساني، وانظر ما في التنّور، قال: فقمتُ إليه فرأيتُه متربِّعاً، فخرج إلينا وسلَّم علينا، فقال له الإمام×: كم تَجِدُ بخراسان مثل هذا؟ فقلت: واللهِ، ولا واحداً، فقال×: لا واللهِ، ولا واحداً. أما إنّا لا نخرج في زمانٍ لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا. نحن أعلم بالوقت([8]).

وهذه الرواية كما هو ظاهرها تبين تشخيص أحد شيعة خراسان الخاطئ وغير التامّ لواقع زمانه، واعتماده الكم (عدد الأتباع) دون الكيف (الصمود والثبات)؛ لكنّ الإمام الصادق×، من خلال بيانه لعدم صحة ذلك التشخيص، كشف عن أن بين تلك الآلاف التي تدّعي الموالاة والاتّباع لا يوجد شخصٌ واحد يكون في مستوى هارون المكّي، قادراً على الثبات والصمود كما يدّعي.

ومرّةً أخرى نشير إلى أن قول الإمام الصادق× هنا، بغضّ النظر عن قبول الخراساني لدليل الإمام أو عدم قبوله، في توصيفه لحالة الشيعة في زمانه، ولا أقلّ في تلك الفترة من انتقال الحكم من يد الأمويين إلى العباسيين، يُعَدّ حجّةً. ومن هنا يكون هذا الحديث عن وجود تشخيص وتوصيف غير صائب في ما يخصّ عدد وكمّ الشيعة، حيث تمّ تصحيحه من طرف الإمام×.

الأحاديث المستند إليها في الدعوة الثانية

في ما يرتبط بدعوى أن العباسيين كانوا يلحّون على الإمام الصادق× أن يتولى مهام الحكم نذكر أوّلاً الأحاديث التي استند إليها الدكتور مدرسي هنا، ثم ننظر مدى تناسب الدليل مع المدَّعى:

 1ـ لمّا بلغ أبا مسلم (الخراساني) موت إبراهيم وجّه بكتبه إلى الحجاز، إلى جعفر بن محمد (الإمام الصادق×)، وعبد الله بن الحسن (حفيد الإمام الحسن×)، ومحمد بن عليّ بن الحسين، يدعو كلّ واحد منهم إلى الخلافة. فبدأ بجعفر، فلمّا قرأ الكتاب أحرقه، وقال: هذا الجواب.

فأتى عبد الله بن الحسن، فلمّا قرأ الكتاب قال: أنا شيخٌ، ولكنّ ابني محمداً مهديّ هذه الأمة. فركب وأتى جعفراً، فخرج إليه، ووضع يده على عنق حماره، وقال: يا أبا محمد، ما جاء بك في هذه الساعة؟ فأخبره، فقال: لا تفعلوا؛ فإنّ الأمر لم يأْتِ بعد، فغضب عبد الله بن الحسن وقال: لقد علمت خلاف ما تقول، ولكنّه يحملك على ذلك الحَسَد لابني، فقال: لا والله، ما ذلك يحملني، ولكن هذا وإخوته وأبناءه دونك، وضرب بيده على ظهر أبي العبّاس السفّاح. ثم نهض فاتّبعه عبد الصمد بن عليّ وأبو جعفر محمد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس، فقالا له: أتقول ذلك؟ قال: نعم واللهِ، أقول ذلك وأعلمه([9]).

في هذا الحديث وما قبله يكشف أن الإمام الصادق× كان على علمٍ تامّ بالأوضاع السياسية والاجتماعية التي كانت عليها المنطقة آنذاك، حيث كان يدرك بما لا يحتمل الشكّ أن رسالة العباسيين إليه لم تكن سوى خيطٍ من خيوط اللعبة التي كان يلعبها العبّاسيون ضمن مشروعهم في الاستحواذ على السلطة والتسلُّط على الرقاب، وبالتالي الانتصار المسبق على كلّ الثورات التي كانوا يتوقَّعون قيامها وخروجها ضدّهم. وقد قام الإمام الصادق× بكشف خيوط هذه اللعبة لعبد الله بن الحسن، وبيان حقيقة تلك الرسائل وما تضمَّنتها من دعوةٍ لاستلام زمام الخلافة. والملفت في الأمر أن هذه اللعبة قد كشف التاريخ حقيقتها، واستجلى ما كان وراءها من أهداف. لقد التجأ العباسيون إلى ممارسة اللعبة السياسية من خلال العزف على أوتار العصبيات القومية (الاختلاف القومي بين العرب والفرس)، والعقائدي (محبة أهل البيت^)، حيث رفعوا هذا الشعار لجلب قلوب الشيعة إليهم، والمسلمين الذين التحقوا حديثاً بالإسلام؛ حتّى يقوّوا صفوفهم، ويزيدوا من قوّتهم؛ لكنْ بعد أن استتبّ لهم الأمر، وسلطوا قدرتهم على البلاد والعباد، قاموا بتصفية قواعدها([10]).

وقد كانت رسائل العباسيين إلى الإمام الصادق× واحدةً من خطواتهم التكتيكية، يرومون من ورائها إخفاء هوية زعمائهم، وتمويه حقيقة الأمر على مخالفيهم([11]). وفي هذا الصدد لا بُدَّ من التدقيق في مسألة في غاية الأهمّية، حيث قام إبراهيم الإمام بتعيين أبي العبّاس السفّاح خَلَفاً له قبل وفاته، مخالفاً في ذلك التقاليد المعتمدة في هذا الشأن([12]).

الأحاديث المستند إليها في الدعوى الثالثة

يمكن حمل الدعوى الثالثة على مفهومين:

1ـ نفي الإمامة بشكلٍ مطلق، أو أن الإمام لم يكن يقول بإمامته؛

2ـ تعمّده عدم الإشارة إلى إمامته؛ حفاظاً على النفس.

الواقع أن كل الأحاديث التي كانت تحت نظر الدكتور مدرسي شاهدٌ على المفهوم الثاني، وتؤيِّد كفاية المفهوم الأول. ومن تلك الأحاديث نذكر ما ورد في تفسير العيّاشي، ورجال الكشّي، وكتاب الكافي، للشيخ الكليني:

1ـ عن أبي يعفور قال: قلتُ لأبي عبد الله×: أعرض عليك ديني الذي أدين الله به، قال: هاته، قلتُ: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً| رسول الله، وأقرّ بما جاء به من عند الله، قال: ثمّ وصفتُ له الأئمة، حتّى انتهيت إلى أبي جعفر، قلتُ: وأقر بكلّ ما أقول فيهم، فقال: أنهاك أن تذهب باسمي في الناس.

قال أبان: قال أبي يعفور: قلتُ له مع الكلام الأول: وأزعم أنهم الذين قال الله في القرآن: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ فقال أبو عبد الله: والآية الأخرى فاقرأ، قال: قلتُ له: جعلت فداك، أيّ آيةٍ؟ قال: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾، قال: فقال: رحمك الله، قال: قلتُ: تقول: رحمك الله على هذا الأمر؟ قال: فقال: رحمك الله على هذا الأمر([13]).

هذا الحديث كما هو ظاهره يكشف لنا أن الإمام الصادق× لم ينفِ مقام الإمامة عن شخصه فحَسْب، بل عمل على تأييد كلام ابن أبي يعفور تأييداً ضمنياً بقوله: (والآية الأخرى فاقرأ)، وأطلعه على وجوهٍ من مقاماته المعنوية حين ذكر الآية ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾، وبالتالي فإن نفي أو نهي الإمام لم يكن موجّهاً لمقام الإمامة، بل كان موجّهاً لمسألة كشف وإفشاء هذه العقيدة. إن النهي كيفما كان الدليل لا يَسَعه أن ينفي مقام الإمامة عن الإمام، ولكنه يحمل على الحالة السائدة آنذاك من التقية والمضايقات التي كان يتعرَّض لها الشيعة، حيث إن كشف هذه المعتقدات قد يعرّض صاحبه إلى أضرار جدّية، كما أنه قد يكون سبباً في إلحاق الضرر بباقي الموالين والأنصار. وبالنسبة إلى ابن أبي يعفور هناك شواهد خاصة، من بينها: يرجى الرجوع إلى ما جاء في الكافي([14])، حيث تذكر هذه الشواهد أن ابن أبي يعفور كان يتردَّد على بعض أعداء أهل البيت^ وأصحاب المناصب، وأن الإمام الصادق× حين كان يتكلَّم معه كان ناظراً إلى الأخطار المحدقة به.

2ـ الحديث الثاني الذي كان محلّ الشاهد لدى الدكتور المدرسي هو: جعفر بن أحمد، عن جعفر بن بشير، عن أبي سلمة الجمّال قال: دخل خالد البجلي على أبي عبد الله×، وأنا عنده، فقال له: جعلت فداك، إني أريد أن أصف لك ديني الذي أدين به، وقد قال له قبل ذلك: إني أريد أن أسألك، فقال له، سَلْني، فواللهِ لا تسألني عن شيءٍ إلا حدثتك به على حدِّه لا أكتمك، قال: إن أول ما أبدأ أني أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده ليس إله غيره، قال: فقال أبو عبد الله×: كذلك ربنا ليس معه إله غيره، ثم قال: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال: فقال أبو عبد الله×: كذلك محمد عبد الله مقرّ له بالعبودية ورسوله إلى خلقه، ثم قال: وأشهد أن عليّاً× كان له من الطاعة المفروضة على العباد مثل ما كان لمحمدٍ| على الناس، قال: كذلك كان×، قال: وأشهد أنه كان للحسن بن عليّ بعد عليٍّ× من الطاعة الواجبة على الخلق مثل ما كان لمحمد وعليٍّ’، فقال: كذلك كان الحسن، قال: وأشهد أنه كان للحسين من الطاعة الواجبة على الخلق بعد الحسن ما كان لمحمد وعليٍّ والحسن^، قال: فكذلك كان الحسين، قال: وأشهد أن عليّاً بن الحسين كان له من الطاعة الواجبة على جميع الخلق كما كان للحسين×، قال: فقال: كذلك كان عليّ بن الحسين، قال: وأشهد أن محمداً بن عليّ كان له من الطاعة الواجبة على الخلق مثل ما كان لعليٍّ بن الحسين، قال: فقال: كذلك كان محمد بن عليّ، قال وأشهد أنك أورثك الله ذلك كلّه، قال: فقال أبو عبد الله×: حَسْبُك، اسكت الآن؛ فقد قُلْتَ حقّاً، فسكت، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما بعث نبيّاً له عقب وذرّية إلاّ أجرى لآخرهم مثل ما أجرى لأوّلهم، وإنا لحقّ ذرية محمد|، أجرى لآخرنا مثل ما أجرى لأوّلنا، ونحن على منهاج نبينا×، لنا مثل ما له من الطاعة الواجبة([15]).

كذلك هذا الحديث ظاهرُه صريحٌ في تأييد الإمام الصادق× لكلام خالد البجلي، وتأكيده على مقامه في الإمامة؛ لكنْ أمر× خالداً البجلي بالتزام السكوت، وبعد ذلك بدأ بالتفصيل حول إمامته، قاطعاً بذلك الطريق أمام الشكّ أو الاضطراب والتردّد.

3ـ الحديث الثالث الذي كان مورد استشهاد الدكتور مدرسي هو: عن منصور بن حازم قال: قلتُ لأبي عبد الله×: …إن عليّاً× لم يذهب حتّى ترك حجّةً من بعده، كما ترك رسول الله|، وإن الحجة بعد عليٍّ الحسن بن عليّ، وأشهد على الحسن أنه لم يذهب حتّى ترك حجّةً من بعده، كما ترك أبوه وجدّه، وأن الحجة بعد الحسن الحسين، وكانت طاعته مفترضة، فقال: رحمك الله، فقبَّلت رأسه، وقلتُ: وأشهد على الحسين× أنه لم يذهب حتّى ترك حجّةً من بعده عليّاً بن الحسين، وكانت طاعته مفترضة، فقال: رحمك الله، فقبَّلت رأسه، وقلتُ: وأشهد على عليّ بن الحسين أنه لم يذهب حتّى ترك حجّةً من بعده محمداً بن عليّ، أبا جعفر، وكانت طاعته مفترضة، فقال: رحمك الله، قلتُ: أعطني رأسك حتّى أقبِّله، فضحك، قلتُ: أصلحك الله، قد علمت أن أباك لم يذهب حتّى ترك حجّةً من بعده، كما ترك أبوه، وأشهد بالله أنك أنت الحجّة، وأن طاعتك مفترضة، فقال: كفَّ رحمك الله، قلت: أعطني رأسك أقبِّله، فقبَّلت رأسه، فضحك، وقال: سلني عمّا شئتَ فلا أنكرك بعد اليوم أبداً([16]).

ما قيل في الحديث السابق يُقال كذلك بشأن هذا الحديث، فالكلام هو الكلام؛ إذ ظاهره صريحٌ في أن الإمام الصادق× لم يكن في صدد نفي إمامته، بل على العكس كان ضمن أجوبته على السائل في مقام التأكيد عليها.

الأحاديث المستند عليها في الدعوة الرابعة

ضمن هذه النقطة يمكن القول بشكلٍ عامّ: إن الأحاديث الواردة في النهي عن الدعوة للتشيُّع على قسمين:

أـ قسم من الأحاديث دالّة على النهي عن الدعوة للتشيع في الموارد التي تكون حياة المبلِّغ في خطر، أو تكون في محضر مَنْ لا يستبعد منه الإنكار وقلّة التحمّل وعدم ضبط النفس. وروايات كتاب الكافي([17]) ناظرةٌ إلى إثبات ذلك.

ب ـ القسم الثاني تشمل مجموع الأحاديث التي صدر فيها النهي عن دعوة الناس إلى المذهب، وترك أمر هداية الناس إلى الله تعالى([18]).

وبالنسبة إلى مجموع أحاديث القسم الأول فإنها تنسجم وأسلوب معتقدات الشيعة.

وكمثالٍ نذكر حديثاً من أحاديث الكافي: عن معلّى بن خنيس قال: قال أبو عبد الله×: يا معلّى، اكتم أمرنا ولا تُذِعْه؛ فإنه مَنْ كتم أمرنا ولم يذعه أعزّه الله به في الدنيا، وجعله نوراً بين عينيه في الآخرة، يقوده إلى الجنّة. يا معلّى، مَنْ أذاع أمرنا ولم يكتمه أذلَّه الله به في الدنيا، ونزع النور من بين عينيه في الآخرة، وجعله ظلمة تقوده إلى النار. يا معلّى، إن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمَنْ لا تقية له. يا معلّى، إن الله يحبّ أن يعبد في السرّ، كما يحبّ أن يعبد في العلانية. يا معلّى، إن المذيع لأمرنا كالجاحد له([19]).

ينهى الإمام الصادق× في هذا الحديث، وبشكلٍ صريح، عن إذاعة أمر الأئمة^ في المواقع التي تجب فيها التقية. وبالجملة فقد حدّدت موارد استعمال التقية في وجود الضرر المحقّق، سواء بالنسبة إلى الداعية أو المدافِع عن أمر الأئمّة وأهل بيت النبوة([20]).

أما بالنسبة للأحاديث المرتبطة بالقسم الثاني فجديرٌ بالذكر أن مجموع هذه الأحاديث تحتاج إلى إعمال الدقّة؛ حيث إن ظاهر الأحاديث أنها تدعو الدعاة الشيعة إلى استعمال الحَذَر والحيطة في مناقشة المخالفين.

ومن بين الأحاديث الواردة في المقام: عن فضيل بن يسار قال: قلتُ لأبي عبد الله×: ندعو الناس إلى هذا الأمر؟ فقال: لا يا فضيل، إن الله إذا أراد بعبدٍ خيراً أمر ملكاً فأخذ بعنقه فأدخله في هذا الأمر، طائعاً أو كارهاً([21]).

قد يبدو من ظاهر الحديث أنه في صدد الكلام عن النهي عن دعوة أهل السنّة إلى التشيُّع، لكنّ إمعان النظر في محتوى مجموع هذه الأحاديث يكشف أنها في صدد النهي عن الدعوة التي لا يؤمَن معها المجادلة اللفظية، لكن متى ارتفع المانع جازت الدعوة، بل كانت مطلوبة في ذاتها.

كما يمكن أن يكون مفاد هذه الأحاديث ظاهراً في منع ضعفاء الشيعة خاصّة عن دعوة أهل السنّة. والشاهد على كلامنا هذا مجموعة من الأحاديث، كالحديث التالي، الذي يحذِّر من المجادلة اللفظية، لكنْ يشدِّد في المقابل على ممارسة الدعوة العملية، حيث ورد عن الإمام الصادق× أنه قال: كونوا دعاةً بأعمالكم، ولا تكونوا دعاةً لنا بألسنتكم؛ لأن أمر هذا المذهب ليس بالذي يكون باللسان، ومَنْ عقد عهداً فلا يخرجنّ من عهده ولو كسر أنفه بالسيف، وإن مَنْ أبغضنا لو أنفقت له ما في الأرض ما أحبَّنا([22]).

فهذا الحديث (الذي نقلناه بالمعنى) يدعو إلى الدعوة من خلال الأخلاق والمعاملات، وينهى عن حصر الدعوة باللسان. وكما هو واضحٌ فإن النهي في هذه الرواية على الظاهر مشروطٌ بشروط، ومقيَّدٌ بقيود، قد تمّ ذكرها في أحاديث أخرى. والملفت أن الشيخ الحميري في قرب الإسناد قد نقل إحدى الروايات التي ظاهرها النهي الكلّي، وبعدها مباشرة أورد حديثاً بنفس السند في باب التقيّة وحفظ النفس([23]). وكل هذه الروايات حاكية عن عدم وجود نهيٍ كلّي، بل النهي ضمن شروط وموارد متعلقة بالظرفية الزمانية أو بعض الشروط الخاصة التي يفرضها ظرف الواقع.

الحديث التالي يشير إلى إجازة الإمام الجواد× في نشر المطالب وبعض المباحث التي لم يسمح بنشرها ونقلها في زمن الصادقين’: عن محمد بن الحسن بن أبي خالد شَيْنُولة قال: قلتُ لأبي جعفر الثاني×: جعلت فداك، إن مشايخنا روَوْا عن أبي جعفر وأبي عبد الله’، وكانت التقية شديدة، فكتموا كتبهم، ولم تُرْوَ عنهم، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا، فقال: حدِّثوا بها؛ فإنها حقٌّ([24]).

إن تجمع الشيعة في بلاد الحجاز والعراق فترة الإمامين الصادقين’، والخوف من أن يقوم السلطان ومواليه بالقضاء على الشيعة أو استئصالهم، وكذا الخوف من كشف كل رواة روايات الأئمة، كان موجباً لفهم الحكمة من صدور تلك الروايات.

وبالجملة فإن القول بالنهي عن الدعوة وعدم نشر أمر الأئمة بشكلٍ مطلق يخالف سيرة النبي الأكرم| ظاهراً. ونكتفي بذكر حديثٍ كمثالٍ؛ حتّى تتضح مقولتنا في ما ذهبنا إليه: عن سليمان بن خالد قال: قلتُ لأبي عبد الله×: إن لي أهل بيت وهم يسمعون منّي، أفأدعوهم إلى هذا الأمر؟ فقال: نعم: إن الله عزَّ وجلَّ يقول في كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ([25]).

كما يلاحظ أن المجلسي (في شرحه المنقول عن قرب الإسناد) وجد أن سبب جمع صاحب الكتاب المزبور لهذه الأحاديث، وضرورة انسجامها مع أحاديث الرسول الأكرم|، تثبت جانب النهي عن الدعوة إلى التشيُّع حين تكون الدعوة ستجرّ إلى المجادلة، وبالتالي إلى ضررٍ حتمي؛ حيث قال بأن ظاهر مقصود هذه الروايات هو نهي الشيعة عن مواجهة ومجادلة المخالفين بحيث يخاف منه الضرر بالداعية؛ ولعل السبب هو تعمُّق دعاة الشيعة في دعوتهم؛ ظنّاً منهم أنهم بذلك يتمّ لهم هداية الناس، فليس الهدف من صدور هذه الأحاديث هو إمساك الناس عن الدعوة إذا تيقّن حدوث المصلحة، وكان الضرر غير وارد؛ لأن الدعوة إلى الهداية رسالة الأنبياء، وهي من أهم الواجبات([26]).

بالإضافة إلى كلّ ذلك هناك موارد متعدّدة عمل فيها الإمام الصادق× على مناظرة ومحاججة كبار المخالفين([27])، وأمضى مناظرات كبار الأصحاب، ومن ذلك: مناظرات هشام بن الحكم لعمرو بن عبيد، كبير علماء المعتزلة في تلك الفترة، حيث إن الإمام الصادق× لمّا سمع تقرير هشام بن الحكم حول تلك المناظرة أيَّده وأثنى عليه([28]).

نتيجة التحقيق

في هذا المقال كان البحث موجهاً إلى مناقشة النقاط الأربعة التي طرحها الدكتور مدرسي الطباطبائي حول تاريخ الإمام الصادق×، ومدى صحتها، ومدى انسجامها والتعاليم الشيعية، وكذا مدى مساوقتها لأساسيات المذهب الشيعي.

بخصوص مسألة كثرة الموالين والأنصار وعدم قبول الإمام الصادق× بالخروج بيَّنا أن الإمام الصادق× ضمن المستندات التي اعتمدها السيد مدرسي لم يكن في صدد عدم قبوله الخروج والقيام بشكلٍ نهائي، بل على العكس تماماً، كان في جوابه على السائل في صدد بيان الشروط الموضوعية للخروج: إحداها: ضرورة وجود أنصار يتمتّعون بكامل الاستقامة والثبات والطاعة للإمام في السرّاء والضراء؛ إذ لم يكن الكمّ والعدد معياراً في المقاييس الدينية، بقدر ما وجه الاهتمام بالنوع والكيفية. فالإمام الصادق× صحَّح نظر السائل، وكشف له أن الأعداد التي وصفها في خطابه لا تشكِّل عنصر التكافؤ واحتياجات الثورة.

وفي ما يتعلَّق بمسألة دعوة العباسيين الإمام× لتسلُّم زمام السلطة بيَّنا أن الروايات والشواهد التاريخية الواقعية كشفت أمر العباسيين، وأن تلك الدعوة للإمام لم تكن سوى تكتيكٍ من تكتيكاتها؛ لإخفاء هوية مَنْ ارتضتهم زعماء لها، حتّى أن الإمام× بنفسه قد فضح مخطّطهم، وكشف لهم أنهم قد اختاروا مسبقاً أبا العباس السفّاح خليفةً لحكومتهم وسلطتهم، وأن الدعوة لا واقعية لها.

أمّا نهي الإمام الصادق× أصحابه ومواليه عن دعوته باسم الإمام فقد تبين؛ من خلال تفحُّص نفس الشواهد والروايات الشاهد التي ذكرها الدكتور المدرسي، أن الإمام× ـ وعلى العكس ممّا ادُّعي ـ كان في مقام تثبيت إمامته ومقامه لدى المخاطبين، ونهاهم عن إظهار معتقداتهم كلما كانت أنفسهم في خطرٍ محدق.

وبالنسبة إلى آخر نقطة من النقاط الأربعة التي تناولناها في هذا المقال، حيث ادعى الدكتور المدرسي الطباطبائي أن الإمام× نهى أصحابه عن الدعوة للتشيُّع، أجبنا عن هذه الدعوة بأن الإمام الصادق× كان يدعو بنفسه إلى التشيُّع، وقد أيَّد أصحابه في ما يقومون به من أعمال الدعوة. وبيَّنا أنه في الموارد التي صدر فيها النهي لم يكن على شاكلة النهي المطلق، وإنما كان النهي معلَّلاً بوجود حالة الخوف على النفس، وتعريض مجتمع الشيعة للخطر. وقد ظهر لنا أن نهي الإمام في بعض الموارد كان بسبب التقية، وما تستلزم من ضرورة حفظ النفس.

كان هذا المقال في مقام الردّ على جزءٍ مما طرحه الدكتور المدرسي الطباطبائي، آملين أن تتَّسع اهتمامات المحقِّقين للنقد والتحقيق في باقي موارد الكتاب؛ بغرض إظهار الصحيح، والردّ على غير الصحيح. كل ذلك مع ضرورة التوجُّه لنقد طروحات الدكتور المدرسي الطباطبائي بالأسلوب العلمي، الذي يحفظ حرمة المؤلِّف، ويتعامل مع أفكاره بكلٍ موضوعيةٍ ونزاهةٍ علمية([29]).

الهوامش

(*) باحثٌ في مجال الفكر الإسلاميّ.

([1]) Cri. sis and Consolidation in The Formative Period of Shi~te Islam.

([2]) أصل النقاط الأربعة سنوردها في هامش المقالة.

([3]) الكليني، الكافي 1: 307؛ 2: 242؛ 8: 331؛ رجال الكشّي: 158، 353 ـ 354، 398؛ ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب 3: 362.

Hossien Modarresi, Crisis and Consolidation in the formative period of shi`te islam, p7. Darwin ,1998: “Imam Ja`far al ـ Saddiq was the most repected memberofthe House of the prophet duringthe time of epheaval that saw the overflow of the century ـ p ‘d Umayyad rule. Ja~far was an obvious candidatw to succeed as Umayyad leader of the Islamic state and many expected him to step forward into the role. Iraq was full of his followevrsA passionate fo; ower told him that haif of the word supported his claim. The people of Kufa waited only for his order to seize the city from its garrison. His failure to take advantage of the situation led to various reactionsome of his follower even held that it was unlawful took the reins of power, reportedly looked to him in theearly days of their in surrection as their first choice for the spiritual leadership of their movement”.

([4]) الكليني، الكافي 8: 274؛ ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب 3: 355 ـ 356؛ الشهرستاني، 1: 179.

lbid, p7: “Possibly along the same line ,he at times did not even like to be called the Iman”.

([5]) البرقي، المحاسن 1: 288 ـ 289؛ تفسير العياشي 1: 327؛ الكليني، الكافي 1: 181، 189؛ رجال الكشّي: 281، 289، 349، 419، 421 ـ 423، 427.

lbid, p8: “He also forbade his followers to engage in any political activity or to goin any armed Group. make Shi`ite propaganda , or recruit any new members into the Shi`ite community”.

([6]) الكليني، الكافي 1: 165 ـ 167؛ 2: 212 ـ 214، 221 ـ 226، 369 ـ 372؛ البرقي، المحاسن 1: 200 ـ 201؛ الحميري، قرب الإسناد: 37.

lbid, p8: “he also forbade his follovers to engage in any political activity. Or to join any armed Group. make Shi`ite propaganda, or recruit any new members into the Shi`ite community”.

المترجم: أودّ أن أشير هنا إلى أن ترجمة كلام الدكتور مدرسي في هذه النقطة الرابعة إلى الفارسية كانت مختلفة عما أورده الدكتور مدرسي بنفسه في كتابه باللغة الإنجليزية، حيث إنه قال في هذه النقطة: إن الإمام الصادق× كان ينهى مواليه وأصحابه عن ممارسة أي فعّالية سياسية، أو الانضمام لأيّ عملٍ مسلَّح، ولم يكن يجيز لأتباعه أن ينشروا التشيُّع في أوساط المخالفين، أو أن يدعوا إليه أحداً.

([7]) الكليني، الكافي 2: 243.

([8]) ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب 4: 237.

([9]) ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب 4: 229.

([10]) الطبري، التاريخ 7: 449 ـ 450.

([11]) المسعودي، التاريخ 3: 244.

([12]) الطبري، التاريخ 7: 423.

([13]) تفسير العياشي 1: 327.

([14]) الكليني، الكافي 3: 134؛ 1: 376؛ 2: 218؛ 7: 404.

([15]) رجال الكشّي: 422.

([16]) الكليني، الكافي 1: 189؛ رجال الكشّي: 420.

([17]) الكليني، الكافي 2: 226، 369 ـ 367.

([18]) الكليني، الكافي 1: 165 ـ 167، باب أن الهداية من الله عزَّ وجلَّ؛ المصدر السابق 2: 212 ـ 214، باب ترك دعاء الناس؛ البرقي، المحاسن 1: 200 ـ 201، باب أن الهداية من الله عزَّ وجلَّ.

([19]) الكليني، الكافي 2: 223 ـ 224.

([20]) بالنسبة للتقية وإخفاء العقيدة في موضع الخوف على النفس واحتمال الضرر راجع: الكليني، الكافي 2: 217، 226، باب التقية وباب الكتمان.

([21]) الكليني، الكافي 1: 167؛ كذلك انظر: البرقي، المحاسن 1: 202.

([22]) الحميري، قرب الإسناد: 38.

([23]) الحميري، قرب الإسناد: 17.

([24]) الكليني، الكافي 1: 53.

([25]) الكليني، الكافي 2: 212، باب في دعاء الأهل إلى الإيمان. وانظر كذلك تفسير فرات الكوفي: 202.

([26]) المجلسي، بحار الأنوار 5: 199.

([27]) الكليني، الكافي 1: 58؛ 8: 311.

([28]) انظر: الكليني، الكافي 1: 169 ـ 170.

([29]) في كتابة هذا المقال لا بُدَّ من الإشادة بتعاون الأستاذ رضا فريدوني، الذي استفدنا من آرائه ونظراته مشكوراً.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً