أحدث المقالات

بين نظريتي الانتخاب والتنصيب

السلطة مصطلح سياسي، وأساس تشكيل النظام السياسي الذي ينشأ من قلب المجتمع البشري، وبدون وجود التشكيلات الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق.

عرّف علماء السياسة السلطة بأشكال متعددة. وخلاصة هذه التعاريف «القدرة على تحقيق الأهداف الفردية أو الجماعية بشكل يؤثر على السلوك، وأحياناً على الأفكار وعقائد الآخرين، وإجبارهم على الاستسلام والطاعة بشتى الطرق والوسائل».

ولأن كيفية تشكيل السلطة في النظم الحكومية من أهم المباحث السياسية، فمن الجدير بنا البحث في كيفية تشكيل السلطة في النظام السياسي لولاية الفقيه. فالسلطة السياسية تنقسم إلى سلطة شرعية قانونية وعلى حق، وإلى سلطة غير قانونية، وليست على حق.

والسلطة الشرعية هي النظام السياسي القائم على منابع وأسس، ولها أيديولوجيات وقوانين، أو تستند إلى رأي الشعب وقبول عامة الناس. أما السلطة غير المشروعة: فهي النظام السياسي القائم على الإجبار والإستبداد والإنقلاب. وعندما تنتشر السلطة في المجتمع، بالشكل الذي تسيطر فيه على الحكومة والمجتمع يطلق عليها الحكم والقيادة، وكما تم تقسيم السلطة إلى مشروعة وغير مشروعة، كذلك يتم تقسيم الحكومة إلى شرعية وغير شرعية.

1ـ الوصول إلى السلطة بين الانتخاب والتنصيب

أـ الوصول إلى السلطة في نظرية الانتخاب

بالإستناد إلى أسس نظرية الانتخاب، تكون إرادة ومطالب الشعب غير ظاهرة في تشكيل السلطة والقائلون بهذه النظرية يعتقدون بأن ولاية الفقيه الجامع للشرائط ـ حتى ولو كان يمتلك صلاحيات التوجيه والقيادة الدينية والسياسية للمجتمع ـ إلا أنه لا يحق له شرعاً تشكيل الحكومة أو النظام السياسي، ولا يحق له تطبيق الولاية والسلطة على الشعب ما لم يحصل على البيعة من العامة، يعني انتخاب الشعب أو الخبراء له. وذلك لأنه في زمن الغيبة وباتفاق جميع علماء الشيعة لا يوجد تنصيب لشخص معين، ومن الأدلة على ذلك الحديث الوارد بهذا الخصوص، يثبّت ولاية الفقيه بصورة عامة وبشكل غير كامل، ولكن من حيث المفهوم والدلالة وضعف السند لا يؤخذ بعين الاعتبار؛ لأنه لا يوجد أي فقيه من الناحية الشرعية يعترف بمنصب الولاية بصورة عامة أو خاصة.

وهؤلاء الفقهاء يعتقدون بأن الروايات الواردة عن النبي‘ والأئمة الأطهار عليهم السلام حول تكريم الفقهاء ورجوع عامة الناس إليهم، تخص فقط أخذ الحكم الشرعي والقضائي، وفي أعلى المراتب لبيان شروط وصفات الحاكم الشرعي، وبذلك لم ينصب الأئمة الأطهار الفقهاء الجامعين للشرائط لمقام الولاية، ولكن عيّنوهم كمرشحين لينالوا مقام الزعامة للأمة، ولينتخب الناس أحدهم للقيادة بحرية. وبذلك تفوض القيادة إلى الرجل المنتخب. وبناء على الانتخاب لا يحق لسائر الفقهاء التدخل بأمور الحكومة والنظام السياسي جزئياً أو كلياً إلا بعد إذن الفقيه الحاكم والمنتخب، وتحت ولاية الولي.

بعبارة أخرى، هم يعتبرون أن الله تعالى أوكل للإنسان المسؤولية في تقرير مصيره الإجتماعي والسياسي. ولا يتمتع الفقيه العادل بالسلطة الا بعد أن يوكلها الناس اليه. وبناء على ما سبق فإن إرادة الناس في الضوابط الشرعية ليس فقط لتأمين شرعية النظام، بل تعتبر أساس قيام واستمرار ولايه الفقيه ومحوراً لكل الشؤون والقرارات الحكومية على أساس القواعد الفقهية مثل «المؤمنون عند شروطهم» و «أوفوا بالعقود»، هذا ويكون الانتخاب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

ب ـ الوصول إلى السلطة في نظرية التنصيب

هذه النظرية ترى أن كل فقيه عادل وجامع للشرائط يتمتع بمنصب الولاية، ويكون تعيينه من عند الله وعن طريق الأئمة المعصومين^ وعلى هذا الأساس يجوز للفقيه ضمن الحدود المتاحة والامكانات الشخصية استعمال سلطته لتطبيق الحدود الشرعية، والتصدي للسلطة القضائية، و استلام الأموال الشرعية مثل الخمس والزكاة والصدقات والوقف، والتصرف بها فيما يلبي حاجات المسلمين بشكل عام. كما يستطيع التدخل بتشكيل الحكومة الإسلامية. ويحدد شؤون الحكومة لأنه يمتلك صلاحيات الرسول والإمام في الأمور القيادية.

وبناء على هذه النظرية فإن تشكيل السلطة وتثبيتها لا يحتاج للإنتخابات العامة أو اختيار الخبراء، وكذلك لا يحتاج لأي عامل آخر. وقد وردت عدة أحاديث في هذا الشأن.

أما في البعد التنفيذي، فإن تشكيل الحكومة وبسط العدالة الاجتماعية لا يمكن أن يتم بدون قبول وإرادة الشعب. وعلى هذا فإن البيعة والإرادة الشعبية تؤدي إلى تثبيت النظام الولائي. وبعبارة أخرى يمكن القول: إنه على الرغم من أن الانتخابات الشعبية والرأي العام ليس له أي تأثير في تنصيب الولي الفقيه ـ طبقاً لنظرية التنصيب ـ إلا أنّه المصدر الشرعي للحكومة، كما أنه الوسيلة من أجل الوصول إلى الحكومة المقبولة من الجميع.

يمكن القول: إن تسلم القيادة من قبل الفقيه بدون قبول الشعب غير ممكن، لأن الشعب له الدور الأساس في تعيين الطريقة التي يتم من خلالها وصول الفقيه للقيادة، وذلك لأن الفقيه لا يستطيع أن يحكم بالإجبار كما أنه لا يستطيع أن يفرض نفسه على الشعب.

وكذلك الامام المعصوم أيضاً لم يقدم على نيل السلطة السياسية بالإجبار، فمثلاً: الإمام علي× على الرغم من امتلاكه الشرعية للولاية السياسية، إلا أنه بقي مدة (25) عاماً بعيداً عنها، وبعد التفاف الناس حوله أقدم على تشكيل الحكومة. ولعل العبارة التالية دليل واضح على ذلك «لا يمكن تحقيق الحكومة الإسلامية بدون إرادة الشعب، والتفاوت الأساس بين الحكومة الإسلامية والحكومات الجائرة؛ هو أن الحكومة الإسلامية حكومة شعبية لا تقوم على الجبر والإرغام، ولكنها تقوم على أساس حب وتعلق الشعب بالدين والحاكم الإسلامي. ولعل مفهوم «رضا العامة»الذي تم التأكيد عليه في روايات عدة دليل واضح على ذلك.

وكذلك ورد في رواية عن الرسول‘ في خطابه لأمير المؤمنين علي× أنه قال في نفس المرحلة: «يا ابن أبي طالب لك ولاء أمتي، فإن ولوك وأجمعوا عليك بالرضا، فقم بأمرهم، وإن اختلفوا عليك فدعهم وما هم فيه»،ويقول الإمام الخميني في هذا: «الحكومة الإسلامية ليست منفصلة عن الشعب بل من نفس المجتمع، إذا الشعب دعم حكومة ما فإنها لن تسقط، وإذا الاُمة دعمت كياناً ما فإنه لن يزول»

من خلال التدقيق ومقارنة العبارات السابقة بجميع ما قاله وكتبه الإمام الخميني نصل إلى ما يلي:

1 ـ استناداً إلى المقام الثابت والفعلي للولاية السياسية للفقيه، فإن الإمام الخميني يعتبر أن قبول الشعب وحمايته من أهم أركان الوصول للسلطة. على الرغم من أنّ الثابت أن انتخاب الشعب وقبوله غير مؤثر.

2 ـ باعتقاد الإمام الخميني أن الشعب هو مصدر قوة النظام السياسي. وانه إنشاء الحكومة في ظل دعم الأمة وحمايتها ممكن أن يتم، وكذلك فإن الحكومة المنفصلة عن الشعب ستواجه الزوال.

3 ـ في نظر الإمام الخميني أن الحكومة الإسلامية ليست كالحكومات الاستبدادية والديكتاتورية في فرض نفسها على الشعب، أو في أنها فوق هذا الشعب ولكنها في خدمة الشعب، وتعمل على أساس القانون، على مستوى التكتلات الشعبية «الدولة الإسلامية تتألف من طبقات شعبية مختلفة وتضع نفسها في خدمة الشعب» ومن الضروري التذكير أن نظرة الإمام الخميني في موضوع نيل السلطة السياسية للولي الفقيه ليست مشابهةً لجميع وجهات نظر القائلين بنظرية التنصيب، بعض القائلين بنظرية التنصيب حتى في حال ثبوت الولاية لا يقيمون اعتباراً لوجهة نظر الشعب ورأيه «البيعة تأييداً أو رفضاً ليس لها أي دور في الشرعية المعطاة لأي منصب من مناصب ولاية الفقيه وهو أمر مفروض على الشعب».

2ـ تطبيقات السلطة بين الانتخاب والتنصيب

مع استخدام القوة والسلطة يمكن تطبيق النظام والقرارات في المجتمع، بناءً على ذلك فإن السلطة تضمن وجود النظام السياسي منذ البداية واستمراره والوصول إلى الأهداف المنشودة، أما كيفية الاستفادة من السلطة السياسية فهو من أهم وأعقد فنون الحكومة.

ولعل كيفية تطبيق السلطة في الأنظمة السياسية أكثر صعوبةً وتعقيداً من الوصول إليها ومن هنا فإن وجود واقع باسم القوة أو السلطة في المجتمعات البشرية، سيجعل المفكرين السياسيين يواجهون أسئلة مهمة وأساسية مثل:

ـ ما هو الأثر الذي تخلفه القوة أو السلطة على الأشخاص الذين يستخدمونها من الناحية الأخلاقية؟

ـ هل القوة أو السلطة السياسية تساعد الحكام على بناء الخير أم تجعلهم يصابون بالفساد والغرور؟

يعتقد الإمام الخميني أنه في زمان الغيبة الفقهاء العدول والأتقياء هم الأشخاص المناسبون لاستلام السلطة، وذلك من خلال الإستفادة من طاقتهم المعنوية والشخصية، وبهذا يضع السلطة السياسية في مسير صلاح المجتمع.

أما كيفية إجراء السلطة في النظام السياسي لولاية الفقيه فهو من أهم الأبحاث والمسائل في هذا النظام منذ بدايته حتى الآن. وغالباً ما يُطرح سؤال مفاده: هل تطبيق ولاية الفقيه فوق إرادة الشعب،أم تطبيقها يستند إلى طلب وقبول وإرادة الشعب؟ بعبارة أخرى هل يحق للولي الفقيه من أجل تطبيق القوانين وتطبيق الحدود الشرعية أن يجبر الناس على قبول أفكار جديدة، والقبول بطريقة خاصة في الحياة الإجتماعية، أم أن إقبال الشعب ورضاه شرط لازم لتطبيق سلطته؟

في هذا النطاق يجب القول بأن إجراء وتطبيق الحكم على أساس الإجبار والإكراه والاستبداد ـ حتى ولو بالحق ـ غير معقول عند العقل والإسلام ومرفوض، فالله سبحانه وتعالى أمر أنبياءه دائماً في آيات متعددة أن يقيموا الحكومة الإسلامية على أساس حذر، كما أمرهم بجمع الناس من أجل إقامة العدل وإحلال الدين. فقد خاطب الله تعالى رسوله الأكرم‘: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ و فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر ، بناءً على هذا فإن استخدام السلطة في الحكومة الدينية يجب أن يكون قائماً على الإرادة، كما يجب أن ينال قبول ومرضاة الشعب، أما الولي الفقيه وهو موظف بأن يشكل حكومة ونظام سياسي يعتمد على السلطة التي أعطاها إياه الشعب، ويكون دور هذا النظام تطبيق حدود الله ونشر العدل والإصلاح. بالإضافة لهذا فإن العقل يعتمد في اقامة العدل الاجتماعي على ارادة وحماية الشعب. ويقول الإمام الخميني في بيان يعترض فيه على الحكومة الملكية: «أنا معارض لأساس السلطة وأعارض السلطة الملكية في ايران، لأن السلطة على هذا الأساس هي نوع من الحكومة التي لا تعتمد على رأي الشعب، وإنما يستلم شخص بالإجبار والإكراه رأس الحكم وبالإعتماد على هذا يجعل زمام الادارة في أيدي المقربين منه، ويعتبرها حقّاً قانونياً لهم وذلك على أساس الوراثة يجبر الناس عليها، وأن السلطة على مر التاريخ لم تكن شيئاً غير هذا. فالسلطة تعني أن الشخص الذي يصبح سلطاناً على الناس يستطيع أن يقوم بأي مخالفة، لأن يده مبسوطة، ولأنه لا يخاف من العزل، وذلك لعدم وجود عزل في هذا النظام فهو باقي إلى مادام العمر».

عندما ندقق في هذا القول للإمام الخميني نرى أن الامام كان يخالف النظام الملكي لأنه لا يعتمد على الناس، وكان يُفرض على الشعب دون أن يعتمد على رضاهم، فرأيهم ليس بمهم.

كما أن انتقال السلطة يعتمد على الوراثة دون الكفاءة، ولا يوجد فيه مساءلة أمام الناس، كما يضيع في هذا النظام ـ السلطة ـ حق الناس، كحرية التعبير، الإنتخاب، ولا يملكون الحق في المشاركة في الحكم، ولا يستطيعون تطبيق المراقبة على من بيدهم زمام السلطة.

عندما يصنف الإمام نظام ولاية الفقيه ويبيين طريقة السلطة في هذا النظام يقول: «إن الإسلام هو أساس الحكومة التي لا يوجد فيها استبداد الحكام، ونتيجة هذا الإستبداد فإن الأهواء والميول الشخصية لشخص واحد تفرض على الشعب، وكذلك لا يقبل الإسلام نظام وشروط الجمهورية، لأن مجموعة من الأشخاص يصنفون قوانين يجب أن تطبق على الناس»، «الحكومة الإسلامية هي نظام منبثق من الوحي الإلهي ….. ولا يملك أي شخص كان من الحكام الحق في الاستبداد بالرأي».

وقبل أن نوضح وجهات نظر وآراء الفقهاء المؤيدين لهاتين النظريتين ـ التنصيب والانتخاب ـ في كيفية تطبيق السلطة في النظام السياسي لولاية الفقيه. يجب النظر إلى نقاط أساسية هي:

1 ـ كلتا النظريتين أن تطبيق السلطة في الحكومة الدينية يجب أن يتم بعيداً عن الإجبار والاستبداد والإكراه، ويجب أن يكون على أساس قبول الشعب ورضاه.

2 ـ تطبيق السلطة السياسية في أنظمة الحكومة مبني على أساسين هما: القانون والقانونيين.

فالقانون هو العنصر الأساسي في تعيين أرقى وأعلى رابط في السلطة السياسية. أما القانونيون فهم أكثر الاشخاص المؤهلين من أجل تطبيق السلطة السياسية. ومن وجهة نظر الطرفين، فإنه في زمان الغيبة يكون الفقهاء الجامعون للشروط هم الاكثر أهلية لذلك.

3 ـ الإسلام والقوانين مبنية على قواعد فقهية وأحكام مستنبطة من النصوص الدينية، ومضمون القانون في الإسلام أمر الهي عادل قائم على المصالح والمفاسد الحقيقية. أما القانون في المصطلحات الحديثة فهو القرارات المتخذة في مجالس النواب والذي يتم تصويبه على أساس إرادة العقل البشري.

إن مصطلح “تطبيق السلطة” مثل مصطلح الولاية المطلقة، عنوان غامض وقابل للتعبير، وله احتمالات وأوجه نأتي على ذكرها:

1ـ الدائرة أو حدود تطبيق السلطة: هذه الفرضية تنطبق على اختيار الحاكم.

2ـ طرف تطبيق السلطة: هذا الإحتمال مرتبط با الاسئلة حول كيفية تطبيق السلطة في نظام ولاية الفقيه كما ينطبق معها، هل للحاكم الإسلامي الحق في إجبار الناس عندما يريد تطبيق السلطة؟ هل يجوز أن يجبر الناس على قبول الدين والعمل بأحكامه؟

3 ـ المعايير والضوابط في تطبيق السلطة: في هذه الفرضية فإنّ أسس تطبيق السلطة تأخذ بعين الاعتبار، بمعنى، هل تطبيق السلطة يجب أن يكون على أساس تأمين مصالح وحاجات المجتمع؟ وهل في المقررات والأحكام الدينية يجب تطبيق السلطة أم رضا الشعب وقبوله؟ في هذا المجال يكون المراد من كيفية تطبيق السلطة هو الاحتمال الثاني والثالث.

أـ تطبيق السلطة في نظرية التنصيب

نظراً بأن تطبيق السلطة السياسية محفوظ للفقهاء الجامعين للشروط وقبول الناس، فلذلك يكون واجباً على هذا الفقيه أن يقوم بتطبيق السلطة في الأمور المرتبطة بالنظام الاجتماعي، ولا يحق لغيره من الفقهاء التدخل في مجال سلطته. بالإعتماد على نظرية التنصيب،أمّا في حالة تشكيل الحكومة الدينية، ومالم يكن هناك تعاون من قبل الجميع يكون واجباً على جميع الفقهاء أن يقدموا على تهيئة الأرضية الملائمة لتشكيل الحكومة الدينية، وتطبيق الحدود والقوانين الإلهية. ومن هنا يكون تطبيق السلطة السياسية من أجل تطبيق القوانين الإسلامية، حق أعطاه الشرع الإسلامي لجميع الفقهاء.

كما أن مؤيدي نظرية التنصيب يعتقدون أنّ تطبيق السلطة من الولي الفقيه يعين على أساس حفظ وتأمين مصالح الإسلام والمسلمين وبعيداً عن الاستبداد والديكتاتورية.

يجوز للفقيه تطبيق السلطة وذلك بأن يتدخل في جميع الشؤون والامور في المجتمع، ويحق له أيضاً التدخل في شؤون الأفراد، وذلك من منطلق حفظ مصالح النظام الديني والمسلمين. فهو يستطيع أن يعمل أكثر من الأحكام الأولية للإسلام والدستور حتى يحفظ النظام السياسي، ويؤمن مصالح الإسلام والأمة الأسلامية.

يقول الامام الخميني: «يستطيع الحاكم في المجتمع الإسلامي أن يُعمل قدرته في المواضيع التي تخص المجتمع بناءً على مصلحة المسلمين، أو بالإعتماد على مصلحة الأشخاص في حكومته. وهذا لا يعد استبداداً أبداً، ولكن في هذا الأمر يجب أن ينظر إلى مصلحة المسلمين والإسلام. وعلى هذا فإن فكرة الحاكم في المجتمع الإسلامي وكذلك عمله تابعان لمصلحة الإسلام والمسلمين لم يذكر المصدر».

ومن هذا القول للإمام نرى أنه طرح طريقة في كيفية تطبيق السلطة. وهذه الطريقة ينتفي فيها استبداد الحاكم، فلا يستطيع شخص واحد أن يعمل بأهوائه النفسية و لا يفرض أهواءه على المجتمع، كما أنه من خلال هذه الطريقة لا يستطيع مجموعة من الأشخاص وضع قانون يفرض على جميع أفراد المجتمع.

باعتقاد الإمام لا يوجد مقام أعلى من القانون، كما لا يحق لأي مسؤول في المجتمع أن يستبد برأيه، وأن يكون ديكتاتوراً، كما يعتقد بأن جميع الخطط التي توضع لإدارة المجتمع وتأمين احتياجاته وشؤونه يجب أن تكون على أساس الشريعة الإسلامية.

إن هذا الأساس كلي، ويطبقّ على الولي الفقيه نفسه، كما أنّه يطبّق على إطاعة الولي الفقيه، بناءً على ذلك فإن الولاية المطلقة لا تعني العمل على السليقة الشخصية، ولا تعني الديكتاتورية. وعلى أساس ما كتبه الإمام فإن الحكومة الإسلامية هي حكومة القانون، ويجب أن يكون علماء القانون والفقهاء هم الأشخاص الذين يتصدون للقيادة في هذه الحكومة.

إذا عمل الفقيه بما يخالف الإسلام فهذا يعد فسقاً، وعلى هذا فإنه بشكل طبيعي يعزل من الحكومة. في الحقيقة أن الحاكم هو القانون، كما أن جميع الناس يحتمون بالقانون، وهذا يعني أن الناس أحرار في دائرة المقررات الشرعية، إن الحاكم في تطبيق القوانين والإدارة كونه مقيّدا بمجموعة من الشروط التي عينها القرآن الكريم والسنة الشريفة، والتي يجب أن يراعيها الحكام، لذا فالحكومة الإسلامية هي حكومة القانون الإلهي. وفي هذا النمط من الحكومة يكون الحكم منحصراً بالله، والله سبحانه وتعالى، هو الآمر والحاكم.

ب ـ تطبيق السلطة في نظرية الانتخاب

نظراً لأن تطبيق السلطة السياسية من حق الفقيه المنتخب من قبل أكثر الناس، تكون وظيفة القائد وكيفية تطبيق سلطته معينة من الدستور. وبناءً على الدستور لا يحق للولي الفقيه التدخل بما يخص المسؤولين في النظام من مجلس (قوة تطبيق القانون) ورئيس جمهورية، لأن القائد لا يحق له أن يطبق السلطة بأكثر مما حدده له الدستور. وهنا يمكن ذكر الأقوال التالية:

«بناءً على الدستور الذي لدينا يجب أنْ يتم تشكيل الهيئة الحاكمة والحكومة من الناس، وذلك عن طريق تشكيل أحزاب سياسية مستقلة وإجراء انتخابات حرة. وتكون إدارة الدولة على عاتق هؤلاء وأي تدخل من الأعضاء ومقامات الدولة في الإنتخابات أو تعيين الوزراء ومعاوني رئيس الجمهورية يعد مخالفاً للدستور، كما يعد ظلماً للشعب. وإن تصحيحات القائد تنحصر بالاشياء التي حددها الدستور»

لا يحق لأي مسؤول أو عضو أن يتدخل ويزعج الآخرين ما لم تكون طريقتهم في العمل مخالفة للشرع، أو مخالفة واضحة للدستور.

«إن الولي الفقيه لا يرتفع فوق القانون، وإنما يكون ضمن القانون ….. إن انتخاب الولي الفقيه من الناس بناءً على التزامه بالدستور، وقوانين الدولة».

عندما ندقق بما ورد في المقالات السابقة، يتبين لنا أن أنصار نظرية الإنتخاب حددوا صلاحيات الولي الفقيه وكيفية تطبيقه للسلطة المتاحة له بما يلي:

1) الانتخابات والشروط التي يضعها الناس؛ لأن المعيار في تطبيق السلطة تحدده الإنتخابات وليس الولي الفقيه.

2) تطبيق السلطة يكون ضمن ما حدده الدستور، وما تحدده القوانين المتخذة في مجلس الشورى الإسلامي.

(*) أستاذ جامعي، وعضو الهيئة العلمية في جامعة العلوم الطبية في طهران.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً