أحدث المقالات

قراءةٌ نقديّة في طروحات الشيخ حسن زاده الآملي

السيد قاسم علي أحمدي(*)

ترجمة: السيد حسن الهاشمي

نقد كلام بعض المعاصرين في الدفاع عن أرسطو والفلسفة ــــــ

عمد بعض المعاصرين([1])، في رسالةٍ له كتبها في الدفاع عن الفلسفة والعرفان، إلى ذكر كلامٍ عن العلاّمة الطباطبائي في تفسير الميزان، قائلاً: إنّ سماحته [أي العلاّمة الطباطبائي] قد أصدر مؤخَّراً رسالة موجزة وقيّمة بعنوان «عليّ والفلسفة الإلهية»، وقد قدّم فيها أصلاً في غاية الإتقان والأهمية باسم «الدين والفلسفة». وقد قال في مستهلّ تلكم الرسالة: «حقاً إنه لظلمٌ عظيم أن يفرّق بين الدين الإلهي وبين الفلسفة الإلهية». وهذا كلامٌ كامل صادر عن صميم عرش التحقيق، وقال كل عاقل سمعه: «لله درُّ قائله». أجل، إن الفصل بين الدين الإلهي والفلسفة الإلهية ظلمٌ كبير.

أليس الدين سوى سلسلة من المعارف العقائدية الإلهية التي يتمّ التعبير عنها بالأصول، وسلسلة من المعارف الأخرى الفقهية والأخلاقية التي يعبَّر عنها بالفروع؟

ألم يكن الأنبياء أناساً أرسلهم الله إلى هداية المجتمع البشري إلى الحياة الأسمى، وإلى السعادة الحقيقية؟

ألا تكمن سعادة الإنسان الحقيقية في استثمار نعمة العقل والإدراك التي أودعها الله فيه؛ ليصل إلى كُنْه الحقائق والمعارف كما هي، وأن يعمل بعد الوصول إليها على سلوك طريق العدل والاستقامة في حياته العملية؟

هل هناك من طريق أمام الإنسان لتحصيل هذه المعارف غير اللجوء إلى الاستدلال وإقامة البرهان؟

فإذا كان الأمر كذلك فكيف يجوز على الأنبياء أن يدعوا الناس إلى اعتناق ما يدعونهم إليه بمجرَّد السماع البَحْت، ودون إقامة دليلٍ أو بينة أو برهان، مع أن هذا الأسلوب مخالف لطبيعة الإنسان، وينافي هذه النعمة الإلهية؟([2]).

وقال في موضعٍ آخر من هذه الرسالة: لقد وصف الإمام الصادق×، في حديثه المعروف بتوحيد المفضَّل، أرسطو بالإكبار والإجلال، وأجلَّ كلامه وأكبره، وأثنى على أسلوبه الفكري. وما أكثر الكتب التي نراها، والأشداق التي تفتح، بالإساءة لساحة أساطين العلم، التي يحترمها ويقدّرها حتّى حجج الله وأئمّة الملك والملكوت. إن هؤلاء المتجرِّئين والمتطاولين أقزام يعبِّرون عن جهلهم، ويخبرون عن سوء فطرتهم وسريرتهم.

ثم نقل عن الفاضل الشهروزي في نزهة الأرواح: في الخبر أنّ كل شخص من أهل بيت خاتم الأنبياء يبلغ الكمال يتشرّف على لسان النبيّ بلقب «أرسطوطاليس هذه الأمّة». ثمّ نقل رواية من الكتاب المذكور، وكذلك عن كتاب «محبوب القلوب» للديلمي، أن النبيّ قال: كان أرسطوطاليس نبيّاً جهله قومه.

ونقل عن الديلمي أنه قال بعد هذه الرواية: مما يؤيِّد هذه الرواية ما جاء في كتاب فرج المهموم: «نقل قولاً بأن أبرخاس([3]) وبطليموس([4]) كانا من الأنبياء، وأن أكثر الحكماء كانوا كذلك، وإنما التبس على الناس أمرهم؛ لأجل أسمائهم اليونانية…».

وكأنّ جرأة المتطاولين؛ لسوء ظنّهم بـ (علم الميزان)، يعود إلى تراثهم العريق، حيث صدرت عنهم مقولة (مَنْ تمنطق فقد تزندق)، مع أن منطق العقل الأكمل×، بشهادة الجوامع الروائية، يقول: «تفكُّر ساعة خير عند الله تعالى من عبادة سبعين سنة».

لا يخفى على كلّ ذي مسكةٍ أن هذا هو التفكير المنطقي الذي يتوصَّل إلى إدراك المعقولات من خلال ترتيب المقدّمات وإقامة الأدلة والبراهين.

إن الإجابة عن هذا الكلام من وجوه:

الوجه الأوّل: لا يحتوي كلام الإمام الصادق× في توحيد المفضَّل على إشارة تقول: إنه× قد ذكر أرسطو بالإكبار والتبجيل، أو أنه أثنى على منهجه الفكري.

ولكي نلقي ضوءاً على الموضوع أرى من الضروري ذكر الحديث، وترك الحكم إليكم: «وقد كان من القدماء طائفة أنكروا العمد والتدبير في الأشياء، وزعموا أن كونها بالعرض والاتفاق. وكان مما احتجّوا به هذه الآفات التي تلد [تكون على] غير مجرى العرف والعادة، كالإنسان يولد ناقصاً أو زائداً إصبعاً أو يكون المولود مشوّهاً مبدَّل الخلق. فجعلوا هذا دليلاً على أن كون الأشياء ليس بعمد وتقدير، بل بالعرض كيفما اتَّفق أن يكون. وقد كان أرسطوطاليس ردّ عليهم، فقال: إن الذي يكون بالعرض والاتفاق إنما هو شيء يأتي في الفرط مرّة؛ لأعراض تعرض للطبيعة، فتزيلها عن سبيلها، وليس بمنزلة الأمور الطبيعية الجارية على شكلٍ واحد جرياً دائماً متتابعاً».

وعليه كما تلاحظون فإن جواب أرسطو أعمّ من أن يكون هذا القانون الذي يسود الطبيعة مسخّر لإرادة الله أم لا؟ ولا يُثبت اعتقاد الموحِّدين القائلين بأن كلّ شيء مسخَّر لإرادة الله، وليس مسخّراً لقوانين الطبيعة. وإن أرسطو في هذا الكلام يقول بأن للطبيعة قانوناً ثابتاً، كما لها قواعد قابلة للاستثناء، بمعنى أن أرسطو يرى أن قوانين الطبيعة تجري أحياناً بشكلٍ مستمر، من قبيل: تعاقب الليل والنهار، وتعاقب الفصول، وما إلى ذلك؛ وتارة تحصل دفعة واحدة وبشكلٍ استثنائي، من قبيل: الزلزال والطوفان، وهما من مصاديق القوانين الطبيعية، والتي تجري بطبيعة الحال على خلاف الحالة الطبيعية.

وهذا الكلام لا يُثبِت أن يكون أرسطو من القائلين بأن هذه القوانين الطبيعية تجري على وفق مشيئة الله وإرادته، بل إننا نستطيع من خلال القرائن الخارجية التي تعكس منهج أرسطو أن نثبت أنّه لم يكن يؤمن بعقيدة الموحِّدين، ونستطيع من خلال تلك القرائن الخارجية أن نقول بأن أرسطو في هذا الكلام كان من القائلين بسيادة القوانين الطبيعية على كلّ شيء. وهذا الاعتقاد مخالفٌ لرؤية الموحِّدين.

هذا، وإننا لا نرى في هذا الحديث المرويّ عن الإمام الصادق× أيَّ إكبار وإجلال لأرسطو، أو إمضاءً لمنهجه الفكري بشكلٍ عام، على غرار ما أراد المستدلّ إثباته؛ ليكون في ذلك تصحيحٌ لعقائده وأفكاره. وإلاّ فإنّ تصحيح موردٍ واحد في نصّ الحديث ـ لو سلمنا دلالة الحديث عليه جَدَلاً ـ لا يجدي المستدلّ نفعاً.

وعلى فرض تصحيح منهج أرسطو، والثناء عليه من قِبَل الإمام×، فإنّ المنقول في مدارس الفلاسفة من عقيدة أرسطو يختلف الكثير منه عن مسلَّمات العقل والبرهان والشريعة الحقّة. وعليه كيف يمكن لهذين الشيئين أن يجتمعا؟

وبعبارةٍ أخرى: إننا لو قارنا ما نقل عن أرسطو في التوحيد بميزان البرهان والكتاب والعترة سندرك أن أكثره لا يوافق هذا الميزان، بل يخالفه تمام الاختلاف([5])، من قبيل: القول بقِدَم العالم وما إلى ذلك([6]).

الوجه الثاني: هل يمكن إثبات نبوّة أحد من خلال الروايات والأحاديث الضعيفة والمجهولة وما إليها؟ وهذا من عجائب وغرائب استدلال هذا المستدلّ؛ لأن الخبر المجهول وغير الموثوق لا يصلح أن يكون حجّة في إثبات فروع الدين، فكيف يكون حجة في أصول الدين وإثبات شيء مثل: النبوّة؟!

وقد ورد في تنزيه المعبود: «العجب العجاب أن العرفاء والفلاسفة اعتمدوا في أصول دينهم على الآراء الضعيفة والأدلة الواهية السخيفة و…، واستخفّوا بالأخبار المعتبرة الصريحة الواردة في نفي أكاذيبهم، ويستهزئون بنَقَلة الأخبار والآثار، وأخذوا برمي مَنْ تمسّك في الأصول بالأخبار القطعية والموافقة للفطرة السليمة المستقيمة».

«ومع ذلك تراهم يعتمدون على الأخبار المرسلة المجهولة منها؛ لإثبات مطالبهم الفاسدة، ويصرفون المحكَمات عن ظواهرها إلى تصحيح عبادة الطاغوت، ويستندون إلى المتشابِهات في إثبات مذهب مَنْ قال: إن الله حكم بكفر النصارى، ولعنهم، وطردهم؛ من أجل قولهم بحلوله في عيسى فقط»([7]).

الوجه الثالث: إن الجرأة في إسناد الوقاحة والهراء إلى أساطين الشرع والدين من الذين خالفوا أرسطو، وذكر أسمائهم بالذمّ، أمرٌ لا يخفى قبحُه، بل هو ينافي دعوى العرفان واللقاء والوصول.

وقد غفل المؤلِّف عن أن في هذه التشنيعات جرأة على كبار الدين والمذهب، ومن بينهم: هشام بن الحكم، الذي صنَّف كتاباً في الردّ على أرسطو([8]).

كما ألَّف عليّ بن أحمد الكوفي كتاباً في الردّ على أرسطو([9]).

إنّه لممّا يدعو إلى العجب أن يتصوَّر أن أرسطو كان نبياً، وقد خفي ذلك عن أصحاب الأئمة^ والفقهاء العظام، حتّى صنفوا الكتب والرسائل في الردّ عليه!!

ومن ناحية أخرى ليس هناك من شكٍّ في أن أرسطو كان من الفلاسفة الإغريق. ومع جلالة القدر التي يراها له مؤلِّف هذه الرسالة كيف عمد الفضل بن شاذان النيشابوري ـ وهو من كبار الفقهاء والمتكلِّمين من الشيعة ـ، وكان من أصحاب عدد من الأئمة المعصومين^([10])، وكذلك هشام بن الحكم([11])، والمتكلِّم الخبير الجليل الشيخ عليّ بن محمد بن عبّاس([12])، وغيرهم إلى تصنيف الكتب في الردّ على الفلاسفة؟! وكذلك الأمر بالنسبة إلى الكثير من فقهاء الشيعة، حيث كتبوا الكثير من الكتب في الردّ على هذه الطائفة([13]).

الوجه الرابع: لقد خلط كاتب هذه الرسالة بين المنطق والاستدلال والبرهان وبين مصطلح الفلسفة، فاعتبر التفكير وإقامة البراهين فلسفة، في حين أن مخالفيه إنما يثبتون بالأدلّة والبراهين والفكر والمنطق أن الكثير من أبحاث هذا العلم تعارض التعقُّل والتفكير،وتخالفه مخالفة بيّنة واضحة.

وأما دعوى أن القول بفصل الدين عن الفلسفة ـ الذي اعتبره المؤلِّف المذكور في الحقيقة فصلاً للدين عن الاستدلال والبرهان والدليل العقلي ـ فبطلانه أوضح من أن يكون بحاجةٍ إلى دليل؛ لأننا لو ألقينا نظرةً على تاريخ مَنْ خالف الفلسفة فسوف نجدهم من جهابذة وأساطين الكلام والفقه والأصول، وكانوا يلتزمون في براهينهم بالأدلة الأربعة، ومن بينها: الدليل العقلي. وعليه تكون نسبة إنكار الدليل والبرهان والعقل([14]) إليهم فِرْية عظيمة، وجرأة لا غبار عليها. وقد ذكرنا بعض كلمات كبار الدين في كتابَيْنا([15]).

وبالإضافة إلى ذلك، فإن كلّ اشتباههم يكمن في أنهم قد تصوَّروا أن الاعتراض على علم الفلسفة إنما هو اعتراض على البرهان والدليل العقلي، في حين أنه قد أخطأ خطأ جسيماً عندما ساوى بين الفلسفة والعقل والتعقُّل، مع أن الفلسفة المصطَلحة لا ربط لها بالتعقُّل الصحيح والبرهان والاستدلال. وإننا من خلال الدليل العقلي والبرهاني نثبت أن الفلسفة والعرفان المصطلح مخالفان للبرهان والعقل والوجدان.

وعندما نبحث في موارد افتراق الفلسفة والعرفان المصطلح عن العقل والبرهان والدين الإلهي ندرك أن الفلسفة والعرفان المصطلح في الكثير من المسائل الجوهرية والحيوية الثابتة بالآيات والروايات المتواترة والبراهين العقلية قد جانبا الصواب، وسقطا في مستنقع الأوهام الباطلة.

ولا يخفى أن المقدمات البديهية والمنتجة لليقين في الفلسفة البرهانية في غاية الندرة، بل تكاد تكون معدومة، وخاصّة في باب الإلهيات وقسم من الطبيعيات والفلكيات. والشاهد على ذلك الاختلاف الكبير بين الفلاسفة في جميع المسائل. بل غالباً ما نشاهد تغيير الفلاسفة لآرائهم ومناهجهم وعقائدهم، حيث ينتقلون في مبانيهم من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، فيتبنّون عقائد كانوا ينكرونها بالأمس، ويكفِّرون قائلها، أو ينكرون أموراً كانوا يرَوْن الإيمان بها من قبيل: الإيمان بالبديهيّات والمسلَّمات.

وعليه لو كانت مقدّمات البرهان الذي يؤلف في القضايا الفلسفية بديهية فمن أين ينشأ هذا الاختلاف العظيم بينهم؟ مع أن كافة علماء المنطق يجمعون على أن الذي يورث الاطمئنان من أقسام الأقيسة المنطقية هو البرهان. والبرهان في مصطلح أصحاب الفنّ يطلق على القياس الذي تتشكل موادّه من اليقينيات. وإن أصول اليقينيات عبارة عن: الأوّليات، والمشاهدات، والتجربيات، والمتواترات، والفطريّات. فلو اشتمل قياس البرهان على هذه المواد ستكون نتائجه يقينية لا محالة. ولا يخفى على صاحب المِسْكة أن البرهان المشتمل على مقدمات بديهية منتجة في الفلسفة مثل الكبريت الأحمر، على ما مرَّ بيانه.

وأما تسمية حقيقة التصوّف عرفاناً، وبالتالي اعتبار الاعتراض على ابن عربي والمولوي وأمثالهما اعتراضاً على العرفان، فهو اشتباهٌ كبير وخطأ جسيم. ونحن نحيل الإجابة عن هذا المقال إلى كتاب «تنزيه المعبود». وقد ثبت أن هذا العرفان ليس عرفاناً إسلامياً وشيعياً، بل يمكن التوفيق بينه وبين الوثنيّة والإلحاد أيضاً.

ولذلك فإن نفس مؤلِّف هذه الرسالة([16]) قال في العديد من مواضع كتابه العرفاني بمقاماتٍ ومراتب عجيبة. وبطبيعة الحال فإن هذه هي حقيقة العرفان المصطَلَح أيضاً.

قال مؤلِّف الرسالة المذكورة في شرحه لكلام ابن عربي، القائل: «كان عتاب موسى أخاه هارون لأجل إنكاره عبادة العجل، وعدم اتّساع قلبه لذلك، فإن العارف مَنْ يرى الحقّ في كلّ شيء، بل يراه عين كلّ شيء»([17])، قال: إن غرض الشيخ في هذا النوع من المسائل، في الفصوص والفتوحات وغيرهما من كتبه ورسائله، بيان أسرار الولاية والباطن لأهل السرّ، رغم إقراره بحسب التشريع والنبوة أنه يجب منع جمهور الناس من عبادة الأصنام، كما كان الأنبياء ينكرون عبادة الأوثان([18]).

وقال: إن كلّ ممكن من الممكنات مظهر اسم من أسماء الحقّ، رغم صعوبة قول هذا الكلام وسماعه. بَيْد أن الحقيقة هي أن الشيطان أيضاً مظهر اسم (يا مُضِلّ)!!([19]).

نترك الحكم إلى القارئ، ليرى ما هو الفرق بين عبادة الأوثان ومثل هذه العقائد؟!

وقال: «إن سريان الهويّة الإلهية كلها أوجب سريان جميع الصفات الإلهيّة فيها من الحياة والعلم والسمع والبصر وغيرها كلّيّها وجزئيّها»([20]).

وقال: «إن وحدة الوجود إنْ لم تكن صحيحة فيلزم أن يكون الحقّ تعالى محدوداً»([21]).

وقال أيضاً: «إن التمايز بين الحقّ سبحانه وبين الخلق ليس تمايزاً تقابلياً، بل التميّز هو تميّز المحيط عن المحاط والشمول الإطلاقي… وهذا الإطلاق الحقيقي الإحاطي حائز للجميع، ولا يشذّ عن حيطته شيء… وكون العلة والمعلول على النحو المعهود المتعارف في الأذهان السافلة ليس على ما ينبغي بعزّ جلاله سبحانه وتعالى»([22]).

وإذا أمعنت النظر ستجد أن ما في الوجود ليس سوى الوجوب، والبحث في الإمكان إنما هو لتزجية الوقت([23]).

ربّاه كنت حتى الآن أقول: (لا تأخذه سِنَةٌ ولا نَوْم) وها أنا الآن أرى أنني أنا أيضاً لا تأخذني سِنَةٌ ولا نَوْم([24]).

ربَّاه إني أستحيي من قول السلب والإثبات، فأنا إثباتي. فدَعْ الآخرين يقولوا: أشهد أنْ لا إله إلا الله. ودَعْ الله يقولها حسن.

ربّاه إني أخجل من قول: أنا وأنت، لقد أمضيت عمري بالبحث قائلاً: أين… أين؟ وها أنا الآن أقول: هو… هو([25]).

ولا يخفى فساد هذه الكلمات وما شاكلها ممّا يوجد في كتب هؤلاء على عاقلٍ. إنّه لمن الغريب والمخجل أن يقف شخصٌ بوجه الله تعالى، الذي خاطب سيد الأنبياء ونخبة أصفيائه قائلاً: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ([26])، و﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُو الْعِلْمِ([27])، فيقول أدعياء العرفان: «إن توحيد العوامّ (لا إله إلاّ الله) ([28])، وتوحيد الخواصّ: (لا موجود إلاّ الله).

فهل التوحيد الذي خوطب النبي الأكرم| بمعرفته، والتوحيد الذي يشهد به الله وملائكته، توحيد العوامّ فقط؟!

يا لها من جرأةٍ على الله أن يحتقر الفرد كلمة التوحيد الطيِّبة (لا إله إلا الله)، التي ذكرت على لسان الله بكلِّ هذا التعظيم والتبجيل، حتّى لم يكن هناك ما هو أثقل منها في ميزان الأنبياء والأولياء([29])، واعتبارها من التوحيد العامّي، واعتبار كلمتهم المنحولة (لا موجود إلاّ الله) هي توحيد الأنبياء والأولياء([30]).

الهوامش

(*) باحثٌ في الحوزة العلميّة.

([1]) المعنيّ هو سماحة العلاّمة الشيخ حسن زادة الآملي.

([2]) انظر: حسن زادة الآملي، قرآن وعرفان وبرهان أز هم جدائي ندارند (القرآن والعرفان والبرهان غير قابلة للانفصال عن بعضها): 62.

([3]) Abarhkas.

([4]) Batlamus.

([5]) انظر: كتاب «حكمت وأنديشه ديني» (الحكمة والتفكير الديني): 355 ـ 416، القسم الرابع؛ كتاب نقدي بر فلسفه أرسطو وغرب: 75 ـ 88؛ إلهيات إثبات خدا. فقد ذكر الكثير من الشواهد الموجودة في مؤلفات أرسطو تثبت أنه من خلال متابعته لسلسلة الحركات يصل إلى المحرّك الأول غير المتحرّك، وهو الله. وأما إذا كان المحرّك يوجد الحركة في المتحرّك بشكل مباشر فإنه نفسه سيكون متحملاً للحركة؛ حيث ستكون هناك ردّة فعل من المتحرّك على المحرّك. وعليه فإن المحرّك الأول أو الله سيوجد الحركة في المتحرّك الأول (الفلك) من طريق المحبّة والعشق. والحقيقة حيث إن الفلك عاشق لله، ويروم الوصول إليه، فإنه يعمد إلى الحركة. ومن هنا فإن إله أرسطو لا يقوم بأيّ حركة أو فعل، وإنما يدعو الفلك إلى الحركة من طريق قوّة العشق والعلّة الغائية. يرى أرسطو أن الفعل الوحيد الذي يقوم به الله هو تعقله بذاته، وإن الله لا يقوم بأيّ فعلٍ في العالم، بل ليس له أي علم وإدراك للعالم أيضاً. وعلى الرغم من ذهاب أرسطو إلى الاعتقاد بأن الله أزلي وغير محدود وجوهر وصورة فعلية للعقل، وأكمل موجود، إلاّ أنه في ما يتعلق بوحدة الله أو تكثُّره يقع في التعارض في أقواله، حيث يبدو أنه كان في أوّل أمره موحِّداً، ثمّ أخذ بعد ذلك يتراوح بين الشرك والتوحيد، حتّى أثبت في أواخر عمره خمساً وخمسين إلهاً، أو سبعة وأربعين إلهاً في الحدّ الأدنى؛ إذ طبقاً لعلم الفلك في عصره كان هناك 55 أو 47 نوعاً من الأفلاك أو الحركات، وكلّ واحد من أنواع هذه الحركات ينتهي إلى محرّك غير متحرّك. (انظر: كتاب حكمت وأنديشه هاي ديني ـ بخش خدا در أنديشه أرسطو (الحكمة والفكر الديني، قسم (الله في التفكير الأرسطي): 388).

([6]) إلاّ إذا قلنا بأن أرسطو الذي أثنى عليه الإمام هو غير أرسطو الفيلسوف الإغريقي الشهير.

([7]) تنـزيه المعبود في الردّ على وحدة الوجود: 416.

([8]) رجال النجاشي: 433، رقم: 1164، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

([9]) المصدر السابق: 265، رقم: 691.

([10]) المصدر السابق: 307، رقم: 840؛ معجم رجال الحديث 13: 289 ـ 299، رقم: 9355.

([11]) رجال النجاشي: 433، رقم: 51164.

([12]) المصدر السابق: 269، رقم: 704.

([13]) قال قطب الدين الراوندي: اعلم أن الفلاسفة أخذوا أصول الإسلام، ثمّ أخرجوها على رأيهم… فهم يوافقون المسلمين في الظاهر، وإلاّ فكل ما يذهبون إليه هدم للإسلام، وإطفاء لنور الشريعة، ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون. (الخرائج والجرائح 3: 1061).

وقال العلاّمة المجلسي: إنهم^ تركوا بيننا أخبارهم، فليس لنا في هذا إلاّ التمسّك بأخبارهم، والتدبّر في آثارهم، فترك الناس في زماننا آثار أهل بيت نبيّهم، واستبدّوا بآرائهم؛ فمنهم مَنْ سلك مسلك الحكماء الذين ضلّوا وأضلوا، ولم يقرُّوا بنبيٍّ، ولم يؤمنوا بكتاب، واعتمدوا على عقولهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة، فاتَّخذوهم أئمّة وقادة. ومعاذ الله أن يتَّكل الناس على عقولهم في أصول العقائد، فتحيَّروا في مراتع الحيوانات. (الاعتقادات: 17).

وقال الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة: إن السيرة المستمرة من الأصحاب في تكفير الحكماء المنكرين لبعض الضرورات. (كتاب الطهارة، النظر السادس في بحث النجاسات، في الكافر).

وقال صاحب الجواهر: والله ما بعث رسول الله| إلاّ لإبطال الحكمة. (قصص العلماء: 105؛ السلسبيل، للإصفهاني: 387).

وقال صاحب الحدائق: إن الأصحاب ذهبوا إلى تكفير الفلاسفة ومَنْ يحذو حذوهم… (الحدائق الناضرة، المقدمة العاشرة 1: 128).

فبالرجوع إلى كلمات العلماء والمحدّثين والفقهاء يعلم أنهم لم يذهبوا إلى مقالات الفلاسفة والعرفاء، بل أعرضوا ـ في كتبهم وأقوالهم وأعمالهم ـ عن تلك المقالات. وقد كفَّروا القائلين بقدم العلم والمنكرين للمعاد الجسماني، والقائلين بوحدة الوجود، وغير ذلك ممّا ذهبوا إليه. بل كان أصحاب الأئمّة^ معرضين عن أهل الفلسفة والعرفان. ولذلك كتبوا في الردّ على الطائفتين كتباً كثيرة. ولتصريح الآيات والروايات والأدعية والخطب عن الأئمّة بخلاف مطالب هؤلاء القوم ـ ممّا لا يكاد يُحصى ـ أعرض المسلمون والمؤمنون عنهم في عصر الأئمّة إلى هذه الأعصار. وكانت الطائفتان في كل الأعصار يتّقون من أهل الإيمان، فلا يظهرون مقالاتهم عند عامّة المؤمنين. (تنـزيه المعبود: 221).

([14]) إنّ من المعارضين للفلسفة: العلامة الحلّي، والمقدَّس الأردبيلي، والشهيد الثاني، وصاحب الجواهر، والشيخ الأنصاري، وصاحب القوانين، وصاحب الحدائق، والشيخ جعفر كاشف الغطاء، وغيرهم ـ رحمة الله عليهم أجمعين ـ، فهل يمكن لنا أن ننسب لجميع هؤلاء الأساطين مخالفتهم للبرهان والاستدلال والتعقل؟!

([15]) انظر: تنـزيه المعبود: 448 ـ 664؛ وجود العالم بعد العدم: 15 ـ 47.

([16]) انظر: حسن حسن زادة الآملي، قرآن وعرفان وبرهان أز هم جدائي ندارند (القرآن والعرفان والبرهان غير قابلة للانفصال عن بعضها).

([17]) شرح فصوص الحكم، في الفصّ الهاروني: 437.

([18]) حسن حسن زادة الآملي، ممدّ الهمم في شرح فصوص الحكم: 514.

([19]) حسن حسن زادة الآملي، رسالة إنّه الحق: 288.

([20]) المصدر السابق: 61.

([21]) المصدر السابق: 66 ـ 67.

([22]) حسن حسن زادة الآملي، تعليقات كشف المراد: 502.

([23]) حسن حسن زادة الآملي، ممدّ الهمم في شرح فصوص الحكم: 107.

([24]) حسن حسن زادة الآملي، إلهي نامة، الطبعة الأولى.

([25]) المصدر نفسه.

([26]) محمد: 19.

([27]) آل عمران: 18.

([28]) تعليقة السبزواري على الأسفار 1: 71؛ الحاشية على الشواهد الربوبية: 36.

([29]) روي عن النبيّ الأكرم| أنه قال: «ما قلت ولا القائلون قبلي مثل لا إله إلا الله». (التوحيد: 18، ح1، باب ثواب الموحدين). وعنه أيضاً: «كل جبار عنيد مَنْ أبى أن يقول: لا إله إلا الله». (المصدر السابق: 21، ح9). وعنه: «ما من الكلام كلمة أحبّ إلى الله عزَّ وجل من قول لا إله إلا الله، وما من عبد يقول: لا إله إلا الله، يمدّ بها صوته، فيفرغ، إلاّ تناثرت ذنوبه تحت قدمَيْه كما يتناثر ورق الشجر تحتها». (المصدر السابق: 21، ح14)؛ وعنه: «قال الله جلَّ جلاله لموسى: يا موسى، لو أن السماوات وعامريهن والأرضين السبع في كفّة، ولا إله إلا الله في كفّة، مالَتْ بهنَّ لا إله إلا الله». (المصدر السابق: 30، ح34)؛ وعن أمير المؤمنين عليّ× قال: «مَنْ قال لا إله إلا الله بإخلاصٍ فهو بريءٌ من الشرك». (مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 412)؛ وعن أبي جعفر× قال: «ما من شيء أعظم ثواباً من شهادة أن لا إله إلا الله عزَّ وجلَّ، لا يعدله شيء ولا يشركه في الأمور أحد». (وسائل الشيعة 7: 208)؛ وعنه: «هو [أي لا إله إلاّ الله] خير العبادة». (المصدر السابق: 18، ح2؛ و«ثمن الجنّة». (المصدر السابق: 21، ح13)؛ و«حصن الله جلَّ جلاله». (المصدر السابق: 25، ح22)؛ و«كلمة عظيمة كريمة على الله عزَّ وجلَّ». (المصدر السابق: 23، ح18)؛ و«لا يعدلها شيءٌ». (وسائل الشيعة 7: 210).

فيا لله من سوء الاعتقاد، والزَّيغ عن نهج الرشاد، وصرف الآيات المحكمات عن ظواهرها، إلى تصحيح عبادة الطاغوت، والاستناد إلى المتشابِهات في إثبات مذهبٍ هو أوهن من بيت العنكبوت…!

([30]) تنـزيه المعبود: 134 ـ 140.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً