أحدث المقالات

تجاذب نظريات بين الفلاسفة والمتكلِّمين

أ. محمد حسن قدردان قراملكي(*)

ترجمة: حسن آل نجف

 

مقدمة ــــــ

جرت العادة أن يقوم الأنبياء الإلهيون بمجموعة خوارق ومعاجز؛ ليثبتوا من خلالها للناس ارتباطهم بالعالم الإلهي. وقد أشار القرآن الكريم في آيات كثيرة إلى معجزتهم. ومن الأسئلة التي شغلت بال المتكلمين والفلاسفة في القرون الماضية السؤال التالي: كيف تكون المعجزة؟ وما هي حقيقتها؟ واليوم يطل علينا هذا السؤال من جديد، ليشد إليه أنظار المتكلمين والفلاسفة الجدد مرة أخرى.

يرى المتكلمون أن الإعجاز فعل الله الصادر منه تعالى مباشرة. وليس بمقدور للإنسان أن يعي حقيقته، ويدرك كنهه. وفي المقابل عكف الفلاسفة، وخاصة المسلمون منهم، على صياغة عدة محاولات في بيان حقيقة الإعجاز، واستكناه أبعاده، ليثبتوا بالتالي أن المعجزات والكرامات مصدرها قدرات خارقة، تتوافر عليها نفوس الأنبياء والأولياء^. وهناك وجهة نظر ثالثة تحاول الجمع بين النظرتين، فتنسب بعض المعجزات إلى فعل الله مباشرة، وترجع البعض الآخر من المعجزات إلى الأنبياء.

وفي هذه الدراسة نحاول استعراض أدلة هذه النظريات الثلاث، ومرتكزاتها، ومن ثم تحليل وتقييم كل واحدة منها.

 

النظرية الأولى: الإعجاز فعل الله ــــــ

يصف أغلب الموحدين الإعجاز بأنه فعل الله المباشر. ويعتقدون أن الله تعالى يتدخل بصورة مباشرة في نظام الطبيعة، فيأتي ببعض المعجزات والخوارق عن طريق الأنبياء. وأما الأنبياء فليس لهم دور سوى أنهم الواسطة والمجرى لظهور تلك المعجزات. ويبقى الفاعل الحقيقي هو الله تعالى وحده. وهذا خلاف النظرية الثانية، التي تذهب إلى أن الأنبياء هم الفاعل الحقيقي للمعجزات، وأن النسبة بين المعجزة والنبي هي نفس النسبة بين الفعل والفاعل.

ونبدأ باستعراض الأدلة التي استدل بها على صحة هذه النظرية، ومن ثَمّ نقوم بعملية تقييم لها.

 

الأشاعرة ــــــ

اعتقد الأشاعرة أن الفاعل والمؤثِّر في الوجود هو الله تعالى، ولا فاعل إلا هو. ومن هنا فهم لا يترددون لحظة في إسناد الإعجاز إليه، أسوةً بسائر الحوادث الأخرى، التي يرون أنها فعله.

يقول ابن تيمية في هذا الصدد: «وآيات الأنبياء من فعل الله سبحانه وتعالى، يفعلها آيةً وعلامة… فأمر الآيات إلى الله، لا إلى اختيار المخلوق، والله يأتي بها بحسب علمه وحكمته»([1]).

وهكذا ينتقد البغدادي في كتابه «أصول الدين» المعمر؛ لإسناده المعجزة إلى غير الله، معتبراً المعجزات أفعالاً إلهية([2]).

وأما الفخر الرازي فيكتب قائلاً: «فاعل جميع هذه المعجزات هو الله؛ لأنا بينّا في الأصل الأول أنه لا مؤثِّر ولا موجِد ولا مكوِّن إلا الله تعالى… فثبت بالأصل الأوّل أنّ خالق كل المعجزات هو الله»([3]).

ويذهب كثيرون، من أمثال: ابن حزم([4])، والتفتازاني([5])، والقاضي الأيجي([6])، ومن المعاصرين: مصطفى المراغي([7])، ورشيد رضا([8])، إلى هذا الرأي.

ويرى أغلب متكلمي الإمامية أن الإعجاز فعل الله، لا فعل النبي، وهم وإن خالفوا الأشاعرة في إسناد المؤثرية والفاعلية إلى غير الله، إلا أنهم في ما يرتبط بإثبات النبوة، وارتباط مدعيها بالله تعالى، يعتقدون أنه لابد وأن يكون الإعجاز فعل الله، لا فعل المدعي، حتى يكون الاستدلال تامّاً.

واستدل بعض آخر بدليل التفويض، إلى جانب الأدلة النقلية الأخرى، والتي سنشير إليها تباعاً. ومن هؤلاء: العلامة الحمصي الرزاي. فبعد أن فسَّر الإعجاز بأنه فعل الله تعالى أجاب عن هذا الإشكال، وهو: بماذا نفسِّر إمكانية صدور المعجزة من النبي؟، قائلاً: «الخارق للعادة ينبغي من قبل الله تعالى، الذي ثبتت حكمته، وأنه لا يصدق الكذاب حتى يدلّ على صدق المدعي، وأما أن يكون من قبل المدعي فإنه لا يدلّ على صدقه؛ إذ تصديق المدعي نفسه لا يكون دليل صدقه»([9]).

وقد أورد كل من أبي الصلاح الحلبي([10])، والشيخ الطوسي([11])، دليلاً مشابهاً لهذا الدليل حول اختصاص الإعجاز بالله تعالى. وأما العلامة المجلسي فيرى في إسناد المعجزات إلى إرادة الأنبياء وقدراتهم تفويضاً وكفراً صريحاً، حيث يقول: «أن يقال: إنهم يفعلون جميع ذلك بقدرتهم وإرادتهم، وهم الفاعلون لها حقيقة، فهذا كفر صريح، دلت على استحالته الأدلة العقلية والنقلية، ولا يستريب عاقل في كفر مَنْ قال به»([12]).

ويعدّ المولى محمد صالح المازندراني في كتابه «شرح أصول الكافي» القول بأن المعجزات من فعل الأنبياء من مصاديق التفويض([13]).

ويناقش السيد أحمد الصفائي، وهو من المتكلمين المعاصرين، رأي الفلاسفة القائل بأن المعجزة إنما تصدر من نفوس الأنبياء. لكنه في نفس الوقت يسند للأنبياء دوراً إعدادياً في صدور المعجزة([14]). ويوافقه في ذلك كلٍّ من: الأستاذ محمد تقي الجعفري([15])، والشيخ محمد تقي شريعتي([16]).

 

اللاهوت المسيحي ــــــ

يرى القديس توما الإكويني، وهو من بابوات الكنيسة المبرزين، أنه: «إذا أريد لحادث ما أن يرتقي إلى مستوى معجزة فلازم ذلك أن لا يصدر إلا من قبل قوة هي فوق القوة الطبيعية». وبذلك يقرر توما الإكويني انطباعه عن قيد «الخارق للعادة» الوارد في تعريف المعجز، بحيث يكون القادر الوحيد على فعل المعجزة هو الله فقط؛ باعتباره موجوداً غير مخلوق»([17]). ويعتبر الباب بنديك (pope bendic) (1675 ـ 1758م)، صاحب كتاب المعجزات، والذي يحظى بدعم الكاثوليك الرومان، من أنصار هذا الاتجاه.

ويقرر سوئين برن رأي البابا بنديك في هذا الصدد، قائلاً: «إنه ـ أي الباب بنديك ـ يلتزم أكثر من غيره بهذه النظرة، وهي أن المعجزة هي الأمر الذي لا يمكن إيجاده إلا بقوة هي فوق القوى الطبيعية المحسوسة. وبناء على ذلك يرى البابا بنديك أنه بوسع الملائكة أن تقوم بأمر معجز، كما يرى أن الناس لو منحوا قدرات ومؤهلات خارقة للعادة ـ ولو لفترة وجيزة ـ لكان بإمكانهم هم أيضاً فعل المعجز»([18]).

أدلة النظرية الأولى ــــــ

تمسَّك أتباع الاتجاه الأول، والذي يعتقد بأن الإعجاز إنما هو فعل الله خاصة، ولا يتأتى من غيره، بأدلة عقلية ونقلية، نشير إليها في ما يلي:

 

1ـ التوحيد الأفعالي ــــــ

سبق أن ذكرنا أن الأشاعرة نفوا ـ تأسيساً على مبناهم القائل بأن لا مؤثر ولا فاعل حقيقي في الوجود سوى الله ـ أن يكون للإنسان أي دور حقيقي في الأفعال الصادرة منه. وقد عمموا مبناهم هذا ليشمل المعجزات أيضاً. وذهب بعض الإمامية أيضاً إلى أن القول بوجود دور حقيقي للأنبياء في صدور المعجز يعد من مصاديق التفويض، وسلباً لسلطنة الله تعالى، الأمر الذي لا يتفق مع التوحيد الأفعالي.

 

نقد وتقييم ــــــ

يعتبر التفويض والتوحيد الإلهي ـ وتبعاً لذلك قضية الاختيار والجبر ـ من القضايا الحساسة والمثيرة للجدل، والتي يرجع تاريخها إلى القرن الأول للهجرة، حيث أنكر الأشاعرة كلاًّ من مبدأ العلية والاختيار، وصادروهما لصالح سلطة وإرادة الله والتوحيد الأفعالي، وراحوا يعيبون على المعتزلة ـ وربما كفَّروهم ـ تبنيهم لمبدأ العلية ومبدأ الاختيار الإنساني. وأما أئمة أهل البيت^ فكان لهم رأيهم الخاص بهم، منتقدين بذلك كلا الاتجاهين ـ الأشاعرة والمعتزلة ـ، ويتبلور رأيهم^ بما اشتهر عنهم، من أنه «لا جبر، ولا تفويض، بل أمر بين الأمرين».

وبناءً على هذا الاتجاه لا يمكن إنكار دور الأسباب والعلل في الأشياء والظواهر الموجودة. كما لا يمكن إغفال عامل الاختيار الإنساني في الأعمال الصادرة عن الإنسان. وبالطبع فإن هذه العناية بالإنسان وبدوره وتأثيره لا يراد لها أن تكون في عرض إرادة وفاعلية الله تعالى، حتى تتصادم وتتعارض مع التوحيد الأفعالي. وإنما هي ـ أي العناية بدور الإنسان وتأثيره ـ في طول فاعليّة الله وإرادته.

وفي ضوء هذا الاتجاه لأئمة أهل البيت تتقرر هذه النتيجة، وهي أن إسناد الفعل الصادر من الإنسان ـ مهما كان الفعل، وأيّاً كان ذلك الإنسان ـ إلى نفس ذلك الإنسان، من دون الأخذ بنظر الاعتبار فاعلية الله وإرادته في صدور الفعل، يتنافى ومبدأ التوحيد الأفعالي. وأما إذا أسندنا الفعل الخارق للعادة الصادر من الإنسان الكامل، مثل: النبي، إلى ذلك الإنسان الكامل، مع الأخذ بنظر الاعتبار كون الفعل في طول إرادة الله وفاعليته، فإن ذلك يعدّ من مصاديق «أمر بين أمرين»، ولا يعتبر من التفويض بأية حال من الأحوال.

إذاً فالملاك في كون فعل من الأفعال مصداقاً للتفويض ليس كونه خارقاً للعادة، وإنما إرادة هذا الإنسان وفعله في طول إرادة الله وفاعليته. وهذه هي النقطة التي أغفلها العلامة المجلسي وأمثاله، حيث تصوروا أن القول بصدور الفعل الخارق من الانبياء يؤدي إلى الأخذ بنظرية التفويض، التي عليها مذهب المعتزلة، وبالتالي إلى الكفر. ومن هنا سجل الإمام الخميني ملاحظاته على رأي العلامة المجلسي هذا، فراجع([19]).

 

صيانة القيمة المعرفية للإعجاز ــــــ

يرى أتباع هذا الاتجاه أن دلالة المعجزة على ارتباط مدّعيها بالله تعالى متوقفة على أن تكون فعل الله خاصة، وأما بناءً على التصوير الثاني، والذي يرى أن المعجزة فعل النبي، فإن دعوى النبي على ارتباطه بالله تعالى تبقى دعوى لا يمكن استنتاجها والتوصل إليها؛ ذلك أن معنى صدور فعل من الإنسان هو أن الآخرين أيضاً بإمكانهم أن يقوموا بنفس ذلك العمل. وعن هذه النقطة بالذات يقول أبو الصلاح الحلبي: «طريق العلم بذلك أن يختص خرق العادة بمقدوراته تعالى، كإيجاد الجواهر، وفعل الحياة، أو يقع الجنس في مقدورات العباد على وجه لا تمكن إضافته إلى غيره»([20]). وقد أورد الشيخ الطوسي هذه النقطة بصيغة مماثلة([21]).

تحليل وتقييم ــــــ

مما لا شك فيه أن وجه دلالة الإعجاز على صدق مدّعي النبوة إنما هو فعل العمل الخارق الذي يعجز عنه الآخرون، وأما إضافة قيد أن يكون الأمر الخارق للعادة خارجاً عن قدرات وإمكانيات هذا المدعي فغير ثابت.

وبعبارة أخرى: إن إثبات ارتباط المدعي بالله تعالى يتوقف على عجز الآخرين، وأما اشتراط عجز نفس المدعي عن الإتيان بذلك الخارق فهو اشتراط زائد لا دليل عليه. وأما إشكال مَنْ يرى ضرورة اعتبار ذلك الشرط المذكور، من أنه إذا كان المدعي قادراً فسيؤدي ذلك إلى الخلط بين الأفعال البشرية الخارقة وبين المعجز، وانتفاء إمكانية التمييز بينهما، فيمكن الإجابة عنه بأن نقول: إنه من خلال التأمل والتدقيق في المواصفات التي تميز بها الأمر المعجز، والفوارق الموجودة بينه وبين سائر الأمور الأخرى، من قبيل: عدم تمكن الآخرين من المعارضة، واستحالتها، وعدم إمكان تعلم المعجزة أبداً، يكون بإمكاننا تشخيص المعجزة، وتمييزها عن غيرها من المعاجز المكذوبة.

 

3ـ ظواهر الآيات ــــــ

تنسب العديد من الآيات القرآنية المعجزة إلى الله. وهذا يدلِّل على أن الإعجاز فعله سبحانه، من قبيل: صيرورة النار برداً وسلاماً على النبي إبراهيم×، وفرق البحر لموسى×: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ (الأنبياء: 69)، ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ﴾ (البقرة: 50). وإلى جانب انشقاق البحر لموسى هناك انفجار الماء من الحجر إثر ضرب الحجر بالعصا (طه: 67)، وإنزال المن والسلوى (البقرة: 57)، والابتلاءات المتعددة، من قبيل: الطوفان، والزلزلة، والتي وردت في آيات مختلفة. وقد أسندت هذه المعجزات إلى ذات الله.

ومن جملة الأدلة المعروفة لدى أتباع هذا الاتجاه هو الخوف الذي أوجسه موسى في نفسه بادئ الأمر حين رأى العصا وقد تبدَّلت إلى ثعبان يسعى، قال تعالى: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى﴾ (طه: 67 ـ 68), وقد حكت لنا التوراة قصة الخوف الذي استولى على موسى وهو يرى عصاه وقد صارت ثعباناً. جاء فيها: «فقال الرب له: ما الذي تحمله بيدك؟ قال: هي عصا، قال: ألقِها إلى الأرض، فلما ألقاها إلى الأرض تبدلت العصا إلى حية، وفرّ موسى منها»([22]).

يقول أتباع هذا الاتجاه في سياق استدلالهم: لو أن المعجزة كانت صادرة من نفس النبي موسى، ومن خلال ما يمتلك من قدرات ذاتية، فليس ثمة مبرِّر للخوف الذي أوجسه، ولكننا نرى الخوف قد استولى على موسى، بحيث إن الله تعالى راح يطمئنه، ويخفِّف عنه ويسلّيه. إذاً نفهم من ذلك أن الإعجاز لم يكن فعل موسى×، بل كان فعل الله مباشرة، أو بتوسُّط الملائكة.

هذا اللون من الفهم، يمكننا أن نجده عند كلٍّ من محيي الدين ابن عربي([23])، والسيد أحمد الصفايي([24])، في تفسيرهم للآية الآنفة الذكر.

 

تحليل وتقييم ــــــ

في مراجعتنا للآيات المذكورة تستوقفنا عدة ملاحظات جديرة بالتأمل والتدقيق، وهي:

1ـ طولية العلل: سبق أن ذكرنا أنه بناءً على مسلك الأمر بين الأمرين، والذي هو مختار الإمامية، فإن إسناد فعل الإنسان وسائر الموجودات الأخرى إلى علتين وفاعلين لا يستلزم أي محذور عقلي أو نقلي.

وتأسيساً على ذلك نقول: تلك الآيات التي تسند المعجزة إلى الله، لا إلى النبي، تسعى إلى تركيز الدور الإلهي باعتباره علة أخرى في طول سائر العلل. وهذا لا يتنافى مع إسناده المعجزة إلى نفس النبي باعتباره العلة القريبة أو الفاعل القريب. وبالتالي فإن الآيات المذكورة لا تعدّ دليلاً على نفي النظرية الثالثة هنا؛ إذ من المعلوم أن إثبات شيء لا ينفي ما عداه.

2ـ قصور الدلالة عن إفادة المدَّعى: حتى لو سلمنا بدلالة الآيات الواردة المذكورة على أن الفاعل هو الله فقط، وأنه العلة المنحصرة للمعجزات الواردة في لسان تلك الآيات، وأن الأنبياء ليس لهم أي دور فيها، فإنه يبقى هذا السؤال، وهو: مَنْ هو فاعل المعجزات الأخرى، الله أو الأنبياء؟ من دون جواب. إن الآيات التي أشرنا إليها قبل قليل ساكتة في هذا الخصوص؛ لأنها تصدق لبيان بعض الموارد وبعض المعجزات الخاصة التي كان الله هو الفاعل لها، ولم تبيِّن على نحو أصل كلي وعام أن فاعل جميع المعجزات هو الله تعالى.

وببيان آخر: إن الآيات المذكورة تتواءم مع دعوى التفصيل (بعض المعجزات منسوبة إلى الله، وبعضها الآخر إلى الأنبياء). ولا تدل على أن كل المعجزات هي فعل الله.

3ـ وجود الآيات المخالفة: يظهر من بعض الآيات أنها تنسب المعجزات إلى نفس الأنبياء. وهذا الظهور يتنافى والاتجاه الأوّل. فتكون النظرية مبتلاة بالمعارض. ولابد من طريق لحل هذا التعارض. ويبدو أن أفضل الحلول هو القول بالتفصيل، أو القول بالعلية الطولية، والتي سيأتي الكلام عنها.

4ـ خوف موسى من قومه: في خصوص خوف النبي موسى× وهو يشاهد تحوّل عصاه إلى ثعبان نقول: يتكشف من خلال التدقيق في مجموع الآيات التي تحدثت عن قصة موسى وعصاه أن خوف موسى× كان على قسمين:

القسم الأول: يرتبط بتجربته الأولى مع الوحي الإلهي، حيث جاءه خطاب ﴿ألقِ عصاك﴾، تلك العصا التي رعى بها أغنامه لسنوات طوال، فلما ألقاها تحولت إلى ثعبان كبير. في تلك اللحظة أوجس موسى في نفسه خيفة. ويبدو من ظاهر الآيات أن النبي موسى في تجربته الأولى لم يكن له دور في تبديل العصا إلى ثعبان؛ وأن هذا الأمر الخارق إنما هو فعل الله. لكن النقطة المهمة هنا هي أن هذا الأمر الخارق ـ أي تبديل العصا إلى ثعبان ـ وقع في جبل الطور، بعيداً عن أنظار الناس، وبالتالي فهو خارج عن التعريف المنظور لمصطلح الإعجاز، فيكون نوعاً من الإرهاص، وإعداد النبي موسى× للقيام بنفس هذا العمل في فترات لاحقة، وعلى مرأى من الناس ومسمع. وبعبارة أخرى: إن الله تعالى من خلال تبديله العصا إلى ثعبان ألفت نظر موسى× إلى قدرته الربانية([25]).

وبعد مرحلة الإرهاص، وتوفير الأرضية الروحية المناسبة عند النبي موسى×، استطاع موسى× أن يقوم بالأمر الخارق بنفسه، وبإذن من الله تعالى، ولمرات عديدة.

القسم الثاني: إن الخوف الذي أوجسه موسى في نفسه، والذي أشارت إليه الآيات القرآنية، لا ربط له بقضية تبديل العصا إلى ثعبان، وإنما كان خوفه ناشئاً من أن هذا الأمر سيؤدي إلى اشتباه حقيقة الأمر على الناس، فيخلطون بين المعجزة والسحر.

وهناك قرائن عديدة تؤيد هذه الدعوى، منها:

أـ إن الآية التي تشير إلى خوف موسى× ناظرة إلى توجسه من المواجهة المقبلة مع سحرة فرعون، والحال أنه كان قبل ذلك قد شاهد تبدل العصا إلى ثعبان لمرات عديدة([26]). وإذا كان للخوف مجال فإنه بطبيعة الحال يرتبط بالدفعات الأولى التي شاهد فيها وقوع ذلك الأمر الخارق، لا زمن المواجهة مع السحرة.

ب ـ يشير ظاهر الآيات إلى صلابة ورباطة جأش النبي موسى×، وعدم خوفه من سحر السحرة. ولذا عندما خيَّره السحرة بين أن يلقي هو أولاً أو أن يكونوا هم أول من ألقى أجابهم موسى بعزم راسخ: بل ألقوا أنتم أولاً (طه: 65 ـ 69).

ج ـ هناك نقطة أخرى أغفلها أصحاب النظرية الأولى تنبئ عن عدم دقتهم، وهي أن الآيات تفيد بأن خوف موسى× كان بعد مشاهدة سحر السحرة، ولا علاقة له بتبديل العصا إلى ثعبان، كما رآه أصحاب هذا الاتجاه.

د ـ أضِفْ إلى ذلك أن هناك رواية عن الإمام علي× تؤيِّد ما ادعاه المستشكل، حيث تقول: «لم يوجس خيفة على نفسه، بل أشفق من غلبة الجهل ودول الضلال»([27]).

ومحصَّل القول: إنه لا يمكننا التمسك بالخوف الذي أوجسه موسى في نفسه في أول تجربته مع الوحي لنفي جميع الموارد التي تكررت فيها حادثة تبدُّل العصا إلى ثعبان، والقول بأن هذه المعجزة ليست من فعله.

النظرية الثانية: الإعجاز فعل الأنبياء^ ــــــ

يعتقد الفلاسفة الإسلاميون ومجموعة من المتكلمين أن المعجزة فعل الأنبياء أنفسهم. فهم يرون أن الأنبياء ـ بما أوتوا من قوى نفسانية ـ يتمتعون بقدرات إلهية خارقة، تمكنهم من القيام بالمعجزات. فإن علاقتهم بالمعجزة علاقة تكوينية من سنخ علاقة العلة بالمعلول، والفاعل بالفعل.

وثمة أسس ومقدمات ذكرها فلاسفة الإسلام في محاولتهم لتقرير وإثبات نظريتهم هذه. ونحن نشير إليها هنا على نحو الإجمال:

1ـ القوة الحسية للنفس: يمكن القول: إن المرحلة الأولى للنفس هي مرحلة الإحساس المادي، والتعامل مع الأمور المادية. وفي ضوء شروط هذه المرحلة يكون صاحب الحس المادي قادراً على القيام بعمل ما أو حركة معينة، لكنه يفتقد قوة التخيل والحافظة، شأنه شأن دودة القز، التي دأبها أن تتحول إلى فراشة، لكنها بعد أن تبدلت تلقي بنفسها مراراً في النار. فهي، وإنْ كانت قد جربت الألم والاحتراق في الدفعة الأولى إلاّ أنها؛ وبسبب انعدام قوة التخيل والذاكرة لديها، تعود وتكرر التجربة ثانياً، وثالثاً…([28]).

وتختلف قوة الإحساس من حيوان لآخر شدةً وضعفاً. فمثلاً: النملة يمكنها بما لديها من قوة أن تحمل أجساماً أثقل من وزنها بعدة مرات. وأهم ما في هذه المرحلة الحسية أن للنفس تأثيراً كبيراً على العالم المادي فيها.

2ـ قوة التخيل والتصور: وتعمل النفس في هذه المرحلة على نقل المحسوسات إلى الذاكرة؛ لتتذكرها في المستقبل إذا دعت الحاجة لذلك. وتأسيساً على هذا المعنى نجد أن الحيوانات بعد أن تحس بألم ما تسعى إلى الابتعاد عن المصدر الذي سبَّب لها ذلك الألم. وتتميّز هذه المرحلة بوجود ذاكرة قوية، وسرعة في انتقال المعلومات. وهي ميزة تختلف باختلاف الحيوانات([29]).

3ـ قوة التعقُّل: يشترك الإنسان والحيوان في القوّتين السابقتين، إلا أن للإنسان قوّة خاصّةً تميّزه عن سائر الحيوانات، ويعبَّر عنها بـ «قوة العقل». وصاحب هذه القوة بإمكانه إدراك أمور لا تدخل في وعاء الحس، ولا المخيلة، من قبيل: إدراك المستقبل، وعالم ما وراء الطبيعة، والقضايا العامة.

4ـ تمركز القوى الثلاث عند الأنبياء^: إن النوع الإنساني يتوافر على ثلاث قوى، هي: الحس؛ الذاكرة؛ العقل. وأما ما يتميز به الأنبياء عن سائر بني البشر فهو تمركز القوى الثلاث، وتجمعها لديهم. وقد تبين مما سبق أن المنشأ الأساس لقوى الحس والذاكرة والتعقل لدى الإنسان هو النفس الناطقة. وكلما كانت النفس أكثر تكاملاً، وأقل تعلقاً بعالم المادة، كانت هذه القوى أشد تأثيراً. ومن هنا بالذات نجد أن الأشخاص الذين زهدوا في الدنيا، ولم يركنوا إلى ظواهرها المادية، تصدر منهم كثير من الخوارق، سواء كانوا أناساً إلهيين، فنسمي ما صدر منهم «معجزة»، أو «كرامة»، أو كانوا من المرتاضين والسحرة، فنسمي ما صدر منهم سحراً.

وفي هذا البين كان الأنبياء أناساً شملتهم أعلى مراتب العناية الإلهية، فاشتغلوا بتهذيب أنفسهم وتربيتها، حتى تسنّموا مدراج الكمال. إذاً يتوافر النبي على قدرات هائلة، تمكنه من فعل الخوارق، والتأثير على المجاري الطبيعة للأمور، ويخضع لإرادته عالم التكوين بصورة عامة، وعالم المادة على الخصوص.

إن المعجزات الخارقة لنظام الطبيعة، من قبيل: شق القمر، وإيجاد الطوفان، والمطر، والزلزلة، وشفاء المرضى، يمكن تفسيرها على أساس القوة الحسية لدى النبي.

وأما القوة المصوّرة المخيلة له فهي على جانب من القوة، بحيث يمكن للنبي في نومه أو يقظته مشاهدة العالم العلوي غير المادي، أعمّ من عالم المثال وعالم العقول. ومن خلال الارتباط بهذه العوالم بإمكانه استخبار الماضي والمستقبل، وبهذه القوى أيضاً يمكن للأنبياء مشاهدة الوحي، أو الكتاب الإلهي، أو أشباح البعض، أو الاستماع إلى كلام الله بصورة غير مباشرة.

أما القوة العاقلة للنبي فهي في الواقع حصيلة عملية التهذيب والتربية التي يمارسها النبي مع نفسه. وفي ضوء هذه الممارسة تضحى نفس النبي في عداد الروح العظمى، وشبيهة لها، يمكنها الارتباط بعالم الغيب والملأ الأعلى متى شاءت، فيفاض عليها من العلوم اللدنية، وتشاهد ملائكة الله المقربين([30]).

وبصيغة أخرى: تتمتع النفس الإنسانية بقوتين: إحداهما: «القوة المدركة»؛ والأخرى: «القوة المحرِّكة». وتنقسم القوة المدركة بدورها إلى قسمين: عقلية؛ وحسية. أما القوة المدركة العقلية فمهمتها إدراك الكليات وعالم المجردات في وعاء الكلي والعقلي. وأما القوة المدركة الحسية فهي تدرك الجزئيات وأشباح عالم المثال، كما أنها تدرك صور المعقولات الكلية المرتسمة في القوة العاقلة فيما إذا تنزَّلت إلى مستوى المثال والجزئية.

وفي ضوء هذا النحو من التنزُّل، يتسنّى للنبي مشاهدة الملائكة، وسماع كلامهم، والكلام الإلهي أيضاً.

أما القوة المحرِّكة فشأنها التأثير والفعل. فكما يصحّ أن نقول في خصوص الإنسان: إن الجسد بتمام أعضائه منقاد للنفس، وتابع لها، كذلك يمكن القول: إن عالم الطبيعة تابع للأنبياء، ومسخَّرٌ لهم، يمكنهم التصرف فيه بأيّ نحوٍ شاؤوا، مع ملاحظة أن درجة التسخير والتبعية تختلف بحسب اختلاف الأنبياء ومراتبهم.

 

تفسير بعض المعجزات في ضوء النظرية الثانية ــــــ

إن حكماء الإسلام وإن اتفقوا في أصل دعواهم، وهي أن المعجزات فعل الأنبياء، وأنها تعتمد على قدرات وإمكانات نفس المدّعي، إلاّ أنهم اختلفوا في تفسيرهم لبعض المعجزات، حيث نجد صياغات مختلفة في تفسير موارد الإعجاز، من قبيل: إحياء الموتى، وإحضار الغائب، وسماع صوت الحصى، وشق القمر.

وتوجد ثلاثة اتجاهات في تفسير هذه المعجزات:

الاتجاه الأول: إن النبي يتصرف في متعلق الإعجاز. فمثلاً: الحصى تشرع بالنطق واقعاً وحقيقة بعد أن كانت صامتة، والقمر ينشق واقعاً، وكذلك تتبدل عصا موسى إلى ثعبان، بما لدى النبي من ولاية تكوينية.

الاتجاه الثاني: وهو يرى أن إعجاز النبي إنما يتم في تصرّفه في حواس ومخيلة الحاضرين، لا في متعلق المعجزة ومادتها. فمثلاً: الحصى لم تنطق واقعاً، ولا القمر انشق، بل النبي تصرف في حواس الحاضرين، وقواهم السمعية والبصرية، فخُيِّل إليهم أنّهم سمعوا صوت الحصى، وظنوا أن القمر قد انشق. وهذا ما نراه في مذهب محيي الدين بن عربي في «تفسيره»، حيث يذهب إلى أن تبديل العصا إلى ثعبان إنما هو في الواقع عبارة عن تصرُّف موسى في مخيلة المشاهدين لا غير([31]).

أما الاتجاه الثالث فيرى التفصيل. فالمعجزات التي يبدو أن التصرف بمادتها أمر صعب ومستبعد عادةً، من قبيل: انشقاق القمر، تفسّر على أنها تصرف من النبي في القوى الإدراكية للمخاطبين، وأما سائر المعجزات فيجري تفسيرها على أساس أنها نتيجة التصرف في أصل متعلقاتها وموادّها([32]). وقد أيد فلاسفة الإسلام هذا الاتجاه. ولا مجال هنا لذكر آرائهم. ونستعيض عن ذلك بذكر أسمائهم: الفارابي([33])، ابن سينا([34])، ابن رشد([35])، الكاتبي([36])، شيخ الإشراق([37])، صدر المتألهين([38])، الفيض الكاشاني([39])، الملا هادي السبزواري([40])، ومن المعاصرين يمكن الإشارة إلى: محيي الدين قشمه إي([41])، والعلامة الطباطبائي([42])، والشهيد مطهري([43]). أما متكلموا المعتزلة، وتأسيساً على قاعدة الواحد التي تمسكوا بها، فقد التزموا بأن المعجزات هي فعل الأنبياء^. وفي سياق تعليلهم لهذا الأمر استندوا في الأعم الأغلب إلى عرضية المعجزات([44])، حيث يصرح المعمر، وهو من مشايخ المعتزلة، بأن المعجزات ليست فعل الله تعالى([45]). كما يصنف أبو الحسن الأشعري المعتزلة إلى صنفين([46])، لا مجال لاستعراضهما هنا.

أمّا الإمام محمد الغزالي، فقد اعتبر ـ مع ذهابه في أغلب آرائه مذهب الأشاعرة في متبنياتهم ـ المعجزات فعل الله الصادر عنه مباشرة، مشيراً في بعض الموارد إلى قوة نفوس الأنبياء، وإمكانياتهم الروحية. ففي أحد مؤلَّفاته، وبعد أن يذكر قسمين من أقسام الإعجاز (الحسي؛ والعقلي)، ويسندهما إلى فعل الله، يعدّ القسم الثالث من أقسامه ـ أي الإعجاز التخيلي ـ من خصائص الولاية التكوينية للأنبياء^([47]). وفي معرض بيانه لنظرية الحكماء في خصوص كمال القوى النظرية العلمية للأنبياء يشير الغزالي إلى هذا التفسير، قائلاً: «هذا مذهبهم في المعجزات، ونحن لا ننكر شيئاً ذكروه، وإن ذلك مما يكون للأنبياء، وإنما ننكر اقتصارهم عليه»([48]). وأما الفخر الرازي فله آراء متناقضة في هذا المجال. ففي كتابه «المباحث المشرقية» ينسب المعجزات، من قبيل: شفاء المرضى، وجريان الماء، وحدوث الطوفان، والزلزلة، والخسف، وصيرورة الجماد حيواناً، والحيوان جماداً، إلى نفوس الأنبياء([49]). ومن الأشاعرة المعاصرين يمكن الإشارة إلى صاحب تفسير المنار، والذي يرى لنفوس الأنبياء^ تأثيراً على الأشياء والجمادات([50]).

أصبح وجودي خالياً كالقصبة

ليس عندي خير من سوى الله

فإن من نفسي أنا وبقائي بالحق

قد انشق لباس وجودي مرة واحدة

صار الحق سمعي وإدراكي والبصر.

 

أدلة النظرية الثانية ــــــ

تمسك القائلون بهذه النظرية بجملة من الأدلة النقلية والعقلية؛ لإثبات دعواهم، وهي:

 

1ـ ظواهر الآيات ــــــ

ظاهر بعض الآيات أنها تسند الإعجاز إلى فعل الأنبياء. ولازم ذلك أن للأنبياء دور تكويني في خلق الخوارق، وإن كانت تلك القدرة وذلك التصرف بإذن الله وحوله. قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ﴾ (فاطر: 78)([51]). هذه الآية تسند المعجزة إلى نفس النبي، ولكن الإتيان بها يتوقف على الإذن الإلهي. وقال تعالى: ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي المَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ﴾. وفي هذه الآية ينسب المسيح× صيرورة الطين طيراً، وشفاء المرضى، وإحياء الموتى، إلى نفسه. وقال تعالى: ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ المَوتَى بِإِذْنِي﴾ (المائدة: 110). وفي هذه الآية أيضاً نشاهد أن الله أوكل فعل جملة من الخوارق إلى نفس السيد المسيح×، مكتفياً فقط بالإشارة إلى إذن الله في هذا المجال. أضِفْ إلى ذلك أن توقف الإتيان بإعجاز من قبل النبي على الإذن الإلهي لهو دليل على تعلق الإعجاز بفعل النبي وقدرته؛ وذلك لأن الإذن والإجازة لا يتحصَّل لهما معنى إلا إذا افترضنا أن الشخص المأذون يتوفَّر على المقتضي والقدرة المطلوبة للإتيان بالفعل، ولم يَبْقَ سوى الإذن الإلهي.

فالإذن في الحقيقة إصدار جواز يؤيِّد فيه البدء بذلك الفعل، كالجيش يدخل حرباً بإذن من قائده([52]).

وبالطبع فإن الإذن الإلهي في خصوص الإعجاز ليس بمعنى صرف التجويز والتأييد، الذي هو أمر اعتباري، بل الإذن الإلهي يتعدى ذلك إلى إعطاء النفس القدسي والقدرة الخارقة للشخص الذي ينوي الإتيان بالمعجزة([53]).

ويبدو أن تكرار (الإذن) في الآيات السابقة هو لنفي توهم استقلال الأنبياء^ في الإتيان بأصل الخوارق، والذي يعبر عنه بالتعويض. قال تعالى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ﴾ (الأنبياء: 81). وهذه الآية تنسب جريان الريح إلى أمر سليمان×. ومن المحتمل في هذه الآية أن الفاعل والمسخِّر الحقيقي لجريان الريح هو الله، أو الملائكة، إلا أنّ تحقق هذه العملية لا يكون إلا بأمرٍ من سليمان. لكن هذا الاحتمال منفيٌّ بقوله تعالى: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ﴾ (ص: 36 ـ 38). فالآية تصرح بتصرف النبي سليمان×، وولايته التكوينية على كلٍّ من الريح والشياطين.

قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ﴾ (الصافات: 72). علاوة على الآيات التي تسند الإعجاز إلى الأنبياء^ هناك آيات أخرى تصف الأنبياء بأنهم جنود الله الغالبين في أجواء ملؤها التحدي والمعارضة. ومعلوم أن مثل هذا التوصيف يلزم منه أن يكون للأنبياء دور ودخل في المعجزة؛ إذ لو لم يكن لهم دور في الإعجاز لما كان للغلبة والنصرة والتأييد من قبل الله معنى. فالغلبة والنصرة إنما تصدق عندما يكون للشخص المعني بالنصرة والغلبة أولاً وقبل كلّ شيء القابلية والاستعداد للقيام بفعل معين، حتى يكون هذا الشخص في مرحلة لاحقة محتاجاً إلى النصرة والتسديد. يقول العلامة الطباطبائي في هذا المجال: «وهذا المبدأ النفساني المجرد المنصور بإرادة الله سبحانه إذا قابل مانعاً مادياً أفاض إمداداً على السبب بما لا يقاومه سبب مادي يمنعه، فافهم»([54]).

وقال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا المَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً﴾ (الفرقان: 21). يرى الشهيد مطهري في هذه الآية تأييداً للنظرية التي نحن بصددها، ولذا نجده يقول: «هذه الآية بنفسها تدل على أن نزول الملائكة أو رؤية الله تعالى بذلك المعنى الذي يدعيه الأنبياء بحاسة العين هذه لا يتأتى إلا لبعض الأفراد. إذاً فالنفوس ليست كلها بمستوى واحد، بل توجد نفوس خاصة ذات إمكانيات ولياقات تؤهِّلها لهذا المقام والدرجة الرفيعة…، وهذا المعنى إن دل على شيء فهو يدل مرة أخرى على أن نفوس الأنبياء لها درجة ومقام خاصّ يؤهلها لتلقّي الوحي، والارتباط بالملائكة، وفعل المعجزات»([55]).

وقد استند جملة من المعاصرين إلى هذه الآيات، من أمثال: العلامة الطباطبائي([56])؛ والشهيد مطهري([57])؛ والأستاذ سبحاني([58]).

2ـ استحالة تأثير المجرد في المادي ــــــ

استناداً إلى مبدأ التناسب والعلية ـ والذي جرت البرهنة عليه في الفلسفة ـ فإن كل نحو من الفعل والانفعال، والتأثير والتأثر، على مستوى عالم المادة لابد وأن يحدث في إطار العلية المادية. وأما ما كان مجرَّداً تاماً فليس بإمكانه التأثير في العالم المادي، ولا التأثر به. وبعبارة أخرى: إن كل ما هو طبيعي يحتاج إلى علة مادية (فاعل طبيعي)([59]). وبما أن الإعجاز فعل وانفعال مادي يحمل صفة الخارق فإنه يضحى من المحال أن يكون الله، وهو المجرد التام، فاعلاً وعلة مباشرة للإعجاز. يقول الإمام الخميني في هذا الصدد: «فلو صدرت المعجزات عنه تعالى، من غير وسيط وبالمباشرة، والمزاولة، يلزم منه التصرم والتغير في ذاته وصفاته، التي هي ذاته»([60]).

ويردّ صدر المتألهين هو الآخر القول باستناد الأفعال الطبيعية والجزئية إلى الله، وهو مختار الأشاعرة، معلِّلاً رده بعدم وجود أية سنخية وتناسب بين المجرَّد والمادي. ويكتب قائلاً: «والأول محال؛ بالبراهين القطعية والأدلة النقلية؛ لأن ذاته أجلّ من أن يفعل فعلاً جزئياً متغيراً مستحيلاً كائناً فاسداً. ومن نسب إليه تعالى هذه الانفعالات والمتجدِّدات فهو من الذين لم يعرفوا حق الربوبية ومعنى الإلهية»([61]). وفي مكان آخر يقرِّر صدر المتألهين أن الفاعل المباشر للأفعال الطبيعية هو القوى الجسمانية([62]).

وبعد أن يقرر المحقق اللاهيجي أن الإعجاز يتم عن طريق نفس النبي يقول في تعليله لعدم صحة استناد الفعل إلى الله مباشرة: «إن حدوث الأمور المذكورة بحاجة إلى تحريك المادة، والتصرف في الطبائع، ومباشرة هذا التحريك والتصرف لا يليق بساحة صاحب الكبرياء والعظمة، الله جلّ جلاله. ومن هنا فإن المحقِّقين لا ينسبون إحداث مثل هذه الأمور إلى الله مباشرة، ومن دون وسيط… وبالطبع فإن هذا المعنى لا ينافي القول بالفاعل المختار، كما توهم ذلك الفخر الرازي، وأغلب المتكلمين»([63]).

ويقول العلامة الطباطبائي: «فالأمور جميعاً، سواء كانت عادية أو خارقة للعادة، وسواء كان خارق العادة في جانب الخير والسعادة، كالمعجزة والكرامة، أو في جانب الشر، كالسحر والكهانة، مستندة في تحققها إلى أسباب طبيعية»([64]). ويعتبر في موضع آخر أن هذا المبنى مستفاد من القرآن([65]). وقد أكّد بعض المعاصرين، من أمثال: الأستاذ جعفر سبحاني([66])، والأستاذ جوادي الآملي، على هذا الدليل.

 

3ـ قاعدة الواحد ــــــ

تكفل الدليل السابق بيان هذه النقطة، وهي أن الأمور المادية تستند إلى علل وفواعل مادية وطبيعية في سنخها. وعليه فإن العلة المجردة لا يمكنها التأثير بصورة مباشرة على مثل تلك الأمور المادية. وهذا يدلنا على أن الإعجاز يستند بصورة مباشرة إلى غير المجرد، وإلى غير الله تعالى. أما الدليل الذي نحن بصدده الآن، والذي يعد أحد المتكرِّرات الفلسفية المبرهنة، فيقضي بأن الفاعل البسيط، وهو ذات الباري المقدسة، لا يصدر منها مباشرة إلا فعلٌ ومعلولٌ واحد.

وأما سائر المعلولات فهي في الواقع معلول للصادر. وبهذا النحو يتم إسناد المعلولات إلى العلة الأولى. والنتيجة التي تترتب على هذه القاعدة، مضافاً إلى استحالة استناد الإعجاز مباشرة إلى الله، خروج جميع عالم الإمكان ـ سوى المعلول الأول ـ من كونه فعل الله بالمباشرة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه القاعدة ـ أي قاعدة الواحد ـ تعد من القواعد البديهية، والمبرهنة لدى أغلب الفلاسفة والعرفاء([67])، ومن بينهم: أرسطو([68])، أفلوطين([69])، الكندي([70])، الفارابي([71])، ابن سينا([72])، بهمنيار([73])، ابن رشد([74])، ابن عربي([75])، القونوي([76])، المحقق الطوسي([77])، شيخ الإشراق([78])، الميرداماد([79])، صدر المتألهين([80])، المحقق اللاهيجي([81])، الملا هادي السبزواري([82])، الملا عبد الله الزنوزي([83])، الملا نعيم العرفي الطالقاني([84])، أبو الحسن الشعراني([85])، الميرزا مهدي الأشتياني([86])، الإمام الخميني([87])، العلامة الطباطبائي([88])،حسن زاده الآملي([89]).

 

4ـ المعجزة فعل عرضي ومستغنٍ عن الله ــــــ

من النظريات التي كانت سائدة طيلة القرون الماضية لدى بعض المتألهين، وحظيت بصيغ مختلفة، نظرية التفويض، أي إيكال مهمة تدبير العالم إلى العالم نفسه، بحيث لا يغدو محتاجاً إلى الله. يشبّه بعض المتألهين الغربيين، من أمثال: بويل، العالم بالساعة، ليشبه الله بصانع الساعة. فكما لا تحتاج الساعة إلى صانعها عند اشتغال ماكينتها فكذلك العالم في حال حركته لا يحتاج هو الآخر إلى الله تعالى([90]). وقد أيّد بعض المعتزلة هذا الرأي في ما يرتبط بأفعال العباد.

ويذهب المعتزلة إلى أن الإنسان في أفعاله مستقل عن الله تعالى. ويذهب فريق آخر إلى أن الله يقدر فقط على خلق الأجسام، وأما التغييرات والتحولات التي تطرأ على الأجسام نفسها بعد الخلق فهي ذات صورة عرضية، وبالتالي تكون خارجة عن قدرة الله تعالى.

وبناءً على ذلك، وبما أن المعجزة لا تعدّ خلقاً للجسم، بل هي مجموعة تغييرات كلّية ونوعية تطرأ عليه، لا يمكننا تفسيرها على أنها فعل الله. وقد طرح هذه الفكرة بعض المعتزلة، ومنهم: المعمر وأتباعه. يقول أبو الحسن الأشعري، لدى استعراضه موقف المعتزلة: «وهم فرقتان؛ فزعم فريق منهم أن الله يقدر على خلق الأعراض وإنشائها؛ وزعمت فرقة أخرى منهم ـ وهم أصحاب معمر ـ أنه لا يجوز»([91]).

ويرى البغدادي أن دليل المعمر هو كون الإعجاز أمراً عرضياً. وبما أن الأعراض ليست من فعل الله إذاً فالإعجاز هو الآخر لا يدخل ضمن الفعل الإلهي([92]).

ويعتقد القاضي عبد الجبار أن أكثر المعجزات هي من الأعراض، لا كلها([93])، ولذا نجده يصرح في أكثرمن موضع بأن الإعجاز قد يكون فعل الله مباشرة، وقد يكون فعله بالواسطة([94]).

 

النظرية الثانية، وقفة تقييم وتحليل ــــــ

في تحليلنا لنظرية الفلاسفة ينبغي أن نقول: إن أصل الإمكان لا محذور فيه وفي الوقت الحاضر توجد شواهد علمية وتجربية كثيرة ينبغي التوقف عندها. كما توجد معجزات تصدر من غير النبي، كالملائكة، والأسباب الأخرى المسخَّرة من قبل الله.

والذي يبدو أن البراهين المسوقة لإثبات هذه النظرية عاجزة عن إثبات أن جميع المعجزات تنتسب إلى نفوس الأنبياء، دون أن تكون هناك معجزة تصدر عن غير النبي. نعم، الأدلة الموجودة تثبت انتساب المعجزات في الجملة إلى الأنبياء. وإليك توضيح ما نروم ضمن عدة نقاط:

1ـ تحليل الدليل الأول: بالنسبة إلى الآيات التي يستظهر منها أنها تنسب الإعجاز إلى نفس الأنبياء يمكن القول: إنه لو صرفنا النظر عن إشكال المتكلمين هنا، وهو أن هذا الإسناد إسناد مجازي، فالآيات في مقام بيان صدور بعض المعجزات عن الأنبياء.

وفي الأساس ليست الآيات في مقام بيان القصر. وبتعبير العلماء: إن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه. أضِفْ إلى ذلك أن هناك آيات أخرى ظاهرها إسناد بعض المعجزات إلى غير الأنبياء، وهذا ما يؤديه عدم القصر، والذي سيأتي شرحه لدى الحديث عن النظرية الثالثة.

2ـ تحليل الدليل الثاني: إن مفاد الدليل الثاني أن الإعجاز لما كان ذا طبيعة مادية فهو بحاجة إلى علة مادية، وبما أن الله تعالى مجرد فليس بإمكانه أن يكون الفاعل المباشر للإعجاز.

وفي تقييمنا لهذا الدليل نقول: إن هذا الدليل له علاقة بنقد نظرية المتكلمين، القائلة بأن الإعجاز فعل الله المباشر، لكنه في نفس الوقت لا يفيد قصر الإعجاز على فعل الأنبياء؛ وذلك لأنه من الممكن أن يتمّ الإعجاز بواسطة الله، ومن خلال التصرف في الأسباب والعلل الطبيعية، وليس بوسع الدليل الثاني للفلاسفة نفي ذلك.

3ـ تحليل الدليل الثالث: ويَرِدُ عليه نفس الإشكال السابق أيضاً. وعليه يمكن إسناد الإعجاز إلى غير النبي، أي إلى الله، بناء على قاعدة الواحد، ومبدأ السببية.

4ـ تحليل الدليل الرابع: وهو دليل بعض المعتزلة، القاضي بأن الأعراض خلقت بواسطة الأجسام. وبالنتيجة عدم استناد المعجزة إلى الله.

وقد تبين ضعفه؛ حيث يؤدي إلى نظرية التفويض، في الفلسفة والكلام؛ وذلك لأن ملاك احتياج الممكن ـ أعم من المجرّد والمادي، والجوهر والعرض ـ واستناده إلى واجب الوجود هو حقيقته ـ أي قيد الإمكان ـ التي لا تنفك عنه حدوثاً وبقاءً. وتأسيساً على ذلك فإن الصادر الأول والأخير (المادة) يشتركان في الملاك المذكور، فالجسم وأعراضه، وإن عُدَّ معلولاً لله بالواسطة، لكن بما أن أصل وجوده ووجود أعراضه مستـند إلى واجب الوجود فهو إذاً فعل الله. وهذا ما يشير إليه المبدأ الفلسفي القائل: «لا مؤثّر في الوجود إلاّ الله».

ويتفق هذا المبدأ مع المبدأ الفلسفي الآخر ـ قاعدة الواحد ـ في ضوء ما يسمى بالعلل الطولية. وهو أمر واضحٌ بعض الشيء. ومن أراد توضيحاً أكثر فليلتمسه في مظانه. ومحصَّل القول: إن وجهة نظر الفلاسفة في إسناد الإعجاز إلى نفوس الأنبياء خالية من أيّ إشكال. كما أنها تتواءم والمرتكزات الدينية. إلا أن الأدلة المطروحة في هذا المجال لا تنفي صدور المعجزات من غير الأنبياء.

 

النظرية الثالثة: فعل الله والنبي ــــــ

وتذهب هذه النظرية إلى القول بالتفصيل، أي إن بعض المعجزات معلولة نفوس الأنبياء، فيما البعض الآخر هو فعل الله المباشر. وبذلك يمكن الجمع بين الآيات التي تسند الإعجاز إلى الأنبياء، وتلك التي تسنده إلى الله. وأول من قال بهذه النظرية هو الحكيم فيلون (20 ـ 30 ق م).

يرى فيلون أن بعض العلوم والأخبار الغيبية للأنبياء هي في الواقع فعل الله، والبعض الآخر حصيلة تكامل القوة المدركة للأنبياء ([95]). كما ونسب هذا القول إلى سيسرون (Posidonius) أيضاً([96]).

دافع بعض المتكلمين المسيحيين، من أمثال: ريتشارد سوئين برن، عن هذه النظرية، وكانوا يعتقدون، طبقاً لبعض الآيات الواردة في الإنجيل (أعمال الرسل: الإصحاج الثالث)، أن بعض الحواريين ـ مثل بطرس ـ كانوا يقومون ببعض المعجزات([97]). ويدلّ ظاهر عبارات بعض العلماء المسلمين على هذه النظرية. وإليك جملة منها:

يسجِّل الإمام الغزالي، وبعد استعراضه نظرية الحكماء، إشكاله على قصر المعجزة على الأنبياء، فيقول: «هذا مذهبهم في المعجزات، ونحن لا ننكر شيئاً مما ذكروه، وإن ذلك مما يكون للأنبياء، وإنما ننكر اقتصارهم عليه»([98]).

ويرجع محيي الدين بن عربي بعض المعجزات، من قبيل: تبديل العصا إلى ثعبان، إلى الله تعالى([99]).

ويؤكد العلامة الحلي، في سياق بيانه لشروط الإعجاز، على أن فاعل الإعجاز هو الله أو النبي، بقيد «أمر الله»، حيث يقول: «الثالث: أن يكون من قبل الله تعالى أو بأمره»([100]).

وينحو الفاضل المقداد منحى العلامة الحلي في حديثه عن فاعل الإعجاز، حيث يقول: «الثاني: أن يكون من قبل الله تعالى أو بأمره»([101]).

ويكتب السيد جمال الدين الخوانساري (1122 هـ) بدوره قائلاً: إن صدورها ـ المعجزة ـ من غير الله تعالى بصورة مستقلة غير ممكن. فالمعجزة إما أن تكون فعل الله؛ أو من خلال ما يمنحه الله تعالى من علم أو قدرة لعبده، فيضحى العبد قادراً على الإتيان بالمعجزة بهذا الاعتبار([102]).

وينسب السيد أحمد الصفايي هذه النظرية إلى بعض العلماء أيضاً.

 

دليل النظرية الثالثة ــــــ

يستدل أنصار هذه النظرية بآيات، ظاهرها أن بعض المعجزات، من قبيل: صيرورة النار على إبراهيم برداً وسلاماً، وتليين الحديد لداوود، وتفجر الماء من الأحجار…، قد تمّ إسنادها إلى الله تعالى. وقد مرّ توضيح ذلك لدى شرحنا للنظرية الأولى.

تحليل وتقييم ــــــ

وفي تقييمنا لهذه النظرية ثمة نقاط لابد من التوقُّف عندها، وهي:

1ـ إذا كان المقصود من استناد بعض المعجزات إلى الله هو الاستناد المباشر ومن دون واسطة، والذي عليه ظاهر كلام المتكلمين، فإن هذه الدعوى لا تنفق مع البراهين العقلية والفلسفية. وقد مرّ الكلام إجمالاً في ذلك عند الحديث عن أدلة الفلاسفة.

أما إذا كان المقصود من التفصيل استناد بعض المعجزات إلى الأنبياء، وبعضها الآخر إلى الله عن طريق مبدأ السببية، بمعنى أن بعض المعجزات خارجة عن قدرة وإرادة الأنبياء، وليس لهم أي دور في تحقّقها وصدورها، بل موجدها ومصدرها هو الله تعالى، فإن كيفية تصرُّفه في صدور الإعجاز ـ والذي يعد أمراً مادياً ـ ليس معلولاً. فعلى سبيل المثال: قد يتحقَّق الأمر الخارق بتوسُّط بعض الملائكة، أو عن طريق التصرّف في مسار العليّة المجرّدة والمادية.

إذا كان المقصود هذا المعنى فهو يتفق والأدلة والأصول الفلسفية والعقلية. ومن الممكن مطابقته والآيات الدالة على صدور الإعجاز من الله تعالى؛ وذلك لأن سياق الآيات يدل على تحقق الفعل عبر الأسباب، من قبيل: إثارة الرياح للسحاب([103])، وتوفي الملائكة للأرواح([104]). كما وإسناده إلى الله في مواضع أخرى من القرآن الكريم.

2ـ تؤكد الآيات على صدور بعض الخوارق من الله بالمعنى المتقدم، في زمن الأنبياء. وعليه لا مجال للشك في ذلك. إلا أن النقطة المهمة هنا والجديرة بالاهتمام تكمن في مدى صحة إطلاق الإعجاز الاصطلاحي على مثل هذه الوقائع، أي هل بإمكاننا أن نطلق على جميع الخوارق التي صدرت من قبل الله على عهد الأنبياء لفظ «المعجزة» بالمصطلح الكلامي ـ والذي من مقوماته مقام التحدي وإثبات النبوة ـ أو أن أكثر هذه الخوارق خارج عن تعريف المعجزة بالمعنى بالمصطلح، ليدخل ضمن المعجزة بالمعنى اللغوي والعرفي؟

وبالتأمل في الخوارق الواقعة يتكشف لنا أن بعضها أو أكثرها لا يدخل ضمن المعجزة بالمعنى الكلامي. وعليه لا يمكننا الاستشهاد بها في إطار تقسيم الإعجاز المصطلح إلى: (النبوي؛ والإلهي). فمثلاً: إن صيرورة النار برداً وسلاماً على إبراهيم× (الأنبياء: 99)، وإنْ كان أمراً خارقاً لا يتأتى للإنسان أن يقوم به، وبالتالي فهو معجزة عرفاً، إلا أن مثل هذا الفعل لم يصدر من النبي‘ لإثبات نبوته، كما لم يتضمن قيد التحدي، بل هو فعل إلهي تحقق من أجل إنقاذ إبراهيم× وإثبات وتأييد مدَّعاه.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى ولادة يحيى× من النبي زكريا×، وإسماعيل وإسحاق من إبراهيم([105])، في سن الشيخوخة، إذ لم تكن هذه الولادات لإثبات النبوة، بل كان المورد الأول استجابةً لدعاء النبي يحيى×، والثاني لأجل الإرهاص. وهكذا بالنسبة لكثير من الخوارق الأخرى، من قبيل: جريان الماء إثر ضرب أيوب الأرض برجله([106])؛ وضرب موسى الحجر بعصاه وتفجّر الماء([107]) نتيجة ذلك، وغيرها من المعاجز، كانشقاق البحر([108])، والظُّلّة([109])، لتأييد الأنبياء^.

وهناك جملة من الخوارق حدثت بسبب صدود الناس وعدم إيمانهم، إما بطلب من الأنبياء أنفسهم أو من دون طلبهم. وأبرز مصداق لهذا النمط من الخوارق هو البلايا الإلهية في الدنيا، والتي اتخذت صوراً وأشكالاً مختلفة، من قبيل: طوفان نوح×([110])، والزلزلة والصيحة لقوم النبي صالح([111])، وشعيب([112])، ومطر الحجارة على قوم لوط([113]).

 

النظرية المختارة ــــــ

أما نظرية الفلاسفة فيمكن الموافقة عليها في جانبها الإثباتي ـ أي في ما تثبته للأنبياء من فعل الخوارق ـ، إلا أن شقّها الآخر، وهو قصر المعجزات على المعجزات الدنيوية فقط، فلا تؤيِّده النصوص الدينية.

وفي المقابل لا تتفق نظرية المتكلِّمين ـ والتي تنسب الخوارق كلّها إلى الله، لتجعلها فعله الصادر منه مباشرة ـ مع الأسس والمرتكزات الدينية والعقلية. وقد مر بيان ذلك، مع أدلته.

أما النظرية الثالثة، هي تقسيم الإعجاز إلى: إلهي؛ ونبوي، في إسناد الإعجاز إلى الله، فهي الأخرى لا يمكن قبولها؛ وذلك لأن استناد بعض المعجزات، ولو معجزة واحدة، إلى الله مباشرة، من دون القول بالسببية، يتعارض مع جملة من المقرَّرات العقلية والفلسفية، التي سبق أن أشرنا إليها في طيّات البحث.

وبناءًَ على ذلك يبدو أنه لابد من تطوير البحث وتنقيحه على صعيد النظرية الثالثة؛ للوصول إلى الرؤية الصحيحة.

وذلك بأن نقول: إن المقصود من انتساب بعض المعجزات إلى الله ـ والذي عليه ظاهر بعض الآيات ـ، والإخبار عنه بأنه فعله سبحانه، ليس انتساب الفعل المباشر، بل الانتساب بتوسُّط مبدأ السببية، بمعنى أن الله فاعل بعض المعجزات، وليس للأنبياء دور تكويني في هذا القسم، أما الدور التكويني لله فيتحقق عن طريق التصرف في العلل والأسباب، سواء الطبيعية منها أو غير الطبيعية، وأما حقيقة هذا التصرف فغير واضحة بالنسبة إلينا.

ولإثبات هذا المعنى يمكن الإشارة إلى أبرز معجزتين للنبي موسى× ـ أي معجزة العصا؛ ومعجزة اليد البيضاء ـ، حيث يبدو من خلال التدقيق في الآيات أن هاتين المعجزتين لم تكونا من فعل موسى× نفسه، بل كانت من فعل الله تعالى؛ إذ لم نعثر على آية تنسب المعجزتين إلى موسى×، بخلاف بعض المعجزات الأخرى التي نسبها القرآن إلى الأنبياء أنفسهم.

وقد وصف الله تعالى المعجزات الكبيرة لموسى× بأنها «آيات كبرى»، مسنداً إياها إلى نفسه، حيث قال: ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا الكُبْرى﴾ (طه: 23). وأما ﴿جِئْتُكُم بِآيَةٍ﴾، فهو عام، لا يفيد على وجه التحديد أن ما جاء به هو فعله أو فعل الله أو أي شخص آخر. ومجمل ما يفيده هذا القول أن ما جاء به هو آية لا غير. أضِفْ إلى ذلك أن التأكيد الإلهي على موسى بأن لا يخاف عند مشاهدته تبدُّل العصا إلى ثعبان في المرّة الأولى([114]) يشكل قرينة أخرى على دعوانا؛ إذ لو كان ذلك الإعجاز فعل النبي موسى× نفسه لم يبقَ أيّ مبرِّر للخوف حينئذٍ.

وأما بالنسبة إلى القرآن الكريم، والذي هو آخر المعجزات، فبناءً على القول المشهور من أنّ ألفاظه ليست من النبي نفسه، وإنّما هي من الله تعالى، يكون كلاماً إلهياً نبوياً.

والنقطة الأخيرة التي لابد من الإشارة إليها هي أن أكثر معاجز الأنبياء، والتي جاؤوا بها لإثبات دعواهم في مقام التحدّي والمعارضة، يمكن أن نعدها من فعلهم. وإلى جانب معاجزهم هذه كانت تصدر منهم خوارق إلهية ذات مقاصد وغايات متعددة، من قبيل: صيرورة النار برداً وسلاماً على النبي إبراهيم، والولادات التي وقعت على خلاف العادة، وإنزال المائدة، ونزول النصرة من السماء، ومعراج الرسول الأكرم محمد‘. فهذه الأمور الخوارق يصطلح على كلٍّ منها بالمعجزة العرفية.

ومحصَّل القول: إنّ بإمكاننا توجيه نظرية الفلاسفة، القائلة بقصر الإعجاز على فعل النبي، بالقول بأنّ مرادهم ليس جميع الخوارق (المعجزات العرفية)، بل المعجزة المصطلحة، إلاّ أنه لما كان أكثر المعجزات المصطلحة أيضاً في عداد أفعال الأنبياء، كان كلامهم باقياً على القصر ظاهراً، إلا أن يدّعي البعض القصر الحقيقي، ويحاول تفسير أفعال معجزة العصا واليد البيضاء على أنها فعل موسى× نفسه. وأما القرآن الكريم فقد صرّح أغلبهم أنه كلام إلهي.

الهوامش:

(*) أستاذ في مركز الدراسات الثقافية الإسلامية، ومن أبرز المهتمين بعلم الكلام المدرسيّ في إيران.

([1]) ابن تيمية، النبوات: 282.

([2]) عبد القادر البغدادي، أصول الدين: 176؛ عبد القادر البغدادي، الفرق: 137.

([3]) الفخر الرازي، المطالب العالية 8: 99؛ المحصل: 361؛ لكنه في بعض مؤلَّفاته الأخرى، مثل: المباحث المشرقية 2: 436، تبنى الرأي الآخر.

([4]) راجع: ابن حزم، الفصل 1: 58.

([5]) راجع: شرح المواقف 8: 17.

([6]) راجع: شرح المواقف 8: 220.

([7]) «المعجزات كلّها من صنع الله» (تفسير المراغي 1: 160، ذيل الآية 48 من سورة آل عمران).

([8]) «المعجزات كلّها من الله تعالى، لا من كسب الأنبياء» (رشيد رضا، الوحي المحمدي: 145).

([9]) الحمصي الرازي، المنقذ من التقليد 1: 391.

([10]) أبو الصلاح الحلبي، تقريب المعارف: 104، تحقيق: رضا الأستادي، قم، 1363.

([11]) الطوسي، الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد: 155؛ الطوسي، تفسير التبيان 1: في تفسيره للآية 60 من سورة البقرة.

([12]) محمد باقر المجلسي، مرآة العقول 3: 123.

([13]) محمد صالح المازندراني، شرح أصول الكافي 6: 46.

([14]) أحمد الصفايي، علم كلام 2: 82.

([15]) محمد تقي الجعفري، شرح نهج البلاغة 1: 93، و22: 332.

([16]) محمد تقي شريعتي، مقدمة تفسير نوين؛ ومحمد تقي جعفري، وحي ونبوت: 232.

([17]) ريتشارد سوئين برن، مفهوم المعجزة: 3.

([18]) محمد تقي شريعتي، المصدر السابق: 3 و12.

([19]) راجع: روح الله الخميني، چهل حديث: 549.

([20]) أبو الصلاح الحلبي، تقريب المعارف: 104.

([21]) الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد: 155 ـ 156.

([22]) سفر الخروج: 1 ـ 4.

([23]) راجع: محيي الدين ابن عربي، الفتوحات 3: 417 (الطبعة الجديدة).

([24]) إذا قلنا بأن المبدأ النفساني والقوة الروحية لموسى لها مدخلية في تحول العصا إلى ثعبان، باعتباره المقتضي والسبب لذلك، وكل ما هنالك أن النبي كان ينتظر إذن الله تعالى، إذا قلنا ذلك كله بقي أن يقال: لماذا خاف موسى×، وهرب من الثعبان الذي كان له دور في إيجاده؟! (علم الكلام 2: 82).

([25]) الاحتمال الآخر هو أنه حتى المرة الأولى التي تبدلت فيها العصا إلى ثعبان كانت بفعل من موسى، لكن بما أنه كان حديث العهد بهذا الحدث المخيف فقد خاف للوهلة الأولى، بالرغم من أنه هو الذي قد قام به.

([26]) يحكي لنا القرآن قصة مواجهة موسى لفرعون، فيقول: ﴿وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين… قال إنْ كنت جئت بآية فاْت بها إنْ كنت من الصادق، فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين﴾ (الأعراف: 104 ـ 107) و(طه: 58 ـ 64) هي الأخرى أخبرت عن وجود معجزة لموسى× قبل أن يجتمع السحرة، كما أخبرت عن اتهامه بالسحر، راجع أيضاً: الشعراء: 32 ـ 46.

([27]) نهج البلاغة، الخطبة 4؛ عبد الله جوادي الآملي، تحرير تمهيد القواعد: 141.

([28]) راجع: صدر المتألهين، الأسفار الأربعة 8: 130.

([29]) بعد القوة المتخيلة يذكر الفلاسفة عادة قوة أخرى هي القوة الواهمة، والتي تحذر صاحبها من الخطر المحتمل والمتوهم، مع أن الأمر الذي تحذر منه هذه القوة لا يشكل خطراً على ذلك الشخص. مثلاً: الحيوانات الأليفة تعرف الحيوانات المفترسة وتفرّ منها. (راجع: الأسفار الأربعة 8: 211؛ الملا هادي السبزواري، شرح المنظومة: 330؛ ابن رشد، كتاب النفس.

([30]) راجع: صدر المتألهين، الشواهد الربوبية: 341.

([31]) راجع: الفتوحات 3: 417.

([32]) گوهرمراد: 381.

([33]) راجع: فصوص الحكم، فصل 32.

([34]) ابن سينا، إلهيات الشفاء: 435؛ ابن سينا، المبدأ والمعاد: 115.

([35]) ابن رشد، تهافت التهافت 2: 126 (الطبعة الحجرية).

([36]) كاتبي، حكمة العين: 144.

([37]) شهاب الدين السهروردي، مجموعة المصنفات 3: 77، و1: 95.

([38]) الملا صدرا، الشواهد الربوبية: 341؛ المبدأ والمعاد: 483.

([39]) الفيض الكاشاني، علم اليقين 1: 351، 2: 184.

([40]) السبزواري، مجموعة رسائل: 200.

([41]) محيي الدين قمشه إي، راه سعادت: 45175.

([42]) محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 89.

([43]) مرتضى مطهري، آشنايي با قرآن 2: 220.

([44]) راجع: القاضي عبد الجبار، المغني 9: 23، 94.

([45]) راجع: أصول الدين: 176.

([46]) أبو الحسن الأشعري، مقالات الإسلاميين 1: 250.

([47]) مجموعة رسائل، المضنون على غير أهله 4: 147.

([48]) الغزالي، تهافت الفلاسفة: 438. لكنه وبعد صفحات قلائل، وفي معرض إجابته عن هذا السؤال، وهو: أين يكمن مصدر الإعجاز؟ هل مصدر الإعجاز هو نفس النبي أو المبادئ الأخرى، كالملائكة؟ يذكر مفاد الاتجاه الثاني، واصفاً إياه بأنه (الأوْلى)، فيقول: «والأولى بنا وبكم إضافة ذلك إلى الله تعالى، إما بغير واسطة، أو بواسطة الملائكة» (المصدر نفسه: 247).

([49]) راجع: الفخر الرازي، المباحث المشرقية 2: 436؛ الفخر الرازي، المطالب العالية 8: 127.

([50]) راجع: رشيد رضا، تفسير المنار 1: 225.

([51]) راجع: مرتضى مطهري، ولاءها وولايت ها: 5584.

([52]) الميزان في تفسير القرآن 1: 79؛ إعجاز أز نظر قرآن: 32.

([53]) يقول الشهيد مطهري في تفسيره لـ «الإذن»: «بديهي أن إذن الذات المقدسة ليس من سنخ الإذن الاعتباري والإنساني، الذي يمكن إلغاؤه باللفظ، والإشارة، بل هو منح للكمال من جانب الباري تعالى، كمالاً له مثل تلك الآثار، واذا شاء منع عنه ذلك الكمال» (ولاءها وولايتها: 84).

([54]) الميزان 1: 80.

([55]) مرتضى مطهري، مجموعه آثار 4: 469.

([56]) الميزان 1: 79 ـ 80.

([57]) «ما نستفيده من القرآن الكريم أن المعجزة فعل نفس الشخص الذي يقوم بها. فقوته هي التي قامت بهذا العمل، وهذا يعني أن الله تعالى منح إنساناً معيناً القوة والإمكانية» (مجموعة آثار 4: 485).

([58]) راجع: جعفر سبحاني، الإلهيات 3: 81.

([59]) يقول العلامة الطباطبائي في هذا المجال: «في عالم المادة الحوادث المادية لها علل وأسباب مادية، وكل حادثة لا تتحقق إلا بتحقق أسبابها وعللها، وهذا أصل مطّرد لا يتخلف أبداً» (الإعجاز في العقل والقرآن: 15)؛ و(أصول فلسفة وروش رئاليسم: 5).

([60]) الخميني، الطلب والإرادة: 69.

([61]) الأسفار الأربعة 8: 118.

([62]) الأسفار الأربعة 8: 109.

([63]) گوهر مراد: 234.

([64]) الميزان 1: 81 ـ 82.

([65]) «وأما القرآن الكريم فيثبت لكل حادث مادي سبباً مادياً بإذن الله. وبعبارة أخرى: يثبت لكل حادث مادي مستند في وجوده إلى الله سبحانه (والكل مستند) مجرى مادياً وطريقاً طبيعياً، به يجري فيض الوجود منه تعالى إليه» (الميزان 1: 76).

([66]) «انتساب الحوادث الجزئية المتجدّدة المتقضية بلا واسطة علل وأسباب إلى الله تعالى، المنـزّه عن التجدّد والحدوث، مما لا تقبله الأصول الفلسفة» (جعفر السبحاني، الإلهيات 3: 76، الهامش).

([67]) الصادر الأول عند الفلاسفة هو العقل الأول، أما العرفاء فالصادر الأول عندهم هو ذلك الوجود المنبسط الساري في جميع الموجودات. (راجع: صدر الدين القونوي، رسالة النصوص: 74؛ وعبد الرحمن الجامي، الدرة الفاخرة: 40 ـ 42؛ وجلال الدين الآشتياني، تعليقات عن أصل أصول الملا نعيم طالقاني: 94).

([68]) راجع: رسالة «زنون»، في مجموعة رسائل الفارابي: 7، طبعة حيدر آباد.

([69]) راجع: أفلوطين عند العرب: 134، تحقيق وتقديم: عبد الرحمن بدوي، انتشارات بيدار، قم.

([70]) راجع: ابن رشد، ما بعد الطبيعة: 160، طبعة الهند؛ وتهافت التهافت، المسألة الثالثة.

([71]) راجع: رسالة في وحدانية الله وتناهي جرم العالم، من سلسلة فلاسفة العرب، الكندي: 8، طبعة بيروت؛ ورسالة الدعاوي القلبية من مجموع رسائل: 4، طبعة الهند.

([72]) راجع: أبو علي سينا، الإشارات 3: 122.

([73]) راجع: بهمنيار، التحصيل: 341.

([74]) راجع: ابن رشد، ما بعد الطبيعة: 160؛ تهافت التهافت: 290.

([75]) راجع: ابن عربي، الفتوحات المكية 2: 434، و10: 397.

([76]) راجع: صدر الدين القونوي، فصوص الحكم: 23 ـ 28 و74؛ ومصباح الأنس: 30، 69.

([77]) في كتابه شرح الإشارات 3: 122، وكذلك في نقد المحصل: 237، اتخذ موقفاً مؤيداً للقاعدة. لكنه في كتاب تجريد العقائد: 176، وفي نصوص العقائد، أنكر القاعدة، وفي الرسالة النصيرية عدّ القاعدة من المسائل الصعبة.

([78]) راجع: شهاب الدين السهروردي، المطارحات: 385؛ القبسات.

([79]) راجع: ميرداماد، قبسات: 351.

([80]) راجع: الأسفار الأربعة 2: 177، 193، 204، 209؛ 7: 207.

([81]) راجع: گوهر مراد: 290؛ والشوارق الإلهية: 205.

([82]) راجع: السبزواري، الأسماء: 337؛ وشرح مجموعة رسائل: 375.

([83]) راجع: ملا عبد الله زنوزي، لمعات إلهية، تقديم وتصحيح: جلال الدين الأشتياني: 165 و226.

([84]) راجع: ملا نعيم الطالقاني، أصل الأصول: 80.

([85]) راجع: محمد صالح المازندراني، تعليقات بر شرح أصول كافي 3: 123.

([86]) …

([87]) راجع: الخميني، مصباح الهداية: 64؛ وكذلك الطلب والإرادة: 69.

([88]) راجع: الطباطبائي، نهاية الحكمة، المرحلة الثامنة، الفصل الرابع.

([89]) راجع: حسن زاده الآملي، رساله وحدت أز ديدگاه عارف وحكيم: 84.

([90]) راجع: أپان بار پور، علم ودين: 50.

([91]) راجع: مقالات الإسلاميين 1: 250.

([92]) أصول دين: 176؛ الفرق: 137؛ الشهرستاني، الملل والنحل 1: 65.

([93]) راجع: القاضي عبد الجبار، المغني 9: 23.

([94]) «واعلم أن من حقوق المعجز أن يكون واقعاً من الله تعالى حقيقةً أو تقديراً) (المصدر نفسه 15: 199). ولمزيد من التوضيح راجع: الأسفار الأربعة 1: 16.

([95]) نقلاً عن: إميل نزيهية، الآراء الدينية والفلسفية لفيلون الإسكندري، الترجمة العربية، محمد يوسف موسى وعبد النجار.

([96]) المصدر نفسه.

([97]) راجع: مفهوم المعجزة: 12 و17.

([98]) راجع: تهافت الفلاسفة: 238.

([99]) راجع: الفتوحات المكية 3: 417، جزء 1، باب 40.

([100]) الحلي، كشف المراد: 275. وكذلك له أيضاً: أنوار المبدأ والمعاد: 184.

([101]) الفاضل المقداد، إرشاد الطالبين: 307.

([102]) رسالة المبدأ والمعاد: 192، المندرجة في كتاب الرسائل، الذي طبع في المؤتمر التكريمي الذي أقيم له عام 1999م.

([103]) البقرة: 164؛ الحجر: 22؛ الكهف: 45.

([104]) السجدة: 11.

([105]) هود: 71.

([106]) ص: 42.

([107]) البقرة: 60؛ الأعراف: 160.

([108]) البقرة: 50؛ الشعراء: 63.

([109]) البقرة: 57؛ الأعراف: 160.

([110]) يونس: 73.

([111]) الأعراف: 78؛ هود: 67.

([112]) الأعراف: 91؛ هود: 94.

([113]) الأعراف: 84؛ هود: 82؛ الحجر: 74.

([114]) ﴿قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى﴾ (طه: 20). وتجدر الإشارة إلى أن بعض المفكرين، من أمثال: الأستاذ حسن زاده الآملي، يعتقد بأن هذا الاعتقاد من نوع تصرف النبي في الطبيعة (ممدّ الهمم في شرح فصوص الحكم: 577).

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email