أحدث المقالات

د. مصطفى كريمي(*)

أ. فاطمة رضائي(**)

ترجمة: مرقال هاشم

مقدّمةٌ

إن «عصمة الأنبياء» من أهمّ المسائل التفسيرية والاعتقادية والكلامية؛ فهي ضامنةٌ لصحّة القرآن الكريم ورسالة النبيّ الأكرم|؛ لأن لازم النبوّة هي الحكمة والدراية. وإن رسول الله يجب أن يكون معصوماً، وإن الارتباط بين العصمة والحكمة مستمرٌّ([1]).

وبناءً على قاعدة اللطف يجب على الله أن يخلق المزيد من الأرضيّات لهداية الناس. وإن النبيّ المعصوم أكثرُ هدايةً للناس من النبيّ غير المعصوم.

وبحكم العقل فإن الغاية الأساسيّة والجوهريّة من بعثة الأنبياء هي تبليغ أحكام الله إلى الناس. وإن رُسُل الله يجب أن يكونوا مطيعين لأحكام الله؛ كي يتسنّى للناس أن يعتمدوا عليهم.

ثمّ إن النبيّ عندما يجترح المعجزة يكون ذلك دليلاً على صدقه وتأييده من قِبَل الله سبحانه وتعالى، في حين أنه لو جاز أن يرتكب المعصية فسوف يؤدّي ذلك إلى نفور الناس منه، ولا يمكن للفرد أن يتّبع الخاطئ، وأن يصدِّق كلامه، وأن يطمئنّ له([2]). وإذا جاز على النبيّ الخطأ فسوف يكون بحاجةٍ إلى شخصٍ آخر يردعه ويمنعه من ارتكاب الخطأ؛ وإذا كان هذا الشخص الآخر معصوماً من الخطأ ثبت المطلوب؛ وإنْ لم يكن معصوماً، وجاز عليه الخطأ، سوف يحتاج بدَوْره إلى شخصٍ ثالث يمنعه ويردعه عن فعل الخطأ، وهكذا دوالَيْك. وبالتالي يلزم من ذلك إمّا الدَّوْر أو التسلسل، وكلاهما باطلٌ.

هذا وقد تمَّتْ الإشارة في القرآن الكريم إلى ضرورة «عصمة الأنبياء». ولكنْ لا بُدَّ من الالتفات إلى:

أوّلاً: إن القرآن الكريم يشتمل على آياتٍ مُحْكَمات وأُخَر متشابِهات. ومن هنا يكون ظاهر بعض الآيات بحيث يوحي بنقض عصمة الأنبياء. وعليه يجب لفهم تلك الآيات الرجوع إلى مُحْكَمات القرآن الكريم، أو الاستعانة بالروايات التفسيرية.

وثانياً: إن إثبات أحقّية وعدم تحريف القرآن يتوقَّف على إثبات عصمة الأنبياء، ولا سيَّما النبيّ الأكرم|. ومن هنا فإن الفَهْمَ الصحيح للآيات التي تبدو في ظاهرها ناقضةً لعصمة الأنبياء، وبيان الآيات المُحْكَمات الدالّة دلالةً قطعيّة على عصمة الأنبياء، يُعَدُّ من أهمّ الأبحاث في هذا الموضوع.

يذهب جميع المسلمين إلى القول بعصمة الأنبياء. بَيْدَ أن المتكلِّمين الإسلاميّين في ما يتعلَّق بعصمة الأنبياء قبل البعثة ينقسمون إلى قسمين: فمنهم مَنْ قال بعصمة الأنبياء حتّى قبل البعثة؛ ومنهم مَنْ أنكر عصمتهم قبل البعثة.

وفي ما يلي نبحث رأي الشيعة؛ لنعمل في ضوء تعريفهم للعصمة على تقييم دائرة العصمة قبل البعثة من وجهة نظرهم، ونقوم بتحليل ومناقشة أدلّة العصمة؛ لكي نثبت عصمة الأنبياء حتّى في مرحلة ما قبل البعثة.

كما سنعمل على فهرسة الآيات التي تسبَّبت بظهور شبهة عدم عصمة النبيّ الأكرم| قبل بعثته، طبقاً لرؤية الشيعة والأشاعرة بحَسَب ترتيب النزول؛ بغية بحثها ومناقشتها بشكلٍ مقارن بين المفسِّرين الشيعة.

وبذلك سيكون أسلوب التحقيق في هذه المقالة قائماً على التوصيف والتحليل المقارن، ومن وجهة نظرٍ قرآنيّة بَحْتة.

لقد سبق أن تمّ العمل على المقارنة بين الآراء بشأن عصمة الأنبياء، طبق الأسلوب المقارن. وقد ألَّف علماء الإسلام الكثير من الكتب والمقالات القيِّمة في هذا الموضوع، من قبيل: المقالات والكتب الكلامية المقارنة التي كتبها الدكتور محمد خاني. وأما هذه المقالة فقد تمّ تخصيصها لبحث عصمة النبيّ الأكرم| قبل البعثة، طبق منهج التفسير الموضوعي المقارن للقرآن الكريم من وجهة نظر المفسِّرين الشيعة؛ وذلك بغية إثبات عصمة النبيّ الأكرم| في هذه المرحلة (قبل البعثة) بأدلّةٍ قرآنية مُحْكَمة.

بيانٌ للمفاهيم الأساسيّة

أـ العصمة

1ـ في اللغة

إن كلمة العصمة اسم مصدر من مادة (عَصَمَ)، وقد ذُكرَتْ لها عدّة معانٍ، ومنها:

ـ تحقّق الحفظ والدفاع.

ـ الحفظ والحماية.

ـ القيد، وهو مأخوذٌ من العصام، بمعنى القلادة والحبل الذي يتمّ به تقييد الكائن، وحبسه، ومنعه من الحركة([3]).

ـ المنع وما يرادف المنع من الألفاظ، من قبيل: «مَنَعَ»، و«وَقَى»، و«اكتسب»([4]).

وعليه فإن المشهور بين اللغويّين في معنى العصمة هو المنع والإمساك.

2ـ في مصطلح المتكلِّمين والمفسِّرين

ـ قال الشيخ المفيد، وهو من المتكلِّمين الشيعة: «العصمة من الله تعالى لحججه هي التوفيق واللطف والاعتصام من الحجج بها عن الذنوب والغلط في دين الله تعالى»([5]).

3ـ في القرآن الكريم

يُستفاد من استعمال مفردة العصمة ومشتقّاتها في القرآن الكريم مفهوم المنع من الذنب أو العذاب الإلهيّ والحفظ من الخطر:

1ـ الحفظ من الخطر، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ…﴾ (المائدة: 67).

ذهب الكثير من المفسِّرين من أهل السنّة وأوائل المفسِّرين في الإسلام إلى القول بأن معنى «يعصمك من الناس» هو صَوْن وحفظ النبيّ الأكرم| من الأخطار التي تستهدفه من قِبَل المخالفين والأعداء، ومن بينهم: اليهود([6]).

وقد ذهب عددٌ من مفسِّري الشيعة ـ بالإضافة إلى الرأي المذكور ـ إلى تطبيق هذه المسألة على واقعة غدير خمّ، ونقل روايات عن الإمامين الباقر والصادق’، والقول بأن معنى «يعصمك من الناس» أي يحفظ النبيّ| من الناس عند الإعلان عن خليفته (في إبلاغ رسالته)([7]).

2ـ المنع من العذاب الإلهيّ: قال تعالى حكايةً عن ابن نوحٍ لوالده×: ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ…﴾ (هود: 43).

قال المفسِّرون من الفريقين: إن كلتا المفردتين المستعملتين في هذه الآية، وهما: «يعصمني؛ وعاصم»، قد استعملتا بمعنى المنع من العذاب الإلهيّ([8]).

كما ورد استعمال كلمة «عاصم» في موضعين آخرين من القرآن الكريم بمعنى الحفظ من العذاب الإلهيّ أيضاً([9]).

3ـ المنع من الذنب والمعصية: ففي قصّة النبيّ يوسف، قال تعالى، حكايةً عن زليخا في ذلك المجلس الذي أعدَّته لتعريف نساء مصر بالنبيّ يوسف×: ﴿قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾ (يوسف: 32).

إن كلمة «فاستعصم» في هذه الآية بمعنى الامتناع؛ إذ بالنظر إلى الآيتين اللاحقتين يُفْهَم أن النبيّ يوسف× في مناجاته مع الله يرى أن الله سبحانه وتعالى هو «العاصم» الحقيقيّ، وأنه «مستعصمٌ».

كما لم يَرِدْ استعمال الفعل (عصم) في الآيات الأخرى من القرآن الكريم منسوباً إلى الإنسان، وإنما الذي يتمّ استعماله بالنسبة إلى المخلوق هو (الاعتصام) و(الاستعصام). ومن ذلك على سبيل المثال:

ـ ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (آل عمران: 101).

ـ ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً﴾ (النساء: 175)([10]).

إن الذي يُفْهَم من ظاهر آيات القرآن الكريم هو أن العصمة للأنبياء والمعصومين^ تفضُّلٌ من قِبَل الله، وهو المتَّصف بالحكمة. فأن يخصّ الله العصمة ببعض الناس يجب أن يستند هذا الاختصاص إلى وجود فضيلةٍ ورجحانٍ في ذواتهم، حتّى استوجب ذلك اجتباؤهم واختيارهم من قِبَل الله سبحانه وتعالى، دون غيرهم:

ـ ﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (الدخان: 32).

ـ ﴿وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ﴾ (ص: 47).

إن الله سبحانه وتعالى، بالإضافة إلى بيان مفهوم العصمة للأنبياء، قد استعمل العصمة لأشخاصٍ آخرين. وفي معرض إثبات عصمة المعصومين^ يقدِّم أدلّةً سوف نأتي على ذكرها في الموضع المناسب.

4ـ في الروايات

لم يكن النبيّ الأكرم| ـ طبقاً لروايات الشيعة ـ في مقام بيان التعريف اللغويّ والعُرْفي للعصمة؛ إذ لم تكن هذه الكلمة غريبةً عن المسلمين الأوائل. بَيْدَ أنه؛ لإيضاح مفهوم العصمة، كان بصدد بيان خصائص المعصومين والتعريف بمصاديقهم.

وقد ذكر الأئمّة الأطهار^ ـ بعد عصر النزول ـ، وفي ضوء إثارة الأبحاث والمسائل الكلامية والعقليّة، بعض التعريفات لبيان مفهوم العصمة، ومن ذلك: ما رُوي عن الإمام الصادق× أنه قال: «المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (آل عمران: 101)»([11]).

يمكن لنا أن ندرك، من خلال قراءة التقارير الواردة عن سيرة أصحاب رسول الله|، أنهم كانوا يقولون بالعصمة المطلقة للنبيّ الأكرم|، وأن النبيّ الأكرم لم يصدر عنه أيّ ردعٍ لهم في هذا الشأن. وكما نعلم فإن تقرير وسكون النبيّ الأكرم| وعدم ردعه عن أمرٍ يدلّ على صحّة ذلك الأمر.

ب ـ النبوّة

إن النبوّة مشتقّةٌ من النبأ، بمعنى الإخبار. ولا يطلق النبأ إلاّ على الخَبَر جمّ الفائدة، والصادر عن الله، وخبر النبيّ، والخبر المتواتر المجرَّد عن الكذب، والخبر المُورِث لليقين([12]).

وفي المصطلح يُطْلَق لفظ «النباوات» على الأمكنة المرتفعة.

ومن هذه الناحية يأتي إطلاق لفظ النبوّة لبيان الناحية المعنوية السامية للأنبياء على سائر البشر([13]).

إن النبوة أصلٌ من أصول الدين الإسلامي، وإن الإيمان بنبوّة النبيّ الأكرم| والأنبياء السابقين^ يُعَدُّ من شرائط الإسلام. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الأمر في الكثير من المواضع، ومن ذلك: قوله تعالى: ﴿قُولُوا آَمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (البقرة: 136).

إن النبوّة مقامٌ يخصّ به اللهُ بعضَ الأشخاص الصالحين والمنتجبين؛ ليقوموا بمهمّة إبلاغ الدين السماوي وتعاليمه إلى الناس. وقد بعث الله لهداية الناس أربعة وعشرين ومئة ألف نبيٍّ، أوّلهم أبونا آدم× وآخرهم النبيّ محمد|. ويُطلق على أصحاب الشرائع والقوانين السماوية الخاصّة والرسالة الشاملة لجميع العالم مصطلح «أولو العزم». وهم ـ طبقاً لصريح القرآن الكريم ـ خمسة أنبياء: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً﴾ (الأحزاب: 7). يقول الشيخ جوادي الآملي: «إن سرّ دوران رحى الوَحْي والنبوّة حول محور رسالة الأنبياء من أولي العزم^ هو أن نبوة هؤلاء عامّة للجميع، وأما سائر الأنبياء الآخرين فهم حافظون لشرائعهم»([14]).

وفي بيان الفَرْق بين الرسول والنبيّ نقرأ في بعض الروايات أن أبا ذرّ الغفاري سأل رسول الله| فقال: [قلتُ]: يا رسول الله، كم النبيّون؟ قال: «مئة ألف وأربعة وعشرون ألف نبيّ»؛ قلتُ: كم المُرْسَلون منهم؟ قال: «ثلاث مئة وثلاثة عشر جمّاً غفيراً»؛ قلتُ: مَنْ كان أوّل الأنبياء؟ قال: «آدم×»؛ قلتُ: وكان من الأنبياء مُرْسَلاً؟ قال: «نعم…»؛ قلتُ: يا رسول الله، كم أنزل الله تعالى من كتابٍ؟ قال: «مئة كتاب وأربعة كتب: أنزل الله تعالى على شيث× خمسين صحيفةً، وعلى إدريس× ثلاثين صحيفةً، وعلى إبراهيم× عشرين صحيفةً، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان…»([15]).

وفي روايةٍ أخرى سُئل الإمام الباقر× عن الفَرْق بين الرسول والنبيّ والمُحَدَّث؟ فقال: «الرسول الذي يأتيه جبرئيل قُبُلاً، فيراه ويكلِّمه، فهذا الرسول؛ وأما النبيّ فهو الذي يرى [مَلَك الوحي] في منامه…؛ وأما المُحَدَّث [بفتح الدال] فهو الذي يُحَدَّث فيسمع، ولا يعاين ولا يرى في منامه»([16]).

ومن بين هذه الروايات نجد أن قوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلاَئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً﴾ (الإسراء: 95) يتضمّن الفرق الذي تقدّم بيانه في الحديث الوارد في التفريق بين الرسالة والنبوة([17]).

إذن اتّضح أن هناك فَرْقاً بين النبيّ والرسول. ولكنْ قد يحدث في بعض الموارد أن تجتمع النبوّة والرسالة في شخصٍ واحد([18]).

ويُستفاد من القرآن الكريم أن النبيّ والرسول يضطلعان بإبلاغ الرسالة الإلهيّة، بَيْدَ أن للرسول مهمّةً خاصّة. ومن هنا فإن الحجّة تتمّ بإرسال الرُّسُل، وإن الأمّة المتمرِّدة والمتكبِّرة والمتجبِّرة تكون بعد إرسال الرسول مستحقّةً للعذاب والعقاب، قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ (الإسراء: 15)([19]).

وقد يستعمل الرسول في القرآن الكريم لغير المعصومين أيضاً، كما هو الحال بالنسبة إلى الرسول الذي بعثه ملك مصر إلى النبيّ يوسف×([20]).

إن المراد من الأنبياء في هذه المقالة هو الأنبياء الإلهيّين، الأعمّ من الرسول منهم والنبيّ. والفرق بين هاتين الكلمتين لا يؤثِّر كثيراً في مفهوم العصمة؛ وذلك لأن النبيّ الأكرم| كان يمتلك كلا المقامين (النبوّة والرسالة).

ج ـ بعثة الأنبياء

قال الراغب الإصفهاني: إن البعث على قسمين: البعث البشريّ، أو الذي يصدر من ناحية الإنسان، من قبيل: بعث البعير، وبعث الإنسان في حاجةٍ؛ والبعث الإلهيّ، وهذا البعث الإلهيّ بدَوْره يكون على ضربين، وهما: أـ البعث بمعنى الإيجاد؛           ب ـ إحياء الموتى([21]).

وحيث قال الله تعالى: ﴿فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ (البقرة: 213)، فإن سرّ التعبير عن تكليف الأنبياء بـ «البعث»، دون «الإرسال»، هو أن الناس كانوا في الأزمنة الأولى يعيشون في سباتٍ وخمود، حتّى جاءهم الأنبياء بالوَحْي؛ ليخرجوهم من هذه الحالة، ويأخذوا بأيديهم إلى حيث الهداية إلى السعادة والكمال.

إن استعمال كلمة «البعث» إنما يقع حيث يكون الشخص نائماً فيتمّ إيقاظه، أو جالساً فيتمّ استنهاضه. ويستفاد من إسناد هذا البعث إلى الله أن الأنبياء كانوا معصومين في أخذ الوَحْي وإبلاغه إلى الناس([22]).

قال الإمام عليّ بن موسى الرضا×: «فإن قال [السائل]: فلِمَ وجب عليهم معرفة الرُّسُل، والإقرار بهم، والإذعان لهم بالطاعة؟ قيل: لأنه لمّا لم يكن في خلقهم وقولهم وقواهم ما يكملون لمصالحهم، وكان الصانع متعالياً عن أن يرى، وكان ضعفهم وعجزهم عن إدراكه ظاهراً، لم يكن بُدٌّ من رسولٍ بينه وبينهم، معصومٍ يؤدّي إليهم أمره ونَهْيه وأَدَبه، ويوقفهم على ما يكون به إحراز منافعهم ودفع مضارّهم؛ إذ لم يكن في خلقهم ما يعرفون به ما يحتاجون إليه من منافعهم ومضارّهم، فلو لم يجب عليهم معرفته وطاعته لم يكن لهم في مجيء الرسول منفعةٌ ولا سدُّ حاجةٍ، ولكان يكون إتيانه عَبَثاً لغير منفعةٍ ولا صلاحٍ، وليس هذا من صفة الحكيم الذي أتقن كلّ شيءٍ»([23]).

وبالنظر إلى أهمِّية موقع النبيّ الأكرم| بين الأنبياء الآخرين، وحيث شكَّلت بعثته بالنبوّة إلى العالمين منعطفاً في الحياة المباركة، يتمّ تقسيم حياته إلى قسمين، وهما: مرحلة ما قبل البعثة؛ ومرحلة ما بعد البعثة.

وبناءً على المشهور من الأقوال فإن النبيّ الأكرم| قد بُعث في السابع والعشرين من شهر رجب (عام 610م)([24])، عندما بلغ من العمر أربعين سنة.

ومن هنا فإن هذه الدراسة تسعى إلى إثبات أو مناقشةٍ مقارنة لمسألة العصمة في مرحلة ما بعد ولادة رسول الله|، منذ عام 570 للميلاد وحتّى عام 610 للميلاد. وقد حظيَتْ هذه المرحلة من حياة النبيّ الأكرم باهتمام الكثير من المؤرِّخين والمحقِّقين.

الأصول الهامّة لعصمة الأنبياء في القرآن الكريم

أـ اختيار وإرادة المعصومين (عليهم السلام)

يذهب الإماميّة إلى الاعتقاد بأن المعصوم مكلَّفٌ بإطاعة تعاليم الله سبحانه وتعالى، وأن تركيبته الجَسَدية مثل التركيبة الجَسَدية لسائر الناس، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ…﴾ (الكهف: 110)([25]). وإن العصمة مَلَكةٌ إذا حصل عليها الشخص فإنه سوف يُدرك التَّبِعات المترتِّبة على المعصية بكلّ وجوده([26]). غاية ما هنالك أنهم، بالإضافة إلى قولهم باختيارية العصمة، يرَوْن أن العصمة هبةٌ إلهيّة قد خصَّهم الله بها؛ فقد ورد في المأثور عن الإمام الصادق×، بشأن المواهب التي خَصَّ بها الله أنبياءَه، أنه قال: «إن الله عزَّ وجلَّ اختار من وُلْد آدم أناساً طهَّر ميلادهم، وطيَّب أبدانهم، وحفظهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء، أخرج منهم الأنبياء والرُّسُل، فهم أزكى فروع آدم. فعل ذلك لا لأمر استحقّوه من الله عزَّ وجلَّ، ولكنْ عَلِمَ الله منهم حين ذرأهم أنهم يطيعونه ويعبدونه، ولا يشركون به شيئاً، فهؤلاء بالطاعة نالوا من الله الكرامة والمنزلة الرفيعة عنده»([27]).

ويرى العلاّمة الطباطبائي أن «العصمة» نتيجة علم المعصوم بتَبِعات المعصية؛ بمعنى أن فهم وإدراك المعصومين لآثار الذنوب والمعاصي بحيث يجعلهم ذلك غير مقهورين للقوى البشريّة الأخرى، وإنما هم يسيطرون عليها»([28]).

كما رُوي عن النبيّ الأكرم| أنه قال: «تنام عيناي، ولا ينام قلبي»([29]).

ب ـ الفَرْق بين عصمة الأنبياء وغيرهم

يذهب الشيعة إلى الاعتقاد بأن مَلَكة العصمة ليست ذاتيّةً أو منحصرةً، بل هي اختياريّةٌ، أي إن بمقدور غير الأنبياء وأئمّة الدين أن يحصلوا على هذه المَلَكة أيضاً. ويُستَدَلّ على ذلك بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً…﴾ (الأنفال: 29). ولذلك يمكن الحصول على مَلَكة العصمة من خلال العمل على تهذيب النفس ورعاية التقوى([30]).

وعلى الرغم من الاعتقاد بعصمة جميع الأنبياء، إلاّ أنهم لا يرَوْن العصمة ملازمةً للنبوّة، بحيث لا تكون هناك عصمةٌ إلا مع النبوّة، وإنما يقتصر الحَصْر على مقام النبوّة والرسالة والإمامة، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿…اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ…﴾ (الأنعام: 124)، وقال تعالى في وصف السيدة مريم العذراء÷: ﴿يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران: 42). ومن خلال استعمال كلمة «الاصطفاء» بشأن السيدة مريم العذراء÷ يتّضح أنها كانت معصومةً؛ إذ ورد استعمال كلمة «الاصطفاء» بشأن الأنبياء أيضاً.

كما يذهب الشيعة إلى الاعتقاد بعصمة الملائكة أيضاً. ولكنّهم يرَوْن أن عصمة الملائكة تختلف عن عصمة الأنبياء. يقول الشيخ جوادي الآملي في هذا الشأن: «إن عصمة الأنبياء والأئمّة^ ليست ذاتيّةً…؛ لأنها لو كانت ممتنعةً لذاتها لما صحّ التكليف بها؛ وأما الملائكة فليسوا مكلَّفين؛ لأن عصمتهم ذاتيّةٌ، وليست اختياريّةً. وفي العصمة الذاتية لا يوجد تكليفٌ واختيارٌ»([31]).

ج ـ الفَرْق بين المعصية وترك الأَوْلى

الأَوْلى لغةً يعني الأجدر والأنسب. وعليه يكون معنى ترك الأَوْلى هو ترك الأجدر والأنسب. وهذا المعنى في مصطلح علم الكلام يعني أن يتمّ تخيير الشخص بين أمرَيْن: أحدهما: حَسَنٌ؛ والآخر: أحسن، فيقوم بفعل الحَسَن، ويترك فعل الأحسن([32]).

لقد ورد في القرآن الكريم نسبة بعض حالات الزَّلَل إلى بعض الأنبياء. وقد فسَّرها المفسِّرون ـ بسبب قولهم بعصمة الأنبياء ـ بترك الأَوْلى([33]).

ومن ذلك، على سبيل المثال: تناول النبيّ آدم× من الشجرة المحظورة، كما ورد في الآية 121 من سورة طه([34])؛ وترك النبيّ يونس× للرسالة، على ما ورد في الآية 87 من سورة الأنبياء([35]).

د ـ مراتب وحدود العصمة

ليس هناك من شَكٍّ في اعتقاد المسلمين بأصل «عصمة الأنبياء»، فهي ثابتةٌ ومسلَّمةٌ.

وإن لمَلَكة العصمة درجاتٌ ـ كما هو الحال بالنسبة إلى النبوّة والإمامة والرسالة والولاية ـ، فهي ذات مراتب مشكِّكة، قال تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (البقرة: 253).

بَيْدَ أن هناك اختلافاً في الآراء حول مساحة العصمة؛ فقد ذهب الشيعة([36]) والمعتزلة([37]) إلى الاعتقاد بعصمة الأنبياء قبل البعثة وبعدها؛ في حين ذهب الأشاعرة إلى القول بعدم عصمة الأنبياء قبل البعثة([38]).

وإن الشيخ المفيد هو المتكلِّم الشيعيّ الوحيد الذي قال بإمكان صدور الصغيرة سَهْواً قبل البعثة، بما لا يخدش في اعتباره. واستثنى من ذلك خصوص النبيّ الأكرم|([39]).

وقال ابن بابويه، في معرض الحديث عن اعتقاد الشيعة في هذا الشأن: «اعتقادُنا في الأنبياء والرسل والأئمّة والملائكة ـ صلوات الله عليهم ـ أنهم معصومون مطهَّرون من كلّ دَنَسٍ، وأنهم لا يذنبون ذنباً، لا صغيراً ولا كبيراً، ولا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون. ومَنْ نفى عنهم العصمة في شيءٍ من أحوالهم فقد جهلهم. واعتقادُنا فيهم أنهم موصوفون بالكمال والتمام والعلم، من أوائل أمورهم إلى أواخرها، لا يوصفون في شيءٍ من أحوالهم بنقصٍ ولا عصيانٍ ولا جهلٍ»([40]).

كما أن الشيعة الذين ذهبوا إلى القول بالعصمة المطلقة للأنبياء قد اعتقدوا أيضاً بضرورة أن لا يكون في وجود الأنبياء ما يؤدّي إلى نفور الناس وابتعادهم عنهم، من قبيل: بعض الأمراض أو الصفات الروحيّة. ومن هنا قالوا: إن ابتعاد الناس عن النبيّ أيّوب× لم يكن بسبب المَرَض، وإنما بسبب فقره، وعدم معرفتهم بمنزلته([41]).

وقد ذهب التفتازاني ـ وهو من علماء الحنفيّة ـ إلى الادّعاء قائلاً [ما معناه]: «ذهب الشيعة إلى الاعتقاد بأن الأنبياء لا يصدر عنهم أيّ ذنبٍ، ولكنّهم قد يُظْهِرون الكفر تقيّةً»([42]).

كما قال بعض المتكلِّمين من أهل السنّة: إن بعض الأعلام، من أمثال: هشام بن الحكم ـ وهو من تلامذة الإمام الصادق× ـ، أجاز صدور الذنب من الأنبياء.

ولكنْ من خلال الرجوع إلى كتب علماء الشيعة يتّضح فساد هذا الادّعاء، وعدم استناده إلى دليلٍ.

ولو أُشْكِل على الشيعة بأن الذنوب الصغيرة وترك النوافل وارتكاب الذنوب سَهْواً لا يستوجب العذاب، بل يقلِّل من الثواب، أو يتسبَّب بترك المستحبّ، فكيف يكون ذلك مانعاً من قبول الناس لكلام الأنبياء؟

يقول الشيعة في الجواب: إن الذنوب الصغيرة؛ من حيث التمرُّد على أحكام الله تعالى، تُعَدُّ قبيحةً. ومن هذه الناحية لا فرق بين الذنوب الصغيرة والكبيرة. وإن الناس في جميع العصور يرفضون الخطأ والزَّلَل من الأنبياء مهما كان صغيراً. وعند مشاهدة أدنى خطأ صغيرٍ عن النبيّ لا يعود لدى الناس ثقةٌ واطمئنانٌ بكلامه. إن الذنوب الصغيرة وترك النوافل تقلِّل من مراتب الإنسان، والمتوقَّع من الأنبياء أن يكونوا في أعلى المراتب الإنسانية عند الله. وقيل في مورد سَهْو النبيّ: حيث يحظى الأنبياء بالقدرة الإلهيّة لا يجوز عليهم الخطأ والسَّهْو، وإنْ كان السَّهْو يرفع التكليف عن الناس العاديّين([43]).

الأدلّة القرآنية على عصمة الأنبياء (عليهم السلام)

يؤكِّد جميع المسلمين على وجوب عصمة الأنبياء من تعمُّد الكذب في ادّعاء الرسالة وتبليغ الوَحْي([44]).

وقد ذكروا أدلّةً على وجوب عصمة الأنبياء، وهي على قسمين: أدلّة عقليّة؛ وأدلّة نقليّة.

وحيث إن المصدر الرئيس في هذه المقالة هو القرآن الكريم فسوف نقتصر في هذا البحث على ذكر الأدلّة القرآنية في هذا الشأن، وإنْ كان بعضها يختصّ بالعصمة في مرحلة ما قبل البعثة؛ وبعضها الآخر يدلّ على وجوب العصمة بشكلٍ عامّ:

1ـ النبيّ مختارٌ من قِبَل الله سبحانه وتعالى: يُستفاد من بعض آيات القرآن الكريم أن العصمة التي تُعْطَى للأنبياء والأئمّة الأطهار^ هي نوعٌ من التفضُّل الإلهيّ والهبة الإلهيّة التي تُعْطَى لأشخاصٍ معيَّنين في ظروفٍ خاصّة. وقد أشار الله سبحانه وتعالى في الكثير من الآيات إلى اختيار الأنبياء من بين الصالحين، من خلال توظيف كلماتٍ ومفرداتٍ من قبيل: «الاصطفاء» و«الاجتباء».

ومن ذلك، على سبيل المثال: قوله تعالى:

﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران: 33).

﴿وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (الأنعام: 87).

﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ﴾ (ص: 46 ـ 47).

وقال الله سبحانه وتعالى في موضعٍ آخر من القرآن الكريم: إن الأنبياء قد بلغوا مقام المخلصين: ﴿…لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ (ص: 82 ـ 83؛ الحجر: 39 ـ 40).

وقال في بيان وصف النبيّ يوسف×: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ (يوسف: 24).

إن كلمة الاصطفاء تعني الحصول على الخالص من كلّ شيءٍ. قال الراغب الإصفهاني في بيان معنى الاصطفاء: «الاصطفاء: تناول صفو الشيء، كما أن الاختيار: تناول خيره، والاجتباء: تناول جبايته»([45]). وعليه فإن اصطفاء الله من بين الملائكة، ومن بين الناس، يعني أن الرسول هو الصافي والصالح لحمل أعباء الرسالة([46]).

والمُخْلِص (بكسر اللام) اسم فاعلٍ بمعنى الخالص، هو الذي أخلصه الله تعالى لنفسه، وهذا إنما يكون نتيجةً لسَعْيه وجُهْده في طريق الحصول على تخلُّصه من جميع أنواع الأدران والشوائب.

ولهذا السبب فإن جميع وجود الأنبياء المخلصين مرتبطٌ ومتعلِّقٌ بالله، ولذلك فمن الطبيعي أن يكونوا مبرَّئين ومعصومين من الأخطاء والذنوب.

ولا شَكَّ في أن هذا المعنى يلازم العصمة؛ إذ ما لم يصل الإنسان إلى مقام المُخْلِص (بكسر اللام) لن يصل إلى مقام المُخْلَص (بفتح اللام) أبداً.

ولذلك فإن الأنبياء لا يبلغون هذا المقام ولا يستحقّون هذه الهبة والنعمة الإلهيّة إلاّ بعد اجتياز الصعاب والخروج من الاختبارات والابتلاءات الإلهيّة بنجاحٍ.

ويمكن القول: إن الأنبياء كانت لديهم أرضيّةُ الاستحقاق، حتّى كان لهم شرف الحصول على نعمة الاصطفاء واجتراح المعجزات وسائر الآيات الإلهيّة.

وهذا دليلٌ واضح على عصمة الأنبياء قبل البعثة.

وقد ذهب الشيخ الطوسي إلى القول بأن الاصطفاء يعني استخلاص الخالص من الشيء، وبذلك فقد اعتبر الأنبياء خالصين، واعتبر الآخرين مكدّرين([47]).

ومن هنا فإن المفسِّرين الشيعة يعتبرون هذه الآيات دليلاً على عصمة الأنبياء.

2ـ الوَحْي والحكمة ملاك عصمة النبيّ الأكرم|: قال تعالى في القرآن الكريم: ﴿…وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾ (النساء: 113).

إن المراد من الكتاب في هذه الآية هو الوَحْي، والمراد من الحكمة سائر المعارف الإلهيّة التي نزلت بواسطة الوَحْي، وكانت نافعةً للناس في أوضاعهم وحياتهم في الدنيا والآخرة. وإن المراد من قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ غير المعارف العامّة الموجودة في الكتاب والحكمة. ويمكن أن يكون المراد منه هو مَلَكة العصمة؛ إذ يبدو من ظاهر هذه الآية أن هذه العبارة في مقام تعليل قوله تعالى: ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ﴾؛ بمعنى أن السبب في عدم تمكُّن الناس من إضلال رسول الله أو الإضرار به يكمن في إنزال الكتاب وتعليم الحكمة، وهما الملاك في عصمة النبيّ الأكرم|. ومن هنا يتّضح أن مَلَكة العصمة هي نوعٌ من العلم والإدراك المغاير لسائر أنواع العلوم؛ إذ سائر العلوم قد تتغلَّب عليها سائر القوى الشعورية، بَيْدَ أن هذا العلم هو الغالب أبداً على سائر القوى، ويستخدم الجميع لمصلحته. ومن هنا يكون صاحبه معصوماً من جميع أنواع الضلالة والأخطاء. وهذا العلم يحصل من طريق الاكتساب والتعلُّم([48]).

3ـ إن الأنبياء هداةٌ مهديّون: تدلّ الكثير من آيات القرآن الكريم على أن الأنبياء مهديّون، وأن أفعالهم أسوةٌ حَسَنة، ويجب الاستفادة من نور هدايتهم، واتّباع هَدْيهم: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ (الأنعام: 90).

وعليه فإن الطريق الوحيد للوصول إلى الهَدَف والغاية الرئيسة والأصليّة من الكمال الإنسانيّ تكمن في الاستعانة بالهداية الإلهيّة للأنبياء.

4ـ تزكية الناس وتربيتهم: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ (الصفّ: 2 ـ 3). طبقاً لهذه الآية؛ حيث يكون الأنبياء مسؤولين عن تبليغ الوَحْي والتعاليم الإلهية، يجب أن يكونوا من العاملين بالأوامر والأحكام الإلهيّة.

كما رُوي عن الإمام الصادق× أنه قال: «إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلَّتْ موعظتُه عن القلوب كما يزلّ المطر عن الصفا»([49]).

وعلى هذا الأساس؛ حيث إن الأنبياء مكلَّفون بتزكية وتربية الناس، وإيصال الأشخاص الكفوئين إلى غاية مراحل الكمال الإنسانيّ، يجب أن يكونوا هم أنفسهم قد بلغوا أعلى مراتب الكمال الإنسانيّ، وأن يكون معصومين من جميع أنواع الزَّلَل في الأفعال والأعمال([50]).

إن العقل لا يقبل لمَنْ به دَرَنٌ أن يدعو الآخرين إلى الطُّهْر والفضيلة([51]). إن سيرة حياة الواعظ، قبل وبعد خطبته، في غاية الأهمِّية بالنسبة إلى السامعين؛ لأنها تبيِّن مدى اهتمام الخطيب والتزامه بما يقوله لهم.

5ـ ورود الأمر في القرآن الكريم بالإطاعة المطلقة للأنبياء: قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ﴾ (النساء: 64). وعليه لو صدر الذنب عن النبيّ فمن البديهيّ أن يكون اتّباعه محرَّماً؛ لأن ارتكاب الذنب حرامٌ([52]). وإن الله سبحانه وتعالى لا يأمر باتّباع الباطل، ومن هنا فقد رُوي عن النبيّ الأكرم|، أنه قال: «لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق»([53]).

وبناءً على قولٍ آخر: لو جاز الخطأ على النبيّ، ومع ذلك يجب اتّباعه، كان الأمر باتّباعه في حالة ارتكابه للخطأ قبيحاً؛ بحكم العقل، وسوف يستلزم ذلك اجتماع الضدّين. وحيث أنه يتولّى رئاسة الأمّة فإنه إنْ أخطأ سوف يكون الترجيح من هذه الناحية ترجيحاً بلا مرجِّحٍ، وهو قبيحٌ([54]).

وكما سبق أن بيَّنَّا فإن الأنبياء قد بلغوا أعلى مراتب الكمال الإنساني؛ ليستحقّوا حمل أعباء الرسالة، وقد أمر الله بوجوب إطاعتهم مطلقاً. وعلى هذا الأساس، يمكن لسيرة حياتهم قبل البعثة أن تكون مثالاً يحتذي به الآخرون؛ من أجل الوصول إلى أعلى مراحل الكمال الإنسانيّ أيضاً.

6ـ استحقاق تلقّي الوَحْي وقيادة الأمّة: في ما يتعلّق بالقرآن الكريم قال تعالى: ﴿لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ﴾ (الواقعة: 79)؛ فإن النبيّ هو الذي يستطيع ويستحقّ تحمُّل تلقّي الرُّوح.

رُوي عن الإمام الحسن العسكري× أنه قال [ما مضمونه]: «لقد وجد الله النبي محمداً| مستعدّاً لتحمُّل أعباء مثل هذه الرسالة الثقيلة، ووجد قلبه من أكثر القلوب استعداداً، فأنزل على قلبه نور النبوّة»([55]).

لقد تمكَّن النبيّ إبراهيم الخليل× من اجتياز مراحل الاختبار والامتحان الإلهيّ، فتمكَّن بعد ذلك من الوصول إلى مرحلة استحقاق إمامة الأمّة وقيادتها، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾ (البقرة: 124).

وعليه؛ حيث إن العصمةَ لازمُ تلقّي الوَحْي من قِبَل الأنبياء، وإمامتهم على الأمّة، ويجب أن يكون النبيّ معصوماً من الاشتباه والخطأ ليصل إلى هذا المقام، يمكن اعتبار هذه الأدلّة القرآنية وذكرها في مقام إثبات العصمة قبل بعثة الأنبياء.

إن أمر القرآن باتّباع الصدِّيقين؛ حيث أمر الله المؤمنين بالتقوى الإلهيّة وأن يكونوا مع الصادقين، في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (التوبة: 119)، دليلٌ إضافي في المقام.

ويمكن تقرير الشكل المنطقيّ لهذا البرهان كما يلي:

ـ لو أمر الله بالتَّبَعية المطلقة لشخص كان هذا الأمر بمنزلة إثبات عصمته من الزَّلَل.

ـ لقد أمر الله بالتَّبَعية المطلقة للصادقين.

ـ إذن يجب أن يكون الصادقون معصومين من الخطأ والزَّلَل.

إن مصاديق الصدِّيقين في القرآن الكريم، على ما في سورة مريم، هم الأنبياء العظام، من أمثال: النبيّ إبراهيم×، والنبيّ إسحاق×، والنبيّ يعقوب×([56])، والنبيّ إسماعيل×([57])، والنبيّ إدريس×([58]).

7ـ الاطمئنان والوثوق بكلام الأنبياء^: نقرأ في القرآن الكريم أن كلّ ما يقوله الأنبياء إنما هو من وَحْي السماء، وأنهم لا ينطقون عن الهَوَى، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ (النجم: 3 ـ 4)، وقوله تعالى: ﴿وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ (يس: 52). وعليه فلو احتمل الكذب في حقّ النبيّ، بأن يتقوَّل على الله ما لم يقُلْه، فإن كلامه سوف يسقط عن الاعتبار بالمرّة([59]).

وكذلك لو عُرِف الشخص في حياته بالكذب فإنه حتّى لو صدق مرّةً لن يثق الناس بكلامه، ولن يكون أميناً من وجهة نظرهم. في حين جاء في سيرة النبيّ الأكرم| وسائر الأنبياء^ أنهم كانوا معروفين بين الناس حتّى قبل الرسالة والبعثة بالصدق والأمانة.

8ـ وجوب قبول شهادة الأنبياء^: قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ (البقرة: 143). وهناك آياتٌ أخرى بهذا المضمون([60]).

إن من شروط الشهادة العدالةَ؛ وذلك استناداً إلى الآية 135 من سورة النساء. فإذا لم يكن الأنبياء معصومين وعدولاً سوف تكون شهادتهم مردودةً، حتّى في الأمور اليومية والدنيوية، فكيف تُقْبَل شهادتهم في ما هو أخطر، من قبيل: أمور تخصّ الاعتقاد بالله ويوم القيامة أو أمور الدين الباقية إلى يوم القيامة؟!([61]).

فإذا كان النبيّ الأكرم| من الشهداء وجب أن لا يُخطئ في شهادته.

لا شَكَّ في أن الشهادة على حقائق أعمال الأمّة خارجةٌ عن قدرة الإنسان العاديّ، إلاّ إذا تمسَّك بحبل العصمة المتين، وتولّى الأمر بإذن من الله سبحانه وتعالى([62]).

9ـ لزوم المنع والزَّجْر: إن إيذاء النبيّ ـ طبقاً لنصّ القرآن في سورة الأحزاب ـ محرَّمٌ، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ﴾ (الأحزاب: 53)، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً﴾ (الأحزاب: 57). فلو لم يكن الأنبياء معصومين من الذنب والخطأ وجب على الآخرين منعهم من ارتكاب الذنب، وهذا الأمر يستوجب الزَّجْر ونوعاً من الإيذاء للأنبياء. في حين يقوم إجماع الأمّة على حرمة إيذاء النبيّ، ولَعْن الله لفاعله.

يُضاف إلى ذلك أن الأنبياء إذا احتاجوا إلى الوَعْظ والرَّدْع من قِبَل الآخرين ـ بَدَلاً من أن يكونوا هم الواعظين ـ فإن ذلك سوف يؤدِّي إلى نفور الناس منهم.

10ـ استحقاق مَنْ ينكر الأنبياء للعذاب الإلهيّ: قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ (النساء: 14). فالذي يتمرَّد على أوامر الله وسيرة النبيّ الأكرم سوف يكون مستحقّاً للعذاب الإلهيّ. فلو صدرت المعصية من قِبَل الأنبياء سيعني ذلك تعرُّض الناس للعذاب على مرحلتين:

فإن النبيّ إذا لم يكن معصوماً من الخطأ، وأراد الناس أن يعملوا على طبق الأحكام الإلهيّة، يكونون قد عصَوْا نبيَّهم ولم يتَّبعوه، وبذلك سوف يستحقّون العذاب الإلهيّ؛ بسبب عدم اتّباع النبيّ.

وإنْ هم أرادوا أن يسيروا على ذات الخطأ والذنب الذي ارتكبه نبيُّهم فسوف يكونون مستحقِّين للعذاب الإلهيّ أيضاً؛ بسبب مخالفتهم الأحكام الشرعية.

وهذا محالٌ ومجانبٌ للإنصاف.

11ـ الأنبياء منزَّهون عن الظلم: إن الذنب والمعصية ظلمٌ، في حين أن الأنبياء من الأشخاص الذين اصطفاهم الله، واجتباهم، وبرّأ ساحتهم من الظلم، حتّى استحقّوا النبوّة. قال تعالى في محكم كتابه: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ (آل عمران: 161)([63]).

إن الأنبياء إذا ارتكبوا المعصية سوف يستحقّون اللَّوْم والعذاب؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ (هود: 18). في حين أن الله سبحانه وتعالى لا يعطي زمام أمور الناس إلى الظالم، ومن ذلك قوله: ﴿…قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: 124). إن المراد من «الظلم» هنا هو مطلق الظلم، ولا يقتصر على الظلم في حقّ الآخرين فقط، بل الظلم يأتي (في مقابل العَدْل)، وقد ورد استعماله في المعنى الواسع للكلمة؛ فإن العدالة تعني وضع كلّ شيءٍ في موضعه. وعليه يكون معنى الظلم أن يضع الشخص فعلاً أو شيئاً في غير موضعه المناسب([64]).

وقد نقل العلاّمة الطباطبائي عن أستاذه، في معرض الاستدلال بهذه الآية على العصمة الدائمة للمعصومين^، قائلاً: «وقد سُئل بعض أساتيذنا (رحمة الله عليه): عن تقريب دلالة [الآية] على عصمة الإمام؟ فأجاب: أن الناس بحَسَب القسمة العقلية [الحَصْرية] على أربعة أقسام [لا خامس لها]: مَنْ كان ظالماً في جميع عمره، ومَنْ لم يكن ظالماً في جميع عمره، ومَنْ هو ظالمٌ في أوّل عمره دون آخره، ومَنْ هو بالعكس [بعكس] هذا. وإبراهيم× أجلُّ شأناً من أن يسأل الإمامة للقسم الأوّل والرابع من ذرّيته، فبقي قسمان، وقد نفى الله أحدهما، وهو الذي يكون ظالماً في أوّل عمره دون آخره، فبقي الآخر، وهو الذي يكون غير ظالمٍ في جميع عمره»([65]).

12ـ آية التطهير: وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ (الأحزاب: 33). إن تطهير أهل البيت من «مطلق الرِّجْس» ـ الأعمّ من الشرك والمعاصي والحَسَد والكفر وما إلى ذلك ـ يضمن عصمتهم.

وبالنظر إلى أن إرادة الله لا تتخلَّف، ولا سيَّما في هذه الآية التي تصدَّرت فيها كلمة «إنّما»، الدالّة على الحَصْر والتأكيد ـ بمعنى أن إرادة الله القطعية والحَتْمية قد تعلَّقت بتطهير أهل البيت من جميع أنواع الرِّجْس والذنوب والمعاصي ـ، فبمجرّد أن يكون الله قد أراد لهم العصمة فهذا يعني أن الله قد أعطاهم مقام «العصمة».

وقد ذهب المفسِّرون الشيعة إلى القول بأن المراد من «أهل البيت» في هذه الآية النبيُّ الأكرم|، والإمام عليّ×، والسيّدة فاطمة الزهراء÷، والإمامان الحسن والحسين’([66]). وحيث إن أهل البيت معصومون يجب أن يكون سائر الأنبياء أيضاً بريئين من التُّهَم الباطلة المنسوبة إليهم في بعض الكتب؛ إذ من المستبعد عن ساحة الله المقدَّسة أن يأمر النبيّ أن يتّبع غير المعصوم والمذنبين والخاطئين([67]).

وعليه؛ طبقاً لشمول الأدلّة القرآنية على إثبات عصمة الأنبياء، والاستدلال ببعض الأدلّة التي تشير تلويحاً إلى العصمة، يمكن القول: يجب أن يكون الأنبياء معصومين عن الخطأ والظلم والمعصية، قبل بعثتهم وبعد حملهم لأعباء الرسالة؛ ليؤدّي ذلك إلى تبليغ الرسالة والدعوة إلى الناس بالشكل المناسب واللائق، وأن يطمئنّ الناس إليهم.

المؤيِّدات الحديثيّة لعصمة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) قبل بعثته

على الرغم من تصريح القرآن الكريم بمسألة العصمة، إلاّ أنه لم يُشِرْ صراحةً إلى مسألة العصمة قبل بعثة النبيّ الأكرم|.

ولكنْ يمكن لنا في إثبات مدَّعانا ـ من الآيات القائمة على العصمة المطلقة ـ أن ندَّعي أن بعض الصحابة قد صرَّحوا بالعصمة للنبيّ الأكرم| قبل بعثته، وليس هناك دليلٌ على خلاف هذا المُدَّعى([68])؛ إذ ورد في المصادر الروائية ما يلي:

1ـ أشار الإمام عليّ× في رواياته ـ كما في الخطبة المعروفة بـ «القاصعة»، ذات المحتوى الأخلاقيّ والكلاميّ والاجتماعيّ، وهي من أطول الخُطَب في نهج البلاغة ـ ضمناً إلى عصمة النبيّ الأكرم| قبل البعثة، وأن الله سبحانه وتعالى قد وَكَّل الملائكة بتربيته ورعايته منذ اليوم الأوّل من ولادته: «لقد قرن الله به|، من لدُنْ أن كان فطيماً، أعظم مَلَكٍ من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره. ولقد كنتُ أتّبعه اتّباع الفصيل أَثَر أمِّه، يرفع لي في كلّ يومٍ من أخلاقه عَلَماً، ويأمرني بالاقتداء به»([69]).

2ـ هناك رواياتٌ في كتاب بحار الأنوار، تحت عنوان «الروايات المستفيضة»،، يُفهم منها أن الأنبياء كانوا مؤيَّدين منذ بداية حياتهم بروح القُدُس([70]).

تنزيه النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) قبل البعثة في الرؤية القرآنية

أـ شبهة الضلال

قال تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى﴾ (الضحى: 7).

بسبب اشتمال هذه الآية على كلمة «ضالاًّ» فقد ذهب بعضُهم، من أمثال: الكلبيّ، والسدّي، ومجاهد، إلى القول بكفر النبيّ الأكرم| قبل البعثة. واستدلّوا لذلك بآياتٍ من القرآن الكريم، من قبيل: الآية 52 من سورة الشورى، والآية 3 من سورة يوسف([71]).

وقد استعمل مثل هذا التعبير بالنسبة إلى الأنبياء الآخرين، مثل: النبيّ موسى بن عمران×([72]).

ويجب لرفع هذه الشبهة إما تأويل معنى كلمة «الضالّ»؛ أو تقدير كلمةٍ أخرى في العبارة.

وقد ذكر المفسِّرون إجاباتٍ مختلفةً عن هذه الشبهة، ومن بينها ما يلي:

1ـ لقد أفاد الشيخ الطوسي وبعض المفسِّرين الآخرين معاني أخرى للضلالة، أوصلها بعضٌ إلى خمسة وجوه؛ للإجابة عن الشبهة. ومن ذلك أن المراد منها عدم العلم بالنبوّة؛ أو أن المراد من الهداية وضع حدّ للضياع والحَيْرة في مرحلة وفترة انقطاع الوَحْي؛ أو أن المراد هو ضلال قوم النبيّ([73]).

2ـ قال السيد المرتضى: إن المراد من الآية هو: «وجدك ضالاًّ عن النبوّة فهداك إليها». وإن هذه الهداية والمهمّة كانت من أكبر النِّعَم على النبيّ الأكرم|. إذن يجب افتراض تقدير عبارةٍ في الآية قطعاً، كما قدَّر المثيرون للشبهات ـ بدَوْرهم ـ عبارة الضلال عن الدين والكفر أيضاً([74]).

3ـ قال العلاّمة الطباطبائي والشيخ السبحاني: على الرغم من أن معنى كلمة الضلال في اللغة والاستعمالات القرآنية يقع في مقابل الهداية؛ بَيْدَ أن جميع الناس ـ بمَنْ فيهم النبيّ الأكرم| ـ مدينون في هدايتهم إلى الله سبحانه وتعالى. وعليه إذا ورد التعبير في هذه الآية عن النبيّ الأكرم| بالضلال فهذا يعني أن هدايته ليست ذاتيّةً، وإنما يكتسب هذه الهداية من قِبَل الله سبحانه وتعالى. وهذا هو التوحيد الأفعاليّ لله سبحانه([75]).

4ـ قال الشيخ محمد هادي معرفة في الجواب عن هذه الشبهة: إن المراد من الضلالة هو حالة ضياع الإنسان في ما يتعلَّق بالعثور على الهداية. إن الإنسان لولا العناية والرعاية الإلهية لا يستطيع أن يطوي مراتب السَّيْر التكاملي([76]).

5ـ ذهب الشيخ ناصر مكارم الشيرازي إلى الاعتقاد بأن المراد في هذه الآية من الضلال أن النبيّ الأكرم كان غافلاً وغير عالمٍ بالوَحْي والقرآن والغَيْب([77]).

6ـ ذكر الشيخ جوادي الآملي المرادَ من هذه الآية من خلال نقله حديثاً عن مجمع البيان، يرويه الطبرسي، حيث قال: «عن أبي الحسن الرضا×، في قوله [تعالى]: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآَوَى﴾ (الضحى: 6)، قال: فرداً لا مثل لك في المخلوقين، فآوى الناس إليك. و﴿وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى﴾ (الضحى: 7)، أي ضالاًّ في قومٍ لا يعرفون فضلك، فهداهم إليك. و﴿وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى﴾ (الضحى: 8)، تعول أقواماً بالعلم، فأغناهم بك»([78]).

ب ـ شبهة الوِزْر والزَّلَل السلوكيّ

قال تعالى: ﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ (الشرح: 2). وقد استند بعض الأشخاص، من أمثال: قتادة، ومجاهد، إلى هذه الآية، وفهموا من استعمال كلمة الوِزْر في القرآن الكريم الذَّنْبَ والأعمال التي كانت تصدر عن النبيّ الأكرم قبل البعثة، واعتبروا هذه الآية نافيةً للعصمة([79]).

كما أنهم استندوا في فهمهم لهذه الآية إلى الآية 2 من سورة الفتح أيضاً، ولكنْ سيأتي أنه ليس المرادُ من الذنب في الآية 2 من سورة الفتح المعصيةَ.

قيل: إن الوِزْر يعني ثقل أعباء الرسالة الإلهيّة. وهذا المعنى يتطابق مع المعنى اللغويّ([80])، وسياق آية [شرح صدر النبيّ الأكرم| للقيام بمهامّ الرسالة]([81]).

وقد ذكر المفسِّرون بعض المعاني الأخرى لكلمة «الوِزْر» أيضاً.

وإن من بين الوجوه التي ذكرها العلاّمة الطباطبائي في معرض تفسير هذه الآية ما يلي:

1ـ هناك مَنْ أوَّل إنقاض الوِزْر بولاية أمير المؤمنين×.

2ـ المراد من الوِزْر ثقل استلام الوَحْي؛ إذ كان نزول الوَحْي في أوائل البعثة شديد الصعوبة على النبيّ.

3ـ المراد من الوِزْر تحيُّر النبيّ الأكرم| فيما إذا كان قد قام بالرسالة الإلهيّة كما ينبغي أم لا.

4ـ المراد من الوِزْر العَنَت الذي كان يصيب النبيّ الأكرم| في تجاوز العدوّ وإيذائه له.

5ـ المراد من الوِزْر حزن النبيّ على وفاة عمِّه أبو طالب ورحيل زوجته خديجة الكبرى.

6ـ المراد من الوِزْر ذنب أمّة النبيّ الأكرم|([82]).

وقد علَّق العلاّمة الطباطبائي على هذه الأقوال بقوله: «وهذه الوجوه؛ بعضها سخيفٌ؛ وبعضها ضعيف لا يلائم السياق، وهي بين ما قيل به، وبين ما احتُمِل احتمالاً»([83]).

وأما المراد بوضع الوِزْر عن النبيّ الأكرم| ـ من وجهة نظر العلاّمة الطباطبائي ـ، على ما يفيده السياق، فهو إنفاذ دعوته وإمضاء مجاهدته في الله بتوفيق الأسباب؛ فإن الرسالة والدعوة وما يتفرَّع على ذلك هي الثِّقْل الذي حمله إثر شرح صدره([84]).

ج ـ شبهة الغفلة والضلال

قال تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ (يوسف: 3).

إن كلمة «الغافلين»، وتوجيه الخطاب في الآية إلى النبيّ الأكرم|، قد يخلق في الذهن هذه الشبهة، القائلة بأن النبيّ كان قبل الوَحْي والرسالة ضالاًّ، مثل قومه.

بَيْدَ أن المفسِّرين قد أجابوا عن هذه الشبهة بقولهم: إن القرآن الكريم قد احتوى على خطاباتٍ، وعلى قصصٍ من قبيل: قصة النبيّ يوسف×، ولم يكن النبيّ الأكرم| عالماً بها قبل تشريفه بمقام النبوّة، حتّى شملته رعاية الحقّ تعالى([85]).

كما أن النبيّ الأكرم| لم يكن ـ بناءً على الشواهد التاريخية ـ ضمن مذهب الضالِّين من قومه قطعاً([86]).

د ـ شبهة الكفر والشرك

قال تعالى: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ﴾ (الشورى: 52).

هناك مَنْ ذهب إلى اعتبار هذه الآية دليلاً على شرك النبيّ الأكرم| أو كفره قبل الرسالة([87]).

بَيْدَ أن معنى هذه الآية في الأصل: إنه قبل نزول القرآن لم يكن يعرف ما القرآن؟ ولم يكن له علمٌ بمضامينه وتعاليمه. وهذا التعبير لا يتنافى أبداً مع الاعتقاد التوحيدي للنبيّ، ومعرفته العالية، وعلمه بأصول العبادة، ومنتهى العبودية لله([88])؛ لأن عدم اعتقاد النبيّ بالشريعة يستوجب تدنِّي شأنه عن الناس، فكيف يمكن أن يكون الناس قبل البعثة متشرِّعين بدينٍ، ولا يكون النبيّ الأكرم| ـ الذي وصفه الله بالإنسان الكامل، وبرَّأه من كلّ نقصٍ ـ متَّبعاً لشريعةٍ أصلاً([89]).

ثمّ إن النبيّ الأكرم| كان قبل البعثة ـ طبقاً للشواهد التاريخية ـ يؤدِّي مناسك الحجّ، ويفتتح تناول الطعام بقول البسملة، وكان ملتزماً بالعبادات والأصول الأخلاقية([90]).

وقال الشيخ معرفة: إن المراد من قوله تعالى: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ﴾ أنه لولا هدايتنا لم تكن تملك من أمرك شيئاً. ومن هنا نجد القرآن الكريم يقول في موضعٍ آخر: ﴿…الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللهُ…﴾ (الأعراف: 43)([91]).

كما ورد ذكر هذه الشبهة في آيةٍ أخرى أيضاً، وهي قوله تعالى: ﴿…لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (الزمر: 65).

وقيل في الجواب عن شبهة نسبة الشرك إلى النبيّ الأكرم|: إن هذا الخبر يتضمَّن التهديد، ولا يمكن اعتباره غير متّجهٍ إلى عموم الأمّة؛ لأن الله يعلم أن النبيّ| يستطيع فعل ذلك، ولكنْ لا يصدر عنه مثل هذا الفعل([92]).

هـ ـ غفران الذنوب

قال تعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً﴾ (الفتح: 2).

لقد تمسَّك المنكرون لعصمة النبيّ الأكرم| بهذه الآية المباركة ـ من أمثال: مجاهد ـ؛ لإثبات أن هناك ذنوباً قد صدرَتْ عن النبيّ الأكرم قبل فتح مكّة وبعد فتحها، ولكي يقولوا: إن ذنوب ما قبل فتح مكّة تشمل الذنوب التي صدرَتْ عنه قبل الرسالة أيضاً؛ إذ ما لم يكن هناك ذنبٌ لن يكون هناك معنى للمغفرة.

وفي ما يلي ننقل أقوال علماء الشيعة في الجواب عن هذه الشبهة:

1ـ ذهب الشيخان الطوسي والطبرسي ـ في ضوء القول ببطلان الآراء القائلة بنسبة الذنب إلى النبيّ الأكرم| ـ إلى تأويل هذه الآية، والاعتقاد بأن الذنب المقصود في هذه الآية هو الذنوب السابقة واللاحقة للأمّة؛ حيث يغفر الله لهم بشفاعة النبيّ الأكرم|؛ أو أن المراد منه ذنوب قومه ـ من قبيلة قريش ـ، حيث منعوه من الدخول إلى مكّة المكرّمة([93]).

وهذا هو الذي ذهب السيد المرتضى إلى اختياره، وقال بأن إسناد الذنب إلى النبيّ الأكرم| في هذه الآية يأتي من باب المجاز والتوسُّع([94]).

2ـ لقد قال الشيخ جوادي الآملي: «إن العتاب الوارد في هذه الآية ليس موجَّهاً إلى النبيّ الأكرم|، وإنما المراد به أن يبلغ مسامع الأمّة، وترعوي عن غَيِّها. وهذا من قبيل: أن يقول الله: «أيها النبيّ، إنك إنْ أشرَكْتَ فسوف تحبط جميع أعمالك»([95]).

وذلك على سبيل قول الشاعر: «إيّاك أعني، واسمعي يا جارة»([96]).

وقال سماحته في موضعٍ آخر: «إن إسناد الذنب إلى الرسول الأكرم| إنما هو من قبيل: الجَرْي على ما يعتقده المشركون، كما هو الحال بالنسبة إلى إسناد الذنب إلى النبيّ موسى×، جَرْياً على معتقد آل فرعون؛ إذ يقول تعالى على لسانه: ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ (الشعراء: 14)؛ بمعنى أني بحَسَب ظنّ الأعداء مذنبٌ»([97]).

كما يرى الشيخ جوادي الآملي أن الاستغفار على نوعين:

أحدهما: الاستغفار للدفع، حيث يتمّ بواسطته المنع من الغفلة والذنب.

والآخر: الاستغفار للرفع، وبه يتمّ رَفْع ومَحْو الذنب المقتَرَف والمتحقِّق.

وحيث إن أهل بيت العصمة الأطهار مطهَّرون ومعصومون من الذنوب؛ بشهادة آية التطهير، يكون استغفارهم من النوع الدَّفْعيّ، دون الرَّفْعيّ. ولذلك كان الأئمّة المعصومون^ يعلمون العصمة من خلال مطالبتهم بالعفو والصفح والغفران([98]).

3ـ لقد ذهب العلاّمة الحلّي إلى القول بأن معنى الذنب، والمراد من غفران الذنب، هو نسخ أحكام أعداء النبيّ الأكرم|، وهم المشركون (من قريش). وبعبارةٍ أخرى: إن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول: بواسطة فتح مكّة، ودخول النبيّ الأكرم| إلى مكّة المكرّمة، قد أزَلْتُ وصمة العار التي كان الأعداء يسعَوْن إلى إلصاقها به([99]). ومن هذه الناحية ورد التعبير في هذه الآية بصيغة المفرد؛ لأن الآيات الأولى من السورة قد خصَّتْ هذا الفتح أو صلح الحديبيّة بالنبيّ الأكرم|، في حين أن الفوائد الكبيرة والواسعة التي ترتَّبَتْ على هذا الفتح قد شملَتْ جميع أصحاب النبيّ أيضاً.

4ـ هذا، وقد ذكروا أن عبادات المعصومين ـ طبقاً للروايات الواردة في كتب أهل السنّة والشيعة([100]) ـ لم تكن من أجل الصفح عن ذنوبهم، بل كانوا على الدوام شاكرين لله سبحانه وتعالى، وأن مفردة الذنب ليست لها حقيقةٌ شرعيّة، ورُبَما تمّ استعمالها في غير معناها الاصطلاحيّ واللغويّ([101]).

5ـ وقد حاول بعضُهم حلَّ هذه الشبهة من خلال نسبة الذنب المتقدِّم إلى النبيّ آدم×، والذنب المتأخِّر إلى أمّة النبيّ الأكرم|.

بَيْدَ أن هذا لا يصحّ؛ لأنه من خلال نَفْي الذنب عن نبيٍّ يقوم بنسبته إلى نبيٍّ آخر.

6ـ وهناك مَنْ فسّر الذنب بترك المستحبّات، وترك الأَوْلى.

7ـ وهناك مَنْ فهم من عبارة: «ليغفر لك الله» الدعاء؛ أي «غفر الله لك».

إلاّ أن السيد المرتضى ضعَّف هذه الأقوال([102]).

النتيجة

لقد ثبت، من خلال بيان الأدلّة القرآنية، أن الأنبياء ـ ومن بينهم: النبيّ الأكرم| ـ يجب أن يكونوا معصومين.

وإن عموم هذه الأدلة بحيث يمكن القول، في ضوء حكم القرآن، بعصمة الأنبياء^ والنبيّ الأكرم| قبل البعثة أيضاً.

وعلى هذا الأساس، تثبت نظريّة الإماميّة في القول بالعصمة المطلقة للأنبياء.

وقد تمَّتْ مناقشة الآيات ـ التي يُثير ظاهرها شبهة عدم عصمة النبيّ الأكرم| قبل البعثة ـ من وجهة نظر المفسِّرين الشيعة، وتمّ بذلك رفع الشبهة بشأن هذه الآيات، بل تمّ التعريف ببعض الآيات كدليلٍ على العصمة. وقد ذهب الجميع إلى تبرئة النبيّ الأكرم| من هذه الشبهات المذكورة في ذيل هذه الآيات. ويرى الشيعة أن طلب العفو والمغفرة من قِبَل النبيّ الأكرم ليس للعفو والمغفرة من الذنوب.

الهوامش

(*) أستاذٌ مساعدٌ في قسم التفسير وعلوم القرآن، وعضو الهيئة العلميّة، في مؤسَّسة الإمام الخمينيّ للتعليم والأبحاث.

(**) طالبةٌ في مرحلة الدكتوراه، في التفسير المقارن، في جامعة علوم ومعارف القرآن الكريم.

([1]) انظر: محمد هادي معرفت، تنـزيه أنبيا (تنـزيه الأنبياء): 80 ـ 82، إعداد: خسرو تقدّسي نيا، نشر نبوغ، قم، 1374هـ.ش. (مصدر فارسي).

([2]) انظر: السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 17 ـ 18، انتشارات الشريف الرضي، قم، 1377هـ.ش.

([3]) انظر: الخليل بن أحمد الفراهيدي، العين 1: 313، دار الهجرة، قم، 1405هـ.

([4]) انظر: محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس 8: 398 ـ 399، دار مكتبة الحياة، بيروت؛ محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، القاموس المحيط 4: 212، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1991م؛ ابن منظور، لسان العرب 9: 244 ـ 246، 1995م؛ أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب الإصفهاني، المفردات في غريب القرآن: 336، تحقيق: محمد خليل عيتاني، دار المعرفة، بيروت، 1412هـ؛ أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة 4: 331، دار الجيل، بيروت، 1991م.

([5]) محمد بن محمد بن النعمان المفيد، تصحيح اعتقادات الإمامية: 128، دار المفيد، بيروت، 1414هـ.

([6]) انظر: مجاهد بن جبر (ابن مصباح)، تفسير مجاهد 1: 200 ـ 201، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد السورتي، مجمع البحوث الإسلامية، إسلام آباد؛ محمد بن جرير الطبري، جامع البيان 6: 415، دار المعرفة، بيروت، 1412هـ.

([7]) انظر: عليّ بن إبراهيم القمّي، تفسير القمّي 1: 173 ـ 175، مؤسّسة دار الكتاب، قم، 1404هـ؛ الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 3: 344 ـ 345، ناصر خسرو، ط3، طهران، 1372هـ.ش ـ 1988م.

([8]) انظر: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 5: 249.

([9]) انظر: يونس: 27؛ غافر: 33.

([10]) انظر: محمد حسين فارياب، عصمت إمام در تفكُّر إماميّه تا پايان قرن پنجم هجري (عصمة الإمام في فكر الإماميّة حتّى نهاية القرن الخامس الهجريّ): 39 ـ 40، مؤسّسة الإمام الخميني للبحوث والتعليم، قم، 1390هـ.ش. (مصدر فارسي).

([11]) محمد بن عليّ بن الحسين (الصدوق)، معاني الأخبار 2: 132، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1361هـ.ش.

([12]) انظر: الراغب الإصفهاني، المفردات في غريب القرآن: 481.

([13]) انظر: السيد مصطفى الحسيني الدشتي، معارف ومعاريف 10: 667، دار المفيد، ط2، طهران، 1376هـ.ش. (مصدر فارسي).

([14]) انظر: عبد الله جوادي الآملي، تفسير تسنيم 12: 84، منشورات الإسراء (النسخة الإلكترونيّة)، قم، 1378هـ.ش. (مصدر فارسي).

([15]) العلاّمة محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 11: 32، دار إحياء التراث العربي، ط3، بيروت، 1403هـ؛ الصدوق، الخصال: 524، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1403هـ.

([16]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي (أصول الكافي) 1: 246، ترجمه إلى اللغة الفارسية: سيد جواد مصطفوي، الدار العلميّة الإسلامية، طهران، 1369هـ.ش؛ عبد الحسين الأميني، الغدير 5: 47، دار الكتاب العربي، ط4، بيروت، 1397هـ.

([17]) انظر: السيد محمد باقر الموسوي الهمداني، ترجمة تفسير الميزان 1، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط5، قم، 1374هـ.ش.

([18]) انظر: انظر: جوادي الآملي، أدب فناي مقرَّبان (أدب فناء المقرَّبين) 1: 119 ـ 120، منشورات الإسراء (النسخة الإلكترونية)، قم، 1388هـ.ش؛ ناصر مكارم الشيرازي، تفسير نمونه (التفسير الأمثل) 1: 440، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1374هـ.ش.

([19]) انظر: جوادي الآملي، أدب فناي مقرَّبان (أدب فناء المقرَّبين) 1: 121 ـ 122.

([20]) انظر: يوسف: 50.

([21]) انظر: الراغب الإصفهاني، المفردات في غريب القرآن 1: 287.

([22]) انظر: جوادي الآملي، تفسير تسنيم 10: 392 ـ 393 (مصدر فارسي).

([23]) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار 6: 59.

([24]) انظر: عزيز الله بيات، تاريخ تطبيقي إيران با كشورهاي جهان (التاريخ المقارن لإيران وبلدان العالم): 76، انتشارات أمير كبير، طهران، 1381هـ.ش. (مصدر فارسي).

([25]) وانظر: فصِّلت: 6.

([26]) انظر: جوادي الآملي، تفسير تسنيم 10: 91 (مصدر فارسي).

([27]) العلامة المجلسي، بحار الأنوار 10: 170.

([28]) العلاّمة محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 2: 134، 1423هـ.

([29]) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار 22: 27.

([30]) انظر: جوادي الآملي، وحي ونبوّت در قرآن (الوحي والنبوّة في القرآن): 208، منشورات الإسراء (النسخة الإلكترونية)، قم، 1381هـ.ش. (مصدر فارسي).

([31]) انظر: جوادي الآملي، نسيم أنديشه (نسيم الفكر)، الكتاب الثاني: 95، تحقيق: السيد محمود صادقي، منشورات الإسراء (النسخة الإلكترونية)، قم، 1387هـ.ش. (مصدر فارسي).

([32]) انظر: محسن احتشامي نيا وأمين خوش رفتار، إمام رضا× وترك أولاي أنبيا در قرآن (الإمام الرضا× وترك الأَوْلى من قِبَل الأنبياء في القرآن)، مجلّة سفينة، العدد 41: 26، السنة الحادية عشرة، شتاء عام 1392هـ.ش. (مصدر فارسي).

([33]) انظر: جعفر السبحاني التبريزي، منشور جاويد (الرسالة الخالدة) 7: 288 ـ 289، مؤسّسة الإمام الصادق×، قم، 1383هـ.ش. (مصدر فارسي).

([34]) انظر: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 7: 56.

([35]) انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 14: 314 ـ 315.

([36]) انظر: الصدوق، الاعتقادات في دين الإمامية: 117 ـ 118، ترجمه إلى اللغة الفارسية: السيد الحسيني، المطبعة العلمية، قم، 1412هـ.

([37]) انظر: سعد الدين التفتازاني، شرح العقائد النسفية 5: 51، مكتبة الكلِّيات الزهريّة، مصر، 1370هـ.ش.

([38]) انظر: الشريف علي بن محمد الجرجاني، شرح المواقف: 265، تصحيح: محمد بدر الدين النعماني الحلبي، انتشارات الشريف الرضي، قم، 1907م.

([39]) انظر: المفيد، تصحيح اعتقادات الإمامية: 129.

([40]) انظر: الصدوق، الاعتقادات في دين الإمامية: 117 ـ 118.

([41]) انظر: الصدوق، الخصال 1: 107، 400، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1403هـ.

([42]) انظر: سعد الدين التفتازاني، شرح العقائد النسفية: 89 ـ 90.

([43]) انظر: السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 29 ـ 32.

([44]) انظر: الجرجاني، شرح المواقف 3: 426.

([45]) الراغب الإصفهاني، المفردات في غريب القرآن 1: 585 (حرف الصاد).

([46]) انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 14: 409.

([47]) انظر: محمد بن الحسن الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 8: 571 ـ 572، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

([48]) انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 5: 78 ـ 80.

([49]) الكليني، أصول الكافي 1: 95، كتاب فضل العلم، الباب 13 (استعمال العلم)، ح3، دار الأضواء، ط1، بيروت، 1992م.

([50]) انظر: محمد تقي مصباح يزدي، آموزش عقايد (دروس في العقيدة) 2: 36 ـ 42، مؤسّسة التبليغ الإسلامي للطباعة والنشر، طهران، 1377هـ.ش. (مصدر فارسي).

([51]) انظر: معرفت، تنـزيه أنبيا (تنـزيه الأنبياء): 85، إعداد: خسرو تقدسي نيا، نشر نبوغ، قم، 1374هـ.ش. (مصدر فارسي).

([52]) انظر: الجرجاني، شرح المواقف 3: 428.

([53]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 2: 621، ح3214، تصحيح: علي أکبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1404هـ.

([54]) انظر: السيد علي الحسيني الصدر، العقائد الحقّة: 234، دار الغدير، 1428هـ.

([55]) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار 11: 205.

([56]) انظر: مريم: 50.

([57]) انظر: مريم: 54.

([58]) انظر: مريم: 56.

([59]) انظر: جوادي الآملي، وحي ونبوّت در قرآن (الوحي والنبوّة في القرآن): 213 (مصدر فارسي).

([60]) انظر: النساء: 41 و159؛ النحل: 84؛ الزمر: 69؛ الأعراف: 6؛ المائدة: 177.

([61]) انظر: الجرجاني، شرح المواقف 8: 265.

([62]) انظر: جعفر السبحاني التبريزي، عصمة الأنبياء في القرآن الکريم: 696، مؤسّسة الإمام الصادق×، قم، 1382هـ.ش.

([63]) الغُلول: الخيانة.

([64]) انظر: ناصر مكارم الشيرازي، تفسير نمونه (التفسير الأمثل) 1: 442.

([65]) العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 158. وانظر أيضاً: السيد محمد باقر الموسوي الهمداني، ترجمة تفسير الميزان 1: 274، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط5، قم، 1374هـ.ش.

([66]) انظر: جلال الدين السيوطي، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 6: 603 ـ 604، مكتبة السيد المرعشي النجفي، قم، 1404هـ.

([67]) انظر: جوادي الآملي، وحي ونبوّت در قرآن (الوحي والنبوّة في القرآن): 226 (مصدر فارسي).

([68]) انظر: محمد حسين فارياب، عصمت إمام در تفكُّر إماميه تا پايان قرن پنجم هجري (عصمة الإمام في فكر الإماميّة حتّى نهاية القرن الخامس الهجريّ): 103 (مصدر فارسي).

([69]) نهج البلاغة. وانظر أيضاً: ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة 13: 207 ـ 208، 1404هـ.

([70]) انظر: العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار 11: 54 ـ 61.

([71]) الفخر الرازي، التفسير الكبير 31: 197، 1420هـ.

([72]) انظر: الشعراء: 20.

([73]) انظر: الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 10: 369.

([74]) انظر: السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 178 ـ 179.

([75]) انظر: السبحاني التبريزي، عصمة الأنبياء في القرآن الکريم: 271؛ العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 20: 311.

([76]) انظر: معرفت، تنـزيه أنبيا (تنـزيه الأنبياء): 109 ـ 111 (مصدر فارسي).

([77]) انظر: مكارم الشيرازي، تفسير نمونه (التفسير الأمثل) 27: 103.

([78]) انظر: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 10: 766؛ جوادي الآملي، وحي ونبوّت در قرآن (الوحي والنبوّة في القرآن): 275 (مصدر فارسي).

([79]) انظر: الطبري، جامع البيان 30: 150.

([80]) انظر: الفراهيدي، العين 7: 380.

([81]) انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 20: 315.

([82]) انظر: السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 191.

([83]) العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 20: 176.

([84]) انظر: المصدر نفسه؛ السيد محمد باقر الموسوي الهمداني، ترجمة تفسير الميزان 20: 531 ـ 532.

([85]) انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 11: 76.

([86]) انظر: معرفت، تنـزيه أنبيا (تنـزيه الأنبياء): 109 ـ 114 (مصدر فارسي).

([87]) نقلاً عن: العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار 18: 247.

([88]) انظر: مكارم الشيرازي، تفسير نمونه (التفسير الأمثل) 20: 505.

([89]) انظر: محسن تنها، بررسي دين پيامبر أعظم پيش أز بعثت (التحقيق في دين النبيّ الأعظم قبل البعثة): 50، مؤسّسة الإمام الخميني للتعليم والبحوث، 1388هـ. (مصدر فارسي).

([90]) انظر: يعقوب جعفري، تاريخ إسلام أز منظر قرآن (تاريخ الإسلام من وجهة نظر القرآن): 64، منشورات المعارف، قم، 1384هـ.ش. (مصدر فارسي).

([91]) انظر: معرفت، تنـزيه أنبيا (تنـزيه الأنبياء): 113 (مصدر فارسي).

([92]) انظر: السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 198.

([93]) انظر: الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 9: 314 ـ 315؛ الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 9: 168.

([94]) انظر: السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 193.

([95]) انظر: جوادي الآملي، نسيم أنديشه (نسيم الفكر)، الكتاب الثاني: 107 (مصدر فارسي).

([96]) الكليني، الكافي 2: 630، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1365هـ.ش؛ العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار 9: 222.

([97]) انظر: جوادي الآملي، وحي ونبوّت در قرآن (الوحي والنبوّة في القرآن): 275 (مصدر فارسي).

([98]) انظر: جوادي الآملي، سيره پيامبران در قرآن (سيرة الأنبياء في القرآن) 9: 42، منشورات الإسراء (النسخة الإلكترونية)، قم، 1383هـ.ش. (مصدر فارسي).

([99]) انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 18: 385.

([100]) انظر: العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار 17: 76 ـ 89.

([101]) انظر: جعفر الأنواري، لغزش ناپذيري پيامبران در قرآن (عصمة الأنبياء في القرآن): 242 ـ 244، مؤسّسة الإمام الخميني للبحوث والتعليم، قم، 1385هـ.ش. (مصدر فارسي).

([102]) انظر: السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 193 ـ 194.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً