أحدث المقالات

أ. علي أكبر عالميان(*)

ترجمة: السيد حسن الهاشمي

مدخل ــــــ

  لقد تعرض الشيخ محسن كديور قبل أيام، ومن على منبر حسينية الإرشاد، وفي ليالي شهادة الإمام الحسين بن علي×، لثورة الإمام الحسين. وأشار إلى مسألة جديرة بالنقد، وتدعو إلى الأسف. فقد ادعى قائلاً: «إن الحسين× كان يترك الأمور إلى الناس، وبدلاً من التعرض إلى كونه منصوباً من قبل الله كان يعتمد على بيان مزاياه الشخصية..»([1]).

 وقد أشار إلى هذه النقطة بصراحة، حيث قال: «إن الحسين× لم يذكر يوماً أنه منصوب من قبل الله تعالى».

 وبعد أن قرأت كلماته رجعت إلى مجموع الأحاديث المسندة والمروية عن الإمام الحسين×، فوجدته يصرِّح ويشير في بعضها إلى نصبه للإمامة من قبل الله تعالى. إلا أن الذي أثار دهشتي هي المغالطة الواضحة التي يعمد إليها، ففي الوقت الذي يدّعي فيه أن الإمام الحسين لم يدّعِ أنه منصوب من قبل الله أبداً يتعرض إلى مسألة (ولاية الفقيه) بالقول: «إن الذين يدّعون نصب الفقيه من قبل الله إنما يقفون أمام روايات أهل البيت^».

  إن هذه المغالطة إنما تتسم بعدم الواقعية، حين يذهب في إضفاء الشرعية على أقواله من خلال إدخال (الناس) في مناقشته، ويقول: «إن ملاك الإمامة يقوم على رضا الناس ومشورتهم».

  ورغم كل هذه التفاصيل أرى من الواجب أن أقدم أدلة محكمة لإثبات بطلان مزاعم الشيخ كديور، مؤكِّداً على مظلومية أهل البيت^ عبر التاريخ؛ فإن الذين يتذرَّعون بهم في هذا العصر لإثبات مدَّعياتهم ليسوا قلائل.

أ ـ كديور وكلمات الإمام الحسين× ــــــ

 إن بعض كلمات سيد الشهداء تدل على حقيقة نصبهم من قبل الله تصريحاً وتلميحاً. ويمكن الإشارة إلى بعضها على النحو التالي:

1ـ قال الإمام الحسين× في خطبة بليغة ألقاها في مجلس ضم معاوية وحشداً من الشاميين: «نحن حزب الله الغالبون، وعترة نبيه الأقربون، وأحد الثقلين، الذين جعلنا رسول الله ثاني كتاب الله، فيه تفصيل لكلّ شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعوّل علينا في تفسيره..، فأطيعونا؛ فإن طاعتنا مفروضة؛ إذ كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة، قال الله تعالى: {أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}»([2]).

2ـ وقد أجاب عن سؤال ألقته عليه نصرانية تدعى أم سليم: «أنا وصي الأوصياء، وأنا أبو التسعة الأئمة الهادية، وأنا وصي أخي الحسن، وأخي وصيُّ أبي علي، وعلي× وصيُّ جدي رسول الله‘([3]).

3ـ وقد خاطب الإمام الحسين× الوليد بن عتبة، مؤكِّداً له مخالفته لبيعة يزيد، قائلاً: «إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم»([4]).

4ـ حين خرج الحسين قاصداً كربلاء توجّه إلى قبر جدّه‘، فقال: «السلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين ابن فاطمة، فرخك وابن فرختك، وسبطك، والثقل الذي خلَّفته في أمتك»([5]).

5ـ وقد قال في مواضع من كتابه لأهل البصرة: «أما بعد، فإن الله اصطفى محمداً‘ على خلقه، وأكرمه بنبوّته..، وكنا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته، وأحقّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك..»([6]).

 6ـ وفي لحظاته الأخيرة، وهو يضرب في الأعداء، أنشد أبياتاً حماسية قال فيها:

وجدي رسول الله أكرم من مضى
وفاطمة  أمي  ابنة  الطهر أحمد
وفينا كتاب الله  أنزل صامتاً
ونحن أمان الله في  الخلق كلهم
ونحن ولاة الحوض نسقي محبنا

ونحن سراج الله في الأرض نزهرُ
وعمي  يدعى  ذا الجناحين  جعفرُ
وفينا الهدى والوحي يذكرُ
نسرُّ بهذا في الأنام ونجهرُ
بكأس وذاك الحوض للسقي  كوثرُ([7])

7ـ عن الحسين بن علي× قال: دخلت على رسول الله‘، وهو متفكرٌ مغموم، فقلت: يا رسول الله، ما لي أراك متفكراً؟ فقال: يا بنيّ، إنّ الروح الأمين قد أتاني، فقال: يا رسول الله، العلي الأعلى يقرؤك السلام، ويقول لك: إنك قد قضيت نبوّتك، واستكملت أيامك، فاجعل الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوّة عند علي بن أبي طالب..، قال الإمام الحسين×: فقلت: يا رسول الله، فمن يملك هذا الأمر بعدك؟ قال: أبوك علي بن أبي طالب أخي وخليفتي، ويملك بعد علي الحسن، ثمّ تملكه أنت وتسعة من صلبك..»([8]).

  إن هذه الموارد، بالإضافة إلى عشرات الأحاديث والروايات المتواترة الأخرى، تدل بأجمعها على أن الإمام الحسين قد أثبت بما لا يقبل الشك أنه منصوب للإمامة من قبل الله تعالى؛ لأنه قد قال مراراً: إنه وصي النبي الأكرم‘، وهو النبي المبعوث من قبل الله لهداية وقيادة الأمة.

  ومع وجود كل هذه الشواهد المعتبرة والموثوقة تكون دعوى الشيخ كديور باطلة ومرفوضة. ولكن يبقى التساؤل ماثلاً أمامي: ما هو السبب الذي يدعو الشيخ كديور إلى إنكار أمر على هذه الدرجة من الوضوح؟! هل يسعى بذلك إلى تخطئة أولئك الذين يذهبون إلى ولاية الفقهاء التنصيبية، كما قيل؟ أو يريد أن يُسيء الاستفادة من اسم الإمام الحسين الخالد، ضمن تشويه النظرية المتقدمة؛ لغرض الترويج لأفكاره؟ وطبعاً لا أروم في هذا المقال الإساءة إلى شخص، أو إلقاء أحكام مسبقة حول كلام الشيخ كديور؛ لأن هذا يتنافى والشأن الإنساني، ويناقض النبل، ولكن مع ذلك فإن هذا التساؤل يعتبر إيراداً ومأخذاً كبيراً في مجال نقد الذين يذهبون إلى مثل هذه الدعوى.

ب ـ نصب الفقهاء والمغالطة الواضحة ــــــ

  إن الشيخ كديور يسعى من وراء ادعائه هذا إلى إثبات «أن الحسين لم يعرّف نفسه على أنه منصوب من قبل الله، فكيف يذهب البعض إلى كون الفقهاء منصوبين من قبل الله تعالى». وبذلك يتم التشكيك بولاية الفقهاء النصبية. إن البحث حول هذه المسألة خارجٌ عن موضوع هذا المقال، ولكن يجب التذكير بما يلي:

  أولاً: إن الإمام الحسين× قد أكد على تنصيبه من قبل الله. وقد تقدم ذكر بعض الأدلة على ذلك.

  ثانياً: لو افترضنا جدلاً أن الأئمة لم يصرِّحوا بانتصابهم، إلا أن هذا لا يشكل دليلاً على عدم انتصابهم في واقع الأمر من قبل الله تعالى؛ لأن كل شخص يحمل عقلاً سليماً يدرك من خلال التتبع في الآيات والروايات المأثورة أن الأئمة المعصومين^ منصوبون لخلافة النبي الأكرم‘ من قبل الله تعالى. كما كان القرآن يصرح بكون إبراهيم× منصوباً من قبل الله تعالى، حيث قال: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} (البقرة: 124).

  ثالثاً: إن انتصاب الفقهاء إنما هو امتداد لولاية رسول الله‘. كما قال الإمام الخميني& بهذا الشأن: «إن ولاية الفقيه هي ولاية رسول الله‘؛ فإن ولاية الفقيه ليست شيئاً أوجده مجلس الخبراء»([9]). وقال في موضع آخر: «إن الولاية الثابتة للنبي الأكرم‘ والإمام× في إقامة الحكم والتنفيذ والإدارة ثابتة للفقيه أيضاً»([10]).

  والمراد من النصب هنا هو النصب العام، دون الخاص. والنصب العام يعني تعيين الفقيه الجامع للشرائط المقررة في الفقه للإفتاء والقضاء والقيادة، دون اختصاص بشخص معين أو عصر معلوم أو مصرٍ معهود([11]).

  ويثبت هذا المدعى بالدليل العقلي والنقلي. أما الدليل النقلي فهو مقبولة (عمر بن حنظلة)، التي تؤكِّد على نصب الفقهاء من قبل إمام العصر#. وأما الدليل العقلي فيتم عبر قاعدة الحكمة وقاعدة اللطف.

  وبذلك فإن اعتقاد بعض الفقهاء، وخاصة الإمام الخميني&، بضرورة نصب الفقيه من قبل الله يستند إلى أدلة قرآنية وروائية؛ وذلك لأنهم يرون ولاية الفقيه استمراراً لولاية رسول الله‘، المنصوب من قبل الله تعالى بصريح نصّ القرآن الكريم.

  وفي الختام من الضروري أن نشير باختصار إلى دور الناس في هذا المجال. فإنني أذهب إلى نفس ما ذهب إليه الشيخ كديور من احترام أهل البيت^ لآراء الناس، إلا أن هذا لا يعني انحصار مشروعية ولاية أهل البيت بآراء الناس؛ وذلك لأن مشروعيتهم إنما هي من قبل الله تعالى، وأما دور الناس فهو خلق الأرضية لممارسة الإمام مسؤوليته الربانية. وعليه فإن المعيار الذي يستند إليه الإمام الحسين× يقوم على المشروعية التي وصلت إليه من قبل الله، والتي يمارسها على الأرض بشرط قبول الأمة؛ وذلك لأن دور الأمة في التفكير الإسلامي في مقام الإثبات والتحقق دور محوري، سواءٌ في أصل الدين أو النبوة أو الإمامة أو النصب الخاص، فما ظنك بولاية الفقيه التي هي من النصب العام، فالأمة إذا لم تقبل نبوة النبي أضحت مهجورة. وهكذا الأمر بالنسبة إلى الإمامة، حتى وإن كان ذلك الإمام بحجم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×. إذاً لا بد من فصل مقام الثبوت والمشروعية والأحقية عن مقام الإثبات والقبول وتحقق القدرة على المستوى الخارجي.

 

الهوامش

(*) باحث في علم الكلام الإسلامي.

([1]) صحيفة (همبستكي)، العدد: 1227.

([2]) وسائل الشيعة 8: 144، ح45.

([3]) بحار الأنوار 25: 185، ح6.

([4]) مقتل الخوارزمي 1: 184.

([5]) المصدر السابق: 186.

([6]) تاريخ الطبري، أحداث سنة إحدى وستين للهجرة القمرية.

([7]) مقتل الخوارزمي 2: 33.

([8]) عوالم البحراني 15: 227، الحديث 212.

([9]) صحيفة النور 1: 170ـ171.

([10]) الحكومة الإسلامية: 57.

([11]) جوادي آملي ولاية الفقيه:391.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً