أحدث المقالات

بقلم: السيد كاظم الحائري

ألقى السيد محمد باقر الصدر سلسلة محاضرات فقهية حول إحياء الأراضي الموات، في عطلة شهر رمضان المبارك، شرع بها من 1 ـ رمضان ـ 1381 هـ (7 ـ 2 ـ 1962م)، معتبراً إياها خميرة الجزء الثاني من كتاب اقتصادنا، وبعد ذلك درّسها مرةً أخرى عام 1971م، وسبق أن نشرنا في العدد الخامس تلك الدورة، وننشر هنا الدورة الأولى، وقد قرّر هذه الدروس أيضاً سماحة السيد كاظم الحائري، أحد خلّص طلاب السيد الشهيد، وقد قدّم لمجلّة «الاجتهاد والتجديد» ـ مشكوراً ـ هذه الدراسة التي تنشر للمرة الأولى «مركز الأبحاث والدراسات التخصّصية للشهيد الصدر» في مدينة قم الإيرانية. وقد قام الشيخ حيدر حب الله بتحقيق وتصحيح هذه المحاضرات العلمية، عبر تقويم نصّها، واستخراج مصادرها، وعنونة موضوعاتها، كما يراه القارئ هنا، واعدين القارئ نشر سلسلة من بحوث السيد الصدر لم يسبق نشرها من قبل، آسفين لتأخير نشرها إلى اليوم، بعد أكثر من عقدين ونصف على استشهاده& (التحرير )

النظريات الفقهية في مسألة التحليل

الكلام في نظرية التحليل يقع في محاور ثلاثة:

الأول: تحديد المحلَّل.

الثاني: هل حلّل لكلّ الشيعة كل ما حلّل، أو حلّل لكل منهم خصوص ما في يده لا ما في يد غيره؟

الثالث: هل هذا التحليل حكم إلهي أو مالكي؟ وعلى الثاني فهل هو صرف إباحة أو تمليك؟ وعلى الثاني، هل هو تمليك على وفق القواعد الفقهية أم تمليك على خلافها ثبت من المعصوم(ع) والأصحاب؟

وقد أجمل الفقهاء البحث في المحورين الأخيرين، فيما ذهبوا في المحور الأول إلى طرح مجموعة نظريات، أبرزها: 1 ـ نظرية تخصيص المحلَّل بالمناكح فقط. 2 ـ نظرية شمول المحلَّل للمناكح والمساكن والمتاجر. 3 ـ نظرية شمول التحليل لمطلق الأنفال. 4 ـ نظرية شمول المحلَّل لمطلق ما للإمام(ع). 5 ـ نظرية إنكار التحليل من رأس.

والمشهور من بين هذه النظريات هو النظرية الثانية، وهي تحليل تلك العناوين الثلاثة المتقدّمة، ولم يرد في الأخبار ما يدل تمامه على تمام هذا المضمون، سوى مرسلة عوالي اللئالي عن الصادق(ع)، سأله بعض أصحابه، فقال: «يا ابن رسول الله! ما حال شيعتكم فيما خصّكم الله به إذا غاب غائبكم واستتر قائمكم؟ فقال(ع): ما أنصفناهم إن أخذناهم ولا أحببناهم إن عاقبناهم، بل نبيح لهم المساكن لتصحّ عباداتهم ونبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم، ونبيح لهم المتاجر لتزكوا أموالهم»([1]).

يضاف إلى ذلك أن كلمات أنصار هذه النظرية مجمل، يحتمل ـ بل احتمل ـ وجوهاً عديدة؛ وقد ذكر الشهيد الأوّل في حاشيته على القواعد احتمالات في ذلك، وقال بأنّ هذه التفسيرات كلّها حسنة؛ فكأنّه يقول: إنّ جميعها مرادٌ لهم([2]).

أما حلية المناكح ففسّرها بتفسيرين:

التفسير الأول: إسقاط الخمس من السراري المغنومة التي تكون جميعها ـ على المشهور ـ للإمام إذا كانت الحرب بدون إذنه، وخمسها له إذا كانت بإذنه.

التفسير الثاني: إسقاط الخمس من مهور الزوجات؛ لأنّ ذلك من جملة المؤن.

وقد أورد المحقق النجفي على التفسير الأول بأنه قد حلّل مطلق الأنفال، ولا خصوصية للسراري المغنومة، كما ناقش الثاني بأنّ استثناء المؤن غير مربوط بما نحن فيه؛ فإنه من الحكم الإلهي لا التحليل المالكي الذي هو مفاد أخبار التحليل، كما أنه غير مختصّ بالشيعة ولا بالمناكح([3]).

أما المساكن، فقد فسّرها الشهيد الأوّل بتفسيرات عدّة:

الأول: مسكن يغنم من الكفار.

الثاني: مسكن الأرض المختصّة بالإمام كرؤوس الجبال.

الثالث: المسكن المتخذ من أرباح المكاسب فإنه من المؤونة.

وأما المتاجر ففسّرها ـ أيضاً ـ بتفسيرات:

الأول: ما يشترى من الغنائم الحربية فيجوز التجارة به من دون إخراج خمسه.

الثاني: ما يكتسب من الأرض والأشجار المختصة به %.

الثالث: ما يشترى من أهل السنّة مثلاً، ممّن لا يعطون الخمس.

هذا، وقد بالغ الشيخ محمد حسن النجفي في إجمال كلمات الأصحاب وعدم تحريرها، حتى قال: >بل يخشى على من أمعن النظر فيها مريداً إرجاعها إلى مقصد صحيح من بعض الأمراض العظيمة قبل أن يأتي بشيء، وظنّي أنها كذلك مجملة عند كثير من أصحابها، وإن تبعوا في هذه الألفاظ بعض من تقدّمهم ممن لا يعلمون مراده، وليتهم تركونا والأخبار؛ فإنّ المحصّل من المعتبر منها أوضح من عباراتهم<([4]).

والإنصاف أنّ الأمر كما ذكر النجفي ـ صاحب الجواهر ـ من أنّ الأخبار في هذه المسألة أوضح، واستنباط الحكم منها أسهل من هذه الكلمات المجملة الصادرة من الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ وقد كان المقصود من ذكرنا لهذا المقدار تشريح الأذهان والتبرك بكلماتهم.

بدورنا، سوف نتكلّم ـ بصرف النظر عن كلماتهم ـ فيما يستفاد من الأخبار ـ وكلامنا حالياً في المحور الأوّل ـ فنقول ومن الله التوفيق:

تعيين المحلَّل في أخبار التحليل

أخبار التحليل بعضها معتبر سنداً، وبعضها غير معتبر، والمعتبر منها ست روايات، ذكرها الحر العاملي في وسائل الشيعة، في الباب الرابع من أبواب الأنفال، وهذه الروايات هي:

1 ـ حديث الفضلاء الثلاثة ـ أبي بصير وزرارة ومحمد بن مسلم كلهم ـ عن أبي جعفر(ع) قال: >قال أمير المؤمنين(ع): هلك الناس في بطونهم وفروجهم؛ لأنهم لم يؤدّوا إلينا حقنا، ألا وإنّ شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ<([5]).

2 ـ حديث علي بن مهزيار، قال: >قرأت في كتاب لأبي جعفر(ع) إلى رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله ومشربه من الخمس، فكتب بخطّه: من أعوزه شيء من حقي فهو في حِلّ<([6]).

3 ـ حديث يونس بن يعقوب، قال: >كنت عند أبي عبدالله(ع)، فدخل عليه رجل من القماطين، فقال: جعلت فداك، تقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات، نعلم أنّ حقك فيها ثابت وإنّا عن ذلك مقصّرون، فقال أبو عبدالله(ع): ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم<([7]).

وهذا الحديث رواه الشيخ الطوسي بسند ضعيف، لكن رواه الصدوق بسند معتبر.

4 ـ حديث الفضيل، عن أبي عبدالله(ع) قال: >من وجد برد حبّنا في كبده فليحمد الله على أول النعم، قال: قلت: جعلت فداك، ما أول النعم؟ قال: طيب الولادة، ثم قال أبو عبدالله(ع): قال أمير المؤمنين(ع) لفاطمة(ع): أحلّي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا، ثم قال أبو عبد الله(ع): إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا<([8]).

5 ـ حديث أبي سيار ومسمع بن عبد الملك قال: قلت لأبي عبدالله(ع): >إني كنت ولّيت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم، وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم، وكرهت أن أحبسها عنك وأعرض لها، وهي حقك الذي جعل الله تعالى لك في أموالنا، فقال: ما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس؟ يا أبا سيار! الأرض كلها لنا فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا، قال: قلت له: أنا أحمل إليك المال كلّه؟ فقال لي: يا أبا سيار! قد طيّبناه لك وحللناك منه فضمّ إليك مالك وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون ومحلّل لهم ذلك، إلى أن يقوم قائمنا فيجيبهم طسق ما كان في أيدي سواهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا؛ فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم منها صغرة<([9]).

6 ـ حديث زرارة عن أبي جعفر(ع) أنه قال: >إنّ أمير المؤمنين(ع) حلّلهم من الخمس ـ يعني الشيعة ـ ليطيب مولدهم<([10]).

هذه هي الأخبار المعتبرة في مبحث التحليل، وباقي الأخبار الواردة في ذلك ضعيف سنداً.

أخبار التحليل ومعضلة عدم حجية خبر الواحد في الموضوعات

إلا أنّ ثمّة إشكال يتصل بحجية أخبار تحليل الخمس ـ حتى الصحيح منها سنداً ـ وهو أنّ الخبر الواحد إنما يكون حجّةً في الأحكام دون الموضوعات ـ على ما هو المعروف بينهم([11])ـ وظاهر أخبار التحليل، كما سيجيء إن شاء الله، هو التحليل المالكي لا الحكم الإلهي، ومن المعلوم أنّ التحليل المالكي موضوعٌ من الموضوعات، تماماً كرضا زيد ـ مثلاً ـ في التصرّف بماله، ولا يثبت ذلك بالخبر الواحد، بل يحتاج ثبوته إلى البيّنة، نعم التحليل بالنسبة إلى الأنفال لعلّه متواتر، أما بالنسبة إلى الخمس فليس كذلك قطعاً، ولم ترد بيّنة على التحليل؛ فإنه وإن وردت الشهادة على التحليل من أكثر من اثنين، لكن لم تحصل الشهادة عندنا، وإنّما نقلت إلينا نقلاً؛ وهذا معناه أنّه لابدّ في ثبوت البيّنة غير الثابتة وجداناً من قيام بينة كاملة على كلا جزئي البينة، ولا يكفي قيام جزء منها على جزء منها، وقيام جزء آخر على الجزء الآخر، كما نحن فيه.

وأظنّ أنّ أوّل من أبدى هذا الإشكال هو الحاج آغا رضا الهمداني )؛ فبعد أن ذكر الأخبار وصال وجال في تزييف القول بتحليل الخمس، أشار إلى أنّ الخبر الواحد ليس حجّةً في هذا التحليل؛ لأنّه وارد في الشبهة الموضوعية، والآحاد ليست بحجّة فيها([12]).

إلا أنّ تحقيق الكلام في المقام أن يقال: إنّ من لا يرى حجية الخبر الواحد مختصةً بالشبهة الحكمية، بل يقول بحجيّته مطلقاً ـ كما هو الحقّ([13]) ـ فهو مستريح من هذا الإشكال؛ لشمول الحجية للمورد، أما من يرى اختصاصها بالشبهة الحكمية، فالحقّ ـ مع ذلك ـ هو حجية الخبر الواحد في خصوص ما نحن فيه؛ إذ ليست العبرة بعنوان كون الشبهة موضوعية أو حكمية بما هو؛ وذلك أنّ القول باختصاص حجية خبر الواحد بالشبهة الحكمية فيه مسلكان: أحدهما دعوى اختصاص دليل الحجية بها وعدم شموله للشبهة الموضوعية، وثانيهما دعوى أنّ إطلاق دليل الحجية مخصَّص بدليل خاص.

وبيان ذلك: إنّ العمدة من أدلة حجية خبر الواحد أمور ثلاثة: آية النبأ، وبناء العقلاء، والأخبار المتواترة إجمالاً:

أ ـ فإما لا نرى دلالة الآية الشريفة تامةً، ونخدش ـ أيضاً ـ ببناء العقلاء في وجوده أو حجيته، ونرى دليل حجية الخبر الواحد منحصراً في الثالث، ويُدعى ـ مع ذلك ـ أنّ تلك الأخبار لا تشمل خبر الواحد في الموضوعات؛ لأنّ ما ورد من أنه لا ينبغي لأحد التشكيك في ما يروي عنّا ثقاتنا وأن العمري وابنه ثقتان فما يؤديان عني فعني يؤديان وغير ذلك من الروايات، لا يشمل إلا ما نقله الثقة عن الإمام، لا الإخبار عن نجاسة إناء زيد أو طهارة ثوبه مثلاً.

ب ـ أو نرى تمامية آية النبأ أو بناء العقلاء على حجية خبر الواحد؛ فيكون دليل الحجية بنفسه شاملاً للخبر الوارد في الموضوعات، لكن يُدّعى تخصيصه بخبر مسعدة بن صدقة: «كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه، فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة أو المملوك عندك ولعلّه حر قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة<([14])؛ وهذا التخصيص يكون بدعوى أنّ هذا الحديث يدلّ على عدم حجية خبر الواحد في الموضوعات، وقوله: حتى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البينة، يدل بإطلاقه على عدم وجود معادل آخر للاستبانة والبينة، ولا يمكن تخصيصه بجعل خبر الواحد عدلاً لذلك؛ لأنه يستلزم لغوية عنوان البينة؛ فإنه إذا كان قول الواحد حجةً فماذا نصنع بقول الآخر؟! وأيّ حاجة إلى ضمّه إليه؟! وتخصيص العام بما يوجب لغوية العام غير صحيح؛ فهذا الحديث يخصّص أدلة حجية خبر الواحد بناء على تمامية سنده، والتحقيق أنّ سنده غير تامّ.

إذا عرفت هذا فنقول:

1 ـ إذا سلك في إثبات عدم حجية الخبر الواحد في الموضوعات المسلك الأول، وهو عدم شمول أخبار حجية خبر الثقة له، فمعلوم أنّ هذه الأخبار شاملة لما نحن فيه؛ فإنّ العبرة ليست بعنوان كون الشبهة موضوعية أو حكمية؛ إذ لم يرد دليل على هذا التفصيل بهذا العنوان، وإنما العبرة بكون الخبر خبراً عن الإمام(ع) وعدمه؛ فدليل الحجية يشمل الأول دون الثاني، ومن الواضح أن أخبار التحليل تندرج ضمن ما أخبرنا به الثقة عن الإمام(ع)؛ فيشملها دليل الحجية.

2 ـ أما إذا سلك في ذلك المسلك الثاني، فيتعارض حديث مسعدة مع أخبار حجية خبر الثقة عن الإمام بالعموم من وجه، ومادة التعارض ما ورد عن الإمام في الشبهة الموضوعية. وبعد التعارض نرجع إلى الآية الشريفة مرجعاً أو مرجّحاً؛ وهذا كلّه واضح بناء على أنّ دليل حجية خبر الواحد لا ينحصر في مثل الآية، بل الأخبار المتواترة أيضاً دالة عليها، أما بناءً على انحصاره بمثلها، فنقول: إنّها دلت على حجية أخبار حجية خبر الثقة عن الإمام؛ فتلك الأخبار تقع طرفاً للمعارضة مع حديث مسعدة، وبعد التعارض نرجع أيضاً إلى العام الفوقاني، وحديث مسعدة لا يقتضي عدم حجية تلك الأخبار مطلقاً؛ فإنها تبيّن حكماً كلياً لا موضوعاً من الموضوعات حتى تسقط عن الحجية بتخصيص الآية بحديث مسعدة.

ونتيجة ما أسلفناه أنه ليست العبرة بعنوان كون الحديث وارداً في الشبهة الموضوعية أو الحكمية، حتى يقال بعدم حجية الأخبار التي نحن فيها؛ لورودها في الشبهة الموضوعية.

نعم، إذا قلنا: إن دليل حجية خبر الواحد منحصر في الأخبار المتواترة إجمالاً والدالّة على حجيته، فهنا بعد تساقطها مع حديث مسعدة في مادة الاجتماع لا يبقى لنا دليل على حجية مثل الأخبار التي نحن بصددها، إلا أن يقال بما هو الحقّ عندنا([15])، من أن خبر الواحد المعارض للكتاب أو السنّة القطعية ـ ولو بالعموم من وجه ـ غير حجّة في نفسه؛ فحديث مسعدة في مادّة تعارضه مع الأخبار المفروض تواترها لا يعود حجةً بشكل تلقائي.

ونظرية المحقق الهمداني) قائمة على تمامية الاستدلال ببناء العقلاء على حجية خبر الواحد؛ فيرد على ما ذكره في ما نحن فيه من عدم حجية خبر الواحد في الشبهة الموضوعية أنه إن أراد عدم شمول دليل الحجية له وقصوره في نفسه، ففيه أنّ بناء العقلاء لا يفرّق فيه بين الشبهة الحكمية والموضوعية، وإن أراد تخصيصه بخبر مسعدة، ففيه أنه مبتلى بالمعارض، وغاية ما هناك تساقطهما؛ فيكون المرجع بناء العقلاء؛ لعدم العلم بحصول الردع بعدما كان حديث مسعدة قد ابتلى بالمعارض؛ إذ حينئذ وإن لم يصحّ الرجوع إلى أصالة عدم الردع ـ بمعنى إحراز جزء الموضوع بالأصل ـ لكنّنا نقطع بأنّ بناء العقلاء لم يكن مردوعاً عنه في أول الشريعة، بل كان العقلاء يعملون به بلا ردع من النبي2؛ فكان ذلك إمضاءً له؛ فيجري استصحاب عدم النسخ، بناء على مبنى القوم من صحّة استصحاب عدم النسخ.

هذا هو الصحيح في تقريب الاستدلال ببناء العقلاء إذا شكّ في ثبوت الردع مع العلم بالإمضاء ابتداءً لو قلنا بصحّة استصحاب عدم النسخ، أما إحراز جزء الموضوع بالأصل هنا فغير صحيح، لكنهم يقولون بأنّ الموضوع مركّب من بناء العقلاء وعدم الردع، فأصالة عدم الردع محرزة لجزء الموضوع، والجزء الآخر موجود وجداناً.

وعلى أية حال، فنحن في فسحة من أصل الإشكال على حجية الأخبار التي نحن بصددها ـ أي أخبار التحليل ـ لقولنا بعدم اختصاص حجية خبر الواحد بالشبهة الحكمية.

وقفة نقدية مع السيد محسن الحكيم

ولم أراجع كلام السيد الحكيم ـ مدّ ظله ـ في كتاب الخمس، لكن له كلام في نظير ما نحن فيه في مبحث الاجتهاد والتقليد؛ وذلك عندما يذكر المحقق اليزدي ثبوت اجتهاد المجتهد بالبينة([16])، وهنا يقول السيد الحكيم دام ظله: «ربما يقال بثبوته بخبر الثقة لعموم ما دل على حجيته في الأحكام الكلية؛ إذ المراد منه ما يؤدى إلى الحكم الكلّي، سواء كان بمدلوله المطابقي أم الالتزامي، والمقام من الثاني فإنّ مدلول الخبر المطابقي هو وجود الاجتهاد، وهو من هذه الجهة يكون إخباراً عن الموضوع، لكن مدلوله الالتزامي هو ثبوت الحكم الواقعي الكلي الذي يؤدي إليه نظر المجتهد.

فإن قلت: أدلّة حجية خبر الثقة مختصّة بالإخبار عن حسّ ولا تشمل الإخبار من حدس؛ ولذا لم تكن الأدلة دالّةً على حجية فتوى المجتهد، مع أنها إخبار عن الحكم الكلّي، إلا أن مستنده الحدس.

قلت: الإخبار عن الاجتهاد من قبيل الإخبار عن الحس، نعم المدلول الالتزامي ـ وهو الحكم الكلي ـ إنما كان بتوسّط الحدس، لكنّ هذا المقدار لا يقدح في الحجية؛ لأن الحس إنما يعتبر في المدلول المطابقي لا في الملازمة التي يتوقف عليها ثبوت المدلول الالتزامي، وإلا فإخبار زرارة مثلاً عن قول الإمام الذي هو إخبار عن موضوع، يكون أيضاً إخباراً عن الحكم الكلي ويكون حجة على المجتهد، وربما يكون بتوسّط حدس المجتهد الذي هو حجة عليه أيضاً..»([17]).

ويرد عليه:

أولاً: إنّ كلامه ـ دام ظلّه ـ مبتنٍ على أنّ العبرة في حجية خبر الثقة وعدمها يكون بصدق عنوان كونه خبراً في الشبهة الحكمية أو الموضوعية، وقد عرفت بما لا مزيد عليه أنّ الحجية ـ بعد تسليم التفصيل ـ ليست دائرةً وجوداً وعدماً مدار عنوان كونه خبراً في الشبهة الحكمية وجوداً وعدماً؛ حتى يقال بحجية إخبار الثقة عن الاجتهاد بإرجاعه إلى الإخبار في الشبهة الحكمية، بل دليل حجية خبر الواحد لا يشمل هذا الخبر على المسلك الأول، وحديث مسعدة يدلّ على عدم حجيّته على المسلك الثاني، وكون ما يلزمه حكماً ليس إلا كاستلزام كل موضوع لأثره الحكمي، مع أنّ خبر الواحد غير حجّة فيه عند القائلين بالتفصيل.

ثانياً: إن أراد بما ذكره ـ من كون هذا الخبر دالاً بالالتزام على الحكم الواقعي ـ ثبوت الحكم الواقعي واقعاً، فكون ثبوته من لوازم ثبوت الاجتهاد ممنوع؛ لاحتمال خطأ المجتهد، وإن أراد منه ثبوت الحكم الواقعي تعبداً، فالملازمة مسلّمة لكنّ هذا ليس حكماً كلياً إلهياً، وإنما الحكم الكلّي الإلهي هو التعبد بمطلق فتوى المجتهد، وإخبار الثقة عن اجتهاد شخص إخبارٌ بالالتزام عن ثبوت صغرى هذا الحكم، لا عن نفس هذا الحكم الكلّي.

ثالثاً: أما ما ذكره من تنظير ذلك بإخبار زرارة وغيره عن قول الإمام، من جهة أنّ قول الإمام ليس إلا موضوعاً من الموضوعات ـ لا حكماً إلهياً ـ وإنما هو كاشف عن الحكم الإلهي، فقول زرارة إخبار عن الحكم الإلهي بالملازمة.

فأقول: يمكن دعوى الفرق بين ما نحن فيه وإخبار زرارة، وذلك أنّ كلام الإمام حاكٍ عن الحكم الإلهي؛ فكلام زرارة حاكٍ عن الحاكي عن الحكم الإلهي. وأما إخبار الثقة عن اجتهاد شخص فليس حاكياً عن الحاكي عن الحكم الإلهي، ولو فرضنا كون ما أفتى به المجتهد حكماً إلهياً فإنه لم يحك الفتوى وإنما أخبر عن نفس الاجتهاد؛ وعليه يمكن أن يدّعى أنّ الحاكي عن الحاكي عن الحكم الإلهي يعدّ ـ بالمسامحة ـ حاكياً عن الحكم الإلهي، بخلاف الإخبار عن الاجتهاد، بل يمكن أن يقال: إن حديث مسعدة يدلّ على عدم حجية الإخبار عن الاجتهاد، لكن لا يدلّ على عدم حجية الحاكي عن الحاكي عن الحكم الإلهي؛ لأنه بنفسه حاك عن الحاكي عن الحكم الإلهي؛ فيلزم من حجيّة إطلاقه من هذه الجهة عدمها؛ وما يلزم من وجوده عدمه فهو باطل.

وبهذا كلّه نكون قد توصّلنا إلى أنّ الإشكال الذي أثاره المحقق الهمداني) على أخبار التحليل غير وارد؛ من هنا؛ يمكننا الشروع في بيان ما يستفاد من هذه الأخبار من مقدار التحليل، سعةً وضيقاً.

البحث في مفاد أخبار التحليل تارةً يدور مع الأخذ بعين الاعتبار خصوص الأخبار المعتبرة سنداً هنا، وأخرى مع ملاحظة مطلق أخبار الباب، وإن كان الذي ينبغي فعله هو قصر النظر على خصوص الأخبار المعتبرة سنداً والإفتاء على طبقها؛ لأنّ الخبر الضعيف السند لا عبرة به، وإن فرض ذكره في الكتب الأربعة مثلاً، وفُرضَ عمل الأصحاب به؛ من هنا يدور الحديث في نقطتين:

الأمر الأول: فيما يستفاد من أخبار التحليل بالنظر إلى خصوص الصحيحة منها

سبق أن قلنا: إنّ الأحاديث المعتبرة الواردة في التحليل ستة:

1 ـ ما مضى من صحيح الفضلاء، وكلمة «الناس» التي وردت فيه ـ على ما هو المصطلح في الأخبار ـ هو العامّة، في قبال الشيعة، وصدره صريح في أن هلاك الناس ليس في خصوص عدم أداء حقّهم في المناكح، حيث قال: هلك الناس في بطونهم وفروجهم؛ من هنا ربما يدّعى أنّ ظاهر قوله في ذيله: إنّ شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ، هو حلّية مطلق ما لهم( للشيعة، لا خصوص المناكح.

لكنّ التحقيق أن كلمة (ذلك) في قوله: إلا وإن شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ، إشارة ـ طبقاً لظاهر الكلام ـ إلى الحقّ الذي غصبه الناس، والذي تحدّث عنه بقوله: هلك الناس في بطونهم وفروجهم، لا إلى مطلق حقهم(؛ فهذا الحديث خارجٌ عن المقصود، وإنما يدل على ما هو المتعارف جيلاً بعد جيل وعصراً بعد عصر بين الشيعة من أنهم ابتلوا بمعاملة العامّة والاختلاط بهم والمتاجرة معهم، ووقوع قسم من أموالهم في أيدي الشيعة ممّا لا يحترزون منه ولا يؤدّون حقّ الإمام الثابت فيه، ولا يدلّ الخبر على أنه إذا تعلّق الخمس بما في أيدي الشيعة لا يجب عليهم أداؤه، وغاية ما هنالك دعوى الإجمال، وينحل حينئذ العلم الإجمالي بالتحليل إلى العلم التفصيلي بتحليل ما في يد السنّي إذا وقع في يد الشيعي الثابت تحليله على كلا الاحتمالين، والشك البدوي في تحليل غيره.

يضاف إلى ذلك أنّه بعد تسليم أن كلمة «ذلك» إشارة إلى مطلق حقهم، فإن كلمة «وآباءهم» قرينة على اختصاص الإباحة بالمناكح المغنومة من الكفار؛ فإن من المقطوع به عدم كون الإباحة لأب الشيعي من جهة كونه أباً للشيعي بما هو كذلك، ولو كان من أسس التسنّن، كأبي بكر (…) الذي هو أبو محمد الشيعي، بل إنما ذلك يكون من باب التطرّق إلى انتفاع الابن الشيعي، وذلك يكون بحلية المولد؛ فهذه قرينة على أن التحليل مختصّ بالمناكح وليس شاملاً لمطلق ما ذكر حرمته في صدر الحديث بقوله: «هلك الناس في بطونهم وفروجهم..» المقتضي بظاهره كون الحلية المذكورة في الذيل أيضاً بالنسبة إلى البطون والفروج ومطلق الحق، وبهذا نرفع اليد عن هذا الظهور بهذه القرينة، أعني كلمة «آباءهم».

إلا أن يقال: إنه لعلّ النظر إلى تحليل مطلق الحقّ حتى يحلّ المأكل أيضاً؛ لتنعقد نطفة الشيعي من الحلال لا تحليل خصوص المناكح، كما ذكر صاحب الجواهر([18]) هذا الاحتمال بالنسبة إلى ما في بعض الأخبار من التعليل بأن يطيب مولد الشيعة، لكن الإنصاف أن كون نظره(ع) في هذا الحديث إلى هذا المطلب الأخلاقي بعيد عن ظاهر الكلام. نعم يمكن الخدش في ما ذكرناه من الاستظهار من كلمة (وآباءهم) أنّ هذا الحديث رواه الصدوق بسند صحيح؛ وفيه <وأبناءهم>، وهذا الاستظهار لا يتأتّى بالنسبة إلى ذلك، إلاّ إذا قلنا ـ انطلاقاً من حديث ببالي أنه صحيح السند ـ بأن أمة الابن حلال للأب؛ فإذا كان الأب شيعيّاً وحلّلت الأمة للابن الذي ليس شيعياً ـ ولو على نحو العدم والملكة بأن يكون طفلاً ولا يصدق عليه الشيعي ـ انتفع الأب الشيعي بهذا التحليل.

وكيف كان، فظهور كلمة (وآباءهم) في الاختصاص بالمناكح من جهة أنّ ظاهر السياق وحدة ما حلّل للأب الشيعي ونفس الشيعي، معارضٌ بظهور آخر، وهو أنّ ظاهر السياق وحدة ما حلّل للشيعي مع ما هلك الناس لأجله، ومع ذلك فالإنصاف الخدش بدلالة هذا الحديث اعتماداً على قرينيّة >وآباءهم <، ولو من جهة حصول الإجمال بتعارض الظهورين.

وعلى أية حال، فبعد تمامية إطلاق الحديث وفرض كون كلمة >ذلك< إشارة إلى مطلق حقهم ، يقيّد بما دل على عدم تحليل الخمس الذي سيأتي إن شاء الله ذكره.

ولمزيد تطوير وتعميق نقول: ولابدّ في سياق تحليل فقه الحديث أن نعرف أنّ كلمة (ذلك) الواردة فيه، ليست إشارةً لمطلق حقّهم؛ إذ لو قال(ع): (ألا وإن ذلك حلال لشيعتنا)؛ لأمكن أن يقال: إن كلمة (ذلك) إشارة إلى مطلق الحقّ لا إلى الحق المغصوب؛ لأنّ المذكور في الكلام السابق ليس هو الحقّ المغصوب، وإنّما عنوان الحقّ، غاية الأمر أنّه حمل عليه محمولان: أحدهما في صدر الحديث، وهو غصب الناس له، والثاني في ذيله، وهو حلّيته للشيعة. لكنّ الإنصاف عدم رجوع الإشارة إلى مطلق الحقّ أيضاً، بل إلى الحقّ المغصوب؛ فإنّ كلمة (حقنا) المذكورة في الصدر مفعولٌ لقوله: لم يؤدّوا، فهو حقّ خاص وهو الحق المغصوب لا مطلق الحق؛ وبالجملة، لو كان تعبيره(ع) بما عرفت كان لدعوى رجوع اسم الإشارة إلى مطلق الحقّ مجال.

لكنّه× لم يعبّر بهذا التعبير، بل قال: <ألا وإن شيعتنا من ذلك في حلّ<، وكون الشيعة في حلّ من ذلك غير كون المال حلالاً لهم، نظير قول أبي عبد الله الحسين(ع) لأصحابه: أنتم في حلّ من بيعتي؛ فهذا ليس معناه أنّ بيعتي حلالٌ لكم، بل كأنهم كانوا مشدودين بالبيعة وكانت البيعة ثقلاً ومشقّة عليهم، فيقول لهم(ع): أنتم مرسلون ومطلقون عن ذلك وغير مشدودين به؛ وكلمة <ذلك> في ما نحن فيه ترجع إلى عدم أداء العامّة؛ فإنّ عدم أدائهم ـ مع مخالطة الشيعة لهم ووقوع مالهم في أيديهم ـ شدٌّ وثقل ومشقّة على الشيعة؛ من هنا قال(ع): أنتم في حلّ من ذلك، أي من عدم أداء العامة، وليس المراد أنّكم في حلّ من حقنا، حيث المراد منه في هذا الحديث ما يستحقه الإمام الذي هو عين من الأعيان لا الاستحقاق؛ فإنه لا يقال: أنت في حلّ من العين الكذائية إلا بتأويل، وإرادته فيه أو إرادة الاستحقاق من كلمة ذلك الراجعة إلى الحق من قبيل الاستخدام المذكور في فنّ البيان، خلاف الظاهر.

وهذا بخلاف ما لو قال: ذلك حلال للشيعة؛ فإنه لا يصحّ حينئذ إرجاع <ذلك> إلى عدم أداء العامة، ولا معنى لأن يقال: إن عدم أداء العامة حلال للشيعة.

ويمكن أن يقال: إن قوله: وآباءهم، قرينة على الاختصاص بالمناكح، لكن كلمة (وآباءهم) إنما هي في النسخة التي رواها الشيخ بسنده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن العباس بن معروف، عن حماد بن عيسى، عن الفضلاء الثلاثة، فيما رواها الصدوق في العلل عن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن العباس بن معروف، لكن ذكر مكان كلمة (وآباءهم) كلمة (وأبنائهم)؛ فعلى هذه النسخة تبطل القرينة؛ لأن ابن الشيعي ليس كأبيه؛ وذلك لإمكان أن يقال: إنّ المراد من ابن الشيعي الذي ليس شيعياً ليس الابن الذي قد كبر واختار مذهب العامة؛ فإنه داخل في الناس الذين مضى أنهم هالكون، بل المراد أطفال الشيعة، ومن المعلوم أن طفل الشيعي ـ بما هو كذلك ـ يستحقّ الكرامة؛ لذا حكم(ع) بالتحليل له كما حكم على الطفل في الشرع بالطهارة، ونحن لا ندري ما هو الصحيح من النسختين، هل الأولى أم الثانية؟

أ ـ فإن احتملنا أنهما روايتان؛ بأن سمع الفضلاء هذا الكلام من الإمام(ع) مرّتين: إحداهما بلفظ الآباء والأخرى بلفظ الأبناء، ونقلوه لحمّاد مرتين كذلك، وحماد نقله مرّتين كذلك للعباس، والعباس نقله مرّتين كذلك: إحداهما لأحمد والأخرى للصفار؛ فلابدّ من الحمل على التعدّد؛ فإنه قد نقل لنا ثقتان كلامين، ونقلُ كليهما حجة بمقتضى إطلاق دليل الحجية، وأحد الخبرين وإن كان محفوفاً بالقرينة لكن يكفي إطلاق الخبر الآخر. لكن المشكلة أنّ هذا الاحتمال في غاية البعد، إلى حدّ يُطمأنّ بخلافه.

ب ـ أمّا إذا قطعنا بكونهما خبراً واحداً:

1 ـ فإن قطعنا بأنّ الإمام(ع) لم يجمع بين كلمة الآباء والأبناء ابتداءً، وإنما قال واحداً منهما، واشتبه أحد الراويين في النقل، فحينئذٍ يقع الشك في وجود القرينة المتصلة، ولا يخفى أن احتمال وجود قرينة متصلة غير احتمال قرينية الموجود المتصل، إذ يقال بسريان الإجمال في الثاني، أما في الأول فإن دفعنا احتمال وجود القرينة بشهادة الراوي ـ كما هي الحال في سائر الموارد ـ فإنّ من المحتمل في كل رواية وجود قرينة متصلة لكنّ الراوي يشهد بلسان حاله عند ترك ذكر القرينة على عدم وجودها، وعليه فلا إشكال، لكن في ما نحن فيه لا يمكن التمسّك بشهادة الراوي؛ لتعارض الشهادتين؛ فالكلام حينئذٍ مبتنٍ على ما في علم الأصول من أنه هل يكون احتمال وجود قرينة متصلة ـ إذا لم يكن مدفوعاً بشهادة الراوي ـ موجباً للإجمال ـ كما هو الحق([19]) ـ أم لا كما عليه المشهور والمحقق الخراساني([20])؟ فعلى الثاني يتم الإطلاق دون الأول.

2 ـ أمّا إذا لم نقطع بأنّ الإمام(ع) لم يجمع بين الكلمتين ـ كما هو كذلك ـ فإنّنا نحتمل أنه(ع) جمع بينهما لكن أسقط أحد الراويين إحدى الكلمتين اشتباهاً وأسقط الآخر الأخرى كذلك؛ فتعارض أصالة عدم النقيصة في حقّ كل من منهما أصالةَ عدم الزيادة في حقّ الآخر؛ لأنّ عدم نقص كل منهما مستلزم لزيادة الآخر؛ فيكون الكلام مبنياً على ما في علم الأصول من أنه هل تقدّم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة أو لا؟ فعلى الأول يثبت أنّ الإمام(ع) ذكر كلتا الكلمتين؛ فالقرينة موجودة؛ فلا إطلاق. وعلى الثاني يقع أيضاً الشك في وجود قرينة متصلة ويبتني الكلام على ما عرفت من أنه هل يكون احتمال وجود قرينة متصلة موجباً للإجمال أم لا؟

وكيف كان، وبعد الغضّ عن الإشكال من هذه الجهة نقول بعدم تمامية دلالة الحديث على المطلوب؛ لأن كلمة (ذلك) ـ كما قلنا ـ ليست إشارةً إلى مطلق حقّهم.

2 ـ ما مضى من مكاتبة علي بن مهزيار، وهو وإن كان وارداً في مطلق الحقّ، لكن لا يمكن إخراج الخمس عن ذلك بالتقييد؛ لأن السؤال فيه كان عن خصوص الخمس، لكن قوله(ع): >من أعوزه شيء من حقّي فهو في حلّ<، إنما يدلّ على التحليل من قبل نفسه(ع)، وأما بعد قيام أبنائه مقامه فنسأل: هل حلّلوا أيضاً حقهم أو لا؟ فلا دلالة فيه عليه.

كما أنه غير مختصّ بالشيعة، ومقيد بصورة الإعواز، لكن الإعواز هنا أعمّ من الفقر الشرعي؛ إذ ربما يصدق الإعواز والاحتياج على غير الفقير الشرعي أيضاً.

ولا يتوهم جريان استصحاب عدم نسخ التحليل بعد زمان أبي جعفر(ع)؛ فإنه يرد عليه:

أولاً: منع صحّة استصحاب عدم النسخ في نفسه؛ فإنه إن أريد استصحاب الجعل، فاستصحاب الجعل صحيح، وإن أريد استصحاب المجعول كان ذلك استصحاباً تعليقيّاً؛ فإنه(ع) علّق الحلّية على الإعواز، وقبل تعلّق الخمس بمال لا يصدق إعواز حقه الثابت في المال، وليس شيء حلال له من مال الإمام فبعد تعلّقه لا يمكن استصحاب الحلية إلا على الاستصحاب التعليقي الذي أبطلناه في علم الأصول([21]).

ثانياً: وبعد تسليمه، لا يجري في ما نحن فيه؛ لتعدّد الموضوع وعدم اتحاد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة؛ فكيف يمكن إثبات تحليل المالك المتأخر باستصحاب تحليل المالك المتقدّم؟!

ثالثاً: إنّ ما سيأتي ـ إن شاء الله ـ من حديث مطالبة المالك المتأخر بالخمس حاكمٌ على هذا الاستصحاب، كما أنه بعد تسليم إطلاق الحديث لكلّ زمان إذا ورد دليل على لزوم إعطاء خمس خاصّ في زمان خاص أو مطلق الخمس في زمان خاص وجب تقييده به.

3 ـ ما مضى من موثق يونس بن يعقوب، وحاله حال الصحيح الأول؛ لأن ظاهر قوله: >تقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات نعلم أنّ حقك فيها ثابت< هو ثبوت حقه(ع) فيها قبل وقوعها في يد الشخص الشيعي؛ فلا يدل على أنه إذا تعلّق الخمس بما في يد شخص من الشيعة كان حلالاً له؛ ومعه فيدل على ما دلّ عليه الحديث الأول من أنه إذا وقع في يده ما كان في يد العامة وفيه حقه(ع) كان حلالاً له، كما يدلّ بإطلاقه أيضاً ـ مع قطع النظر عن ذيله ـ على ما لم يدل عليه الحديث الأول، وهو أنه إذا وقع في يده ما كان في يد شيعيّ آخر قبله وكان تعلّق به حقه(ع) ولم يكن أعطاه عصياناً ـ مثلاً ـ كان حلالاً لهذا الشيعي الثاني.

من هنا، كنا نفتي في السابق ـ ولا ندري وجود موافق لنا أم لا ـ بأنّه إذا مات من تعلّق بأمواله الخمس وكان وارثه شيعياً كان حلالاً للوارث، ولا يجب عليه إخراج خمسه إذا كان الخمس متعلّقاً بعين المال، بخلاف ما لو كان ثابتاً في ذمّة الميت؛ لأن الإرث إنما يكون من بعد وصية يوصى بها أو دين، والدين مطلق؛ فموضوع الإرث غير ثابت.

لكن التحقيق منع ذلك بالنظر إلى ذيله، وهو قوله(ع): >ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم<؛ إذ فيه احتمالان:

الاحتمال الأول: إن الظاهر أنّ المراد من (اليوم) في قوله: >ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم< ما يقابل يوم السقيفة؛ كأنه يقول: لو كنا نريد مطالبة حقّنا منهم لكنّا نكلّفكم في يوم السقيفة، وبعد أن لم نكلّفكم في ذلك اليوم ولم نطالب بحقنا وصبرنا وفي العين قذى وفي الحلق شجى، فليس من الإنصاف أن نكلّفكم به في هذا اليوم ونطالب بحقنا؛ فلكلامه(ع) إطلاق يشمل زماننا هذا. لكنّه ليس له إطلاق يشمل ما كان في يد شيعي آخر، وكان تعلّق به حقه(ع)، حيث يمكن أن يكون التعليل قرينة على أنّ المراد عدم المطالبة بالحق الثابت في المال الذي كان في يد السنّي الغاصب له؛ والغصب ناشئ من غصب حقهم في يوم السقيفة، لا الحقّ الثابت في المال الذي كان في يد شيعي آخر لم يعط الخمس لفسقه؛ فإنّه مع فرض عدم وقوع ما وقع في يوم السقيفة أيضاً ربما يكون الشيعي فاسقاً ولا يعطي الخمس.

الاحتمال الثاني: أن يقال: إن قوله: (اليوم) ليس في قبال يوم السقيفة؛ فيشمل إطلاقه المال الذي كان في يد الشيعي الآخر، لكن لا يشمل إطلاقه زماننا هذا؛ لاحتمال كون قوله: (اليوم) إشارة إلى اليوم الثابت فيه التقية مثلاً.

والنتيجة: إنه(ع) لم يبيّن أمد تحقّق عدم الإنصاف، وقد مضى عدم جريان استصحاب التحليل.

ويمكن أن نستدرك ونضيف لإثبات عدم وجوب إعطاء حقّ الإمام(ع) الواقع في يد الشيعي من يد السنّي في زماننا هذا، من دون حاجة للاستناد إلى السيرة؛ فقد عرفت فيما سبق أن قوله: >نعلم أنّ حقك فيها ثابت<، ظاهر في ثبوت حقه(ع) فيه قبل وقوعه في يد هذا الشخص.

ويمكن تطوير ما قلناه بأن نقول: يشار هنا إلى أنّ في قوله: >ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم<، احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأول: أن يكون ذلك في قبال يوم السقيفة، ومعناه أنّ المطالبة بالحق في يوم السقيفة لم يكن خلاف الإنصاف، لكن بعد أن لم نطالب به في ذلك اليوم فالمطالبة به في هذا اليوم خلاف الإنصاف؛ فقوله: <اليوم> شامل لزماننا هذا؛ لأنه في قبال يوم السقيفة.

ويمكن أن يقال: إنّ هذا الاحتمال خلاف الظاهر، وذلك أن الظاهر من قرينة المقابلة أنّ ما تكون مطالبته في هذا اليوم خلاف الإنصاف، لم يكن خلاف الإنصاف في يوم السقيفة، وهو ما يفيد أنه شيء واحد مع أنه ليس كذلك؛ فإنّ الحق الذي تركت المطالبة به في هذا اليوم هو الحقّ المالي، وفي يوم السقيفة هو الخلافة.

والجواب: إنّ المطالبة بحقّ الخلافة تشتمل على المطالبة بحقوقهم المالية أيضاً؛ فإن حقوقهم المالية قد غصبت بغصب الخلافة؛ فالمناسبة في المقابلة محفوظة.

الاحتمال الثاني: أن يكون قوله: <اليوم>، إشارة إلى مطلق زمان عدم ظهور الدولة الحقّة وعدم تمكّنهم من أخذ ما لهم من يد المخالفين، ومعناه أنه بعد أن لم نتمكن من أخذ الحقّ من يد المخالفين فأخذه منكم ـ أيها الشيعة المظلومون ـ بعد وقوعه في يدكم وإلزامكم بإعطاء الحقّ مرّتين: مرّة حين أخذ المال من يد الغير، ومرة أخرى حين تعلّقه به بعد أن كان في يدكم.. هذا خلاف الإنصاف؛ فقوله: اليوم، شامل لزماننا هذا أيضاً.

ويترتب على هذين الاحتمالين، أنه إذا وقع في زماننا هذا مال في يد أحدٍ من الشيعة من يد غيره، وكان حقه(ع) ثابتاً فيه، فلا يجب إعطاؤه للإمام(ع)، بل يكون حلالاً له.

الاحتمال الثالث: أن يكون قوله: (اليوم)، إشارة إلى زمان التقية، ومعناه أنّ إعطاءكم ذلك لنا يوجب الخطر عليكم من العامّة؛ لمعروفيتكم بذلك بالتشيع مع إرسال الحقوق إلينا، فلو كلّفناكم بذلك لم يكن ذلك إنصافاً.

وعلى هذا الاحتمال لا يثبت هذا الحكم بهذا الحديث في زماننا هذا، لكنّ هذا الاحتمال خلاف الظاهر؛ فإنّ ظاهر قوله: ما أنصفناكم.. كون الخطر على المعطي [لا] على الآخذ وهو الإمام(ع)؛ فإنّ معناه أنّ عدم تكليفنا إيّاكم بذلك إنّما هو من باب اللطف والشفقة بكم، فلو كان الإمام(ع) نفسه شريكاً معهم في هذا الخطر لم يعدّ ذلك لطفاً وشفقةً بهم؛ إذ بذلك يكون(ع) قد أنجى نفسه من الخطر والهلكة، وأنت ترى أنه إذا كانت تلك من باب التقية فالخطر المتوجّه بهذا الإعطاء المخالف للتقية؛ ليس مختصّاً بالمعطي، بل توجّهه إلى الآخذ أزيد؛ لأنه إمامهم ورئيسهم؛ ولأن المعطين كلّ منهم مهما أعطى من المال فهو يعطي مرّةً واحدة، بينما يأخذ الإمام نفسه(ع) ماءة مرّة؛ فخوف الشهرة أزيد بالنسبة إليه منهم، والخليفة أحرص على أخذ الإمام وقتله.

ويمكن الكشف عن وجه آخر يبيّن مخالفة هذا الاحتمال للظاهر؛ وذلك أنه لا فرق بين إعطاء الحقّ الواقع في يد هذا الشخص الشيعي الثابت قبل ذلك في يد غيره، وإعطاء الحقّ المتعلق بالمال الثابت في يده قبل ذلك.. في كونهما مخالفين للتقية؛ فكما لم يحلّل الثاني كذلك لا وجه لتحليل الأول؛ فإن عدم تحليل الثاني إن لم يكن خلاف الإنصاف فلا معنى لكون عدم تحليل الأول خلاف الإنصاف.

لكن يناقش هذا الكلام بأنّه لا يوجب كون هذا الاحتمال خلاف الظاهر، وإنما يثبت عدم الفرق بين هذين الحقّين؛ فيدلّ هذا الحديث ـ على هذا الاحتمال ـ على تحليل كلّها.

إلا أن يدلّ دليل اجتهاديّ على عدم تحليل الثاني؛ فيجمع بينه وبين هذا الحديث بحمل هذا الحديث على غير هذا الاحتمال. وبعبارة أخرى: هذا مجمل لتطرّق هذا الاحتمال وغيره فيه، وما دلّ على عدم تحليل الثاني مبيَّن؛ فيصير مفسِّراً للمجمل ومبيّناً لعدم إرادة هذا الاحتمال منه.

لكن لم يرد دليل اجتهاديّ على عدم تحليل الثاني؛ فإن دليلنا عليه إما الأصل غير المثبت للوازمه، وإما الأخبار، فما كان منها دالاً على عدم تحليله مطلقاً غير صحيح السند، وما كان صحيح السند فإنما يدلّ على عدم التحليل في زمان خاص، وإنما قلنا: إنه يصير معارضاً لما فرض دلالته على التحليل الشامل لهذا الزمان بالإطلاق من جهة ما أثبتناه في الأصول من أنه بعد انتهاء أمد المخصِّص لا يرجع إلى الدليل الفوقاني الشامل لما بعد زمان المخصّص بالإطلاق.

وبالجملة فالعمدة في إثبات كون هذا الاحتمال الثالث خلاف الظاهر، هو الوجه الأول، وإن لم يتمّ فينحصر الدليل في تحليل الحقّ الواقع في يد الشيعي من السنّي في هذا الزمان بالسيرة، كما أنّ دليل تحليل المعادن أيضاً منحصر بالسيرة؛ وقد ناقشنا في تحليل المعادن في زماننا؛ بأنّ في هذا الزمان يمكن أن يستفاد من المعادن بالمصالح العامة وصرفها فيها، بينما لم تكن الحال كذلك في زمان الإمام(ع)؛ فلعلّ عدم ردعه(ع) لسيرة الشيعة كان لذلك، ولابدّ في السيرة من حفظ جميع الخصوصيات المحتمل دخالتها فيها، وأما السيرة الدالة على تحليل الحق الواقع في يد الشيعي من السنّي فلا خدش فيها؛ لعدم تأتّي هذه النكتة هناك، إلا أن يقال باحتمال كون وجه تحليله في زمانهم قلّة الشيعة وكثرة العامّة؛ فكانوا محتاجين للتعامل معهم، بخلاف الحال في هذا الزمان، حيث كثر الشيعة بمقدارٍ مّا، فإذا احتملنا من هذه الجهة الخصوصية لابدّ ـ أيضاً ـ من الاقتصار على القدر المتيقن، إلا إذا قلنا: لا نحتمل ذلك.

4 ـ ما مضى في حديث الفضيل، فإن قول علي(ع) فيه لفاطمة: >أحلّي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا<، لا يدلّ على شيء من المقصود؛ لوجود مشكلة في فقه هذا الحديث؛ ذلك أنّ فاطمة لا نصيب لها من الفيء الذي هو من الأنفال، كما لا نصيب لها في الخمس إلا باعتبار سهم السادة لو كانت فقيرة، ولم تكن السيدة الزهراء فقيرةً؛ نظراً لكونها زوجة علي(ع) الذي كان غنيّاً بالقوة، وبعد فرض فقرها فإنما له الخمس باعتبار دخولها في عنوان السادة، لا لكونها مالكةً بخصوصها حتى تحلّل؛ فلعلّ المراد تحليلها للفيء الذي هو ملك أبيها2، الذي انتقل إليها بالإرث.

لكنّ الإنصاف دلالة هذه الفقرة على تحليل علي(ع) للفيء؛ فإن الظاهر ـ عرفاً ـ من أمره لها بالتحليل أنه حلّل حصّة نفسه قبل ذلك، لكن ليس تحليلاً لمطلق ما للإمام، بل هو تحليلٌ للفيء الذي هو من الأنفال المذكورة في قوله تعالى: {َمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ}، أو تحليلٌ لخمس الغنيمة الذي أطلق عليه الفيء في قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى}، أو تحليلٌ لكليهما؛ بأن يكون المراد مطلق الفيء، حيث يقال ـ لغةً ـ: فاء فلان إلى الحق، أي رجع إليه، وأطلق الفيء على ما يؤخذ من الكفار باعتبار أنّ ما كان في الأرض يكون لعباد الله الصالحين ـ مثلاً ـ فما أخذ منهم أرجع إلى صاحبه؛ فالإنصاف أنّ ظاهر أمره× لها بتحليل حصّتها من الفيء أنه(ع) أحلّ حصته قبل ذلك.

ويمكن أن يقال: إنه تحليلٌ للمناكح فقط، بقرينة قوله: آباء شيعتنا، وكذلك قوله: ليطيبوا، بناءً على أنّ ظاهره ـ ولو بقرينة طيب الولادة ـ يرشد إلى ذلك، كما أنّ قول أبي عبد الله(ع): إنا أحللنا أمهات شيعتنا.. ظاهرٌ ـ بقرينة الجمع ـ في ثبوت التحليل من جانب مطلق الأئمة، لكنّه مختصّ بالمناكح من الفيء بالمعنى الأول والثاني أو كليهما، ولا يشمل المناكح من أرباح المكاسب، ولا إطلاق له؛ لكونه تفريعاً على الصدر الذي كان في الفيء، ولو سلّمنا الإطلاق فإنما يدلّ على تحليل الأمة التي كانت بعينها متعلّقةً للخمس، دون الأمة المشتراة بما تعلّق به الخمس، فضلاً عن أنّ دلالته على تحليل الأمة من أرباح المكاسب معارضة ـ بالعموم من وجه ـ مع ما دلّ على عدم تحليل أرباح المكاسب.

5 ـ أما حديث زرارة في أنّ أمير المؤمنين(ع) حلّلهم من الخمس ـ أي الشيعة ـ فهو ظاهر في حلّية مطلق الخمس، لولا تعليله بقوله: ليطيب مولدهم، وهو تعليل لا يمكن حمله على الحكمة؛ لأنّه خلاف الظاهر؛ وعليه يكون قرينة على إرادة تحليل المناكح المغنومة، إلا على الاحتمال المتقدّم نقله عن المحقق النجفي، من كون المنظور انعقاد نطفة الشيعة من الحلال؛ لكنّه ـ مع بُعده في نفسه ـ خلاف ظاهر هذا الحديث؛ فإنّ طيب المولد ـ سواء كان المولد اسم مكان أم مصدراً ـ غير طيب الذات، بمعنى انعقاد النطفة؛ فهذا تحليل من الأمير(ع) ولا يدل على صدور التحليل من باقي الملاّك لباقي الأزمنة، كما أنّ نقل أبي جعفر(ع) ذلك عن جدّه الأمير(ع) لا يدلّ على إمضائه.

هل التحليل ابتدائي أم إمضائي؟

قد عرفت أن أول الأمور الثلاثة الوارد حلّيتها هو ما يقع في أيدي الشيعة ـ من حقوقهم ـ من أيدي العامّة، والدالّ على حليته صحيح الفضلاء وموثق يونس، وهنا يطرح التساؤل التالي: هل هذا التحليل من باب إمضاء المعاملة الواقعة مع السنّي فضولياً أم أنّه تحليل صِرف والمعاملة باطلة؟

الذي في بالي أنّ الأصحاب لم ينقّحوا الكلام في هذا الموضوع، وإن كنت ما راجعت كلماتهم حديثاً؛ لكن تحدّث المحقق النجفي عن احتمال كونه من باب الإمضاء، والثمرة بينهما هي أنّ الثمن على الأول يكون ملكاً للإمام(ع)، وعلى الثاني ملكاً لهذا الشيعي؛ فلو فرض أن أخذه شخصٌ ثالث كان من الممكن لهذا الشيعي مطالبته به.

وبالجملة يمكن أن يتوهم استظهار كون ذلك من باب الإمضاء، لا تحليلاً ابتدائياً؛ بتقريب أنه لا إشكال في أنّ المستفاد من لسان هذه الأخبار أنهم إنما رفعوا الوزر والثقل عن الشيعة، لا عن الشيعة والعامّة معاً، ولا يرضون بمطلق أنواع رفع الوزر عن العامّة، وهذا يقتضي كون التحليل من باب الإمضاء؛ ليصير الثمن ملكاً للإمام؛ ليكون البائع السنّي مشغول الذمّة بعدُ بمال الإمام.

أما لو كان التحليل تحليلاً ابتدائياً وكان مجرّد إذن للشيعي من دون إمضاء للمعاملة، لزم فراغ ذمّة السنّي عن مال الإمام؛ لتسليمه إلى المأذون من قبله. نعم تكون ذمته حينئذٍ مشغولةً بمال هذا الشيعي.

لكنّ هذا التقريب كما ترى؛ لا يتأتّى في مثل الهبة؛ لعدم الثمن هناك، اللهم إلا أن يدّعى التعميم بدعوى أنّ ظاهر لسان الأخبار كون التحليل في جميع الموارد بنسق واحد.

والجواب أنه هل المراد من استلزام التحليل الابتدائي عدم اشتغال ذمة السنّي بمال الإمام هو نفي اشتغاله به بعد المعاملة رأساً أم أنّ استقرار الضمان ليس عليه بل على الشيعي؟ نظير تعاقب الأيدي على المال المغصوب، فإن للمالك الرجوع إلى أيهم شاء؛ فإذا رجع إلى السابق وأخذ منه العوض عند تلف العين كان للسابق الرجوع إلى اللاحق، كذلك فيما نحن فيه لو تلفت العين وأخذ الإمام(ع) عوضه من السنّي كان له الرجوع إلى الشيعي.

1 ـ فإن أريد الأول ـ وهو فراغ ذمته رأساً ـ فممنوع؛ لأنه وإن سلّم المال إلى المرخّص من جانب الإمام في أخذه، لكنّ هذا الترخيص لا يوجب رفع ضمانه؛

أ ـ لا لكونه ترخيصاً متفرّعاً على الإعطاء؛ فإنّ الترخيص في الأخذ وإن كان متفرعاً على الإعطاء لكنّه يوجب رفع الضمان إذا كان دالاً على الإجازة في الإعطاء، كما لو رخّص صاحب المال أحداً في أخذ ماله ممّن يكون مديوناً لصاحب المال، فلو أتى إليه وأعطاه المال ولم يجوّز له مطالبته، وكان الأمر بحيث يفهم من كلامه أنه يجوز للمديون دفع المال إلى هذا الشخص الثالث، فيكون دفعه إليه كدفعه إلى صاحب المال.

ب ـ بل لأنه ترخيص في خصوص أخذ الآخذ دون إعطاء المعطي؛ فلا يصير دافعاً لضمان المعطي؛ فإنه(ع) لم يجوّز للسنّي دفع المال إلى غير صاحبه ـ وهو الإمام ـ نعم جوّز للشيعي أخذه لو أعطاه السنّي، وعمدة أدلة الضمان ـ وهو بناء العقلاء ـ ثابت في مثل هذا الفرض.

2 ـ أمّا إذا أريد الثاني، ففيه أننا قد حقّقنا في بحث المكاسب أنّ الضامن إذا رجع إليه صاحب المال، له ـ فقط ـ الرجوع إلى اللاحق إن كان اللاحق أيضاً ضامناً، وليس الأمر كذلك فيما نحن فيه؛ لأن اللاحق ـ وهو الشيعي ـ إنما أخذه وتصرّف فيه بإذن صاحب المال ـ وهو الإمام(ع) ـ هذا وكان ينبغي تأخر ذكر هذه الفائدة إلى الجهة الثالثة من جهات بحث التحليل فإنها مربوطة بتلك الجهة فقد حصل الغفلة في تقديمها([22]).

الأمر الثاني: المستفاد من أخبار التحليل بمجموعها

ونبحث هنا مسألة التحليل مع الأخذ بعين الاعتبار مجموع الأخبار التي بيد الأصحاب ويستند إليها، لا خصوص الصحاح منها؛ وذلك كي نرى: هل تفترق النتيجة بناء على التكلم على هذا المبنى أم لا؟

وأذكر الآن أن الشيخ الأعظم الأنصاري ذكر ـ في مبحث الحيض من كتاب الطهارة لدى تعرّضه لمسألة من المسائل ـ وجهاً مبتنياً على مبنىً، ووجهاً آخر قائماً على مبنىً آخر وهكذا؛ فمثلاً قال: لو بنينا على حجية خصوص الأخبار الصحاح فالنتيجة كذا، ولو بنينا على حجية ما عمل الأصحاب به فالنتيجة كذا، ولو بنينا على حجية الجميع فالنتيجة كذا، وهكذا إلى أن أنهاها إلى أحد عشر وجهاً؛ ولله درّه فإنه الذي علّم كيفية الاجتهاد واستنباط الأحكام.

وجرياً على هذا المنوال، نقول: لو بني على حجية الأخبار الضعاف أيضاً أمكن القول بحلّية مطلق الأنفال، دون حلّية الخمس؛ إذ كما دلّ الخبر الضعيف على التحليل في نفسه وكان حجّة حسب الفرض، كذلك دلّ خبرٌ ضعيف آخر على عدم تحليله؛ وبعد تطبيق قوانين باب التعارض نرى أنه لا يثبت تحليل الخمس.

مجموعات أخبار التحليل الضعيفة السند

إنّ أخبار التحليل الضعيفة السند تقع ضمن مجموعات:

المجموعة الأولى: ما يمكن حمله على الحقّ الثابت في يد العامّة الواقع بعد ذلك في يد الشيعة، وهو خبر أبي خديجة، عن أبي عبد الله(ع) قال: >قال رجل وأنا حاضر: حلّل لي الفروج، ففزع أبو عبد الله(ع)، فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق إنما يسألك خادماً يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثاً يصيبه أو تجارة أو شيئاً أعطيه، فقال: هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم والغائب والميت منهم والحيّ وما يولد منهم إلى يوم القيامة<([23]).

فالخادم والمرأة والميراث والتجارة وشيء أعطيه لا يحتاج إلى إذن الإمام(ع)؛ فيكون المراد الإذن في هذه الأمور التي تقع في يده، وهو يحتمل أو يظنّ أو يعلم بالعلم الإجمالي ثبوت حقّ الإمام(ع) فيها؛ فحال هذا الحديث حال ما مضى من صحيح الفضلاء وموثقة يونس، وبعد تسليم كون إطلاقه شاملاً لفرض ثبوت حقّه فيها بعد وقوعها في يده، يخصّص بما سيأتي ذكره إن شاء الله، مما يدلّ على عدم تحليل الخمس.

ونحو هذا الحديث خبر داود الرقي، عن أبي عبد الله(ع)، قال: >سمعته يقول: الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا إلا أنّا أحللنا شيعتنا من ذلك<([24]). فإنّ ظاهره تحليل الشيعة من فعل الناس الموجب للضيق على الشيعة، نظير الكلام السابق الذي أوردناه عند الحديث عن خبر الفضلاء، وبعد تسليم الإطلاق يخصّص بما يأتي إن شاء الله.

ومثل هذين الحديثين خبر النصري، عن أبي عبد الله(ع)، قال: قلت له: >إنّ لنا أموالاً من غلات وتجارات ونحو ذلك، وقد علمت أنّ لك فيها حقاً، قال: فلم أحللنا إذاً لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم، وكل من والى آبائي فهو في حلّ مما في أيديهم من حقنا؛ فليبلغ الشاهد الغائب<([25])؛ فإن ظاهر هذا الحديث ثبوت الحقّ من قبل، مع أنّ التعليل قرينة الاختصاص بالمناكح، وعلى فرض الإطلاق يكون مخصّصاً.

المجموعة الثانية: ما يمكن حمله على مورد خاص، وهو خبر عبد العزيز، قال: >طلبنا الإذن على أبي عبد الله(ع) وأرسلنا إليه فأرسل إلينا: ادخلوا اثنين اثنين، فدخلت أنا ورجل معي، فقلت للرجل: أحب أن تحلّ بالمسألة، فقال: نعم، فقال له: جعلت فداك، إنّ أبي كان ممّن سباه بنو أمية، وقد علمت أن بني أمية لم يكن لهم أن يحرّموا ولا يحللوا، ولم يكن لهم مما في أيديهم قليلٌ ولا كثير، وإنما ذلك لكم؛ فإذا ذكرت الذي كنت فيه دخلني من ذلك ما يكاد يفسد على عقلي ما أنا فيه، فقال له: أنت في حلّ مما كان من ذلك، وكل من كان في مثل حالك من ورائي فهو في حلّ من ذلك..< ([26]). وذيل هذا الحديث المذكور في الوسائل ظاهر في التقية.

وهذه المجموعة كما ترى، إنما تدلّ على الحلية بالنسبة إلى خصوص ما سأله الراوي، وهو أن أباه كان عبداً، ولا عبرة بعتق بني أمية؛ لأنه لم يكن ملكاً لهم، فهو بنفسه باقٍ على الرقيّة، وتترتب عليه أحكامها؛ وبهذا يكون هذا الحديث وارداً في مورد خاص.

المجموعة الثالثة: ما يمكن حمله على التحليل الشخصي، وهو خبر حكيم مؤذن بني عيس (عيسى، عبس)، عن أبي عبد الله(ع) قال: >قلت له: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول، قال: هي والله الإفادة يوماً بيوم إلا أن أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ؛ ليزكوا<([27]).

وهنا بقطع النظر عن أنّ قوله: ليزكوا ـ بناء على ظهوره في طيب الولادة ولو بقرينة غيره من الأخبار ـ قرينة على الاختصاص بالمناكح؛ نرى أنّ الوارد في هذه الرواية مجرّد تحليل شخصي من قبل الباقر×، وغاية ما هناك دعوى دلالة نقل الصادق(ع) على إمضائه من جانبه فقط.

ونحو هذا الحديث خبر النصري عن أبي جعفر(ع)، وفيه قوله(ع):>إنّ لنا الخمس في كتاب الله، ولنا الأنفال، ولنا صفو المال ـ إلى أن قال ـ اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا..<([28])؛ فقوله: إنا قد أحللنا، تحليلٌ شخصي؛ لأنه ظاهر في الإنشاء، كأنّه ينشأ بين يدي الله حتى يكون آكد وأوثق ـ مثلاً ـ لا إخباراً لله تعالى الذي هو أعلم من الإمام، وغاية ما هناك دعوى الإجمال والتردّد بين الخبر والإنشاء، وهو يكفينا.

المجموعة الرابعة: ما ورد في مطلق الحق، وهو خبر يونس أو المعلى، وفيه: >أنّ الله بعث جبرئيل وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض، منها سيحان وجيحان، وهو نهر بلخ، والخشوع وهو نهر الشاش، ومهران وهو نهر الهند، ونيل مصر ودجلة والفرات؛ فما سقت أو استقت فهو لنا وما كان لنا فهو لشيعتنا.. <([29])، فإن لم نقل: إن قوله: ما كان لنا.. إشارة إلى خصوص ما ذكره قبل ذلك؛ فيكون مطلقاً، ويخصّص بما سيأتي إن شاء الله؛ فالخمس خارج منه بالتخصيص.

المجموعة الخامسة: ما ورد في مطلق الخمس وهو:

1 ـ خبر محمد بن مسلم، عن أحدهما: قال: >إن أشدّ ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ خمسي، وقد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم ولتزكوا أولادهم<([30])؛ هذا إذا قطعنا النظر عن قرينية التعليل للاختصاص بالمناكح.

2 ـ مرسلة العياشي: >إن أشدّ ما فيه الناس يوم القيامة إذا قام صاحب الخمس فقال: يا رب خمسي، وإن شيعتنا من ذلك في حلّ<([31]).

3 ـ خبر عمر بن أبان الكلبي، عن ضريس الكنّاسي، قال: قال أبو عبد الله(ع): >أتدري من أين دخل على الناس الزنا؟ فقلت: لا أدري، فقال: من قبل خمسنا أهل البيت، إلا لشيعتنا الأطيبين؛ فإنه محلّل لهم ولميلادهم<([32])؛ فقوله: ولميلادهم، ليس قرينة على الاختصاص بالمناكح، بل هو من قبيل عطف الخاص على العامّ؛ للأهمية ونحوها.

وهذا الخبر لا طعن في سنده الا من جهة ضريس الكناسي؛ لكونه مشتركاً بين ضريس بن عبد الملك بن أعين الثقة ـ ابن أخي زرارة بن أعين المشهور ـ وضريس بن عبد الواحد غير الثابت توثيقه، والراوي لهذا الحديث هو الشيخ الطوسي) الذي لم يعبّر في كتب رجاله عن الأوّل الثقة بالكناسي، وإنّما عبّر عنه بالشيباني، فيما عبّر عن الثاني غير الثقة بالكناسي([33])؛ فربما يستأنس من ذلك كون ضريس هذا الذي عَبَّر عنه في هذا الحديث بالكناسي هو الثاني، وإن لم يكن يتأيّد ذلك فنيّاً، وكيف كان فيكفينا الشك والتردّد في ضعف السند.

نعم ذكر الكاظمي) أنّ من مميّزات الكناسي الأول الثقة أن يروي عنه عمر بن أبان الكلبي، كما في هذا الحديث، لكنّ كلامه ليس حجةً علينا؛ لأنه إخبار عن اجتهاد وحدس لا عن حسّ. نعم لو كان شهد بذلك مثل النجاشي والكشي القريب عصرهما من عصر الرواة بحيث يحتمل في حقهما الإخبار عن حسّ، كان ذلك حجة، كما حقّقناه في بحث حجية خبر الواحد في علم الأصول([34]).

وبالجملة لابدّ لاستعلام حال سند هذا الحديث من التتبع التامّ؛ حتى نتثبّت من تمييز نقل عمر بن أبان الكلبي وعدمه، وطريق ذلك أن نفتّش عن الأخبار الواردة في الفقه عن ضريس الكناسي؛ فإن ثبت أنّ عمر بن أبان الكلبي تلميذٌ ـ مثلاً ـ لضريس بن عبدالملك، وكثيراً ما ينقل عنه بعنوان ابن عبد الملك، بحيث اذا عبّر في مورد بضريس الكناسي ولم يعبّر بابن عبدالملك حصل الاطمئنان بأنّه ابن عبد الملك، كان سند هذا الحديث صحيحاً وإلا فلا. والظاهر أنّ عمر بن أبان الكلبي لم ينقل عن ضريس إلا روايتين: إحداهما هذا الحديث، والأخرى ما أدري أنه عبّر عنه فيها بالكناسي أو لا! ([35]).

وبالجملة الظاهر أنه لم يرد في الفقه حديث صحيح إلى عمر بن أبان الكلبي عن ضريس الكناسي إلا هذا الحديث الوارد في ما نحن فيه، والأمر يحتاج بعدُ إلى زيادة تتبّع.

وعلى أيّ حال، فهذه الروايات وإن دلّت بإطلاقها على تحليل مطلق الخمس، لكنها مخصّصة بما سيجيء ـ إن شاء الله ـ من الأخبار الصحيحة الدالّة على عدم تحليل خمس أرباح المكاسب، وإن كان بعضها ـ أو جميعها ـ لا يدلّ على عدم التحليل في مطلق الأزمان؛ فقد حقّقنا في علم الأصول أنه بعد انتهاء أمد المخصّص لا يجوز الرجوع في إثبات حكم العام الفوقاني لباقي الأزمان إلى الإطلاق الأزماني. نعم يجوز الرجوع فيه إلى العموم الأزماني، لكنّ هذه الأخبار ـ كما ترى ـ ليس فيها عموم أزماني، وإنما إطلاق أزماني.

وبناءً عليه، فخمس أرباح المكاسب خارجٌ عن إطلاق هذه الأخبار نظراً لتخصيصها بأخبار صحيحة السند، أما باقي أقسام الخمس فلا يمكن ـ أيضاً ـ إثبات تحليلها بهذه الأخبار لابتلائها بالمعارض، وإن لم يكن هذا المعارض صحيح السند؛ فإنّ فرضنا هنا هو صحّة التمسّك بالأخبار الضعاف، وإلا لم يصحّ التمسك بهذه الأخبار أيضاً.

ومن الواضح أنّ المعارضة بينهما إنّما هي بالتباين؛ لأننا لا نقول بنظرية انقلاب النسبة([36])؛ فبعد التساقط نرجع إلى أصالة عدم التحليل، مضافاً إلى أنه لو قلنا بانقلاب النسبة فالنسبة هنا منقلبة إلى العموم من وجه لا العموم المطلق؛ إذ كما أنّ أخبار التحليل خرج منها خمس الأرباح بالتخصيص، كذلك أخبار عدم التحليل خرج منها خمس المناكح؛ لكون ما مضى من حديث الكنّاسي صريحاً في تحليله.

المجموعة السادسة: ما دلّ على تحليل خمس الغنيمة، وهو خبر أبي حمزة، عن أبي جعفر(ع) ـ في حديث ـ قال: >إنّ الله جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء؛ فقال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، فنحن أصحاب الخمس والفيء، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا..< ([37]).

أما الحديث المنقول عن تفسير العسكري(ع) والوارد أيضاً في خمس الغنائم([38])، فلا يدل إلا على التحليل الشخصي، فراجع.

وكيف كان، فهذا الحديث مبتلى بالمعارض في مورده، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ ذكره.

المجموعة السابعة: ما ورد في زمان الغيبة، وهو حديث التوقيع الوارد في كتاب إكمال الدين، عن محمد بن محمد بن عصام الكليني، عن محمد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، فيما ورد عليه من التوقيعات بخطّ صاحب الزمان(ع): >أما ما سألت عنه من أمر المنكرين لي ـ إلى أن قال ـ : وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حلّ، إلى أن يظهر أمرنا؛ لتطيب ولادتهم ولا تخبث<([39]).

وسند هذا الحديث مخدوش من جهتين:

الأولى: إنّ محمد بن محمد بن عصام لم تثبت وثاقته، إلا أن يقال بكفاية كونه من مشايخ الصدوق بدعوى حصول الاطمئنان بوثاقة مشايخ المشايخ الثلاثة، والذي يهوّن الخطب من هذه الجهة أن هذا الحديث ذكره الشيخ الطوسي) في كتاب الغيبة بسند معتبر إلى إسحاق بن يعقوب([40]).

الثانية: إن إسحاق بن يعقوب لم يرد فيه أيّ مدح.

هذا ودلالة الحديث أيضاً مخدوشة؛ فإن التعليل بطيب الولادة قرينة على الاختصاص بالمناكح، وحمله على الملاك خلاف الظاهر، وهذا التوقيع بتمامه أجوبة عن المسائل التي سألها إسحاق بن يعقوب، دون أن تنقل لنا الأسئلة نفسها؛ فلا ندري أنّ قوله: وأما الخمس، جوابٌ عن أيّ سؤال؛ فلعلّ اللام فيه للعهد، وإشارة إلى خمس خاصّ كان السؤال عنه.

كما أنّ هذه الرواية ـ لو تمّت دلالةً وسنداً أيضاً أو قلنا بحجية الأخبار الضعاف ـ ليس لها معارض؛ فإن الأخبار الدالّة على عدم التحليل واردة في الزمان السابق على زمان هذا التوقيع؛ فهذه الرواية تدلّ على ثبوت التحليل بعدها وتقدّم على الجميع، إلا أن يقال: إنها تدلّ على ثبوت التحليل حتى في ذلك الزمان السابق، بتقريب أن قوله: قد أبيح، معناه أنه قد أبيح من قبل، وأن دأب الأئمة وديدنهم على التحليل، وأن التعليل بقوله: لتطيب ولادتهم، قرينة على ثبوت الحكم في زمان باقي الأئمة أيضاً؛ لما تقدّم من أنّ تعليل التحليل في الزمان السابق بطيب المولد لا يدلّ على ثبوته في الزمان اللاحق؛ لكن تعليله في الزمان اللاحق به يدلّ على ثبوته في الزمان السابق، وإن كان يمكن النقاش في ذلك ـ في خصوص هذا الحديث ـ لكون التحليل وارداً عن الإمام الغائب الذي يتعذر أو يتعسّر الوصول إلى خدمته وإعطاء حقّه؛ فحلّله ليطيب مولد الشيعة؛ فلا يدل ذلك على التحليل في زمان الحضور الذي يسهل فيه الوصول إلى خدمة الإمام. هذا كلّه في أخبار التحليل.

أخبار عدم التحليل، وقفات وتأملات

أما أخبار عدم التحليل، فهي كثيرة، ذكر الحر العاملي) جملةً منها في الباب الثالث من أبواب الأنفال، وهو باب وجوب إيصال حصّة الإمام(ع) إليه، والحديث الأول منها معتبر سنداً([41])، لكنه غير دالّ على المقصود؛ لوروده في الوقف الذي كان له(ع)، ولا ملازمة بين عدم تحليله وعدم تحليل الخمس، أما باقي أخبار ذلك الباب فضعيفة السند بأجمعها، وإن كان كلّها أو بعضها دالاً على المدّعى؛ فراجع.

كما أنّ الحر العاملي) ذكر بعض الأخبار الأخرى بهذا الصدد في أبواب متفرقة، وهذه الأخبار هي:

1 ـ خبر أبي بصير، عن أبي جعفر(ع): >لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقّنا<([42])؛ فهذا الحديث ـ كما ترى ـ لم يرد في أصل تشريع الخمس، حتى يقال: إنه لا ينافي التحليل، بل هو في مقام بيان ما هو اللازم عملاً، لكنه ضعيف سنداً.

وقوله: أن يشتري من الخمس شيئاً، معناه كون الخمس مثمناً لا ثمناً، وإلا لقال: أن يشتري بالخمس شيئاً؛ فهذا الحديث لو كان تاماً من حيث السند لعارض ـ بالعموم من وجه ـ ما مضى من صحيح الفضلاء الدالّ على جواز أخذ الخمس من السنّي؛ فإنه أعمّ من صحيح الفضلاء من حيث كون البائع شيعياً أو سنياً وكذا المشتري، فيما صحيح الفضلاء أعمّ منه من حيث كون الحقّ خمساً أو غيره. هذا بناء على كون المراد من صحيح الفضلاء ما استظهرناه من أنّ المراد تحليل الواقع في يد الشيعي من يد السنّي، وأما بناء على كون المراد منه تحليل مطلق الحقّ فتكون النسبة أيضاً هي العموم من وجه؛ غاية الأمر أن دائرة مادّة الاجتماع أوسع؛ لأن مادة الاجتماع على الأول خصوص الخمس المأخوذ من السنّي، وعلى الثاني مطلق الخمس في يد الشيعي.

لكن رغم ذلك كلّه، وكون النسبة هي العموم من وجه، إلا أنّه يتعامل معهما معاملة العموم والخصوص المطلق؛ فتجعل صحيحة الفضلاء أخصّ؛ لكون موضوعها خصوص الشيعة، بناء على ما ربما يقال من أنّ العامين من وجه إن كان أحدهما أخصّ من جهة الموضوع، فيما كانت أخصية الآخر من ناحية المحمول، لوحظ في نظر العرف الأول دون الثاني، ولم يعامل معهما معاملة العموم من وجه، لكن بناءً على ما هو الحقّ من عدم وجود فرق من هذه الجهة وعدم تقديم أخصية الموضوع على أخصّية المحمول، لابد من التعامل مع صحيح الفضلاء وفقاً لما قلناه، من تطبيق التعارض بين العامّين من وجه.

كما أنّ هذا الحديث يعارض أيضاً بالعموم من وجه ما مضى من قوله: >من أعوزه شيء من حقّي فهو في حلّ<، بناء على فرض اتحاد زمان الصدور؛ فإنّ الأول مطلق من حيث عدم اختصاصه بالشيعي، والثاني مطلق من حيث الخمس وغيره، وكون الحق ثابتاً في المال الذي في يد الشيعي قبل وصوله إلى يده وبعده؛ فإنّ تحليل الثاني ـ وهو مفاد هذا الحديث ـ يدلّ بطريق أولى على تحليل الأول.

وقوله: من أعوزه، وإن كان في بادئ النظر مطلقاً غير مختصّ بالشيعة، لكن من المقطوع به كون المقصود تحليل الشيعة لا غيرهم، ولا ندري هل اتحد زمان صدورهما أم تأخر هذا وتقدّم ذاك أم العكس؟ وكيف كان، فقد مضى حمل هذا الحديث على التحليل الشخصي.

2 ـ خبر أبي بصير، عن أبي جعفر(ع): >من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره الله، اشترى ما لا يحلّ له<([43])، وهذا الخبر كسابقه سنداً ودلالة، ولا يتوهم أن قوله: لم يعذره الله، صفة لقوله: شيئاً من الخمس؛ حتى يقال بعدم دلالته على المدّعى، فإنه لو كان كذلك لقال: لم يعذره الله فيه.

3 ـ خبر عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر قال: >..والله لقد يسّر الله على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربهم واحداً وأكلوا أربعة أحلاّء ـ ثم قال ـ: هذا من حديثنا صعب مستصعب لا يعمل به ولا يصبر عليه إلا ممتحن قلبه للإيمان<([44]).

ويمكن أن يختصّ قوله: <أرزاقهم> بخصوص أرباح المكاسب، كما يمكن أن يكون مطلقاً؛ فإن الرزق غير منحصر بأرباح المكاسب. وكيف كان فدلالته على عدم التحليل واضحة؛ فإنه لو كان الخمس حلالاً لم يكن عدم إعطاء الخمس دليلاً على عدم كون الشخص ممتحن القلب بالإيمان، بل الذي امتحن قلبه للإيمان كان يمكنه ـ أيضاً ـ عدم إعطاء الخمس، دون أن يكون عليه وزر في ذلك. وبالجملة لا إشكال في دلالة هذا الحديث على المطلوب، لكنّه ضعيف السند.

4 ـ خبر أبي بصير، عن أبي جعفر(ع): >كل شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن لنا خمسه، ولا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقنا<([45]).

فهذا الحديث يدلّ على عدم تحليل خمس الغنيمة بالنصّ، وعدم تحليل جميع أقسام الخمس بالإطلاق؛ لكنه ضعيف لابتلائه بمعارضة صحيح الفضلاء كالحديث الأول، وقد مضى التعليق عليه.

5 ـ خبر إبراهيم بن محمد الهمداني المعتبر سنداً الوارد في خصوص الضياع، قال: >وأقرأني عليّ كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع… فكتب وقرأه علي بن مهزيار: عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله وبعد خراج السلطان<([46]).

6 ـ خبر يزيد([47])، وهذا الخبر يلحق الجائزة بالربح أيضاً، لكنّ سنده ضعيف، فراجع.

7 ـ معتبرة الريان بن الصلت، قال: >كتبت إلى أبي محمد(ع): ما الذي يجب علي ـ يا مولاي ـ في غلّة رحى أرض في قطيعة لي وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: يجب عليك فيه الخمس<([48]).

تحليل صحيحة علي بن مهزيار

وردت صحيحة أخرى تدل على التحليل في بعض أقسام الخمس وعدمه في بعضها، وهي صحيحة علي بن مهزيار: >كتب إليه أبو جعفروقرأت أناكتابه إليه في طريق مكة، قال: إن الذي أوجبت في سنتي هذه وهذه سنة عشرين ومأتين فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كلّه؛ خوفاً من الانتشار وسأفسر لك بعضه إن شاء الله، إنّ مواليَّ ـ أسأل الله صلاحهم ـ أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك، فأحببت أن أطهّرهم وأزكّيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس، قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، ولم أوجب عليهم ذلك في كلّ عام ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها الله عليهم، وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسّر لك أمرها؛ تخفيفاً منّي عن موالي ومنّاً مني عليهم؛ لما يغتال السلطان من أموالهم ولم ينوبهم في ذاتهم، فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام، قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، والغنائم والفوائد ـ يرحمك الله ـ فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب، وما صار إلى مواليّ من أموال الخرميّة الفسقة، فقد علمت أن أموالاً عظاماً صارت إلى قوم من موالي فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصل إلى وكيلي، ومن كان نائباً بعيد الشقة فليتعمّد لإيصاله ولو بعد حين؛ فإنّ نية المؤمن خير من عمله، فأما الذي أوجب من الضياع والغلات في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمؤنته، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك<.

إنّ ما في هذا الحديث من تحليل الزائد على نصف السدس من الضياع والغلات محكومٌ لمعتبرة الهمداني المتقدّمة؛ فإن قوله فيها: أقرأني علي بن مهزيار كتاب أبيك أنه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤنة.. إشارة إلى ما عرفته من الحديث المفصّل لعلي بن مهزيار، وهذا الحديث الحاكم وإن كان مضمراً، لكن لا يضرّ إضماره به بعد علمنا بجلالة شأن علي بن مهزيار، وعدم نقله عن غير الإمام لاسيما في مسألة الخمس الذي هو للإمام(ع).

وعلى أيّة حال، فهذا الحديث المفصّل وإن دلّ على التحليل في بعض أقسام الخمس، لكنّه إنما يدلّ على التحليل الشخصي من قبل أبي جعفر الثاني(ع) فقط، وليس فيه إشعار به من قبل أبنائه المعصومين، فضلاً عن الدلالة على ذلك، كما هو واضح. من هنا؛ لا يُعلم صدور التحليل من قبل أبنائه، بل قد علم خلاف ذلك في بعض الموارد؛ ذلك أنّ بعض ما مضى من الأخبار قد ورد عمّن بعده من الأئمة، وهو دالّ على عدم تحليل بعض أقسام الخمس المحلَّل في هذا الحديث، مع اعتبار سنده.

بقي الكلام في الجهة الثانية والثالثة من بحث التحليل، وباقي الكلام في المقام الثالث من هذا الكتاب، ويأتي إن شاء الله الحديث عنه في السنة الآتية([49]).

الهوامش

(*) مفكر شهيد، أشهر من أن يعرّف، فالإعراض عن تعريفه أجدى.

([1]) ابن أبي جمهور، عوالي اللئالي 4: 5.

([2]) الشهيد الأول، حاشية قواعد الأحكام: 62، النسخة الحجرية لكتاب القواعد.

([3]) محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 16: 150 ـ 152.

([4]) المصدر نفسه 16: 152.

([5]) وسائل الشيعة 9: 543، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، باب 4، ح1.

([6]) المصدر نفسه، ح2.

([7]) المصدر نفسه: 545، ح6.

([8]) المصدر نفسه: 547، ح10.

([9]) المصدر نفسه: 548، ح12.

([10]) المصدر نفسه: 550، ح12.

([11]) أنظر ـ لمزيد من الاطلاع ـ: النجفي، جواهر الكلام 6: 171 ـ 172؛ والروحاني، منتقى الأصول 4: 296؛ والخوئي، معجم رجال الحديث 1: 41؛ ومباني العروة الوثقى، كتاب النكاح 240:2؛ ومحمد صادق الروحاني، زبدة الأصول 3: 229؛ والسبزواري، تهذيب الأصول 2: 116.

([12]) الهمداني، مصباح الفقيه 3: 127 (الطبعة الحجرية).

([13]) أنظر له: بحوث في شرح العروة الوثقى 2: 102.

([14]) وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، باب 3، ح4.

([15]) أنظر بحثه حول أخبار الطرح في: بحوث في علم الأصول 7: 315 ـ 335.

([16]) محمد كاظم اليزدي، العروة الوثقى 1: 23، مؤسسة النشر الإسلامي.

([17]) محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقى 1: 38 ـ 39.

([18]) جواهر الكلام 16: 152 ـ 153.

([19]) انظر نظرية السيد الشهيد حول مسألة الشك في القرينة المتصلة في: بحوث في علم الأصول 4: 266 ـ 270.

([20]) الخراساني، كفاية الأصول: 329.

([21]) الذي هو موجود في تقريرات السيد الشهيد قبوله ـ على تفصيل ـ بالاستصحاب التعليقي، فانظر: مباحث الأصول ق2، ج5: 386 ـ 417؛ وبحوث في علم الأصول 6: 280 ـ 292.

([22]) يبدو أن السيد الشهيد ـ بحسب هذا التقرير ـ لم يتعرّض للجهة الثالثة، كما سوف تأتي منه الإشارة آخر البحث.

([23]) وسائل الشيعة 9: 554، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، باب 4، ح4.

([24]) المصدر نفسه: 546، باب 4، ح7.

([25]) المصدر نفسه: 547، ح9.

([26]) المصدر نفسه: 551، ح18.

([27]) المصدر نفسه: 546، ح8.

([28]) المصدر نفسه: 549، ح14.

([29]) المصدر نفسه: 550 ـ 551، ح17.

([30]) المصدر نفسه: 545، ح5.

([31]) المصدر نفسه: 553 ـ 554، ح22.

([32]) المصدر نفسه: 544، ح3.

([33]) انظر: رجال الطوسي: 227.

([34]) انظر نظريته في الخبر الحسّي والحدسي في: مباحث الأصول ق2، ج2: 595 ـ 598.

([35]) الرواية الأخرى ورد فيها وصف الكناسي، وقد جاءت عند: الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: 231.

([36]) انظر: بحوث في علم الأصول 7: 288 ـ 312؛ ومباحث الأصول ق2، ج5: 660 ـ 682.

([37]) وسائل الشيعة 9: 552، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، باب 4، ح19.

([38]) المصدر نفسه: 552 ـ 553، ح20.

([39]) المصدر نفسه: 550، ح16.

([40]) الطوسي، الغيبة: 290 ـ 292.

([41]) وسائل الشيعة: 9: 537 ـ 538.

([42]) المصدر نفسه 9: 484، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، باب1، ح4.

([43]) المصدر نفسه: 484، ح5.

([44]) المصدر نفسه: 484 ـ 485، ح6.

([45]) المصدر نفسه: 487، باب2، ح5.

([46]) المصدر نفسه: 500 ـ 501، باب8، ح4.

([47]) المصدر نفسه: 503، ح7.

([48]) المصدر نفسه: 504، ح9.

([49]) يبدو أنه لم يكمل لضيق الوقت.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً