أحدث المقالات
ترجمة: حيدر حب الله

أثارت هذه الدراسة نقد بعض الفقهاء، وعلى ضوء ذلك جرى حوار على الورق بين آية الله الطهراني وآية الله أبي طالب تجليل التبريزي، وقد وضعنا الدراسة، ثم أرفقناها بالحوار المذكور، رغبةً في تناول الآراء وردّها (التحرير).

معايير عامّة قرآنية في ترك الصلاة والصيام

«الصلاة» هذه اللغة القرآنية المشتقَّة من الصِّلاء بمعنى الوَقود، هي أفضل صِلاءِ نورٍ تبدِّد الظلمات الفانية وتجعل من المصلّي مصداقَ «اعبدْ ربَّك كأنَّك تراه وإن لم تكن تراه فإنّه يراك»، ولأنّك بين يديه وبحضرته على كلِّ حال.

وعلى هذا الأساس، كانت الصلاة عمود الدين وعماد اليقين، ولهذا عُدّ تاركها من المشركين والمكذِّبين بيوم الدين، الذين إذا سُئلوا: >مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ<؟ أجابوا: >لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ< (المدّثر: 42 ـ 46).

ولا تُترك هذه الصلاة أبداً؛ لكونها عَلَم العبودية وعلامتها الظاهرة والباطنة، عدا زمن الحيض والنفاس، بل وفي هذه الحالة أيضاً يجب على المرأة مواجهة القبلة متوضئةً، وأن تذكر الله بما يساوي المدَّة التي تستغرقها الصلاة؛ إذ لم تُمنع الحائض والنفساء إلاّ عن الصلاة الخاصّة، دون صِلاء النور، وهو الذكر.

وهذه العبادة الخاصّة، تعكس الجانب الإيجابي من التوحيد، أي «إلاّ الله»، فيما يعكس الصوم الجانب السلبي منه، أي «لا إله»، على أن الصوم يَحرم أثناء المرض، ولا يجب عند الحرج، إلى جانب مانعي: الحيض والنفاس.

لقد ذُكرت الصلاة في القرآن الكريم «99» مرةً، أي بعدد أسماء الله الحسنى، فكما تُظهر >وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى< المعاني والأوصافَ الربوبية الذاتية والفعلية، كذلك الأسماء الحسنى للصلاة تدلُّ على العبودية اللائقة به تعالى؛ فإن عبارة «أقم الصلاة» التي وردت في القرآن الكريم بأشكال مختلفة، تدلُّ على وجوب إقامة هذه الفريضة الإلهية الفريدة العظيمة، لا مجرّد أدائها، ويجب أن تكون إقامتها وِفق الموازين الشرعية من حيث الظاهر والباطن، والكمِّ والكيف، والوقت والشرائط، والأجزاء والمقدِّمات.

يجب إقامة الصلاة ما أمكن، ولا عذر أو مرض ـ سوى ما مرَّ ـ ينقص من كميّتها أو كيفيتها، إلاَّ في حالة طروّ واجب أهمَّ؛ مما يقصر ـ في هذه الحالة ـ من الصلاة بمقدار الضرورة، لا أن تُترك كُلِّياً.

وأخيراً؛ فهذا قانون قرآني وروائي وعقلي، يقضي بأن يرفع الواجبُ الأهمّ الواجبَ المهمَّ عند تعارضهما، أو يُنقص من كمِّه أو كيفه، كما هي الحال في الصلاة التي ينبغي أن تقام على كلّ حال، وإن في حال الغرق والاحتضار، حيث يكتفى أحياناً بتكبيرةٍ واحدة.

لنبحث في أبواب فقه الواجبات والمحرَّمات كافّة، فلن نجد واجباً أصغر له أولويَّة الفعل على واجبٍ أكبر منه، ولا حراماً أصغر له أولويَّة الترك على حرامٍ أكبر منه، فضلاً عن أوجب الواجبات ـ وهو الصلاة ـ أمام اللاّشيء مثل السفر.

وهنا يسارع السؤال التالي: لماذا يحرم الصيام ويُقصر من الصلاة في السفر بمجرّده، مع أن السفر ـ مهما كان بعيداً وطويلاً ـ لا يتعارض مع واجباتٍ بهذه الأهمية الكبرى، بحيث يؤدّي إلى ترك الصيام والتقصير في الصلاة كمّاً أو كيفاً؟

والإجابة عن هذا السؤال نجدها في القرآن الكريم على النحو التالي:

أمّا الصوم، فيسقط وجوبه في حالة الحرج وهو لـ >الذين يطيقونه<، ويحرم في حالة العسر وهو المرض المعسر >ولا يريد بكم العسر<، وأمَّا الصلاة، فتنقص كيفيّتها فقط، في الحالات التي يوجب إتمامها خطراً أو خوفاً، أو يكون ثمة محذور أقوى من إكمال كيفيّتها، فيجب اجتناب ذلك، ولا شيء سواه.

فالصوم ـ بشكل عام ـ لا يخلو من إحدى حالات ثلاث: الحالة العادية، وهي اليُسر، وحالة الحرج، وحالة العسر.

أ ـ أما الحالة العادية، فقوله: >يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ< (البقرة: 183)، و >يريد الله بكم اليسر<.

ب ـ وأمَّا حالة العسر، فتشمل من يشكّل الصومُ بالنسبة إليهم ضرراً؛ فهؤلاء يحرم عليهم أن يصوموا إطلاقاً؛ لأنّ صيامهم خلافٌ للتقوى كونه مضرّاً بهم، والله يقول: >وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ< (البقرة: 185).

وليس السفر الوارد هنا عقب المرض صِرف السفر فحسب، بل هو ذلك السفر الذي يستصحب العسر والضرر في الصيام فيه، كما يقول تعالى: >يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ< (البقرة: 185).

وهكذا المرض ليس بنفسه سبباً لترك الصوم، إلاّ عند العسر، فمن الأمراض ما هو من مخلَّفات كثرة الأكل، أو لا يضرُّ معه الصوم، بل قد ينفعه، إذاً فالعسر هو الموضوع الوحيد لحرمة الصيام، في سفرٍ أو حضر، في مرضٍ أو صحّةٍ وما أشبه.

ولا يراد من العسر في الصوم ـ خلافاً لما قد يُتصور ـ المشقَّة العادية، فإن لكلِّ صوم مشقّةً وتعباً، بل هو الضرر، يقول تعالى عن يوم القيامة: >فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ<(المدثر: 9)، فهل يعقل أن يكون المقصودُ بالعسر هنا الصعوبة العاديَّة والمشقَّة البسيطة، أم الضرر الفادح، مما يشمل العسر الفادح وما دونه، مما هو عسرٌ فوق الحرج؟

وفي باب التيمم بدل الوضوء والغسل، نجد أيضاً: >وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا< (المائدة: 6)، فإن الحكمة من عدم وجدان الماء للمريض هي عذر المرض، الذي لا يجوز معه الوضوء والغسل رغم وجود الماء، فالمراد بـ «لم تجدوا» هنا عدم الوجدان الصحّي.

أما بالنسبة للسفر، فليست حكمته ذات السفر، بل إنّ لفقدان الماء موضوعيّةً هنا؛ إذ لم يكن الماء موجوداً في الأسفار زمن نزول الوحي، لا سيما في بلاد الحجاز التي كانت أراضيها جافةً، وكان الناس يموتون ـ أحياناً ـ من شدَّة العطش، وهذا معناه أنّ عدم وجدان الماء هنا هو عدم وجدان أصلي وحقيقي.

كذلك الحال في الصيام، فقد كان اليُسر مفقوداً في السفر، إضافةً إلى الصعوبات الأخرى التي كانت تسبِّب العسر والضرر للصائم؛ بحيث لولا هذا العسر لما وجد ذلك الحكم من رأس؛ لذا لا يجوز ذلك السفر إلاّ عند الضرورة الفائقة.

ج ـ وبين الحالة العادية حيث لا عسر ولا حرج، وحالة الحرمة ـ حيث العسر ـ تأتي حالة الحرج، وهي قوله: >وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ< (البقرة: 184).

وتقوم هذه الحالة الوسطى التي لا يجب فيها الصيام ولا يحرم، على قاعدة: >ما جعل عليكم في الدين من حرج< (الحج: 78)، لكن أداءها ـ مع هذا ـ أفضل، لقوله تعالى: >فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ<، فهل يكون صوم الذين يطيقونه راجحاً غير محرّم، ويحرم الصوم الذي لا حرج فيه، لمجرَّد السفر الذي يكون أحياناً سبباً لمضاعفة القوّة والنشاط، وعلى الجملة لا عسر فيه ولا حرج، كما لهما حكمهما في الحَضَر كما السفر؟! هل إنَّ القليل أكثر من الكثير، بحيث يستحبُّ الصوم في حالة الحرج، لكنَّه يحرم في حالة السفر دون حرج؟!

وتأسيساً على ما مرَّ، يغدو العذر الوحيد الذي يُحرِّم الصيام منحصراً في العسر والضرر الذي يكون تركه أهمَّ من أداءِ الصيام، وما يخفّف من وجوب الصيام هو الحرج والإطاقة ولا شيء غير ذلك، أمّا العُسر فيحرّمه في سفرٍ أو حضر.

هذا هو حكم الصيام، وهو الأقلُّ وجوباً من الصلاة؛ فهل تنقص كميّة الصلاة في السفر حتى مع عدم العسر والحرج؟!

آية القصر ودلالتها الحقيقيّة

لا فرض أولى من إتمام الصلاة ولا شيء يؤثِّر على كيفيّتها ولا كمّيتها وعدد ركعاتها، عدا حالةٍ وحيدة، أشار إليها القرآن الكريم بقوله: >وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا< (النساء: 101).

ولا يعني الضرب في الأرض السفّر، فإنّ صيغته الخاصَّة نفس السفر، بل بينهما عمومٌ من وجه، قد تُسافر دون ضربٍ في الأرض، وقد تضرب فيها دون سفر، وقد يجتمعان ضرباً في سفر، فهنا مفعول الضرب محذوفٌ كالنفس والنفيس أن تضربهما في الأرض جهاداً في سبيل الله كما الآية قبلها، قال تعالى: >ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله..< وليس الضرب في الأرض في آياته إلاّ هكذا([1])، كما ونفس الضرب في الأرض وهو الشدة هو ضربٌ من الانتحار، ثم ولم يأت السفر نفسه بمعنى القتال، إذاً في حالة القتال والخوف قصرٌ من الصلاة وإن كنت في بلدك، وفي غيرها لا قصر مهما كنت مسافراً.

ثم قوله: «فليس عليكم جناح» جوابٌ للذين كانوا يتوهَّمون أنَّ الصلاة تجب من دون تخفيف حتى أثناء هجوم العدو وأمثال ذلك، ولو كانت أرواحهم في خطر، والحال أنّ الأمر ليس كذلك، فالصلاة تقبل التقليل من كيفيتها من باب أولوية الأهمَّ، وهو حفظ النفس، على المهمّ، وهو إتمامها، وذلك في حالةٍ واحدة فقط، وهي اتّقاء خطر العدو، فقد ورد التذكير في ذيل هذه الآية بخطر هجوم العدو في حالة صلاة الجماعة، فخطرٌ كهذا يدعو إلى التقليل من الجماعة بمقدار ما يحفظ المسلمون به أرواحهم، فيما يؤدّي بعضٌ آخر صلاتهم جماعةً، ومثل هذه الحرب لا وجود لها اليوم أيضاً.

وبغية تدارك النقص في كيفية الصلاة عند الخوف، جاء الأمر بالذكر المستمرّ بعده: >فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ الله قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ<(النساء: 103)، أما بعد حالة الخوف، وحيث كان القصر إنقاصاً من الكيفيّة الصلاتية، قال: >فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ<، أي أدَّوها على أحسن وجه بعد أن قصَّرتم من كيفيتها وشرائطها في زمن الخوف، وهذا يعني أنّ هناك تقابلاً بين حالة الخوف والاطمئنان، ولكلٍّ حكمه حسب النصّ، ولو ألحق بالخوف أمرٌ آخر أدنى منه لكان مقبولاً، أمّا إلحاق عدم الخوف والحالة العادية به فهو تناقضٌ بيّن، إذ هو يفترض إلغاء شرطية الخوف وما دونه بالمرّة! وعلى أية حال فالاطمئنان هنا عقب الخوف يعني زوال الخوف فقط.

ولعل سائلاً يسأل: لماذا لا ندع الصلاة عند الخوف إلى وقتٍ آخر فنؤديّها كاملةً بدلاً من إقامتها ناقصة نقصاً كيفيّاً؟

والجواب يُفهم من قول الله تعالى: >إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا< (النساء: 103)، فلو تعرّضت الصلاة في وقتها للخوف من هجوم العدو وأمثال ذلك، نقص من كيفيّتها بمقدار مواجهة الخطر والحيلولة دون وقوعه، وهو نقصٌ خاضعٌ للضرورة والخطر فقط، دون سواه، لا سيما في الحالة العادية، ولا شك في أنّه يجب ـ بعد الإطمئنان من زوال الخطر الذي سبَّب قصر الصلاة ـ أداء جميع الأجزاء والشرائط والكيفيّات.

كانت المسائل أعلاه في بيان حالة العسر والضرر، أما في حالة الحرج، وهي المشقّة في أداء العمل، فيسقط الوجوب فقط لا الجواز، حيث يكون أداء الواجب مع المشقَّة أفضل، بناءً على قاعدة: >فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ< (البقرة: 184)، بل: >وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ الله شَاكِرٌ عَلِيمٌ< (آل عمران: 158)، لكنّ الحرج غير واردٍ في عدد الركعات، وينحصر وروده في كيفية الصلاة فقط([2]).

وأخيراً؛ نشير إلى أنَّ الآية الأولى: >أن تقصروا من الصلاة< تخصّ القصر الكيفي، ولا حديث أبداً عن القصر الكمّي في قضية الخوف، أمّا الآية الأخرى: >فإذا اطمأننتم< فهي ترجع إقامة الواجبات وكيفيّتها من حالة القصر إلى حالة التمام، فلا يبقى بعد ذلك أيّ سبب أو علَّة وحكمة وراء القصر الكيفي، وعليه فنحن في مسألة الصلاة ندور بين الخوف واللاّخوف فقط؛ فكيف يُقبل ـ والحالة هذه ـ أن ننقص من صلواتنا الرباعية لمجرّد الابتعاد عن الموطن أو محلّ الإقامة بضعة كيلومترات، فتصير صلاتنا محكومةً بالبطلان والحرمة إن لم نقُم بهذا التقليص؟! فنجمع بين حالتي الخوف وعدمه في الحكم بقصر الصلاة، الأمر الذي يجعل القصر ثابتاً على كلّ حال بلا خصوصيةٍ للخوف المأخوذ في الآية حينئذٍ.

لا وجود اليوم للعسر أو الحرج في السفر؛ ولو وُجد الضرر والخطر أيضاً فليس ثمة خطر أو ضرر يُرفع بتقصير الصلاة، مهما أثر على كيفيتها، طبقاً لهذه الآية والآية الأخرى التي تقول: >حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى< وهي الصبح أو الظهر أو الجمعة أو الطواف، >وقوموا لله< أي في الصلاة خاصّة >قانتين<، أي خاضعين خاشعين في حالة إقامتها، >فإن خفتم< من أداء الصلاة قياماً >فرجالاً أو ركباناً<، أي فأقيموها راجلين وراكبين، >فإذا أمنتم< وزال خوفكم >فاذكروا الله كما علَّمكم< سابقاً >ما لم تكونوا تعلمون<، وهي الصلاة الكاملة التامّة التي تصلُّونها في أوقاتكم العاديّة، أي فإذا زال خوفكم فأقيموها على النحو الكامل التامّ الذي علّمكم الله إيّاه، فهل يصحّ لكم ذلك في غير الخوف أيضاً مثل السفر وما أشبه؟!

إن قوله تعالى: >إن خفتم..< في الآية السابقة هو المعيار الأساس لـ >أن تقصروا من الصلاة<، وذلك عند الخوف على النفس وما أشبه، سواءً أكان في السفر أو الحضر، لا من كميّتها بل من كيفيتها، ويقابله عدم الخوف في سفرٍ أو حضر؛ ففي هذه الآية يشمل مطلق الخوف العِرض والمال وغيرهما، ناهيك عن النفس، فنغضّ النظر عن المهمّ من أجل المحافظة على الأهمّ، فنقصُر شيئاً من الصلاة بغية حفظ النفس أو المال أو العرض أو العقل، وهذا بذاته تعبيرٌ عن الجمع بين الواجبين، حيث لا يُترك أيّ منهما.

فهل يصحّ ـ مع ذلك ـ القصر من الصلاة في السفر الذي لا خوف فيه ولا خطر ولا حرج، فنُحْدِث ثلمةً في ذلك الكيان الجميل والمهيب لأعظم الفرائض الإلهية وأهمّها، أي الصلاة، وليس في البين مزاحمٌ أوجب، بل ولا أيّ واجب أو راجح أو ترك محرَّم ولا أيُّ حرج أو عمل شاقّ؟! وهو ما كان سيسقط ـ على تقدير وجوده ـ وجوب الإتمام فحسب، دون استحبابه المؤكّد، اللهمّ إلاّ عند العسر.

إنّنا لم نعثر من بين الواجبات العامَّة والخاصَّة كافّة ولو على واجبٍ واحد بسيط سقط عن الوجوب دون رعاية الأهمّ منه؟ فما بالك بأن يصير إتمام الصلاة محرَّماً!!! ولا أهمّ أمامها بل ولا مهمّ يُلزم بقصرها، فهل يصحّ إسقاط وجوب الإتمام ـ والصلاة عمود الدين وأسطوانة اليقين ـ لمجرَّد السفر الذي يتَّفق أحياناً أن يكون أكثر راحةً من الوطن، ثمّ نجعل الإتمام حراماً؟

لم ترد في القرآن الكريم ـ وهو قاعدة الإسلام الأساسية ـ أيّة إشارة على الإطلاق إلى هذا المعنى المخالف للعقل، والذي يقضي بتحوّل الوجوب إلى الحرمة دون علَّةٍ، أو نقصانه، وتأويل المعصومين إنّما يكون ببيان مصداقٍ للآيات لا بتغيير في الدلالة كما فيما نحن فيه، إذ مصدر الحكم الذي يصدره المعصوم B ليس سوى الوحي الإلهي، ومعنى ذلك أنّ ما يعطيه لا بد أن ينطبق على مدلول الآيات، أي على المورد المنصوص أو ما كان قريباً منه، أما إلحاق السفر ـ غير المُخطر والمضرّ للصائم والمتمّ ـ بموضوع الخطر والخوف، فهو غير ممكن إطلاقاً؛ إذ هو من باب إلحاق الحالة العادية ـ إن لم تكن الأيسر ـ بموارد الخوف والخطر، أي الأصعب، وهو كجرّ الجمل بشعرة، وهو تعبيرٌ صريح عن إلغاء شرطية الخوف المأخوذة في الآيات، إن إلحاق صلاة المسافر وصومه ـ بشكل مطلق ـ بمورديّ القصر والإفطار، يُشبه إلحاق الصفر أو الواحد بالألف؛ وإلاّ فكيف يكون مجرد السفر لثمانية فراسخ بل ومسيرة يوم موجباً لهذا القصر والمنع، دون وجود أيّ خوفٍ أو ضرر، فيما يوجبه أدنى ضرر في الوطن من بابٍ أولى؟ فهل يكون ممكناً ألاّ يؤدّي وجود المشقّة في الوطن إلى وجوب القصر أو حتى جوازه، وتحرم الصلاة التامّة والصيام في السفر الذي لا مشقّة فيه إطلاقاً؟! هل يمكن أن يكون الصوم مستحبّاً في حالة الحرج وهو العمل الشاقُّ الذي لا ضرر معه، فيما يغدو حراماً مع عدم الحرج لمجرّد القيام بالسفر؟! وأخيراً، فلو كانت المشقّة البسيطة الحاصلة في السفر ـ أحياناً ـ توجب القصر والإفطار، فإن مقتضى فصاحة النصّ القرآني وبلاغته أن تكون المشقَّة ذاتها موجبةً للقصر والإفطار، ليُفهم منه بعد ذلك ـ بوضوح ـ الحالات المماثلة أو الأشدّ، لا أن يكون المطروح في القرآن في موضوعي القصر والإفطار هو عنوانا: «إن خفتم» و «العسر» فقط، الواردين في مجال الخوف على النفس وأمثاله، وعلى سبيل الحصر، ثمّ تلحق به بعد ذلك موارد تخلو تماماً من الخوف والخطر وحتى المشقّة، وماذا بوسع الروايات أن تفعل مقابل النصّ القرآني، لا سيّما إذا كانت متناقضةً متعارضة في حدّ نفسها؟!

فالرواية التي تؤوّل >فليس عليكم جناح< في صلاة المسافر، بمعنى «لا جناح» الواردة في آية السعي بين الصفا والمروة أي الوجوب([3])، مخدوشةٌ من جهة أنّ الآية الثانية قد ثبت فيها الوجوب الركني والشعائري للسعي، بقوله:>وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ<(الحج: 32)، حيث أزالت عبارة «لا جناحَ» الظنَّ بحرمة السعي، إذ كان المشركون يطوفون بأصنامهم بين الصفا والمروة في عمرة القضاء، فهل السفر من شعائر الله كي يكون واجباً أوّلاً؟ وهل هو أهمَّ من إتمام الصلاة ثانياً؟! فيؤدّي إلى القصر من دون علَّةٍ أو حكمة. أجل، إنَّ نفي الجناح عن قصر الصلاة عند الخوف، يعني الوجوب اعتباراً بالعسر المحظور، دون الحالات الاعتيادية سفراً أو حضراً، تشهد بذلك >وإن خفتم< في كلتا الآيتين، ولا شيء بعد ذلك.

إنّ الواجبات الصغيرة جداً في الإسلام لا تزول دون تعارضها مع واجب أهمَّ، إلاّ في حالة عدم إمكان الجمع بينهما مع نقصان الأصغر، فكيف بالصلاة والصيام وهما ركنا الإسلام، وفي غير عسرٍ ولا حرج؟ إذاً فما هي الضرورة الإسلامية التي أوجبت التقصير في الصلاة وإسقاط الصيام في السفر من أساسه؟! والحال أنّ السفر ـ حتى حول الكرة الأرضية ـ لا يوجب قصراً بذاته ما لم يكن ضررٌ، حتى لو كان مشياً على الأقدام؛ على أن حكم الصيام الموجب للعسر أو الحرج هو الإفطار، فالمدار ـ إذاً ـ هو العسر والحرج لا غير، ولا سيما الحالات المقابلة لهما.

أمّا بالنسبة إلى القصر في الصلاة، فإنّ العسر والحرج ليس متصوّراً أبداً إلاّ في حالة الاشتباك العسير مع العدو، بحيث يصدق عليه الخوف منه؛ وذلك لو كانت الصلاة جماعةً أثناء الحرب والاشتباك؛ من أجل المحافظة على جنود الإسلام، فتقصر الصلاة حينئذ.

وهكذا نلاحظ أنّه لا وجود لآيةٍ أو إشارةٍ واحدة في القرآن إلى القصرٍ من صلاة المسافر، فإنّ الآية الأولى التي وردت في سورة النساء إنّما كانت حول صلاة الخوف، يقابلها «فإذا اطمأننتم»، وأمّا الآية الثانية فلم تقيّد الأمر بالسفر، بل بالخوف من أداء الصلاة الكاملة، حيث يجب النقصان من كيفها لا من عدد ركعاتها، >وإن خفتم فرجالاً أو ركباناً<.

وقفة مع بعض روايات باب السفر

وأمّا رواية: «سمّى رسول الله 2 قوماً صاموا حين أفطر وقصّر عصاةً»، فقد جاءت في موردٍ كان المسلمون يقيمون فيه الصلاة جماعةً أثناء الحرب، طبقاً لنصّ الآية الشريفة في سورة النساء، لا في أيّ سفر، بل إنّ القصر من كيفية صلاة الرسول 2 وإفطاره كانت في أثناء الخطر.

وأمّا روايات: «لا يزال المسافر..» ([4])، والتي اعتبرت القصرَ واجباً على كلّ مسافر، فهي ناظرة ـ بالطبع ـ إلى سفرٍ خاصّ يستغرق يوماً واحداً، مع الخوف أو سفر الحرب نفسه، أو أن يكون المقصود من القصر هو التقصير من حيث المستحبّات لا الواجبات، وكذا التقصير من كيفيتها لا من عدد ركعاتها، وإلا فالروايات التي قرّرت صيرورة الصلوات الرباعية للمسافر ركعتين وبقائها أربع لغيره، تخالف آيتي القصر المدنيّتين، وتتعارض كذلك مع الروايات التي قرّرت عدد ركعات الصلاة اليومية سبعة عشر ركعة منذ بداية الإسلام.

كما أنّ رواية: «إنّ الله عز وجلّ تصدّق على مرضى أمّتي ومسافريها بالتقصير والإفطار»([5])، تخالف الضرورة الإسلامية؛ إذ لو كان للمسافر قصر صلاته فإنّ الأمر ليس كذلك للمريض، إلاّ أن يكون القصد من القصر فيها هو القصر الكيفي حال عدم الأمن في السفر أو المرض مطلقاً.

كما أنّ الروايات الواردة في أنّ إضافة ركعتين على الركعتين الأوليين في الصلوات الرباعية كان من الرسول 2 نفسه([6])، تخالف وظيفة الرسالة، فإنّه 2 كان رسولاً، لا مركّباً من رسولٍ وربٍّ >وَلا يُشْرِكُ< الله>فِي حُكْمِه< التكويني أو التشريعي >أَحَدًا< (الكهف: 26)، وعليه، فلو وردت رواياتٌ حول قصر الصلاة والإفطار بالنسبة للسفر غير الخطري، دون أن تقبل تبريراً أو تسويغاً معيّناً فهي مردودة مرفوضة؛ لكونها على خلاف الضرورة القرآنية.

وحتى لو استطعنا ـ فرضاً ـ الأخذ بروايات القصر والإفطار خلافاً لنصوص القرآن الكريم، فإنّ عنوان: «مسيرة يوم» سيكون هو المعيار الوحيد، وهي تعادل بوسائل النقل المتعارفة اليوم أكثر من ألف كيلومتر، وبالطائرة خمسين ألف كيلومتر أو يزيد.

نعم، وردت روايات تحدّد القصر والإفطار بسفر ثمانية فراسخ، وأخرى بمسيرة يومٍ واحد، لكنّ ذلك كان لتساوي هذين المقياسين في الماضي، أمّا اليوم فتعادل مسيرة اليوم الواحد مائتي ضعف الثمانية فراسخ، ومن ثمّ يغدو مفهوم المساواة بين هذين المعيارين غير مقبولٍ بتاتاً، وعليه، فإمّا أن تكون الفراسخ الثمانية هي الأصل في المعيار وتكون مسيرة اليوم فرعاً، أو العكس، والروايات الكثيرة التي اتّخذت مسيرة يوم معياراً لم تقيّدها بقطع ثمانية فراسخ، بل إنّه لو سار ثمانية فراسخ فقد سار يوماً، وقد صرّح في بعض الأحاديث ـ أيضاً ـ بهذه الأصالة؛ حيث جاء فيها: «وانّما جعل مسيرة يوم ثمانية فراسخ؛ لأنّ ثمانية فراسخ هو سير الجمال والقوافل، وهو الغالب على المسير، وهو أعظم المسير الذي يسيره الجمّالون والمكاريّون»([7]).

فقد قيّدت مسيرة اليوم بوسائل النقل الغالبة آنذاك، أمّا في عصرنا فإنَّ هذه المسيرة بالسيارات العادية تبلغ أكثر من ألف كيلومتر، وإن كان لنا حول كثرة وسائل النقل حديث فصّلناه في باب صلاة المسافر من كتابنا تبصرة الفقهاء، إلاّ أنّ القصر والإفطار في سفر ثمانية فراسخ في زماننا يعتبر ـ في الوقت عينه ـ خلافاً للقرآن، وكذلك الروايات التي جعلت السفر معياراً للقصر والإفطار على أن يكون مسيرة يومٍ واحد.

لقد شرحنا بالتفصيل في كتابنا «صلاة المسافر بوسائل النقل العصرية» معياريّة «مسيرة يوم واحد» بأكثر الوسائل استخداماً، ثم زدنا توضيحاً في «تبصرة الفقهاء» و «رسالة توضيح المسائل المستحدثة» بأنّ السفر من دون خطرٍ وضرر خارج أساساً عن دائرة القصر والإفطار، وهنا ـ أيضاً ـ ومع الأخذ بعين الاعتبار آيتي القصر والإفطار، عزّزنا هذا الأساس أيضاً.

وأخيراً، فإن الروايات وآراء الفقهاء مهما كانت كثيرة ولافتةً للنظر، لا ينبغي أن يكون لها دورٌ في مقابل القرآن سوى الردّ، أو التفسير بما يناسب القرآن.

وهكذا، فلا قصر ولا إفطار اليوم في أي سفر يقع في أي بقعة من الكرة الأرضية، إلاّ مع وجود ضرورةٍ وأولوية تسقط الوجوب عن الصيام، وتغيّر من كميّة الصلاة أو كيفيّتها، ولا شيء غير ذلك، فلا يمكن ـ إطلاقاً ـ حذف شرط «وإن خفتم» من قصر الصلاة في آيتيه و «العسر» في إفطار الصيام، أو إلحاق غير الحرج والعسر بهما، فإن الحذف يتعارض مع نصّ الكتاب؛ والإلحاق إلحاقٌ للاّشيء بالشيء، كجرّ الجمل بشعرة، أو ترجيح المهم على الأهمّ كرجحان صوم المحرج، وحرمته على المسافر غير المحرج، إن الأهمّ مقدّم على المهم دائماً، في نظر القرآن والسنّة والعقل، فما بالك بعدم وجود مهمٍّ من الأساس؛ إذ السفر الخالي من الخطر والمشقّة والحرج لا يتعارض ـ أبداً ـ مع إتمام الصلاة وأصل الصيام، ليكون هناك مهمٌّ وأهم، ومن ثمّ، فلا توجد أيّة إشارة في القرآن الكريم إلى موضوعيّة السفر من أجل الإفطار، ولو كان للسفر ذاته ـ وخلافاً لهذه الموازين ـ موضوعيّةً، للزم ذكره مكرَّراً، بحيث يتَّضح هذا الحكم المخالف للموازين، ويتخذ لنفسه مكاناً بصورةٍ استثنائية.

وإذا ما ورد السفر في الصيام فهو من باب العسر؛ إذ: >يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ< (البقرة: 185)، تماماً كما ورد في باب الوضوء من مثل: >فلم تجدوا ماءً< والذي لا يقصد منه ـ بالطبع ـ افتقاد الماء فقط، وأنّ حكم التيمّم للمريض كان لعلَّة العجز عن استعمال الماء للوضوء أو الغسل.

وكما كانت روايات الكرّ متضادّة متضاربة من حيث الوزن والمساحة بحيث لم يكن المقصود منها سوى كثرة الماء الذي لا يتغيّر بالنجاسة العادية؛ كانت روايات السفر ـ الشيعيّة والسنّية ـ مبتلاة بالتعارض أيضاً، ليس هذا فحسب، بل إن الروايات الشيعية ـ نفسها ـ واقعةٌ في مسلسل تناقضات هنا، بحيث إن اختلاف المسافة بين الأربع فراسخ والثمان والعشر والاثني عشر واضحٌ وضوح النهار، وكذلك الاختلاف الزمانيّ للسفر في الروايات، حيث يدور بين مسيرة يومٍ واحد، ويومٍ وليلة، ويومين، وثلاثة.

صلاة المسافر ونقد نظرية معياريّة المشقّة

هذا، وتدلّ بعض الروايات على موضوع الشدَّة والمشقة، مثل: «ويلهم، وأيّ سفرٍ أشدّ منه» في صحيحة الفضلاء الثلاثة الواردة حول تقصير الصلاة في منى، والتي اعتبرت المشقَّة والصعوبة معياراً، وهي مشقّة في كيفية الصلاة، لا في عدد ركعاتها.

وهنا:

أ ـ لو كانت المشقّة وحدها هي المعيار للقصر، لما كان للثمانية فراسخ أو مسيرة يومٍ موضوعية ومعيارية، ومن ثم فالمشقَّة المحرجة ترفع الوجوب، لا أنّها تفرض القصر، فالمعسرة هي التي تفرضه بقدرها.

ب ـ لماذا يقع القصر في الرباعيات دون الثلاثية كصلاة المغرب إذا فرضنا أنّ المعيار هو المشقّة، ولمذاا لا تتساويا فتصبح الرباعية ثلاثاً؟

ج ـ لا فرق في معياريّة المشقّة بين السفر والحضر، اللهم إلاّ نوعياً في الأزمان السالفة، أو يُناط القصر بقدرٍ من المشقة سفراً أو حضراً، وبعد ذلك كلّه فنوعية المشقة لا تُحكم بحكمها لمن ليست له مشقة، لأنها حالة شخصية، يختصّ بها حكمها.

تعارض الفتاوى السنّية في باب صلاة المسافر

وأخيراً، ثمة في فتاوى العلماء السنّة اختلافات في موضوع السفر؛ حيث ذهب بعضهم إلى أنّه لا قصر في صلاة المسافر أساساً([8])، وبعضهم إلى ثبوت القصر في مطلق السفر مهما كان قليلاً([9])، وبعضهم للقصر في فرسخٍ واحد، وبعضهم في ثماني فراسخ كما هو الرأي السائد عندهم، وبعضهم في اثني عشر فرسخاً، وبعضهم في مسيرة يومين أي ستة عشر فرسخاً و..

وختاماً، فهذا التناقض في الروايات من جهة، وفي الآراء من جهةٍ أخرى ينبغي حلّه استناداً إلى محور الإسلام الرئيس، ألا وهو القرآن، ونتيجته: حصر القصر والإفطار بموضوع الخطر والضرر؛ إذ يقلّل من الصلاة بمقدار رفع هذين، ويرفع الصوم بكامله عند وجود أحدهما، وإذا كان الحكم الضروري الموجود بين المسلمين مناقضاً لأسس الكتاب والسنّة والعقل، فما بالك بالأحكام غير الضرورية، سواء المشهورة منها أو الإجماعية، والتي إن افتقدت الدليل من الكتاب والسنّة القطعية أو كانت على خلافهما سقطت من وجهة النظر الإسلامية حتماً.

تعارض الفتاوى الشيعيّة في باب صلاة المسافر

هذا، وهناك آراء للعلماء الشيعة في صلاة المسافر وصومه، وهي تفتقد الاتفاق على رأي؛ فقد ذهب بعضهم إلى أنّه إذا سافر خلال الوقت أتمَّ صلاته، وهو المشهور بين المتأخرين([10])، وقيل: في الحالة أعلاه يجب القصر كذلك([11])، وقيل: إذا كان الوقت لا يزال باقياً أتمّ وإلاّ قصر([12])، وقيل: إذا كان المعيار تعادل الوقت والمسافة فحكمه معلوم، أما لو اختلفا، فظاهر كتاب «الذكرى» للشهيد الأول تقديم مسيرة يوم واحد، كما في «كشف الالتباس» و «الموجز الحاوي» أيضاً، وفي «المدارك» و «الذخيرة» ورد التخبير بين القصر والإتمام، وفي «المصابيح» أيّهما استطاع تعيَّن، فإن تمكّن من الاثنين فهو بالخيار، وإن كان معيار ثمان فراسخ مقدّماً في هذه الحالة، واعتبر «الشهيد الثاني» في «روض الجنان» مسيرةَ يوم مقدّماً، كما ذكر ذلك الأردبيلي في «مجمع البرهان» أيضاً، وقيل: إذا طال زمن السفر بحيث أخرجه عن مفهومه، فالظاهر أنه لا يجري عليه حكم المسافر، ويجب عليه أن يتمَّ صلاته، كما ذكر ذلك الشهيد الأول في «الذكرى».

هذا، ويحرم على المكلف ما يفطر صيامه أو يقصر من صلاته كيفاً، إلاّ إذا كان ذلك أوجب من أصل الصيام وإتمام الصلاة، كصلاة الجماعة بسفر الحرب، كما فعل النبي 2 فقصّر من صلاته تلك حفاظاً على نفوس المصلّين؛ ولأن الجماعة فريضة، وإلاّ لما صحّت تلك الجماعة التي تقصر من الصلاة.

كما يحرم السفر وسواه إذا أعسر الصوم، إلا إذا كان فرضاً أقوى من أصل الصوم، كما قال تعالى: >فمن شهد منكم الشهر فليصمه<، حيث يرجع ضمير الغائب إلى الشهر كلّه، مهما كان القصد من الشهر نفسه، وإلا كان الصيام واجباً بعد مضي الشهر كلّه، فهذا من باب الاستخدام، أن يعني من الشهر أولاً بعضه كيوم، ثم أخيراً كلّه، فمن كان في حضرٍ يوم الصيام، وجب عليه صوم الشهر كلّه، اللهم إلاّ عند الدوران بين السفر المفطر الأهمّ والصيام.

أصالة القرآن في الاجتهاد الفقهي

هذا، وفي الفقه الإسلامي فتاوى كثيرة جداً تخالف نصوصاً في القرآن أو السنّة، اتّباعاً للشهرات أو الإجماعات، نتيجة عدم الاستمساك بالدليل الأول، وهو القرآن؛ لأمورٍ لا نذكرها، أو هي معروفة لأهلها، فلا بد لأولياء الشريعة الإسلامية أن ينجوا المسائل الفقهية وسواها من هذه التخلّفات والتكلّفات الخارجة عن الصراط المستقيم؛ بياناً لأحكام الله من مصدرها، وصدّاً عن الهجمات والاعتراضات التي تطال بعض الأحكام المتخلّفة عن الأصالة القرآنية.

وختاماً، نطلب ـ برجاءٍ وإلحاح ـ من الفقهاء والعلماء المسلمين كافّة أن يدرسوا الإسلام العزيز ـ وفي جميع ميادين العلوم الإسلامية ـ من جديد، على أساس كتاب الله وسنّة رسوله 2 والأئمة المعصومين E، وأن يقدّموا البيان الواضح والمتقن للقرآن على جميع الآراء والروايات المتناقضة، وأن يخلّصوا المجتمع الإسلامي من هذه العادة الجاهلية المتمسّحة بمسوح الإسلام، وهي التي تختصرها المقولة التالية: «هل أخطأ العلماء الآخرون أو أفتوا على خلاف كتاب الله عمداً؛ لكي تأتي أنت وتفتي بخلافهم؟».

إذا كان اتّباع الآراء المخالفة للقرآن وتقليدها وتعظيمها أمراً مُداناً ومرفوضاً، فلماذا يحقُّ لك أن تفهم بنظرتك الاجتهادية حكماً على أساس القرآن، ولا يكون لك الحقّ والجرأة على اتّباع الحكم الإلهي الذي انتهيت إليه، إلاّ كونه على خلاف
آراء العلماء الآخرين؟! إن الاعوجاج والسفاهة يكمنان في حكمك بآراء العلماء
الآخرين ـ خلافاً لكتاب الله تعالى ـ وجرأةً على اتّهام مخالفيهم في آرائهم بالاعوجاج والانحراف والسفاهة، ليس إلا لجُرم ما انتهى إليه اجتهادهم على ضوء القرآن والسنّة الموافقة له.

هذا هو الطريق الحرّ في معرفة الدين دون فرضٍ أو تحميل، متحرّراً من كلّ أسرٍ وقيد، بانتظار ما سيفعله العلماء الأحرار، وما تكون عليه ردّات فعل الأمة الإسلامية.

>لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا< (الطلاق: 1).

حوار فقهي على ورق

الرسالة النقدية الأولى لآية الله الشيخ أبي طالب تجليل التبريزي

بسم الله الرحمن الرحيم

جناب آية الله الصادقي الطهراني المحترم

رأيت أنّ من واجبي أن أعرض لصديقي، صديق خمس وأربعين عاماً، نتائج ما توصّلت إليه حول ما كتبه في رسالة صلاة المسافر.

أمّا فيما يخصّ آية القصر، فإنّ الآية الشريفة تدلّ بحسب منطوقها على القصر في الصلاة في حال السفر في صورة الخوف من فتنة الكفار، وهي ساكتةٌ عن حكم الصلاة في السفر في صورة عدم خوف فتنتهم، وأمّا دلالتها بحسب المفهوم فهي منوطةٌ بأن لا يكون لذكر القيد جهةٌ أخرى، فمثلاً، إذا قال المولى: إذا جاء زيد فاحترمه، فهي تدلّ على صورة مجيء زيد فعلاً، لكنها لا تدلّ على عدم لزوم احترامه على تقدير عدم مجيئه، وهكذا الحال فيما نحن فيه؛ فإنّ زمان نزول الآية حيث كان الخوف من فتنة الكفار مطروحاً لم يكن ذكر ذلك في آية القصر دالاً على عدم لزومه على تقدير عدم الفتنة.

وأمّا فيما يتعلّق بحكم قصر الصلاة في الإسلام، فقد أمر رسول الله 2 بذلك، وعلى ذلك إجماع تمام المسلمين، في تمام الأزمنة منذ عهد رسول الله 2 وإلى يومنا هذا، ولم يشرط أحدٌ من فقهاء السنّة والشيعة حكم القصر بالخوف من فتنة الكفّار، والاختلاف الوحيد ما بين السنّة والشيعة إنما هو في كون القصر رخصة أو عزيمة.

هذا أولاً، وثانياً: في تمام أحاديث صلاة المسافر الواردة في كتاب وسائل الشيعة، والمشتملة على 29 باباً، ويبلغ عددها 229 حديثاً([13])، لا يوجد في أيّ منها قيد الخوف، والموضوع لحكم قصر الصلاة في تمامها إنما هو السفر بلا قيد الخوف([14])، والحال أنّ محلّ ابتلاء الناس زمان نزول الآية هو الخوف من الكفار، أما بعد تسلّط المسلمين في زمان رسول الله 2 إلى يومنا هذا، فلا يوجد خوفٌ من الكفار في الأسفار المتعارفة بين المسلمين، وقد جاءت هذه الروايات في الأجواء الإسلامية التي لم يعُد لمسألة الخوف فيها وقع، بل في بعض هذه الروايات جاء الحديث عن خصوصياتٍ مثل القصر في ذهاب الحجّاج من مكّة إلى عرفات، والقصر في مكّة والمدينة، وهما دوماً تحت سلطان الإسلام، لا معنى للخوف من الكفار فيه أبداً.

ثالثاً: لقد حدّد للقصر في صلاة الخوف معيار، وهو ثلاث ركعات، بحيث له أن يصلّي ركعةً واحدة وتكفيه وتصحّ صلاته، أما للمسافر فقد حدّد له ركعتان، وأساساً فمسألة الركعات في الصلاة إنما شرّعتها لنا السنّة لا القرآن الكريم، فكيف بعدد الركعات في السفر؟!

أمّا فيما يتعلّق بالشبهة التي ذكرتموها حول المسافة في السفر، فقد بيّنت وجه اندفاعها دون أن أسندها إلى أحد، وذلك في كتابي «تعليقات العروة الوثقى»، وسوف أوافيكم بها بعد طبعها.

والسلام عليكم ورحمة الله.

أبو طالب تجليل التبريزي

26/4/1373 (1994م)

الرسالة الجوابية الأولى لآية الله الصادقي الطهراني

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد السلام عليكم ورحمة الله

إنها المرة الأولى التي أحظى بها برسالة جوابٍ عما طرحتُه قبل حوالي الثلاثين عاماً من نظريةٍ حول صلاة القصر، إلاّ أنه لو كان جنابكم الكريم قد دقّق أكثر في رسالة السفر، مع ملاحظة الآيات القرآنية، وأخذتم بعين الاعتبار أصالة القرآن، فلا أقلّ من أن مسألة القصر سوف تغدو عندكم مسألةً مشكوكة.

لقد اعتبرت في كتبي: «تبصرة الفقهاء» و «صلاة المسافر» و «الفرقان» و.. ممّا لم يصل إليكم منها شيء بالتأكيد، أنّ صلاة القصر ـ أولاً ـ خاصّة بمسيرة يوم، وهو الرأي الذي يشاركني فيه علماء كبار، أما في السنوات الأخيرة فقد بتّ أرى أنّ صلاة القصر كلّها مخصوصة بحالة الخوف([15]).

ومستندنا في ذلك ليس مفهوم الآية، ذلك أنّ السنّة القطعية التي حدّدت لنا عدد ركعات الصلاة مقبولةٌ على أساس قوله تعالى: >وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ<، وطبقاً لذلك فإنّ عدد الركعات سيكون قرآنياً أيضاً، والقرآن لم يعتبر القصر في هذه الركعات إلاّ عند الخوف لا غير، ولفظ القصر في الآية هنا وإن كان شاملاً للكمّ والكيف إلاّ أنّ المراد منه خصوص القصر الكيفي([16]).

وهنا، وخلافاً لبعض المواضع الأخرى، يصحّ الاستدلال بالمفهوم، فلا معنى لأن يكون القصر واجباً في حالة «وإن خفتم» ثم يكون واجباً في حالة «وإن لم تخافوا»، وإن أمكن الحديث عن قيدٍ آخر بعد >إِنْ خِفْتُمْ<([17])، ولا النفي المطلق وهو «وإن لم تخافوا»، بمعنى أنكم سواء خفتم أو لم تخافوا وجب عليكم القصر!! ثم يقول في آخر الآية: >فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ<، وهي الإقامة التي تقابل القصر السابق وتفيد إتمام الصلاة.

وعليه، فطبقاً لصدر الآية وذيلها، ودون التمسّك بمفهومها، وهو تمسّك صحيح هنا، تقصر الصلاة في صورة الخوف، فيما يجب إتمامها في صورة الاطمئنان وانعدام الخوف، حيث تنحصر الأمور في حالتين: إما الخوف وعدم الاطمئنان أو الاطمئنان وعدم الخوف.

وهذا الخوف الموجب لقصر الصلاة لا يختصّ بالسفر، بل هو شاملٌ للحضر أيضاً، وكذا الحال في الاطمئنان، وبهذا لا يكون لمحض السفر أيّ دور في قصر الصلاة، إلاّ سفر >فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا<، وهو خوف كان له وجود في الماضي، والقصر هنا قصرٌ من كيفية الصلاة لا كميّتها، وعدم وجود قيد الخوف في الروايات ليس دليلاً على عدمه، غاية الأمر أنه ستقع معارضة بين القرآن والحديث، وهو أمرٌ له حلّه.

وعلى أية حال، فقد جعلت المشقة في بعض الروايات، مثل صحيحة الفضلاء الثلاثة، فيما جعل «مسيرة يوم» معياراً للقصر في بعضها الآخر، وهو ما لا بدّ ـ في المعيارين معاً ـ من تخصيصه بالقصر الكيفي، وقد أوضح الحكم جلياً في القرآن الكريم: >إِنْ خِفْتُمْ<، ولا تأثير لكثرة الأحاديث والأقوال مقابل القرآن عند الفقيه.

إنّ لديّ الكثير من هذه المتفرّدات الفقهية، أو ما هو خلاف المشهور والإجماع، تتضح بمراجعة كتابي «تبصرة الفقهاء».

والإشكال العمدة هو أنّ فقهاءنا ـ وكذلك أهل السنّة ـ قد ضحّوا بالقرآن فداءً للأحاديث، وللشهرة، والإجماع، ولهذا كانت النتيجة صدور الكثير من الفتاوى على خلاف النص أو الظاهر المستقرّ في القرآن.

إذا وفّق الله للقاء بكم فسوف أشرح لكم ذلك بشكلٍ مفصّل، كي نعي جميعاً كم غدا فقه القرآن مظلوماً باهتاً.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قم المشرّفة، محمد الصادقي الطهراني

28/4/1373ش (1994م)

الرسالة النقدية الثانية لآية الله أبي طالب تجليل التبريزي

بسم الله الرحمن الرحيم

جناب السيد.. الدكتور الصادقي

السلام عليكم، تمسّكتم بالآية الشريفة: >فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ< بمعنى أنه بمجرّد رفع الخوف يلزمكم إتمام الصلاة، التفتوا إلى أن الطمأنينة والاطمينان في اللغة يعنيان السكون، وبناء عليه يكون معنى الآية أنه عندما تتوقّفون عن الحركة فأقيموا الصلاة، نعم، لو أسندت الطمأنينة إلى القلب مثل: >لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي< عنت سكون القلب الذي يقابله الترديد لا الخوف.

كما أن السنّة القطعية لرسول الله 2 والأئمة المعصومين E الثابتة بالتواتر تقضي بلزوم القصر في السفر، دون أخذ الخوف شرطاً فيه، سواء كان الخوف من فتنة الكفار أو غيرها، والقرآن الكريم أمرنا بإطاعة رسول الله والأئمة المعصومين E في تفاصيل الاحكام الشرعية، حيث قال: >أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ<.

والسلام على من اتّبع الهدى

التاريخ: 30/4/1373ش (1994م)

الرسالة الجوابية الثانية لآية الله الصادقي الطهراني

بسم الله الرحمن الرحيم

الصديق العزيز حضرة آية الله تجليل التبريزي، وفّقه الله لتفقّه القرآن
المهجور.

بعد التحية والدعاء بالخير لكم أن تنجوا من الغشاوات الحوزوية إن شاء الله، والتي تُبعد الإنسان عن المعارف القرآنية.

إنه ليُعلم مرّةً أخرى أنكم لم تراجعوا مراجعةً عميقة المدارك التي استند إليها صديقُكم فيما يتعلّق بصلاة القصر، ولم تجيبوا سوى عن واحدٍ من الإيرادات الخمسة التي أدرجتها في الجواب على رسالتكم الأولى، وهو أن المراد من الاطمئنان في >فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ< هو السكون، مع أنّ هذا الاطمئنان إنما جاء في مقابل الخوف السابق ذكره في الآية، لا في مقابل الحركة.

كما أنه لا حركة ولا مشي في حال الصلاة حتى يكون الاطمئنان فيها هو عدم الحركة، كما أن الاطمئنان ليس ـ في اللغة ـ بمعنى سكون البدن، بل هو السكينة والهدوء في مقابل الخوف والاضطراب، وأنا لا أعرف ما هو الذنب الذي ارتكبه كتابُ الله حتى نصرّ هكذا على حمله على خلاف ظاهره ونصّه، وفي النتيجة فإن الاطمئنان هنا حكمه إتمام الصلاة، ويقع في الآية في مقابل الخوف الذي حكمه القصر الكيفي للصلاة.

وأمّا روايات صلاة القصر في السفر بدون خوف، وهي روايات لا يثبت تواترها([18]) سنّة رسول الله والأئمة المعصومين E، مهما كثرت فلا تأثير لها عندما تكون في مقابل النص وحتى الظاهر المستقرّ القرآني، ومن الواضح أن الشهرة والإجماع أو الضرورة التي تقع على خلاف القرآن إنما هي جعليّة مصطنعة، وهذا الحكم مما صرّح به القرآن بخصوصه ولا تفصيل له، فيكون معارضه مردوداً.

وفي نهاية رسالتكم تفضّلتم بختمها بقوله تعالى: >وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى<، وهي الجملة التي تُذكر عادةً لغير المسلمين على أمل إسلامهم، وإنني ومنذ أن كان عمري ثلاثة عشر عاماً حين بلغت سنّ التكليف تبلور وبالتدريج إسلامي على أساس القرآن والسنّة الموافقة له، وهو يقوى أكثر فأكثر، ولست بكافر.

والسلام على عبادالله الصالحين

قم، محمد الصادقي الطهراني

3/5/1373ش (1994م)

الرسالة النقدية الثالثة لآية الله تجليل التبريزي

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد الاعتذار من تأخير الجواب، وصلتني أمس رسالةٌ من جنابكم بعد عودتي من السفر، فصرت مضطراً ـ رغم المشاغل الكثيرة ـ أن أكتب لكم بضع كلمات لكي أتمّ الحجة، وإن شاء الله لا تكون تلك الرسائل (الجوابية) ممّا كتبتموه أنتم([19]).

والآن أشير إلى نقاط الضعف الموجودة، وأذكرها بالترتيب.

1 ـ >وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ…< و>فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ< جملتان شرطيّتان شرعتا معاً بكلمة «إذا» وهي من أدوات الشرط، فالجملة الأولى تبيّن حكم القصر، فيما تبيّن الجملة الثانية حكم الإتمام، والشرط في الجملة الشرطية الأولى هو الضرب في الأرض، فيما هو في الجملة الثانية الاطمئنان، وبقرينة المقابلة بين الضرب والاطمئنان نعرف أن الاطمئنان هنا يعني السكون والتوقف عن السفر.

2 ـ يجب في الصلاة سكون البدن، إلاّ أنّ التوقف بقدر أداء الصلاة لا ينافي صدق الصلاة حال السفر؛ ذلك أن النـزول أثناء السفر للاستراحة وسائر الحاجات الضرورية لا ينافي صدق السفر.

3 ـ الاطمئنان في اللغة يعني السكون، جاء في لسان العرب: «طأمن الشيء سكنه، والطمأنينة السكون، واطمأنّ الرجل اطمئناناً وطمأنينة أي سكن.. واطمأن قلبه أي سكن»، وجاء في القاموس المحيط: «الطمئن ـ بالفتح ـ الساكن كالمطمئن، واطمأنّ إلى كذا اطميناناً وطمأنينة وذاك مطمئن.. ـ إلى أن قال ـ : ومن الأمر سكن»، وجاء في مفردات الراغب الإصفهاني: «الطمأنينة السكون بعد الانزعاج» وزعجه قلعه من مكانه فانزعج، كما في القاموس، وفي مجمع البحرين يقول: «فإذا اطمأننتم أي أقمتم، يقال: اطمأنّ بالموضع أقام به واتخذه وطناً».

4 ـ التواتر هو ما يفيد اليقين، ويمكن تفسير ظاهر القرآن بالكلام المتواتر عن المعصوم، رغم أنّ ما نحن فيه ـ كما أسلفنا ـ ليس مخالفاً للظاهر.

لستم ـ إن شاء الله ـ ممّن قال: كفانا كتاب الله، وإنما تقبلون الإعلان الرسمي لرسول الله 2، والوارد في كتب الشيعة والسنّة متواتراً، حين قال: «إني تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».

5 ـ لا يمكن أن تكون الضروريات على خلاف القرآن وإن أمكن أن يتوهّم خلافها من بعض الآيات المتشابهة، وأنتم إن شاء الله لا تنكرون إطلاقاً أيّاً من الضروريات.

وختاماً، فهذه آخر رسالة أكتبها إليكم، وإذا ما وصلني رسالة أخرى من جنابكم فإنني أعتذر عن قبولها([20]).

أبو طالب تجليل التبريزي

23/5/1373ش (1994م)

الرسالة الجوابية الثالثة لآية الله الصادقي الطهراني

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد التحية والسلام ـ اللذين كنت معذوراً إزاءهما مثل عذرك في قبول جواب الرسالة الثالثة ـ إنني لا أرسل إليكم هذا الجواب بسبب اعتذاركم، وإنما بهدف استكمال البحث وإطلاع القرّاء وطلاب الحقيقة.

لقد أصرّيتم في رسالتكم ـ كبعض الفقهاء الآخرين ـ على سقوط آية القصر عن الدلالة، لينفتح المجال وسيعاً أمام سائر الأدلّة، لقد أصرّيتم على أن المراد بالطمأنينة في >فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ< هو السكون بعد العودة من السفر، مع أن الشرط الأصلي لـ >أَن تَقْصُرُواْ< هو >إِنْ خِفْتُمْ<، بل إن >إِذَا ضَرَبْتُمْ< جملة ظرفية لا شرطية([21])! تماماً كما جاء في التيمّم البدل عن الوضوء والغسل: >أَوْ عَلَى سَفَرٍ<، فإنه لبيان المجال الذي ينعدم فيه الماء حيث كان السفر كذلك سابقاً، وعليه فورود >فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ< بعد >إِنْ خِفْتُمْ< لا يدلّ سوى على زوال الخوف، ومجال الخوف هو الحرب وهجوم الأعداء، سواء في السفر أو الحضر، بحيث إن صلاة الجماعة في الحضر لو وقعت في مثل هذا الخوف، فإن ذلك يوجب تحقق: >أَن تَقْصُرُواْ<.

لقد رأيتم أن الدراسات اللغوية تخصّ الاطمئنان هنا بالعودة من السفر، رغم أن الاطمئنان جاء بعد >أَن تَقْصُرُواْ<، بمعنى زوال الخوف، سواء في السفر أو في الحضر.

وأنتم مصرّون على أنّ المراد بالطمأنينة السكون، فهل الطمأنينة بعد زوال الخوف ـ وهو الشرط الرئيس للقصر ـ خارجة عن الطمأنينة؟! أنتم تعترفون بأنّ الطمأنينة هي السكون بعد الانزعاج، والحال أنّ محض السفر وصرفه ليس انزعاجاً، بل الانزعاج ـ طبقاً لتصريحات آية القصر ـ ناتج عن >إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ<، سواء في السفر أو الحضر، وقد تابع صاحبُ مجمع البحرين في تفسيره الطمأنينة هنا بمعنى «أقمتم» سائرَ الفقهاء، لا أنه بيّن المعنى اللغوي، وعليه فعندما يعود من السفر ويقيم مع بقاء الخوف عنده ألا يجب عليه قصر الصلاة لحفظ نفسه حينئذ؟([22]).

أما مسألة التواتر، فإذا كان هنا تواترٌ على خلاف النصّ أو الظاهر المستقرّ القرآني فلا نرى تواتراً أثبت ولا أوضح من القرآن، حتى نصرف النظر لأجله عن الحجّة القرآنية القاطعة([23]).

وأما قضية «كفانا كتاب الله»، فمقولة عمر هي: «هذا كتاب الله حسبنا» أو «حسبنا كتاب الله»، وليست المشكلة في «حسبنا كتاب الله» بأقلّ من «حسبنا الحديث والشهرة والإجماع»! إننا نأخذ بالرواية عندما تكون موافقةً للدليل الإسلامي الأوّل وهو القرآن أو لا تكون مخالفةً له.

أما حديث الثقلين، فمراده الكتاب والسنّة، وإذا ما تعارض القرآن والحديث، كما في حالة صلاة القصر، فإن القبول بأمرٍ هو خلاف القرآن على أنّه سنّة هو بنفسه أمر مخالفٌ للكتاب والسنّة؛ ذلك أن الرسول 2 والأئمة E لا يقولون أبداً كلاماً مخالفاً للكتاب الكريم.

والقول بأنه لا تقوم الضرورة على خلاف القرآن هو بنفسه من الضروريات، إلاّ أن مخالفة القرآن تستدعي إسقاط الرواية عن رتبة الضرورة، وهذه الآية ليست متشابهة حتى يفسّرها لنا الحديث، وحتى لو كانت متشابهة فإن الآيات المحكمة هي التي تفسّرها، وتحدّد أنّ >إِنْ خِفْتُمْ< متشابهة أم لا؟ وهي التي ألحقت حالة عدم الخوف بمجرّد السفر بحالة الخوف بحيث تكون النتيجة لزوم القصر في حالتي الخوف وعدمه عند السفر([24]).

وختاماً، فقد شطبتم باللون الأحمر على استمرار هذا الحوار والبحث، بحيث لم تقبلوا أيّ رسالة منّي إليكم، وهذا ما لا يمكن أن يُقبل في محكمة العقل والإيمان، وأنتم تعرفون أن الإمام الصادق B لم يقطع حبل الحوار حتى مع ابن أبي العوجاء، فهل أنا أكثر إلحاداً من ابن أبي العوجاء بجُرم اعتمادي على القرآن الكريم([25]).

والسلام على عبادالله الصالحين

قم، محمد الصادقي الطهراني

25/5/1373ش (1994م)

*     *     *

الهوامش



([1]) مثل >إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ الله فَتَبَيَّنُواْ< (النساء: 94) >إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ< (المائدة: 106)، >إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ..< (آل عمران: 156).

([2]) المراد بالقصر الكيفي أداء الصلاة حال الحركة وما شابه ذلك، كما سيظهر المراد لاحقاً. (المترجم).

([3]) البروجردي، جامع أحاديث الشيعة 8: 2، في ثلاث روايات.

([4]) المصدر نفسه: 5954.

([5]) المصدر نفسه: 5955.

([6]) المصدر نفسه: 5967.

([7]) رواها الفضل بن شاذان في الصحيح عن الإمام الرضا B، كما جاءت في كتاب وسائل الشيعة.

([8]) كما نُقل عن محمد بن الحسن.

([9]) نقل عن دحية الكلبي.

([10]) كما نقل عن الحسن، وهو المقبول لدى المقنع، والمنتهى، والمختلف، والتحرير، والتذكرة، ونهاية الإحكام، والإرشاد، والإيضاح، والدروس، والبيان، واللمعة، والموجز، والمختصر، والجعفرية، وجامع المقاصد، وفوائد الشرائع، وتعليق النافع، وإرشاد الجعفرية، والميسية، والعزية، والروضة، والمسالك.

([11]) كما روي عن الصدوق في «الرسالة» والسيد في «المصباح»، والمفيد، وخيرة الفقه المنسوب إلى الرضاB، والمبسوط، والسرائر، والشرائع، والنافع، والتبصرة، ومجمع البرهان، والمدارك، والروضة، ورسالة صاحب المعالم، والتحية، والمفاتيح، والرياض، والمصابيح، وحاشية المدارك.

([12]) كما في الاستبصار، والتهذيب، والفقيه، والكامل، والمبسوط، والنهاية.

([13]) أولاً: إنّ عدد أحاديث أبواب صلاة المسافر في كتاب «وسائل الشيعة» هو 247 حديثاً.

ثانياً: إذا كان لدينا حول حكمٍ فقهي ما ألف روايةٍ كان الراوي الأول فيها عن المعصوم مباشرةً واحداً، فإن مجموع هذه الروايات سيكون روايةً واحدةً حينئذٍ.

ثالثاً: من بين 247 رواية هناك، طرحت 16 رواية القصر العددي للصلاة، و14 رواية دلّت على قصر الرباعيات لتصبح ركعتين، سبعة من بينها مقطوعة السند ومضمرة أو حتى لا سند لها أساساً، و7 روايات لها سند متصل إلى المعصوم، من بينها روايتان في سندهما رجال مضعّفون!، فتبقى 5 روايات لها سند متصل للمعصوم B تخالف نصّين قرآنيين، وقد اتخذت فتوى المشهور من هذه الروايات، والحال أنه في 217 رواية ورد القصر مطلقاً، دون بيان خاص ]مما ينسجم مع نظريتنا[، وهنا وبإعمال المسؤولية الشرعية، وهي لزوم عرض الأحاديث على الكتاب تحلّ القضية، ذلك أن نص آيتي الخوف تجعلنا نحمل القصر في الروايات على القصر الكيفي في حال الخوف، بل حتى مع عدم الرجوع إلى القرآن فإن تعارض روايات أبواب صلاة المسافر مع بعضها يؤدي إلى تساقطها (الطهراني).

([14]) إلاّ أنه ورد قيد المشقة في بعض الروايات، مثل صحيحة الفضلاء الثلاثة، وأما الروايات التي لم يرد فيها ذكر الخوف فلا بدّ من تقييدها بآيتي الخوف، ومن المثير للعجب جداً في الفقه التقليدي أن النصّ أو الظهور القرآني للآيات العامة أو المطلقة يمكن تخصيصه و تقييده بالرواية، إلاّ أنهم يتجنّبون العكس تماماً!! (الطهراني).

([15]) سواء في ذلك حالة الحضر والسفر، حتى لو كان سفراً حول الأرض، أو في السماء عبر الأقمار الصناعية، وهذا التكامل في الفتوى إنما جاء بسبب تحييد الفرضيات والأحكام المسبقة جانباً، وكذلك الأفكار الحوزوية غير المطلقة، وقد توصلت إلى هذه الفتوى بعد قيامي بوظيفتي الشرعية من عرض الحديث على الكتاب، متجاهلاً الإجماع والشهرة، فحكمت >بِمَا أنَزَلَ الله< على أساس >قُلِ الله يُفْتِيكُمْ<، وذلك من الكتاب والسنّة (الطهراني).

([16]) ذلك أن الخوف لا يكون ـ مطلقاً ـ سبباً للإنقاص من ركعات الصلاة، وإنما الإنقاص من الكيفية، بمعنى إقامة الصلاة حال المشي، أو الركض، أو الركوب على شيء متحرّك، أو مع أيّ إجراء أمني آخر، بحيث يلزمه الابتعاد عن المكان المخيف، فيقيم الصلاة، حال فراره هذا، نعم، بالنسبة إلى الركوع والسجود يتغيّر حالهما إلى «الإشارة»، ويكتفي حينئذٍ بذكر الله تعالى (الطهراني).

([17]) نعم، هذا بشرط أن لا يكون هناك قيدٌ آخر يقع نقيضاً لمنطوق الآية، إلاّ أن الخوف وعدمه متناقضان، فيكون هذا المفهوم نصّ في الدلالة كالمنطوق، فلا يقبل التشكيك، ومن الواضح المسلّم به أن الجمع بين هذين الأمرين اشتباه جلي، ذلك أنّ المفهوم على شكلين:

الأول: المفهوم النقيض، كما يلاحظ وجوده في قسمٍ من الآية 101 من سورة النساء، فإنّ «إن خفتم» يقع على النقيض من «إن لم تخافوا»، والجمع بينهما جمعٌ بين المتناقضين؛ ذلك أنّ متعلّق نصّ الآية هو الخوف في الحرب ولا يوجد قيدٌ آخر، فيكون متعلّق إطلاقه كلّ خوف.

الثاني: المفهوم غير النقيض «إن خفتم حتى خوفاً على غير أرواحكم»، كما جاء في آية سورة البقرة من جعل علّة القصر مطلق الخوف، بحيث إنه حتى لو لم يكن الخوف خوفاً على الروح، وإنما على مثل العرض و.. فالحكم هو >فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا<، ذلك أن إطلاق آية سورة البقرة شامل لكلّ خوف؛ لعدم كون متعلّقه الحرب، أي أنه إضافةً إلى الخوف على النفس، تشمل أيضاً الخوف على الدين، والعقل، والعرض، والمال، وكل واحدٍ من أنواع الخوف هذه ليس نقيضاً للآخر (الطهراني).

([18]) مع أنها غير متواترة، وكما بيّنا من قبل، فإن تعارض روايات أبواب صلاة المسافر مع بعضها يوجب تساقطها، وحتى لو فرضنا عدم وجود تعارض، فلا بدّ من طرحها جانباً بسبب معارضتها للقرآن (الطهراني).

([19]) لقد كتبت هذه الرسائل شخصياً، وإذا لم تكن أحياناً بخطّي فذلك بسبب الانشغالات الكثيرة، تماماً كسائر مراجع التقليد الذين يمهرون الرسائل الصادرة عنهم؛ إضافةً إلى وجود ضعف في يدي عن الكتابة مما يجعلني أكتفي أحياناً بالإمضاء والتوقيع (الطهراني).

([20]) يقول الإمام علي B: «.. سيأتي عليكم من بعدي زمان.. نبذ الكتاب حملتُه.. فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان طريدان منفيّان وصاحبان مصطحبان في طريقٍ واحد، لا يؤويهما مؤوٍ». انظر: المجلسي، بحار الأنوار 74: 365؛ ونهج البلاغة، الخطبة: 147 (الطهراني).

([21]) بمعنى كون الشرطية ظرفيّةً، لا شرطيةً محضة (الطهراني).

([22]) وإذا كان الاطمئنان هنا بمعنى ترك الحركة السفريّة فقط، فإن التعبير الصحيح إنما يكون «فإذا رجعتم من السفر» لا >فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ<، حيث الاطمئنان يكون بعد الخوف، نعم، الأسفار الطويلة يكون الاطمئنان فيها بمعنى السكون حين الوصول إلى المقصد، وربما كان أكثر من وصوله إلى وطنه، إلاّ أن مجيء >فَإِذَا أَمِنتُمْ< بعد >فَإِنْ خِفْتُمْ< في آية سورة البقرة، يعطي معنى قطعيّاً في الأمن عقب الخوف، لا في السكون والتوقف عقب الحركة (الطهراني).

([23]) كما أنّ روايات قصر الصلاة على أقسام ثلاثة هي: 1 ـ القصر في صورة المشقّة. 2 ـ القصر في مسير يوم كامل. 3 ـ القصر الكمّي للصلوات الرباعية في فراسخ أربعة، إلاّ أن القصر في غير صورة التصريح بالركعتين إنما يعني القصر الكيفي سواء في حال المشقة أو في حال الخطر، وكلّ ما كان على خلاف هذين القيدين فهو مخالف لآية القصر، كما أنّ روايات المشقة ومسيرة يوم يمكن أن تفسّر على المشقة المخيفة أو الفراسخ التي قطعها سابقاً مصاحباً للخوف، ولا يوجد نصّ ولا أيّ رواية تطرح قيد عدم الخوف والمشقة لعمومية القصر في السفر، فيبقى القصر الكمي في بعض الروايات وهو مخالف لنصّ الآيتين القرآنيتين، وحتى لو فرضنا أن تمام روايات باب قصر الصلاة كانت في الأسفار الخالية عن الخوف، فلا بدّ ـ أيضاً ـ من رفضها لمخالفتها للقرآن (الطهراني).

([24]) ولو فرضنا المحال وقلنا: إنّ نصّ >فَإِنْ خِفْتُمْ< في آية سورة البقرة متشابه فإن تكملة هذه الآية يرفع هذا التشابه تلقائياً؛ ذلك أن >فَإِذاْ أمنْتُمْ< قد وقعت في مقابل >فَإِنْ خِفْتُمْ< مما يعطي دلالةً مؤكدة على الأمن بعد الخوف، وهكذا الحال في >فَإِنْ خِفْتُمْ< الواردة في آية سورة النساء، فعلى تقدير تشابهها يرفع ذلك الذيل القائل: >فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ< في الآية 103 من السورة نفسها، بحيث لا يبقي أي شك في أن المراد السكينة بعد الخوف، ويغدو المعنى كاملاً واضحاً (الطهراني).

([25]) تقوم كل دراساتي ومؤلفاتي في التفسير، والكلام، والفقه، والأصول، والعرفان، والتاريخ و.. والبالغة أكثر من 110 كتاب ومؤلّف في العلوم الإسلامية.. تقوم على مركزية القرآن وفرعية السنّة القطعية، ولم أهزم في كلّ الحوارت والسجالات التي دخلتها على هذا الأساس، كما لم أقبل بأيّ إجماع أو شهرة أو حتى ضرورة مذهبية عندما تخالف الكتاب والسنّة، وإنني أبدي استعدادي لأي حوار أو سؤال في هذا المجال (الطهراني).

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً