أحدث المقالات

د. الشيخ حسن آقا نظري(*)

 

1ـ علاقة النمو الاقتصادي وتوزيع الدخل من منظار علماء الاقتصاد ــــــ

عقب الحرب العالمية الثانية، وفي وقت كانت الدول غير النامية والمستقلة توّاً تفكر بتدارك تخلفها، أصبح النمو الاقتصادي موضع توجّه الاقتصاديين. وعدّ في عقدي 1950 و1960م المشكلة الأساسية للكثير من الدول. ولم تكن التنمية الاقتصادية آنذاك تعني سوى النمو الاقتصادي. ومن هنا كانت كيفية الحصول على ذلك محور التعليلات والتعليمات والاستراتيجيات في تلك البرهة الزمنية.

وكانت المشكلة تعزى عادة في تلك التحليلات إلى عدم الاستثمار المتناسب مع إيجاد أسعار النمو العالية في الدول غير النامية. كما أن الاستثمار لم يكن كافياً؛ نتيجة للمستوى الهابط إلى حدٍّ ما، لتكوين رأس المال الجديد وقلة الادّخار. ومن هنا عدّت قلة الادّخار المانع الأساسي لهذه البلدان. وعلى هذا الأساس قدّمت مقترحات لزيادة الادّخار الداخلي، والاستفادة من المصادر المالية الأجنبية لتوفير مصادر الاستثمار.

كما أنه على صعيد السياسات المالية؛ ونظراً لأن الرؤية الحاكمة على السياسات آنذاك كانت النظرة الكينزية، كان البحث عن حلول تتناسب وهذه الرؤية.

إن الاستهلاك، وبالنتيجة الادّخار، يتبع الدخل القابل للتصرُّف، وفقاً لهذه النظرة، وعند زيادة الدخل يزداد الاستهلاك. إلا أن زيادة الاستهلاك يتحقق بسعر أقل من زيادة الدخل.

وبعبارة أخرى: إن الرغبة النهائية بالاستهلاك لدى مَنْ يملكون دخلاً أكبر أقلّ من الرغبة النهائية لاستهلاك الأفراد ممَّن لهم دخل أقل.

والنتيجة المنطقية لمثل هذا الكلام هي أن الجماعات ذات الدخل الأكبر تدخل قسماً أكبر من زيادة الدخل، بالقياس إلى الجماعات ذات الدخل الأقل.

ومن هنا فإن اتخاذ سياسات مالية تقوم بتوزيع الدخل لصالح الطبقات ذات الدخل الكبير يمكنه أن يساعد في زيادة الادخار، وإيجاد أرضيات لازمة للنمو والازدهار.

لقد أشار سيمون كوزنتس من خلال تجربة قام بها إلى أن المراحل الأولية للنمو في الدول النامية اقترنت بأشد صور تمايز الدخول فيها، إلا أن التمايز أخذ بالانخفاض تدريجاً، فأصبح توزيع الدخل أكثر عدالة([1]).

وقد أثّرت فرضية كوزنتس على الأسس النظرية للاقتصاد بشكل عميق وطويل. كما أقام كالدور أيضاً علاقة إيجابية بين الدخل وسعر الاستثمار، وذلك من خلال نموذج عرف بنموذج كمبريج، والذي كان تطويراً لنموذج نمو »هارود ودومار«، فقد كان يعتقد بأن العمال أقل ميلاً إلى الادّخار بالقياس إلى أصحاب الأموال ـ وهم الذين يستلمون دخل ثرواتهم أساساً ـ([2]).

وعليه كلما تغير توزيع الدخل لصالح أصحاب الثروة اختص مقدار أكثر من الدخل بالاستثمار، مما يؤدي إلى نمو اقتصادي أسرع.

وقد استمرت المتابعة المتطرفة والنمو الاقتصادي البحت عقوداً من الزمن، إلا أن المنجزات كانت على خلاف الوعود والتطلعات فلم تنتهِ إلى نمو اقتصادي وتحسن توزيع الدخل فحسب، وإنما انتهت إلى عدم التنمية، وازدياد الفقر، رغم تحقق نمو بأسعار عالية في بعض الدخول.

إن الازمات الحاصلة إثر انهيار نظريات التنمية وجهت الأنظار نحو الأبعاد الأخرى للتنمية، ومنها: موضوع توزيع الدخل بصورة أكثر عدالة، والقضاء على الفقر.

ولم يكن التوزيع الأعدل في النظرية الجديدة والنظريات الناتجة عنها في تعارض مع النمو، بل كان يتم التعامل معه كعامل لتحقق النمو الاقتصادي الثابت والمستمر([3]). وفي أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات أدت عدة عوامل إلى توفير المقدمات اللازمة لإعادة النظر في النظريات الحاكمة في اقتصاد التنمية:

أولاً: لقد وجد الاقتصاديون من خلال ملاحظة التمايز في الأجور في الدول الصناعية في العقدين عدم انسجامها مع فرضيات كوزنتس؛ وذلك لأن الدول النامية ـ وفقاً لتقديراته ـ يجب أن تشهد انخفاضاً مستمراً في التمايز في الدخل، إلا أن مثل ذلك لم يحصل.

ثانياً: تحكي الشواهد أن بعض الدول الأسرع نمواً كانت تتمتع بتوزيع أكثر تساوياً للدخل بالقياس إلى الدول الأخرى، والعكس صحيح، في وقت كان للكثير من الدول ذات التمايز الكبير أقلّ مستوى من النمو.

إن هذه الشواهد توحي بعدم وجود ضرورة للتمايز في الدخل؛ للوصول إلى مستويات عالية من الادخار والاستثمار والنمو الاقتصادي السريع. ومن هنا كان الشعور بضرورة إعادة النظر في النظريات الموجودة المرتبطة بالعلاقة بين النمو وتوزيع الدخل، وقدّمت نظريات جديدة لبيان هذا النحو من العلاقة.

إن النظريات الجديدة التي تبلورت حول التنمية الاقتصادية تهدف إلى توزيع العلاقة المباشرة للنمو والتوزيع العادل للدخل. وقد تناولت هذه النظريات تأثير التساوي على النمو بالبحث والدراسة من جهات مختلفة، وهي مما يمكن عرضها بشكل عام من خلال أربع رؤى:

 

أـ النظريات التي تؤكد على أسس البرمجة وكيفية تبلور القرار السياسي داخل الاقتصاد ــــــ

هذه النظريات التي قدّمت من قبل برسون(1992م) وتابليني(1994م) حول آلية تحديد سعر الضرائب على الثروة في نظام ديمقراطي، وكذلك من قبل آلسِنا ورودريك(1994م) في الحالة نفسها، وحتى في النظم غير الديمقراطية، تنتهي إلى نتيجة مفادها أن التمايز يهدد النمو بالخطر. وقد عمم بن أبر(1996م) نظريات برسون وتابليني على النظم اليمينة واليسارية.

 

ب ـ النظريات التي تؤكد على إعادة توزيع الدخل عبر التسديدات الانتقالية ــــــ

يعتقد سنت بول وفوردير(1996م) في نقد نموذج النظريات (أ) أن إعادة التوزيع لم تتحقق من خلال الضرائب على الثروة فقط، وإنما من الممكن أن تتم عبر زيادة سهم التسديدات الانتقالية في ميزانية الدولة، أو من خلال توسعة التعليم الشامل والتسهيل والتسريع في تراكم الثروة الإنسانية للجماعات ذات الدخل المحدود.

وعلى هذا الأساس وبما أن الثروة البشرية محرك النمو الاقتصادي فإن سياسة إعادة توزيع الدخل سيؤدي إلى النمو.

 

ج ـ النظريات التي تؤكد على الأزمات السياسية ـ الاجتماعية وأثرها على النمو ــــــ

أشار السينا وبروتي(1996م) في دراسته إلى أن تمايز الدخل يؤدي إلى تصعيد الأزمات الاجتماعية، وبالنتيجة زيادة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، ويترتب على ذلك عدم الاطمئنان في الاستثمار وانخفاض مستواه.

وعليه فإذا كان الاستثمار يعدّ طاقة محركة للنمو الاقتصادي فإن التمايز يؤدي إلى انخفاضه.

 

د ـ النظريات التي تلحظ أثر التساوي على النمو من خلال تركيب الطلب ــــــ

نظراً لضرورة وجود سوق داخلية كبيرة؛ لطي مراحل التصنيع والتنمية الاقتصادية في هذه النظريات، فإن توزيع الدخل لصالح المجموعات ذات الدخل المتوسط شرط لازم لإيجاد سوق داخلية للمحصولات الصناعية الداخلية وتحقق التنمية الصناعية([4]).

إن الأزمات البيئية الناجمة عن النظرة المقترنة بالقطع والتصلب بالنمو الاقتصادي، مع قطع النظر عن التحولات التي ظهرت في ما يتربط بالنمو والتوزيع، لفتت الأنظار إلى الأبعاد الأخرى من حياة الإنسان.

وعلى هذا الأساس فإن أبحاث البرمجة، ومنها: السياسات الضريبية، أدت إلى الاهتمام بمجموعة من المسائل الاقتصادية وغيرها.

ونتيجة للتحولات الحاصلة فإن النمو الاقتصادي وإنْ كان هدفاً مهماً في السياسات الاقتصادية للدولة، إلا أن نوع النظرة إلى الأبعاد المختلفة لحياة الإنسان، وعدم التصلُّب في بعدٍ خاصّ، له تأثير مصيري على كيفية النظرة إلى الاقتصاد واتخاذ السياسات.

 

2ـ نمو الإنتاج الوطني من منظار الإسلام ــــــ

إن النمو الاقتصادي من أهداف الاقتصاد الإسلامي والتعاليم الإسلامية؛ ليتمتع الإنسان ـ مهما أمكن ـ بمواهب وإمكانات العالم، إلا أن النمو الاقتصادي بمعنى زيادة GNP لا بعدّ المعيار الوحيد لرفاهية الإنسان.

إن التنمية من منظار إسلامي مسار متعدد الأبعاد، بحيث يشمل الأبعاد الأخلاقية والروحية، بالإضافة إلى القضايا المادية. ويتم السعي لإيجاد توازن بين أبعاد حياة الإنسان المختلفة.

ومن هنا لا يمكن التضحية بالعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل؛ للوصول إلى سعر نمو أعلى في نظام الاقتصاد الإسلامي، وإنما المطلوب نمو يتضمن العدالة الاجتماعية والتوزيع الأكثر عدالة للثروة بين أبناء المجتمع.

وعلى هذا الأساس تطلب زيادة الإنتاج الإجمالي القومي في الوهلة الأولى أيضاً؛ لتلبية الحاجات الضرورية الأساسية لأفراد المجتمع، وهناك أولوية لإنتاج بضائع تلبّي الحاجات المعقولة والحقيقية لأفراد وجماعات المجتمع، ويحتلّ إنتاج البضائع والخدمات الكمالية، التي تقتصر الحاجة إليها على الطبقات الثرية في المجتمع، المراتب اللاحقة.

ومن هنا فإن نظام الضرائب المطلوب إسلامياً يعمل من أجل تنمية المصادر الإنسانية، ويهدف إلى برامج تؤول إلى تنمية وتربية الشخصية والسلوك والدراسة والتعليم؛ لإيجاد قدرات للقيام بنشاطات مفيدة، ورفع متسوى العلم والبحث، وتوسعة الآليات لمشاركة الناس الخلاّقة.

 

3ـ دور الضرائب الإسلامية في نمو الإنتاج الاقتصادي ـــــــ

من أجل توفير الإمكانية لزيادة أي اقتصاد من إنتاجه لابدّ من رفع مستوى إمكانات قسم عوامل الإنتاج، بالإضافة إلى توفير أرضية الاستهلاك والخدمات في مجال الطلب. وهذا الأمر يخفض التذبذب الاقتصادي، ويربط الاقتصاد بشكل حقيقي بالنمو. وعليه لابد من ملاحظة آثار الضرائب الإسلامية في مجالي العرض والطلب:

 

3ـ 1ـ العرض ـــــــ

أـ تأثير الضرائب على الادخار ـــــــ

إن أحد الشروط المهمة لتحقق الاستثمارات الجديدة ـ كما سبق ـ وجود ادخار في المجتمع. ومن الممكن أن يكون للضرائب الإسلامية آثار مختلفة على الادخار.

وبما أن هذه الضرائب جعلت بصورة خمس فوائد الكسب والدخل فمن الممكن أن تؤدي من جهة إلى زيادة استهلاك الفرد؛ فراراً من أداء الضرائب، ومن جهة أخرى فإن انخفاض مقدار دخل الفرد يؤدي إلى انخفاض استهلاك الحاضر والمستقبل.

ومن هنا يمكن ملاحظة أثر هذه الضرائب من جهات شتى.

إن أثر الخمس والزكاة على الادخار ـ كما ذكرنا ـ على صلة بالسعر النهائي لبديل استهلاك الحاضر والمستقبل، فالادخار له أثر بديل أيضاً، ويغير الاستهلاك بما يضر استهلاك المستقبل والادخار.

ومن الممكن أن نصل إلى النتيجة التالية في ما يرتبط بالزكاة أيضاً، وهي أن أثرها ينحصر بالأثر الدخلي، دون أن يكون هناك أثر بديل. ولكن اتضح في الوقت نفسه؛ ومن خلال المقارنة بين الخمس والزكاة والضرائب المتعارفة، أن الأثر الدخلي والسعر النهائي البديل في الخمس أقل من الضرائب المتعارفة، وأن أثر الزكاة ينحصر أيضاً بالأثر الدخلي؛ وذلك لأن سعر الزكاة أقل عادة من سعر الضرائب المتعارفة، فأثرها السلبي على الادخار والاستهلاك المستقبلي أقل كذلك.

وعليه يمكن انتظار أن يكون أثر الضرائب الإسلامية في جهة خفض الادخارات أقل من أثر الضرائب المتعارفة.

 

ب ـ تأثير الضرائب على الاستثمار ـــــــ

يمكن تصور أن تعمل الضرائب الإسلامية في مجال ترغيب الاستثمار، وذلك من خلال ما مضى من أبحاث؛ لأن الضرائب توجّه الفرد نحو تداول ثروته للحصول على الدخل.

إن عدم الاستفادة من الثروات وكنزها، بالإضافة إلى ما يؤدّيه من تعلق الضرائب، ينتهي غالباً وبمرور الزمن إلى انخفاض قيمتها.

ومن هنا فإن المناسب للفرد ـ كحلٍّ عقلانيّ ـ هو استثمار ثرواته؛ طلباً لزيادة الدخل.

وعند انعدام فاعلية سعر الفائدة في النظام الإسلامي فإن سعر الغلة الموجودة في الاستثمار سوف يسير نحو الانخفاض. وعليه فإن الاستثمار في كثير من الحالات التي لا يوجد لها توجيه اقتصادي في نظام ربوي يصبح ممكناً، وتنتفي أرضية ضرورة الاستثمار الحكومي في هذه الحالات.

ومن جانب آخر بما أن سعر الضرائب الإسلامية أقل بالقياس إلى النظم الأخرى فإن سعر الربح المترقّب والغلة النهائية للثروة في النظام الإسلامي أعلى من النظم الأخرى. ومن هنا يكون دافع الاستثمار أعلى أيضاً.

كما أنه ونتيجة لوجود آليات في النظام الإسلامي، من قبيل: المشاركة في الاستثمار، فالمستثمر لا يتحمل جميع مغامرات الاستثمار، ويشارك المستثمرون الآخرون في عواقب النشاطات الاقتصادية.

كما أنه؛ نتيجة لكون أسعار الضرائب ثابتة ولا تتغير بتغير الظروف، فإن احتمال الضرر في الاستثمار أقلّ، قياساً إلى الاستثمار في النظم الربوية، وهذا ما يشجع العاملين الاقتصاديين على الاستثمار. كما أنه في بعض الحالات، التي يؤدي أخذ الضرائب فيها إلى عجز المستثمر، يحظى بالعفو الضريبي، وبالنتيجة يزداد مقدار الاستثمار.

وهكذا قد يشكل نوع ضمان بالنسبة إلى المستثمرين الذين يصبحون عرضة للإفلاس؛ وذلك من خلال وجود مصارف من قبيل: الغارمين.

 

ج­­­ ­ـ تأثير الضرائب على عرض العمل ـــــــ

تؤثر الضرائب الإسلامية على الاستفادة من القوى العاملة، وعلى زيادة ساعات العمل.

الاستفادة من القوى العاملة: لقد احتلّ موضوع نوعية القوى الإنسانية أهمية في العقدين الأخيرين، بعد أن كان مغفولاً عنه، ولم يكن يحظى بالاهتمام سوى كمية القوى الإنسانية، واعتبرت الثروة الإنسانية عاملاً أساسياً في نمو المجتمعات المتقدمة([5]).

إن التسديدات الانتقالية، التي تتم من خلال إنفاق الضرائب الإسلامية، يمكن أن تقوّم في ظل الاهتمام بالثروة الإنسانية. وهذه التسديدات لا تتحقق في إطار توفير المطعم والملبس فحسب، وإنما تتضمَّن جميع متطلبات هؤلاء، من قبيل: الصحة، والتعليم.

ومن هنا يمكن أن تتمتّع القوى الإنسانية بالتغذية والصحّة والتعليم، وحتى الدوافع الأقوى للمشاركة في التنمية والتطور الاجتماعي.

ومن جهة أخرى فإن ملاحظة وجوه الإنفاق المذكورة كإحدى أولويات الإنفاق الضريبي، ووجوه الضمان الاجتماعي، يمكن أن يؤدي إلى الحيلولة دون انتشار الفقر. يعتقد الكثير من علماء الاجتماع والاقتصاد أن العوائل الفقيرة في الدول غير النامية ينظرون إلى أبنائهم كقوى عاملة توفِّر الدخل أولاً، وتمثّل عوناً وسنداً لها في فترة الشيخوخة والعجز عن العمل، وهذا ما يجعلهم يزيدون في أبنائهم، ويكوّنون أُسَراً كبيرة. ويعتبر النمو السكاني المطّرد في الكثير من الدول المتخلِّفة من أهم العوامل في انتشار الفقر، بينما إذا كان الآباء على اطمئنان بمستقبلهم فإنهم لن يستمروا في التكاثر والإنجاب. وعلى هذا الأساس فإن التسديدات الانتقالية في المجتمع الإسلامي كما تقوم بمواجهة عوامل الفقر فإنها لا تقتصر على إدخال القوى العاملة والتي لم تشارك في النشاطات الاقتصادية نتيجةً للعجز المالي والجسمي في مجال النشاط، بل تؤدي إلى أن تتمتع بالعطاء والنوعية الأفضل، وذلك من خلال كسب المهارات الضرورية، والدوافع الأقوى، لتنهض بدورها الإسلامي في نمو المجتمع بشكل أفضل.

ساعات العمل: كما ذكرنا سابقاً فإن أثر فرض الخمس عليه غير واضح، خلافاً للزكاة، حيث يؤدي إلى زيادة عرض العمل. وعليه فإن الضرائب الإسلامية توفِّر ساعات عمل أكبر من قبل أصحاب القوى العاملة، وترفع مستوى الرغبة عند الفرد، قياساً إلى أثر الضرائب في النظم الاقتصادية المتعارفة.

 

3ـ 2ـ الطلب ــــــــ

إن تخصيص قسم من الضرائب للجماعات ذات الدخل المحدود، ممّن لا يسعهم الحصول على دخل مناسب، يؤدي إلى انتقال قسم من دخل المجموعات ذات الدخل الكبير إلى الطبقات قليلة الدخل.

إن انتقال الدخل هذا؛ ونظراً لاختلاف الرغبة النهائية بالاستهلاك بين طبقات المجتمع المختلفة، يمكنه أن يؤثِّر على الطلب العام للمجتمع. كما أن خمس فوائد الكسب؛ ونتيجة لإعفاء النفقات الحياتية الطبيعية طوال السنة (مؤونة السنة)، يمكنه أن يقّوي الطلب العام.

فإذا قبلنا هذا الفرض، وهو أن الرغبة النهائية للاستهلاك وسط الجماعات ذات الدخل القليل أكثر من الرغبة النهائية للاستهلاك بين المجموعات ذات الدخل الكبير، ولنفرض أن الدولة الإسلامية تنقل جميع الدخول الضريبية في إطار تسديدات انتقالية إلى الجماعات ذات الدخل المحدود، فمن الممكن أن يترقب زيادة استهلاك ذلك النوع من السلع والخدمات التي تحتاجها هذه المجموعات، ويزداد الطلب عليها، وبالنتيجة تزداد الدوافع المطلوبة لاستثمار ذلك القبيل من البضائع والخدمات. طبعاً إن وجود سوق واسعة لتلك البضائع والخدمات كان موضع اهتمام الاقتصاديين، ولاسيما في العهد الأخير؛ وذلك لإيجاد النمو الاقتصادي.

إن توسيع السوق عامل أساسي لزيادة الإنتاج الوطني، وفاعلية القوى العاملة من جهة نظر اسميث([6]). وقد أكد يانغ على صحة نظرية اسميث، ووضع الإصبع على تأثير زيادة نمو الدخل العام على توسّعه([7]).

وأثر اعتبار التنمية الاقتصادية مغاير لمعنى نمو الاستهلاك، فقد أوجد نموذج الحاجات الضرورية بنية محكمة لدوام النمو بعيد الأمد، وذلك بخفض تحديد الطلب الداخلي، والتأثير في هيكليته، وفي دافع الاستثمار المرتبط به.

من هذا المنظار فإن تنفيذ مجموعة من السياسات الاقتصادية، التي تمكّن من توفير المتطلّبات الأساسية للمجاميع ذات الدخل المحدود، يؤدي إلى حدوث هيكلية طلب يتبعها زيادة عامة. من خلال هذا الطريق يمكن أن تساعد زيادة الطلب العام في الدول النامية في النمو الاقتصادي؛ وذلك لأن التوزيع العادل للدخل في الدول النامية يؤدي إلى زيادة طلب المحاصيل المنتجة في المعامل الصغيرة والمتوسطة، كما يتزايد الطلب العام للمحاصيل التي تحظى بإنتاج كبير من جهة أخرى، ويشجع إنتاج بعض السلع في إطار واسع، ويتم تفعيل القابليات غير المفعّلة للمصانع، فتنخفض نفقة إنتاج كل شيء.

هذا بالإضافة إلى أن البضائع الاستهلاكية عندما تنتج بالاستفادة من تكنولوجيات تعتمد بضائع وسيطة ورأس مال بسيط إلى حدٍّ ما، ويتسنى إنتاج بعضها في إطار محدود، فإن تغيير هيكلية الطلب يمكن أن تؤدي إلى زيادة إنتاج بضائع وسيطة واستثمارية([8]). إن النماذج الجديدة، التي تحققت بعد الإثبات العملي لتناسب النمو الاقتصادي والتوزيع الأعدل للدخل، اعتبرت الطلب الداخلي وسيلة مؤثِّرة على المسار الإيجابي للنمو الاقتصادي.

فالاقتصاد يمكن أن يطوي المراحل الصناعية والنمو الاقتصادي من منظار مورفي وشيلفر وفويشني(1989م) عندما تكون التجارة العالمية ذات نفقات باهظة، وذلك حين تتمتع بسوق داخلية كبيرة إلى حدٍّ ما.

وعلى هذا الأساس فإن المعيار الداخلي ينبغي أن يكون بمقدار يغطي نفقة تشغيل مشاريع استثمار في المحاصيل الصناعية. ويعتبر مورفي وزملاؤه أن مجموعة الدخل المتوسط عندما يكونون المستهلكين الطبيعيين للمنتجات فإن توزيع الدخل لصالح هذه المجموعة سيكون شرطاً لازماً للتصنيع والتنمية الصناعية([9]).

 

4ـ الضرائب والاستقرار الاقتصادي ــــــ

إن إحدى معضلات النظم الاقتصادي في العهود الأخيرة وجود تذبذبات وأزمات اقتصادية، وبروز ظروف آنية للازدهار والركود الاقتصاديين.

لقد استطاع النظام الرأسمالي الغربي عقب الركود الكبير سنة 1929م، والحضور الجدي للدولة في شأن البرمجة،الحيلولة دون وقوع هذه التذبذبات إلى حدٍّ ما، إلا أن وجود فترات الازدهار والركود، والتي قد تجعل المجتمع أمام الأمواج، ما زالت تهدِّد الحياة الاقتصادية للمجتمعات الغربية، وقد احتوت إمكانية بروز أزمة في نظامه بالقوة.

إن السياسات الضريبية هي إحدى الأدوات التي تحاول الدول السيطرة من خلالها على التذبذبات الاقتصادية.

ولا شك أن النظام الاقتصادي الإسلامي واجه في مسير نموه فترة تضخم وركود اقتصاديين، وسيعيش تلك التجربة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمتلك هذا النظام الأدوات اللازمة للسيطرة على تلك الفترات أو تقليلها على الأقل؟

للإجابة عن هذا السؤال يمكن الالتفات إلى عوامل ظهور هذا القبيل من التذبذبات في النظم الاقتصادية المتعارفة، وخصوصاً النظام الرأسمالي، ثم مقدار إمكان تحقق ذلك في النظم الإسلامية. كما يمكن من خلال ملاحظة الضرائب الإسلامية دراسة قابلياتها في مواجهة هذا النوع من الظروف.

يقال عادة بأن هناك عوامل متحركة توجِّه أول ضربة لبداية الحركة التجارية، ثم ينطلق الاقتصاد من خلال حركات إلى اليمين واليسار. ومن هذه العوامل المحركة: الاستثمار، الذي يتأثر بالعوامل الخارجية أو الداخلية للاقتصاد.

فمن العوامل الخارجية: الإبداعات المهمة، وتزايد السكان، والتذبذبات المتعلقة بالاطمئنان الاقتصادي([10]). إلا أن العامل الداخلي المهمّ والمؤثِّر على الاستثمار إنما هو العامل التلقيني.

وتوضح آلية تأثير هذا العامل على العجلة التجارية من خلال قانون السرعة. إن هذا القانون ـ الذي يُمثِّل نظرية حول العوامل المصيرية للاستثمار ـ يعد حجم الثروة الذي يحتاجه المجتمع بصورة بضائع أو أدوات في الدرجة الأولى مرتبطاً بمستوى الإنتاج.

وتتحقق زيادة حجم الثروة، أي الاستثمار الخالص، عندما يكون الإنتاج في حالة نمو.

وبالنتيجة يمكن أن ينتهي عهد الازدهار، ليس بسبب انخفاض البيع؛ وإنما بسبب استقرار البيع في مستوى عالٍ فقط.

وعلى هذا الأساس لابدّ أن يزداد البيع بتلك السرعة السابقة بشكل مطرد؛ وذلك من أجل الحفاظ على الاستثمار. فإذا توقَّف البيع عن هذا الشكل من النمو، أو أخذ يراوح في مستوى واحد، لم يعد هناك نمو للاستثمار الخالص، ونزل إلى الصفر. وعندما يكون البيع مقترناً بالانخفاض فمن الممكن أن يقوم المعمل ببيع بعض أدواته، وربما الإقدام على الاستثمار السلبي.

وعليه عندما تصاب النسبة القائمة بين مستوى الاستثمار وبيع المنتوج ـ الذي يسعى المعمل للمحافظة على استقراره ـ بالتذبذب فإن من الممكن أن يكون هذا التذبذب محرِّكاً لإيجاد عهد تجاري جديد.

فعلى سبيل المثال: إذا كان المعمل يبغي الحفاظ على النسبة المذكورة في مستوى اثنين بواحد، وذلك باستقرار أو انخفاض مستوى المنتوج، يخفض مستوى طلبه من الصناعات المنتجة للآليات. وفي هذه الصورة ينخفض الدخل ونفقات المطعم والملبس أيضاً، وذلك بملاحظة نموذج المضروب التصاعدي، ممّا يؤدي إلى حدوث مضروب تصاعدي أكبر في الإنتاج أيضاً.

ومن الممكن أن يؤول إلى توقف نمو بيع المنسوجات، أو حتى انخفاضه([11]).

وفي النتيجة عند وصول الاقتصاد إلى نقطة الفاعلية التامة فإن مضروب تسارع الانخفاض يفرض على مقدار مهمّ من الاستثمار، الذي يحافظ على الازدهار الكبير، وذلك بمجرد توقُّف النمو المتسارع للنظام.

إذاً فالاستثمار المستقلّ يمكن أن يلعب دور الكابح حين الركود. وانطلاقاً من هذه النكتة حاول هيكس بيان هذا الأمر، مشيراً إلى أن التذبذبات الاقتصادية غير متقارنة عند الركود والتضخم، وأن فترة الركود أقصر من فترة التضخم([12]).

وبما أن الاستثمار المستقل يحظى باستقلالية عن ميزان الدخل الوطني ففي فترة الركود، التي ينخفض فيها الدخل الوطني، يبلغ الاستثمار أدنى حدٍّ له، وذلك بانخفاض الاستثمار بمستوى الاستثمار المستقل.

إن وجود الاستثمار المستقل مانع من تزايد الركود، وبالنتيجة كلما كان مستوى الاستثمار المستقل أكثر في اقتصادٍ ما فإن مستوى الركود وفترته سيكون أقل أيضاً.

 

4ـ 1ـ الفترات التجارية في نظام الإسلام الاقتصادي ودور الضرائب في الاستقرار الاقتصادي ـــــــ

أـ الفترات التجارية في الاقتصاد الإسلامي ـــــــ

إن وجود فترات تجارية في الاقتصاد الإسلامي أمر لا يمكن اجتنابه أيضاً؛ لأن الكثير من المحركات الخارجية خارجة عن العوامل الاقتصادية، ولها تأثير لا مفرّ منه على مسار النمو الاقتصادي.

 

عوامل الاستقرار في الاقتصاد الإسلامي ــــــ

يؤمل أن تكون التذبذبات في الاقتصاد الإسلامي أخفّ من النظام الرأسمالي؛ نتيجة لوجود بعض العوامل، وأن يكون من هذا المنطلق دور أدوات من قبيل: الضرائب أخفّ لوناً من الضرائب المتعارفة أيضاً. ومن الممكن الإشارة إلى عوامل انخفاض التذبذبات الاقتصادية بالشكل التالي:

 

أولاً: حذف الفائدة من النظام الاقتصادي وإبدالها بعامل المشاركة ـــــــ

إن أحد العوامل التي تؤدي إلى عدم الاستقرار وأزمة الرأسمالية استفادة المؤسّسات من القروض القائمة هيكليتها على أساس التلاعب الكمبيالي. يبين مين اسكي في شرح هذه النظرية أن المؤسَّسات؛ من أجل توفير المال لنشاطاتها، تتحمل التزامات تسديد مستقبلية من استلامات مترقّبة أو أموالها النقدية، بالإضافة إلى المصادر المالية الداخلية.

في البداية تكفي استلامات الشركات لتسديد التزاماتها، وتوفير هذه المبالغ خالٍ من المخاطر، ويتحقق في وضع آمن، إلا أن الاستمرار الموفَّق لهذه الاقتراضات يثير هذا الإحساس، وهو أنه في ظلّ ذلك تسير الأمور نحو انتشار غير طبيعي للتلاعب الكمبيالي، ويزداد الاستثمار تبعاً لذلك، ويظهر صعود قيمة الممتلكات الاستثمارية وتسريع تسديد الديون. وفي هذه الحالة قلّما تعتمد هيكلية الاستقراض على المنافع الحاصلة من العمليات القائمة، وترتكز على المصالح طويلة الأمد وأرباح الاستثمار المتوقعتين، وتوفير الأموال طويل الامد في الأغلب، ويتبدّل التوفر المالي الخالي من الخطر إلى توفير مالي قائم على التلاعب الكمبيالي.

وفي هذه الحالة فإن أية زيادة في أسعار الفائدة أو أي نوع انخفاض في مستوى الربح الحقيقي يؤّديان إلى زيادة التزامات تسديد المؤسسات الاقتصادية، وكذلك قيمة الديون بالنسبة إلى الاستلامات، وقيمة الأرصدة غير النقدية لهذه المؤسسات، وفي النتيجة تزداد نسبة الديون بالقياس إلى الرصيد في هذه المؤسسات، ممّا ينهي إمكانية تسديد الديون في بعض هذه المؤسسات. وإثر سراية الأزمة في السوق المالية من قطاع إلى آخر تقّل بسرعة قيمة الأرصدة، وتحطم الهيكل الاستقراضي القائم على التلاعب الكمبيالي([13]).

يعتقد لافوي أن ما يؤدي إلى انهيار هيكلية الاستقراض ليس مجرد زيادة سهم التوفير المالي والاستقراض في الاستثمار، وإنما وجود نظام الفائدة، التي تحدد الالتزامات فيه مسبقاً. ويظهر أنّ تسديد الديون بمبلغ ورقم ثابتين، ومن دون ارتباط بالعوائد الحقيقية الحاصلة للمؤسسات، يؤدي إلى هذا الانهيار. مضافاً إلى أن المقرض في النظام القائم على سعر الفائدة مطمئن بالوصول إلى أصل القرض وفرعه، من دون التفات إلى عمل المشاريع التي استثمر فيها القرض ونفعها وضررها([14]).

الآن وبعد أخذ حذف الفائدة في الاقتصاد الإسلامي بنظر الاعتبار، وحلول أدوات من قبيل: المشاركة محلّها، يمكن التعرض لدراسة دور المشاركة في خفض مستوى عدم الاستقرار والأزمة. وما يسترعي الانتباه هو أن بعض المفكرين الفرنسيين، كـهنري سيمو(1948م)، وكيندل برغر(1985م)، وكاره كن(1985م)، وغرلمب ومينغو(1985م)، قد اقترحوا أنواعاً من نظم المشاركة؛ حلاًّ للمشاكل والأزمات المصرفية([15]).

إن وجود نظام المشاركة يمكن أن يكون بمثابة عنصر رادع في مقابل عهود التضخم، وعلى الأقل في قسم من نظام الاستثمار؛ وذلك لأن القضاء على الاثنينية بين المقرضين والمقترضين، ومساهمة موفّري الأموال في العوائد وربح وضرر المشاريع، يحقق توفيرات مالية أكبر في مراحل مطمئنة وآمنة من المخاطر، وقلما يمكن الخروج من تلك المرحلة.

وفوق ذلك فإن أصحاب الثروة والأرصدة ومَنْ استثمروا أموالهم بصورة مشاركة سوف لن يشعروا بعدم المبالاة بالنتائج في حالات الركود، بل يرون أنفسهم إلى جانب المستثمر. إن هذا الأمر نفسه، الذي يلعب دوراً كعامل آخر للاستقرار الاقتصادي، هو الأكثر تأثيراً في خفض مغامرة الاستثمار.

إن جميع أخطار الاستثمار في النظم الربوية تتوجه نحو المستثمر؛ بدليل أن المستثمر لا علاقة له بالمقرض. وأما في نظام المشاركة فإن تقسيم الأخطار المحتملة بين المستثمر ومَنْ يقوم بتوفير المال يخفض مستوى احتمال الضرر، بالقياس إلى النظام الربوي، وينتظر أن يكون طلب الاستثمار، الذي له علاقة معكوسة مع مستوى الخطر، أكثر، قياساً إلى النظام الربوي.

إن هذا الأمر، وخصوصاً في ظروف الركود، حيث تقلّ رغبة المؤسسات بالاستثمار، يمكن أن يساعد في خفض فترة الأزمة والحيلولة دون تعميمها.

 

ثانياً: وجود استثمار مستقلّ وواسع وكثير ـــــــ

يؤكد أكثر الاقتصاديين المسلمين أن هدف المنتج المسلم لا يقتصر على الحد الأكثر من الربح، وإنما هناك مجموعة من القيم الأخلاقية والقانونية والمصالح الاجتماعية تؤثر في قراره.

إن حاصل جميع العوامل المذكورة هو أن المستوى الإنتاجي من قبل المسلم أكثر، بالقياس إلى المنتج الربوي، الذي لا يهدف سوى إلى بلوغ الحدّ الأعلى من الربح.

في الحقيقة إن المنتج المسلم سيستمر في الإنتاج مع المحافظة على الحدّ الأدنى من الربح، وهذا ما يتضمن إنتاجاً أكثر، وبالنتيجة استثماراً أوسع([16]).

وفي هذه الصورة يزداد سهم الاستثمار، وإثر وجود استثمار أكثر استقلالاً فإن عهود الركود سوف تكون أقلّ عمقاً وزمناً.

 

ثالثاً: وجود قطاع عام واسع في النظام الإسلامي ـــــــ

إن وجود قطاع واسع عام؛ وذلك نظراً لكونه يجعل عدداً مهماً من النفقات مستقلاًّ عن تغيرات الناتج الإجمالي القومي (Gnp)، يمكنه أن يعمل باتجاه إيجاد استقرار اقتصادي([17]).

إن القطاع العام يمتاز بسعةٍ ملحوظة في النظام الإسلامي، وعليه فهو يلعب دوراً مهمّاً في الاستقرار.

 

ب ـ الضرائب والاستقرار  ــــــ

يظهر من خلال الأبحاث السابقة، في ما يرتبط بالتذبذبات الاقتصادية والعهود التجارية، أن زمن التذبذبات ومقادرها في النظام الإسلامي أقلّ من النظام الربوي. وعلى هذا الأساس يمتاز نظام الاقتصاد في الإسلام باستقرار أكبر، وحاجة أقل، بالنسبة إلى الاستفادة من الآليات الضريبية.

إن ضرائب الخمس والزكاة تمكّن المبرمجين من الاستمرار في سياسة الاستقرار عند الضرورة. وهذه الضرائب وإن كانت ثابتة بحسب السعر، ومواردها التي تشملها محددة وفقاً لفتاوى مشهور فقهاء الشيعة، إلا أنه بالإمكان الوصول إلى استقرار أكبر، وذلك بالاستفادة من الصلاحيات الموجودة في نوع الإنفاق والصرف.

كما أن نوع فرض الخمس بحيث يمارس دوره كعامل استقرار حقيقي.

الاستفادة من النفقات وصرف الضرائب ـــــــ

وكما سبق فإن صرف الضرائب المجموعة وإنفاقها من صلاحيّات الحكّام المسلمين إلى حدٍّ ما. ففي الخمس وبما أن التصرف في المبالغ المجموعة من صلاحيات الحاكم؛ ليصرفها في مصالح المسلمين، فالبحث فيه أقلّ؛ إذ يخصّص الحاكم الإسلامي قسماً من هذه المبالغ لرفع حاجات آل رسول الله (السادة)، ويستعمل البقية في مصلحة المجتمع الإسلامي. وعليه فمحلّ إنفاق هذه الضرائب يخضع لتشخيص الحاكم إلى حدٍّ ما. ومن الممكن أن يعتبر رفع التذبذب عن الوضع الاقتصادي من جملة مصالح المجتمع الإسلامي. وأما في الزكاة فالأمر كذلك أيضاً، فوجوه الصرف وإن كانت ثمانية، إلا أنّه بالإمكان الاستفادة منها لمتابعة السياسات الاقتصادية، وذلك لوجود عنوان »في سبيل الله« على الأقل بيد الحاكم؛ ليخصّص بعض عوائد الزكاة بمصالح المسلمين العامة، وحتّى المصالح الشخصية لأفراد المسلمين. ويشمل »في سبيل الله« ـ وفقاً لرأي مشهور فقهاء الشيعة ـ جميع سبل الخير([18]). وعليه فبالإضافة إلى جواز صرف الزكاة في مصالح المسلمين العامة، كبناء الجسور والمدارس والمستشفيات، يمكن صرفها في أمور الخير الشخصية والمصلحة الفردية، مثل: إصلاح ذات البين، ورفع المشاكل الأسرية.

وفي هذه الصورة فإن الاستفادة من الزكاة يمكن أن يكون من جملة مصاديق »في سبيل الله«، في إطار السياسات التي تتضمن خير ومصلحة المجتمع الإسلامي.

ومن الممكن ـ حتى على أساس فتوى غير المشهور التي حصرت معنى »في سبيل الله« بمصالح المسلمين العامة ـ أن لا يكون هناك مانع من هذا النوع من الاستفادة.

كما أن ذكر وجوه صرف الزكاة الثمانية لا يعني قصر دخل الزكاة على هذه الأقسام الثمانية؛ لتوزع عليها فحسب، وإنما يعني أن صرف قسم من الزكاة أو جميعه جائز في هذه الوجوه. ومن هنا يمكن للحاكم عند الضرورة تخصيص الزكاة ببعضها. هذا الأمر يمنحه القدرة على متابعة السياسات المالية المختلفة في الحالات المتنوعة؛ ليحقق الأهداف الاقتصادية للمجتمع الإسلامي، ومنها: الاستقرار الأكثر. طبعاً إن ذكر الأصناف الثمانية في الآية ينبع من اهتمام الشارع برفع حاجاتها، وعلى الحاكم أن يأخذ بنظر الاعتبار تلبية متطلّباتها.

واعتماداً على ما ذكر نشير إلى دور إنفاق الضرائب في الاستقرار. وكما مرّ في ذكر عوامل ظهور العهود التجارية فإن زعزعة النسبة بين الاستثمار وبيع المحصول من الممكن أن يؤدي إلى ظهور تذبذب وأزمة اقتصادية، بمعنى أن انخفاض مستوى الاستثمار من الممكن أن يكون بدايةً لعهد الركود، كما يمكن أن تكون زيادة بيع المحصول تحدث عهد تضخم، فإذا كنا في ظرف تضخم، وأدرك المستثمرون أن مستوى استثمارهم لا يكفي لتلبية الحاجة بمستوى بيع المحصول، وبعبارة أخرى: إن النسبة المذكورة أقل من النسبة المفيدة للاستثمار والمحصول، فلا بد أن تطّرد سرعة الاستثمار، لتكون النسبة المذكورة مساوية للنسبة المفيدة.

إن زيادة الاستثمار، وما تتركه آلية مضروب الزيادة من الأثر، يدخل الاقتصاد ـ وبسرعة ـ المراحل السافلة للتضخم، ويبلغ ذروة الازدهار.

إن هذا التضخم يحدث نتيجة لضغط الطلب، وينمو بسرعة تحت التأثير المتبادل الإيجابي لآليتي السرعة ومضروب الزيادة، ويصل إلى نهاية العهد التضخمي، ثم يصل دور انخفاض النمو. وعليه فإن العهد التضخمي الحاصل هو عهد الرأس الحادّ.

وأثر إنفاق الضرائب، كما إذا كان ضغط التضخُّم الناشئ عن الطلب قد انخفض، وفي المقابل زيد من مستوى الاستثمار، وانخفضت سرعة التضخم، وفي قبال ذلك ازداد زمان العهد التضخمي، وبعبارة ثانية: إن العهد التضخمي يتبدل من حالة الرأس الحاد إلى حالة ملائمة.

وعلى هذا الصعيد فإن إنفاق الضرائب الإسلامية أمر قابل للتقويم. وعلى أساس ما ذكر يحقّ للدولة الإسلامية أن تخصّص الضرائب المجموعة ـ وفقاً للمصلحة ـ للحاجات الاستهلاكية للمجتمع والجماعات المستحقة، أو تستثمرها في الشؤون الإنتاجية.

وعليه ففي الظروف المذكورة إذا قامت الدولة بتقليل التسديدات الانتقالية، التي تؤدي إلى زيادة ضغط الطلب، وتوجهت إلى الاستثمار، فقد عملت على خفض سرعة التضخم، وجعل الوضع أكثر ملاءمة، كما تعمل على تطوير ذلك العهد.

وبذلك ففي ظروف الركود، التي تحدث إثر انخفاض مستوى بيع المحصول، تكون نسبة رأس المال إلى مستوى البيع أكثر من المستوى المطلوب. ويمكن للدولة أن تساعد على زيادة الاستهلاك ومستوى بيع المحصولات، وذلك بزيادة التسديدات الانتقالية، وتوفير أرضية تفاؤل المستثمرين بالنسبة إلى المستقبل، والترغيب بزيادة الإنتاج، وتخفيض زمن عهد الركود. ومن هنا فإن بمقدور الدولة الاستفادة من أداة الضرائب في مجال الاستقرار الاقتصادي، وذلك عبر تغيير نسبة نفقة الإنتاج، وإنفاق الضرائب في عهود التضخم والركود.

وبهذا الشكل ينتظر مواجهة عهد ازدهار ذات زمن أطول، ونزول أكثر ملائمة، وعهد ركود ذي زمان أقصر.

الهوامش:

(*) أستاذ في الحوزة والجامعة، وعضو الهيئة العلمية في مركز بحوث الحوزة والجامعة، متخصِّص في الاقتصاد الإسلامي.

([1]) كيليس وآخرون، اقتصاد توسعه: 134 ـ 136، ترجمه إلى الفارسية: غلام رضا آزاد.

([2]) المصدر السابق: 252.

([3]) يراجع: ويلي بركستردم، دولت ورشد: 63، ترجمه إلى الفارسية: علي حياتي

Carl s.shoup. “Taxes and Economic Development” in Approches the Development Taxaion.p.42

([4]) يراجع: فرهاد نيلي، »رشد اقتصاد وتوزيع در آمد«، مجلة برنامه وبودجه، العددان 38 ـ 39: 14 ـ 30.

([5]) محمد ستاري فر، در آمدي بر سرمايه وتوسعه إنساني: 177.

([6]) هانت، نظريه هاي اقتصاد توسعه: 24، ترجمه إلى الفارسية: غلام رضا آزاد.

([7]) المصدر السابق: 26.

([8]) المصدر السابق: 284 ـ 285.

([9]) فرهاد نيلي، »رشد اقتصادي وتوزيع در آمد«، مجلة برنامه وبودجه، العددان 38 ـ 39: 28.

([10]) بول ساموئيل، فسن، اقتصاد 1: 306، ترجمه إلى الفارسية: علي رضا نوروزي ومحمد إبراهيم جهاندوست.

([11]) المصدر السابق: 309.

)[12]( s.i. tagel-din, Allocative and stabilization fanetion of zakatin on Islamic Econmy, in Reading public fincm in Islam. P. 343.

([13]) محسن فرد منش، »نظام بهره وبي ثباتي مالي«، تقرير الملتقى الثالث للسياسات النقدية والأرصدة: 144 ـ 145.

([14]) المصدر السابق: 148.

([15]) محسن س. خان، مشكلات نظري وبانك داري وماليه إي إسلامي: 45 ـ 55، ترجمه إلى الفارسية: محمد ضيائي بيكدلي.

([16]) يراجع: هيئة المؤلفين، اقتصاد خرد با نگرش إسلامي 43، 230، ترجمه إلى الفارسية: حيسن صادقي.

([17]) ماسغرير ريتشاردا وماسغرير بكي، ماليه عمومي در تئوري وعمل: 807، ترجمه إلى الفارسية: سعود محمد، ويد الله إبراهيمي فر.

([18]) يراجع: الشيخ الأنصاري، كتاب الزكاة: 308؛ جواهر الكلام 15: 368؛ العروة الوثقى 2: 316.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً