أحدث المقالات

فتوى واحدة وقراءات عديدة

ـ القسم الثاني ـ

الشيخ أحمد عابديني(*)

ترجمة: السيد حسن مطر الهاشمي

الستر والنظر واكتشاف الملاك

 لو أغمضنا الطرف عن جميع البحوث المتقدمة، وفرضنا جدلاً صحة ما قاله السيد هاشمي نيا، أي أنّ وجوب الحجاب على المرأة وحرمة النظر إليها ولمسها ومصافحتها من الأحكام الثابتة في الإسلام بالقطع واليقين، فإننا نقول: إن نقده للشيخ منتظري لا يخلو من إشكال؛ لأنه في هذه الصورة حصر تغيير رأيه في مثل هذا الحكم بطريقتين، وإليك عبارته:

«الطريق الأول: كشف الملاك وعلة حرمة اللمس والنظر إلى الأجنبية، ثم الحكم بعدم الحرمة في مورد عدم وجود العلة.

 الطريق الثاني: قياس مصافحة الأجنبية على موارد الاستثناء المنصوص في باب النظر إلى الأجنبيات.

 تنويه: لا شك أنه إذ أدركنا العلة المستقلة للحكم الشرعي بوضوح فإن الحكم يترتب على كل موضوع نحرز فيه توفُّر تلك العلة. ولذلك ذهب علماء الشيعة إلى حجية القياس إذا كان منصوص العلة…، إلا أن الإشكال هو أننا لا نمتلك القدرة على تشخيص ومعرفة ملاكات الأحكام الشرعية إلا فيما ندر. وطريقتنا في الغالب للوصول إلى ذلك منحصرة بالنصوص الشرعية».

 إن المراد من عبارة «إلا فيما ندر» غير واضح، فهل المراد منها هو المستقلات العقلية، مثل: قبح الظلم، وحسن العدل، ففي مثل هذه الموارد لا حاجة إلى الاجتهاد واستمراره، فكل عاقل يعرف العدل والظلم، وحسن الأول وقبح الثاني.

 وإذا كان المراد شيئاً آخر فإنه لم يبيِّنه، وعليه لا زلنا نجهل مسألة الحجاب والنظر والمصافحة، فهل هي في رأيه من (الموارد النادرة) أم (الغالبة)؟

 إلا أن المهم هو أنه يسلم بأنه من خلال (إحراز الملاك) يمكن سحب الحكم من موضوع إلى موضوع آخر، فنقول: إذا كان طريق (إحراز الملاك) في الغالب منحصراً بالنص فهل تبقى للاجتهاد فائدة؟ وهل يكون للاجتهاد معنى؟؛ إذ أولاً: إن النصوص التي تصرح بذكر العلة قليلة.

وثانياً: إن القدماء أدركوا ذلك، وقاموا بالتعميم والتخصيص، وبمضي الزمن لم يظهر نصّ جديد، وعليه يجب أن يكون باب الاجتهاد مسدوداً عنده بالكامل.

 ولكن لو أعطينا للفقيه حقَّ قياس بعض النصوص على بعضها الآخر، من خلال النظرة الشمولية لجميع أبواب الفقه، عندها سيتمكن من إحراز الملاكات. ومواردها ليست بالقليلة، بل إنها في الأمور الاجتماعية لا تعدّ من الأسرار، ويمكن اكتشاف ملاكات أحكامها بسهولة، وسنبقي على باب الاجتهاد مفتوحاً.

 لو أمكن للفقيه إحراز طهارة أهل الكتاب من جواز غسل الميت المسلم من قبل الكتابي، أو جواز المتعة بالكتابية، وجواز الأكل من طعامهم، وحمل الروايات العديدة الدالة على نجاستهم على النجاسة العُرْفية والسياسية وما إلى ذلك، فإنه سيكون للفقه والاجتهاد معنى، ولكن إذا اقتصرنا على التصريح بالعلة في النصوص فسيبقى الفقه على مستوى رسالة علي بن بابويه القمي «فقه الإمام الرضا×»، وعلى الناس أن ينظموا حياتهم طبقاً لحياة سكان الأرياف في تلك الأزمنة، وعندها سنغلق طريق الرقي أمام الإنسانية بشكل كامل.

الإمام الخميني والإطلالة المختلفة على الفقه الإسلامي

 ونرى من الجيد التذكير ببعض فقرات خطاب إمام الأمة الخميني الموجَّه للشيخ قديري، جواباً على رسالته التي عارض فيها فتوى الإمام بشأن حكم الشطرنج فقهياً، حيث إنها بمنزلة كلمة الفصل في ما نحن فيه: «… لقد أُصبت بالخيبة من طريقة فهمكم للأحاديث والأحكام الإلهية، فبناءً لما ذكرتم في كتابكم فإن مصارف الزكاة إنما هي للفقراء وسائر الأمور التي تقدم ذكرها، في حين أن مصارفها في عصرنا الحاضر قد بلغت مئات الموارد الأخرى، ولا سبيل إلى إثباتها على رأيكم، أو (الرهان) في السبق والرماية فهو مختص بالنبال والقوس والفروسية وأمثالها مما كان يستعمل في الحروب في الأزمنة الغابرة، ولا يزال الرهان منحصراً بها.

 والأنفال التي أبيحت للشيعة، فيمكن للشيعة في العصر الحاضر أن يستولوا على جميع الغابات، ويقطعوا كل الأشجار، ويقضوا على كل ما من شأنه الحفاظ على سلامة البيئة، فيعرضوا بذلك أرواح الملايين إلى الخطر، دون أن يمتلك أحدٌ الحقّ في منعهم.

 أو المنازل والمساجد التي تسدّ الطرقات، وتعرقل حركة السير، وتسبِّب الزحام، دون إمكان تخريبها وإزالتها، وأمثال ذلك.

 خلاصة القول: إن منهجكم في فهم الأحاديث يتضمّن دعوة إلى القضاء على الحضارة المعاصرة بالكامل، وعودة الناس إلى حياة الأكواخ والخيام والسكن في البوادي.

 وأما في ما يتعلق بسؤالكم حول اللعب بالشطرنج إذا خرج عن القمارية فعليكم الرجوع إلى كتاب «جامع المدارك»، لآية الله السيد أحمد الخوانساري، الذي أجاز اللعب بالشطرنج إذا لم يكن فيه رهن، وأشكل على جميع أدلّة الحرمة»([1]).

 لو أن السيد هاشمي نيا ألقى نظرة عابرة على كتاب «المكاسب المحرمة»، للإمام الخميني، أو كتاب «مصباح الفقاهة» للسيد الخوئي، أو كتاب «دراسات في المكاسب المحرمة»، للشيخ منتظري، لوجد أنهم قد ناقشوا في حرمة شراء وبيع أكثر النجاسات التي وردت الروايات في حرمتها، وأرجعوها إلى عصور لم تكن لتلك النجاسات منفعة محلَّلة، مع أن هذه الروايات لم تصرح بهذه العلة، بل إن الأمر بعكس ذلك، حيث صرح فيها بأن كونها نجاسة، أو كونها ميتة، هو المانع من جواز بيعها وشرائها، إلا أن الفقهاء بعد قراءتهم لنمط تفكير المعصوم×، وحصولهم على الملاكات الحقيقية، قاموا بتوجيه جميع الروايات، حتى أنك قلّما تجد في العصر الحاضر فقيهاً لا يجوّز شراء أو بيع الدم؛ لتزويد مريض يعاني فقر الدم أو ما شاكل ذلك. وهكذا الأمر بالنسبة إلى الكلى وسائر أعضاء الجسم الأخرى، وجسد الميت؛ بغية تشريحة في الجامعات. والنحت والتصوير والرسم وصناعة أنواع الدمى من هذا القبيل أيضاً.

 فهل يذهب السيد هاشمي نيا إلى أنها من (الموارد النادرة)، أم أنها من الموارد الكثيرة؟ أو أنه يناقش في جميع هذه الفتاوى؟

 ومهما كان فإن أكثر هذه الموارد عرضت كاحتمال من قبل فقيهٍ في بداية الأمر، أو ناقش في أدلّتها، ثم أفتى الآخرون فيها. فأيُّ إشكال في أن تكون مسألة الحجاب من هذا القبيل، وأن تحرز ناحية الاحترام فيها، أو تطرح على طاولة النقاش؟ ولا بأس هنا من استذكار نصيحة إمام الأمة المخلصة، التي وجَّهها إلى السيد قديري: «إن نصيحتي الأبوية لكم هي أن تضعوا الله وحده نصب أعينكم، وأن لا تتأثروا بمن يظهرون القداسة من المعمَّمين الجهلة، فإن الإعلان عن حكم الله إذا كان يضر بمقامكم وسمعتكم عند أمثال هؤلاء فمن الأفضل لنا أن نستقبل مثل هذا الضرر بكل فخر واعتزاز»([2]).

 أجل، يحق للسيد هاشمي نيا أو أي شخص آخر أن يقول: «أنا لم أحرز الملاك»، ولكن ليس من الصحيح القول بأن الفقيه يجب عليه عدم إحراز الملاك، أو أنه لا يمكن إحراز الملاك في هذا المورد، أو أن إحراز الملاك يحصل في الغالب من خلال التصريح في النصوص الصريحة، أو أنه لا يمكن إحراز الملاك من بضعة روايات؛ إذ يمكن أن يقال في جوابه: إذا لم يكن للاحترام تأثير في الحكم، وكان تعبدياً بحتاً، فلماذا تُمنَع الأمة من ارتداء الحجاب؟ ولماذا لم يكلَّف أهل الذمة باتخاذ الحجاب؟ ولماذا لا يحرم النظر إلى نسائهم من دون شهوة؟ ولماذا يجوز النظر إلى البدويّات إذا لم يلتزمن بالحجاب؟ ولو كان الحجاب حكماً تعبدياً، ولم تكن ناحية الحق لوحدها هي الملاك، ألم يكن على حاكم الشرع ولجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يرشدوهنّ أو يلقوا القبض عليهنّ؟

 إن المقارنة بين حكم الصلاة أو حكم شرب الخمر ومسألة الحجاب تثبت بوضوح أن في كون الحجاب حقاً كلمة الفصل في ما نحن فيه؛ إذ لو أنكرت جماعة من المسلمين الصلاة، أو أبطلوها بالضحك أو الكلام أو سائر المبطلات الأخرى، أو تجاهروا بالإفطار في شهر رمضان من غير عذر، أو تجاهروا بشرب الخمر، وأصروا عليه، والعياذ بالله ـ فعلى الحاكم الإسلامي أن يردعهم، بل إذا نهاهم أو عزّرهم أو صدّهم ثلاثاً ولم ينتهوا أقام عليهم حكم الإعدام، ولكن لم يرد هذا الشيء في ما يتعلق بمسألة الحجاب، بل ولم يجب الحجاب على غير المسلمات والإماء، بل ومنعن منه أيضاً، واللائي أُمرنَ ولم يلتزمن يُتْرَكن، ولا يعاقبن بالجلد أو الحدّ، بل ويجوز التواصل معهنّ، فلا يواجهن مقاطعة على المستوى الاجتماعي. في حين نجد الشارع يأمر بمقاطعة تارك الصلاة والصوم وشارب الخمر، وعدم التواصل معه، وعدم تزويجه أو الزواج منه، وعدم تلبية دعوته إلى الطعام. وأما (اللائي إذا نهين لا ينتهين)([3]) فلم يأمر الشارع بمقاطعتهن. فما هو السرّ في اختلاف الأحكام هنا؟

إذا كان السبب هو أنهن تنازلن عن حقهنّ، وأن ذلك لا يوجب تقريعاً، أمكن تفسير هذا الاختلاف، وإلا كان على السيد هاشمي نيا أن يجد لنا تفسيراً لذلك.

الشروط اللازمة لإباحة مصافحة الأجنبية، قراءة وتأمّل

 وأضاف السيد هاشمي نيا: «إنما تصحّ فتوى الشيخ منتظري بشرطين: الأول: أن تكون النصوص الشرعية قد صرحت بأن العلة في تحريم النظر إلى الأجنبية ولمسها هي احترامها. والثاني: أن يثبت كون احترامها هو العلة المنحصرة لتحريم النظر إليها ومصافحتها».

ثم قام بنقض هذين الشرطين. ولكن قبل مناقشة النقض نقول: لو كان البناء على ذكر العلة في النصوص بصراحة فأية حاجة تبقى للفقيه؟؛ إذ لو بيّن نصّ قرآني أو رواية صحيحة السند حكماً فلا نحتاج في فهمه إلا إلى مراجعة بعض المعاجم اللغوية؛ لفهم بعض المفردات المغلقة، فيكفي اضطلاعنا باللغة العربية لاستنباط الأحكام الشرعية؛ لأن النصّ يعني الكلام الصريح والواضح الذي لا يقبل عدةّ احتمالات. وبما أن بحث الحجاب والنظر مذكورٌ في القرآن، وهو قطعي الصدور، فلسنا بحاجة إلى مقدمة أخرى لإصدار الفتوى في هذا المجال، إلا إذا أردنا أن نستفيد هذا الحكم من الروايات أيضاً، وعندها لا نحتاج لأكثر من بحث السند، والذي يكون فيه الأفراد مقلدين، ويكفي في ذلك الرجوع إلى معجم رجال الحديث للسيد الخوئي.

وبذلك تتضح الإجابة عن إشكال ونقض السيد هاشمي نيا: «نقض الشرط الأول: لم نجد في الآيات والروايات مورداً واحداً يصرح بأن العلة في تحريم النظر إلى الأجنبية ومصافحتها هي احترامها».

 وكأنه يتوقع التصريح بالعلة، ومع ذلك لابد من الاجتهاد والفحص والتدقيق، في حين أن الكلام المطابق للنصّ ليس اجتهاداً، كما أن الكلام المخالف له اجتهاد في مقابل النص، وهو مرفوضٌ قطعاً.

أجل، ربما يرى أن هذه الأمور قطعية ويقينية، وأنها من المسلمات التي لا تحتاج إلى اجتهاد. إلا أن هذا أمرٌ مرفوضٌ قطعاً، ويثبت بطلانه بأدنى التفاتةٍ إلى الكتب الفقهية والتفسيرية.

 والأهم من كل ذلك ما تقدم من التصريح بالعلة في آيات القرآن الكريم، حيث قال: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}، ونحو ذلك. وعليه إذا تساوى النظر وعدمه أو المصافحة وعدمها لدى شخص؛ لسبب من الأسباب، لا يكون هناك إشكال عليه. فالسفير الذي يستقبل الوفود والضيوف في المحافل السياسية الكبيرة، التي يكون ذهنه فيها مشغولاً بالعديد من القضايا الحسّاسة والمعقَّدة، بحيث لا يمكنه قصد الشهوة، فلا يكون عليه إشكال في المصافحة والنظر؛ لأنّ العلة تعمِّم وتخصِّص.

مناقشة الآية التاسعة والخمسين من سورة الأحزاب

 إنه، وبعد ترجمة الآية، ونقل تفسير مجمع البيان، قال: على المؤمنات أن يتحجّبن كي يمتزن عن الإماء، وقد جاء في تفسير القرطبي: «إن هذا نوع احترام لنساء المسلمين، ولذلك كان عمر يضرب بدرّته أية أمة يراها محجَّبة؛ ليعلم الفرق بينها وبين الحرائر». ثم قال السيد هاشمي نيا: «إلا أن الإشكال هنا في أنه لم يعُدْ هناك إماء في العصر الراهن؛ ليكون حكم الحجاب بدافع احترام الحرائر في قبالهنّ».

 وسؤالنا: هل وجود الإماء وعدمهن يغيِّر تفسير الآية، ويبدِّل الحق إلى وظيفة وتكليف؟ فهل استمر الحجاب إلى ما قبل قرنٍ من زمننا هذا، حيث منع الاسترقاق، في كونه حقّاً للحرائر، ليتحول بعد الحظر إلى تكليف شرعي؟ فهل تؤثر جهود الغرب في تغيُّر الأحكام الإلهية؟

 أيّاً كان الجواب يتضح أنه يذهب إلى كون الحجاب من الأحكام المتغيِّرة، فقد كان يعتبر حقاً في زمان، ثم تحوِّل إلى حكم في زمان آخر، دون نزول آية أو رواية.

 ثم أضاف: «علاوة على ذلك فقد فسرت الآية بنحو آخر، حيث قيل: إن المراد أن تعرف المؤمنات بالستر والصلاح، فيصاب المنافقون باليأس منهنّ، فلا يتعرَّضن لأذاهم».

 وعليه فإن نفس قبول التفسير الآخر وبيانه يثبت أن حكم الحجاب والأمور المتعلقة به لم تكن قطعية مئة في المئة، هذا أولاً.

 وثانياً: إن هذا التفسير لا ينافي التفسير الأول، ولا يحدث إشكالاً أمام كون الحجاب حقّاً أو تكليفاً.

 وثالثاً: إن التفسير بـ (معرفة المؤمنات بالستر والصلاح) يثبت أنهن كنّ بمأمن من مضايقات المنافقين؛ وهذا هو الاحترام، الذي قد يكون صادراً من المنافقين أو من المؤمنة نفسها، حيث تحترم شخصيتها.

 ورابعاً: لقد نقل هذا التفسير عن «الميزان». إلا أن ترجمته غير دقيقة، فلم يرِدْ في «الميزان» كلام حول (يأس المنافقين)، وإنما جاء فيه: «يعرفن أنهنّ أهل الستر والصلاح فلا يؤذَيْن، أي لا يؤذيهنّ أهل الفسق بالتعرُّض لهن»([4]).

مناقشة حديث >عدم احترام الذميات<

 ثم تعرض السيد هاشمي نيا إلى قراءات لفظ (حرمة)، وبيان معانيها اللغوية الكثيرة ومنها: منع الذمة، والهيبة، والصيانة، ثم قال: «يبدو من الأفضل قراءتها على صيغة (حُرْمَة)، بمعنى ما لا يجوز ارتكابه، وأياً كان فمن المشكل الذهاب إلى مساواة الحرمة والاحترام في المعنى».

إذا كان اللفظ يحتمل عّدة معانٍ، لا يمكن الذهاب إلى قطعية أحد المعاني وتقديمه على المعاني الأخرى. وبعبارة أخرى: إن تعدد الاحتمالات في طريقة التلفظ بكلمة أو وجود عدة معانٍ لها يحول دون المصير إلى أحد المعاني. وعليه لا يمكن للسيد هاشمي نيا، ولا للشيخ منتظري، أن يقطع بأن فتواه هي الحكم الإلهي، بل أقصى ما يمكن للفقيه أن يقوله هنا: «هكذا أفهم حكم الله»، وإن هذه الفتوى حجة على من يقلد ذلك المجتهد، ولا يمكنها أن تلزم المجتهد الآخر. وبعبارة أوضح: في موارد انعدام النص، وتوفر الظاهر والاحتمال فقط، لا يمكن أن يقال للمجتهد: لماذا ذهبت إلى هذا الفهم؟ ولماذا كان فهمك مغايراً لفهم الآخرين؟ لأن في العبارة عدة احتمالات، وإن ترجيح أحدها يكون مع الالتفات إلى القرائن والشواهد التي يميل إليها المجتهد خلال عملية الاستنباط.

 وعليه كما دأب المجتهدون في العصور الماضية على أن يفتي أحدهم بوجوب صلاة الجمعة، بينما يذهب آخر إلى حرمتها؛ أو يذهب أحدهم إلى نجاسة العصير العنبي بعد الغليان، بينما يذهب آخر إلى طهارته؛ دون أن يشنِّع بعضهم على بعض، ودون نقل الخلاف إلى الصحف وإذاعته على الناس، فعلينا أن نقوم بالشيء نفسه في ما نحن فيه.

 لو أننا ألقينا نظرة على «مختلف الشيعة»، للعلامة الحلي؛ لنلاحظ هذا الحجم الكبير من الاختلاف في الفتاوى، فهل يرِدُ في ذهننا احتمال أن نكتب أمام كلّ رأي مخالف لرأينا عناوين عريضة في الصحف، من قبيل: (تبرير التهتك تحت ذريعة الفقاهة)، أو (فتوى واحدة والعديد من الإشكالات)؟!

وعلى أية حال فإن فتوى الفقيه عبارة عمّا توصل إليه بحدسه؛ اعتماداً على مجموعة من القرائن، وإن الاستناد المفرط إلى العلل المنصوصة يحول دون الحدس، وإذا غاب الحدس غاب الاجتهاد، ولو كان البناء على وحدة الحدس لما حصل اختلاف في الفتاوى.

 قال الشيخ الأنصاري في بحث عدم حجية الإجماع المنقول بخبر الواحد: إن أدلة حجية خبر الواحد تثبت حجية الخبر إذا كان حدسياً، دون الخبر إذا كان عن حدس، وقال في تأييد ذلك: «ويؤيد ما ذكرناه أنه لم يستدل أحدٌ من العلماء على حجيّة فتوى الفقيه على العامي بآية النبأ، مع استدلالهم عليها بآيتي النفر والسؤال»([5])، أي إن الجميع يقرّ بأن فتوى الفقيه حدسه، وأن مردّ الحدس إلى ذكاء الشخص أو بلادته، وليس إلى ترويج الابتذال وما شاكل ذلك.

الملاك بين العلّة المنصوصة والمستنبطة

 ثم ختم السيد هاشمي نيا نقض الشرط الأول بقوله: «أقصى ما يستفاد من أمثال هذه النصوص هي (العلة المستنبطة)، التي تم الحصول عليها من خلال الظن والاجتهاد، دون (العلة المنصوصة)، ولا يمكن تعميم وتخصيص الأحكام الشرعية بواسطة العلة المستنبطة».

ربما كان في الرجوع إلى رسالة الإمام الخميني للسيد قديري، أو توضيحاتي السابقة، إلقاء للضوء على هذا الجزء من البحث. ألم تكن الفتوى بـ(حرمة الاحتكار في جميع الموارد الضرورية)، التي صدرت عن الشيخ منتظري، ولا زال العمل بها سائداً في جميع مرافق الدولة، من (العلل المستنبطة)؟ ألم تكن فتوى الإمام الخميني بإباحة الشطرنج عند تحقق بعض الشروط من العلل المستنبطة؟ وأساساً هل الفتوى بوجوب إقامة الحكومة الإسلامية من العلل المستنبطة أو المنصوصة؟

 إذا كانت منصوصةً فلماذا لم يعمل بها الفقهاء الآخرون طوال القرون المنصرمة؟ وأين هي تلك العلة المنصوصة؟ وإذا كانت مستنبطة فإن كان أصل العلل المستنبطة مقبولاً فلماذا لا تقبل فروعها؟!

 بالالتفات إلى هذه الموارد، وأن أكثر فتاوى الفقهاء في غير أبواب العبادات من العلل المستنبطة، والمنصوصة هي في ما يتعلق بقسم العبادات فقط، يبدو أنه إما أن يكون المراد من التفصيل بين العلل المستنبطة والعلل المنصوصة في قسم العبادات فقط، أو عدم اتضاح مراد المفصِّلين بشكل جيّد، أو لابد من إعادة النظر في هذه الناحية من أصول الفقه، ويضاف إليها حدس الفقيه واستنباطه القطعي، أو أن نرفع اليد عن الاجتهاد في الفقه، ونغلق باب الاجتهاد والتكامل البشري نهائياً، أو أن نبعد الفقه عن الساحة الاجتماعية، ونحصره بالشؤون الفردية.

 وفي الختام لا بأس بالتذكير بأن العلة المنصوصة في هذا البحث موجودة، وهي أن لا يطمع الذي في قلبه مرض، والحفاظ على سلامة المجتمع من الناحية الأخلاقية. وبكلمة واحدة: إن كل ما يثير شهوة الآخرين فهو حرام. وإن الشيخ منتظري (الفقيه الجليل) قد لاحظ القيود في فتواه، وأجاز المصافحة بشرط عدم قصد الشهوة وعدم حصولها.

النظر واللمس وطهارة الروح

 قال السيد هاشمي نيا: إنه من خلال التمسك بقوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}، وقوله: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ}، واعتبار الإمام الرضا× النظر إلى شعر النساء من موارد إثارة الشهوة، «يتضح أن احترام المرأة ليس هو العلة المنحصرة في حرمة النظر، وإن المصافحة لا تختلف عن النظر من هذه الناحية».

في الواقع لست أدري لماذا تجاهل السيد هاشمي نيا قيود الفتوى التي وضعها الشيخ منتظري، حيث قال: «لا مانع من المصافحة في صورة عدم قصد الشهوة وعدم حصولها»؟ فهل تدل هذه الآيات والروايات على أكثر من هذه القيود؟! فلو كان الله تعالى يريد أكثر من ذلك، أي أن النظر والمصافحة حرامٌ بقول مطلق، لما كان ذكر العلة أو الحكمة ضرورياً، وإنما كان عليه أن يقول مثلاً: «قضاءً من الله»، أو «ذلك بأن الله خالقكم وهو على كل شيءٍ قدير»، أو «ذلك بأن قول الله حقّ، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون»، في حين أنه لم يقل مثل هذه الكلمات. وبعبارة أخرى: إن نفس ذكر هذه الحكمة أو العلة، مثل: طهارة الروح وغيرها، قد فتح باب النقاش في أن المصافح لو كان عارفاً تقيّاً، أو شيخاً طاعناً في السن، أو لا يتأثر بالنظر إلى النساء؛ لما تعوّده من رؤيتهنّ في المجتمع والأفلام وما إلى ذلك، فما هو حكم المصافحة في هذه الحالات؟

 وقد تقدم جوابٌ آخر، وكان عبارة عن أن {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} وأمثاله علّة منصوصة، وكلما توفرت العلة ثبت الحكم، وإذا انعدمت لم يثبت الحكم. وعليه فإن النظر إلى المرأة الأجنبية إذا كان بقصد الشهوة أو حصولها فهو حرام، وهكذا الأمر بالنسبة إلى الصور والأفلام الإباحية، وإن النظر والمصافحة إذا كانا مجردين من قصد الشهوة أو حصولها فجائزان. وعلى ذلك فإن الاحترام ليس بعلّة، بل هو حكمة، وإن العلة هي الحفاظ على الطهر والنقاء، أو عدم إثارة الشهوة، وأمثال ذلك. وبذلك نكون قد أجبنا عن إشكال السيد هاشمي نيا بشكل كامل، واتضح أنه أخطأ في تحديد العلة والحكمة في كلام الشيخ منتظري.

 هل يمكن التفكيك بين المصافحة والشهوة؟

إن تصور رجل يصافح امرأة من دون قصد الشهوة ومع عدم حصولها مجرد أمر افتراضي ذهني ليس له تحقق في العالم الخارجي، بل هو محال عادة. وعليه فحتى لو لم يقصد الشهوة إلا أنها تحصل له على نحو قهري.

 وحينما نجد الإمام علي بن أبي طالب× يمتنع من السلام على المرأة الشابة، معتذراً لذلك بأنه يخشى أن يدخله من الإثم أكثر مما يرجو من حصول الثواب، وهو إمام معصوم، فكيف يمكن افتراض عدم قصد الشهوة أو عدم حصولها بالنسبة إلى الشاب العادي؟!

من المناسب قبل كل شيء أن نستعيد جواب الإمام الخميني للسيد قديري، الذي أشكل على فتواه التاريخية بإباحة الشطرنج، مستبعداً فرضية خروجه عن القمارية والربح والخسارة: «وأما ما ذكرتموه من أنه كيف توصَّل السائل إلى خروج الشطرنج عن القمارية بشكل كامل فهو عجيب منكم؛ لأن الأسئلة والأجوبة غالباً ما تبنى على الافتراضات، وعليه فقد كان جوابي مبنياً على مفروض السؤال، وأما في صورة عدم إحراز الفرض فيجب الامتناع عن اللعب»([6]).

 هناك طرفة يتداولها الطلاب تقول: إن شخصاً سأل أحد العلماء عن حكم البئر ومقدار ما ينزح منه من الدلاء في صورة وقوع الغراب فيه. ولما كان ذلك العالم جاهلاً بحكم المسألة أخذ يتهرب من الإجابة، وقال: إن الغراب حادّ الذكاء، ولا يمكن أن يسقط في البئر، فقال السائل: ما شأنك وذكاء الغراب، أجبني عن سؤالي.

وبعبارة أخرى: إن عدم وجود مثل هذا الشخص، أو أن الشباب شهوانيون، أو أن اللذة تحصل في العادة، ابتعادٌ عن مفروض السؤال، وتهربٌ من الإجابة.

 وعليه ففي فرض عدم قصد الشهوة وعدم حصولها تكون الفتوى بجواز النظر واللمس خالية من الإشكال.

وقفة مع بعض الأحاديث في باب النظر

 ثم عمد السيد هاشمي نيا في القسم الثاني والأخير من نقده المنشور في صحيفة كيهان، بتاريخ الأربعاء 2/ أرديبهشت/ 1382هـ ش، تحت عنوان (عقوبة النظر ومصافحة الأجنبية)، إلى ذكر بعض الروايات، التي سنتعرض لها في ما يلي تباعاً:

1ـ «النظرة الحرام سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة عابرة أورثت حسرة دائمة».

لقد قيد السيد هاشمي نيا (النظرة) بقيد (الحرام)، وأما أصل الرواية فقد وردت خالية من هذا القيد، حيث قال الإمام: «النظرة سهم من سهام إبليس مسموم»، إلا أن هذا القيد معلوم من خلال الالتفات إلى الأدلة الأخرى، فإن نظر الزوج إلى زوجته مباح حتى مع قصد الشهوة، كما يجوز النظر إلى المحارم من دون ريبة. وعليه فالذي يُعدّ من سهام الشيطان هو النظر الحرام، وليس كل نظر.

 والآن نسأل السيد هاشمي نيا: ما هو الدليل الذي يثبت أن النظر إلى غير المحجَّبات وغير الملتزمات داخل في (النظر الحرام)؟ أوَلا ينبغي أولاً إثبات الموضوع، حتى يمكن الحكم عليه بأنه (سهم من سهام الشيطان)؟!

 أجل، إن النظر إلى المسلمات المحجَّبات العفيفات اللاتي يكرهن النظر إليهنّ حرام، ولا ينبغي النظر إليهن، ولكن ما هو الدليل على إلحاق غير المحجبات من المسلمات وغيرهن من موارد بحثنا بالعفيفات المحجَّبات؟! فهل يحجم جنابك عن السير في شوارع إيران، سواء في طهران وغيرها، وهل تنصحون الآخرين بعدم المشي فيها؛ لخروج النساء المتبرِّجات فيها، واللاتي لا مندوحة من النظر إليهنّ، أو أنكم تقولون: «إذا غض الطرف ولم ينظر بشهوة فلا إشكال في ذلك».

 من المستبعد أن تذهبوا إلى القول الأول. وعلى فرض إفتائكم بذلك فسوف لن يعيركم أحد سمعه؛ لأن ذلك سيؤدي إلى اختلال الحياة، وتعريض آلاف الأرواح إلى الخطر.

 وإذا ذهبتم إلى الكلام الثاني ـ وهو الصحيح ـ فهو نفس ما أفتى به الشيخ منتظري، بل وأضاف للمصافحة قيد (عدم حصول الشهوة). وعليه لا يكون الاعتراض والنقد وارداً.

 هذا مضافاً إلى أن مراد الإمام الصادق× في هذه الرواية هو النظر بشهوة؛ وذلك لما تقدم في بيان معنى (النظرة)، وأنها رؤية فاحصة مدقِّقة تختلف عن الرؤية الاعتيادية، ومن جهة أخرى رتَّب عليها (الحسرة الدائمة). وعليه لو فرض أن شخصاً أيقن أن نظرته لا تورث مثل هذه الحسرة؛ لأن المنظورة أقلّ جمالاً من زوجته، أو أنها أكبر سناً منها، أو أنه خبر نفسه وعرف أنه ليس من أصحاب الشهوات، فهل تعدّ نظرته حينئذٍ سهماً من سهام الشيطان؟!

2ـ قال رسول الله’: «من ملأ عينه من امرأة حراماً حشاهما الله يوم القيامة بمسامير من نار».

أـ واضح أن روايات كتاب «عقاب الإعمال» ليس لها سند صحيح، ولا يمكن الاستناد إليها فقهياً لغرض الإفتاء.

 ب ـ لو أنه ذكر صدر الحديث لاتضح أن المراد هي جهة الاحترام والحقّ، فإن الصدر على النحو التالي: «من اطّلع في بيت جاره فنظر إلى عورة رجل، أو شعر امرأة، أو شيءٍ من جسدها، كان حقاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين..»([7]).

 فمن الواضح أن البيت والدار حَرَمٌ، ولا يجوز لأي شخص الإشراف على بيت غيره، وأن ينظر إلى شعر المرأة وجسدها، فإن مثل هذا الشيء يستوجب العذاب الإلهي. ولكن لو أن امرأة خرجت بتلك الهيئة وذلك الثوب من غرفة نومها إلى الشارع، كاشفةً عن رأسها وجسدها، فإن الرواية لم تتعرض إلى حكم النظر إليها في مثل هذه الحالة، بل يتضح وفقاً لمفهوم الشرط عدم استحقاق العقاب لمن ينظر إليها على تلك الحالة.

 ج ـ إن الوارد في هذه الرواية قوله: «من ملأ عينه من امرأة حراماً»، وقد نصب كلمة (حراماً) على التمييز، فلا تكون ترجمة السيد هاشمي نيا، حيث قال: «امرأة أجنبية»، دقيقة؛ إذ لو كان ذلك صحيحاً كان ينبغي جرّ كلمة (حرام) على أنها صفة لامرأة، أو كان ينبغي أن يقول: «امرأة غير ذي محرم»، أو «امرأة أجنبية»، وأما قوله: «امرأة حراماً» فيدل على أن المراد هو رجل ينظر إلى امرأة نظرةً محرَّمةً، أي بقصد اللذة أو الشهوة، أو بنية وصفها للآخرين، وما إلى ذلك. أجل، في حالة اتصاف النظر بالحرمة لا فرق بين أن تكون المرأة أجنبية أو غيرها. وعليه لو نظر شخص إلى أمه أو أخته نظرةً محرَّمةً كان مشمولاً لهذه الرواية، ولو أن شخصاً نظر إلى أجنبية من دون قصدٍ إلى الحرام كان في مأمن من العقوبة المذكورة في هذه الرواية.

3ـ قال رسول الله’ في حديث طويل: «ليلة أُسري بي إلى السماء رأيت نساءً من أمتي في عذابٍ شديد…؛ أما المعلَّقة بشعرها فإنها كانت لا تغطي شعرها من الرجال».

 ألا يفسر هذا العذاب العظيم وجود فساد كبير مترتِّب على ذلك الفعل، أو أنه لمجرد عدم مراعاة الخاطئات من النساء لحرمتهنّ، وامتناعهنّ من ارتداء الحجاب، وتشجيع الرجال العصاة على عدم احترام أنفسهنّ؟!

ليس هناك مَنْ يشكِّك في ضرورة التزام المرأة بمضمون القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، وبالتقيّد بالحجاب بشكل كامل، وليس هناك من يدعو النساء إلى الخروج سافرات، لينظر إليهنّ الرجال الفاسقون، بل حتى لو لم تكن هناك آية أو رواية بهذا المضمون فإن الضرورات الاجتماعية تقتضي سنّ قوانين تحول دون تفشّي الفساد في المجتمع. فكما أنّه لم يرِدْ ذكر لقوانين المرور في القرآن الكريم والسنة الشريفة، إلا أن الضرورة الاجتماعية تقتضيها، كذلك لا كلام في الجملة في كون الحجاب من ضروريات الدين، إلا أنّ الكلام في أنه هل يمكن أن ننسب وجوب الحجاب وحرمة النظر واللمس إلى الله في جميع الموارد والمراتب أم لا؟

 لقد ثبت وجوب الحجاب في آيات القرآن الكريم بوصفه حقّاً للنساء، طالبنَ به، وحافظنَ عليه بشكل كامل، ولم يثبت على نحو الوجوب التكليفي الذي يستحق مَنْ خالفه العذاب الإلهي، بل اتضح أنه حقٌّ وحرامٌ تقتضيه طبيعة المجتمع، فأمر الله به، واستقبلته النسوة بارتياح، فلو دلّ هذا الأمر ونظائره بسند صحيح ودلالة واضحة على العذاب الأخروي كان واجباً شرعياً، وإلا أمكن عدّه ضرورة اجتماعية، أو تقليداً عربياً، أو عادة إنسانية، يمكنه أن يحافظ على نقاء المجتمع وطهارته، وقد أمضاه الشارع المقدس.

وعليه فإن البحث الراهن، والإشكال في سند أو دلالة هذا الحديث أو سائر الروايات، يهدف إلى مناقشة الروايات لفهم الجواب الفقهي، ولا ينفي ضرورة الحجاب أو لزومه في المجتمع.

إن هذا النوع من الروايات، المعروفة بالروايات المعراجية، لم تصل إلينا بأسانيد صحيحة، ولذلك لا يعتمدها الفقهاء في مقام استنباط الأحكام.

 كما ورد في سند هذه الرواية سهل بن زياد. وقد ضعّفه جماعة. ومن جهة أخرى فإن معراج النبي الأكرم’ إنما حصل في مكة المكرّمة قبل الهجرة، في حين أن صدر هذه الرواية يتحدث عن شدة بكاء النبي في المدينة، ولما سئل عن سبب بكائه قال: إن ذلك بسبب رؤيته مجموعة من النساء في العذاب: «عن علي× قال: دخلت أنا وفاطمة على رسول الله’ فوجدته يبكي بكاءً شديداً، فقلت له: فداك أبي وأمي يا رسول الله، ما الذي أبكاك؟ فقال: يا علي، ليلة أسري بي إلى السماء رأيت نساءً من أمتي في عذاب شديد..»([8]).

 ومن الواضح أن زواج علي× من فاطمة÷ قد تمّ في المدينة المنّورة بعد واقعة بدر الكبرى، وأن هذا الحوار قد حدث في الأقل بعد سنتين أو ثلاث سنوات من الهجرة المباركة، فلماذا لم يبكِ النبيّ قبل هذه السنوات الثلاث أو خلالها؟! وعلى فرض صحة هذه الرواية سنداً ودلالة فإنها تثبت أن الحجاب كان تكليفاً على النساء، وعليه لو لم تعمل النساء بواجبهنّ يتضح من روايات الباب 112 و113 جواز النظر إليهن من دون قصد الشهوة، كما يفتي جميع الفقهاء بذلك في ما يتعلق بنساء البوادي، واللائي إذا نهين لا ينتهين. إذاً حتى مع قبول هذه الرواية يمكننا القول بالتفصيل بين كون الحجاب تكليفاً شرعياً على المرأة من جهة، وبين كونه حقّاً لها من جهة أخرى، وفي ما يتعلق بكونه تكليفاً كلما أرادت الخروج من بيتها، واحتملت وجود الأجنبي، وجب عليها ارتداء الحجاب، كما في الصلاة، حيث يجب عليها ستر نفسها حتى مع عدم وجود الأجنبي.

 أما من جهة كونه حقّاً لها فهو بمثابة حريم يضرب حولها، وإن نظر الأجنبي لها في مثل هذه الحالة يعّد انتهاكاً لهذا الحق، فيحقّ لها إقامة الدعوى عليه قضائياً. وعليه إذا أظهرت مفاتنها تكون قد ضيعت حقّها، وإذا نظر إليها أجنبي لا يمكنها الادعاء عليه بشيء.

المصافحة والمفسدة

 ثم أضاف السيد هاشمي نيا قائلاً: «وكذلك الأمر بالنسبة إلى المصافحة، بل كونها ملامسة ليد المرأة، وقد صرح الفقهاء من الشيعة بأنه أقوى في حصول اللذة من النظر، لذلك تترتب عليها جميع المفاسد المترتِّبة على النظر وبدرجة أشد، وقد توعَّد الشارع في الروايات بمعاقبة من يصافح الأجنبية..».

إن عبارته هذه تؤيد رأي الشيخ منتظري؛ لأنها تصرح بأن ملاك لمس الأجنبية والنظر إليها واحد، وهو المفسدة الموجودة في النظر، وإن هذه المفسدة موجودة في اللمس بنحو أقوى. وبعبارة أخرى: إن السيد هاشمي نيا قد توصل إلى ملاك اللمس والنظر لا شعورياً، حيث قال: إن الملاك هو المفاسد الشهوية واللذات الجنسية، وإذا رجعنا إلى فتوى الشيخ منتظري نجد أنه أجاز اللمس والنظر في حالة عدم حصول الشهوة، بل وعدم القصد إليها. وعليه لست أدري كيف يكون هذا الكلام نقداً له، فقد أجاب بحرمة المصافحة إذا كان يترتَّب عليها الكثير من المفاسد، وهذا ما قاله الشيخ منتظري أيضاً.

أما إذا لم يترتب على النظر والمصافحة حصول لذة أو قصد إليها ـ وهو محل بحثنا ومفروض كلامنا ـ فهذا ما لم يتعرَّض له السيد هاشمي نيا من قريب أو بعيد، ولم يذكر له شاهداً من الآيات والروايات، في حين ذهب الشيخ منتظري إلى الجواز.

روايات عقوبة المصافحة، وقفة تأمّل

 وقد تعرض السيد هاشمي نيا بعد ذلك إلى الروايات التي تتوعد المصافح بالعقاب، وهي عبارة عن:

1ـ عن الإمام الصادق× عن آبائه^: «ومن صافح امرأة محرماً عليه فقد باء بسخط من الله عز وجل».

إن هذه الرواية من مناهي النبي الأكرم’، وهي طويلة، وقد نقل في «وسائل الشيعة» ثلاث فقرات منها، وقد تضمنت هذه الفقرات الثلاث نوع المصافحة المحرمة التي تستوجب غضب الله، وأن الحرام منها هي المصافحة التي تكون مصحوبة بقصد الشهوة أو حصولها.

 وإليك الحديث: «ومن ملأ عينيه من حرام ملأ الله عينيه يوم القيامة من النار، إلا أن يتوب ويرجع، وقال: ومن صافح امرأة محرماً عليه فقد باء بسخط من الله عز وجل، ومن التزم امرأةً حراماً قرن في سلسلة من نار مع الشيطان، فيقذفان في النار»([9]).

يتضح من صدر الرواية وذيلها أن المراد هي المصافحة المحرَّمة التي تكون مصحوبة بقصد الشهوة أو حصولها؛ لأن الرواية قد تعرضت في البداية للنظرة المحرَّمة، ثم انتهت بالحديث عن الزنا، وفي كلا الأمرين هناك شهوة وقصد إليها. وعليه فإن المصافحة التي تستوجب غضب الرب من هذا القبيل، وليس فيها إطلاق يشمل كل مصافحة لأجنبية؛ لأن السياق يعد من القرائن التي تحول دون التمسك بالإطلاق. وعليه فإن المصافحة المقرونة بالشهوة تستوجب غضب الله. وهذا ما يلتزم به الشيخ منتظري، وقد خصّ فتواه لذلك بما لو كانت المصافحة خالية من قصد الشهوة أو حصولها.

 أجل، لو أن السيد هاشمي نيا أمكنه إثبات أن هذه المصافحة مطلقة، مع تعزيز سند الرواية، فعندها يكون هناك تهافت وعدم انسجام بين إطلاق الرواية وفتوى الشيخ منتظري.

2ـ قال رسول الله’: «ومن صافح امرأة حراماً جاء يوم القيامة مغلولاً، ثمّ يؤمر به إلى النار».

هذا هو الحديث الرابع من الباب 106، وقد نقل في هامش صحيفة كيهان على أنه الحديث الخامس من باب الخطأ، وهو من روايات كتاب «عقاب الإعمال»، وله سند ضعيف، ولكنه طويل، ذكره صاحب كتاب «وسائل الشيعة» في باب عيادة المريض([10])، ولطوله فقد أرشد إليه في مواطن أخرى، إلا أن نقل هذا الحديث كما ورد في «وسائل الشيعة» يلقي ضوءاً على الحقيقة: «ومن صافح امرأة حراماً جاء يوم القيامة مغلولاً، ثم يؤمر به إلى النار، ومن فاكَهَ امرأة لا يملكها حبسه الله بكل كلمة كلمها في الدنيا ألف عام»([11]).

ومن الواضح أن هناك اختلافاً كبيراً بين مصافحة الأجنبية والمصافحة على نحو محرَّم، والرواية ناظرة إلى الحالة الثانية دون الأولى، ولو كانت ترجمة السيد هاشمي نيا صحيحة لكانت مصافحة الأجنبية حراماً مطلقاً، ولكانت جائزةً بالنسبة للأقارب مطلقاً، في حين أن الأمر ليس كذلك، فإن مصافحة الأقارب، كالأخت والبنت، بقصد الشهوة أو مع حصولها محرمة، وهي من مصاديق مصافحة امرأة حراماً. ومن الواضح أيضاً أنه ليس كل كلام مع الأجنبية حرام. وعليه فالمراد من ذيل الحديث هو الكلام الذي يكون عن شهوة، كما يستفاد ذلك من كلمة (فاكَهَ)، فالمصافحة التي تستتبع عذاباً هي المصافحة التي تكون عن شهوة، وليس مطلق المصافحة.

 ثم نقل السيد هاشمي نيا قصّة اللاتي أسلمن حديثاً، وكيفية بيعتهنّ للنبي الأكرم’: «لما بايع رسول الله’ النساء، وأخذ عليهنّ، دعا بإناء فملأه، ثم غمس يده في الإناء، ثم أخرجها، ثم أمرهنّ أن يدخلن أيديهن فيغمسن فيه»([12]).

ولسنا ندري لماذا نقل السيد هاشمي نيا هذه القصة؟! فهل فهم من فتوى الشيخ منتظري وجوب مصافحة الرجل للأجنبية، وأراد نقضها بفعل النبي الأكرم’؟!

وبعبارة أخرى أوضح: إن الشيخ منتظري يذعن بحرمة مصافحة الأجنبية بقصد الشهوة، وجوازها من دون قصدها، إلا أن الجواز هنا لا يعني الوجوب أو الاستحباب، ولا حتى الإباحة، وإنما مجرد رفع الحرمة، فتبقى في حدود الكراهة أو الكراهة الشديدة.

 وعليه لا ربط لقصة بيعة النساء للنبي الأكرم’ بهذه الفتوى ونقضها؛ إذ ربما كانت مصافحة الأجنبيات مكروهة، ولم يشأ النبي’ ارتكاب المكروه، بل ربما كانت المصافحة مباحة، ولكن ليس كل مباح يتعين على النبي الأكرم’ فعله. وإن تتمة هذا الحديث شاهد على ذلك، حيث قال الإمام×: «فكانت يد رسول الله’ الطاهرة أطيب من أن يمسّ بها كفّ أنثى ليست له بمحرم». هذا ومن الممكن أن تحصل لتلك النسوة لذة عند مصافحة النبي، أو يقصدنها، ولذلك لم يشأ النبي أن يسقطنَ في الحرام.

 أجل، أفاد السيد هاشمي نيا ما فهمه من حديث البيعة على النحو التالي: «إن عدم مصافحة رسول الله’ للنساء عند البيعة لا يمكن أن يكون بسبب احترامهن، بل ربما لم يكن من المناسب عدم مصافحتهن وهنَّ ممَّن نشأنَ في الجاهلية وقد دخلن في الإسلام حديثاً، ومع ذلك امتنع النبي الأكرم’ من مصافحتهن؛ لما يعلمه من المفاسد المترتبة على هذه المصافحة».

أولاً: إن العنوان الذي اختاره هو (عقوبة النظر ومصافحة الأجنبية)، ولم يتضمن حديث بيعة رسول الله’ شيئاً حول العقوبة.

 ثانياً: لم يقل أحدٌ بأن عدم مصافحة النبي كان للاحترام أو عدمه، وإنما الكلام في أن النساء إذا وجدنَ في عدم المصافحة إهانةً لهنّ، ولم يكن في المصافحة مفسدة أخرى، مثل: قصد الشهوة أو حصولها، كانت المصافحة جائزةً، وليست بواجبة.

 وربما لم يكن في ترك المصافحة عدم احترام آنذاك. وربما كان في المصافحة مفسدة للنساء، أو أن مصافحة الأجنبيات ستغدو شائعة فيسيء المفسدون استخدامها، وربما لم يكن لدى النبي وقتٌ لمصافحة جميع المسلمات عند البيعة.

 ومهما كان فإن فعل النبي’ ليس كقوله في وضوح الدلالة، بل يدلّ إجمالاً على إباحة عدم مصافحة الأجنبية، بل وكونه راجحاً، وهذا لا يثبت حرمة المصافحة. ومن جهة أخرى فقد دلّ على أن ترك مصافحة النساء لم يعُدْ بالضرر على الإسلام وتقدُّمه، وإلا فقد دلت سيرة النبي في دعوته، التي امتدت لثلاث وعشرين سنة، أنه قام بكل ما يساعد على تقدُّم الدين، حتى لو كان في اللجوء لمشرك، مثل: (مطعم بن عدي)؛ ليرجع من الطائف إلى مكة دون أن يتعرض له المشركون([13]).

فنقول: إذا كان ترك المصافحة موجباً لسوء الظن بالطرف المقابل، والتشكيك بالإسلام والمسلمين، فعندها تتقدم أهمية تبليغ الدين على كراهة المصافحة.

بيعة النساء للنبي

وإذ وصل بنا البحث إلى بيعة النساء للنبي’ يجدر بنا أن نمر بنظرة عابرة على الموارد التي أخذت فيها البيعة من النساء؛ لتوضيح البحث أكثر فأكثر.

 لقد بايعت المسلمات رسول الله’ على أن لا يشركن، ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهنّ، وأن لا ينسبن ولداً لغير أبيه، وأن لا يعصين النبيّ في معروف.

 ومن الممتع معرفته أن سورة الممتحنة، طبقاً لجميع الآراء في ترتيب النزول، قد نزلت بعد سورة الأحزاب([14]).

 وتأتي سورة الأحزاب بحسب التسلسل على أنها السورة التسعون، وسورة الممتحنة على أنها الحادية والتسعون، فلو كان الحجاب حكماً تكليفياً إلهياً في غاية الأهمية لكان ينبغي الإشارة إليه ضمن البيعات المأخوذة من النساء، في حين أن هذا لم يحدث. وحتى بعد فتح مكة حيث أخذت البيعة من نساء قريش وغيرها كان هذا هو مورد البيعة لا غير([15]).

 وعليه يتعين على أولئك الذين يضربون على وتر ضرورة الحجاب بشكل مطلق، ولا يجيزون حتى النظر من دون شهوة، أو المصافحة من دون اللذة أو قصدها، أن يبحثوا عن إجابة لعدم أخذ البيعة من النساء على عدم ترك الحجاب والمصافحة.

 فقد روي عن عائشة أنها قالت: «والله ما أخذ رسول الله’ النساء قطّ إلا بما أمره الله تعالى»([16]).

 قد يقال: إن النساء كنّ يرتدين الحجاب، ويمتنعن عن مصافحة الأجانب من تلقاء أنفسهنّ، وعليه لم تكن هناك حاجة إلى أخذ البيعة منهنّ على ذلك.

والجواب: إن دراسة تاريخ العرب آنذاك يثبت وجود ذوات الأعلام من النساء المشهورات بالزنا، وقد أخذت البيعة من الكثير منهنّ، وقد كانت ملامسة الرجال للنساء شائعة حتى عصر الصادقين، ممّا يوضح وجود هذا الإشكال في عالم الذهن فقط، وأما في الخارج فقد كانت جميع أنواع الاختلاط بين الرجال والنساء سائدة، حتى جاء الإسلام ومنع بعضاً من تلك الحالات، ومنها: الزنا، والتحديق، والملامسة بشهوة، أما سائر الموارد الأخرى فقد بقيت على أصل الإباحة. وإن تحريم جميع هذه الموارد بحاجة إلى دليلٍ قويٍّ ومستقلٍّ.

هل الأصل الإباحة أو الحرمة؟

 إن مطالعة تاريخ صدر الإسلام تظهر أن الذين أسلموا حديثاً، وحتى ذوي السابقة في الإسلام، كانوا يعاشرون النساء، ويصافحونهن، ويلمسونهن، ثم نزل القرآن، وجاءت بعض الروايات، بتحريم بعضٍ من تلك المعاشرات، وأما سائرها فبقي على الجواز.

 لقد حرَّم القرآن والروايات جميع أنواع الاختلاط بشهوة. وعليه لو لم نعثر على دليلٍ يحرِّم المصافحة والنظر من دون شهوة أو قصد إليها بقيت على إباحتها.

 ثم طرح السيد هاشمي نيا سؤالاً، وأجاب عنه، فقال: «هل يمكن التوصُّل إلى حكم الحرمة من خلال قياس مصافحة الأجنبية على بعض الموارد المنصوصة؟». ومراده: بما أن الروايات أجازت النظر إلى ظاهر كف الأجنبية فربما قاس الشيخ منتظري جواز اللمس عليه.

ثم أشكل وقال: إن فقهاء الشيعة يذهبون إلى بطلان هذا القياس؛ لأن الفتنة في اللمس أشدّ منها في النظر.

ويبدو أن الشيخ محسن كديور تعرض لنفس الاشتباه في تحليله لفتوى الشيخ منتظري، حيث تصور أنه استفاد جواز اللمس من جواز النظر في بعض الموارد.

وقال كديور: «وإن هناك ارتباطاً في الجملة بين النظر واللمس، ويمكن استنتاج حرمة اللمس من حرمة النظر بالأولوية، ولكن يشكل استنتاج جواز اللمس من جواز النظر»([17]).

 إلا أنه احتمل أن يكون فهمه خاطئاً، ولذلك أبقى الباب مفتوحاً، حيث ختم كلامه بقوله: «فتأمل».

 كما تصوَّر الشيخ السبحاني أن الشيخ منتظري توصل إلى حكم المسألة من خلال القياس، فقال: «أما إسراء الحكم إلى اللمس فلا؛ لأنه من مقولة القياس»([18]).

 ونحن نجيب عن كلامه هذا كما ورد بالعربية، ولا نتعرض هنا إلى مباحثه.

وأرى أن طريق تحليل وتوجيه فتوى الشيخ منتظري لا تنحصر بالقياس وفهم الملاك، وإن كنا قد أقمنا الاستدلال في ما تقدم من خلال التعليل على حلّيّة المصافحة بشرط عدم قصد الشهوة وعدم حصولها، حيث ورد النهي في القرآن عن النظر إلى النساء معلَّلاً بكونه {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ} أو {أَزْكَى لَهُمْ}. أو أن علة النهي عن الخضوع بالقول هي الحيلولة دون طمع الذي في قلبه مرضٍ وما إلى ذلك.

 فاتضح من مجموع ذلك أن العلة في وجوب الحجاب، وتحريم النظر، والخضوع بالقول، هي الإبقاء على طهارة القلب، وسلامة المجتمع من الناحية الأخلاقية، وعدم طغيان الشهوة. وبما أن العلة تعمِّم وتخصِّص نستنتج من ذلك أن النظر إلى المحارم، كالأخت والأم، ومصافحتهن، إذا أدت إلى تدنيس القلب فهي محرمة، وإذا لم تؤدِّ إلى تدنيس القلب فهي حلال، حتى لو كانت مع الأجنبيات. ومن هنا يجوز اللمس والنظر في عمليات الإنقاذ من الكوارث والحوادث الطبيعية وغيرها؛ إذ لا يكون الموقف من الالتذاذ أو قصد الشهوة في شيء، فيكون الحكم على القاعدة الأولية.

 وهذا جواب كامل. ولو أن هاشمي نيا والسبحاني وكديور قد سلكوا هذا الطريق لتوصلوا إلى جواز المصافحة بشرط عدم حصول اللذة وعدم قصدها، من دون اللجوء إلى القياس، بل من طريق العلّة المنصوصة([19]).

 وهناك طريق آخر يمكن سلوكه للوصول إلى هذه النتيجة ـ وطبعاً ليس المهم النتيجة التي نصل إليها، إنما المهم أن يكون الطريق الموصل إلى المسألة الفقهية صحيحاً ـ، وهو أن نعثر على القاعدة الأولية في هذا المورد، ثم ندرس الأدلة المخالفة لها، وبعدها نقوم بإدراج الأمور المشكوك بها تحت القاعدة الأولية، ونسري حكمها إليها.

ولتوضيح الفكرة من خلال مثال نقول:

 في بحث الطهارة والنجاسة يتم التأسيس لقاعدة أولية باسم الطهارة الذاتية والأولية للأشياء، ويقال: إن القاعدة الأولية هي طهارة كل شيء، ثم يتمّ إخراج أمور من تلك القاعدة مثل: البول، والدم، والمني، وما إلى ذلك بالدليل القطعي، وأما بالنسبة إلى بعض الموارد التي يكون الدليل فيها ناقصاً، أو يحتمل الوجهين، كما في عرق الجنب من الحرام، أو العصير العنبي المغلي، فبما أن الدليل على نجاستها ليس قوياً نذهب إلى عدم ثبوت خروجها من القاعدة الأولية العامة، فتكون طاهرة.

 وهكذا الأمر في ما يتعلق بالحلال والحرام، فالقاعدة الأولية هي حلية وإباحة جميع الأمور، إلا ما خرج بالدليل القطعي. ومن ثم هناك في هذه الموارد، مضافاً إلى قاعدة الطهارة، أصل الطهارة، وهو يأتي بعد القاعدة بمرحلتين. وإن موارد استعمال هذا الأصل في الموضوعات كثيرٌ جدّاً. فمثلاً: تقوم القاعدة الأولية على طهارة كل شيء، وقد أقيم الدليل على نجاسة بول ما يحرم أكل لحمه، وخرج من عموم القاعدة، ثم يشكّ في سائل، ولا يعلم ما إذا كان بول ما يحرم أكل لحمه أو يجوز أكله، فالذي يجري هنا هو أصل الطهارة، وليس قاعدة الطهارة.

 وعليه نقول: إن القاعدة الأولية في محل بحثنا ـ أي العلاقة بين الرجل والمرأة ـ تقوم على الحلية، وأن الرجال والنساء كانوا أحراراً في التردد على بعضهم البعض وإقامة الحوار فيما بينهم، بل وحتى أن يقيموا العلاقات الجنسية، ثم جاءت أدلة خاصة فمنعت بعض الموارد. فمثلاً: حرم القرآن إقامة العلاقات الجنسية مع المحارم بشكل صريح لا يقبل اللبس، قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ و…}. وعليه حرم الاستمتاع الجنسي في هذه الموارد بعقد أو غيره، كما حرمت الأدلة الأخرى الزواج من المتزوِّجات {المُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء}. وهناك آيات منعت من النظر إلى المؤمنات بشهوة، واتضح بتنقيح المناط تحريم جميع النظرات والعلاقات الجنسية، في جميع الظروف، ومع كل الأشخاص، إلا على الزوجين، بعيداً عن أعين الناس. ثمّ بقي النظر والارتباط بلا شهوة من دون دليل على حرمتها، أو أن الأدلة الموجودة ناقصة، فتكون؛ طبقاً للقاعدة الأولية، باقيةً على حليتها. وإن على من يدّعي الحرمة أن يلتمس دليلاً لها.

 ذهب الشيخ السبحاني، في ص4 من كتيّبه «مصافحة الأجنبية المسلمة»، إلى أن الأصل الأولي يقوم على الحرمة، دون أن يقدم توضيحاً لذلك، رغم أنه كسائر الفقهاء يذهب إلى أن الأصل الأولي والقاعدة الأولية في الأشياء تقوم على الطهارة والحلّية. فيكون صدور هذا الكلام منه غريباً.

 بل إن الأصل على أنّ لكل رجل تمام الحق في النظر إلى جميع الأمكنة، إلا ما منع منه الشارع، كالنظر إلى العورة، والتجسس على ما في داخل بيوت الآخرين، وأما النظر إلى النساء فلم يحظر بشكل مطلق، بل الممنوع منه تلك النظرة الشهوانية التي نظر بها الشاب في المدينة إلى تلك البنت، حتى غاب عن وعيه، وضرب وجهه بمسمار كان معلَّقاً في جدار، فجرى الدم منه دون أن يشعر به، ولم يعد إلى رشده وصوابه إلا بعد أن غابت تلك المرأة([20])، فحُرِّم بقوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (النور: 30)، وأما سائر أنواع النظر الأخرى فبقيت على أصل الإباحة.

 وقد ذهب السبحاني إلى أن النظر إلى الآخرين مثل حفظ الأرواح والأموال والأعراض، فإذا كان من هذا القبيل فهو نفس الاحترام الذي أفتى الشيخ منتظري في ضوئه.

 كما ذهب إلى أن حكم النظر إلى المرأة بمنزلة حكم اللحم المشتبه، وبيع الأوقاف، ولا يخفى أن الأصل الجاري في اللحم هو أصالة عدم التذكية، وفي بيع الأوقاف أصالة الحبس. في حين لا وجود لمثل هذه الأصول في محل بحثنا، أو أنه أو غيره في الأقل لم يثبت ذلك، وإذا أرادوا إثبات مثل هذا الأصل فليس من طريق سوى حقّ المرأة، أي أن من حق المرأة أن ترفض النظر إليها، وإنما يثبت لها هذا الحق فيما إذا سترت نفسها، وأما تلك التي لا تستر نفسها، وترجو أن يُنظر إليها، فلا يثبت لها أصل الحرمة، كالذي يعرض عن ماله، ويبيحه للآخرين ويضعه تحت تصرفهم، فكما أنه لا يجب الحفاظ على ماله في هذه الحالة كذلك إذا تجرَّدت المرأة من ثيابها، أو رغبت في أن ينظر إليها، لا يجب غضُّ الطرف عنها.

 أجل، هناك فرقٌ، فإن المال المعرَض عنه يجوز للآخرين التصرُّف به بجميع أنواع التصرفات، وأما بالنسبة إلى المتجرِّدة من ثيابها فلا يجوز النظر إليها أو لمسها بشهوة؛ للأدلة والتعليلات الكثيرة الواردة في القرآن الكريم، وأما سائر الأمور الأخرى، ومنها: النظر واللمس بدون شهوة، فهي باقية تحت أصالة الإباحة. وعلى فرض وجود بعض الأدلة المجملة يمكن التمسك بالقاعدة الأولية.

وفي ما يلي نتعرض لمناقشة أدلة حرمة مصافحة الأجنبية.

أدلة حرمة مصافحة الأجنبية ومناقشتها

1ـ دليل الأولوية

إذا كان النظر إلى الأجنبية محرماً فإن لمسها ومصافحتها محرَّمٌ بالأولوية.

المناقشة

 يجب في قياس الأولوية توفُّر جميع أركان القياس، وأن يكون الملاك في المقيس أقوى منه في المقيس عليه. فمثلاً: حينما يقال: {لا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} تثبت حرمة ضربهما بالأولوية.

 وفي بحثنا يحرم النظر إلى جميع أجزاء جسد الأجنبية بشهوة، فيحرم لمس جميع هذه المواضع بشهوة من طريق أولى، إلا أن كلامنا في المصافحة بدون شهوة ولذة، وبما أنه لا يوجد عندنا دليل على حرمة النظر من دون شهوة فلا يمكن التمسك بالأولوية لإثبات حرمة اللمس دون شهوة.

 وبعبارة أخرى: لا وجود لقياس الأولوية بالنسبة إلى الكفين، وذلك لجواز النظر إليها من دون شهوة. وفي موارد الجواز لا وجود للأولوية.

 نعم، لو قلنا بأن النظر إلى المواضع التي تسترها المرأة حرام حتى من دون قصد الشهوة يمكن أن نستنتج حرمة لمسها حتى من دون قصد الشهوة، ولكن هذا غير المصافحة.

 ولو قال شخص بحرمة النظر إلى كفّ الأجنبية حتى من دون شهوة تثبت حرمة المصافحة بالأولوية، إلا أن الروايات المتضافرة وفتاوى الفقهاء على جواز النظر إلى الكفَّين. إن الآية 31 من سورة النور لا توجب ستر الكفين على المرأة، فإذا جاز النظر إليها لا يكون هناك طريقٌ لإثبات حرمة المصافحة من دون قصد الشهوة.

2ـ الروايات التي تمنع مصافحة الأجنبية صراحة

 1ـ مصحَّحة أبي بصير، عن الإمام الصادق×: قلتُ له: هل يصافح الرجل المرأة ليست بذات محرم؟ فقال: لا، إلا من وراء الثوب([21]).

 2ـ موثَّقة سماعة بن مهران، قال: سألت أبا عبد الله× عن مصافحة الرجل المرأة؟ قال: لا يحل للرجل أن يصافح المرأة، إلا امرأة يحرم عليه أن يتزوّجها، أخت أو بنت أو عمة أو خالة أو بنت أخت أو نحوها. وأما المرأة التي تحل له أن يتزوجها فلا يصافحها إلا من وراء الثوب، ولا يغمز كفّها([22]).

 3ـ في قصة بيعة النساء مع الرسول الأكرم’ سألت أم حكيم رسول الله: يا رسول الله، كيف نبايعك؟ فقال: إنني لا أصافح النساء([23]).

المناقشة

 إن الحديث الثالث ليس فيه أدنى دلالة على حرمة مصافحة الأجنبية، سواء بقصد الشهوة أو من دون قصدها؛ إذ لا دلالة كلامية في الفعل، فصحيح أن النبي الأكرم’ قال: «إنني لا أصافح النساء»، ولكنه لم يبين العلة في ذلك، وهل أن عدم مصافحته ناشئٌ من الحرمة، أو الكراهة، أو عدم وجود وقت لدى النبي، أو لأن النسوة كنّ يقصدن الشهوة من وراء مصافحة النبي؟ فلم يتضح لنا أيُّ واحد من هذه الأسباب.

 وأما الحديثان الآخران فإن من الإشكالات عليهما أنهما صادران عن الإمام الصادق×، في حين أن حكم النظر إلى المرأة ولمسها ليسا من الأحكام التي لم تطرح في صدر الإسلام، وأريد تأسيسها في عصر الإمام الصادق×، بل إنها من المسائل التي صدع بها الإسلام منذ ظهوره، وقد نزل القرآن حول النظر إلى النساء وحجابهن، فكيف حدث أن جهل رجال عظام وفقهاء كبار، مثل: أبي بصير وسماعة، ولم يدركوا حكم المسألة حتى بعد مضي مئة عام من نزول القرآن بشـأنها، فأخذا يسـألان الإمام عن جواز المصافحة أو عدم جوازها؟!

 فلو كانت المصافحة حراماً، وكانت حرمتها من البديهيات، لما كانت هناك ضرورة للسؤال عن حكمها، وإنما يعقل أن يصب تساؤلهما عن مقدار ما في ذلك من الإثم، أو شرائط الضرورة فيها، كما لم يتساءل هذان الفقيهان ولا غيرهما من الفقهاء عن حكم الخمر أو القمار. إذاً لابد أن يكون لتساؤلهما وجوه أخرى، كالمصافحة بقصد الشهوة، أو التي تحصل بها الشهوة، وشاهد ذلك أن الإمام الصادق× عقَّب ذلك بقوله: «ولا يغمز كفّها»؛ لما في الغمز من إثارة للشهوة، خلافاً للمصافحة العابرة والعاجلة.

 وربما حمل نهي الإمام عن مصافحة النساء على الكراهة، دون الحرمة؛ وربما كان السؤال عن مصافحة المسلمات، أو اللاتي لا يرغبن في مصافحتهن؛ وربما كانت أوامر الأئمة الأطهار^ ونواهيهم في مثل هذه الموارد من قبيل: الأنظمة التطبيقية لمفاهيم القرآن الكريم وسنة النبي الأكرم’.

توضيح الكلام الأخير

 إن القرآن الكريم بمنزلة الدستور، وإن كلمات الأئمة الأطهار بمثابة الأنظمة التطبيقية. فمثلاً: قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (التوبة: 103)، وقال النبي الأكرم’: «إن الله جعل في أموال الأغنياء للفقراء ما يكفيهم»([24]).

 ثم بيَّن النبي الأكرم’ والأئمة الأطهار^ وجوب الزكاة في تسعة أشياء، وعفوا عن سائر الموارد([25])، فكان عملهم هذا بمنزلة النظام التطبيقي لآية القرآن المتقدمة.

 وهناك آية في القرآن تمنع من الصوم في السفر([26])، وآية أخرى توجب على المسافر قصر الصلاة([27])، ولكن مَنْ هو المسافر؟ حدَّد النبي ذلك بمسيرة يوم، وحدد الأئمة الأطهار مصداق اليوم بثمانية فراسخ، مما يعدّ نظامه التطبيقي. وهناك آية توجب إطعام عشرة مساكين من أوسط الطعام كفارةً لحنث القسم، وقد بيّن الأئمة مقدار ذلك بسبع مئة وخمسين غراماً (مدّاً) من الحنطة.

 وفي عصرنا الحاضر يعدّ سبعة من الذين تجب عليهم الزكاة، وهم الذين يملكون (الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، والبقر، والغنم، والإبل)، من الذين يحتاجون إلى دعم الدولة، في حين تجب الزكاة على الأغنياء فقط، وعليه فإن الأنظمة التطبيقية قابلة للتغيُّر.

 وفي عصرنا، حيث تطوي وسائط النقل السريعة الفراسخ الثمانية في بضع دقائق، قد يتغيّر النظام التطبيقي بشأن هذه الفراسخ الثمانية.

وفي زماننا، حيث ارتفع متوسط الطعام بمقدار كبير عما كان عليه في عصر النبي الأكرم’ والأئمة الأطهار^، فإن مدّاً من الحنطة لا يكفي في الكفّارة. كما أن مصاديق الاحتكار في عصرنا تتجاوز الأمور الأربعة. وإن عرض طريق المارّة قد تضاعف عشرة أو عشرين ضعفاً عما كان عليه في السابق، حيث يحدد بمترين ونصف أو ثلاثة أمتار ونصف.

 ولذلك يحتمل أن يكون ترك مصافحة النساء والتكلُّم معهن نظاماً تطبيقياً لأحكام النظر والحجاب الواردة في القرآن الكريم، مع الالتفات إلى التعليل المذكور من كونه أطهر للقلوب، وكان الإمام الصادق× على علم بشهوة الأفراد، وما عليه العرب في تلك الصحراء الملتهبة من قوة الشهوة، فوجد مفسدةً في مصافحة النساء، فإذا ما قارنا ذلك بعصرٍ يكون فيه الشباب فاتر الشهوة، قد قضت على شهوتهم كثرة الأفلام، أو الأجواء السياسية التي يعيشها السفراء، التي تحول دون قصدهم للشهوة أو حصولها، فإن تلك النظم التطبيقية قد تخضع للتغيير.

 كما يمكن إقامة بعض القرائن على هذه الحقيقة. فمثلاً: في تلك الأزمنة كان عقد قران الفتيان والفتيات يتمّ بمجرد وصولهم إلى سن البلوغ، في حين تجاوز الزواج بين الشباب في عصرنا الحاضر سنّ الثلاثين، برغم أن طرق إثارة الشهوة في الوقت الراهن أكثر بكثير مما كانت عليه في الماضي.

 وإن بلوغ الفتيات كان يقدر في العام التاسع، في حين تظهر علائم البلوغ، ومنها: الطمث، حالياً بعد تجاوز الفتاة الثالثة عشرة من العمر.

 ومهما كان لا يمكن التمسك في قبال حكم الإباحة، القائم على القاعدة الأولية، بروايتين مفعمتين بالإشكالات، ولا يمكن الخروج عن مقتضى القاعدة بسببهما. وعليه إذا كانت مصافحة الأجنبية مصحوبة بالشهوة أو قصدها فإنها محرمة؛ طبقاَ للتعليل القرآني، وإلا فلا يمكن الحكم بالحرمة.

 وعليه فإن المدعوّين لحضور المراسم السياسية، أو السفراء، الذين يفاجأون باستقبال العديد من النساء والرجال الذين جاؤوا لمصافحتهم، لو كان بإمكانهم لبس القفازات فبها، وإلا فليس هناك إشكال في مصافحة الجميع على نحو سريع وعابر؛ لعدم قصد الشهوة، كما أن العجالة تحول دون حصول اللذة. وعليه يكون الشيخ منتظري قد راعى في فتواه كافة الشروط المأخوذة من القرآن والسنة.

تنويه

من الواضح أنه في صالات الحفلات الشبابية والسينمات والملاهي وغير ذلك مما تقصد لطلب الشهوات، وتحصل فيها الشهوة من خلال النظرات والمصافحات ليس هناك من دليل على إباحة النظرات والملامسات. وإن البحوث السابقة غير ناظرة إلى إباحة الأعمال المنافية للشرع، سواء في الداخل أو الخارج.

ونتيجة السؤال الثاني وجواب الشيخ منتظري عنه: «إنه لا محذور من مصافحة المرأة التي لا تؤمن بالحجاب مع عدم قصد الشهوة وعدم حصولها».

وقفات مناقشة مع السيد هاشمي نيا

 لقد انتقد السيد هاشمي نيا هذه الفتوى، واعتبرها ناشئة إما من قياس الأولوية، ولا يمكن جريانه في ما نحن فيه؛ أو القياس العادي، الذي لا يجيزه فقهاء الشيعة.

 ولكن ربما عملت بحوثنا المتقدمة على تنقيح البحث بشكل يمكن معه العثور على طريقين أساسيّين لهذه الفتوى:

 1ـ إن العلة المنصوصة في القرآن، وهي قوله تعالى: {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} وأمثال ذلك، وبما أن العلة تعمِّم وتخصِّص يكون النظر إلى المحارم من دونهما حلال، شريطة أن لا تعتبر المرأة هذا النظر تجاوزاً على حقوقها. وكذلك فإن مصافحة المحارم بشهوة حرام، ومصافحة غير المحارم من دون شهوة وريبة جائزة، بشرط عدم اعتبارهنّ المصافحة تجاوزاً لحقوقهن.

 2ـ أصالة إباحة الأشياء، واحتياج حظرها إلى دليل.

 لقد حرم النظر واللمس بشهوة وخرج من العموم، كما حرم النظر واللمس الذي يعد تجاوزاً على حقوق النساء، إلا أن النظر واللمس إذا لم يكن بريبة أو قصد شهوة، ودون أن يكون تجاوزاً على حقوق النساء، فلا إشكال فيه، ولم نعثر على ما يحرمه، فيبقى على حليته؛ طبقاً لقاعدة الحلية.

 فلو أن السيد هاشمي نيا قد دخل من أحد هذين الطريقين لأصبحت المسألة شفافة وخالية من الإشكال.

ونتيجة السؤال الثالث وجوابه: «إن العرف هو الذي عليه المعوَّل في تحديد الضرورة العرفية في النظر والمصافحة».

 وفي هذه الفتوى عدة إشكالات:

 الأول: لا شك في حرمة النظر إلى جسد الأجنبية، وترتفع هذه الحرمة عند الضرورة، كسائر المحرمات الشرعية الأخرى. والمراد من الضرر هو تعرُّض المكلَّف إلى خطر أو مشقة شديدة لا يستطيع تحملها، بحيث يخشى معها على نفسه أو جسده أو عرضه أو عقله أو ماله، وعندها يباح له، بل يجب عليه، ارتكاب الحرام، أو ترك الواجب، أو تأخير أدائه عن وقته المحدَّد؛ بغية دفع الضرر، وهذا هو مقتضى القاعدة الفقهية الشهيرة «الضرورات تبيح المحظورات». والإشكال أنه لا وجود لمثل هذه الضرورة في فرض السؤال، غاية ما هنالك أن تلك السيدة التي لا تؤمن بالحجاب وفروع الدين سوف يتعكَّر مزاجها، ويخدش إحساسها المرهف، وتقطع أواصر الصداقة! فهل يعد ذلك ضرورة تبيح ارتكاب الحرام؟! هذا إذا تجاوزنا مسألة الغالبية الاحتمالية التي تنزع إلى التدين، فإن كان للمرأة أدنى شعور اجتماعي ـ سواءٌ آمنت بالحجاب أو أنكرته ـ فإن عليها احترام معتقدات الأكثرية، وأن لا يبلغ بها الجهل والأنا حدّاً تعتبر فيه عدم مصافحتها وعدم النظر إلى مفاتنها انتهاكاً لحرمتها الشخصية.

لقد نقلنا عبارة السيد هاشمي نيا بأكملها؛ لأننا لم نفهم سبب هذا الاعتراض والنقد، وربما توصل القارئ الكريم إلى فهمه بشكل أفضل، أو أن يبادر هو بنفسه إلى توضيحه.

 وإن الإشكال الذي يحول دون فهمنا لعبارته يبرز من عدة جهات:

 1ـ إن الأسئلة والأجوبة التي ناقشها السيد هاشمي نيا لم تتعرض للضرورة، ليقال: ما هو ملاك الضرورة؟ إلا أنه يعلم جيداً أن ملاك الضرورة في جميع الموارد الفقهية إما هو عرف المحل، أو هو الشخص المضطر نفسه، ولا يتخذ غير ذلك ملاكاً عندهم، حتى لو كان من عرف المتشرِّعة.

 فمثلاً: في بحث عدم التمكن من الوضوء، الذي يبيح التيمُّم، المرجع فيه نفس الشخص. وكذلك في ما يتعلق بالمريض الذي يحرم عليه الصوم الملاك هو تحديد الشخص نفسه. وفي بحث الخمس في ما يتعلق بتوفير مؤونة السنة يكون المعول وضع الشخص نفسه. وكذلك في تحديد مهر البنت قبل سنّ الزواج يكون المعوَّل عليه هو عرف المحل. وفي ما يتعلق بالاضطرار إلى أكل الميتة ونظائره فإن الملاك هو وضع الشخص. وفي ما يتعلق ببحث النظر وموارد الاضطرار للمريض في مراجعة الطبيب ونظائر ذلك يكون العرف هو الملاك. فلماذا لا يكون هذا العُرْف ملاكاً في ما نحن فيه؟!

 فلو فرضنا بطلان الفتوى السابقة للشيخ منتظري حول جواز المصافحة، إلا أن بطلان تلك الفتوى لا ربط له ببطلان أو صحة فتواه اللاحقة، ولذلك من المناسب التذكير هنا بتحذير القرآن، حيث يقول: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة: 8).

 ويا ليته قام بمثل ما قام به الشيخ السبحاني من عدم الخوض في بحث السؤال الثالث وجوابه.

 2ـ إن الذي سأل الشيخ منتظري إما أن يكون قد تصور أنه يجيز المصافحة عند الضرورة، فاستفهم عن المراد من الضرورة، أو أنه كان ناظراً إلى الاستفتاء وجوابه، الذي طرح بتاريخ 28/2/1381هـ ش، أي قبل هذا الاستفتاء بحوالي سنة ونصف. وقد تعرض الشيخ منتظري آنذاك إلى (الضرورة العرفية)، مما أثار استفهام السائل عن تحديد ملاك ومعيار تلك (الضرورة العرفية)، وعندها نتساءل: لماذا بادر السيد هاشمي نيا إلى تفسير هذه الضرورة دون أن يأخذ بنظر الاعتبار خلفية السؤال، وأن الاستفتاء الجديد لم يتعرَّض للضرورة العرفية، فرأى أن استياء المرأة وقطع علاقتها مع الآخرين لا يعدّ ضرورة مبيحة للنظر والمصافحة، وحصر الضرورة بما لو تعرض الإنسان لخطر أو مشقة شديدة يخشى معها على نفسه أو عرضه أو عقله أو ماله؟!

 وإننا لو راجعنا سؤال الطالب الجامعي بتاريخ 28/2/1381هـ ش يتضح أن الضرورات التي ذكرها السيد هاشمي نيا موجودة في الاستفتاء، وقد أجاب الشيخ منتظري على مفروض ذلك الاستفتاء وما تضمَّنه من تلك الضرورات. وإليك ذلك السؤال:

نُشر مؤخَّراً استفتاءٌ منكم حول مصافحة الرجل للأجنبية، فكانت هناك إبهامات في ما يتعلق بالمرأة المسلمة، وسؤالنا:

 1ـ لو أن المسلمة كانت تؤمن بفروع الدين، من الصلاة والصيام وأصل الحجاب و…، ولكنها كانت تعيش في أجواء تسودها ثقافة خاصة، تعتبر أن الرجل إذا كلمها ولم ينظر إليها (نظرة من دون ريبة) أو يصافحها فذلك إهانة لها، فما هو حكم النظر إليها ومصافحتها في هذه الحالة؟

 2ـ ما هو الحكم بالنسبة للمرأة التي لا تؤمن بالحجاب؟

 3ـ مَنْ هو الذي يمكنه تحديد الضرورة العرفية في ما يتعلق بالنظر والمصافحة؟

 فهل تعدّ حالات وهن الإسلام والنظام الإسلامي والبلاد؛ بسبب ترك المصافحة، من الضرورات العرفية؟!

 ألم يكن الإمام الراحل ومؤسِّس الثورة الإسلامية يرى الحفاظ على الإسلام والنظام الإسلامي أهمّ من الحفاظ على الصلاة والحج، فلو أن ترك المصافحة أو النظرة عاد بالضرر على المصالح الوطنية، ولو جزئياً، ألا يكون ذلك ضرورة تبيح مصافحة الأجنبية من دون ريبة؟!

 لو قلتَ: إن ترك المصافحة والنظر لا يضر بمصالحنا لقلنا:

 أولاً: لا بد من الرجوع في هذا إلى ذوي الاختصاص. وعلى نحو الإجمال فإن مجموع الأعمال السيئة تؤدي إلى سقوط العملة الإيرانية، بحيث بلغ سعر الدولار الأمريكي حالياً أكثر من ألف تومان، في حين كان سعره في بداية انتصار الثورة لا يتعدى ستّة تومانات.

 ثانياً: إن السؤال قد افترض وجود مثل هذه الضرورة، وكان الجواب طبقاً لهذا السؤال.

 3ـ قال السيد هاشمي نيا: «أقصى ما هنالك أن تلك السيدة سيتعكر مزاجها، وإحساسها المرهف، وتنقطع أواصر الصداقة!! فهل يعدّ ذلك ضرورة توجب إباحة الحرام؟!».

 إن هذا يبدو من إسفاف القلم، فإننا نعلم من جهة أن لكل إنسان كرامة، وأن الإمام علي× قد تألّم لذميّة، ورأى من الجدير للمرء أن يموت كمداً لذلك، ومن البعيد أن يجيز إيذاء مسلمة من دون سبب وجيه. ومن جهة أخرى فإن السيد هاشمي نيا افترض فسق تلك المرأة، وأنها تقيم علاقة صداقة مع رجل (ربما كان فاسقاً أيضاً)، وعليه نقول:  إن الفاسق لا يسأل عن المسائل الشرعية، ولا ينتظر فتوى الفقيه، بل يرتكب ما هو أكبر من المصافحة.

 4ـ تحدث السيد هاشمي نيا من جهة أخرى عن المجتمع الذي يحتوي على مختلف النزعات والاتجاهات، إلا أنه بعد ذلك بسطر انهال على تلك السيدة بسيل جارف من الكلمات السلبية، من قبيل: اتهامها بالجهل، والأنا.

 في حين أن المجتمع المتعدِّد ذو طرفين، فكما يتعين على تلك السيدة احترام عقيدة المسلمين فعلى المسلمين أيضاً احترام مزاجها وتقاليدها ومذهبها. وهذه المسائل هي التي تحدد الضرورات العرفية، يعني أحياناً تتوفر الظروف والمناخات التي توضح للآخر بأن هذا الأمر ممنوع في الشرع الإسلامي الذي ندين به، ولكن في أحيان أخرى لا يتوفر مثل هذا المناخ، كما لو كان لتلك المرأة أصدقاء في المدرسة أو جيران يعتبرون عدم مصافحتها إهانةً لها أو لهم.

 وعليه فإن مدح التعددية يقتضي الالتزام بتبعاتها أيضاً.

 إذاً أية فكرة ستحملها السيدات الإيرانيات من اللاتي لا يلتزمن بالحجاب في الداخل والخارج عن الإسلام وإيران فيما لو قرأنَ هذه العبارات المفعمة بالإهانات؟ وهل تحمل الفتيات اللاتي يبلغن من العمر تسع سنوات إلى العشرين سنة الحقد علينا وعلى ثورتنا من تلقاء أنفسهنّ، أو أن هذه الكلمات هي التي تزرع الحقد في نفوسهنّ؟!

تتمة أقوال السيد هاشمي نيا

«الثاني: إن تحديد الضرورة ليست من شؤون العرف، بل المعوَّل فيها على العقل والعقلاء، فلو حكم العقل بلزوم دفع الضرر، أو عجز العقلاء عن تحمّل ذلك الضرر، فعندها يجوز ارتكاب الحرام وترك الواجب، دون حاجة للرجوع إلى عرف المحل».

 ولم أفهم كلامه هذا أيضاً، حيث قال في بدايته: «إن تحديد الضرورة ليست من شؤون العرف»، ثم قال في نهايته: «لا حاجة في الرجوع إلى العرف»، فلم يتضح الأمر، وهل لا حاجة لنا إلى حكم العرف أو أن تحديد العرف ليس بحجة؟

أجل، لو كان مراده (إن العقل إذا حدد الضرورة لم نعد بحاجة إلى تحديد العرف) كان كلامه صحيحاً. ولكن لو لم يحدد العقل الضرورة وحددها العرف، فهل يتعيّن علينا تجاهل تحديد العرف؟!!

 فمثلاً: لو أن شخصاً انقطع في الصحراء، وبقي فيه رمق، وقد بلغ به حدّ الاضطرار إلى أكل الميتة عرفاً، لا عقلاً، فهل يصدق عليه الاضطرار أو لا يصدق عليه ذلك، فلا يجوز له أكل الميتة؟

 وفي بحث الاضطرار إلى الكذب لا تشترط الروايات عدم التمكن من التورية، فيجوز الكذب للمضطر حتى مع التمكُّن من التورية بينما لا يُعدّ المتمكِّن من التورية مضطراً إلى الكذب عقلاً([28]).

 وعليه لا بد من القول: لو حدّد العقل أو الشرع الضرورة كان حكمها متَّبعاً، ولكن عند سكوتهما، وتحديدها من قبل العرف، يكون حكم العرف هو المتَّبع.

 هذا مضافاً إلى أن المراد من العرف هو في الغالب حكم العقلاء فيه، وليس العرف المتسامح. ولم يتضح سبب رفض السيد هاشمي نيا لحكم العرف أولاً، ثم قبوله لحكم العقلاء. في حين أن الشيخ الأنصاري لا يرى فرقاً بين حكم العرف وحكم العقل، ويراه مرتبة من مراتب العقل([29]).

إذاً فالرجوع إلى الاستفتاء الأول، الصادر بتاريخ 28/2/1381هـ ش، يثبت أن السائل قد حدّد ضرورة عقلية وعقلائية، وقد صاغ السؤال على أساس ذلك.

 «الثالث: لو سلمنا أن العرف هو الملاك في تحديد الضرورة، إلا أنه إنما يكون كذلك إذا كان من أقسام (العرف الصحيح)، الذي لا يحلِّل حراماً، ولا يحرِّم حلالاً؛ لعدم حجية العرف الفاسد عند فقهاء الشيعة…».

 وهنا أيضاً لم يتضح مرادهُ؛ فإن كان مراده مثلاً أن شهادة الخمّارين على ضرورة شرب الخمر عرفاً فاسدة، كان كلامه صحيحاً؛ وذلك لأن أصل شرب الخمر حرام في الإسلام، ولكن لو ذهب هؤلاء الخمّارون إلى ضرورة امتلاك كل أسرة وقوداً للطبخ عرفاً فلا يمكن الذهاب إلى بطلان كلامهم هذا لمجرد كونهم من الخمارين.

 وعليه لا يصح كلامه على إطلاقه. فلو أن جماعة من الجامعيين المنغمسين في أنواع المفاسد بسبب المناخ الغربي الذي يعيشون فيه، ذهبوا إلى ضرورة مصافحة الأجنبية، لا بسبب الأجواء الفاسدة، بل للحفاظ على العلاقات السياسية والثقافية، كان تحديد هذه الضرورة العرفية من النوع الصحيح دون الفاسد.

 ويبدو أن المتشرِّعين الذين يستفتون الفقهاء من أولئك الذين يجب اعتبار آرائهم. وإن فساد المجتمع لا يعني فساد جميع أفراده. مضافاً إلى أن فساد شخص في جهة من الجهات لا يعني فساده في سائر الجهات الأخرى بالضرورة.

ومن ناحية أخرى فإنه أخذ التعبير بالعرف الصحيح والعرف الفاسد من كتاب «الأصول العامة للفقه المقارن»، للسيّد محمد تقي الحكيم. كما نقل العبارات التالية له، في حين أن السيّد الحكيم يذهب إلى أن (لعبة الشطرنج) من الأمثلة على العرف الفاسد([30]). هذا وإنّ فتوى الإمام الخميني في هذا الخصوص ليست بخافية على أحد. وعليه يمكننا التوصل إلى أن العرف ليس قابلاً للتغيُّر فحسب، بل يمكن للأعراف بلحاظ الصحة والفساد أن تكون قابلة للتغيُّر أيضاً، وذلك راجع إلى فتوى الفقيه.

«إن فقهاء الشيعة لا يرون العرف أصلاً في قبال الأصول، بحيث يمكن الاستناد إليه في مقابل الأدلة الشرعية».

إنه نقل هذا الكلام عن كتاب «الأصول العامة للفقه المقارن»، للسيد محمد تقي الحكيم، ولا ربط له بموضوع بحثنا أبداً. وإن الشيخ منتظري لا يعتبر (العرف) أصلاً من الأصول ولا يجعله في قبال الأدلة الشرعية، وإنما يترك تحديد صغريات الأحكام إلى العرف. وهذا هو رأي الآخرين أيضاً. وإن كان هناك اختلاف فهو حول اعتبار عرف عصر النص أو العرف الراهن، وأمثال ذلك، دون أصل العرف. ثمّ إن هذه العبارة بحاجة إلى توضيح؛ إذ ليس لها ظاهر صحيح. وإن السيد محمد تقي الحكيم قد قسَّم مجالات العرف إلى ثلاثة أقسام:

 1ـ استكشاف الحكم الشرعي في دائرة ما لا نص فيه، كعقد الفضولي.

 2ـ تحديد بعض المفاهيم التي ترك الشارع أمرها إلى العرف، مثل: لفظ (الإناء).

 3ـ تحديد مراد المتكلم، كما في دلالات كلامه الالتزامية.

 فمثلاً: لو قال الشارع بطهارة الخمر بعد صيرورته خلاً يتضح بالدلالة الالتزامية طهارة الإناء وما حوله.

 ثم قال: إن العرف في هذه المجالات الثلاثة لا يعدّ أصلاً في ذاته في قبال سائر الأصول، «فمثلاً: لو قال الشارع بعدم طهارة ما حول الإناء لا يمكن أن يقول العرف بغير ذلك». ثم أوضح قائلاً: إن العرف إنما يمكن نسبته إلى الشرع في المجال الأول، إذا عاد إلى إقرار أو إمضاء السنة (التي تعد واحدة من الحجج)، إذاً فالحجة هي السنة التي يقرّها الشارع أو يمضيها؛ لأن العرف لا يوصلنا إلى القطع بالحكم الشرعي، وإنما يحصل القطع من طريق إقرار الشارع وإمضائه، والإمضاء إنما حصل لأحكام عرفية خاصّة، ولم يقم على أصل العرف.

ومن باب المثال: نجد الشارع قد أمضى ما يقوم به العرف من عقد الفضولي، ولم يمضِ سائر الأمور الأخرى التي يقوم بها العرف، كما توهم بعضٌ، وأما شأن المجالين الآخرين، وهما: تحديد المفاهيم، وتشخيص المراد من كلام المتكلم، فينحصر في تحديد السنة من جهة الحكم أو الموضوع. وقد تقدم أن قلنا بأن كل ما يتعلق بتشخيص صغريات مسائل الأصول لا يدخل في بحوث الأصول (الفقه)…. وعليه لا يصح قول من قال: «إن العرف شريعة متقنة»، أو «إن تعيين العرف كتعيين النصّ»، أو «إن الثابت بالعرف كالثابت بالنص»([31]).

المناقشة

 يتضح من مجموع كلماته أنه لا يختلف مع رأي الشيخ منتظري، حيث قال «الملاك هو عرف المحل»، بل ويؤيِّده أيضاً؛ فإن السيد الحكيم قد توجه بكلامه إلى الذين يقدمون العرف ويقفون بوجه النص، ويرون العرف شريعة متقنة، في حين أن الشيخ منتظري لا يذهب إلى ذلك، وإنما قد فهم علة الحكم الشرعي في ما يتعلق بالسؤالين المتقدمين، وقد أفتى في ضوء فهمه للعلة وتعميمها، وفي ما يتعلق بالسؤال الثالث الذي يتحدث صغروياً عن كيفية تحديد الضرورة فقد توصل إلى كون عرف المحلّ هو الملاك، والكلّ يذعن بأن تحديد الموضوعات والصغريات ليس من شؤون الشرع والفقه، و«تعيين الموضوع ليس من صلاحيات الفقيه».

 وقد قال السيد الحكيم نفسه في هذا الصدد: «أما المجالان الآخران فلا يزيد أمرهما على تشخيص صغريات السنة حكماً أو موضوعاً، وقد مضى القول منا: إن كل ما يتصل بتشخيص الصغرى لمسألة أصولية فهو ليس من الأصول في شيء».

إذاً هو في الواقع بصدد بيان البحوث المتعلِّقة بأصول الفقه، والبحوث المتعلقة بغير أصول الفقه، وإن تحديد الصغريات، مثل: كيفية التعرُّف على (الضرورة)، لا يرتبط بأصول الفقه.

 فهل هناك ربطٌ لهذا الكلام بموضوع بحثنا؟! ولماذا نقل السيد هاشمي نيا هذا الكلام عن السيد الحكيم في ما نحن فيه؟!

 ولو أن السيد هاشمي نيا قد أمعن النظر في العبارة التي نقلها لاتضح له عدم ارتباطها ببحثنا. فقد قال: «إن فقهاء الشيعة لا يرون العرف أصلاً في مقابل الأصول التي يمكن الاستناد إليها تجاه الأدلة الشرعية».

ونحن نسأله: هل تحدّث الشارع عن الضرورة، وطرق تحديدها، حتى لا يكون العرف أصلاً في قبالها؟!

هذا، وهو يعلم جيداً أننا قد تعلَّمنا منذ القدم أن ألفاظ الكتاب والسنة تحمل على معانيها العرفية، وقد ورد لفظ (الضرورة) و(الاضطرار) في القرآن والسنة مراراً وتكراراً، وعليه لا سبيل لنا إلى معرفة المراد منها إلا بالرجوع إلى العرف.

ولكن أيُّ عرف هو الملاك الذي يتعين علينا الرجوع إليه؟ هل هو عرف زماننا أو زمان نزول الوحي؟

 هنا لا بد أيضاً من التفصيل؛ ففي ما يتعلق بفهم مراد المتكلم لا بد من الرجوع إلى العرف في زمن المتكلم ليتضح معنى اللفظ؛ وأما في ما يتعلق بتحديد مصاديق ذلك المعنى فلا بد من الرجوع في كل زمان ومكان إلى عرف ذلك الزمان والمكان. فمثلاً: في تحديد معنى الاستطاعة، والغنى والفقر، والمسكنة، والضرورة، واختلافها عن الاضطرار في القرآن، فلا بد من الرجوع فيها إلى عرف عصر النبي’.

 وأما ما هو الضروريّ للمكلَّف؟ ومتى يكون مستطيعاً؟ فلا بد من الرجوع فيه إلى العرف الراهن؛ فإن لتقدّم الزمان وطبيعة الأفراد وقابليتهم تأثير في تعيين المصاديق.

 ففي الأزمنة الغابرة إذا تجمع مقدار من الماء في حفرة في الصحراء، وامتلأت أطرافها بفضلات البهائم حتّى تغيَّر لونها ورائحتها، فإنهم مع ذلك كانوا يعتبرون الماء متوفِّراً، فكانوا يشربون منه، ويتوضأون، ويغتسلون؛ وإذا كان عند أحدهم حمارٌ، وكان قادراً على تحميله بالخبز الجافّ، عُدّ مستطيعاً، ووجب عليه الحج؛ وهكذا. أما حالياً فيعد ذلك الماء فاسداً، ومليئاً بالمكيروبات، ومضرّاً بالصحة، وإن الذي يتمكن من مثل هذا الماء يعدّ كفاقده، ويجب عليه التيمُّم بدلاً من الغسل والوضوء، ولو أصابه العطش لم يشرب من ذلك الماء حتى لو أشرف على الهلاك، في حين أنهم في تلك الأزمنة والأمكنة كانوا يشربون ذلك الماء باختيارهم، ويجدونه عذباً.

 وإن الذي يعجز عن شراء بطاقة الطائرة، ولكنه يتمكن من خلال استغراق المدة الطويلة، وتحمل الكثير من المعاناة عن طريق البر والبحر، من الوصول إلى مكة غيرُ مستطيع. كما أن العرف لا يراه مستطيعاً أيضاً. إذاً يختلف تعيُّن المصاديق باختلاف الأزمنة.

 مثال آخر: إننا نراجع العرف والكتب اللغوية لمعرفة معنى الميزان والسراج وغيرهما، إلا أن مصاديق هذه الأمور تختلف باختلاف الأزمنة، حيث يطلق الميزان على الموازين الرقمية، ومقياس درجات الحرارة، كما يطلق على الميزان ذي الكفّتين؛ ويطلق السراج على المصابيح الحديثة، كما كان يطلق على المشعل، والفانوس.

 والحاصل أن الملاك في تحديد مصاديق الضرورة هو عرف هذا الزمان. وإذا اختلف العرف باختلاف الأمكنة كان عرف كل مكان هو المتَّبع في تحديد ضروراته.

 أجل، ربما كان السيد هاشمي نيا والدكتور صادقي الطهراني قد التفتا إلى المسألة التالية، أو أنهما قد غفلا عن مسألة، فلا يخلو بيانها وإيضاحها من فائدة.

 قال الدكتور الطهراني: «إن الضرورة العرفية لا ترقى إلى حكم الضرورة الشرعية أبداً، وذلك لأن الضرورة العرفية ليست مطلقة، فقد يعد الأمر ضرورة عند بعض الأفراد، ولا يعد ضرورة عند غيرهم».

وهنا: تارة يسـأل الشخصُ الفقيهَ عن حكمه ووظيفته؛ وتارة أخرى يسأل عن حكم المجتمع.

ففي الحالة الأولى يكون ملاك تحديد الضرورة والاضطرار هو الشخص نفسه، كما دلت روايات باب المريض الذي يسوغ له الإفطار في شهر رمضان، حيث أرجع الأئمة الأطهار^ تحديد ذلك إلى المكلف نفسه، فقالوا: «هو أعرف بنفسه»، أو «إن الإنسان على نفسه بصيرة».

 وأما في ما يتعلق بحكم المجتمع، وذلك فيما لو حصل جدب ومجاعة مثلاً، فهل يجوز للجزّارين والقصابين توزيع لحم الميتة أو الحيوانات المحرَّمة على الناس؛ بغية أكلها، فهنا يجيب الفقيه بأن الاضطرار والضرورة ربما اقتصرت على بعض الأشخاص، وأن الاضطرار لم يعم الجميع، حيث إنه لا يصير إلى إصدار الفتوى طبقاً للحكم الثانوي إلا إذا اطمأن إلى اضطرار جميع أفراد المجتمع أو غالبيتهم إلى أكل الميتة.

 ويبدو أن سؤال السائل وفتوى الشيخ منتظري من القسم الأول، وأن إشكال الدكتور صادقي الطهراني عائدٌ إلى القسم الثاني.

 وبعبارة أخرى: إن الشيخ منتظري لم يجب عن حالة ما لو اضطر جميع أفراد المجتمع إلى ارتكاب الحرام، ولم يكن بصدد بيان قانون عام لكل المجتمع، في حين لم يكن الدكتور صادقي الطهراني ناظراً إلى حكم الفرد، بل كان بصدد بيان حكم كافة أفراد المجتمع.

 وطبعاً لسنا بصدد بيان ونقد جميع كلمات الدكتور صادقي الطهراني؛ لأنّ بحثنا هنا حول المصافحة والنظر، كما تقدم في مقال نشر في مجلة (كاوشي نو در فقه)، وقد ذكرنا الاستدلالات في حدود الإمكان.

الفقه وتحوّل آراء الفقهاء

«والملفت أن الشيخ منتظري لم يكن يجيز حتى النظر إلى الأجنبية، إلا أنه حالياً بدأ تبرير وتوجيه ما يخالف الشرع مخالفة بينة، حيث جاء في المسألة رقم (2620): إن نظر الرجل إلى جسد الأجنبية حرام، سواء أكان بقصد اللذة أم بدونها، وإن النظر إلى وجهها وكفيها بقصد اللذة أو مع الخوف من الوقوع في الحرام حرامٌ، بل إن النظر بدون قصد اللذة وعدم الخوف من الوقوع فيها لا يخلو من الإشكال».

ولم يتضح لنا سبب افتتاح كلامه هذا بعبارة: «والملفت أن…»، فهل يتوقع من الفقيه إذا أصدر فتوى أن يبقى عليها حتى آخر حياته؟! وعندها هل سيكون هناك أية فائدة للبحث والمطالعة والتحقيق والتقدم؟! إننا إذا بنينا على بقاء فتوى المجتهد وعدم تغيرها فسوف لا يكون هناك مبرِّر لحصر التقليد على المجتهد الحي، وإذا أصدر الفقيه فتوى، ثم مات عنها، وجب تقليده فيها إلى أبد الآبدين. في حين أن الأمر ليس كذلك؛ فإن فلسفة تقليد المجتهد الحي هي أن بإمكانه الدفاع عن فتاواه بأدلة محكمة ومتقنة، ومع تغيُّر الظروف والشروط، أو تطور العلم، أو العثور على دليل كان خافياً، يمكنه تغيير فتواه وإعادة النظر فيها، أو أنه إذا شك في صحّة فتواه، أو توصَّل إلى خلافها، عمد إلى تغييرها، والإعلان عن رأيه الجديد، وإلا لم يكن هناك فرق بينه وبين المجتهد الميت. ثم نقول: هل يوجِّه المشكل المحترم هذا الإشكال إلى إمام الأمة، حيث رجع بعد انتصار الثورة عن الكثير من فتاواه أيضاً؟ وهل يوجِّه هذا الإشكال إلى السيد الخوئي، حيث ذهب في بداية الأمر إلى توثيق جميع الرجال الواقعين في سند كامل الزيارات، واعتبر كلام ابن قولويه توثيقاً عامّاً لهم، ثم تراجع عن هذا الرأي، فتغيَّرت الكثير من آرائه الفقهية، أم يتعين على الشيخ منتظري وحده البقاء على فتواه، ويحترس من تغييرها؟!

 وهل يوجّه إشكاله هذا إلى الإمام الخميني، حيث تختلف فتاواه في «العروة» عنها في «تحرير الوسيلة» و«رسالته» الفارسية، أو أنه يبرِّر ذلك بإمكان أن يكون للإمام فتوى صدرت عنه في برهة زمنية كتبها في «العروة»، ثم حصل له؛ بفعل كثرة المطالعة، رأي آخر كتبه في «تحرير الوسيلة»؟

إن من أشد مواطن البحث أذىً أن يقوم محقِّق فاضل، مثل: السيد هاشمي نيا ـ رغم أني لا أعرفه شخصياً، إلا أن كتابته تدل على سعة علمه وتحقيقه ـ باتّهام فقيه تجاوز الثمانين من عمره، وقضى مراحل شبابه في البحث والتحقيق، وفي الجهاد ومكافحة الفساد ومقاومة الظلم في العهد الملكي، وتحمَّل التعذيب، وانتقل من سجن إلى سجن، ومن منفى إلى منفى، وتصدى بعد انتصار الثورة للكثير من المسؤوليات الرئيسة، كرئاسة مجلس خبراء الدستور، وإمامة جمعة طهران وقم، ونيابة إمام الأمة مع كامل الصلاحيات وفي كافة الشؤون، مثل: تنصيب أئمة الجمعة، والقضاة، وغير ذلك، والذي انتخبه الأعضاء في مجلس خبراء القيادة ـ رغم مخالفته وخطابه لهذا المجلس ـ خلفاً لمنصب القيادة.

 إنه شخصية تتعالى فوق المناصب، ويغض الطرف عن خلافة القيادة، دون شكوى أو تبرم أو خوض في النزاعات السياسية، ويباشر عمله في التدريس والتحقيق، فلو أنه كان من أولئك الذين يبرِّرون ويوجِّهون الانحراف لما تحمَّل السجون في زمن الشاه، ولا الإقامة الجبرية في داره في زماننا هذا.

 أجل، إن السيد هاشمي نيا كتب في ردّه بكل بساطة: «إلا أنه أخذ حالياً بتبرير ما يخالف الشرع الواضح والبيّن»، في حين اتضح من مجموع ما تقدم أن هذه الفتوى مستندة إلى أدلة فقهية متقنة، وأن كل منصف يقرأ هذا المقال بدقة يذعن بصحة رأيه فيها، أو يجعله في الأقل في عداد الفتاوى الأخرى، دون الاتهام بالتبرير.

 وعليه لا بد من عدّ كلام السيد هاشمي نيا زلّة قلم، وليس شيئاً آخر.

 أجل، هناك الكثير من عظماء الفقهاء في الإسلام من كانت له فتاوى في غاية الشذوذ، لم يوافقه عليها أحدٌ ممَّن تقدَّم عليه أو تأخَّر عنه إلا نادراً، كالفتوى بجواز الوضوء منكوساً (كما يفعل أهل السنة)، التي أفتى بها السيد مرتضى، أو فتواه الأخرى بطهارة المتنجِّس بمجرد زوال عين النجاسة وإن كان بغير الماء، وقد وافق فيها أهل السنة أيضاً، ومع ذلك احتفظ عبر تاريخ التشيع بلقب (علم الهدى)، ولم يُتَّهم بالتبرير والسعي إلى استمالة أهل السنة أو الحكّام، فما الذي حلّ بنا في العصر الراهن حتى أخذنا نتّهم الفقهاء بكل بساطة بالتبرير وتوجيه ما يخالف الشرع البيّن، والمروق عن الدين،  وما إلى ذلك؟! فهل توصلنا إلى أن التقوى تكمن في تحطيم الشخصيات واتهامها؟ أم هل أدركنا أن تقدم البلاد والدين والتشيُّع يحصل من خلال التفرقة وشقّ الصفوف، أو جاء في الأثر أن أبواب جهنم موصدة في وجه الذين يتهمون الآخرين، أو أن التفريط بالطاقات الكبيرة يساعد على تقدُّم الإسلام والبلاد؟!

ومن الواضح أن السيد هاشمي نيا يرى بطلان جميع هذه الافتراضات، فلماذا يكيل مثل هذه التهم؟!

 لو أن الشيخ منتظري كان من أولئك الذين يبرِّرون الأعمال المخالفة للشرع لقام ـ مثل الكثيرين ـ بتبرير أعمال حكومة الشاه، كي يدرأ عن نفسه الحبس والنفي. كما أنه لو كان من أهل التبرير لعمل بعد انتصار الثورة، حيث آل الأمر إلى فقيه عادل، على تبرير الأخطاء، كما صنع الكثير، ولما ساءت العلاقات بينه وبين الإمام بعد أن كانت من أوثق العلاقات، ولتخطى منصب النيابة إلى القيادة، ولم يكثر من الإشكالات حتى يؤول أمره إلى الإقامة الجبرية في داره لأكثر من خمس سنوات، ويتعرض ابنه وأصهاره إلى سجونٍ طويلة الأمد.

وخلاصة القول: لو أن أعداء الثورة كانوا ذوي نفع له، وأنه يعمل حالياً على التبرير لصالحهم، لقام بالشيء نفسه في عهد الشاه أيضاً. ولو أنه كان يرجو نفعاً من الثورة، وعمد إلى التبرير من أجلهم، لواصل هذا التبرير حتى بعد انتصار الثورة.

 ولذلك لا يسَعُ المنصف إلا أن يوقن بأنه قد أفتى في زمن طبقاً للمشهور، ثم توصَّل إلى فتوى أخرى مخالفة للمشهور، بعد أن دقَّق في جوانب المسألة، وقرأ في أدلتها بشكل أعمق، وقد أظهر فتواه الجديدة حتى لا يغدو مصداقاً لآية الكتمان، التي تقدمت منا في بداية هذا البحث.

النتيجة

 اتضح ممّا تقدم أن فتوى الشيخ منتظري لا يمكن أن يرِدَ عليها إشكال، بل هي متطابقة مع الموازين. وإنّ كلّ مدقِّق منصف، لا يأخذه هول الضجيج، وعلى حدّ تعبير الإمام: «لا يخشى من الإعلان عن حكم الله على منصبه ومنزلته عند المتقدَّسين الحمقى من المعمَّمين»([32])، سيصدر مثل هذه الفتوى.

 وبذلك يتضح أن العنوان الذي نشرته صحيفة كيهان، في يوم الأربعاء المصادف ليوم 25/2/82، حيث كتب فيها بخط عريض: «فتوى واحدة وكل هذه الإشكالات»، كانت بسبب جهل المحرِّرين في هذه الصحيفة بالمباني الفقهية، وعدم معرفتهم بأسانيد الروايات ودلالاتها، وصحة التجربة وسقمها، وعدم العلم بالعلل والملاكات، وما إلى ذلك. وعندما وقع بصرهم على ما كتبه السيد هاشمي نيا، الذي احتوى إجمالاً على جميع هذه الإشكالات، تصوَّروا أن فتوى الشيخ منتظري تحتوي على هذه الإشكالات بأجمعها.

 نسأل الله تعالى التوفيق في العلم والعمل، وترك المعاصي، والإنصاف، والتمسك بطريق التحقيق الصحيح، لنا ولغيرنا من حملة الأقلام.

وفي الختام نعيد القول بأن الدفاع العلمي عن فتوى لا يعني تجويز الأعمال المخالفة للشرع التي يرتكبها بعض الشباب الفارغ، الذي يجوب الطرقات ومدن الملاهي والحفلات؛ جرياً وراء شهواته. ولا يمكن لفتوى الشيخ منتظري أن تشمل هذا الصنف؛ لأنها مقيَّدة بصورة عدم قصد الشهوة وعدم حصولها. وحتى مصافحة (شيرين عبادي) لا يمكن تبريرها بهذه الفتوى، وإن كان تحديد الصغريات ليس من شؤون الفقيه.

الهوامش

(*) باحث وأستاذ الدراسات العليا في الحوزة العلمية في مدينة إصفهان.

([1]) صحيفة النور 21: 34.

([2]) صحيفة النور 21: 35.

([3]) وسائل الشيعة، الباب 113 من أبواب مقدمات النكاح.

([4]) الميزان في تفسير القرآن 16: 340، الطبعة الثالثة، مؤسسة الأعلمي، بيروت.

([5]) فرائد الأصول 1: 182. وآية النبأ هي الآية 6 من سورة الحجرات، والمراد من آية النفر الآية 122 من سورة التوبة، وآية السؤال هي الآية 43 من سورة النحل.

([6]) صحيفة النور 21: 35.

([7]) وسائل الشيعة 14: 141، الباب 104 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 16.

([8]) وسائل الشيعة، الباب 117 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 7.

([9]) وسائل الشيعة، الباب 105 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 1.

([10]) وسائل الشيعة، الباب 10 من أبواب الاحتضار، الحديث 9.

([11]) وسائل الشيعة، الباب 106 من أبواب أبواب مقدمات النكاح، الحديث 4.

([12]) وسائل الشيعة، الباب 115 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 5.

([13]) طبقات ابن سعد 1: 210 ـ 212؛ فروغ أبديت 1: 225.

([14]) محمود راميار، تاريخ القرآن: 612، 675، 676.

([15]) مجمع البيان 9: ذيل الآية؛ تفسير الأمثل 28: 47 ـ 49، ذيل الآية.

([16]) صحيح البخاري 5: 312؛ صحيح مسلم 3: 1489.

([17]) محسن كديور، مصافحة الأجنبية: 9.

([18]) جعفر السبحاني، مصافحة الأجنبية المسلمة: 6.

([19]) طبعاً إن الشيخ السبحاني سلك في الصفحة 6 طريق العلة، ولكنه أشكل في الختام، وقال: ليس من المعلوم كون ذلك من العلة، فربما كان من الحكمة. فنقول له: إذا كان الأمر كذلك يمكنك حينها أن تورد نفس الإشكال في جميع موارد العلة، فلا يمكن إسراء أي حكم لأي موضوع آخر، هذا أولاً. وثانياً: بما أن هذا النوع من الأدلة تذكر في جميع مواطن البحث، ولم يرد كلام حول العقوبة الأخروية وإنْ في القرآن على الأقل، وأن الروايات الدالة على العقوبة لم تثبت من ناحية السند أو الدلالة، أو كليهما، يتضح أن هذه الموارد من العلل دون الحِكَم.

([20]) مجمع البيان، ذيل الآية 30 من سورة النور؛ وسائل الشيعة، الباب 104 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 4.

([21]) وسائل الشيعة، الباب 115 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 1.

([22]) المصدر السابق، الحديث 2.

([23]) الكافي 5: 527.

([24]) وسائل الشيعة، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة.

([25]) وسائل الشيعة، كتاب الزكاة، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

([26]) البقرة: 185.

([27]) النساء: 101.

([28]) الأنصاري، المكاسب 1: 24 ـ 25.

([29]) مطارح الأنظار: 150؛ مجلة (كاوشي نو در فقه): 60.

([30]) الأصول العامة للفقه المقارن: 421.

([31]) الأصول العامة للفقه المقارن: 422 ـ 426.

([32]) صحيفة النور 21: 35.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً