أحدث المقالات

دراسة تأصيليّة تجديديّة في ضوء القرآن والسنّة والمقاصد

ـ القسم الثاني ـ

 

د. يحيى رضا جاد(*)

 

خامساً: أدلّة المحرِّمين من السنّة النبويّة، ومناقشتها

1ـ يقول النبيّ|: «ليكوننَّ من أمّتي أقوامٌ يستحلّون الحِرَّ [الزنا] والحرير والخمر والمعازف، ولينزلنَّ أقوامٌ إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحةٍ لهم، يأتيهم [يعني الفقير] لحاجةٍ، فيقولوا: ارجِعْ إلينا غداً، فيبيِّتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة»([1]). وقالوا بأنّ الحديث نصٌّ صحيح وواضح، بل وصريحٌ في تحريم المعازف والموسيقى.

ويناقش:

أـ الإمام البخاري إنّما روى الحديث معلَّقاً([2]) بقوله: «وقال هشام بن عمّار: حدّثنا صدقة بن خالد: حدّثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: حدّثنا عطيّة بن قيس الكلابيّ: حدّثنا عبد الرحمن بن غنم الأشعريّ، قال: حدّثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعريّ ـ والله ما كذبني ـ أنّه سمع النبيّ| يقول:… وذكر الحديث».

وبالتالي لا يصح قول القائل: «رواه البخاريّ في صحيحه»؛ لأنّ هذا الإطلاق يفيد بأنّه رواه موصولاً محتجّاً به، وهذا خلاف الحقيقة؛ فإنّ البخاريّ إذا قال: «قال فلانٌ»، وهو من شيوخه الذين سمع منهم، يظهر أنّه أراد أنّ الحديث دون شرطه في الصحيح، ولذلك عَدَلَ عن صيغة التحديث إلى صيغة التعليق؛ لعلّةٍ في الحديث. وهذا ينطبق تمام الانطباق على حديث المعازف الذي معنا؛ حيث إنّ البخاري علَّقه عن شيخه هشام بن عمّار ـ والبخاريّ ليس من أهل التدليس، فثبت بذلك سماعه أو تلقّيه أو أخذه للحديث من هشام ـ؛ بسبب ضعف أحد الرواة الذي تدور عليه جميع أسانيد الحديث، كما سنبيِّن إنْ شاء الله. ولذلك أيضاً جعل ترجمة الباب «باب ما جاء في مَنْ يستحلّ الخمر ويسمّيه بغير اسمه»، فلم يقُلْ مثلاً «باب النهي عن الغناء»، أو «باب تحريم المعازف»، بل إنّ البخاري ـ وكذلك مسلم في صحيحه ـ لم يذكر في صحيحه كلّه أيَّ باب في تحريم الغناء أو الموسيقى([3]).

ب ـ الحديث ضعيف لا يثبت ـ فضلاً عن أن يصحّ ـ من جميع طرقه؛ لأنّ كلا طريقَيْه يلتقيان عند «حدّثنا عبد الرحمن بن يزيد: حدّثنا عطيّة بن قيس…، به»([4]).

وعطيّة هذا ليس في (عدالته) خلافٌ؛ لأنّه من أشهر أئمّة القراءات في الشام، ولكنّ الكلام في (ضبطه للأحاديث)؛ لأنّه في ذلك ضعيفٌ لا يُحتجّ به. قال فيه إمام أئمّة الحديث وحامل لواء الجرح والتعديل أبو حاتم الرازيّ: «صالح الحديث»، أي يُعتبر به. وهذا يدلّ على ضعفه عند أبي حاتم؛ حيث أفصح ابن أبي حاتم عن مراد أبيه بهذه اللفظة إذا استخدمها، فقال: «إذا قيل (ثقة) أو (متقن ثبت) فهو مَنْ يُحتجّ بحديثه. وإذا قيل: (صدوق) أو (محلّه الصدق) أو (لا بأس به) فهو ممَّنْ يُكتَب حديثه ويُنظَر فيه. وإذا قيل: (شيخ) فهو ممَّنْ يُكتب حديثه ويُنظر فيه إلاّ أنّه دون الثاني. وإذا قيل: (صالح الحديث) فإنه يُكتب حديثه للاعتبار»([5]).

فهذا نصٌّ على أنّ كلمة (صالح الحديث) تعني (ليِّن الحديث)؛ فهذه العبارة عند أبي حاتم هي من ألفاظ الجرح، لا التعديل([6]). وهي ـ فوق ذلك ـ دالّةٌ على أنّ أبا حاتم إنّما بنى قوله على سبر واستقراء أحاديث هذا الراوي.

أمّا الاحتجاج بإيراد ابن حِبَّان له في (الثقات)([7]) فهو احتجاجٌ مردود؛ إذ ابن حِبّان معروف بتوثيقه للمجاهيل؛ حيث يوثِّق مَنْ لم يسبر حديثه؛ اكتفاءً بالعدالة العامّة للمسلمين([8])! فضلاً عن أنّ ابن حِبّان لم يأتِ بأيّة كلمة تُشعر بأنّه قد استقرأ حال عطية أو فتّش عنه، مثل: «مستقيم الحديث»، أو أيّة كلمة نحوها.

وأمّا الاحتجاج بتوثيق البزّار له بقوله([9]): «لا بأس به» فهو احتجاجٌ مردود كذلك؛ لأنّ البزّار ـ كما ثبت لديّ باستقراء صنيعه([10]) ـ متساهِلٌ في التوثيق. وقد أشار إلى ذلك أيضاً الحافظ السخاوي بقوله([11]): «وذهب بعضهم إلى أنّ ممّا تثبت به العدالة رواية الجماعة من الأجلّة [أي الثقات المشاهير] عن الراوي. وهذه طريقة البزّار في مسنده»([12]). ونصَّ على تساهله المحدِّث مقبل بن هادي الوادعي([13]) اليمنيّ بقوله([14]): «أمّا البزّار فقد عُرِف تساهله»، و«إنّه قد عُلِم تساهل البزّار في التوثيق، وكذا في التصحيح».

وأمّا الاحتجاج بقول ابن سعد في (الطبقات) عن عطيّة بن قيس: «كان معروفاً، وله حديث» فهو احتجاجٌ مردودٌ كذلك؛ لأنّ هذا القول لا يدلّ على توثيق الرجل. كان معروفاً بماذا؟! الثابت أنّه كان معروفاً بصلاحه وتقواه وإمامته كقارئ للقرآن، وليس بضبطه للأحاديث.

وأمّا القول بأنّ الإمام مسلماً قد وثَّقه بإخراجه لحديث لعطيّة بن قيس في صحيحه فأقول: هذا غير صحيح؛ لأنّ مسلماً لم يُخرج له في (الأصول) حتّى نقول أنّه بذلك قد وثَّقه واحتجّ به، وإنّما أخرج له في (الشواهد) ـ أي أخرج له (استشهاداً) ـ الحديث رقم (477) عن أبي سعيد الخدريّ؛ فلقد توبع عطيّة على متنه؛ حيث رواه مسلم (رقم 476) بسندٍ في غاية القوّة والصحّة. فالقرينة التي جعلت مسلماً يخرج له هذا الحديث هي أنّ عطيّة قد وافق حديثُه حديثَ الثقات، وأشبه متنُه متنَهم.

فضلاً عن أنّ هذا الحديث الذي رواه عطيّة ـ وهو حديث أنّ النبيّ| يقول بعد الرفع من الركوع: سمع الله لمَنْ حمده، ربَّنا ولك الحمد ـ حديثٌ متواتر، رواه عليّ بن أبي طالب وعبد الله بن عبّاس وعبد الله بن عمر وأبو جحيفة.

وأمّا القول بأنّ عطيّة بن قيس من كبار التابعين وصالحيهم، فيجب توثيقه، فأقول: قال الإمام يحيى بن سعيد: «لم نرَ الصالحين في شيءٍ أكذب منهم في الحديث»([15]). قال الإمام مسلم: «يعني أنّه يجري الكذبُ على لسانهم ولا يتعمَّدونه». قال النوويّ: «لكونهم لا يعانون صناعة أهل الحديث، فيقع الخطأ في روايتهم ولا يعرفونه، ويروون الكذب ولا يعلمون أنّه كذب».

ج ـ إنّ هذا الحديث ـ إذا سلَّمنا جَدَلاً وتنزُّلاً بثبوته، وقد علمتَ أنّه ليس كذلك ـ لا دليل فيه مطلقاً على تحريم المعازف. إنّ هذا الحديث خبرٌ، والخبر لا يفيد حكماً بذاته، وإنّما قد يدلّ على وجود حُكمٍ ما؛ فهذا الحديث ما هو إلاّ علامة على وجود التحريم في المذكورات فيه، لا أنّه دليلٌ على تحريمها.

وبعبارةٍ أخرى أقول: إنّ هذا الحديث خبرٌ عن مستقبل لم يكن قد وقع على عهد النبوّة، وعن وضع معيَّنٍ لأقوام تحلّ بهم عقوبة بسببه، وليس هو خبراً أُريدَ به الإنشاء ليفيد حكماً بذاته. أي لابدّ أن يكون للأمور المذكورة في الحديث أدلّة ـ من خارجه ـ تدلّ على مدى إباحة كلٍّ منها أو حرمته ـ استقلالاً ـ.

فوجب أنْ يُفهَمَ هذا الحديث كما يُفهَم أمثاله ممّا ورد في أنباء المستقبل التي أخبر بها النبيّ|. فهي ليست تشريعاً، وإنّما هي إخبارٌ بأشياء ستحدث بعده. فما دلّ ـ ظاهره المجرَّد ـ منها على تحريم شيءٍ لا يُعرف في خصوصه دليلٌ على التحريم فلابدّ أن يكون ما أَخبر به| سيقع على وجه محرَّم، وأن يكون عنى به وقوعه على ذلك الوجه لا غير([16]).

وزيادةً في التأصيل والتفصيل والإيضاح أقول: إنّ لفظ (الاستحلال) يُستعمل في استباحة المباح أو الحلال([17]). كما يُستعمل في استباحة الحرام([18]). وعليه فلفظُ (الاستحلال) لا يدلّ بنفسه على التحريم، وإنّما تتوقَّف دلالته على التحريم على دليل خارجٍ عن نفس لفظ (الاستحلال). ولا ريب أنّ هناك أدلّة خارجيّة منفصلة قائمة بذاتها قد صحَّت، بل وتواترت، في تحريم الزنا والخمر الواردين في الحديث. وعليه فاستحلالهما استحلالٌ للحرام، بل استحلال لما هو معلوم الحرمة من دين الله بالضرورة.

أمّا بالنسبة إلى الحرير فقد فصَّلت السنن في حكمه؛ فأباحته للإناث، وحرَّمته على الذكور، ورخَّصت لهم في يسيره، وأجازته لهم للحاجة([19]).

وأمّا بالنسبة إلى المعازف فلم نجد ـ نحن ـ دليلاً واحداً يفيد تحريمها لذاتها، بل قد وجدنا أدلّة صحيحة وصريحة تنطق بالإباحة والتحليل، بل وبالندب والسنّيّة في بعض الأحوال ـ كما سيأتي تفصيله إنْ شاء الله ـ.

وزيادةً في التأصيل والإيضاح ـ فوق الزيادة السابقة ـ نقول: المرأة ـ مطلَق المرأة ـ يشملها ما ورد في هذا الحديث من الوعيد قطعاً ـ لا يماري في ذلك أحد ـ. فمع أنّ المرأة ـ مطلَق المرأة ـ إنّما استحلَّت الحلال بلبسها للحرير فإنّ العقوبة الواردة شاملةٌ لها بلا ريب ـ مع أنّ ما يحلّ لبسه لا يُعاقَب عليه ـ؛ وذلك لأنّها لبست ما يحلُّ استعانةً به على الحرام ـ من خمرٍ وسُكْرٍ وزنا ـ، فصار لبسها له حراماً، وصارت بذلك مستحقَّة للعقوبة.

وما قلناه في الحرير يُقال في شأن المعازف تماماً بتمام؛ لأنّ الأصل في المعازف الإباحة ـ كما بيّنّا في أوّل البحث وكما سيأتي إنْ شاء الله ـ، وإنّما ينتقل عنها هذا الحكم بحسب ما تُستَعمَل له؛ إمْا معروفاً فتصبح حلالاً، وإمّا غير ذلك فتصبح مكروهةً أو محرَّمة. وهنا في هذا الحديث ـ على ضعفه ـ لمّا جامعت المعازفُ الخمرَ والزنا كان ذلك قرينةً على أنّها استُعملت وسيلةً للحرام، وعوناً عليه، وداعيةً إليه، فأصبحت بذلك وسيلةً لمعصية الله. فهؤلاء قومٌ منغمسون في الفساد والليالي الحمراء، فهم بين خمر ونساء، وحرير وزنا وغناء!

وبناءً على ذلك فالعقوبة الواردة في الحديث إنّما هي لاستحلال الإتيان بمجموعة أفعالٍ هي عند الافتراق مختلفة الأحكام. فقد قرن هذا الحديث أشياء محرَّمة ـ كالخمر والزنا ـ بأشياء مباحة ـ كالحرير للنساء ـ، فهل هذا بمجرَّده يدلّ على تحريم الحرير ـ على النساء ـ لمجرَّد وروده في هذا الحديث، أم الصوابُ أنْ نقول ما قلتُه في الفقرة السابقة؟! وكذلك الشأن في المعازف. فتأمَّلْ منصِفاً.

فذمُّ المعازف الذي أشار إليه الحديث ليس لكونها محرَّمةً في الأصل، وإنّما لحرمة ما اتُّخذت لأجله. فإنّ الحكم على الأصوات ـ ومنها المعازف ـ بالحلّ أو بالحرمة عائدٌ إلى اعتبار الصوت دعوةً؛ فإذا كان الصوت يُدعى به إلى معصيةٍ كان محرَّماً؛ وإذا كان يُدعَى به إلى طاعة أو معروف كان مرغوباً مطلوباً؛ وإن لم يكن هذا ولا ذاك كان مباحاً. ولذلك فإنّ المعازف إذا استُخدمت في عرسٍ كان ذلك مرغوباً فيه؛ لما يحقِّق من مقصود شرعيّ، وإذا استُخدمت في مجال الخمور والعُهر كان ذلك منهيّاً عنه محرَّماً؛ لما يؤدّي إليه من فجور وفساد وإعانة على معصية الله.

إذاً، فمعنى الحديث ـ في ما يبدو لي ـ كالتالي:

ـ «يستحلّون الحِرّ (أي الفروج)»: أي يباشرونها في الحرام، وإلاّ فليست كلّ الفروج محرَّمة. أليست فروج الزوجات والإماء حلالاً؟!

وإنْ شئتَ قلتَ: أي يستحلّون المحرَّم منها.

ـ «والحرير»: أي يستخدمونه في الحرام، وإلاّ فالحرير حلالٌ للنساء.

وإنْ شئتَ قلتَ ـ في تعبيرٍ أدقّ ـ: أي يستحلّون المحرَّم منه.

ـ «والخمر»: أي يستخدمونها في الحرام، والخمر كلّها محرَّمة.

وإن شئتَ قلتَ: أي يستحلّون المحرَّم منها، وكلّها حرام.

ـ «والمعازف»: أي يستخدمونها في الحرام، وإلاّ فليس هناك نصٌّ صحيح يفيد حرمتها في ذاتها.

وإنْ شئتَ قلتَ: أي يستحلّون المحرَّم منها، وهو ما استُعين به على معصية، أو ألهى عن واجب.

ـ فحديث المعازف ـ إذا أحسنَّا فهمه ـ ليس دليلاً على التحريم، وإنّما هو وصفٌ لحال قومٍ يستحلون الفرج بلا نكاح، والحرير بلا حاجة، والخمر بلا إكراه ولا ضرورة، والمعازف لغير الترفيه واللهو المباح، وإنّما للإضلال والإفساد والفساد.

 

2ـ يقول|: «إنّ الله ـ وفي رواية: إنّ ربّي ـ حرّم عليكم ـ وفي رواية: عليَّ ـ الخمر والميسر والكوبة [وكلّ مسكر حرام]»([20]). وسُئل عليّ بن بذيمة ـ أحد رواة الحديث ـ: ما الكوبة؟ قال: الطبل. وقال المحرِّمون: هذا الحديث نصٌّ في تحريم الطبل، وأكثر آلات العزف أشدّ من الطبل، فلها حكمه كذلك.

ويناقش:

أـ لا يجوز الاعتماد على قول ابن بذيمة هذا؛ إذ ما هو إلاّ رجل من الموالي، ليس بأعرابيٍّ فصيح اللسان فيعتمد قوله لذاته، وليس بلغويٍّ يُعتمد قوله، كالأصمعيّ وأبي عبيدة والأزهريّ وابن الأثير، وليس بفقيهٍ يعرف دلالات الألفاظ ومخارجها فيُعتمد تفسيره، وإنّما غاية أمره أن يكون رجلاً من الرواة النقلة ليس إلاّ! فهل يصحّ في العلم اعتماد قول مَنْ هذا وصفه؟! وتذكَّر قوله|: «نضَّر الله امرأ سمع منّا حديثاً، فحفظه حتّى يبلِّغه غيره، فربّ حامل فقهٍ إلى مَنْ هو أفقه منه، وربّ حامل فقهٍ ليس بفقيهٍ»([21]).

ب ـ الصحيح في اللغة أنّ الكوبة هي النَّرد (الطاولة). قال الأزهريّ في هذا التفسير: «هو الصحيح»([22]). وقال ابن الأثير: «هي النرد»([23]). وقال الفقيه واللغويّ الكبير أبو عبيد القاسم بن سلام: «وأمّا الكوبة فإنّ محمد بن كثير([24]) أخبرني أنّ «الكوبةَ» النردُ في كلام أهل اليمن([25])»([26]).

ويؤيِّد قول هؤلاء جميعاً ما ثبت عن فضالة بن عبيد ـ وهو من الأنصار، ومن خيار صحابة رسول الله| ـ، وكان بِجَمْع من المجامع، فبلغه أنّ أقواماً يلعبون بالكوبة، فقام غضباناً ينهى عنها أشدّ النهي، ثم قال: «ألا إنّ اللاعب بها ليأكل قَمْرَها (أي القمار) كآكل لحم الخنزير، ومتوضّئٍ بالدم. يعني بالكوبة النرد»([27]). ففي هذا الأثر تفسير صريحٌ للكوبة بأنّها النرد: «ألا إنّ اللاعب بها ليأكل قَمْرَها». وهذا كافٍ للدلالة على أنّ أصحاب النبيّ| كانوا يعرفون أنّ الكوبة هي النرد (الطاولة، وهي لعبة القمار وقتها)، لا الطبل، كما يزعم البعض([28]).

3ـ فضلاً عن أنّ تفسير الكوبة بالنرد هو الأنسب والأوفق بسياق الحديث الذي ذَكَرَ الخمر والميسر (القمار) فلا عجب أن يُذكر معها النرد ـ وهي من جنس الميسر؛ إذ كان يستعين بها العرب في المقامرة ـ.

 

3ـ يقول|: «…كلّ ما يلهو به الرجل المسلم باطل، إلاّ ثلاثة: رميه عن قوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله؛ فإنهنّ من الحقّ»([29]). وقالوا بأنّ الحديث قد ذمَّ اللهو مطلقاً وحرَّمه إلاّ ما استثني، وليس الغناء والموسيقى ممّا استثني، فدلَّ ذلك على حرمتهما؛ لأنّهما من الباطل.

ويناقش:

أـ الحديث ضعيفٌ لا يُحتجّ به؛ لأن إسناد الترمذيّ معضل؛ فبين عبد الله بن عبد الرحمن والنبيّ| مفاوز وعقود! وإسناد الباقين يدور على خالد بن زيد، أو خالد بن يزيد الجهنيّ، أو عبد الله الأزرق، وكلُّهم مجهولو العين.

ب ـ لا تلازم بين كلمة (باطل) وبين (المحرَّم)، لا لغةً، ولا شرعاً. فالأصل في كلمة (باطل) الدلالة على ذهاب الشيء وقلّة مكثه ولبثه؛ فالباطل هو ما لا فائدة فيه ولا منفعة. وما لا فائدة فيه فهو من قسم المباح. إذاً: الباطل يساوق المباح.

ج ـ الحديث ـ على ضعفه ـ لا يحصر «اللهو الحقّ» في هذه الثلاثة، وإنّما يقول: إنّها «من الحقّ»، ولم يقل: إنّها «كلّ الحقّ أو جميعه»([30]). وسيأتي لذلك مزيد بيان في نهاية النقطة التالية مباشرةً.

د ـ إنّ وجود المنفعة في الباطل (أي المباح) يحيله حقّاً، فعن جابر بن عبد الله وجابر بن عمير، قال أحدهما: سمعتُ رسول الله| يقول: «كلّ شيء ليس من ذكر الله فهو لغو ولهو([31])، إلاّ أربعة خصال: مشي الرجل بين الغرضين (أي السعي بين مكانين؛ مشياً أو جرياً)، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعلُّم السباحة»([32]).

وليس السعي بين مكانين (أي رياضة المشي والجري) وتأديب الفرس وملاعبة الأهل وتعلُّم السباحة أفعالاً استحقَّت الاستثناء لذاتها، وإنّما استُثنيت عن (اللغو واللهو) لعِلَلٍ جعلت هذه الاشياء مُرَغَّباً فيها، وهي الاستعداد للجهاد ـ برياضة المشي والجري وتعلُّم السباحة وتأديب الفرس ـ وحسن وإحسان العشرة والمعاشرة للأهل؛ زوجةً وأولاداً.

فالاستثناء في الحديث إنّما يقع على كلّ (لغو ولهو) يُستعمل لغرضٍ مشروع.

هـ ـ إنّ الحصر في الأربعة المذكورة في الحديث غير مراد ـ كما أوضحنا ـ؛ فإن التلهّي بالنظر إلى الحبشة وهم يلعبون ويرقصون جائزٌ؛ لوقوعه من النبي|. وقد حثَّ| أن يكون مع العرس لهوٌ؛ إشاعةً للبهجة والفرحة، وإعلاناً بالنكاح وإشهاراً له. وقد مارس النبي| المصارعة مع ركانة، والمسابقة على الأقدام مع عائشة. فضلاً عن أن التفرُّج على الحدائق والبساتين، والمشي بين الغابات والأشجار، وسماع أصوات الطيور، ممّا يلهو به المرء، لا يحرم عليه شيء من ذلك مطلقاً، لا عقلاً ولا شرعاً، بالرغم من عدم استثناء الرسول| لهذه الأشياء ـ وغيرها كثير يستحيل حصره ـ. مما يدلّ قطعاً على أن الاستثناء غير مراد بذاته.

 

4ـ عن نافع أنّ ابن عمر سمع زمّارة راعٍ، فوضع أصبعَيْه في أذنَيْه، وعدل راحلته عن الطريق، وهو يقول: يا نافع، أتسمع؟ فأقول: نعم، فيمضي، حتّى قلتُ: لا، فوضع يديه، وأعاد راحلته إلى الطريق، وقال: «رأيتُ رسول الله| سمع زمّارة راعٍ، فصنع مثل هذا»([33]). وقالوا بأنّ الزمارة لو لم تكن محرَّمة لما وضع النبيّ| إصبعَيْه في أذنَيْه، وأعرض عن الاستماع. وبالتالي فبقيّة الآلات كلّها محرَّمة؛ بجامع أنّها ـ كالزمّارة ـ من المعازف.

ويناقش:

أـ غاية ما في الحديث أنّ النبيّ| أعرض عن الاستماع، ونأى بجانبه، ومجرَّد الإعراض والترك لا يدلّ على التحريم مطلقاً، بل أقصى ما يدلّ عليه هو الكراهة([34]). والكراهة هنا ليست لأجل أنّ استماع الموسيقى مكروهٌ لذاته؛ بل لأنّ النبيّ| كان دائم القربة والذكر لله في جميع أحواله؛ فعن عائشة أنّها قالت: «كان رسول الله يذكر الله على كلّ أحيانه»([35])، لذا كان إعراضه عن سماع زمّارة الراعي مناسباً لحال اشتغاله| بالقربة والذكر؛ حيث إنّه| لو استمع إليها لشغلته عمّا هو فيه من العبادة. وقد قلنا ـ أكثر من مرّة ـ من قبل: إنّ المباح ـ كاستماع زمّارة الراعي ـ يصير مكروهاً بمجرَّد تفويته للمستحبّ كذكر الله وعبادته. ولذلك كان إعراض رسول الله| عن الاستماع؛ حيث إنّه كان في حال ذكرٍ لله وتسبيحٍ له وتمجيد.

فضلاً عن أنّ تجنُّبه للاستماع يمكن تفسيره بأنّه كتجنُّبه للكثير من المباحات من أمور الدنيا ومتاعها، كلبس الليِّن، وأكل الطيب، وشرب الماء البارد، والأكل متَّكئاً، وكأنْ يبيت وفي بيته دينار أو درهم، وكخلعه| لثوبٍ كانت عليه أعلام شغلت قلبه في الصلاة،…إلخ.

ب ـ هذا الحديث حجّةٌ على المحرِّمين، لا لهم؛ إذ لو كان المزمار حراماً ما سكت النبيّ| عن بيان ذلك للراعي ـ ولو عن طريق رفع النبيّ| لصوته إعلاماً للراعي وبياناً له وتنبيهاً! ـ؛ إذ كيف يسكت| عن منكرٍ دون إنكارٍ له أو بيانٍ لحرمته. فضلاً عن أنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز في حقّ النبيّ|، وخاصةً أنّ هذه الحادثة إنّما وقعت بعد ظهور الإسلام وقوّته؛ حيث إنّ ابن عمر صاحب النبيّ| بالمدينة.

كلّ هذا إنْ دلَّ فإنّما يدلّ على إباحة الموسيقى، وما الزمّارة إلاّ آلة من آلاتها.

 

5ـ عن عامر بن سعد البجليّ، قال: دخلتُ على ابن مسعود، وقرظة بن كعب، وثابت بن يزيد، وجوارٍ يضربن بدفٍّ لهنَّ ويتغنَّيْنَ. فقلتُ: تقرّون بهذا وأنتم أصحاب رسول الله|؟! قالوا: «إنّه رُخِّص لنا في الغناء في العرس، والبكاء على الميت في غير نوح»([36]). وقالوا بأنّ قول الصحابة: «رُخِّص لنا» دليلٌ على أنّ الأصل هو المنع، وأنّ الرخصة في اللهو عند العرس إنّما هي استثناء من التحريم.

ويناقش:

أـ لقد نسي المحرِّمون أنّ مثل هذا التعبير «رُخِّص لنا» إنّما يأتي في ما يُراد به التيسير على عباد الله في أمرٍ كان يُتوقَّع فيه التشديد والمنع؛ فهو من باب التعبير بـ «لا جناح عليه»، الذي ورد في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا (البقرة: 158). فمع أنّ السعي واجبٌ ـ لقوله: «يا أيّها الناس، اسعوا؛ فإنّ السعي قد كُتب عليكم»([37]) ـ يأثم تاركه فقد عبَّر الله عنه بـ ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾، الذي يفيد ـ بذاته ـ جواز الطواف من غير وجوب؛ وذلك لأنّ الصحابة كانوا يتوقَّعون ـ في أوّل الأمر ـ التشديد والمنع من السعي؛ لأنّه كان من أمر الجاهلية؛ حيث كان الأنصار ـ قبل أن يسلموا ـ يهلّون لمناة الطاغية ـ وهو أحد أشهر أصنام العرب ـ عند المشلل، وكان مَنْ أَهلَّ من الأنصار ـ بعد إسلامهم ـ يتحرَّج أنْ يطَّوَّف بالصفا والمروة؛ بسبب ذلك، فسألوا رسول الله| عن ذلك، فأنزل الله الآية([38]).

ب ـ لقد نسي المحرِّمون كذلك أنّ (الرخصة) لا تقابل (المحرَّم)، وإنّما تقابل (العزيمة). وفي باب الترفيه فإنّ (العزيمة) هي الجدّ والعمل؛ إذ هما الأصل في الحياة، بينما (الرخصة) هي الهزل واللهو والموسيقى والغناء؛ دفعاً للسآمة والملل، وتجديداً للنشاط.

وبناءً على ذلك فالاشتغال باللهو المحض مباح، ولكنّ الأفضل هو الاشتغال بالجدّ.

وبناءً على ذلك أيضاً فإنّ الاشتغال باللهو أو الاستماع إليه إنْ كان بنيّةٍ حسنة أو لمصلحة راجحة صار قربةً ومستحبّاً ومندوباً إليه.

ج ـ الحديث ظاهرٌ في رفع الحرج عن الضرب بالدفّ والغناء في العرس، ولا يلزمنا مفهومه من وقوعٍ للحرج في غير العرس؛ لأنّ مسألة اللهو في الأصل هي من باب العادات، لا العبادات، والأصل في العادات الإباحة والحلّ ورفع الحرج، فلا يعدو الحديث الذي معنا أن يكون تأكيداً لهذا الأصل، وتنبيهاً على الترخيص ورفع الحرج، وإنّما يُمنَع من العادات بالنصّ، وهيهات أن يأتي المحرِّمون به؛ لأنّه غير موجود أصلاً، بل ويستحيل أنْ يُوجَد؛ لِمَا أوضحناه مِن قبلُ في حكم الشرع في الأصوات من أنّه لا يتعلَّق بها حكمٌ لذاتها، وإنّما يتعلَّق الحكم بمدى استخدامنا لهذه الأصوات واستعمالنا لها؛ إنْ حسناً فمندوبٌ أو واجب؛ وإنْ قبيحاً فمكروهٌ أو محرَّم.

د ـ لقد غفل المحرِّمون عن أنّ صيغة «رُخِّص لنا» إنّما هي من عنديات مَنْ روى الحديث من الصحابة، فليست هي عين نصّ رسول الله|، وإنّما هي تعبيرٌ عمّا قاله|. وبالتالي فلا يصحّ أن يحتجّ المحرِّمون علينا بهذه الصيغة. فضلاً عن أنّنا بحثنا عن النصوص التي قالها النبيّ| في مسألة (اللهو عند الأعراس) فوجدناها كلّها مؤيِّدةً لما ذهبنا إليه([39]).

هـ ـ يلزم المستدلّ بهذا الحديث على تحريم الغناء والموسيقى في غير الأعراس أنْ يحرِّم البكاء ـ مطلق البكاء ـ، ويستثني البكاء على الميت: «رُخِّص لنا في البكاء على الميت من غير نوح». وهذا باطلٌ ظاهر البطلان. وما لزم منه باطلٌ فهو باطل.

 

6ـ يقول|: «بئسَ الكسبُ أجر الزَّمَّارة وثمن الكلب»([40]). وقالوا بأنّ الزمَّارة هي المغنِّية والعازفة، والنهي عن كسبها للتحريم، وتحريم كسبها تحريمٌ لمهنتها ـ أي الغناء والعزف ـ.

ويناقش:

أـ تفسير الزمَّارة بالمغنّية أو العازفة خطأ. والصحيح في اللغة أنّ الزمَّارة هي الزانية. قال الحجّاج بن محمّد المصّيصي([41]) ـ أحد رواة الحديث الذي نحن في صدده ـ: «الزمّارة: الزانية».

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام، تعقيباً على ذلك: «هذا عندنا أثبت ممَّنْ خالفه. إنّما نهى رسول الله| عن كسب الزانية، وبه نزل القرآن في قوله: ﴿وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (النور: 33)، فهذا العَرَض هو الكسب؛ وهو مهر البغي؛ وهو الذي جاء فيه النهي؛ وهو كسب الأَمَة. كانوا يُكرهون فتياتهم على البغاء، ويأكلون كسبهنّ، حتى أنزل الله تبارك وتعالى في ذلك النهي»([42]).

وكذلك ذكر ابن قتيبة أنها «البَغِيُّ»([43]).

وكذلك قال الإمام أبو بكر بن الأنباريّ، ثم عقَّب شارحاً: «الزمّارة: الفاجرة؛ لأنها تُحسِّن نفسها وكلامها. والزَّمِرُ عند العرب: الحَسَن. قال ابن أحمر:

دنّانان حنّانان بينهما

رجلٌ أجشّ عناؤه زَمِرُ

قال ابن الأعرابيّ: «الزَّمِرُ: الحَسَن». ومن هذا قيل للفاجرة: زَمَّارة؛ لأنّها تَزْمُرُ نفسها؛ تُحَسِّنُها. ثم إنّها سميت زَمَّارةً؛ لمهانتها وقلّة ما فيها من الخير؛ من قولهم: «زَمِرُ المروءة»([44]).

ب ـ لقد روى أبو هريرة نصَّ قول النبيّ| بقوله: قال رسول الله|: «بئس الكسب أجر الزمَّارة». ثم رواه بقوله: «نهى رسول الله عن مهر الزمَّارة»، و«نهى النبيّ| عن كسب الإماء»([45]). وهذا حاصله أنّ (أجر الزمَّارة) مرادفٌ لـ (مهر الزمّارة)، ومرادف لـ (كسب الإماء). وهذا كلّه يؤكِّد أنّ المقصود بالزمّارة «الزانية البغيّ» ـ كما شرح أبو عبيد في ما نقلناه عنه ـ، خاصّةً مع ورود كلمة (مهر).

فضلاً عن أنّ أبا هريرة عربيٌّ قحٌّ فصيح اللسان، عليمٌ بلسان العرب ومرادهم، فقوله هنا يُعتمد ولابدّ، بل ويُقدَّم على أقوال غيره بلا شكّ.

ج ـ إنّ أحسن ما يُفسَّر به الحديث هو الحديث نفسه. وقد ورد في الحديث الذي معنا «أجر الزمَّارة وثمن الكلب»، وهذا يفسِّره حديث رسول الله| نفسه؛ حيث قال أبو مسعود الأنصاريّ: «إنّ رسول الله| نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغيّ، وحلوان الكاهن»([46]).

وعليه فليس في هذا الحديث شِبْهُ دليلٍ على دعوى التحريم، بل ليس له أيّة صلةٍ بموضوع الغناء والمعازف أصلاً.

 

7ـ عن عليّ بن أبي طالب قال: سمعتُ رسول الله| يقول: «ما هممتُ بشيءٍ ممّا كان أهل الجاهليّة يهمّون به إلاّ مرّتين من الدهر، كلاهما يعصمني الله تعالى منهما؛ قلتُ ليلةً لفتى كان معي من قريش في أعلى مكّة في أغنام لأهلها ترعى: أبصر لي غنمي حتى أَسْمُر هذه الليلة بمكّة كما تسمر الفتيان، قال: نعم، فخرجتُ، فلما جئتُ أدنى دارٍ من دور مكّة سمعتُ غناءً وصوت دفوفٍ وزمر، فقلتُ: ما هذا؟ قالوا: فلانٌ تزوَّج فلانة؛ لرجل من قريش تزوّج امرأة، فلهوتُ بذلك الغناء والصوت حتّى غلبتني عيني، فنمتُ، فما أيقظني إلاّ مسّ الشمس، فرجعتُ [أي مرةً ثانيةً] فسمعتُ مثلَ ذلك، فقيل لي مثلُ ما قيل لي [أي أوّل مرة]، فلهوتُ بما سمعتُ، وغلبتني عيني، فما أيقظني إلاّ مسّ الشمس. ثم رجعت إلى صاحبي، فقال: ما فعلتَ؟ فقلتُ: ما فعلتُ شيئاً. قال رسول الله|: فوالله ما هممتُ بعدها أبداً بسوء ممّا يعمل أهل الجاهليّة حتّى أكرمني الله تعالى بنبوته»([47]). وقالوا بأنّ هذا الحديث يدلّ على أنّ سماع الغناء والمعازف من فعل الجاهليّة الذي وُصِف في الحديث بالسوء والقبح، وعَصَم الله نبيّه منه قبل البعثة. ممّا يدل على تحريم الغناء والموسيقى.

ويناقش:

أـ استدلال المحرِّمين هذا خطأٌ فاحش وتفسيرٌ باطل، فلم يكن الذي هَمَّ النبيُّ أن يفعله من أمر الجاهليّة مرّتين هو سماع الغناء والمعازف؛ لأنّه| قال: «كلاهما يعصمني الله تعالى منهما»، وهو| لم يُعْصَم من السماع في المرّتين؛ لأنّه قال: «فلهوتُ بذلك الغناء والصوت»، وقع له| ذلك في المرّتين، وإنّما عصمه الله من، وحال بينه وبين، ما كان يفعله الجاهليّون في مناسباتهم من المنكرات واللهو بالفحش ومخادنة النساء وشرب الخمر، وليس مجرَّد سماع الغناء والمعازف.

ويؤيِّد هذا، ويزيده تأكيداً، جواب النبيّ| لمّا سأله صاحبه: «ما فعلتَ؟» فقال|: «ما فعلتُ شيئاً»، مع أنّه| سمع من الجاهليّين الغناء والمعازف، بل ولها بها حتّى نام. وهذا يدلّ دلالة ساطعة على أنّ الشيء القبيح الذي عصمه الله منه ليس الغناء والمعازف، بل الفواحش التي كان يرتكبها أهل الجاهليّة في أفراحهم.

ب ـ إنّ هذا الحديث حجّة على المحرِّمين، لا لهم؛ إذ لو كان الغناء والمعازف حراماً لنبَّه على ذلك النبيّ| كما نبَّه على سوء وفحش وقبح ما كان يفعله أهل الجاهليّة في أفراحهم. وهذا يدلّ على إباحة الغناء والمعازف؛ إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز في حقّه|.

 

تنبيه عامّ هامّ

هناك أحاديث أخرى يحتجّ بها المحرِّمون غيرَ هذه الأحاديث السبعة التي ذكرتُها في بحثي هذا، ولكنّي أعرضتُ عن ذكرها ها هنا؛ لأنّها بين ضعيف ـ يقيناً ـ وضعيف جدّاً وموضوع من حيث الرواية.

وقد استوعب الكلامَ على أسانيدها وطرقها، بما لا مزيد عليه([48])، بل وبما لم يُسبَق إليه، أستاذُنا العلاّمة عبد الله بن يوسف الجديع، في الباب الثاني من كتابه القيِّم: (الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام).

وقد ذكرتُ ها هنا ما ارتأيتُ أنّه أقوى أدّلتهم، وبيَّنتُ ـ بحسب فهمي واجتهادي الخاص، غيرَ مقلِّدٍ لأحدٍ ـ ما على هذه الأحاديث من ملاحظات ـ روايةً ودرايةً ـ.

وأزيد على ما سبق فأقول: الحكم عندي على جميع أحاديث ذمّ الغناء والمعازف والقيان ـ التي تفيد تحريمَها صراحةً ـ هو بـالبطلان، وهي عندي في حكم الموضوع؛ لنكارة متونها؛ لمخالفتها الصريحة للقرآن والسنّة والمقاصد والنظر العقليّ ـ على ما سبق، وما سيأتي، إيضاحُه وبيانُه ـ.

 

سادساً: استدلال المحرِّمين بمعانٍ خارجةٍ عمّا تقدم، ومناقشتهم

قالوا: إنّ الموسيقى محرَّمة؛ لكونها مُطْرِبَةً.

والجواب:

1ـ الأصل في الطرب أنّه شيءٌ يثير النفسَ لفرحٍ أو حزنٍ أو ارتياحٍ. وأغلب ما تُستعمل الموسيقى اليومَ في الفرح أو الارتياح.

وهذا المعنى للطرب هو أمرٌ مدرَك في سماع الموسيقى لا يُنْكَر؛ حيث تجد النفس للسماع ارتياحاً وانبساطاً محسوسين. فهل في ذلك أيّ وجه للتحريم؟! اللهم لا.

إنّ الإسلام لا يمنع ولا يحرِّم ما يزيد الحياة حسناً وبهاءً وصلاحاً وفلاحاً، بل هو يحضّ على ما يرتفع بالمشاعر الإنسانيّة ويسمو ويرتقي بها. ولذلك فالغناء والموسيقى ممّا لا يجوز رفضه لذاته. فضلاً عن كونهما ممّا لا ينبغي استهجانه باسم الرجولة والوقار؛ وكأنّ الرجولة قرينة الغلظة في الطباع، وكأنّ الوقار قرين البلادة وانحراف الذوق!

2ـ إنّ اعتبارَ الطرب علّةٌ لتحريم الموسيقى يوجب تحريم سماع كلّ صوت مُطرِبٍ ـ أي يسبِّب طرباً ـ، سواءٌ صدر من إنسان أو طير أو آلة، وسواءٌ كان الصوت مصحوباً بكلامٍ ـ قرآناً كان أو أذاناً أو ذكراً أو شعراً ـ أو غير مصحوب. وهذا كلُّه باطلٌ ظاهر البطلان.

لو كان المقصود تحريم المعازف لذاتها لَقِيسَ عليها ـ ولَدَخل في حكمها ـ كل ما يلتذّ به الإنسان من أصوات الطيور وغيرها ليريح طبعه المكدود. وهذا من أشنع ما يلزم المحرِّمين. وفيه دليلٌ ساطع على أنّ المحرَّم من ذلك هو ما كان يحرِّك من القلب ما هو مراد الشيطان من شهوة وفتنة. وأمّا ما يحرِّك الشوق إلى الله أو يُدخِل البهجة والمسرّة على النفس؛ لتنشيطها وتحفيزها على مواصلة الجدّ والعمل، فهذا كلّه ـ كما قال أبو حامد الغزاليّ في الإحياء ـ يُضادّ مراد الشيطان.

3ـ الأدلّة المبيحة للغناء والموسيقى، حتّى على قول مَنْ يحصرهما في الأعراس والأعياد، ويحصر الموسيقى المباحة في الدفّ فقط، ويحصر جواز كلّ ذلك في النساء فقط، تدلّ دلالةً قاطعة على أنّ أثر الصوت في إطراب السامع لا أثر له في الحكم؛ إذ لو كان للإطراب أثرٌ في التحريم لَمُنع الغناءُ والدفّ في الأعراس والأعياد، ولَمُنِعَت النساء منه. وهذا لا يقول به المحرِّمون!

4ـ لقد قلنا مراراً وتكراراً أنّ الأصوات ـ وما الموسيقى إلاّ صوتٌ من الأصوات ـ لا يتعلَّق بها حكم لذاتها إلاّ الإباحة، وإنّما يصير الأمر إلى حِلٍّ أو حرمةٍ بالغرض الذي يُستعمل الصوت من أجله؛ إنْ حسناً فحسنٌ، وإنْ قبيحاً فقبيحٌ، وإنْ مباحاً فمباحٌ.

 

قالوا: إنّ الموسيقى والغناء هي من شعار الفَسَقة والفَجَرة وشاربي الخمور، والتشبُّه بهم حرام، ومن ثم فالاستماع لها والاشتغال بها حرامٌ.

والجواب:

1ـ هذا قولٌ عاطلٌ باطل فاسد. وهو خطأٌ على الشرع، وتجنٍّ على التاريخ، بل وفيه اتّهامٌ صريح للنبيّ| وصحابته الكرام بأنَّهم يتشبَّهون بأهل الخمور والفجور والليالي الحمراء! فإنّ الغناء والضرب على المعازف، من دفوف ومزامير، قد وقع في ما ثبت لدينا في خير مجتمعٍ على وجه الأرض([49])، بل في خير مجتمعٍ عرفه التاريخ؛ مجتمع الصحابةy؛ في عهد النبيّ| وبعده. فكيف يصحّ بالله عليكم مثل هذا الإطلاق والتعميم؟!

2ـ لقد أباحت الشريعة الإسلاميّة الغناء والمعازف تأصيلاً؛ وذلك لعدم الناقل، الذي عجز عن الإتيان به المحرِّمون؛ حيث إنّ الأصل في الأشياء الإباحة.

فضلاً عن أنّ الشريعة قد جاء فيها من القرآن وصحيح السنّة، كما سيأتي بيانه، وقد مرّ بعضه سابقاً، نصوصٌ تفيد الإباحة والحِلّ، بل والندب واحتمال الوجوب في بعض الأحيان. فكيف يصحّ إطلاق مثل هذا الوصف الذي ذكره المحرِّمون؟!

3ـ لقد ذكرنا أنّ قول المحرِّمين هذا ما هو إلاّ تجنٍّ على التاريخ. وليس قولنا هذا مبنيّاً على فراغٍ؛ فإنّه قد عُهِد السماع والاشتغال بالغناء والموسيقى في مَنْ عُرِفَ بالدين، بل وبالإمامة فيه ـ بخلاف النبيّ| وصحابته الكرام ـ، من أمثال: إسماعيل بن جامع المُغَنّي، وكان صاحب قرآن، من أهل مكّة، وهو من مشاهير المغنّين([50])؛ والسيّدة الفاضلة المغنّية عليّة بنت المهديّ أخت الرشيد، وهي شاعرةٌ عارفة بالغناء والموسيقى، رخيمة الصوت، ذات عفّة وتقوى ومناقب([51])؛ وإمام المغنّين وسيّدهم إسحاق بن إبراهيم الموصلّيّ، الإمام العلاّمة الحافظ ذو الفنون، صاحب الموسيقى والشعر الرائق والتصانيف الأدبيّة، مع الفقه واللغة والبصر بالحديث وعلوّ المرتبة([52])؛ والعلم الجليل الكبير أبو يوسف الماجشون يعقوب بن دينار بن أبي سلمة، مفتي المدينة وراوي الحديث الثقة الفاضل الشهير؛ وقاضي البصرة عبيد الله بن الحسن العنبريّ، من سادات أهل البصرة فقهاً وعلماً وعقلاً وثقةً؛ والإمام الثقة الحجّة إبراهيم بن سعد، أحد أعلام علماء المدينة، وأحد أشهر رواة الحديث الثقات، وقد كان لا يحدِّث حديثاً إلاّ ويضرب قبله على المعازف؛ وغيرهم كثيرٌ، قديماً وحديثاً. فكيف يستقيم قول المحرِّمين سالف الذكر؟!

4ـ إنّ الغناء والموسيقى ـ تأصيلاً وواقعاً وشرعاً ـ ليست شعاراً مختصّاً بالفُسَّاق، وليست حِكْراً على أهل الفجور، وليست علامة تجاريّة تدلّ عليهم، ولا أمراً من الأمور التي بها يتميَّزون ويُعرَفون دوناً عن بقيّة الناس، بل إنّ استماعها والاشتغال بها منتشرٌ بين الفضلاء والنبلاء، كما مرّ بنا، وكما هو واقعٌ مشاهَد، بل وبين الناس كافّة. فأمرُها غيرُ مميِّزٍ لفئةٍ عن فئة، أو فرقةٍ عن فرقة، أو طائفةٍ عن طائفة. هي أمرٌ خارج عن حدّ الخصوصيّة، وعن كونه تشبُّهاً؛ فإنّ التشبُّه إنّما يكون في شيءٍ مخصوص بشخصٍ أو فئة معيَّنة لا يتعاطاه إلاّ هُمْ، أمّا ما كان يفعله المرء هو وغيره فلا يُقال فيه: تشبُّه.

ومن هذا تعلم خطأ، بل وبطلان، ما ادَّعاه المحرِّمون في قولهم السابق؛ فإنّ الغناء والموسيقى معروفٌ أمرهما في الناس، كلّ الناس، منذ الجاهليّة، بل منذ عهد الفراعنة، بل منذ فجر البشريّة الأوّل، فجاء الإسلام وهي في الناس، ولم تكن تميِّز فئةً عن فئة، أو أهل ملّة عمَّنْ سواهم، حتّى يُقال: هي شعارٌ لهؤلاء يُعرَفون به، فيجب تحريمها؛ لأنّ مَنْ تشبَّه بقومٍ فهو منهم!

ثم إنّ المباح ـ كما يقول بحقٍّ، مع تصرُّف قليل، سلطانُ العلماء العزّ بن عبد السلام في الفتاوى الموصليّة ـ لا يُترك لأجل أنّ الكفار أو الفسّاق تفعله. هل نترك ديننا، وما أباحه الله لنا، لمجرَّد فعل الكفّار إيّاه؟! ما أبطله من قولٍ، وأسقمه من فهم!

لا يُتْرَك الحقّ لأجل الباطل، ولو تُرك الحقّ لأجل الباطل لتَرَكَ الناسُ كثيراً من أديانهم.

ويختصّ النهي عن التشبُّه بالكفّار أو الفسّاق بما يفعلونه على خلاف مقتضى شرعنا، وأمّا ما يفعلونه على وَفْقِ الندب أو الإيجاب أو الإباحة في شرعنا فلا يُترك لأجل تعاطيهم إيّاه؛ فإنّ الشرع لا يَنهى عن التشبُّه بمَنْ يفعل ما أَذِن الله به، والمباحُ من جملته.

الله سبحانه وتعالى لم يَنْهَ عن التشبُّه بمَنْ فعل ما سمح به الله، ولا يجوز أن يُتَصَوَّر في حقّه ذلك ـ حاشاه ـ؛ أينهى اللهُ عمَّا أَذِنَ في فعله ـ والمباحُ من جملته ـ لأجل مجرَّد فعل الكفّار أو الفسّاق إيّاه؟!.. لا يقول بذلك عاقلٌ، فكيف بواهب العقل؟!([53]).

 

سابعاً: استدلال المحرِّمين بالإجماع ومناقشتهم

قالوا: قد ثبت الإجماع على تحريم الغناء والموسيقى، وخاصّةً الأخيرة؛ فلا يحلّ سماع شيء من ذلك، ولا الاشتغال به. بل قولكم هذا بدعةٌ مذمومةٌ وإحداثٌ في دين الله لما ليس منه. ثم مَنْ أنتم حتّى تخالفوا أئمّتنا الكبار الذي حرَّموا الغناء والموسيقى؟! أأنتم أفقه منهم؟!

والجواب:

1ـ وهل الإجماع حجّة؟([54]). الإجماع ـ في اصطلاح جمهور الأصوليّين قديماً وحديثاً ـ هو: اتّفاق مجتهدي أمّة محمّد| بعد وفاته في عصر من العصور على حكم شرعيّ ظنّيّ.

وهذا الإجماع في ما يبدو لي صورةٌ خياليّة لا وجود لها؛ فليس هناك أمرٌ واحد يصحّ أن يُدَّعى فيه أنّه اجتمعت في مثله قيود هذا التعريف:

أـ إنّ اتّفاق المجتهدين يحتاج إلى ضابطٍ صحيح للمجتهد. وقد اختلفوا فيه.

ب ـ الاتّفاق يحتاج إلى الإحاطة بأنّ ذلك الحكم قد نطق به أو أقرَّه كلٌّ منهم بأمارةٍ صريحة على الموافقة مع انتفاء الموانع، فلا يكون مكرَهاً مثلاً([55]). وهذا أمرٌ مستحيلٌ أن يُدرَك في المجتهدين.

ج ـ كما يستحيل الإحاطة بآراء جميعهم على الوصف السابق مع اتّساع بلاد الإسلام وانتشارهم فيها. إنّ الأعمار الطويلة لا تتَّسع لذلك، فضلاً عن الأعمار القصيرة؛ فإنّ المصر الواحد قد يعجز مَنْ هو من أهله أنْ يعرف ما عند كلّ فرد من مجتهديه، بل قد يعجز عن معرفة كلّ مجتهد فيه، فكيف بجميع بلاد الإسلام، بدوها وحضرها، مدنها وقراها؟!

د ـ كما يستحيل منهم الاجتماع على رأيٍ اجتهاديٍّ واحد؛ فهذا ممّا تأباه طبيعة الدين وطبيعة اللغة وطبيعة البشر وطبيعة الكون والحياة؛ إذ الدينُ نصوصٌ غير متساوية الدرجة في الوضوح، تفسِّرها العقول، وهي مختلفة في قوّة الاستنباط وضعفه، وفي إدراك الدلائل أو الجهل بها، وفي الغوص على المعاني أو الجمود على الألفاظ، في حدود اللغة، وفيها ما يدلّ بالمنطوق وما يدلّ بالمفهوم، وفيها العامّ والخاصّ والمشترك، وفيها المطلَق والمقيِّد، وفيه القاطع والمحتمَل، مع التنزيل على واقع الحياة، الذي يختلف من بيئة إلى أخرى، ومن عصر إلى آخر. والبشر في ذلك كلّه جدّ متفاوتون؛ فلابدّ من الاختلاف.

هـ ـ ولنفترض جدلاً وقوع ذلك الإجماع، مع كونه مستحيلاً كما أنبأناك، فهل مِن مانعٍ يمنع اختلافهم بعد إجماعهم هذا؟! اللهم لا.

إنّ الواقع يحيل وقوع ذلك الإجماع المُدَّعَى. وتاريخ هذه الأمة معلومٌ؛ فإنّها بعد رسول الله| قد اختلفت حتّى بلغت حدّ استحالة جمعها على ما اختلفت فيه من الكتاب، وهو نصٌّ قطعيّ الثبوت، فكيف يُتَصوِّر إمكان إجماعها، أو جمعها، على أمرٍ لا نصّ فيه بخصوصه، أو فيه نصٌّ ظنّيّ ثبوتُه أو دلالتُه أو هما معاً محلُّ اجتهاد، ليكون حكماً شرعيّاً للأمّة جمعاء؟!

إنّ الإجماع لا يقع، ولا يمكن له أن يقع، إلاّ في شيء مقطوعٍ به في دين الإسلام معلومٍ منه بالضرورة([56]).

2ـ أمّا استدلال الأصوليّين على ما ذهبوا إليه بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وساءتْ مَصِيراً﴾ (النساء: 115) فهو استدلال في غير محلّه؛ لأنّ لفظ «المؤمنين» لم تُرَد به طائفةٌ دون أخرى، وإنّما هو لفظ شاملٌ لجميعهم، ولا يوجد شيءٌ اجتمعوا عليه ـ الأحياء منهم والأموات ـ إلاّ شيءٌ معلومٌ من الدين بالضرورة لا يسَعُ أحداً جحده.

ثم إنَّ معنى الآية الصحيح، كما يرشد إليه سياقها (النساء: 105 ـ 117)، هو: ومَن يسلُك غيرَ طريق الإسلام الذي جاء به الرسول|؛ فيصير هو في شقٍّ والإسلامُ في شقٍّ آخَر، وذلك عن عمدٍ منه بعد ما ظهر له من الحقّ وتبيَّن واتَّضح، فسيصليه الله جهنم، وساءت مصيراً.

وأمّا حديث «لا تجتمع أمّتي على ضلالة» وما في معناه فهو على ضعفه، كما حقَّقه ابن حَجَر في (تلخيص الحبير)، والدكتور صلاح سلطان في دراسته عن مدى حجّيّة الإجماع، وأستاذنا عبد الله الجديع في كتابه الذي ما يزال مخطوطاً (علل الحديث). وجميع طرقه وشواهده لا تخلو من قَوِيِّ مقال وقدح، الأمر الذي لا يُجوِّز الاحتجاج به.

وأمّا حديث «عليكم بالجماعة، وإيّاكم والفرقة؛ فإنّ الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد. مَنْ أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة»([57]) وما في معناه فهو يأمر بالكون مع الجماعة والالتزام بها، وهذا إنّما يتحقَّق بالاجتماع لا بالافتراق والتشرذم، وبوحدة الكلمة لا بتفرّقها. وهذا المعنى لا توصف به الأحكام الفقهيّة الاجتهاديّة، بل لا يوجد في الأحكام الشرعيّة إلاّ في قضيّةٍ لا يسوغ فيها الخلاف من قضايا الشريعة المعلومة من الدين بالضرورة. والأقرب ـ من كلّ ذلك ـ والأصحّ في هذا الحديث وما في معناه أنّه جاء في سياق حديث النبيّ| عن الفتن والصراعات السياسيّة، وكيفيّة التصرُّف خلالها، كما يدلّ عليه أكثر من حديث صحيح يدور حول ذات معنى حديثنا هذا([58])؛ فهي تأمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، وعدم شقّ عطا الطاعة، طالما كانوا مُختارين بطرق مشروعة، عاملين بما أنزل الله؛ أي هي تأمر بلزوم الجماعة السياسيّة، لا لزوم أقوال المجتهدين وآرائهم.

3ـ ومن كلّ ما سبق يتَّضح أنّ الإجماع المذكور في كتب علماء الأصول ليس بشيء، وهو عند التحقيق أليق بأنْ يندرج تحت الإجماع السكوتيّ؛ إذ الإجماع الصريح الذي يدَّعيه الأصوليّون والفقهاء لا يزيد عن كونه قولاً لبعض أهل الاجتهاد في عصر من العصور، ولم يوجدْ عن أحدٍ مِن معاصريهم أو مَنْ هو ممَّنْ بعدَهم مَنْ نُقِل عنه ـ في ما وصلنا أو في حقيقة الأمر ـ خلاف ذلك([59])، أو لم يظهر منهم اعتراف بهذا القول أو إنكار له، فأُجرِيَ ذلك ـ من قِبَل الأصوليّين والفقهاء ـ مجرى الإجماع، وإنّما هو في الحقيقة من الإجماع السكوتيّ على أفضل تقدير.

وهذا كلّه ليس بحجّة.

ثم كيف يُقَوَّل الساكت ما لم يَقُل؟ على أنّ الساكت لا يُجزَم أنّه قد بلغه ذلك القول. ثم لو بلغه فجائزٌ أن يكون مَنَعه مانعٌ من الاعتراض؛ ربما كان لهيبة القائل، أو الخوف، أو لكونه يرى أنّه لا إنكار في موضع اجتهاد، أو لأنّه لم يتهيّأ بعدُ لتحقيق القول في هذه المسألة. كما يجوز أن يكون أنكره ولم يبلغنا، أو لغير ذلك.

أمّا أن ينتشر القول ويبلغ جميع المجتهدين فلا تظهر منهم له مخالفة فهذا يستحيل أن توجد له مسألةٌ واحدة توفًّر فيها هذا الوصف. ولو وُجِد([60]) لَمَا كان فيه حجّة؛ لضعف ما استُدِلّ به على حجّيّة الإجماع. وكلّ ذلك لا يصلح أن يكون ديناً يُلزَم به الناس إلى يوم القيامة، ويُحجَر به على الأمّة بعده.

4ـ لقد أصبح الإجماع ـ للأسف ـ؛ بفعل المتشدِّدين والمقلِّدين والجامدين، أداةً تُوظَّف لنصرة الاختيار الكلاميّ والفقهيّ، أو لإسكات المخالف أو تفسيقه أو تبديعه أو ما سوى ذلك من أشكال الإقصاء. وأصبح الخروج على الإجماع تهمةً مسوِّغةً عندهم للمحاصرة الفكريّة والإيذاء النفسيّ. وشيءٌ من هذا وذاك حاصلٌ في مسألة الغناء والموسيقى. ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

5ـ وممّا له وجهُ صلةٍ بمسألة الإجماع، وعلاقته بالغناء والموسيقى، محاولةُ البعضِ (تقليصَ) أو (حصرَ) الدور الذي يجب أن يمارسه المجتهدون في عصرنا بإلزامهم بعدم الخروج عن أقوال السابقين.

وهذا أمرٌ ليس في صالح الشريعة الإسلاميّة؛ لأنّ الاختلاف بمجمله رحمةٌ، مادام في غير الثوابت والقطعيات، سواءٌ كان بين المعاصرين والقدماء أو بين القدماء أنفسهم؛ إذ يوسِّع دائرة الفهم والتفسير، ويقدِّم حلولاً متنوِّعةً وواقعيّة وعصريّة للمسألة الواحدة.

إنّ شيوع لونٍ من التفكير الإسلاميّ في عصر من العصور لا يعني أنّ هذا هو الإسلام وحده. فما أخصب الإسلام نفسه، وما أغزر الثمار التي تنتج عنه على اختلاف الأزمان.

إنّ فقهنا الموروث اجتهاداتٌ لعلماءٍ سابقين في إدراك معاني النصوص، وفي التفريع على النصوص العامّة الواردة في القرآن والسنّة، وفي تطبيق النصوص القطعيّة والظنّيّة على أحوال البشر المتنوِّعة ووقائعهم المتغيِّرة مع تغيُّر الأزمان والأمصار والبيئات.

إنّه إذاً اجتهاداتٌ ذاتُ وضعٍ بشريّ، ومن ثم فهي تحتمل الخطأ، وتحتمل التغيُّر والتنوُّع مع اختلاف البيئات والأحوال.

صحيحٌ أنّه خبرةٌ تاريخيّة ينبغي استطلاعها، وتجاربُ ماضٍ ينبغي الانتفاع والاسترشاد بها، ولكنْ دونَ إلزامٍ يُخضِع العقول والأعناق.

6ـ والخلاصة أنّ الإجماع وحده ليس بحجّةٍ، ولا دليل، إنّما الحجّة والدليل كتابُ الله وصحيحُ سنّة رسوله|.

7ـ يستحيل وقوع إجماع على تحريم شيءٍ كان موجوداً في عهد التشريع، ولا نصّ فيه في ما ثبت عندي على التحريم؛ لأنّ عدم التحريم يعني الإباحة، فكيف يصحّ وقوع إجماع على تحريم ما أقرَّت الشريعة إباحته؟! فضلاً عن عشرات الأدلّة، قرآناً وسنّةً، التي تدلّ على الإباحة والحِلّ، بل الندب واحتمال الوجوب في بعض الأحيان والأحوال، كما سيأتي تفصيله إنْ شاء الله.

8ـ فضلاً عن نصّ النبيّ| في ما ثبت لدينا، كما مرّ وسيأتي، على الإباحة، وكفاه| حجّة ودليلاً([61]).

بالإضافة إلى ما ثبت عن الصحابة رجالاً ونساءً من التغنّي والعزف والاستماع، على ما سيأتي بيانه ضمن ما صحّ من أحاديث رسول الله|.

9ـ ودونك آل الماجشون جميعاً، وهم من كبار فقهاء ومُحَدِّثي المدينة من التابعين فمَنْ بعدهم؛ وإبراهيم بن سعد، وهو من أجلّة مُحَدِّثي المدينة؛ وعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو من خيار وأجلّة التابعين في الكوفة؛ وعبيد الله بن الحسن العنبريّ، وهو من أجلّة فقهاء وقضاة ومُحَدِّثي البصرة؛ والمنهال بن عمرو الأسديّ، وهو المحدِّث الكوفيّ الثقة([62])؛ وابن قتيبة الدينوري؛ وأبو منصور التميميّ، وعبد القاهر البغداديّ؛ وأبو بكر محمّد بن عبد الله بن محمّد بن حبيب العامريّ البغداديّ، وإسحاق بن إبراهيم الموصليّ، وهو المحدّث الثقة، وأحد أعلام الغناء والموسيقى في تاريخ الحضارة الإسلاميّة؛ وابن حزم؛ وابن العربيّ المالكيّ؛ والحافظ الإمام أبو محمّد عطيّة بن سعيد الأندلسيّ؛ والمحدِّث الثقة ابن طاهر القيسراني المقدسيّ؛ وأبو طالب المكّيّ؛ وأبو حامد الغزاليّ؛ وأخوه أبو الفتوح أحمد الغزاليّ؛ والقشيري، والعزّ بن عبد السلام؛ وابن دقيق العيد؛ والإدفوي؛ والشعراني، وغيرهم فقهاء لا يُحصَون قديماً([63]) وحديثاً، مثل: حسن العطّار، ومحمد رشيد رضا، ومحمد عبد الله درّاز، ومحمد أبو زهرة، والسيد سابق، ومحمود شلتوت، وعبد الحليم محمود، وجاد الحقّ علي جاد الحقّ، ومحمد الغزاليّ، ومصطفى الزرقا، وعلي الطنطاوي، والشعراوي([64])، ويوسف القرضاوي، ومحمّد عمارة، وفيصل المولوي، وأحمد الريسوني، وعبد الله بن يوسف الجديع،…إلخ.

10ـ فضلاً كذلك عن أنّ الخلاف في مسألة الغناء والمعازف من المفترض عند كلّ مَنْ شمَّ أنف الفقه أنّه أمرٌ أشهر من أن يُذكَر أو يُفَصل؛ إذ لم يَزَل العلماء يصنِّفون في هذه المسألة إباحةً وتحريماً، ففيها ما يربو على سبعين مؤلَّفاً مستقلاًّ لكبار العلماء ومشاهير الفقهاء قديماً وحديثاً، ولكنَّ المحرِّمين يعاندون.

11ـ قداسة النصّ، أي القرآن والسنّة، لا تعني بأيّ حالٍ من الأحوال قداسة مَنْ يتناوله بالدراسة؛ فإنّ أهمّ مبدأ في الإسلام هو تقديس الله الواحد القهار وحده، وذلك يشمل قطعاً ما أوحى الله به، قرآناً وسنّة، وما دون ذلك فالجميع سواسية. وكما هيّأ الله للسلف الصالح أسباب التفكُّر والتبصُّر في حدود زمانهم ومعارفهم وسط جوٍّ يؤمن بحرّيّة التفكير والاختلاف ـ وإلاّ كيف يفسِّر أصحاب النقل وجود أربعة مذاهب، بل ثمانية؟! ـ فمن المفيد بل من الضروريّ أن يسمح المسلمون اليوم لبعضهم البعض بفسحةٍ للتفكُّر والتبصُّر، بدل التسفيه والتشهير ببعضهم البعض، كما تنقضّ الذئاب على فريستها. القرآن الكريم وسنّة رسول الله| ومقرَّراتهما هي لا غير ـ مهما علا اسمه أو رسمه ـ الكلمة النافذة والحجّة على الناس أجمعين إلى قيام الساعة.

ومن المفيد هاهنا أن أنقل قولاً نيِّراً لأخي العزيز الدكتور أيمن علي صالح: ألحظ في كلام كثير من معاصرينا نبرة عالية ونغمة متكرِّرة في تعظيم الأقدمين من أهل العلم وتبجيلهم، وفي الوقت نفسه جلد المعاصرين وذمّهم، أو على الأقلّ التهوين من شأن ما يأتون به في مقابل المتقدِّمين. وكأنّ لسان الحال ما قال الشاعر:

ذهب الذين يُعاشُ في أكنافهم

وبقيت في خَلْفٍ كجلد الأجرب

ومع إدراكي التامّ بأنّ أكثر هذا الكلام إنّما يُزجُّ به في وجه طائفة المتعالمين؛ كبحاً لتطاولهم على الأئمّة، ودفعاً لهم لقَدْر أنفسهم مقاديرها، وحثّاً لهم ولغيرهم من الناشئين في العلم على إتيان البيوت من أبوابها، والتربّي بصغار العلم قبل كباره، والتحصْرُم قبل التزَبُّب، مع إدراكي لهذا كلّه فإنّي أجد جانباً من الآثار غير الحميدة لهذا الأسلوب، تتمثَّل في شيوع احتقار الذات، والتهوين من القدرات، والتغنّي بأمجاد الماضي، وكثرة الشكوى من انصرام العلوم، وعقم الفهوم في الوقت الحاضر، كما هو شائع بين الإسلاميّين عموماً، وطلبة العلم الشرعيّ ومشايخهم خصوصاً. وهذا من شأنه أن يدفع إلى اليأس والخمول وقلّة الابتكار والإبداع، وهو يستمدّ من الروح العلميّة التي سادت في عصور الجمود، التي حكمت بتحريم الاجتهاد، وإيجاب التقليد.

لماذا يسير الناس ووجوههم متَّجهة إلى الأمام، بينما يسير كثير من المشتغلين بالعلم الدينيّ ووجوههم دائمة الاتّجاه إلى الخلف؟! بل إنّ كثيراً منهم يعيش جسداً في الحاضر وعقلُه يسكن في الماضي!

ومع قبولي وتقديري لوجهة النظر المخالفة فإنّي أدعو إلى التعاطي مع التراث وما سطَّره الأقدمون بروحٍ تحليليّة نقديّة، لا بروحٍ تبجيليّة إطرائيّة، فهم بشرٌ أصابوا وأخطؤوا، وعلموا أشياءً وغابَ عنهم كثير، ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾، وكم تركوا لنا لنضيف.

ينبغي أن نبثّ هذه الروح في نفوس المتعلِّمين، مع حثّهم في الوقت نفسه على الموضوعيّة التامّة، واتّباع المنهج العلميّ الصحيح في التلقّي والبحث، والتحليل والنقد، مع التحلّي بالاحترام الكامل للأئمّة والكبار.

أمّا المتعالمون والمتسلِّقون وأنصاف المتعلِّمين فهم سيتساقطون يوماً بعد يوم، لن يقيم التاريخ لهم وزناً، وضررهم إنّما هو عليهم، وشررهم إنّما يتطاير في دارهم. المهمّ أن لا يكونوا دائمي الحضور في وجداننا وكلماتنا، كأنّهم جلّ أهل العلم والمشتغلين به. وإهمالُهم ـ في رأيي ـ خيرٌ من التعرُّض لهم، وما أكثر مَنْ يصلح حاله منهم بعد حين، وقيل قديماً: طلبنا العلم لغير الله فأبى الله إلاّ أنْ يكون له. انتهى بتصرُّف بسيط في كلامه.

 

ثامناً: استدلال المحرِّمين بقاعدة سدّ الذرائع ومناقشتهم

قالوا: يجب منع الغناء والموسيقى، ومنع الاشتغال بهما؛ لأنّ الزمان قد فسد، ولأنّ دعاة الفساد قد كثروا؛ فإنّهم يستخدمون الغناء والموسيقى لتذويب الشخصيّة المسلمة وتحطيم صلابتها، وإشاعة الفاحشة في أبناء المجتمع المسلم وبناته…إلخ.

والجواب([65]):

1ـ الذرائع المفضية إلى الحرام في كلّ ما كان معهوداً زمن التشريع قد تكفَّلت الشريعة بضبط بابها، ومن ذلك: الغناء والموسيقى؛ فقد أباحتهما الشريعة إباحةً مؤكَّدة بنصوص القرآن وصحيح السنّة، كما سيأتي تفصيله، فلا يجوز لأحدٍ أن يحرِّم ما أباحه الله وأحلَّه([66]).

2ـ إنّ (المبالغة) في سدّ الذرائع مذمومةٌ؛ لأنّها ستحرم المجتمع من مصالح معتبرة، ومن خيرات كثيرة، وستحرِّم عليه زينة الله التي أخرج لعباده؛ بدعوى الورع، وستمنعه من طيِّبات قد أُحِلَّت له؛ بدعوى الاحتياط، وستضيِّق عليه في ما وُسِّع فيه؛ اتقاءً للشبهات كما زعموا. وربما أفضت تلك المبالغة إلى تشويه ملامح الإسلام، الذي قام على التيسير لا التعسير، وعلى التخفيف لا التشديد، وعلى التبشير لا التنفير، فيصبح هذا الدين الربّانيّ ديناً متزمِّتاً مغالياً، أقرب ما يكون إلى رهبانيّة النصارى ومانويّة الفرس.

3ـ نحن إذا وضعنا ضوابط وشروطاً شرعيّةً للموسيقى والغناء ـ كما سيأتي إنْ شاء الله ـ أغنانا ذلك عن استعمال أداة (سدّ الذرائع)؛ حيث تكفينا النصوص الصريحة والمقاصد الكلّيّة والقواعد العامّة في ذلك.

ولو أنّنا استجبنا لهواجس المتخوِّفين والمتشدِّدين لحرَّمنا على الناس الكثير من زينة الله التي أخرج لعباده، والطيِّبات من الرزق، ولشرَّعنا في الدين ما لم يأذن به الله، كما وقع لكثيرٍ من العلماء في العصور الماضية في مسألة المرأة على سبيل المثال.

وفي الإسلام؛ بطريق النصّ الجليّ، وبطريق الاستنباط من خلال بنيته التشريعيّة والفقهيّة، من الضوابط والشروط والأحكام والآداب الكفيلة بسدّ ذريعة الفساد والفتن، ما يغنينا عن التفكير في تحريم الحلال، وعن وضع موانع من عند أنفسنا. فما من أحدٍ أغير من الله، ومن أجل ذلك حرَّم الفواحش([67]). إنّ غيرة الله غيرة سويّة تنفر من الفاحشة ومواطن التهمة فحسب، فهل نحتكم إليها أم نحتكم إلى أمزجة الرجال؟!

4ـ إنّ عاشقي سدّ الذرائع يتوهَّمون أنّ الفتنة بالموسيقى والغناء كانت مأمونة في القرون الأولى، وأنّ الله لم يضع السدود أمامها بما فرض من ضوابط شرعيّة لها، كما سيأتي ذكرها إنْ شاء الله، ويتناسَوْن أنّ طبيعة البشر واحدة في كلّ زمان، ويتناسون أنّ الشريعة إنّما جاءت بأحكام تصلح لكلّ زمان ومكان، ولكلّ شخص وإنسان، ولم تأتِ بأحكام إقليميّة محليّة وقتيّة.

5ـ إنّ تحريم الغناء والموسيقى اتّكاءً على أداة سدّ الذريعة استدراكٌ على ربّ العالمين. فما أقبحه من قول! إنّ الفتنة بالغناء والمعازف، واستخدامهما كأداة لنشر الفساد، والصدّ عن القرآن والذكر، كان أمراً مقرَّراً وموجوداً منذ عهد التشريع، فهي لم تحدث فيما بعد حتى نُوجِد لها حكماً خاصّاً لم يكن من قبل. ومع كلّ ذلك فقد أباحهما الشرع، بل قد ندب استعمالهما في حالات معيَّنة كالأعراس، مع وجود المنافقين والأعراب، والشيوخ والشباب، والأقوياء والضعفاء، والحكماء والسفهاء، والشرفاء والسفلة.

6ـ إنّ قرار الحظر العامّ بدعوى سدّ الذريعة غالباً ـ إنْ لم أقل دائماً ـ ما يفوته استيعاب ظروف جميع الناس أو معظمهم، وما يكونون عليه من مستويات خلقيّة متباينة. والشارع في تقرير المباح يراعي اختلاف مصالح الناس وظروفهم، فضلاً عن تعدُّد مستوياتهم الخلقيّة وأحوالهم النفسيّة.

7ـ فرقٌ كبير بين حظر سماع أغنيةٍ ما في ساعةٍ ما أو ظرفٍ ما؛ درءاً لمفسدةٍ مصاحبةٍ لها، وبين إباحة السماع في عامّة الأحوال؛ لتحقيق المصالح المشروعة، وبين تحريم السماع تحريماً مطلقاً في كلّ الظروف والأحوال؛ بدعوى درء المفسدة وسدّ الذريعة، مع أنّه لا توجد مفسدة ولا ذريعة.

ولذلك لابدّ من التفريق بين الضعف البشريّ العامّ، الذي يعلمه الله تمام العلم، ويرعاه أكمل رعاية، وبين الوهم الذي يغلب على البعض فيجعلَهم يظنّون أنّ الفتنة تشعّ وتبرز، وأنّ المفسدة تظهر وتنتشر، من مجرّد سماع أغنية جميلة الكلمات عذبة الألحان، وإنْ كانت جامعةً لكلّ الضوابط الشرعيّة للسماع، ويجعلَهم يحذرون الفاحشة في كلّ لحظة، ويخشون الفضيحة في كلّ آن.

8ـ ممّا أهمله المحرِّمون ولم يراعوه حقّ رعايته أنّ الاستماع إلى الغناء والمعازف في العصور الماضية كان يقتضي حضور مجالس الغناء والطرب، وشهود ما فيها، وقلَّما كانت تخلو هذه المجالس من، أو كثيراً ما كانت توجد في هذه المجالس، محرَّمات ومنكرات، من خمرٍ وخلاعة ومجن وتهتُّك وعري. ولا نزاع في أنّ حضور هذه المجالس محرَّم شرعاً؛ لما فيه من مشاركة في الإثم، أو إقرار به، أو سكوت عليه.

أمّا في عصرنا فلم يَعُدْ مَنْ يريد الاستماع إلى الغناء في حاجةٍ إلى شيء من هذه المجالس، فهو يستطيع أن يستمع إلى ما يشاء عن طريق المذياع أو شرائط الكاسيت أو الأسطوانات الإلكترونيّة. ولا ريب أنّ هذا عنصر مخفِّف في القضيّة ينبغي اعتباره ومراعاته والالتفات إليه، خاصّةً من جانب القائلين بالتحريم سدّاً للذريعة.

9ـ إنّ معالجة مشكلات المجتمع لا تكون بتحريم ما أباحه الله وأحلَّه، ولا بإيجاب ما لم يأمر به الله، بل إنّ حكمة التشريع تقتضي، وأصول التربية الصحيحة توجب، أن يتلطَّف العلماء بالأمّة، وأن يأخذوها بالرفق لا بالشدّة، وأن يربّوا الأمّة تربية إسلاميّة صحيحة في المساجد والمدارس والجامعات. وبمثل هذا ـ وفقط ـ يمكن أن يوجد جيلٌ مؤمن حقّ الإيمان؛ إذا سمع أمر الله بادر إلى التنفيذ، وإذا سمع نهي الله بادر إلى الامتناع.

10ـ إنّ المحرِّمين قد ألغوا من تفكيرهم كيفيّة الاستفادة من الغناء والموسيقى كأداة لمقارعة الباطل على الأقلّ، فضلاً عن إمكانيّة استخدامها كأداةٍ للتوجيه والتثقيف والتعليم والترفيه، فضلاً عن أنّ التفكير بمنطق (درء المفسدة مقدَّم على جلب المصلحة)، وهو المنطق الذي يشهرونه في وجوهنا بلا علم ولا فقه، يُمَكِّننا من درء مفاسد كثيرة إذا أمسكنا بزمام الغناء والموسيقى وأتقنّاها وأحسنّا توجيهها واستغلالها. لنبدأ الدعوة عن طريق الفنّ؛ إعلاءً لكلمة الحقّ والدين، ونشراً للإسلام بحدّ الموسيقى.

11ـ وأُجمِلُ مرادي من هذه المناقشة المطوَّلة في التالي: خروجُ كثيرٍ من الناس بالغناء والموسيقى عن حدّ المباح فيها لا يُبطِل أصلَ حكمها، إنّما يُنكَر من صنيعهم ما تجاوزوا به القدر المشروع، ولا يجوز أن يُجعَل من تغيُّر الزمان أو سوء الاستعمال ذريعةً لتحريم المباح، وإلاّ لحرَّمنا على الناس طيِّبات ـ لا تدخل تحت حصر ـ قد أُحِلَّت لهم.

وإيقافُ الناس على أصل حكم الشرع أبرأ لذمّة العالِم وإنْ وافق هوىً عند صاحب شهوة؛ فإنّ الإثم لا يأتي من جهة فعل الحلال (أو المباح)، وإنّما من الوقوع في الحرام([68]).

 

ـ يتبع ـ

الهوامش:

(*) أستاذٌ وباحث في علوم الشريعة الإسلاميّة، ومتخصِّص في الدراسات الفقهيّة، له عدّة مؤلَّفات، من مصر.

([1]) أخرجه البخاري (5590)؛ وابن حِبّان (6719)؛ والطبراني في الكبير (3417)؛ وفي مسند الشاميين (588)؛ والبيهقي (10: 221، 3: 272)؛ والإسماعيلي في المستخرج على الصحيح. كما في فتح الباري 10: 56؛ وابن عساكر في تاريخ دمشق 19: 156. وهو حديث ضعيف سيأتي الكلام على سنده وفقهه في المتن.

وقد ادعى البعضُ ثبوتَ حديث البخاري هذا، أو ما يدور في فلكه من أحاديث شبيهة لا تثبت، بخمسة شواهد كلها ضعيفة لا تسمن ولا تغني من جوع، فضلاً عن بطلان مبدأ تقوية الحديث بتعدد طرقه أو شواهده، كما أوضحتُ في أول بحثي هذا؛ فإليكها:

الشاهد الأوّل: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله|: «يُمسَخ قوم من هذه الأمة في آخر الزمان قردةً وخنازير، قالوا: يا رسول الله، أليس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ قال: بلى، ويصومون ويصلون ويحجون. قالوا: فما بالهم؟ قال: اتخذوا المعازف والدفوف والقينات، فباتوا على شربهم ولهوهم، فأصبحوا وقد مُسخوا قردةً وخنازير». أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي (8). وفي سنده ثلاث علل:

الأولى: سليمان بن سالم، وهو مجهول الحال.

والثانية: حسان بن أبي سنان، وحاله دائر بين الجهالة (جهالة حال ضبطه للأحاديث) والضعف.

أما الجهالة؛ فلقول ابن حبان في الثقات 6: 255: «يروي عن أهل البصرة الحكايات والرقائق، ولستُ أحفظ له حديثاً مسنداً». وهذا يدل على ندرة روايته، ومن ثم صعوبة تبين موقفه. والعجب من ابن حبان يوثقه وهو لا يجد له حديثاً مسنداً يجمعه ويسبره!

وأما الضعف فلقول أبي نعيم في الحلية 3: 119: «شغلته العبادة عن الرواية». وصدق الإمام ابن مهدي حين قال: «لم نرَ الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث».

والثالثة: رجلٌ ـ هكذا مبهم في الإسناد؛ فهو مجهول العين ـ.

فالرواية ساقطة؛ إذ الإسناد مسلسل بالظلمات!

الشاهد الثاني: عن عائشة، قالت: قال رسول الله|: «يكون في أمتي خسف ومسخ وقذف، قالت عائشة: يا رسول الله، وهم يقولون لا إله إلا الله؟ قال: إذا ظهرت القِيَان، وظهر الربا، وشُربت الخمر، ولُبس الحرير، كان ذا من ذا». أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي (4)، بسند حسن لا بأس به، عن أبي مَعْشَر، عن محمد بن المنكَدِر، عن عائشة، به.

وفيه أبو مَعْشَر نَجِيح بن عبد الرحمن، وهو ضعيف جداً، خاصةً في روايته عن ابن المنكدر، كما في السند الذي معنا.

فالرواية ساقطة.

الشاهد الثالث: عن عِمران بن حُصَين، قال: قال رسول الله|: «يكون في أمتي قذف ومسخ وخسف، قيل: يا رسول الله، ومتى ذلك؟ قال: إذا ظهرت المعازف، وكثرت القَيْنات، وشُربت الخمور». أخرجه الترمذي (2212) وغيره، بسند صحيح، عن عبد الله بن عبد القدوس، قال: حدثني الأعمش، عن هلال بن يساف، عن عمران بن حصين، به.

وفيه عبد الله بن عبد القدوس، وهو عندي ـ بعد جمع حديثه وسبره ـ ضعيف، يخالِف ويأتي بالمناكير. ومن كان هذا وصفُهُ لم يُقبَل ما يتفرد به. فضلاً عن عنعنة الأعمش؛ إذ قد يدلس تدليس تسويةٍ في الأسانيد التي يرويها عن غير شيوخه المُكثِرِ عنهم، وليس منهم هلال بن يساف، فَرَجَحَتْ مَظِنَّةُ التدليس في حقه هاهنا؛ إذ لم يصرح بالتحديث بين هلال وعمران، ولم يأتِ ما ينفيها أو يُبْعِدُ مَظِنَّتَهَا عنه. وعلى أية حال مسألة تدليس الأعمش بذاتها تحتاج إلى مزيد بحث ودراسة، علَّني أفْرُغُ لها، أو علَّ أحداً من الباحثين الجادِّين يتولى أمرها. والحَمْل في هذا الحديث على ابن عبد القدوس أَوْلَى؛ إذ قد تفرد بروايته عن الأعمش، على الوجه الذي سبق، دون بقية الرواة الثقات الأثبات فيه، بل ومخالفاً إياهم؛ إذ قد رووه عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن باسط، به ـ كما سيأتي في الكلام على الشاهد الخامس ـ. فهو حديث غريب منكر، خلَّط فيه ابن عبد القدوس سنداً ـ بإدخاله رواةً مكان رواة ـ وغَلَطَ متناً ـ بذكره لـ «كثرة القينات» بدل «لبس الحرير» ـ.

الشاهد الرابع: عن أبي مالك الأشعري، قال: سمعت رسول الله| يقول: «سيكون في أمتي الخسف والمسخ والقذف، قال: قلتُ: فيم يا رسول الله؟ قال: باتخاذهم القَيْنات، وشربهم الخمور». أخرجه الطبراني في الكبير (3410) وغيره، بأسانيد صحيحة عن علي بن بحر، عن قتادة بن الفضيل بن قتادة، عن هشام بن الغاز بن ربيعة بن عمرو الجرشي، عن أبيه (أي الغاز)، عن جده (أي ربيعة)، عن أبي مالك الأشعري. وفيه علتان:

الأولى: قتادة بن الفضيل بن قتادة. وأراه لا يحتمل أن يتفرد عن أحد برواية. وهو عندي ـ بعد جمع وسبر ما تيسر لي من حديثه، مُتَّقِيَاً في ذلك ما رواه الضعفاء عنه. وأكثَرُ حديثِهِ في المعجم الكبير للطبراني، ومنه أفراد متفرقات تعد على أصابع اليد الواحدة في مسند أحمد والسنن الكبرى للنسائي ـ ضعيفٌ؛ حيث وجدت أكثر مروياته مما تفرد بها عمَّن روى عنه. والمقرر في علم الجرح والتعديل في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات الحفاظ في كثير مما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وُجد كذلك ثم أتى بما لم يَرْوِِه غيرُهُ عن ثقات المحدثين ومشاهيرهم قُبِلَت روايته. وهو ما لم يوجد في حالة قتادة. هذا في ما انتهى إليه اجتهادي.

ولا يُعترَض عليَّ بتوثيق ابن شاهين إياه؛ فإنما وثقه تبعاً لتوثيق ابن حبان. ومن عادة ابن حبان ومنهجه أن يوثق المجاهيل؛ اكتفاء بالعدالة العامة للمسلمين. ثم إن ابن حبان لم يأتِ بأية لفظة تُشعر بسبره لحديثه، نحو: «مستقيم الحديث» أو ما شابه. وليست متابعة ابن شاهين لغيره في التوثيق والتضعيف تقليداً حدثاً فذاً لم يتكرّر مثله منه؛ فابن شاهين قد وَثَّقَ الحارث الأعور، على ضعفه المعلوم وجَرْحِ النقاد المُفَسَّر له، تبعاً لأحمد بن صالح؛ ووثَّقَ شبيبَ بن بشر، على ضعفه المعلوم وجَرْحِ النقاد المُفَسَّر له، تبعاً ليحيى بن معين…إلخ.

أما قولُ أبي حاتم في قتادة بن الفضيل: «شيخ» فقد أراد بها، كما أوضح ابنه مقاصد مصطلحاته ـ كما سيأتي في المتن ـ، أنه «ممَّن يُكتب حديثه ويُنظر فيه»، وفوق ذلك هو عند أبي حاتم ـ كما بيّن ابنه كذلك ـ دونَ «الصدوق» الذي ـ أيضاً ـ يُكتب حديثه ويُنظر فيه. وها قد نظرنا ـ جرياً على ما فهمه الجمهور من مقصود أبي حاتم بـ «النظر»، وسنوضح بعد قليل خطأ ما ذهب إليه الجمهور ـ فوجدناه على ما سبق البيان.

وقول أبي حاتم «يُكتب حديثه» يتبين معناه من قوله: «إذا قالوا ـ يعني في الراوي ـ: متروكُ الحديث، أو ذاهب الحديث، أو كذاب؛ فهو ساقط الحديث، لا يُكتَب حديثه» (ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل 1 :1، 37). ومنه يتّضح بجلاء أن المراد بـ «يُكتَب حديثه» أن الراوي «ليس كذّاباً ولا متروكاً»، وأما تحديدُ مدى درجةِ ضبطهِ وحفظهِ وإتقانه فإنها تظهر بجمع حديثه وسبره وعرضه على مرويات غيره من الثقات…إلخ. ولذلك قال أبو حاتم «يُنظَر فيه»، فتنبَّه.

ولنفترض جدلاً وتنـزُّلاً أن قول أبي حاتم يعني توثيق الرجل ـ وقد بيَّنَّا وسنبين أنه ليس كذلك مطلقاً ـ، فكان ماذا؟! إني لم أخالف الإمام أبا حاتم لأجل شهوة المخالفة، ولكني اعتبرتُ ـ بمعنى فَحَصْتُ حديثَ ذلك الراوي، أي ما تيسر لي الوقوف عليه منه ـ فوجدته كما أخبرتُكَ من قبل، فهل أترك ما أدَّاني إليه البحث والاجتهاد لقول الإمام واجتهاده؟! اللهم لا.

فائدة استطرادية: قولُ أبي حاتم في الثقة: «يُحتجّ بحديثه» يُوازيه ويُفهَم به قولُهُ في من دون الثقة : «يكتب حديثه ويُنظر فيه»، ويوازيه ويُفهَم به قولُه في من دون الثاني: «يُكتب حديثه للاعتبار»، ويوازيه ويُفهَم به قولُه في من دون الثالث: «لا يُكتب حديثه». ومنه يتضح أن مَن دونَ الأوّل منهم لا يُحتجّ بحديثه؛ لأن العبارات الأخرى إنما ذُكِرَتْ في مقابلة الأولى؛ أي لأن معنى العبارات الأخرى إنما جاء لمقابلة معنى الأولى؛ و«الاحتجاجُ» لا يقابله إلا «عدمُ الاحتجاج»، وإنما يُكتب حديثُ الثاني منهم للنظر فيه؛ لعل فيه ما يفيد المُفَسِّر أو الفقيه، ويُكتب حديثُ الثالث منهم للاعتبار؛ لعل فيه ما يُتَّعظ به من أدب ورقائق وحكمة، ولا يُكتب حديثُ الرابع منهم على أي وجه كان قصد كتابته؛ لأنه ساقط الحديث رأساً. فجميعهم ـ في من دون الأول ـ لا يُحتجّ بحديثهم، وإنما يُكتب على وجهِ غيرِ الاحتجاج نظراً فيه واعتباراً به ـ على المعنى السابق شرحُه للنظر والاعتبار ـ، لا ـ كما يظنّ الناس ـ تقويةً له بغيره ممّن هو في درجته أو أضعف.

وهذا عبد الرحمن بن مهدي، الإمام الجليل العلم، يقول ـ في ما يطابق مقالة أبي حاتم ـ: الناسُ ثلاثة: رجلٌ حافظٌ متقنٌ، فهذا لا يُختلف فيه. ورجل يَهِم والغالب على حديثه الصحة ـ لاحِظْ هذا القيد المفصلي الخطير من هذا الإمام الجهبذ «والغالب على حديثه الصحة»، فأي الناس يسلم من الوهم والغلط؟! المهم أن يكون ذلك قليل الحدوث والوقوع ـ فهو لا يُترَك حديثُه ـ وقد بَيَّنَ ابنُ أبي حاتم مُرادَ ابن مهدي ومقصودَه بعبارة «يُترَك حديثُه» بقوله: «يعني: لا يُحتج بحديثه»، وهذا واضحٌ من سياقها ـ، ولو تُرك حديث مثل هذا لذهب حديث الناس. وآخر يَهِمُ والغالب على حديثه الوَهْم ـ لاحِظْ هذا القيد المفصلي كذلك ـ فهذا يُترَكُ حديثه. أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 1: 1، 38؛ ومسلم في التمييز (رقم 35)، وغيرهما، بسند صحيح عن ابن مهدي. أبعدَ ذلك يقال: إن أئمة الحديث يقوّون الحديث الضعيف بتعدد طرقه الضعيفة، وهم لا يجيزون كتابتها إلا على وجه النظر والاعتبار، بالمعنى الذي شرحته لهما، ولم أخترعه من عندي، بل سياق كلامهم والتأمل فيه هو ما ينطق بذلك؟!

ثم كيف تُصحَّح الأحاديثُ بتعدُّد طرقها الضعيفة؟! كيف ذلك وهي كتقوية المريض بمريض مثله؟! هل هذا طبيعي؟! اللهم لا، إنه شذوذٌ يَزيدُ المريضيْن ضعفاً على ضعف! وهل تصلح أو تستقيم أو تسير بذلك حياة؟! اللهم لا، إلا أن تكون هذه الحياة وهناً من بعد وهن، وعجزاً من بعد عجز، وذلاً من بعد ذل؛ ظلماتٌ بعضها فوق بعض! وهذا لا يأتي بمثله الإسلام أبداً، لا منهجاً ولا تشريعاً.

والثانية: الغاز بن ربيعة. وهو وإن كان يفتي الناس في زمن معاوية، كما قال أبو نعيم في كتابه (معرفة الصحابة) عنه في ترجمته لأبيه ربيعة، فهو مجهول الحال في الحديث. وليس يكفي لتوثيقه وإثبات ضبطه وحفظه مجرّدُ رواية الناس عنه، كما فعل ابن حبان؛ إذ قد وثقه على عادته ومنهجه في توثيق الرواة؛ اكتفاء بالعدالة العامة أو الظاهرة، دون سبر حديثهم؛ إذ لم يأت بأية لفظة تُشعر بسبره لحديثه، نحو: «مستقيم الحديث»، أو ما شابه، وإلا فأين المنهج الذي قام عليه علم الرجال؟! أين جمع مروياته وفحصها بالمقارنة بينها وبين ما رواه الثقات، وبعرض معاني ما يحدث به على القرآن وصحيح السنة؟!

وليسَ تقومُ حجةٌ ولا شِبْهُهَا بإسناد كهذا؛ لتفرُّد قتادة به عن الثقة المكثر هشام بن الغاز، دونَ بقية الرواة الأثبات الثقات فيه، ولجهالة مدى ضبط الغاز بن ربيعة. فهو حديث غريب منكر.

وثمة ملاحظة نختم بذكرها: بمقارنة متن ما روى الغاز بن ربيعة عن أبي مالك الأشعري هنا بمتن ما روى عنه عطية بن قيس الآتي ذكرُه في المتن، يتضح أنهما ـ في ما يغلب على الظن ـ حديثٌ واحد، اختصر بعض الواهمين متنَه وغيَّر شيئاً من سنده. ولا يَبْعُدُ أن يكون الغاز بن ربيعة ـ إذا سلمنا بثبوت تحديثه لهذا الحديث، وقد علمتَ أن ذلك لا يثبت عنه؛ لضعف قتادة بن الفضيل، فضلاً عن جهالته هو ـ قد سمع الحديث من عطية بن قيس، وكلاهما شامي دمشقي كانا في زمن معاوية عنه معروفَيْن غيرَ صغيرٍ سنُّهما. وعطيةٌ أيضاً مجهول الحال في الحديث، كما سيأتي بيانه في المتن، كابن ربيعة تماماً بتمام، فأخطأ ـ لضعفٍ فيه مثلاً، وهو وارد؛ أليس مجهولاً حالُ ضبطه؟! ـ فيه سنداً ومتناً، فرواه على ما مرّ آنفاً. أو العكس بالعكس مع عطية بن قيس، تماماً بتمام.

فيعودَ الحديث في نهاية الأمر إلى شخص واحد، هو عينُه مجهولٌ مدى ضبطه وحفظه للأحاديث. فهل يَحِلُّ في حكم العقول المستقيمة ـ بعد هذا البيان الذي فتح الله به عليَّ ـ تقويةُ الشيء بنفسه؟! اللهم لا.

ثم هل يحلّ ـ بعد هذا البيان المطَوَّل ـ أن يزعم أحدٌ ثبوت مثل هذه الأحاديث الأفراد الغرائب المناكير ـ ما ذُكر منها وما سيأتي ـ، أو حتى أن يقوي بعضها ببعض؟! اللهم لا.

الشاهد الخامس: عن عبد الله بن باسط، قال: قال رسول الله: «إن في أمتي خسفاً ومسخاً وقذفاً، قالوا: يا رسول الله، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، إذا ظهرت المعازف والخمور، ولُبِسَ الحرير». أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 15: 164، بسند صحيح، عن عبد الله بن عمرو بن مرة (وهو صدوق حسن الحديث)؛ وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي (9)، بسند صحيح، عن أبان بن تَغْلِب (وهو ثقة)، كلاهما، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة (وعمرو من شيوخ الأعمش الذين أكثر عنهم)، عن عبد الرحمن بن سابط (وهو تابعيٌ ثقةٌ كثيرُ الإرسال)، قال: قال رسول الله:….

وهذا مرسل؛ فابن سابط تابعيٌ صغيرٌ وُلِدَ بعد وفاة رسول الله بحوالي 40 سنة… ولو سمع هذا الحديثَ من صحابي ـ أو حتى من ثقة عن ثقة ـ لبادر إلى تسميته. واللهُ لم يكلفنا ـ ولا يُتَصوَّرُ ذلك منه ـ أخذ الدين عمَّن لم يُعرَف.

وأخرجه نعيم بن حماد في الفتن (1716)، عن ليث بن أبي سليم، عن عبد الرحمن بن سابط، به. ونعيم بن حماد متروك الحديث. وليث ضعيف. فأية متابعةٍ هذه لعمرو بن مرة وراويها ـ أقصدُ نُعيماً ـ متروكٌ لا يُستَبعَد منه الغلط في الأسانيد، بل هو الأصل في كل ما يرويه، ولذلك جاء لنا بهذا الإسناد الجديد، ذاكراً ابن أبي سليم وغيرَه، ومُسقطاً الأعمش وغيرَه؟! هنيئاً لمصحِّحي الحديث (راجع لزاماً تعليقي على الشاهد الثالث؛ للصلة الوثيقة بينه وبين الخامس هذا؛ إذ هما في حقيقة الأمر حديثٌ واحد).

وفي ختام هذه الوقفة الحديثية المطولة التي فتح الله بها عليَّ أقف مع فقه هذه الأحاديث ـ على ضعفها، وعدم جواز الاحتجاج بها أو البناء عليها ـ عدة وقفات، لها ما بعدها، ممّا سيرد في المتن إن شاء الله:

الأولى: هذه الأحاديث خبرٌ، وليس حكماً، فهي تخبر عن حادثة ستحصل في المستقبل، عن قوم هذه صفاتهم، سوف ينـزل بهم مسخ وكذا وكذا. إن الإخبار عن حدث غير الحكم فيه بحلّ أو حرمة.

والعقوبة الواردة فيها لم تحصل رغم وقوع ما عُلّقت عليه من أمور منذ ألف وأربعمائة سنة. وهذا دليل، لا مدحض له، على عدم تحديث الرسول| بمثل هذه الأحاديث، وإلا كان في ذلك نسبة الكذب إليه وإلى مَنْ أرسله؛ إذ لم يقع ما أخبرا به، وهو محال.

والثانية: لا تشير هذه الأحاديث إلى كون العقاب قد حلَّ عليهم لمجرد سماعهم للمعازف، وإنما لكون الفقير يأتيهم لحاجة، فيبخلون عليه، بينما هم غارقون في الزنا والخنا وشرب الخمور واستماع المعازف، مستعذبون ذلك، مستَحْلُون ومستَحِلُّون إياه، لابسون للحرير متنعمون به، ومع ذلك يردون الفقير حين يأتيهم، لعنهم الله. إن اجتماع هذه الأمور، لا مجرد وجود أفرادها؛ إذ منها المباح الحلال في ذاته ونفسه، كما سيأتي بيانه في المتن، هو ما أنزل بهم العقوبة المزعومة.

والثالثة: إن لفظ «الظهور» الوارد في عدد من هذه الأحاديث، والذي رُتِّبَت عليه العقوبة، إنما يُقصد به ـ كما هو ظاهر ـ كثرة ذلك وظهوره وانتشاره وشيوعه والإسراف فيه وحدوثه مقتَرِناً، لا مجرد التلبُّس بذلك أو مواقعته، وإلا فالمعازف والقيان والحرير والزنا وشرب الخمور موجود في كل كل زمان ومكان، زمنَ النبي وما قبلَه وما بعدَه، إلى يوم الناس هذا.

وانتشار وشيوع تلك الأمور لا يقع بالفعل اليسير في حياة جادة، وإنما ظهر حتى صار غالباً على غيره، وهذا في جملته يفيد الاستغراق في أمرين، دون مراعاة حلال أو حرام، اعتدال أو إفراط، هما: اللهوُ والترفُ. وهذه حال ما تمكّنت من قوم إلا هلكوا. تذكر قوله|: «والله، ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تُبسَط عليكم ـ لاحظ دقة التعبير: «عليكم» لا «لكم» ـ الدنيا كما بُسِطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتُهلكَكُم كما أهلكتهم» [متَّفق عليه].

فمثل هذه الأحاديث، على ضعفها، لا يُستفاد منها ما ذهب إليه المحرِّمون، فإنما هي إعلامٌ للأمة بخطر الإغراق في الملذات الزائلة. أما أحكام أفراد هذه الجزئيات فيعود ـ كما سيأتي بيانه في المتن ـ إلى إثبات حكم كلّ جزئية ببرهان مستقلّ غيرِ أعيان هذه الأحاديث.

والرابعة: إن نصوص بعض هذه الأحاديث، أي المسخُ والقذف إذا ظهرت المعازف والقيان، وما شابه ذلك، لا تدل على تحريم المذكورات فيها إلا بدليل أجنبي عن ذات هذه الأحاديث. أرأيتَ إذا قيل: «إذا تطاول الناس في البنيان سيحدث كذا وكذا، وإذا كثرت الأموال سيحدث كذا وكذا، وإذا كثر الخطباء وقل العلماء سيحدث كذا وكذا…إلخ» هل يعني حرمة مجرَّد التطاول في البنيان وكثرة الأموال وكثرة الخطباء وقلة العلماء؟ اللهم لا، وإنما يعني، عند كلّ ذي لبّ، أن هذه الأمور، بمجردها، مجرّدُ علامات، لا أكثر ولا أقلّ، على حدوث ما ذُكِر. فلا دلالة في هذه النصوص على تحريم المذكورات بذاتها مطلقاً. وإنما هي من باب أحاديث علامات الساعة: أن ترى أو يحدث كذا وكذا، فإذا رأيتَ تلك المذكورات أو حدثَ ما أخبرتُك به فانتظر الساعة. والله تعالى أعلى وأعلم.

([2]) هذا هو الصحيح. وإليه ذهب المزي في تحفة الأشراف 8: 583، 12161، وفي ترجمته لعطية بن قيس في تهذيب الكمال. وكذا قال ابن حجر في هدي الساري ـ مقدمتُه لفتح الباري ـ. وكذا قال د. بشار عواد في تعليقه على تهذيب الكمال، للمزي.

([3]) وزيادةً في تحرير موضوع تعليق البخاري لبعض الأحاديث ـ للمهتمين بعلوم الحديث وفنونه ـ نقول ـ على طريقة السؤال والجواب ـ:

السؤال الأول: لماذا يعلق البخاري بعض الأحاديث والآثار في صحيحه؟

الإجابة: إنما يعلق البخاري بعض الأحاديث في صحيحه بصيغة الجزم لأسباب هي:

1ـ أن يكون قد أخرج ما يقوم مقامها؛ فلا داعي لتكرار الحديث بسنده كاملاً، فيورده معلقاً.

2ـ أن يكون أخذها في حال المذاكرة. والمذاكرة غير مجلس السماع:

مجلس السماع هو المجلس الذي يتصدى فيه الشيخ للتحديث، ويسمع الطلاب منه، أو يقرؤون عليه وهو يسمع. وهي مجالس إملاء وتحديث، يكون المحدّث فيها متحرِّياً ومتوقِّياً ومتثبِّتاً أشد ما يكون التحري والتوقي والتثبت، والطالب منتبه أشد ما يكون الانتباه، يكتب أو يحفظ أثناء السماع أو يعارض إذا كان عنده النسخة التي تُقرأ على الشيخ المحدث.

أما المذاكرة فهي قريبة الشبه بمجالس المذاكرة التي يعرفها الناس الآن، يجلس المحدِّث مع بقيّة المحدثين، ويقول لهم: أنا أروي حديث كذا وكذا وكذا، وعندي رواية من رواية فلان عن فلان عن فلان… والمحدث هنا لا يكون متوقِّياً ولا متحرِّياً توقّيه وتحرّيه الذي يفعله في مجالس التحديث. ومن ثم فاحتمال الوهم فيها أو الاختصار أو الرواية بالمعنى احتمال وارد.

ولذلك يجنح الإمام البخاري إلى أن يميز هذه الروايات التي تلقاها بالمذاكرة عن الروايات التي تلقاها في مجالس السماع والتحديث، فيروي هذه الأحاديث ـ وإن كانت على شرطه، وكذلك إن لم تكن ـ بصيغة الجزم معلَّقة إلى من نسبها إليه.

3ـ أن لا تكون مسموعة له، لا في مجالس السماع ولا بالمذاكرة، كأن يكون أخذها وجادة؛ أي وجدها في كتاب من كتب شيوخه، أو مِن غيرهم مِمَّنْ يحتفظون بكتب شيوخهم عندهم (بشرط أن يكونوا ثقات)، فقرّر أن يوردها غير متصلة؛ أي بتعليقها مجزومةً إلى مَنْ علَّقها عنه.

4ـ أنها قد تكون صحيحة ولكن على غير شرطه في كتابه الجامع الصحيح.

5ـ أنها قد تكون ثابتة ولكن بإسناد ليس في المرتبة العليا من القبول.

السؤال الثاني: وماذا تفيد صيغة التعليق الجزميّة؟

الجواب: إن تعليق البخاري للحديث أو الأثر بصيغة الجزم إنما يفيد أنّ هذا الحديث أو هذا الأثر المعلَّق صحيحٌ إلى مَنْ علَّقه عنه، لا أنه حديث أو أثر صحيح في ذاته؛ فهذا أمر آخر؛ لاحتمال أن يكون في باقي الإسناد الذي ذكره أو في متنه علة توجب تضعيف الحديث.

إذاً فالبخاري إذا قال: «قال فلان» فهو يجزم ـ فقط ـ بصحة الإسناد إلى الذي سمَّاه، فوجب علينا أن ندرس بقية الإسناد، وكذلك المتن، فقد يكون مقبولاً وقد لا يكون. (قارن بـ: ابن حجر، هدي الساري مقدمة فتح الباري؛ د. حاتم العوني، مصادر السنة ومناهج مصنفيها 1: 6 ـ 9، كتاب إلكتروني منشور على موقع مكتبة مشكاة الإسلامية، وأصله مجموعة محاضرات علمية تحمل ذات العنوان).

([4]) أما القول بأن عطية قد توبع عليه، تابَعَه إبراهيم بن عبد الحميد. أخرجه البخاري في التاريخ الكبير 1/ 1: 304 ـ 305، قائلاً: «قال لي سليمان بن عبد الرحمن، قال: حدّثنا الجراج بن مليح الحمصي، قال: حدّثنا إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية، عمَّن أخبره، عن أبي مالك الأشعري أو أبي عامر: سمعت النبي| في الخمر والمعازف».

أقول: هذه متابعة لا تسمن ولا تغني من جوع؛ لوجود ذلك الراوي المبهم؛ حيث يُحتَمَل أنه راوٍ مجهول أو هو عبد الرحمن بن غنم، أو هو عطية بن قيس نفسه. وعليه فلا تصلح هذه المتابعة على الإطلاق. فضلاً عن أن البخاري لم يسق المتن إلا مختصراً للغاية ـ «سمعتُ النبي| في الخمر والمعازف» ـ فلم يسق اللفظ.

أرجِّح أن متن حديث ابن ذي حماية مخالفٌ لمتن عطية بن قيس؛ بدليل أن البخاري قد قال ـ بعد ذكره لمتن إبراهيم بن ذي حماية ـ: «إنما يُعرَف هذا عن أبي مالك [أي الأشعري]». وساق البخاري بسنده عن مالك بن أبي مريم [وهو مجهول]، عن عبد الرحمن بن غنم، أنه سمع أبا مالك الأشعري، عن النبي| قال: «ليشربنّ ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يُضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات، يخسف الله بهم، ويجعل منهم القردة والخنازير».

فهذا إن دل فإنما يدل على أن لفظ إبراهيم بن ذي حماية هو لفظ مالك بن أبي مريم، وليس عطية بن قيس.

فضلاً عن أن لفظ ابن ذي حماية ـ الذي ساقه البخاري ـ مختصرٌ اختصاراً مخلاًّ، فلا يصلح ـ بناءً على ذلك ـ متابعةً على الإطلاق، فتأمل منصفاً.

([5]) ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل 1/1: 37 .

([6]) انظر: الألباني، السلسلة الضعيفة 3: 112.

([7]) ابن حِبّان، الثقات 5: 260.

([8]) لقد أوضحنا من قبل أن العدالة ثابتة يقيناً لعطية بن قيس؛ لكونه من أئمة القراءات المشهورين بالشام، ولكن الكلام ـ كل الكلام ـ منصبّ على مسألة (ضبطه للأحاديث).

([9]) كشف الأستار 1: 106.

([10]) وإبانة حجتي في هذا الأمر يحتاج إلى بحث قائم بذاته، لا أفرغ له الآن، فأكتفي مؤقتاً بالإحالة على أقوال السخاوي والوادعي، كما سيأتي في المتن أعلاه.

([11]) فتح المغيث 2: 12.

([12]) ولا يخفاك أن مجرد رواية بعض الأجلة عن راوٍ من الرواة لا تعد توثيقاً له بمفردها. هذا تساهل غير مقبول ـ كما أوضحتُ عند حديثي عن المقدمات المنهجية في أول بحثي هذا ـ في منهج إثبات الحديث ـ الملزِمِ للأمة جمعاءَ حتى قيام الساعة ـ عن رسول الله|!

([13]) هو محدِّث يمني معاصر ثقة في علمه، وإن كان طويلَ اللسان بذيءَ الكلام في حديثه عن بعض فقهاء الأمة الثقات المعاصرين، رحمه الله وغفر له.

([14]) في جوابه عن السؤالين 85 و175 من كتابه المقترح في أجوبة أسئلة المصطلح.

([15]) أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه.

([16]) أصل فكرة السطور العشرة السابقة مستفاد ـ بتصرف؛ تنقيحاً للفكرة وتأصيلاً وتحريراً وتحويراً لها وزيادة عليها وحذفاً منها ـ من فتوى العلامة محمد رشيد رضا في مجلة المنار المتعلّقة بحديث البخاري في المعازف، ومن كتاب الغناء والموسيقى لأستاذنا الجديع، الذي تابع رشيد رضا في ما قاله، أو الشوكاني في إشارته المقتضبة إليها، كما سيأتي بيانه بعد سطرين، أو هما معاً، واستفاد منه، وزاد عليه وبنى وأصَّل وفرَّع، وإنْ لم يُشِرْ إليه. وعدد من عبارات أستاذنا الجديع تكاد تكون مطابقةً لعبارة رشيد رضا.

ورشيد رضا هو صاحب فكرة ما ورد في المتن أعلاه، لم يسبقه إليها سابقٌ، لا قديماً ولا حديثاً، في ما أعلم، إلا إشارةً مقتضبةً، ولكنْ رائعةً مركزةً، من الإمام الشوكاني لذات الفكرة في نيل الأوطار 8: 440، وإنْ حكاها ثم ردها، على طريقة: فإن قيل بكذا وكذا، فيُجاب بكذا وكذا. وأظن أن رشيد رضا قد لمحها بذكائه وفطنته في نيل الأوطار؛ إذ كثيراً ما يحيل عليه، حتى في ذات فتوى المعازف التي سننشر نصها ملحقاً بآخر الكتاب، فاستفاد بها ونماها وأصَّلها وبنى عليها وفرَّع.

([17]) كما في قوله|: «…فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه…». حديث صحيح أخرجه الترمذي (664)؛ وأبو داوود (4604). وسنده صحيح.

وكما في قوله|: «…واستحللتم فروجهم بكلمة الله…». أخرجه مسلم (1218).

([18]) يقول أستاذنا الجديع ـ بتصرف مِن قِبَلي في قوله؛ ضبطاً وتحريراً واستدراكاً وإضافةً ـ: استعمالُه لاستباحة الحرام يكون باعتقاد حله، سواءٌ واقعه أم لم يواقعه، فإن كان اعتقاده ذلك بغير إذنٍ من الشرع أو عذرٍ ـ كتأويل أو جهل ـ كان كفراً. نعم، قد يدل لفظ الاستحلال على مجرد مواقعة الحرام، ولكن لابد في ذلك من قرينة.

ومن شواهد استعماله في هذا المعنى قوله|: «اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله». أخرجه مسلم. وذلك أن الأصل في الفروج هو التحريم، وهذا استحلالٌ بإذن الشارع.

ومن شواهده قول أهل السنة والجماعة: «لا نكفِّر أحداً بذنب ما لم يستحله»؛ لأن استحلال المحرم البين التحريم تكذيب لله ورسوله.

([19]) لتفصيل ذلك راجع أيّاً من كتب الفقه الإسلامي قديمها وحديثها.

([20]) حديث صحيح. أخرجه أحمد (2625، 3274)؛ والبيهقي (10: 213، 221)، من طرق، عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم مالك الجزري، عن قيس بن حبتر، عن ابن عباس، به. وسنده صحيح.

ورواه أحمد (2476)؛ وأبو داوود (3696)، عن علي بن بذيمة: حدثني قيس، به. وسنده صحيح، والزيادة له.

ورواه ابن وهب في جامعه (ق: 10/ ب) ـ كما ذكر أستاذنا الجديع في كتابه عن الغناء والموسيقى: 332؛ إذ لم نقف على جامع ابن وهب هذا ـ والبيهقي 10: 222، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمرو بن الوليد بن عبدة، عن قيس بن سعد ـ وكان صاحب راية النبي| ـ أن الرسول| قال: فذكره (بالرواية الثانية وبدون الزيادة). وسنده صحيح.

([21]) حديث في غاية الصحة. أخرجه أحمد (21590)؛ وأبو داوود (3660)؛ والترمذي (2656).

([22]) انظر : لسان العرب، مادة: قنن.

([23]) ابن الأثير، النهاية 4: 207.

([24]) وهو رجل عدل من أهل اليمن.

([25]) وما أهل اليمن إلا عربٌ أقحاح.

([26]) أبو عبيد القاسم بن سلام، غريب الحديث 4: 278.

([27]) أخرجه البخاري في الأدب المفرد: 788، 1267. وسنده حسن جداً.

([28]) وقول فضالة بن عبيد ونهيه ـ الواردان في الأثر السابق ـ إنما هو مأخوذ من قول النبي|: «من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنـزير ودمه» (أخرجه مسلم (2260).

فضلاً عن أن العرب كانوا يقولون: «لا يزال معه كوب الخمر وكوبة القمر»، لا يعنون بذلك إلا النرد. (انظر: الزمشخري، أساس البلاغة: 300، 1979م، دار المعرفة ـ بيروت).

([29]) أخرجه أحمد (4: 146، 148)؛ وأبو داوود (2513)؛ والنسائي (3578، 3146) وابن ماجة (2811)، كلهم، عن أبي سلام ممطور الحبشي، عن خالد زيد ـ وبعضهم قال: عن خالد بن زيد، وآخر قال: عن خالد بن يزيد الجهني، وآخر قال: عن عبد الله الأزرق ـ عن عقبة بن عامر، به.

وأخرجه الترمذي (1637)، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين، أن رسول الله قال: فذكره.

وسوف يأتي الكلام على سند الحديث في المتن إن شاء الله.

([30]) مستفاد من أستاذنا الجليل د. محمد عمارة.

([31]) هذا الحديث الصحيح جاء فيه (لغو ولهو) مكان (الباطل) في الحديث الضعيف السابق ذكره، ممّا يجلي الأمر ويحدد المقصود.

فضلاً عن أن اللهو ـ كما قلنا سابقاً ـ لا يتصل به حكم لذاته إلا الإباحة، ويصير إلى غيرها بالغرض الذي يُستعمل له؛ فإن كان الغرض مطلوباً شرعاً صار اللهو حقاً؛ وإن كان الغرض ممنوعاً شرعاً صار اللهو مكروهاً أو محرماً ـ حسب درجة المنع ـ.

فالمقصد من اللهو هو الذي يجعله واجباً أو مندوباً أو مباحاً أو مكروهاً أو محرماً. وكُن من هذا التوضيح على ذكر دائماً، فهو مفتاح القضية.

([32]) أخرجه النسائي في عشرة النساء (54)؛ والطبراني في الكبير (2: 211)؛ وصححه الألباني في الصحيحة (315). وهو كما قال.

([33]) حديث صحيح. أخرجه أحمد (4535، 4965)؛ وأبو داوود (4924، 4926)، من طريقين صحيحين، عن نافع، به.

([34]) انظر لزاماً رقم (6) من (مقدمات منهجية) في أول بحثنا هذا.

([35]) أخرجه مسلم (373)؛ وأبو داوود (18)؛ والترمذي (3384).

([36]) حديث صحيح. أخرجه الطبراني في الكبير (17: 427)؛ وابن قانع في معجم الصحابة (1: 130)؛ والبيهقي (7: 289)، كلهم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عامر، به.

وأخرجه الطيالسي (1221)؛ وابن أبي شيبة (4: 193)؛ والحاكم (2: 184)؛ والبيهقي (السابق)، كلهم، عن شعبة، عن أبي إسحاق، به.

وكلا الطريقين إسنادهما صحيح.

([37]) أخرجه أحمد، والبيهقي (5: 97)؛ وصحَّحه الألباني. وهو كما قال.

([38]) أخرجه البخاري (1790، 4495، 4496)؛ ومسلم (1277، 1278).

([39]) انظرها في أدلة الإباحة من السنة، كما سيأتي إنْ شاء الله. وإنما تجنبنا ذكرها ها هنا خشية الإطالة والتكرار.

([40]) أخرجه الإمام أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم العطار ـ كما أفاده الجديع في كتابه عن الغناء والموسيقى: 359؛ إذ لم نقف على جزء العطار هذا ـ في جزء من حديثه (ق: 95/ ب) من طريق إسماعيل بن علية، عن يونس، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: فذكره. وسنده صحيح.

وأخرجه البيقهي (6: 126)، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، بلفظ: «نهى رسول الله| عن ثمن الكلب ومهر الزَّمَّارة». وسنده صحيح.

وأخرجه البخاري (2283، 5348)، عن أبي حازم سلمان الأشجعي، عن أبي هريرة، قال: «نهى النبي| عن كسب الإماء». وسنده صحيح.

([41]) هذا الرجل كلامه في العربية والمعاني حجة؛ «قال أبو بكر الأثرم لأحمد بن حنبل: كان صاحب عربية؟ قال: نعم». (ذكره المزي في ترجمة المصيصي في تهذيب الكمال 5: 454).

([42]) أبو عبيد القاسم بن سلام، غريب الحديث 1: 341 ـ 343.

([43]) لسان العرب، مادة: زمر.

([44]) انظر: أبو أحمد العسكري، تصحيفات المحدثين 1: 178، ط 1982م، المطبعة العربية الحديثة، القاهرة.

([45]) كل تلك الروايات قد خرجناها، وبينّا درجة ثبوتها في هامش تخريج الحديث السابق.

([46]) متفق عليه. أخرجه البخاري (2282)؛ ومسلم (1567).

([47]) حديث صحيح. أخرجه ابن إسحاق في السيرة: 79 ـ 80؛ وابن حبان (6272)؛ والحاكم (7619). وسنده صحيح.

([48]) وأنا أختلف مع سيادته، ومع غيرِه، في بعض ما حَكم به على عدد من الأحاديث، خاصةً ما صححه وقواه منها، فتعقبتُه، وغيرَه، في دراستي هذه دون إشارةٍ إلى اسم المُعقَّب عليه؛ إذ إنما أناقش (الحجّة)، لا (قائل الحجّة).

([49]) وقد مرّ بنا شيءٌ من ذلك؛ انظر مناقشتنا لأدلّة المحرِّمين من السنّة (أرقام: 4، 5، 7). وسيأتي لذلك زيادة تفصيل إنْ شاء الله.

([50]) انظر: الأصفهانيّ، الأغاني 6: 289.

([51]) انظر: الذهبيّ، سير أعلام النبلاء 10: 187.

([52]) انظر: الأغاني 5: 268؛ وسير أعلام النبلاء 11: 118.

([53]) وفي هذا كلّه نقضٌ، بحقٍّ وصدقٍ وعلمٍ، لأصل فكرة وكتاب الإمام ابن تيميّة (اقتضاءُ الصراط المستقيم مخالفةَ أصحاب الجحيم).

([54]) للتفصيل والتأصيل والاستزادة: انظر مبحث «هل الإجماع حجّة» ومراجعه في الباب الثاني من كتابي: في فقه الاجتهاد والتجديد، دراسة تأصيلية تطبيقية، تقديم: د. محمّد عمارة، ط1، 2010م، دار السلام بالأزهر، القاهرة.

([55]) ولا غير ذلك ممّا سيأتي بعد قليل.

([56]) في اصطلاحنا هاهنا: المعلوم من الدين بالضرورة = اليقينيّ الثبوت والدلالة.

([57]) حديث صحيح. أخرجه الترمذيّ وغيره.

([58]) من مثل: «مَنْ خرج عن الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتةً جاهليّة…» (أخرجه مسلم 1848)؛ و«مَن رأى من أميره شيئاً يكرهه (ملحوظة خاطفة: لاحظ التعبير؛ «يكرهه»، لا «شيئاً يَحرُم عليه فعله»)، فليصبر؛ فإنّه مَنْ فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهليّة» (أخرجه مسلم 1849)؛ و«إنّه ستكون هنات وهنات، فمَنْ أراد أن يفرِّق أمر هذه الأمّة، وهي جميع، فاضربوه بالسيف، كائناً مَنْ كان» (أخرجه مسلم 1852).

([59]) وبتعبير آخر هو: «إجماع لا يزيد عن كونه قولاً وُجِدت جميع الآثار والأخبار المنقولة عن المجتهدين ـ في خصوص تلك المسألة ـ قد اتَّفقت على حكم واحد فيه، ولم يوجد عن أحدٍ من أهل زمن هؤلاء المجتهدين ومَن بعدهم مَن نُقِل عنه ـ في ما وصلنا أو في حقيقة الأمر ـ خلاف قولهم، أو لم يظهر منهم اعتراف بهذا القول أو إنكار له».

ويجب الانتباه هاهنا إلى أمرين:

1ـ أنّ المنقول من هذه الآثار لا يجوز التسليم به هكذا على علاّته؛ إذ احتمال ضعف الأسانيد وارد، فوجب البحث في سلامة المنقول من عدمه.

2ـ أنّ من هذا المنقول ما هو غير صريح في دلالته، فوجب التثبُّت في معانيها؛ حتّى لا نحمِّلها ما لا تحتمل، ولا نقوِّلها ما لم تقل.

([60]) وهذا مستحيلٌ لكونه ممّا تأباه طبيعة الدين وطبيعة اللغة وطبيعة البشر وطبيعة الكون والحياة، كما فصَّلنا القول في ما سبق.

([61]) نعم، قد يعترض البعض قائلاً: هذا دورٌ؛ إذ تحتجّ بمحل النـزاع، وهو ما لا يجوز في البحث والمناظرة.

والجواب: إنّي قد أقمتُ، على ما ذهبتُ إليه في موضوع الغناء والمعازف، بيِّناتٍ أربعَ من القرآن، وبيناتٍ ثلاثَ عشرة من صحيح السنّة، وبيناتٍ أربعَ من مقاصد الشريعة ـ المستمدّة من الكتاب والسنّة ـ، وحججاً وافرةً من المعقول، وبراهين ساطعةً مستمدةً من الأنفس والآفاق، ودفعتُ ما ورد، وما قد يَرِدُ، عليها من الاعتراضات. فجميع ذلك حجّة عليك، يجوز لي إلزامك به، إلى أن تأتيني بما ينقضه، وهيهات.

([62]) نعم، الخبر الوارد عن المنهال لا يقطع بإباحة الغناء والمعازف، ولكنّه يفيد ذلك بطريق الظنّ الغالب؛ فالخبر الوارد هو أنّ عدداً من أئمّة الحديث والجرح والتعديل قد سمعوا ـ أثناء مرورهم ببيته ـ صوتَ طنبورٍ ـ وهو أحد الآلات الموسيقيّة ـ يَصْدُرُ منه.

وهذا يحتمل أنّ المنهال نفسه هو مَنْ كان يعزف، أو أنَّ أحداً من أهل بيته هو مَنْ كان يعزف بإقرار منه، أو أنّ أحداً منهم كان يعزف مستثمراً فرصةَ عدم وجوده مثلاً؛ لكونه يمنعهم أو يحرِّم عليهم العزف والمعازف. وبَيِّنٌ أنّ الاحتمالَ الأخيرَ ضعيفٌ؛ لأنّ فيه قدحاً في أهل بيت المنهال ـ وهو مَنْ هو ثقةً وفضلاً وأدباً وتأديباً ـ وظنّاً سيّئاً بهم، وهو ما لا يجوز أن يصدر عن المسلم بحقّ أخيه المسلم، فما بالك إنْ كان بحقّ أهل بيت المنهال بن عمرو!

([63]) مثل: أكثر فقهاء ومحدِّثي المدينة المنورة، قبل وجود مالك وبعده. حيث قد ذكر رأيَ علماء المدينة ـ وإنْ أنكره عليهم، ودَعْ عنك إنكارهم، إنّما يهمّنا من الوجهة التاريخيّة إثبات قول جمهور فقهاء ومحدِّثي المدينة بالإباحة ـ الإمامُ الزهري (أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق 1: 361، بسند حسن)؛ ومعمرُ بن راشد (أخرجه الخلال في الأمر بالمعروف، رقم 170، بسند حسن)؛ ويحيى بن سعيد القطان (أخرجه أحمد بن حنبل في مسائله، رقم 1875، رواية ابنه عبد الله، وسنده صحيح).

([64]) شاع ـ بعضَ الشيوع ـ عن الإمام الشعراوي أنّه يحرِّم الغناء والموسيقى؛ لفتوى مقتضبة منشورةٍ في كتابه (الفتاوى)، أفتى بها لأحد الناس مراعاةً لحاله لا غير؛ إذ الفتاوى تختلف باختلاف حال المستفتين.

والحقُّ أنّ رأي الشعراوي المُحرَّر في المسألة هو الإباحة بضوابطها الشرعيّة، كما بَيَّن ووضَّح عند تفسيره لآية: ﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ (لقمان: 6). راجع تفسيره للآية المذكورة ـ خواطره الإيمانيّة كما يحبّ أن يسميها ـ، ط أخبار اليوم، القاهرة. واستمع إليه كذلك عند بثّ تفسيره هذا صوتيّاً عبر إذاعة القرآن الكريم القاهريّة. والمكتوبُ مطابقٌ للمسموع.

([65]) انظر: عبد الله بن يوسف الجديع، الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام: 35؛ د. يوسف القرضاوي، فقه الغناء والموسيقى: 73 ـ 74، 152 ـ 153؛ عبد الحليم أبو شقّة، تحرير المرأة في عصر الرسالة 3: 132 ـ 222.

([66]) حول مسألة سدّ الذريعة انظر: رقم 5 في مقدّمات منهجيّة من هذا المقال.

([67]) أخرجه البخاريّ.

([68]) عبد الله بن يوسف الجديع، الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام: 600 (بتصرُّف قليل).

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً