أحدث المقالات

د. أحمد باكتجي(*)

ترجمة: وسيم حيدر

المقدّمة

في لغةٍ مثل اللغة الفارسية أو اليونانية، حيث يستعمل فعل الربط (است) الدالّ على التحقق والكينونة، [كما هو الحال في كلمة (is) في اللغة الإنجليزية]، هناك إمكانية صياغة معنى الوجود والكينونة من هذا الفعل الرابط، وصياغة معنى العدم من صيغته السالبة. وهو أمرٌ قد تحقّق في اللغة اليونانية. وحيث لا توجد مثل هذه الإمكانية في اللغة العربية [بسبب إضمار فعل الكينونة فيها] فقد ظهر مصطلح الوجود والعدم في الفلسفة الإسلامية على صيغة أيس وليس، وبعد مرحلةٍ تمّ الانتقال إلى مصطلح الوجود والعدم. وعلى الرغم من أن الحاصل في هذا الانتقال هو مجرّد تحوّل لفظي، فإن تفاوت اللاشيء عن ليس والعدم يعبِّر عن ارتباطٍ جادّ على مستوى المفهوم، وهذا الأمر قد أدّى في بعض المواضع ـ من قبيل: تحقّق الإبداع ـ إلى عدم تحقّق الانتقال من اللاشيء إلى العدم.

إن تحقّق الإبداع تحت عنوان: «الخلق لا من شيء»، الذي نراه للمرّة الأولى في الفلسفة الإسلامية عند الفارابي، إنما كان ـ بحَسَب رؤية بعض الباحثين، من أمثال: (وولفسن) ـ بتأثيرٍ من المحافل الفلسفية اليهودية. إلاّ أن هذا التحقيق يُثبت أن هذا التحقّق، إلى جوار المنشأ الواضح الذي يحمله من الفلسفة اليونانية، قد تأثَّر بشكلٍ مباشر بالنصوص الدينية الإسلامية والسنّة الكلامية لدى المسلمين أيضاً.

الـ «مِدِن» والـ «مِئون» في اليونان الإغريقية

إن مسألة الخلق الأوّل من أقدم المسائل التي شغلت ذهن الإنسان منذ القدم، وقد دعت المفكِّرين من مختلف المذاهب الفكرية إلى الخوض في بيان تحقّق هذه المسألة بنوعٍ من الأنواع.

يمكن العثور على نماذج من أقدم أنواع التحقّق الفلسفي للخلق الأول في النصوص التي تعود إلى ما قبل الحقبة السقراطية. إن مفهوم الـ «مِدِن» بمعنى الـ «لا شيء» كلمةٌ مؤلفة من سابقة الـ «مِ» كأداة للنفي، و«دِن» (وس) بمعنى «شيء». وقد استعملت للمرّة الأولى في مذكّرة متبقية عن الفيلسوف الإيليائي (بارمنيدس). فهو حيث يرى الوجود مجموعة موحدة ومنسجمة يعتبر الـ «لا شيء» أو الـ (مِدِنوس) غير قابل للفهم، وغير قابل للذكر([1]). من هنا فإنه عندما تكلّم عن وجود أو عدم وجود الأمور عبَّر عن ذلك بـ «اِستين» في مقابل الـ «أوك اِستين»([2]). فهو في معرض الحديث عمّا هو كائنٌ وما هو غير كائن يقول: «أما ما هو كائن وما هو عدم كون فهو عدم الكينونة»، و«ما هو غير كائن (غير موجود)، وما يتوقّف وجوده على عدم الكينونة»([3]).

ومن خلال الاستعانة بالمصطلحات المتأخِّرة يمكن القول: إن (بارمنيدس) كان يرى الموجود واجب الوجود، والمعدوم ممتنع الوجود، ولم يكن يقول بوجود حدٍّ وسط باسم ممكن الوجود. إن هذا القول قابلٌ للفهم عنده في إطار وحدة الوجود، وعلى هذا الأساس لا يحدث في الواقع خلق في العالم، ليكون مقدمةً للكلام حول مبدأ الخلق الأوّل.

ومن بين أتباعه (مليسوس)، الذي عمل على تطوير نظريته، واستنتج صراحةً أن ما هو موجودٌ كان منذ الأزل، ولا يمكن لشيءٍ أن ينبثق من الـ «لا شيء»([4]).

إن اقتران حرف النفي «مِ» بأحد مشتقات الفعل «اِيمي» بمعنى «الكينونة» و«الوجود»([5])، الذي نراه عند (بارمنيدس)، شكّل أرضية لدى الأجيال اللاحقة له لصياغة مصطلحٍ هامّ آخر، أضحى منافساً لمصطلح الـ «مِدِن». إن هذا المصطلح الجديد، أي الـ «مِئون»، والذي نجد أقرب معادلٍ له في اللغة العربية هو الـ «لا موجود»، إنما نجده بعد مضيّ قرن من (بارمنيدس)، وذلك في كتابات الفيلسوف الإغريقي الذرّي (ديموقريطس). ومن وجهة نظره فإن العالم الواقعي مؤلّف من علتين أو عنصرين، وهما: الـ «تو اون» والـ «تو مِئون»، واللذان يعنيان في العربية: «الموجود» و«اللاموجود»؛ حيث إن الـ «تو اون» يتحقّق بالذرات المتناغمة والمتحدة وغير القابلة للتجزئة، والـ «تو مئون» يتحقّق بالخلأ. وهذا الأخير عبارةٌ عن أمرٍ غير وجودي وغير مطلق، هو «لا ذرّة»، وعنصر يوفّر إمكانية لتعدّد الأجزاء المتفرّقة، ويخلق لها فضاء للحركة([6]). ويبدو أن ما نقله (بلوتارخوس) عن «ديموقريطوس) من استبدال الـ «تو مِئون» بـ «تو مِدِن»، ونسبة هذا الكلام إليه، من أن الـ «نو دن لا يمكن أن يكون أكثر كينونة من الـ (مِدِن)»([7])، قد نشأ عن الخلط بين مصطلحين.

من هنا فإن (ديموقريطوس) قد طرح الوجود فوق طاولة البحث على مستويين؛ فهو من جهةٍ عدّ الخلأ أو الـ «لا ذرّة» عنصراً من عنصري العالم الواقعي، ورأى له دَوْراً وجودياً؛ ومن جهةٍ أخرى يرى الذرّة وحدها هي العنصر الأصيل (أو الموجود)، وأما عنصر الـ «لا ذرّة» أو الخلأ فإنه يطلق عليها اسم الـ «مِئون» أو الـ «لا موجود». ومن الواضح أن الـ «مِئون» في الوقت الذي لا يكون ناظراً إلى نفي الأصالة التي يحتكرها عنصر الذرّة لنفسه فإنه لا يعني نفي مطلق الوجود، ومن هنا عمد (ديموقريطوس) إلى العدل عن التعبير بالـ «مِدِن» إلى التعبير بالـ «مِئون». إن استعمال الـ «مِئون» عند «ديموقريطوس» يُظهر بوضوحٍ كيف كان الـ «مِدِن» ناظراً إلى نفي مطلق الشيئية، في حين كان الـ «مِئون» يميل في الغالب إلى نفي شيء (ذرّة) كان من المتوقَّع له الوجود. وعلى هذا الأساس يكون تحويل الـ «مِئون» إلى «العدم» خطأ؛ إذ لا بُدَّ من الالتفات بنحوٍ من الأنحاء إلى أن (ديموقريطوس) كان يربط في كلامه تحقّق الـ «تو اون» بالـ «تو مِئون»، حيث يمكن له توفير إمكانية تعدّد الأجزاء المتفرّقة، وأن يخلق لها فضاء لتحرّكها، بَيْدَ أنه لم يربط تحقّق الـ «تو مِئون» بتحقّق الـ «تو اون».

إن هذا الأمر يمثِّل نقطةً مناسبة للانتقال من الـ «مِئون» عند ديموقريطوس إلى الـ «مِئون» الإفلاطوني؛ إذ يُستنبط من كلَيْهما نوعٌ من أسبقية الـ «تو مِئون» على الـ «تو اون». فبحَسَب بيان أورسطوطاليس كان أتباع إفلاطون يطلقون على المادّة الأزلية المنبثقة عن الكائن الذي خلق العالم اسم الـ «تو مِئون»([8]). إن المقارنة بين الاستعمالين تثبت كيف أسهم الانتقال من «ذرّية» ديمقريطوس إلى الفكر الإفلاطوني في حدوث تطوّر مفهومي في الـ «تو مِئون»؛ إذ بعد أن كان مرجعه الخلأ انتقل الآن ليكون المرجع له هو المادّة الأزلية، التي أضحت الآن هي منشأ خلق العالم. يمكن لنا أن ندرك هنا بوضوحٍ أن الـ «مِئون» يعني انتفاء أمر، وذلك الأمر هو الوجود المعروف، وأنه لا يدلّ على الـ «لا وجود»، بل على الـ «لا موجود»، الذي هو في الواقع «موجود سابق».

إن الخطوة اللاحقة في التحوّل المفهومي لـ «مِئون» تعود إلى أرسطوطاليس. فقد أصرّ أرسطوطاليس ـ طبقاً لمبناه الفلسفي القائل بقِدَم العالم ـ على عدم خلق أيّ شيء من الـ «مِئون» بمعناه المطلق. وقد استعمل في العبارة مورد البحث تحقّق الخلق من الـ «مِئون» تماماً([9]). إن رأي أرسطوطاليس بشأن الـ «مِئون» يظهر من خلال النظر في تفسيره للهيولى أو المادّة.

إنه يرى أن المادّة أمرٌ بالقوّة، وأن فعليتها تتحقّق بالصورة، وأنها تطلق صوراً على التعاقب، وتتقبّل صوراً أخرى، وأن المادة على نحو الإجمال هي علّة الكون والفساد. ومن خلال التدقيق في كلمات أرسطوطاليس يجب القول: إن ما ذكره بشأن المادّة يمكن مقارنته إلى حدٍّ كبير بتعبيرات ديموقريطس بشأن الخلأ. وقد أكّد في موضعٍ على أن المادة ليست مِدِن (لا شيء)، بل هي «تي» (شيء)([10]). وصرَّح في موضعٍ آخر أن المادة ليست دائماً ومطلقاً، بل هي «مِئون على نحوٍ عرضي» فقط([11]). وعلى الرغم من الاختلاف العميق بين إفلاطون وأرسطوطاليس في تعريف المادّة من حيث معرفة الوجود هناك بينهما الكثير من المشتركات في ما يتعلَّق بالمعرفة المفهومية؛ فالمادّة عندهما تتدخّل بنحوٍ من الأنحاء في الخلق، وقد ذهبا معاً إلى اعتبار المادّة «مِئون»، وبنفس اختلاف نوع مدخلية المادّة في الخلق في كلتا المدرستين تكون مِئونية المادة في كلام الإفلاطونين مطلقة، وفي بيان أرسطوطاليس عرضية.

ولتوضيح هذا الاختلاف لا بُدَّ من العودة ثانيةً إلى المعنى الرئيس لـ «المئون»، الذي يعني انتفاء أمر متوقّع، وليس النفي المطلق. إن المادة إنما كانت عند الإفلاطونيين عبارة عن الـ «مِئون» لوجودها قبل خلق العالم، أي «تو اون»، ومن هنا تدلّ على نوعٍ من «الموجود السابق». كان أرسطوطاليس يعتبر المادة أمراً بالقوّة، ومن هنا كان يعتبرها «مِئون»، وليست بالفعل، ولم تتحقّق لها الفعلية المتوقّعة. ومن هنا فإنه؛ رفعاً للغموض، يصرِّح بأن المادة وإنْ كانت من الـ «مِئون» عرضاً، إلاّ أنها ليست من الـ «مِدِن» أبداً.

في الكتاب الثاني للموكابيين من الكتب الأبوكريفية، التي يعود تأليف نصّها الأصلي ـ غير المختصر ـ إلى ما قبل عام 160ق.م بقليلٍ، هناك عبارةٌ اعتبروها ذات صلةٍ بالمصطلحات السائدة بين الفلاسفة الإغريق في ما يتعلَّق بالخلق. تقول تلك العبارة: «انظر يا ولدي إلى السماء والأرض، وإذا رأيت كلّ ما فيها فاعلم أن الله صنع الجميع من العدم، وكذلك وجد جنس البشر»([12]).

وقد فسّر (فيلون الإسكندراني) هذه العبارة بالمادّة غير المتبلورة من السابق للموجود الإفلاطوني. وقد عمد (هرماس) ـ من آباء الكنيسة الأوائل ـ، و(يوحنا الدمشقي) ـ من المتأخِّرين ـ، إلى إرجاع هذه العبارة إلى الخلق من «غير الموجود» الـ (مِئون). واعتبرت هذه العبارة أحياناً جهداً في سياق الانتقال من تحقّق «من لا شيء» إلى «لا من شيء»([13]). إلاّ أن سياق العبارة في كتاب الموكابيين يثبت أن هناك في ما يتعلَّق بخلق السماوات والأرض ذات التصوّر الذي نشاهده بشأن خلق الإنسان. وعلى أيّ حال قد تمّ التصريح في التوراة بأن آدم بوصفه أوّل إنسان قد خُلق من تراب الأرض([14]). يضاف إلى ذلك أنه لا بُدَّ من الالتفات إلى أنه في أصل العبارة اليونانية لكتاب الموكابيين قد استعمل لفظ الـ «اوك اكس اونتون»، وإن الاستفادة من حرف النفي «اوك» بَدَلاً من «مِ» قد أبعدها عن لغة الفلاسفة المتقدّمين من الإغريق. وعلى أيّ حال لا بُدَّ من التدقيق بأن الـ «اوك اكس اونتون» ـ خلافاً للتصوّر البدوي ـ ليست شكلاً متحوِّلاً لـ «اك مئونتوس» لدى الفلاسفة المتقدّمين، ويجب اعتبارها تعبيراً عُرْفياً وبعيداً عن اللغة الفلسفية.

غير الشيء واللاشيء في النصوص الدينية الإسلامية

على الرغم من تناول القرآن الكريم للمباحث المتعلِّقة بالإبداع والخلق الأول في الكثير من المواضع، وجاء بعد ذلك بسطها وتفصيلها في الأحاديث الشريفة، إلاّ أننا لا نستطيع تتبُّع أثر «الخلق من العدم» وتجلِّياته المتنوّعة في ما هو أبعد من المباحث الكلامية المحتدمة في القرن الثاني الهجري.

إن إدراك فكرة الخلق من العدم (creation ex nihilo) في فضاء المسيحية الغربية أدّى إلى إرجاع ترجمات القرآن الكريم، ولا سيَّما الآية 53 من سورة الطور، إلى هذا الإدراك والتصوّر. تقول هذه الآية الشريفة: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ (الطور: 35). ويفهمها المتلقّي الغربي، ولا سيَّما عبارة «من غير شيء»، على صيغة «ex nihilo». يمكن الوقوف على ترجمة هذه الآية بـ «الخلق من العدم» في عبارة: «من لا شيء» عند الكثير من الذين ترجموا القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية، من أمثال: إيروينغ، وبالمر، وآربري، وبيكتال، ويوسف علي، والذين ترجموها إلى غير الإنجليزية أيضاً، من أمثال: كراتشكوفسكي. وحتّى في تعبير: «مع لا شيء»، الذي نجده في ترجمة «سيل»، و«رادول»؛ إذ نجد هناك نوعاً من استعمال التحقّق غير المألوف للخلق من العدم.

وفي هذا الإطار يذهب بعض المحلِّلين للفكر الإسلامي، من أمثال: «وولفسن»، إلى الاعتقاد بأن هذه الآية تحتوي على إشارةٍ مبهمة لعقيدة الخلق من العدم([15]). كما نجد ذات هذا الفهم للآية في المصادر التفسيرية القديمة، وإنْ على نطاقٍ محدود جدّاً([16]). ولكنّه على أيّ حالٍ فهمٌ متأخّر جدّاً عن عصر النزول، حيث يظهر في خضم الجدل الكلامي المحتدم في القرنين الثاني والثالث الهجريين.

ولا بُدَّ من الالتفات إلى أن عبارة: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ﴾ تعبِّر ـ بشهادة الآيات السابقة واللاحقة لهذه الآية من سورة الطور ـ عن استفهامٍ استنكاري، وإن خلق الإنسان «من غير شيء» إنما يمثِّل موقف ورؤية المشركين، وليس هو رأي القرآن. فالشيء هنا اسمٌ مبهم، وله مدلول محدّد، وهو ينطبق على كلّ شيء يمكن فهمه من السياق، ومن ذلك: قوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ﴾ (البقرة: 113)، حيث يكون الشيء هنا بمعنى الدين؛ وقوله تعالى: ﴿وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ﴾ (الحجر: 19)، حيث يكون الشيء بمعنى النبات، وهكذا. وعليه، من خلال الالتفات إلى سياق الآية مورد البحث من سورة الطور، ولا سيَّما العبارة المعطوفة عليها، وهي قوله تعالى: ﴿أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾، ندرك أن معنى الشيء هو الخالق، وبذلك يكون معنى الآية: «هل خلقوا من غير خالقٍ أم أنهم خلقوا أنفسهم؟!». وقد نقل هذا الفهم في التفسير بالمأثور عن ابن عبّاس أيضاً([17]). كما ذهب إلى هذا الفهم بعض علماء القرون المتأخِّرة، من أمثال: الغزالي، والزمخشري([18]).

وبعد هذه الآية نجد أهمَّ نصٍّ روائي في مظانّ فهم الخلق من العدم حديثاً نبويّاً يرويه البخاري في صحيحه، وقد ورد ذكره في بعض المصادر الروائية الأخرى أيضاً([19]). وطبقاً لنقل البخاري: جاءت جماعةٌ من أهل اليمن إلى النبيّﷺ، وسألوه عن «أوّل هذا الأمر»([20])؟ فقال النبيّ في جوابهم: «كان الله ولم يكن شيء غيره، (وفي روايةٍ أخرى: شيء قبله)، وكان عرشه على الماء»([21]). كما نقل ذات هذا الحديث بالمعنى على صيغة: «كان الله ولا شيء»([22]). إن هذا الحديث في حدّ ذاته لا يدلّ على الخلق من العدم، وإنما هو ناظرٌ إلى مرحلةٍ سابقة على بداية الخلق، وذلك بالنسبة إلى أولئك الذين يرَوْن هذه المرحلة قابلة للتصوُّر([23]).

وفي ما وراء هذه الروايات لا بُدَّ من الإشارة إلى استعمالات هذا المصطلح في الصِّيَغ الشعرية والنثرية التي يعود تاريخها إلى النصف الأول من القرن الأول الهجري. ومن ذلك: نجد صيغة: «لا شيء غير الله» بَدَلاً من «لا إله إلاّ الله». ففي قصيدة لصرمة بن قيس جاء التعبير بـ «إن الله لا شيء غيره»([24])؛ والتعبير بـ «أشهد أن الله لا شيء غيره» في قصيدة لابن قارب([25])؛ وذات هذا التعبير في شعر للزمل بن عمرو العذري([26])، وكلُّهم معاصر لرسول اللهﷺ. كما نجد هذا التعبير نفسه في كلام لجندب بن سلمى([27])، والتعبير بـ «لولا الله لا شيء غيره» على لسان رجلٍ آخر، وكلاهما قاله في حروب الردّة، وذات هذا التعبير جرى على لسان امرأةٍ من أهل المدينة على عهد الخليفة الثاني([28]).

اللاشيء في بداية ظهور الكلام الإسلامي

في سنوات الانتقال من القرن الهجريّ الأول إلى القرن الهجري الثاني ـ حيث بدأ جهم بن صفوان السمرقندي(128هـ) بطرح مسائله الأولى بشأن الصفات الإلهية ـ كانت المصطلحات الخاصة بالمجال الأنطولوجي لا تزال غير متبلورة. يُقال: إن جهم يستند إلى آيات من القرآن الكريم، من قبيل: قوله تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (الأنعام: 101)؛ وقوله تعالى: ﴿…الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ (طه: 50)، للقول بأن للمخلوقات سنخية من الوجود مختلفة عن الله سبحانه وتعالى. فكان يرى صدق الشيء على المخلوقات فقط، وينزِّه الله عن الشيئيّة([29]). وبطبيعة الحال إن ما ورد في المصادر المخالفة، نقلاً عن الجهمية أحياناً بشكلٍ صريح، على صيغة: «إن الله لا شيء»([30]) يبدو أنه ليس هو التعبير الدقيق المقتبس من الجهمية.

وفي خضم القرن الهجري الثاني عمدت الجماعة التي عُرفت باسم الجهمية بمعناها الواسع ـ والشامل في الحقيقة لطَيْفٍ واسع من المتكلِّمين([31]) ـ للذهاب إلى ما هو أبعد من تقرير جهم نفسه، وأطلقت «الشيء» على معنى عامّ يساوق «الموجود». وكان «الشيء» في هذا التعريف يصدق على الخالق أيضاً، رغم أنه طبقاً لقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ (الشورى: 11) يُعَدّ الخالق شيئاً لا يمكن لأيّ شيءٍ من الأشياء أن يضاهيه. ومن هنا فقد استعملت هذه الجماعة تعبير «شيء لا كالأشياء» للدلالة على الباري تعالى([32]).

وفي منتصف القرن الهجري الثالث عمد ابن الراوندي ـ المنشقّ عن المعتزلة ـ إلى تأليف كتاب بعنوان: «لا شيء إلاّ موجود»([33])، ليخوض بالتحديد في تعريف «الشيء» باعتباره مساوقاً لـ «الموجود»([34]). إن تلك الجماعة من المعتزلة، التي كانت تعتقد بشيئية المعدوم، كانت في الحقيقة تستعمل الشيء بمعنى الماهية التي يمكن لها أن تتّصف بالوجود أو لا تتّصف به.

طبقاً لهذا الفهم المزدوج لمصطلح «الشيء»، ومقارنته بالمفاهيم المذكورة في الفلسفة الإغريقية، يكون الـ «لا شيء» عند المخالفين لشيئية المعدوم بمعنى الـ «لا موجود» أو الـ «نو مِئون»، في حين أنها بالنسبة إلى القائلين بشيئية المعدوم تعني الـ «لا ماهية» والـ «لا شيء» أو الـ «مِدِن».

وفي نصٍّ روائي بعنوان: «مسائل عبد الله بن سلام»، لا يبعد أن يعود تاريخ تأليفه إلى القرن الهجري الثالث، تمّ إرجاع منشأ الخلق ـ في معرض الحديث عن الخلق الأوّل ـ إلى «كن» الإلهية، واعتبر خلق الـ «كن» من اللاشيء([35]). وهناك روايةٌ أخرى، يصعب تحديد تاريخ لفظها، قيل: إنها تعود إلى سؤالٍ تمّ توجيهه لأبي حنيفة بشأن «الشيء» والـ «لا شيء»([36]).

إن الإجابة القطعية التي يقدِّمها المفكِّرون الإسلاميون في تعريف الخلق الأوّل أو الإبداع عبارة عن توظيفٍ لصيغةٍ قائمة على النفي الكلّي للمبدأ الذي طرح في إطار نظرية «الخلق لا من شيء». إن هذه الصيغة، قبل أن تظهر في المصادر الفلسفية، قد تجلّت في النصوص الروائية. ومن بين أقدم المصادر الإسلامية المعروفة التي تناولت هذه النظرية هي المصادر الشيعية، حيث تطرح هذه النظرية على لسان أئمة الدين، من أمثال: الإمام عليّ×([37])، والإمام الباقر×([38])، والإمام الصادق×([39])، والأئمّة الآخرين^([40]) الذين جاؤوا بعدهم. وحتّى إذا اعتبرنا ما نُقل عن الإمام عليّ× عائداً إلى أزمنة متأخِّرة، إلاّ أن تكرار نماذج عن الإمام الصادق× يؤكِّد رواج هذه النظرية عند أئمّة الشيعة في القرنين الثاني والثالث الهجريين.

ومضافاً إلى الأحاديث يمكن العثور على توظيف صيغة «لا من شيء» في موقف لابن الراوندي، المتكلِّم المنشقّ عن المعتزلة في منتصف القرن الهجري الثالث([41])، وفي عبارةٍ لعليّ بن إبراهيم القمّي، من علماء الإمامية في نهاية القرن الثالث االهجري([42])، وفي شرحٍ للشيخ الكليني(328 أو 329هـ) لكلمات بعض علماء الإماميّة في كتاب الكافي([43])، وفي حكايةٍ منقولة عن متكلِّم وعيدي(قبل عام 332هـ) ـ قد يكون من المعتزلة ـ في مروج الذهب([44])، وفي عبارةٍ في كتاب الفقه الأكبر، المنسوب لأبي حنيفة([45])، وفي كتب الأحناف من أهل السنّة والجماعة، التي يغلب الظنّ أنها أُلِّفت في أواسط القرن الهجري الرابع في آسيا الوسطى([46])، وفي رسالة «المسائل العكبرية» للشيخ المفيد(413هـ)([47])، وهو من مشاهير المتكلِّمين من الإمامية.

العدم واللاشيء في الفلسفة الإسلامية المتقدّمة

في الترجمات الأولى المأخوذة من النصوص الفلسفية اليونانية إلى اللغة العربية عادةً ما يتمّ اختيار كلمة «شيء» في تعريب مصطلح الـ «براغما»، حيث يمكن العثور على هذا الاختيار في ترجمة (إسطاث الراهب)، و(إسحاق بن حنين)، و(التذاري)، و(أبو عثمان الدمشقي) لمؤلَّفات أرسطوطاليس([48]). وبطبيعة الحال فإن الـ «شيء» بهذا المعنى يختلف بشكلٍ ملحوظ عن الـ «الشيء» الذي يعنيه المتكلِّمون. ونادراً ما نرى في بعض الموارد من ترجمات (يحيى بن عدي) و(أبو عليّ ابن زرعة) اختيار الـ «شيء» مرادفاً لـ «تي» بمعنى «شيء»([49]).

ومن الجدير بالذكر أن نفس الارتباط الضعيف الذي نشهده بين مصطلح الـ «شيء» والمفهوم اليوناني لـ «تي» نشهده أيضاً ـ ورُبَما على نحوٍ أكبر ـ في الارتباط بين مصطلح الـ «لا شيء» والمفهوم اليوناني لـ «مِدِن» (لا شيء). وكما سيتّضح في الفقرات القادمة فإن النصوص الفلسفية العربية الأولى ـ الأعمّ من الترجمة والتأليف ـ كان الـ «لاشيء» يعني الـ «مِئون» أو الـ «مِ ايناي»، ولكنْ لا على ما هو المتوقَّع من الناحية اللغوية من استعمالها بمعنى الـ «مِدِن».

والملفت للانتباه أننا في النظام الاصطلاحي مورد البحث لا نرى حتّى ارتباطاً محدَّداً بين الـ «شيء» والـ «لا شيء». إن استعمال الـ «شيء» بمعنى الـ «براغما»، والـ «لا شيء» بمعنى الـ «مِئون» أو الـ «مِ ايناي»، يبيِّن هذا الشرخ بوضوحٍ، مع أننا نلاحظ بعض المترجمين الأوائل ـ من أمثال: إسحاق بن حنين ـ في بعض الموارد المحدودة يترجم عبارة الـ «مِ ايناي» بـ «العدم» أيضاً. بَيْدَ أن «العدم» عادةً ما يتمّ اختياره بوصفه مرادفاً للمصطلح اليوناني «استِرِسيس»([50]). ومع ذلك لم يُخْفِ (وولفسن) دهشته من عدم استعمال العلماء المسلمين لمصطلح «المعدوم» بَدَلاً من الـ «لا شيء»([51]). إلاّ أنه من الواضح أن منظومة المصطلحات الأولى كانت تختار «العدم» مرادفاً لـ «استِرِسيس»، والـ «لاشيء» مرادفاً لـ «مِئون / مِ ايناي»، وقلَّما تمّ تجاوز هذا الاختيار.

وفي تضاعيف هذه الترجمات تمّ استعمال مصطلحين هامّين، وهما: الـ «تو اون» في مقابل الـ «تو مِئون؛ والـ «تو ايناي» في مقابل الـ «تو مِ ايناي»، في الترجمات الأولى لـ «أيس وليس» (لا أيس). وقد اختار (اسطاث الراهب) استعمال عبارة: «إنه ليس» كترجمة للعبارة اليونانية: «مِ ايناي»، و«الذي ليس هو» ترجمة لـ «تو مِئون»([52]). وفي خطوةٍ متقدّمة عمد (يحيى بن البطريق)، في ترجمته لكتاب أرسطوطاليس بعنوان: (حول السماء)، لاختيار كلمة الـ «أيس» ترجمة لـ «ايناي»، واختار كلمة «ليس» ترجمة لـ «مِ ايناي»([53]).

يُضاف إلى ذلك أنه بالإمكان رؤية بعض النماذج من ذلك في النصوص التأليفية الأولى في الفلسفة الإسلامية أيضاً. فقد تحدَّث جابر بن حيان في عبارةٍ من كتاب (الخواصّ الكبير)، ضمن الإشارة إلى مصطلح «الإبداع» في نقل كلامٍ في باب الخلق الأوّل، عن «أهل الإبداع عن ليس»([54]). وكذلك نجد الكندي في رسالتَيْه ضمن الحديث عن «الإبداع» قد ترجمه إلى «إظهار الشيء عن ليس»([55])، أو «تأييس الأيسات عن ليس»([56]). ويبدو من هذه الموارد أنهم استعملوا الـ «ليس» بمعنى «مِ ايناي».

كما أشار الكندي في بعض مواضع رسالته ـ في معرض الحديث عمّا إذا كان يمكن لشيءٍ أن يكون علّة لكون ذاته أم لا؟ ـ إلى مفهوم الـ «لا شيء»، وقال بأن الـ «ليس» «لا شيء»، ولا يمكن لـ «اللاشيء» أن يكون علّةً أو معلولاً([57]). يمكن الوقوف بوضوحٍ على أن الـ «ليس» أو الـ «مِ ايناي» في التعريف الذي يذكره الكندي لـ «الإبداع» إنما يحمل إشارةً إلى اختلاف وضعية الـ «أيس» والـ «ليس» قبل وبعد الإبداع، ولا ربط له ببيان المبدأ في الخلق. وعلى هذا الأساس فإن الصيغة المستندة إلى حرف الإضافة «عن» في التركيب القائل: «عن ليس»، عند الكندي، تختلف عن الصيغة المستندة إلى حرف الإضافة «من» في التركيب القائل: «من لا شيء»، الذي نشاهده في التعاريف المتأخِّرة للإبداع([58])، اختلافاً جوهرياً.

أما الخطوة التالية لتقرير «الإبداع» فلسفياً فنجدها في عبارة: «خلق لا من / عن شيء». وفي الحديث عن هذا التقرير في مجال الفلسفة الإسلامي كان أبو نصر الفارابي(339هـ) هو أوّل مَنْ تفوَّه بهذه العبارة في كتاب «الجمع بين رأيي الحكيمين»، عبر إدراكٍ خاصّ لكتاب «أثولوجيا الأفلوطيني»، المنسوب لأرسطوطاليس([59])، وذلك من خلال القول بسلسلة مراتب فلسفية للخلق وإعادة خلق الأشياء إلى المادّة الأولى أو الهيولى، حيث عدّ الهيولى مخلوقةً «لا عن شيء»([60]). إن هذه العبارة قريبة جدّاً من التقرير المذكور في بداية المقالة من قِبَل تلاميذ إفلاطون ـ الذين كانوا يعتبرون تلك المادّة «مِئون»، ويرَوْنها أزلية ـ، حيث عدّوا تلك المادة مخلوقة، ولكنْ لا من شيء. وهنا نجده قد أخذ بنظر الاعتبار رؤيتين غير إفلاطونيتين، هما: الرؤية السائدة بين المتكلِّمين الإسلاميين، حيث لا يرَوْن قديماً سوى ذات الباري تعالى، وكلّ ما سواه مخلوق؛ والرؤية الأخرى هي الرؤية الأرسطية القائلة بعدم وجود شيء يخلق من الـ «مِئون» بمعناه المطلق. وعلى هذه الوتيرة يأخذ تقرير القبول بالخلق منحى نفي الخلق من الـ «مِئون»، والتأكيد ـ بطبيعة الحال ـ على الخلق «لا من شيء».

يجب الالتفات إلى أن الفارابي، بالانتقال من التعبير بـ «من لا شيء» إلى «لا من شيء»، كان قد واجه إشكالاً كبيراً أيضاً؛ إذ إن الشيء ـ كما سبق أن ذكرنا ـ لم يكن في مصطلح الفلسفة الإسلامية يمثِّل النقطة المقابلة لـ «لا شيء»، وإنما كان يُستعمل بمعنى الـ «براغما». ومن الواضح أن خلق الـ «لا من شيء» عند الفارابي يمثِّل تعبيراً عربياً للمعنى اليوناني القائل: «لا من اونتون» أو «لا من ايناي»، ولم يكن الـ «لا من براغما» مراداً له. وعليه فإن الـ «شيء» هنا قد استعمل بمعنىً جديد في الفلسفة الإسلامية، يحظى بتأييد التقليد الإسلامي على مستوى التركيب اللفظي والمعنوي. لقد سبق الحديث عن الجذور التاريخية لهذا التركيب اللفظي، وأما بشأن الجذور المفهومية فلا بُدَّ من التذكير بأن استعمال «الشيء» بمعنى «الموجود» كان قد استعمل في الحدّ الأدنى منذ منتصف القرن الهجري الثالث من قِبَل بعض المتكلِّمين، من أمثال: ابن الراوندي.

وإن عبارة الـ «لا عن شيء» من قِبَل الفارابي قد تمّ اقتباسها بعينها في كتاب «الحدود» لابن سينا أيضاً، دون أن تقترن بالتفصيل الذي ساقه الفارابي([61]).

بعد عصر الفارابي بفترةٍ قصيرة علينا الإشارة إلى كلامٍ لأبي يعقوب السجستاني(386 ـ 393هـ)، وهو من فلاسفة الإسماعيلية، حيث آمن فيه بسلسلة مراتب الخلق، وقال بأن العقل الأول مخلوقٌ لا من شيء([62]). كما يمكن تتبُّع هذه النظرية في التراث اللاحق للإسماعيليين، من أمثال: حمد الدين الكرماني(411هـ)([63])، وناصر خسرو القبادياني(481هـ)([64])، وكذلك في رسائل إخوان الصفا (المؤلَّفة في حدود الربع الثالث من القرن الرابع الهجري)([65]).

ومضافاً إلى ما تقدَّم ذكره في مجال الفلسفة الإسلامية، يجب القول على نحوٍ عامّ: إن القرنين الرابع والخامس الهجريين كانا يمثِّلان ذروة تقرير الإبداع على صيغة «الخلق لا من شيء» على مستوىً واسع. ودون أن تكون هناك حاجة إلى البحث في الجذور التاريخية يجب القول: إننا في هذين القرنين نشهد حضوراً واسعاً لهذه النظرية في آسيا الوسطى إلى شمال أفريقيا بين مختلف الفِرَق الإسلامية من خارج الدائرة الفلسفية، وحتّى بين المسيحيين واليهود في مجال البحوث الفلسفية أيضاً. يمكن تقسيم النظريات الإسلامية في هذا الشأن إلى مجموعتين متمايزتين، وهما: النظريات الكلامية؛ والنظريات الفلسفية. وفي ما يتعلَّق بالنظريات الكلامية يقع البحث بشكلٍ عامّ ومجمل حول خلق الأشياء لا من شيء، وتكون سلسلة مراتب الخلق مأخوذةً بنظر الاعتبار بحَسَب الأصول.

الاستنتاج

في الاستنتاج العامّ يجب القول: إن الآراء الكلامية المطروحة من قِبَل المعاصرين للفارابي من المسلمين، وحتّى المعاصرين له من غير المسلمين، لم تكن تسعى كثيراً وراء تقديم تفسيرٍ وشرح ديني للأصول والقواعد الفلسفية بشأن سلسلة مراتب خلق العالم، وتقديم تقرير للخلق الأوّل، وإنما كان الهدف الرئيس منها هو الإجابة عن السؤال المطروح في مجال ماهية الإبداع. ويبدو أن نظرية الفارابي بشأن الإبداع، مضافاً إلى كونها تقريراً قائماً على نظرية إفلاطون ـ إفلوطين، وتصرُّفاً على أساس مواءمتها مع التفكير الكلاميّ الإسلاميّ، والفلسفة الأرسطية أيضاً، إلاّ أنها من حيث تركيب الألفاظ قد استفادت من النصوص الدينية الإسلامية التي سبقته في استعمال عبارة: «لا من شيء».

وأما من بين المفكِّرين غير المسلمين فيجب القول: إننا في القرنين الرابع والخامس الهجريين نشاهد نظريات مماثلة. وفي ما يلي نكتفي بذكر أهمّها:

لقد تحدّث إسحاق الإسرائيلي ـ فيلسوف الإفلاطونية الحديثة في مصر ـ في كتابه (المبادئ) ـ الذي ألَّفه قبل عصر الفارابي بقليلٍ، وقد فقد نصُّه العربي ـ عن «الخلق من العدم» بعباراتٍ متنوّعة، ومن أهمّها: عبارة: «من لا شيء»، بوصفها ترجمة للنص العبري «مِ لو دبر»، والتي لم تترجم إلى اللاتينة إلاّ بـ «non ex ali(qu)o»، بمعنى «لا من شيء»([66]).

وفي الحقيقة إن أقدم استعمالٍ موثَّق لصيغة: «لا من شيء» عند الفلاسفة اليهود نجده في كتاب (أونوت)، لمؤلِّفه سعديا غائون(942م) ـ الفيلسوف الذي عاش بين مصر والشام ـ، حيث توصَّل إلى هذا التحوُّل من خلال التصرُّف في ترتيب عبارة إسحاق الإسرائيلي لـ «الإبداع» من عبارة: «لو مِ دبر» بمعنى الـ «لا من شيء». كما خاض في بعض المواضع من كتاب (سفر يصيره)([67]) في بيان الفرق بين الـ «لا من شيء» والـ «من لا شيء»([68]).

كما نجد كذلك التحوُّل من الـ «من لا شيء» إلى الـ «لا من شيء» بين المتكلِّمين المسيحيين أيضاً؛ إذ كان ثيودور أبو قرّة(حوالي عام 820م) ـ المتكلِّم المسيحي ـ يرى «الأشياء» مخلوقة «من لا شيء»([69]). في حين يبدو أن صيغة «الخلق لا من شيء» في القرنين الهجريين الرابع والخامس قد حظيت بالقبول من قِبَل المسيحيين المشرقيين أيضاً. وأما عند المتكلِّمين من الأرمن فلا نشاهد هذا التحوُّل إلاّ في فترة رُبَما تكون متأخِّرة؛ إذ يقول غريغور ناركاتسي(1003م)، في كتابٍ له بعنوان: (سوگنامه درباره خدواند): «إنه خلق كل شيء من لا شيء»([70]). وبعده بمجرَّد نصف قرن تحدّث غريغور ماجيستروس بهلوني(1058م)، في كتابٍ له بعنوان: (مكتوبات)، عن بداية الخلق بعبارة: «إن الله لم يكن لديه موجود ولا معدوم… ونفى بذلك ضمناً الخلق «من لا شيء»([71]).

وعلى الرغم من أن وولفسن يعيد تعرّف المسلمين على صيغة «لا من شيء» إلى المؤلَّفات العربية لهذين الفيلسوفين، أعني: إسحاق الإسرائيلي وسعديا غائون([72])، بَيْدَ أن هذه الصيغة ـ كما أثبتنا في المقاطع الأولى من هذا المقال ـ قد استعملت في النصوص الإسلامية غير الفلسفية قبل عصر غائون([73]).

ولا بُدَّ من القول في حصيلة الكلام: إن المساحة المفهومية لمصطلح الـ «لا شيء» في الفلسفة الإسلامية المتقدِّمة إنما هي ثمرة التصادم المعنوي بين الـ «لا شيء» في النصوص الدينية والكلام الإسلامي الأوّل وبين المنظومة الفلسفية الإفلاطونية ـ الإفلوطينية والتصرُّفات على أساس الفلسفة الأرسطية. كما يضاف إلى التتبُّع المفهومي أن أصل مصطلح الإبداع على صيغة «الخلق لا عن / من شيء» عند الفارابي والفلاسفة اللاحقين له متمخِّضٌ عن التعاطي المماثل بين المصادر الإسلامية والمنظومة الفلسفية المذكورة.

الهوامش

(*) حائزٌ على دكتوراه في الفلسفة من جامعة الإمام الصادق×، وأستاذٌ مساعِدٌ في معهد علوم القرآن والحديث، كلِّية الإلهيّات.

([1]) Parmenides. 1964. In: Diels, H., Die Fragmente der Vorsokratiker. Berlin. 8; 10.

([2]) see: Ibed. 8; 40.

([3]) see: Ibed. P. 2.

([4]) Melissos. 1964. In: Diels, H., Die Fragmente der Vorsokratiker. Berlin. P. 1.

([5]) Liddell, H. G. & R, Scott. 1864. A Greek – English Lexicon. Oxford. P. 635 – 636, 900 – 901; Muller, F. & J. H, Thiel. 1954. Beknopt grieks – nederlands woordenboek. Batavia. P. 216, 443 – 445.

([6]) Democritus. 2004, ‘Fragments 68B18 and B21 DK’, ed. J. Mansfeld, in: Mnemosyne. Vol. 57 (4). P. 33; Wolfson, H. A. 1979. Philosophy of the Kalam. Harvard. P. 360 – 361; Chitwood, A. 2004, Death of Philosophy: the Biographical Tradition in the Life and Death of the Archaic Philosophers Empedocles. Heraclitus, and Democritus. University of Michigan Press. P. 118, 128, 131.

([7]) Diels, H. 1964. Die Fragmente der Vorsokratiker. Berlin. P. 413; Wolfson, H. A. 1979. Philosophy of the Kalam. Harvard. P. 360.

([8]) Aristotle. 1957. The Physics, in The Loeb Classical Library. Ed. P. H. Wicksteed & F. M. Cornford, London: Massachusetts. 1, p. 90 – 92.

([9]) see: Ibid, p 1, p 86.

([10]) Aristotle. 1966. De generation et corruption ed. Ch. Mugler. Paris.

([11]) see: Ibid, 1957, p 1, p 90.

([12]) كتاب الموكابيين الثاني، الإصحاح السابع، الفقرة 28.

([13]) see: Ibid: Wolfson, H. A. 1979. Philosophy of the Kalam. Harvard. P. 355 – 356, 369.

([14]) انظر: العهد القديم (التوراة)، الإصحاح الثاني، الفقرة 7.

([15]) Wolfson, H. A. 1979. Philosophy of the Kalam. Harvard. P. 358.

([16]) انظر: تفسير الطبري 3: 29؛ 7: 286، بيروت، 1405هـ؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 15: 58؛ 16: 49؛ 17: 74، إعداد: أحمد عبد الحليم البردوني، القاهرة، 1972م.

([17]) انظر: البغوي، معالم التنـزيل 4: 241، إعداد: خالد العك ومروان سوار، بيروت، 1407هـ؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 17: 74.

([18]) انظر: الغزالي، إحياء علوم الدين 1: 292، دار المعرفة، بيروت؛ الزمخشري، الكشّاف 4: 414، القاهرة، 1366هـ؛ ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 4: 245، بيروت، 1401هـ؛ كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية 14: 25، إعداد: عبد الرحمن محمد قاسم النجدي، مكتبة ابن تيمية، بيروت؛ البيضاوي، أنوار التنـزيل 5: 249، إعداد: عبد القادر عرفات حسّونة، بيروت، 1416هـ.

([19]) Wolfson, H. A. 1979. Philosophy of the Kalam. Harvard. P. 358.

([20]) ورد في إحدى صورتي الحديث في صحيح البخاري، وفي سنن البيهقي، وفي تاريخ الطبري، التعبير بـ (هذا الأمر)، دون ذكر كلمة (أوّل) في بداية العبارة.

([21]) صحيح البخاري 3: 1166؛ 6: 1699، إعداد: مصطفى ديب البغا، بيروت، 1407هـ؛ مسند أحمد بن حنبل 4: 431، القاهرة، 1313هـ؛ ابن حِبّان، الصحيح 14: 7، 11، إعداد: شعيب أرناؤوط، بيروت، 1414هـ؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك 1: 31، بيروت، 1407هـ.

([22]) انظر: الترمذي، نوادر الأصول 4: 198، إعداد: عبد الرحمن عميرة، بيروت، 1992م، على شكل رواية؛ أحمد بن حنبل، الردّ على الزنادقة والجهمية: 37، إعداد: محمد حسن راشد، القاهرة، 1393م، على شكل اعتقاد. وهناك صور أخرى على شكل: (ولا شيء معه)، انظر: الترمذي، نوادر الأصول 4: 338، 1992م؛ و(ولا شيء قبله)، انظر: علي الهروي، المصنوع: 132، إعداد: عبد الفتاح أبو غدة، الرياض، 1404م؛ إسماعيل بن محمد العجلوني، كشف الخفاء 2: 171، إعداد: أحمد قلاش، بيروت، 1405هـ؛ و(ولا شيء غيره)، انظر: ابن حجر العسقلاني، الإصابة في معرفة الصحابة 2: 212، إعداد: عليّ محمد بجاوي، بيروت، 1412هـ؛ علي الهروي، المصنوع؛ إسماعيل بن محمد العجلوني، كشف الخفاء، المواضع ذاتها.

([23]) انظر: أحمد بن حسين البيهقي، الاعتقاد: 92، إعداد: أحمد عصام الكاتب، بيروت، 1401هـ.

([24]) انظر: ابن هشام، السيرة النبوية 3: 45، إعداد: طه عبد الرؤوف، بيروت 1975 م؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك 1: 573، بيروت، 1407هـ؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين 2: 683، إعداد: مصطفى عبد القادر عطا، بيروت، 1411هـ.

([25]) انظر: أبو يُعلى الموصلي، المسند 1: 265، إعداد: حسين سليم أسد، دمشق، 1404هـ.

([26]) انظر: محمد بن سعد، الطبقات الكبرى 1: 332، دار صادر، بيروت.

([27]) انظر: الطبري، تاريخ الأمم والملوك 2: 294.

([28]) انظر: الصنعاني، المصنَّف 7: 151، إعداد: حبيب الرحمن الأعظمي، بيروت، 1403هـ؛ ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 1: 269، بيروت، 1401هـ.

([29]) انظر: عبد القاهر بن طاهر البغدادي، الفَرْق بين الفِرَق: 194، إعداد: إبراهيم رمضان، بيروت، 1415هـ؛ ابن حزم، الفصل 4: 155، إعداد: محمد إبراهيم نصر وعبد الرحمن عميرة، القاهرة، 1347هـ؛ كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية 3: 75.

([30]) انظر: عبد الله بن أحمد بن حنبل، كتاب السنّة 1: 110، إعداد: محمد بن سعيد القحطاني، الدمام، 1406هـ؛ محمد الملطي، التنبيه والردّ: 96، إعداد: محمد زاهد كوثري، القاهرة، 1368هـ.

([31]) كان هذا التعبير في المراحل اللاحقة يستعمل بوصفه شعاراً مشتركاً بين الجماعات الكلامية، من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية والأحناف وأهل السنّة والجماعة أيضاً، انظر: أبو حنيفة، الفقه الأكبر (2): 3، مكتبة محمد علي صبيح وأولاده، القاهرة؛ محمد الماتريدي، التوحيد: 39 ـ 40، إعداد: فتح الله خليف، بيروت، 1986م؛ عبد القاهر بن طاهر البغدادي، الفَرْق بين الفِرَق: 113، 1415هـ؛ ابن حزم، الفصل 2: 93، 1347هـ؛ مرعي بن يوسف الكرمي، أقاويل الثقات 1: 168، إعداد: شعيب أرناؤوط، بيروت، 1406، وذلك رغم رفض بعض السَّلَفية لاستعمال ذلك، انظر: أحمد بن حنبل، الردّ على الزنادقة والجهمية: 20 ـ 21، إعداد: محمد حسن راشد، القاهرة، 1393هـ؛ كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية 3: 75.

([32]) انظر: الأشعري، مقالات الإسلاميين: 501، إعداد: هلموت ريتر، ويسبادن، 1980م، نقلاً عن: الصالحي؛ محمد الملطي، التنبيه والردّ: 96، إعداد: محمد زاهد كوثري، القاهرة، 1368هـ.

([33]) انظر: ابن النديم، الفهرست: 217، إعداد: رضا تجدّد، طهران، 1350هـ.

([34]) في المراحل اللاحقة كان الأشاعرة ـ في مقابل المعتزلة الذين كانوا يعتقدون بشيئية حتّى المعدوم ـ يذهبون إلى اعتبار كلّ شيء موجوداً، وكل موجود شيئاً، وبذلك كانوا يعتبرون الشيء بمعنى الموجود. انظر: الإيجي، المواقف 1: 275 ـ 276، إعداد: عبد الرحمن عميرة، بيروت، 1997م؛ الجرجاني، التعريفات: 57، القاهرة، 1357هـ.

([35]) إن هذه الصيغة موجودةٌ في تحرير مختصر مسائل عبد الله بن سلام، لمؤلِّف مجهول، مطبوع ضمن كتاب الاختصاص: 14، 1413هـ، بصيغة: (من لا شيء). ولكننا لا نراه في التحرير التفصيلي لذات النصّ المطبوع ضمن كتاب العلامة المجلسي، بحار الأنوار 60: 243، 1983م.

([36]) انظر: المفيد، المسائل العكبرية: 190، قم المقدّسة، 1413هـ. وفي ما يتعلَّق برواية مماثلة انظر: ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب 2: 382، چاپخانه علمية، قم المقدّسة.

([37]) انظر: الخطب المنقولة من قِبَل: الكليني، الكافي 1: 134 ـ 135، إعداد: علي أكبر الغفاري، طهران، 1388هـ؛ إبراهيم بن محمد الثقفي، الغارات 1: 98، إعداد: جلال الدين المحدّث، طهران، 1354هـ؛ الصدوق، التوحيد: 41، إعداد: هاشم الحسيني الطهراني، طهران، 1387هـ؛ الصدوق، عيوان أخبار الرضا× 1: 99، النجف الأشرف، 1970م؛ الحسن بن شعبة، تحف العقول: 65، طهران، 1404هـ.

([38]) انظر: الروايات المنقولة من قِبل: الصدوق، التوحيد: 67؛ الصدوق، علل الشرائع 2: 489، 606، النجف الأشرف، 1385هـ.

([39]) انظر: الروايات المنقولة من قِبَل: الكليني، الكافي 1: 114، 1388هـ؛ الطبرسي، الاحتجاج 2: 337، بيروت، 1981م؛ المجلسي، بحار الأنوار 10: 166، بيروت، 1983م.

([40]) انظر على سبيل المثال: الكليني، الكافي 1: 120، 1388هـ؛ الصدوق، التوحيد: 98، 1387هـ؛ الصدوق، علل الشرائع 1: 9.

([41]) انظر: ابن النديم، الفهرست: 222، إعداد: رضا تجدّد، طهران، 1350هـ.

([42]) انظر: تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي 1: 1؛ 2: 360، 448، إعداد: الطيّب الموسوي الجزائري، النجف الأشرف، 1386 ـ 1387هـ.

([43]) انظر: الكليني، الكافي 1: 136، 1388هـ.

([44]) انظر: المسعودي، مروج الذهب 2: 262، إعداد: يوسف أسعد داغر، بيروت، 1966م.

([45]) انظر: أبو حنيفة، الفقه الأكبر (2): 3، مكتبة محمد علي صبيح وأولاده.

([46]) للوقوف على تاريخ التأليف على نحو التخمين، انظر:

(Wensinck, A. J. 1965. The Muslim Creed p. 246 – 247).

أحمد باكتجي، أبو حنيفة (دائرة المعارف بزرگ إسلامي) 5: 390، طهران، 1372هـ.ش.

([47]) انظر: المفيد، المسائل العكبرية: 65، قم المقدّسة، 1413هـ.

([48]) انظر: سهيل محسن أفنان، واژه فلسفي: 147، طهران، 1362هـ.ش؛ قس: ليدل واسكات: 1201، 1864م.

Liddell, H. G. & R, Scott. 1864. A Greek-English Lexicon. Oxford.

([49]) انظر: سهيل محسن أفنان، واژه فلسفي: 147، طهران، 1362هـ.ش.

([50]) انظر: المصدر السابق: 172.

([51])  Wolfson, H. A. 1976. Philosophy of the Kalam. Harvard. P. 367.

([52]) انظر: شرف الدين الخراساني، يادداشت ها بر متافيزيك أرسطو: 112 ـ 201، طهران، 1366هـ.ش.

([53]) انظر: أرسطو، السماء والآثار العلوية: 217 ـ 219، إعداد: عبد الرحمن بدوي، القاهرة، 1954م؛ شرف الدين الخراساني، إبداع، دائرة المعارف بزرگ إسلامي 2: 374، طهران، 1368هـ.ش.

([54]) انظر: جابر بن حيّان، الخواصّ الكبير (ضمن المختار من رسائل جابر بن حيّان): 299، إعداد: باول كراوس، القاهرة، 1354هـ.

([55]) انظر: يعقوب بن إسحاق الكندي، رسالة في حدود الأشياء ورسومها، ضمن رسائل الكندي الفلسفية: 165، إعداد: أبو ريدة، القاهرة، 1950م.

([56]) انظر: يعقوب بن إسحاق الكندي، رسالة في الفاعل الحقّ الأوّل التامّ، ضمن رسائل الكندي الفلسفية: 182 ـ 183، إعداد: أبو ريدة، القاهرة.

([57]) انظر: يعقوب بن إسحاق الكندي، رسالة في حدود الأشياء ورسومها، ضمن رسائل الكندي الفلسفية: 123.

([58]) انظر مثلاً: (الإبداع: إيجاد الشيء من لا شيء)، الجرجاني، التعريفات: 3، القاهرة، 1357هـ.

([59]) انظر: أرسطوطاليس، أثولوجيا: 22، إعداد: د. عبد الرحمن بدوي، القاهرة، 1977م.

([60]) انظر: محمد بن محمد الفارابي، الجمع بين رأيي الحكيمين، (السلسلة الفلسفية لأبي نصر الفارابي): 27، القاهرة، 1907م.

([61]) انظر: ابن سينا، الحدود: 42، إعداد: فولادوند، طهران، 1366هـ.ش.

([62]) انظر: إسحاق بن أحمد أبو يعقوب السجستاني، كشف المحجوب: 7، إعداد: هنري كوربان، طهران، 1949م؛ وله أيضاً: الينابيع، ضمن سلسلة إيران واليمن (ثلاث مقالات إسماعيلية): 103، إعداد: هنري كوربان، طهران، 1961م.

([63]) انظر: حميد الدين الكرماني، راحة العقل: 157 ـ 194، تحقيق: مصطفى غالب، بيروت، 1983م.

([64]) انظر: ناصر خسرو، جامع الحكمتين: 210 ـ 211، تحقيق: هنري كوربان ومحمد معين، طهران، 1953م؛ وله أيضاً: خوان الإخوان: 67، 285 ـ 286، طهران، 1959م.

([65]) انظر: رسائل إخوان الصفا 3: 203، إعداد: خير الدين الزركلي، القاهرة، 1347هـ.

وبطبيعة الحال هناك ثلاث صِيَغ أخرى له في هذا الشأن أيضاً، وهي على التوالي: (من ليس)، و(من العدم)، و(من لا وجود)، وكلّها أقدم من صيغة: (لا من شيء). انظر:

([66]) Wolfson, H. A. 1976. Philosophy of the Kalam. Harvard. P. 368 – 371.

([67]) هكذا في الأصل. المعرِّب.

([68]) انظر: سعديا غائون، سفر يصيره: 371.

([69]) انظر: ثيودر أبو قرّة، ميمر في وجود الخالق والدين القويم: 764، المشرق، 1912م.

([70]) Gabrielian, G. G. 1972. Yerevan. P. 128.

([71]) See: Ibed, p. 137.

([72]) Wolfson, H. A. 1976. Philosophy of the Kalam. Harvard. P. 368.

([73]) انظر: أحمد باكتجي، أبو حنيفة (دائرة المعارف بزرگ إسلامي) 5: 159 ـ 160، طهران، 1994م.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً