أحدث المقالات

 

نهج البلاغة جَمْعه، مصادره،

مناقشة التشكيك في نسبته إلى الإمام علي(ع)

السيد عبد الهادي الشريفي(*)

 

جامع النهج الشريف

هذا النتاج الجليل تصدّى لجمعه وتبويبه السيد الشريف، النقيب أبو الحسن محمّد بن الحسين الرضي الموسوي (359 ـ 406هـ)، وأطلق عليه اسم “نهج البلاغة”؛ ليشير بذلك إلى أنّ هذا النتاج هو المثال لبلاغة التعبير بعد كتاب الله العزيز، وقد ظهر في عصر ازدهرت فيه الحضارة الإسلاميّة والعربية، وظهر فيه أشهر النوابغ في مختلف العلوم الانسانية والآداب. والسيد الشريف الرضي هو مفخرة العترة، وقد جمع إلى شرف النسب النبوي شرف العلم والحلم والأدب، وهو ما تتباهى به العصور. يقول عنه الثعالبي (429هـ): وهو اليوم أبدع أبناء الزمان، وأنجب سادة العراق، يتحلّى ـ مع محتده الشريف، ومفخره المنيف ـ بأدب ظاهر، وفضل باهر، وحظ من جميع المحاسن وافر(1).

والسيد الرضي كان محدّثاً ومحقّقاً وأديباً، وشاعراً، وهو صاحب المؤلَّفات التي بلغت ثمانية عشر مؤلَّفاً، وقد بلغ بعضها العشرة أجزاء، ومن أهمّها: “مجاز القرآن” و”مجاز الحديث” و”نهج البلاغة“، هذا الثلاثي الرائع الذي ألّفه من كلام الله تعالى، وكلام النبي,، وكلام الإمام(ع)، كان مثار إعجاب العلماء والأُدباء، ولكن نهج البلاغة كان الأشهر والأفضل والأكثر تداولاً، ولذلك نال من الشروح والتعليق، قديماً، وحديثاً، ما لم ينله غيره من بقية الكتب البشرية، حتى قاربت المئتي شرحاً إلى يوم الناس هذا، ولعل شهرة الرضي جاءت بسبب جمعه لهذا الكتاب، الذي كان موضع اهتمام المسلمين وغيرهم من العلماء والأُدباء والمحدثين.

وقد صرّح السيد الرضي عن سبب تسمية ما جمعه بـ “نهج البلاغة فقال: ورأيت من بعدُ تسمية هذا الكتاب بـ(نهج البلاغة)، إذ كان يفتح للناظر فيه أبواباً، ويقرّب عليه طِلابَها. فيه حاجة العالم والمتعلّم، وبغية البليغ والزاهد، ويمضي في أثنائه من عجيب الكلام في التوحيد والعدل، وتنزيه الله سبحانه وتعالى عن شَبَه الخلْق، ما هو بِلال كلّ غُلّة، وشفاء كلّ عِلّة، وجِلاء كلّ شبهة…(2).

 

طريقته في الجمع

كان للسيد الرضي (رحمه الله) أسلوبه الخاص في جمع “نهج البلاغة” وتدوينه، وقد تحدّث عن هذا الأسلوب في مقدمة الكتاب، ونعرض لذلك باختصار، وفي نقاط هي:

1-  قام (رحمه الله) بجمع ما تفرّق من كلام الإمام(ع) من مصادره الموثوقة، ودوّنه في أوراق متفرّقة ليستدرك ما يشذّ عنه مستقبلاً، ثم عمد الى اختيار محاسن كلامه، فحذف ما شاء مما اجتمع عنده، وانتقى ما شاء وفق ذوقه وسليقته، ومبناه البلاغي، ومنهجه في النظم. فابتدأ باختيار محاسن الخطب، ثمّ محاسن الكتب، ثم محاسن الحكم، وكان يعترف بعجزه وقصوره عن الإحاطة بأقطار كلامه(ع) مع بذل الجهد وبلاغة الوسع؛ لغزارته وسعة موارده، يقول الرضي: … فأجمعت بتوفيق الله تعالى على الابتداء باختيار محاسن الخطب، ثمّ محاسن الكتب، ثمّ محاسن الحِكَم والأدب، مفرداً لكلّ صنف من ذلك باباً، ومفضّلاً فيه أوراقاً، لتكون مقدمة لاستدراك ما عساه يشذّ عنّي عاجلاً، ويقع إليّ آجلاً…(3).

2-  إنّ جميع ما ضمّه النهج، أخذه الرضي من المصادر التي سبقته زماناً، أو التي عاصرته؛ ولمّا لم تكن غايته في ما يختاره من كلام الإمام(ع) تحقيق سنده، ولا تصحيح روايته، بقدر اهتمامه بما ينسجم مع الجانب البلاغي والبياني الذي امتاز به، أدرج في النهج ما وجده أمامه من كلمات الإمام وخطبه، وكتبه، في مؤلفات المؤرخين والمحدّثين، مما نقلوه ورووه عن الإمام(ع)، وعزوه إليه من دون أن يسنده إليهم، وعذره في ذلك أنه لم يكن بعمله هذا راوياً، بمعنى الرواة، ولا محدّثاً على طريقة المحدثين، الذين يدوِّنون الروايات والأحاديث بأسانيد متصلة إلى من صدرت عنه، وإنّما كان أديباً له حسٌّ أدبي فريد، تغريه روائع البلاغة والبيان، ولا يلوي على شيء آخر سواها(4). ولذا فإنّ الباحث لا يجد كثير صعوبة في العثور على جلّ ما في النهج في غير مصدر مما قد صنّف قبل عصر الرضي.

3-  لمّا كانت مهمّة الرضي محصورة بالجمع مع التمحيص والتحقيق والانتقاء لضبط مادة النهج؛ لإبراز بلاغة الإمام(ع) 0وفصاحته، فإنه لم يراعِ في ما اختاره التنسيق والتتالي، ولذا جرّت هذه الطريقة مشاكل على حساب التنسيق الفني، ودقة التصنيف والنظم، يقول الرضي: وربما جاء في ما أختاره” من ذلك فصول غير متّسقة، ومحاسن كلمٍ غير منتظمة؛ لأني أورد النكت واللّمع، ولا أقصد التتالي والنسق(5).

4-  صنّف السيد الرضي “النهج” بحسب الفنون النثرية، لا بحسب الموضوعات، فابتدأ بالخطب، ثم الرسائل، ثم الحكم، وكان من الممكن أن تضاف إليه أشكالٌ أُخر من فنون النثر، مثل الدعاء، الخاطرة، الزيارة والمحاورة، والمقالة… الخ، إلاّ أنه أدرجها ضمن الأبواب اللائقة بها بحسب مقياسه الجمالي والبلاغي، وأشدّها ملاءمة لغرضه: ورأيت كلامه(ع) يدور على أقطاب ثلاثة، أولها: الخطب والأوامر؛ وثانيها: الكتب والرسائل؛ وثالثها: الحكم والمواعظ(6).

5-  بناء على خطته في الجمع، نراه قد يختار من الخطبة الطويلة مقطعاً منها فيقتطعه، وربما يجمع خطبة واحدة من خطب شتى، ويوزّع الخطبة الواحدة إلى عدة فصول، ويدرج كلّ فصل منها في موضع مستقل، كما أنه قد يكرر، في كتابه، الكلام الواحد أو الخطبة الواحدة لوجود رواية أُخرى تختلف عن الأُولى، يقول (رحمه الله): وربما جاء، في أثناء هذا الاختيار، اللفظ المردد، والمعنى المكرر، والعذر في ذلك أنّ روايات كلامه(ع) تختلف اختلافاً شديداً. فربما اتفق الكلام المختار في رواية فنُقلَ على وجهه، ثم وُجد بعد ذلك في رواية أُخرى، موضوعاً في غير موضعه الأوّل، إمّا بزيادة مختارة، أو لفظ أحسن عبارة، فتقتضي الحال أن يعاد، استظهاراً للاختيار، وغَيرةً على عقائل الكلام…(7).

وربما يختار من خطب متعددة فصولاً ويوردها بنسق خطبة واحدة(8). وقد أشار إلى ذلك ابن أبي الحديد في شرح الخطبة (121)، فقال: هذا الكلام يتلو بعضه بعضاً؛ ولكنه ثلاثة فصول لا يلتصق أحدها بالآخر؛ وهذه عادة الرضيّ، تراه ينتخب من جملة الخطبة الطويلة كلمات فصيحة، يوردها على سبيل التتالي، وليست متتالية حين تكلّم بها صاحبها(9).

وفي موضع آخر من شرحه قال: هذا كلام منقطع عمّا قبله؛ لأنّ الشريف الرضي (رحمه الله) كان يلتقط الفصول التي في الطبقة العليا من الفصاحة من كلام أمير المؤمنين(ع) فيذكرها، ويتخطّى ما قبلها وما بعدها(10).

فـ”نهج البلاغة” إذن، وإن خلا من وحدة النظم والتنسيق والانسجام بين فصوله، بهذا المعنى الذي ذكرناه، إلاّ أنه تنتظمته وحدة الروح والمثل والأُسلوب على اختلاف موضوعاته ومقاصده وفنونه، فحينما نطل على “النهج” تغمرنا أنواره المشرقة، وعبقاته العطرة، ويستولي على مشاعرنا جوّ روحاني إيماني أخّاذ، وكأن المكانة السامية والمقام الروحي لأمير المؤمنين وسيد الأوصياء(ع) لا تبعد آناً ما، عمّا هو مسطور فيه فتحسُّ بأدب الوحي والنبوة، وروحانية الإيمان الصادق، وأخلاق الإمام المعصوم، ذلك كله في صور فنية رائعة في أعلى طبقات البلاغة والفصاحة. وكأننا نقرأ شخصية الإمام وسيرته بين سطور النهج كما وصفها رسول الله(ص): لا يعرفك إلاّ الله وأنا.

وقد قدّم السيد الشريف (رحمه الله) بعمله هذا خدمة كبيرة على مرّ العصور للأدب واللغة والأخلاق، وللإنسانية عموماً، وسوف يوفّى أجر المصلحين والمحسنين ﴿إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾، ﴿وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.

فالنهج نسخة فريدة بين آثار بني الإنسان تشتمل على معارف إلهية عالية، ومنهاج للأخلاق، وقوانين في الاجتماع، والسياسة، والحرب، والاقتصاد.. ودروس في الحكمة، والأدب، والعرفان… الخ. ينهل منه العارف، والفيلسوف، والمتكلم، وعالم الاجتماع والسياسة والحرب، والفقيه، والحكيم، والأديب..

 

مصادر الرضي في جمع نهج البلاغة

إنّ الإمام الرضي محمد بن الحسين الموسوي (قدس سره)، العالم البصير، والثبْت الخبير والمأمون، قد تصدّى لجمع كلام أمير المؤمنين عليّ(ع)، وروايته وتنظيمه في كتاب أسماه “نهج البلاغة”، ومنذ أوّل يوم ظهر فيه هذا الكتاب للوجود، وعرفه الناس، تناقله العلماء، والأُدباء، وتلقوه بالقبول والاستحسان، وتصدوا لشرحه وترجمته، والتعليق عليه وعبر القرون، دونما نكير أو تشكيك إلاّ من بعض الشذّاذ دونما سبب مهم يوجب التشكيك من مناقضة للكتاب الكريم أو السنة الثابتة أو العقل، ولا لضرورة من ضروريات الدين.

وكتاب النهج هذا جدير بأن يكون من أجلّ المصادر وأعلاها وأوثقها، ولا يحتاج بعد إلى مصدر أو مرجع يوثّقه، شأنه في ذلك شأن سائر ما يرويه المحدثون الثقات، فيؤخذ بمروياتهم من دون تشكيك، ولا مطالبة بمصدر، على أنه جاء جلّه مروياً بالأسانيد في مصادر أُخر سابقة أو معاصرة لجامع النهج. وقد صرّح جامعه الشريف الرضي (رحمه الله) ـ خلاله ـ في أبواب متفرّقة، بأنّه نقل بعض نصوص نهج البلاغة من مصادر مدوّنة، ذكر أسماءها وأسماء مؤلفيها، ومن مصادر مروية بالأسانيد المتصلة إلى الإمام عليّ(ع)، والظاهر أنّ تخصيص ذلك البعض بذكر المصدر دون غيره من مندرجات الكتاب، هو أنّ ذلك البعض ممّا لم تتحقق عند المؤلِّف نسبته إلى أمير المؤمنين(ع)، بخلاف غيره فإنّه على ثقة منه ويقين، فلا يحتاج إلى ذكر مصدر له تكون العهدة عليه في النقل والنسبة، وهذه عادة القدماء من أهل التأليف(11)، ونحن نذكر مصادره المدوّنة، ثم مصادره المروية بالسند(12) كما ذكرها في ثنايا النهج الشريف.

 

أوّلاً ـ المصادر المدوّنة

1-  حلف ربيعة واليمن، لأبي منذر هشام بن محمد الكلبي (204هـ)، وهو الحلف الذي عقده الإمام عليّ(ع) بين ربيعة واليمن(13).

2-  الجمل، لأبي عبد الله محمد بن عُمر الواقدي (207هـ)(14).

3-  إصلاح المنطق، لابن السِّكِّيت أبي يوسف يعقوب بن إسحاق (224هـ)، أصله من الأهواز، وهو مؤدب ولدي المتوكل العباسي (237هـ) ونديمه(15).

4-  غريب الحديث، لأبي عُبيد الهروي القاسم بن سلاّم (224هـ)(16).

5-  كتاب المقامات، لأبي جعفر محمد بن عبد الله الإسكافي (240هـ)، وهو في مناقب الإمام عليّ(ع)(17).

6-  المغازي، لأبي عثمان سعيد بن يحيي بن أبان بن سعيد بن العاص بن أُميَّة (249هـ)(18).

7-  كتاب البيان والتبيين، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (255هـ)(19).

8-  المقتضب، لأبي عباس محمد بن يزيد المُبَرّد (285هـ)(20).

9-  تاريخ الرسل والملوك، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (310هـ)(21).

 

ثانياً ـ المصادر المروية بالسند

1-  رواية ضرار بن ضَمْرة (ق1هـ)، وذكر ابن أبي الحديد في موضع آخر أنه ضرار بن حمزة الضِّبائي، كان من خواص الإمام عليّ(ع)، ورواية ضمرة عن الإمام(ع) قوله: يا دنيا غرّي غيري(22).

2-  رواية ذِعْلب اليماني (ق1هـ)، من أصحاب الإمام أمير المؤمنين(ع)، وقد سأل ذعلب الإمام(ع): هل رأيت ربّك يا أمير المؤمنين؟ فقال(ع): أفأعبُد ما لا أرى(23)

3-  رواية ابن صدقة العَبدي مَسْعدة بن صدقة (ق2هـ)، كان معاصراً للإمامين الصادقين(ع)، وهو من أعلام الجمهور. له كتاب “خطب أمير المؤمنين(ع)(24).

4-  رواية ذِعْلب اليمامي أبي محمد ذعلب اليمامي (ق4هـ)، من رجال الشيعة ومحدّثيهم ـ يستعمل ابن أبي الحديد لفظ “المحدِّث” بمعنى “المؤرّخ”(25).

5-      رواية أبي جحيفة السوَائي وهب بن عبد الله (75هـ)، رئيس شرطة أمير المؤمنين(ع)، وصاحب بيت ماله(26).

6-  رواية كميل بن زياد النخعي (82هـ.)، كان من خواص أمير المؤمنين(ع)(27).

7-  رواية نَوْف بن فُضَالة البِكالي الحميري (90 ـ 100هـ)، كان صاحب الإمام(ع)، روى عنه خطبة وحديثاً(28).

8-  حكاية الإمام أبي جعفر محمد الباقر بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب(ع) (ت/114هـ)، خامس أئمة أهل البيت المعصومين (عليهم السلام)(29).

9-  رواية ثعلب الشيباني أبي العباس أحمد بن يحيى (ت / 291هـ)، عن المأمون العباسي، عن الإمام عليّ(ع)(30).

انتهت مصادر الشريف الرضي التي أوردها في نهج البلاغة.

 

إشكاليّات حول الكتاب

ما إن ظهر كتاب “نهج البلاغة” الذي جمعه الشريف الرضي (رحمه الله) حتى انفتح الباب أمام الأقلام التي حرّكتها وخزات الحقد والشنآن، فأثارت الشبهات حول مصداقية النهج الشريف، وصحة نسبته إلى الإمام أمير المؤمنين(ع)، فزعمت أنّ جميع ما في النهج أو بعضه هو من تأليف السيد الرضي، أو هو من تأليف أخيه السيد المرتضى (436هـ)، أو من تأليفهما معاً، أو من تأليف قوم من فصحاء الشيعة، وضعوه ليزيدوا الناس يقيناً بما عرفوه من بلاغة الإمام(ع)، وقوة بيانه، واقتداره وفصاحته، وساقوا في معرض الشك مزاعم لا تصمد أمام سلطان العلم والمنطق، وشواهد الأحوال.

ولعل أول من شكك في صحة ما أُثر في النهج هو ابن خلكان (681 هـ)، فقد تردد في مؤلف النهج، أهو الشريف الرضي أم المرتضى (رحمهما الله)؟ فقال: “قد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام الإمام عليّ بن أبي طالب(ع)، هل هو جمعه، أم جمعه أخيه الرضي؟ وقد قيل: إنّه ليس من كلام عليّ(ع)، وإنّما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه(31).

ثم تبعه جملة من الباحثين من قدماء ومحدَثين، أمثال ابن تيميّة (728هـ) في منهاج السنة، والذهبي (748 هـ) في ميزان الاعتدال، الذي زعم أنّ واضع النهج هو السيد المرتضى أخو الرضي. ثم جاء الصفدي (764 هـ) في الوافي بالوفيات، واليافعي (768 هـ) في مرآة الجنان، ثم تبع هؤلاء من المحدثين أحمد أمين، وأحمد حسن الزيات، وأحمد زكي، ومحمد كرد علي، وجرجي زيدان، ومحمد سيد كيلاني، وغيرهم، وبعض المستشرقين، أمثال المسيو ديمومبين، الذي حاول أن يغضّ من قيمة ما نسب إلى الإمام(ع) استناداً إلى ما شاع قديماً من أنّ الشريف الرضي هو واضع كتاب “نهج البلاغة(32).

ومجمل حجج هؤلاء المنكرين أو المشككين تعود إلى أسباب كثيرة؛ بعضها يتعلّق بجهة السند؛ وبعضها الآخر بمضمونه ومحتواه؛ وبعضها بأُسلوبه، ولعل أكثر الشبهات شهرة وتداولاً هي:

1-  خلو الكتب التأريخية والأدبية من أكثر ما في النهج، أو أنّ أكثره عرض منسوباً في غير النهج لغير الإمام(ع).

2-  طول بعض الخطب، وتعسّر حفظها على الرواة.

وهاتان الشبهتان تتعلقان بالسند.

3-    التعريض بالخلفاء السابقين، وبعض الصحابة، كالخطبة الشقشقية وغيرها، وهذا أمر لا يتناسب وواقع الإمام(ع)، أو أنّه يتنافى وعقيدة المشكك، أو المنكر.

4-    كثرة الخطب بما لا يتناسب وحاجة الإمام(ع) لمثلها عادة.

5-  إطالة بعض الكتب المملوءة بالآراء السياسية، والإدارية، والقضائية بما لم يعهد من غيره من الخلفاء، كعهده لمالك الأشتر (رضي الله عنه).

6-    ما يظهر في النهج من الإخبار بالمغيبات.

7-    اصطباغ بعض محتويات النهج بما لا يتلاءم مع عصر الإمام(ع)، كذكره بعض الألفاظ المحدَثة، كلفظة “الأزل” و”الأزلية“، و”الكيف“، و”العدم“، و”الوجود” واستعمال بعض الألفاظ بمصطلحاتها المنطقية أو الفلسفية كـ “الحدّ” و”العلة” و”المعلول” وغيرها، والتعرّض لدقائق علم التوحيد، وأبحاث الرؤية والعدل، وكلام الخالق وصفاته ووجوده، التي نشأت بعد عصر الإمام(ع).

8-    عدم ملاءمة أُسلوبه لزمن الإمام(ع)، بما استعمل فيه من الفنون البديعية، كالسجع والإزدواج، والطباق، إلى أمثال ذلك ممّا انتشر في العصر العباسي، وكدقة الوصف، كوصفه للطاووس، والخفاش والجراد، والسحاب، والجنة والنار، وغيرها.

هذه جملة الشبهات التي أوردوها، ولأجل الردّ عليها نقول:

أولاً: إنّ خلو الكتب التاريخية والأدبية من أكثر ما في النهج لا ينهض دليلاً على أنّ تلك الخطب غير صادرة عنه(ع)، بعد تواتر نقله عن الرضي (رحمه الله) ونسبته له، وتصريح الرضي في جملة من مؤلفاته بنسبته له، كما جاء في كتاب “حقائق التأويل” قوله: … ومن أراد أن يعلم برهان ما أشرنا إليه من ذلك، فلينعم النظر في كتابنا الذي ألفناه ووسمناه بـ “نهج البلاغة”، وجعلناه يشتمل على مختار جميع الواقع إلينا من كلام أمير المؤمنين(ع)(33).

وكتابه “المجازات النبوية” حيث قال فيه: … وقد ذكرنا ذلك في كتابنا الموسوم بـ “نهج البلاغة” الذي أوردنا فيه مختار جميع كلامه صلّى الله عليه وسلّم وعلى الطاهرين من أولاده(34).

وبعد هذا، فإنّ تشكيك ابن خلكان وأضرابه لا اعتبار له، بخاصة بعد قول المسعودي (346هـ): … والذي حفظ الناس عنه من خطبه في سائر مقاماته أربعمئة خطبة، ونيّف وثمانون خطبة، يوردها على البديهة، تداول الناس ذلك عنه قولاً وعملاً…(35).

وقول اليعقوبي أحمد بن إسحاق العباسي (بعد 292هـ) في كتابه: “مشاكلة الناس لزمانهم“: وحفظ الناس عنه الخطب، فإنّه خطب بأربعمئة خطبة، حفظت عنه، وهي التي تدور بين الناس، ويستعملونها في خطبهم…(36)، ونحو ذلك قول عبدالحميد الكاتب (132هـ)، وقول ابن نباته (374هـ)، وغيرهما.

وواضح أنّ “نهج البلاغة” لا يشتمل على هذا العدد، بل الذي ضمه بين دفتيه حوالى 240 خطبة و79 كتاباً، وهو دون ما ذكروه بكثير.

وربما كان منشأ الشك في نسبته الى أخيه المرتضى، هو تلقيب بعض المؤرخين له بالمرتضى، تعريفاً له بلقب جدّه إبراهيم، ثم تفرّد الرضي بلقبه هذا واشتهر به بعد أن اختير نقيباً للهاشميين.

كما أنّ تشكيك يعقوب صروف صاحب “المقتطف(37) في مقالة له تحت عنوان: “عهد الإمام وكتاب السلطان با يزيد الثاني“، بأنّ نهج البلاغة كلّه مظنون، وقد أُقحم فيه بعض الخطب في عصور متأخرة، وضرب على ذلك المثل بالتفاوت بين ما بأيدينا من عهد الإمام(ع) لمالك الأشتر، وبين ما وُجد منه في نسخة كتبت للسلطان بايزيد منذ خمسمئة عام، فوُجد أنّ نسخة النهج أبسط وأطول من نسخة السلطان با يزيد المخطوطة سنة 858 هـ، فاستنتج من ذلك أنّ هذه الزيادة إنما حدثت منذ سنة 858 هـ إلى زمن طبع نسخة النهج في مصر أو بيروت سنة 1307هـ، وبنى على هذا الأمر تشكيكه.

هذا التشكيك لا اعتبار له بعد وجود نسخ مقروءة على جامعها الشريف الرضي نفسه كتبت سنة 400هـ ، وموقع عليها بقلمه، ومتلقاة منه يداً بيد، وعصراً بعد عصر، وهي مطابقة لما بأيدينا من النسخ، ولو كان فيها إقحام أو زيادة لنبّه على ذلك الشرّاح على كثرتهم، كشرح ابن أبي الحديد (656هـ) الذي فيه النص كاملاً على الصورة الموجودة في النسخة المطبوعة، وكذا شرح الفيلسوف العارف ابن ميثم البحراني (679هـ). ومن هذا كله يتضح أنّ نسخة السلطان بايزيد إمّا مختصرة من نسخة النهج، أو أنها نُسخت على رواية أُخرى، وما أكثر المصادر التي تروي كلام الإمام(ع).

أما دعوى اختلاق السيد الشريف الرضي للنهج ووضعه له فكلام لا يمكن أن يصدر من عارف بتاريخ الشريف وخلقه، وورعه وكماله ووثاقته. وبعده عن التعصّب المذهبي، ورتبته من العلم والأدب، ومكانته الاجتماعية وما كتبه عنه المؤرخون والمترجمون أكثر مما ذكرنا من حميد الخصال وجليل الفعال، هذه الصفات تأبى عليه أن يتجاوزها فيختلق وينسب إلى الإمام(ع) ما ليس له، فهذا الرجل فوق التهم والظنون.

ثم، لماذا كل هذا الإيثار من السيد الرضي؟ فهلاّ نسب النهج لذاته ليسجّل نفسه في لوحة عظماء التاريخ وأُدبائهم؟! إذن فالنهج نهج الإمام(ع)، لكنّ الأقلام المنكوسة الحاقدة هي التي ألصقت بالشريف تهمة الوضع والخيانة والدس، وبالإمام(ع) تهمة العجز والقصور، وحاشاه صلوات الله عليه.

إضافةً إلى ما ذكرنا، فإنّ الكثير من الكتب التأريخية، والحديثية المعروفة قبل زمان الرضي، قد تناولت كثيراً من نصوص النهج كاليعقوبي، والطبري، والكليني، والنجاشي، والجاحظ، وغيرهم عشرات من أمثالهم.

وهناك من المحدِّثين والمؤرخين من جمع كلام الإمام أو خطبه أو قسماً منها، وقد ذهب بعض هذه المجموعات مع الزمن، وتلف ضمن ما تلف من تراثنا العربي والإسلامي، بسبب الحروب والفتن، وبقيت الأسماء فقط، يعرفها كلّ من عني بالتراث الإسلامي، ومن هذه المجموعات:

1-  كتاب “خطب أمير المؤمنين(ع) على الناس في الجمع والأعياد”، لزيد بن وهب الجهني الكوفي (96هـ).

2-    كتاب “خطب أميــر المؤمنين(ع)، المروية عن إمامنا الصادق(ع) (148هـ).

3-  كتاب “خطب الإمام عليّ“، لهشام بن السائب الكلبي (206هـ).

4-  كتاب “خطب عليّ(ع) وكتبه إلى عماله“، لأبي الحسن علي بن محمد المدائني (225هـ).

5-  كتاب “رسائل أمير المؤمنين(ع)“، لإبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي (283هـ)، وعشرات من نظائرها.

وبعد هذا…، فهل يمكن أن يُنسب جميع النهج أو بعضه إلى الشريف الرضي، أو إلى غيره؟

والواقع أنّ اتهام السيد الرضي بوضع “نهج البلاغة” قديم كما قلنا، كما أنّ الدفاع عنه قديم أيضاً. ونكتفي في هذا المجال بذكر دفاع شارح النهج عز الدين أبي حامد بن أبي الحديد المعتزلي الشافعي، عن نسبة نهج البلاغة إلى الإمام أمير المؤمنين(ع)، حيث يقول: إنّ كثيراً من أرباب الهوى يقولون: إنّ كثيراً من (نهج البلاغة) كلام مُحدَث، صنعه قوم من فصحاء الشيعة، وربما عَزَوْا بعضه إلى الرضي أبي الحسن وغيره، وهؤلاء قوم أعمت العصبيّة أعينهم، فضلّوا عن النهج الواضح، وركبوا بُنيّات الطريق، ضلالاً وقلة معرفة بأساليب الكلام، وأنا أوضّح لك بكلام مختصر ما في هذا الخاطر من الغلط، فأقول: لا يخلو إمّا أن يكون كلّ (نهج البلاغة) مصنوعاً منحولاً، أو بعضه.

والأوّل باطل بالضرورة؛ لأنّا نعلم بالتواتر صحّة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنين(ع)، وقد نقل المحدّثون كلُّهم أو جلّهم، والمؤرّخون كثيراً منه، وليسوا من الشيعة لينسَبُوا إلى غرض في ذلك.

والثاني يدلّ على ما قلناه؛ لأنّ مَنْ قد أنِسَ بالكلام والخَطَابة، وشَدَا طرَفاً من علم البيان، وصار له ذوقٌ في هذا الباب، لابدّ أن يفرّق بين الكلام الركيك والفصيح، وبين الفصيح والأفصح، وبين الأصيل والمولّد، وإذا وقَف على كرّاسٍ واحد يتضمّن كلاماً لجماعة من الخطباء، أو لاثنين منهم فقط، فلابدّ أن يفرّق بين الكلامين، ويميّز بين الطريقتين…

وأنت إذا تأملت “نهج البلاغة” وجدته كلّه ماءً واحداً، ونَفَساً واحداً، وأُسلوباً واحداً، كالجسم بَسيط، الذي ليس بعضٌ من أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهيّة، وكالقرآن العزيز، أوّله كأوسطه، وأوسطه كآخره، وكلّ سورة منه، وكل آية مماثلة في المأخذ والمذهب والفنّ والطريق والنظم لباقي الآيات والسور؛ ولو كان بعض “نهج البلاغة” منحولاً وبعضه صحيحاً، لم يكن ذلك كذلك؛ فقط ظهر لك بهذا البرهان الواضح ضلالُ مَنْ زعم أنّ هذا الكتاب أو بعضَه منحولٌ إلى أمير المؤمنين(ع).

واعلم أنّ قائل هذا القول يطرُق على نفسه ما لا قِبَل له به؛ لأنّا متى فَتَحْنا هذا الباب، وسلّطنا الشكوك على أنفسنا في هذا النحو، لم نثِقْ بصحّة كلام منقول عن رسول الله(ص) أبداً، وساغ لطاعنٍ أن يطعن ويقول: هذا الخبر منحول؛ وهذا الكلام مصنوع، وكذلك ما نُقِل عن أبي بكر وعمر من الكلام والخُطب والمواعظ والأدب وغير ذلك، وكلّ أمر جعله هذا الطاعن مستنداً له في ما يرويه عن النبي(ص)، والأئمة الراشدين، والصحابة والتابعين، والشعراء والمترسّلين، والخطباء؛ فلناصِرِي أمير المؤمنين(ع) أن يستندوا إلى مثله في ما يروونه عنه من “نهج البلاغة” وغيره، وهذا واضح(38).

وأمّا نسبة بعض خطب النهج لغير الإمام(ع)، فقد كان من اختلاق المؤرخين وفعلهم عن خطأ أو عمدٍ، كالخطبة التي نُسبت إلى معاوية، الذي ألقاها في جماعة من قريش قبيل وفاته: أيها الناس، إنّا قد أصبحنا في دهر عنود، وزمن كنود، يُعدّ فيه المحسن مسيئاً، ويزداد الظالم فيه عتواً… الخ(39).

وقد شكّك الجاحظ في هذه النسبة ـ بعد أن ذكر هذه الخطبة، وذكر من نَسَبَها إلى معاوية لأسباب أهمها: أن هذا الكلام بكلام عليّ(ع) أشبه… ثم قال: ومتى وجدنا معاوية في حال من الأحوال يسلك في كلامه مسلك الزّهّاد، ومذاهب العُبّاد؟!(40).

أقول: هذا مع العلم أنّ الجاحظ كان معتزلياً عثماني المذهب، لا يميل لعليّ(ع) ولا يفضله على عثمان أو غيره من الخلفاء(41).

وأنّى للرضي أو غيره من فصحاء الشيعة وغيرهم محاكاة الإمام(ع)، أو مجاراته في أُسلوبه وطريقته، أو في معانيه وألفاظه.

ثانياً: أمّا التشكيك بنسبة بعض الخطب له(ع)؛ لطولها، ولتعذّر حفظها على الرواة، فهو كسابقه تشكيك لا قيمة له، إذا عرفنا أنّ العرب كانوا في تلك العصور يعتمدون على قوة الحافظة، وسرعتها، فقد كانوا يحفظون القصائد الطوال لمجرد سماعها. حكى صاحب الأغاني، أنّ ابن عباس (رحمه الله) حفظ قصيدة عمر بن أبي ربيعة: “أمن آل نعم أنت غاد فمبكر” لمجرد سماعها بقراءة واحدة.

وخطب النهج ليست بدعاً من خطب النبي(ص) أو الخلفاء، ولو كان الحفظ يتعذر، لكان الشك يسري إلى كلّ ما حفظ من خطب النبي(ص) والخلفاء، والولاة وغيرهم من أهل الجاهلية والإسلام.

ومن المحتمل أنّ خطب الإمام(ع) كانت تكتب بعد سماعها من قبل أصحابه ومريديه.

ثالثاً: أمّا وجود خطب تعرّض فيها الإمام(ع) لبعض الصحابة والخلفاء السابقين، وطعنت عليهم ونالت منهم، وأكثر هذه التعريضات جاءت في الخطبة الشقشقية، وقد ذكر ذلك غير واحد ممن شكك في النهج كابن تيمية والذهبي، وقد صرّح الأخير في ميزان الاعتدال، بقوله: ومن طالع كتابه نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين عليّ(ع)، ففيه السبّ الصراح والحطّ من السيدين أبي بكر وعمر…(42).

والجواب: إنّ التعرض لنقد الصحابة ـ في الواقع ـ لا ينسجم مع عقيدة المشكك ومذهبه، باعتباره قائماً على بدعة عدالة الصحابة وتنزيههم. والواقع التاريخي والموضوعي يرفضه بشكل قاطع، حيث أنّ كثيراً من الأخبار في غير النهج تؤكد وقوع التساب والتشاجر، والتخاصم، والاغتياب وشهر السلاح والاغتيال بين الصحابة. وقد ذكر ابن أبي الحديد ذلك في شرحه(43).

وأمّا الواقع السياسي، فإنّ الإمام(ع) بحكم إقصائه وابتزاز حقه ودفعه فقد نقم على بعض الصحابة، وهذا أمر يقتضيه على أي حال، سواء لحظنا الإمام(ع) كبشر… يغضب ويتألم ويرضى، إذا تعرّض إلى مفارقات كالتي تعرّض لها يوم السقيفة، أو يوم الشورى، أو غيرها وهو صاحب الحق، أو جرأتهم على بيته، وزوجته. أم لحظناه كحجة لله وإمام هدىً يتوقف أداء رسالته على تأكيد مظلوميته، وأنّه صاحب الحقّ المنصوص عليه من النبي(ص)، والمقصيّ عن مقام الإمامة والخلافة، فيبيّن ذلك على الملأ حتى تتم له الحجة على الناس، ويتم إيصال تعاليم الإسلام والنبي(ص) ووصاياه إليهم.

ثم إنّ هذه الخطبة ـ الشقشقية ـ رويت في مصادر كثيرة قبل الشريف الرضي، وكلّها تستمد من مصدر واحد وهو ابن عباس، متفقة في المعنى وإن اختلفت ألفاظها، فلو كان واضعها الرضي لنقلت عن النهج بوجه واحد في جميع المصادر.

وفي معرض دفاع ابن أبي الحديد عن نسبة هذه الخطبة إلى الإمام(ع) ينقل هذه القصة الظريفة، ثم يذكر بعض المصادر قبل عصر السيد الرضي، فيقول:

قال مصدّق(44): وكان ابن الخشاب صاحب دعابة وهزل، قال: فقلت له: أتقول إنها منحولة؟!

فقال: لا والله، وإني لأعلم أنّها كلامه، كما أعلم أنك مصدّق.

قال: فقلت له: إنّ كثيراً من الناس يقولون إنها من كلام الرضيّ.

 فقال: أنَّى للرضيّ ولغير الرضي هذا النَّفَس وهذا الأُسلوب! قد وقفنا على رسائل الرضي، وعرفنا طريقته وفنّه في الكلام المنثور، وما يقع من هذا الكلام في خَلٍّ ولا خَمْر. ثم قال: والله لقد وقفتُ على هذه الخطبة في كتب صُنِّفت قبل أن يخلق الرضي بمئتي سنة، ولقد وجدتُها مسطورة بخطوط أعرفها، وأعرف خطوط مَنْ هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيبُ أبو أحمد والد الرضيّ.

قلت: وقد وجدت أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي(45) إمام البغداديين من المعتزلة، وكان في دولة المقتدر قبل أن يُخلق الرضي بمدة طويلة. ووجدت أيضاً كثيراً منها في كتاب أبي جعفر ابن قِبَة(46) أحد متكلّمي الإمامية، وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب “الإنصاف”، وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي، ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضيّ (رحمه الله) موجوداً(47).

رابعاً: أمّا قضية كثرة الخطب، فإنها كانت قياساً إلى كثرة الدواعي والأغراض، وتراكم الأحداث والظروف السياسية، والعسكرية، والاجتماعية، والأخلاقية، قليلة؛ لأنّ جميع هذه الأُمور تحتاج إلى كلام كثير هو أضعاف ما ورد في النهج من الخطب. وقد ذكرنا روايتي المسعودي واليعقوبي وغيرهما، بأنّ المروي أكثر من ذلك المدوّن في النهج بكثير(48).

خامساً: وأما الإطالة في الكتب، وبخاصة عهد مالك، فهي ضرورة اقتضتها ظروف الحركة التغييرية التي تبناها الإمام(ع)، بعد بروز ظاهرة الفساد الإداري واستهتار الولاة، فأراد الإمام(ع) أن يعهد عهداً، يكون منهاجاً يسير عليه الولاة عموماً، ويُقرأ على الأُمة ليكون شاهداً ورقيباً على تصرفاتهم، وحتى مالك في حنكته وحزمه وتقواه، يحتاج إلى نصح الإمام(ع) وتوجيهه. ثم إنّ هذا العهد الذي يرسم علاقة الحاكم مع القضاة، والقواد، والتجار، والعمال، والجند، والرعية.. لا يسعه إلاّ الإطالة والإسهاب النافع، والبيان الشافي، كما هي الحال في زماننا حينما يُكتب دستور للأُمّة أو تُعيّن وظائف الحاكم.

سادساً: وأما إخباره بالمغيبات، كإخباره عن قيام دولة بني أُميّة وسقوطها، ومصير الخوارج، ومصرع ذي الثدية، وحركة الزنج، وحروب التتار وفظائعهم، وغير ذلك مما أجمع المؤرخون على تحققها وتواتر نقلها. فلا يكفي مجرد التشكيك فيها أو تهويلها لرفع اليد عنها، اللهم إلاّ أن يقال باستحالة الإخبار بالمغيبات في حق الإمام(ع). على أنّه(ع) لا يدّعي ذلك لنفسه، كما صرّح بذلك للرجل الكلبي الذي بادره قائلاً: لقد أُعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب، فأجابه الإمام(ع): ليس هو بعلم غيب وإنما هو تعلّم من ذي علم.

ولا يُستغرب ذلك من الإمام(ع) أو يُستكثر عليه إلاّ من لا يعرف منـزلة الإمام ومقامه، وأنّ النبي(ص) قد اختصّه بعلمه وسرّه وعنايته، كما أخبره(ص) بالمغيّبات على نحو الإجمال، ثم هداه إلى أفضل الطرق التي يعي بسببها تفصيل ما أجمله(ص) له، كإخباره بما سيقع من حوادث ووقائع تجري من بعده، كقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

ثم، من قال إنّه لا يجوز له(ع) أن يخبر عن حوادث تقع في مستقبل الزمان، أخذ علمها عن النبي(ص) عن الله تعالى؟!

وما هو المانع من أن يُطلع الله تعالى على غيبه من ارتضى من الرسل، كما جاء في قوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ[الجن/26 و27]، وأن يأمر بإعلانه للناس لمصلحة ما؟!

علاوة على أنّ في القرآن الكريم إخباراً لكثير من المغيبات والحوادث المستقبلية بين آياته.

وهناك اليوم، وفي ضوء العلم الحديث، محاولات تفسيرية على أُسس علمية للإخبار بالمغيبات، وقد ذهب العلماء إلى وجود قوى خارقة، وملكات نفسية عالية، تستنتج القضايا الاجتماعية من مقدماتها وأسبابها.

وإذا كان الأمر كذلك.. فمن أولى بذلك من عليّ(ع)؟ لما عرفت من تقدّمه في العلم، وسابقته في تقواه، وطهارة ملكاته النفسية، وصفاء روحه وتعلّقها بحضيرة القدس الأعلى…

سابعاً: أمّا موضوع اشتمال النهج على ما لا يتلاءم مع عصر الإمام(ع)؛ لورود ألفاظ مُحْدَثَة لم تكن مألوفة ومستعملة في عصره، ولم يذكرها أهل اللغة، كالأزل، والكيف وغيرها، فإنّه وإن ذكر ذلك الزمخشري(49)، فإنّه غير قادح فيه بعد ورودها في كلام أفصح من نطق بالضاد بعد الرسول(ص)، ولا يُقبل اجتهاد اللغوي في قبال النصّ العربي.

ثم، إنّ لغويين آخرين أسبق من الزمخشري زماناً، وأكثر منه إتقاناً، كأصحاب القاموس والمصباح والمجمع قد ذكروا بعض هذه الكلمات وشرحوا معناها، ولم يدعوا أنَّها محدثة. على أنّ ورودها في نهج البلاغة” دليل قدمها، أُسوة بسائر الكلمات التي يُستدل على قدمها بأبيات من الشعر، أو فقرات من النثر العربي البليغ.

أمّا استعمال بعض الألفاظ بمصطلحات فلسفية أو منطقية، كالحدّ، والعدم، والمعلول وغيرها، فإنّها استُعملت في النهج بمعانيها اللغوية، ولا يقدح فيه نقل المناطقة ذلك في عرفهم، ولا يمنع استعمالها في كلام العرب، ومنهم الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع).

وأمّا التنظير والتفريع والقياس فهو من ذهنية العرب وفطرتهم، وهو موجود في القرآن الكريم، وأحاديث الرسول(ص)، فضلاً عن كلام العرب.

وأمّا ورود بعض الأفكار الفلسفية كدقائق علم التوحيد، وأبحاث العدل، والرؤية، وصفات الخالق وغيرها.. فهذا كلام لا يصحّ؛ لأنّ من يطالع النهج لا يجد فيه نظرية كاملة يحتاج في معرفتها إلى درس واستقراء، حتى يُحتجّ باشتماله على علوم لم تُعرف إلاّ بعد زمن طويل. ثم لو أخذنا بهذا الشكل من التشكيك، لزم أنّ ننكر أنّ جذور علم الكلام الذي ظهرت بوادره منذ نزول القرآن الكريم حين يستدلّ على وجود الخالق، أو نفي الآلهة، وللزم أن ننكر كذلك مواهب الإمام وعلمه الذي هو علم النبي(ص) وتجاربه وعصمته، وأنّه(ع) هو القرآن الناطق.

ثامناً: أمّا أُسلوبه، وما فيه من صناعة لفظية من سجع، وطباق، ومقابلة، وازدواج… فإنّها وإن اشتهرت في العصور العباسية، لكنها ليست مبتدعة في السبك العربي كي يوجب وجودها في النهج الشك في نسبته للإمام(ع). فهذا القرآن الكريم معجزة البلاغة، جاء حافلاً بالمحسنات على أسمى مثال، كسورة الرحمن، والقمر وغيرهما، وهذه خطب الرسول(ص) والخلفاء وكتبهم، بعضها مسجوعة، وقد عقد الدكتور زكي مبارك فصلاً في كتابه “النثر الفني(50) لدراسة أساليب صدر الإسلام، وأورد فيه نصوصاً كثيرة مسجوعة، يُعرف منها حقيقة القول: إنَّ السجع من خصائص العصور المتأخرة، أي من أيام العباسيين.

وأمّا المطابقة والجناس والتقابل من أنواع البديع فهو كثير في القرآن، وورودها في النهج لا يعني بحال أنّه منحول البتة. وتأتي أساليب الإمام منمّقة لا تكلّف فيها ولا عقد ولا التواء.

وما يقال عن الأُسلوب، يقال عن دقّة الوصف، كما في وصفه للطاووس، والخفاش، والجراد وغيرها. ولا يُستبعد صدوره ممن تتلمذ للقرآن الكريم، الذي فيه من دقائق الوصف للحيوانات وغيرها، كما في الآيات التي ورد فيها ذكر النحل، والنمل، والبعوضة، والغراب.

كما أنّ من تتلمذ للقرآن الكريم، الذي فيه من آيات التوحيد الباهرات، وصفات الخالق العظيم، لا يُستكثر عليه أن يأتي بأمثال هذه الأفكار الدقيقة في التوحيد، والعدل، والرؤية، كقوله(ع): من حدّه فقد عدّه.

والصحيح أن يقال: إنّ أُسلوب الإمام(ع) بزّ أُساليب البلغاء جميعاً، ولهذا كان كلامه فوق كلام المخلوقين، ودون كلام الخالق. وما دام أنّ لخطبه ورسائله وكلماته(ع) نظائر في القرآن الكريم، وفي أحاديث النبي الأقدس(ص)، فلا قيمة للتشكيك في صحة ما ورد في النهج الشريف. وما هذه الشبهات إلاّ غارة يشنّها أعداء الإسلام قديماً وحديثاً، وهي لا تقوى على مصادمة الحق والصدق، وقد تصدّى غير واحد من الأعلام على مرّ العصور لدفعها(51).

ولا شك في أنّ الدكتور زكي مبارك كان أكثر إنصافاً حين قال في معرض دفاعه مستخّفاً بمن شكك في نهج البلاغة: الذين نسبوا نهج البلاغة إلى الرضي يحتجّون بأنّه وضعها لأغراض شيعية. فلم لا نقول من جانبنا بأنّ تهمة الوضع جاءت لتأييد خصوم الحملات الشيعيّة!؟(52).

وأخيراً، فإنّ اعتقادنا في كتاب نهج البلاغة وفي جامعه السيد الرضي، هو أنّ جميع ما فيه من الخطب والوصايا والحكم والآداب، حاله كحال ما يُروى عن النبي(ص)، وعن أهل بيته الأطهار (عليهم السلام) في جوامع الأخبار الصحيحة، وفي الكتب الدينية المعتبرة. وإنّ منه ما هو قطعي الصدور، ومنه ما يدخله أقسام الحديث المعروفة. وأمّا مؤلفه وجامعه الشريف الرضي (رحمه الله)، فاعتقادنا فيه بأنَّه منـزّه عن كلّ ما يشين الرواة ويقدح في عدالتهم، وبأنَّه لم ينشئ شيئاً من نفسه وأدخله في النهج، كما أنه لم يُدخل فيه شيئاً يعلم أنه لغير أمير المؤمنين(ع). بل لم يكن كحاطب ليل، فهو لا يروي شيئاً إلاّ بعد التثبت، ولا ينقله إلاّ عمّن يعتمد عليه من الرواة، وأهل السير والتاريخ. فجميع ما في النهج هو من كلام مولانا أمير المؤمنين(ع) على رواية الثقة العدل، ولا دخيل فيه ولا وضع(53).

 

الهوامش


(*)باحث من العراق.

(1) يتيمة الدهر في محاسن العصر، الثعالبي: ج. 3، ص. 155، تحقيق د. مفيد محمد قميحة، الطبعة الأُولى 1403هـ / 1983م، دار الكتب العلمية ـ بيروت.

(2) نهج البلاغة، تنظيم صبحي الصالح: مقدمة الشريف الرضي ص. 36، منشورات دار الهجرة ـ قم.

(3) المصدر نفسه، ص. 35.

(4) مصادر نهج البلاغة، الشيخ عبد الله نعمة: ص. 56، مطابع دار الهدى 1392هـ/1972م.

(5) نهج البلاغة: ص. 35 و36، مصدر سابق.

(6) المصدر نفسه.

(7) المصدر نفسه.

(8) اُنظر مصادر نهج البلاغة: ص. 56 مصدر سابق؛ ومدارك نهج البلاغة، الشيخ هادي كاشف الغطاء: ص. 206 ، منشورات مكتبة الأندلس ـ بيروت.

(9) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج. 7، ص. 298 الأصل (121)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، طبعة دار الكتب العلمية (إسماعيليان) ـ قم، أُفست عن طبعة دار إحياء الكتب العربية (عيسى البابي الحلبي وشركاه) ـ القاهرة 1960م.

(10) المصدر نفسه: ج. 7، ص. 188، الأصل (107)، وهي من خطب الملاحم.

وفي شرح الخطبة التي تليها (108): ص. 218. ، قال أيضاً: إنّ الرضي (رحمه الله) يقتضب فصولاً من خطبة طويلة، فيوردها إيراداً واحداً، وبعضها منقطع عن البعض.

(11) مدارك نهج البلاغة ودفع الشبهات، الشيخ هادي كاشف الغطاء: ص235 مصدر سابق.

(12) نقلنا هذا الثبت للمصادر من كتاب مدارك نهج البلاغة، للشيخ الهادي كاشف الغطاء: ص234؛ وكتاب مصادر نهج البلاغة، للشيخ عبد الله نعمة: ص. 38 وما بعدها؛ وكتاب العذيق النضيد بمصادر ابن أبي الحديد، لأستاذنا الدكتور أحمد الربيعي: ص. 105.

(13 ـ 24) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 18/66، 18/68، 1/204، 19/108، 17/131، 18/74، 2/175، 2/186، 19/305، 18/224، 10/64، تحقيق محمد أبو الفضل، أُفست عن الطبعة اللولى 1378 هـ./1959م.، عيسى البابي الحلبي وشركاه ـ القاهرة.

(25) المصدر نفسه: 6 /398 الأصل (90) الخطبة المعروفة بالاشباح، وهي من جلائل خطبه×؛ الفهرست، الشيخ الطوسي، ص248 رقم 744 تحقيق جواد القيّومي، الطبعة الأُولى 1417هـ، مؤسسة نشر الفقاهة ـ قم، رجال النجاشي، ص. 415، رقم 1108 تحقيق السيد موسى الشبيري الزنجاني، الطبعة الرابعة 1413هـ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم.

(26) المصدر نفسه، 13/18، 19/312.

(27) المصدر نفسه: 17/149، 18/246، 19/99.

(28) المصدر نفسه: 10/76، 18/265.

(29 و30) المصدر نفسه: 18/240، 20/8.

(31) وفيات الأعيان، ابن خلكان: ج.3 ص.313، تحقيق د. إحسان عباس، دار الثقافة ـ بيروت، أُفست عن طبعة دار صادر 1972م.

(32) النثر الفني، د. زكي مبارك: ج1 ص81، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر بالقاهرة فرع التوفيقية، لم تذكر سنة الطبع.

(33) حقائق التأويل، الشريف الرضي: شرح العلاّمة محمد الرضا آل كاشف الغطاء، المطبوع الجزء الخامس من الكتاب ص167 مسألة 18، طبعة دار الكتب الإسلامية ـ قم، أو ص. 287، طبعة مؤسسة البعثة ـ طهران 1406هـ.

(34) المجازات النبوية، الشريف الرضي: ص. 39 ـ 40، تحقيق طه محمد الزيني.

(35) مروج الذهب، المسعودي: ج2 ص417، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد، مطبعة السعادة، مصر 1948م.

(36) مشاكلة الناس لزمانهم: ص. 15.

(37) مجلة المقتطف: المجلد 42، ج. 3، ص. 248 الصادرة في آذار 1913م.

(38) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج. 10، ص. 128 ـ 129.

(39) نهج البلاغة: ص. 74، الخطبة 32، مصدر سابق.

(40) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج. 2 ص. 175؛ وراجع البيان والتبيين، الجاحظ: ج. 2 ص. 56 ـ 58، تحقيق وشرح السندوبي، الطبعة الأُولى 1345هـ / 1927م، المطبعة الرحمانية ـ مصر.

(41) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج. 1، ص. 7.

(42) ميزان الاعتدال، للذهبي: ج. 3، ص. 124، رقم 5827، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الفكر ـ بيروت.

(43) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد ج. 20، ص. 17 ـ 35.

(44) مصدق بن شبيب بن الحسين الصلحي الواسطي؛ ذكره القفطي في إنباه الرواة: ج. 3، ص. 274، وقال: إنّه قدم بغداد، وقرأ بها على ابن الخشاب، وحبشي بن محمد الضرير، وعبدالرحمن بن الأنباري وغيرهم، وتوفي ببغداد سنة (605 هـ).

(45) أبو القاسم البلخي عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي، كان رأس طائفة من المعتزلة يقال لهم (الكعبية)، من آرائه: أنّ الله سبحانه وتعالى ليست له إرادة، وأن جميع أفعاله واقعة منه بغير إرادة ولا مشيئة منه لها. (ت/319هـ)، وفي وفيات الأعيان وفاته (317هـ)، ذكره النديم في الفهرست: ص. 7، تحقيق رضا تجدد، طهران 1391هـ، وقال: كان من أهل بلخ، يطوف البلاد ويجول الأرض؛ حسن المعرفة بالفلسفة والعلوم القديمة… ورأيت بخطّه شيئاً كثيراً في علوم كثيرة مسودات ودساتير لم يخرج منها إلى الناس كتاب تام. وراجع وفيات الأعيان، ابن خلكان: ج. 3، ص. 45 رقم. 330 مصدر سابق؛ الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية، عبدالقادر بن محمد الحنفي: ج. 2، ص. 296، رقم 693 تحقيق د. عبدالفتاح محمد الحلو، مكتبة الإيمان، أُفست عن طبعة مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه 1398هـ ـ القاهرة.

(46) هو أبو جعفر محمّد بن عبدالرحمن بن قِبَة الرازي؛ من متكلّمي الشيعة وحذاقهم، وله من الكتب كتاب الإنصاف في الإمامة. توفي بعد سنة 328هـ الفهرست، الطوسي: ص. 207، رقم 596، مصدر سابق، فهرست النديم: ص. 225، الفن الثاني من المقالة الخامسة، مصدر سابق.

(47) شرح نهج البلاغة: ج. 1، ص. 205.

(48) مروج الذهب، المسعودي: ج. 2، ص. 417، مصدر سابق؛ مشاكلة الناس لزمانهم، اليعقوبي: ص. 15.

(49) أساس البلاغة، الزمخشري: ص. 5، الطبعة الأُولى 1992م، دار بيروت للطباعة والنشر، على مطابع دار صادر.

(50) النثر الفني، زكي مبارك: ج. 1، ص. 75، مصدر سابق.

(51) انظر في هذا المجال: مدارك نهج البلاغة، الشيخ هادي كاشف الغطاء؛ مصادر نهج البلاغة، الشيخ عبد الله نعمة؛ مصادر نهج البلاغة، المحقّق السيد عبدالزهراء الخطيب؛ وغيرها.

(52) النثر الفني: ج. 1، ص. 81، مصدر سابق.

(53) مدارك نهج البلاغة ودفع الشبهات، الشيخ هادي كاشف الغطاء: ص197.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً