أحدث المقالات

نظريةٌ في أصول التأويل العرفاني

السيد جواد سيحي(*)

د. قاسم فائز(**)

 

تمهيد ــــــ

لقد تمسك بعض العرفاء بهذا المبنى للاستدلال به على دلالة الألفاظ على الأمور الغيبية بنحو الحقيقة، وليس المجاز. فلقد وسّع أصحاب هذا الاتجاه في حقيقة الوضع، ليشمل المعنى العام الذي ينطبق على مصاديق متعدّدة. وقد أطلقوا عليه أيضاً اسم روح المعنى، ومعناه أن الواضع عند وضعه اللفظ فإنه وضعه للمعنى العام، بحيث يتسع ليشمل الحقائق العرفية والغيبية معاً. فالنور مثلاً وضعه الواضع لمعنى عام، وهو الكاشفية، وهذا المعنى يمكن أن يصدق على أشياء كثيرة، وحقائق متعددة، فالمصباح نور، والله نور أيضاً، والعلم الإلهي نور أيضاً، بمعنى أن المصباح له خاصية الكاشفية التي بها يكشف عمّا خبأه الظلام، والله أيضاً نور يكشف الحقائق الكونية والإلهية للإنسان، وهكذا، فالله نور بما يتناسب مع شأنه ومرتبته. وكذلك كلمة العرش فإنّما تعني في عرف اللغة المكان الذي يجلس عليه صاحب المقام والشأن والحكم والسلطة، ومنه يصدر الأوامر، فهو يدلّ بالدلالة العامة على العظمة والقدرة والسلطة لصاحبه. وهذا المعنى يمكن أن ننسبه إلى الله تعالى بأن نقول: إن لله عرشاً أيضاً، بمعنى أن هذا العرش هو مظهر العظمة والقدرة الإلهية. فالواضع لما وضع كلمة عرش فإنه وضعها للسلطة والعظمة والقدرة، وهو معنى عام يشمل الحقائق العرفية للعرش، وهو المكان الذي يجلس عليه، ويشمل الحقائق الغيبية بمعنى المظهر والتجلّي لقدرة وعظمة الله. فإذا استعمل القرآن كلمة العرش الإلهي فكلمة «العرش» مستعملة استعمالاً حقيقيّاً، وليس مجازياً؛ لأن وضع كلمة «عرش» إنما كان وضعها للمعنى العام وهو القدرة والسلطة، فهذا المعنى العام قابل الانطباق على مصاديق متعدّدة، فيشمل العرش الذي يجلس عليه أصحاب المُلْك، ويشمل العرش الإلهي الذي هو مظهر السلطة والقدرة الإلهية المطلقة. وترجع البوادر الأولى في طرح هذا المبنى إلى الغزالي، وقد تابعه عليها الكثير من الفلاسفة والعرفاء، كأمثال الفيض الكاشاني، والملا صدرا، والعلاّمة الطباطبائي. ففي نصٍّ للغزالي في كتابه جواهر القرآن يمكن أن نستفيد منه القول بوضع الألفاظ لروح المعاني، حيث يقول: فانظروا إلى قوله|: «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن»، بين روح الملك وبين لمة الشيطان، هذا يغويه، وهذا يهديه، والله بهما يقلب قلوب العباد، كما تقلب الأشياء أنت بإصبعيك، فانظر كيف شارك نسبة الملكين المسخّرين إلى الله تعالى إصبعيك في روح إصبعية وخالفها في الصورة. ومتى عرفت معنى الإصبع أمكنك الترقي إلى القلم واليد واليمين والوجه والصورة، وأخذت جميعها معنى روحانياً، لا جسمانياً، فتعلم أن روح القلم وحقيقته التي لا بُدَّ من تحقيقها إذا ذكرت حدّ القلم هو الذي يكتب به، فإن كان في الوجود شيء يتسطر بواسطته نقش العلوم في ألواح القلب فأخلق أن يكون هو القلم، فإن الله ﴿عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾. وهذا القلم روحاني إذا وجد فيه روح القلم وحقيقته، ولم يعوزه إلاّ قالبه وصورته، وكون القلم من خشب ليس من حقيقة القلم([1])، ولذلك لا يوجد في حدّه الحقيقي، ولكل شيء حدّ وحقيقة هي روحه.

فإذا أهديت إلى الأرواح صرت روحانياً، وفتحت لك أبواب الملكوت، وأمِّلت لمرافقة الملأ الأعلى([2]).

فمن خلال هذا النص للغزالي نستشفّ أن روح الإصبعية هي التقليب، وليس هو العضو البشري. فالإصبع البشري يمتاز بسرعة تقليبه للأشياء، ومن أهم وظائفه هذا الأمر. وروح القلم هي الكتابة ونقش الحروف. فالتقليب ـ حسب الغزالي ـ هو الأمر المطلق، قد يكون للمحسوس، وقد يكون لأمر مجرّد ومعنوي وملكوتي. وهذا المعنى هو المعنى الشامل لروح الأصابع، فتكون الأصابع معنى عاماً للتقليب، يشمل مصاديق متعدّدة، منها: الأصابع البشرية، والأصابع الإلهية، التي هي بمعنى القدرة والقوة على التقليب لقلوب المؤمنين. فإذا أطلقنا الإصبع على العضو الذي يمتاز بقدرته على تقليب الأشياء فهذا العمل الذي يقوم به الإصبع قابلٌ للإطلاق على الله تعالى بشكل أَوْلَى وأخرى. وبهذا يقوم الغزالي بتجريد الألفاظ المسمّاة من خصائصها المادية، لتصبح قابلة للانطباق على الأشياء المعنوية والروحية، بالنظر إلى حقيقتها ومقاصدها، من دون النظر إلى شكلها وصورتها، فعلينا أن نتقبل روح القلم والإصبع وحقيقته، دون الاهتمام بشكله وصورته ومادته، وبذلك يكون القلم والإصبع قابلاً للانطباق على مصاديق متعددة، حسية كانت أو معنوية، على اختلاف مراتب عالم الشهادة والغيب، فيكون الاسم حقيقة، وروحاً واحدة لها مراتب متعدّدة، بحسب النشأة التي يتحدث عنها. وبذلك يحصل التوافق ما بين عالم الملك والملكوت؛ إذ ما من شيءٍ في عالم الملك والشهادة إلاّ هو مثالٌ لأمر روحاني من عالم الملكوت، كأنه هو في روحه ومعناه، وليس هو هو من صورته وقالبه([3]).

إن هذه النظرية هي قريبة من النزعة الأفلاطونية التي تستمد مبرّراتها الوجودية من منطق السنخية. وبحسب هذا المبنى المعرفي فإنّه يتحتم أن تكون العوالم الوجودية متشابهة ومتشاكلة، وذلك بحمل الأشرف منها جميع المعاني الموجودة في الأخسّ على وجهٍ ألطف وأكمل، فكلّ ما في العالم السفلي إنما يتبع العالم العلوي على صورة المثال والظلّ بحسب ما يسانخه.

وبعبارة أخرى: إنه ما من شيءٍ نراه ونتحسَّس به في عالمنا الكوني إلاّ وله وجود آخر أليق في العالم العلوي، ومن ثم في الذات الإلهية، حيث لا تخلو هذه الذات، كما يذكر «صدر المتألهين»، من أرض ولا سماء، ولا بر ولا بحر، ولا عرش ولا فرش، إذ ما من شيء في العالم إلاّ وله في الله أصله، وما من شيء يظهر إلاّ وله في الحضرة الإلهية صورة تشاكله، بدونها لا يظهر أيّ شيء إطلاقاً. فحقيقة المعلول تنبعث من العلة، فيكون كل ما في الكون عبارة عن ظلٍّ لما في العالم العقلي، وكلّ صورة معقولة هي على مثال ما في الحضرة الإلهية([4]). كذلك كل شيء يخلقه الله له نظير أيضاً في عالم الأسماء والصفات([5]).

وفي نصٍّ آخر للغزالي يثبت نفس هذا المعنى بقوله: «إنّ الكبريت الأحمر عند الخلق في عالم الشهادة عبارة عن الكيمياء التي يتوصّل بها إلى قلب الأعيان، من الصفات الخسيسة إلى الصفات النفيسة، حتّى ينقلب به الحجر ياقوتاً ونحاساً ذهباً إبريزاً، ليُتوصَّل به إلى اللذات في الدنيا مكدّرة منغصة في الحال، متصرمة على قرب الاستقبال. أفترى أن ما يقلب جواهر القلب من رذالة البهيمة وضلالة الجهل إلى صفاء الملائكة وروحانيتها، ليرتقي من أسفل سافلين إلى أعلى عليّين، وينال به القرب من ربّ العالمين، والنظر إلى وجه الكريم أبداً دائماً سرمداً، هل هو أَوْلى باسم الكبريت الأحمر أم لا؟ فلهذا سمَّيناه الكبريت الأحمر، فتأمَّل، وراجع نفسك، وأنصف، لتعلم أن هذا الاسم بهذا المعنى أحقّ، وعليه أصدق»([6]).

إن هذا التصور الدلالي للغزالي يختلف تماماً عن التصور الاعتزالي أو الفلسفي، الذي يرى أن استعمال الكبريت الأحمر في حقّ الله هو استعمال مجازي، وليس حقيقيّاً. فالغزالي يذهب إلى أن استعمال الكبريت الأحمر في حقّ الله هو استعمال حقيقي، وذلك لما كانت غاية الكبريت الأحمر هو قلب الخصائص الخسيسة إلى خصائص نفيسة فإنّ هذا القلب يصدق أيضاً على الله، الذي يقلب النفوس الرذيلة إلى نفوس طاهرة. فحقيقة الكبريت الأحمر هو القلب، وهو المعنى المشترك بين الله وبين المعنى المادّي له. إنّ هذا المعنى العام قابلٌ للانطباق على مصاديق متعدّدة، بحيث يشكّل كلّ واحد من هذه المصاديق مرتبة من هذه الحقيقة والمجاز، وإنما نكون أمام تعدّد المصاديق لمعنى عام مشترك. ولقد وجدنا الملا صدرا والفيض الكاشاني والعلامة الطباطبائي قد تأثَّروا جميعاً بمسلك الغزالي في طرح هذا المبنى. ووجدنا أن نصّ الغزالي منقول بتمامه في كتاب مفاتيح الغيب([7])، للملاّ صدرا. فبعد نقل كلام الغزالي يبسط الملاّ صدرا الحديث عن هذا المبنى بقوله: «الأصل في منهج الراسخين في العلم هو إبقاء ظواهر الألفاظ على معانيها الأصلية من غير تصرّف فيها، لكنْ مع تحقيق تلك المعاني، وتخليصها عن الأمور الزائدة، وعدم الاحتجاب عن روح المعنى؛ بسبب غلبة أحكام بعض خصوصياتها على النفس، واعتيادها بحصر كلّ معنى على هيئة مخصوصة له، يتمثَّل ذلك المعنى بها للنفس في هذه النشأة. فلفظ الميزان مثلاً موضوعٌ لما يوزن به الشيء مطلقاً، فهو أمر مطلق يشمل المحسوس منه والمتخيل والمعقول، فذلك المعنى الشامل روح معناه وملاكه من أن يشترط فيه تخصيصه بهيئة مخصوصة، فكل ما يقاس به الشيء بأيّ خصوصية كانت، حسية أو عقلية، يتحقق فيه الميزان، ويصدق عليه معنى لفظه. فالمسطرة والشاقول والكونيا والإسطرلاب والذراع، وعلم النحو والعروض وعلم المنطق وجوهر العقل، كلها مقاييس وموازين توزن بها الأشياء، إلاّ أن لكلّ شيء ميزان يناسب ما يجانسه، فالمسطرة ميزان…، والمنطق ميزان الفكر، يعرف به صحيحه من فاسده، والعقل ميزان الكلّ ما كان كاملاً، فالكامل العارف مشاهدته عن الأمر الذي له كفّتان وعمود ولسان، وهكذا حاله في كلامه يسمع ويراه، فإنّه ينقل فحواه، ويسافر من ظاهره وصورته إلى روح معناه، من دنياه إلى أخراه([8]).

كما نجد الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي يصرِّح بهذا المبنى أيضاً، الذي يعتبر أن الألفاظ وضعت لروح المعاني، فإن «لكل معنى من المعاني حقيقة وروح، وله صورة وقالب. وقد تتعدد الصور والقوالب لحقيقة واحدة، وإنما وضعت الألفاظ للحقائق والأرواح. ولوجودهما (أي الحقائق والأرواح) في القوالب تستعمل الألفاظ فيهما([9]) على الحقيقة؛ لاتحاد ما بينهما. فمثلاً: لفظ القلم إنما وضع لآلة نقش الصور في الألواح، من دون أن يعتبر فيها كونها من قصب أو حديد أو غير ذلك، ولا أن يكون جسماً، ولا كون النقش محسوساً أو معقولاً([10]).

إنّ القول بهذا المبنى يجعل النصوص والآيات القرآنية المتحدّثة عن الأمور الغيبية تدلّ عليها بنحو الحقيقة، فلا يحتاج إلى التأويل فيها، وإنّما تؤخذ على ظواهرها، فيكون الظاهر هو اللفظ المشترك العام الذي يحمل نظائر المعنى على ما فيه من اختلاف على حسب المصاديق، يتفاوت على مستوى الشدة والضعف والقوة والكمال([11]). وعلى هذا الأساس فإن هذا المبنى يشمل المعاني المشكّكة، والمشتركة، وكل المعاني التي تتّفق في غرضٍ ومقصد معين. فإذا جاء ذكر في الآيات للأمور الغيبية فإنّ ألفاظها دالّة على حقائق الغيبية دلالة مباشرة، من دون حاجة إلى التأويل. والسياق هو الكفيل ببيان المستعمل فيه من المعنى المشترك العام.

ولقد ذهب العلامة الطباطبائي إلى تطبيق هذا المعنى، والاستدلال به كثيراً في تفسير الآيات التي تتحدّث عن الذات الإلهية وصفاتها ومسائل الغيب، حيث اعتبر أن العبرة في وضع اللفظ هو روحه، والغرض الذي يؤدّيه من الفهم والتفهيم. فلقد وسع من دلالة اللفظ عند الوضع لتشمل مصاديق متعدّدة: أحدها: المعنى العرفي. ففي نظر العلامة الطباطبائي إن الألفاظ المستعملة للدلالة على الأمور الغيبية، مثل: اللوح والقلم والعرش والكرسي، ووجه الله وعينه ـ هي ألفاظ تدلّ على هذه المعاني على نحو الحقيقة، وإنْ كان الذي ينصرف ويتبادر إلى ذهننا عند سماع هذه الألفاظ الوجودات المادية: «إنّ الأنس والعادة (كما قيل) يوجبان لنا أن ينسبق إلى أذهاننا عند استماع الألفاظ معانيها المادية، أو ما يتعلّق بالمادة، فإن المادة هي التي يتقلّب فيها أبداننا وقوانا المتعلقة بها ما دمنا في الحياة الدنيوية، فإذا سمعنا ألفاظ الحياة والقدرة والعلم والسمع والبصر والكلام والإرادة والرضا والغضب والخلق والأمر كان الأسبق إلى أذهاننا منها الوجودات المادية لمفاهيمنا»([12]).

يرى العلامة الطباطبائي الحق لنا في هذا الانسباق، إلاّ أنه مع التأمل فإن هذه الألفاظ لم توضع لهذه الأمور المادية بعينها، وإنما وضعت لبيان الغاية منها. فاللفظ وضع في الحقيقة للغاية والغرض، وليس لصورة وشكل الشيء. فإذا وجد مصداق له نفس الغاية والغرض الذي وضع الاسم له صحّ لنا أن نسمي هذا المصداق بنفس الاسم الذي وُضِع من أجل أداء غاية وغرض معين؛ لأن المدار في صدق الاسم على أمر معين هو اشتماله على الغاية والغرض، فلا جمود للفظ على صورة واحدة([13]).

ولذلك وجدنا تطبيقات كثيرة لهذا المبنى في تفسير الميزان. فالعلامة الطباطبائي لا يرى أن استعمال النور والظلمة بمعنى الكفر والإيمان هو استعمال مجازي، بل يراه استعمالاً حقيقياً، لم تتجاوز فيه الألفاظ دلالتها الوضعية الأولى؛ وذلك بعد أن وسَّع في دلالة اللفظ عند الوضع. فالظلمات وضعت لكلّ ما لا ينكشف أمام الرؤية النفسية والبصرية. فالكلمة موضوعة للمعنى العام الواسع الذي يدخل تحته كلّ مصداق ما لا ينكشف، كالجهل والضلالة والكفر. فاستعمال الظلمات في هذه المعاني هو استعمال حقيقي، وليس استعمالاً مجازيّاً([14]). وكذلك كلمة النور، فإن المعنى عام يدخل تحته مصاديق متعدّدة، مثل: الإيمان والعلم والهداية([15])؛ لأن كلمة النور وضعت لكلّ ما ينكشف، وهو الظاهر في نفسه، والمظهر لغيره، فإذا تحقَّق هذا المعنى في الهداية، التي هي بمعنى إظهار الحق والطريق، فإنّ استعمال النور بمعنى الهداية هو استعمال حقيقيّ([16]).

إنّ مبنى وضع اللفظ للمعنى العام، الذي اعتمد عليه بعض المتصوفة والعرفاء، يقترب كثيراً مما ذهب إليه ابن تيمية، إلا أن الفارق بينهما هو أنّ ابن تيمية عمم ذلك على سائر اللغة، فذهب إلى إنكار المجاز في القرآن كله، بينما لم ينكر الغزالي والملا صدرا والفيض الكاشاني والطباطبائي وقوعه في القرآن، وإنما ذهبوا إلى الاستعمال الحقيقي للألفاظ في الأمور الغيبية.

 

الأدلة والشواهد المعتمدة للاستدلال على اعتبار هذا المبنى ــــــ

اعتمد القائلون بهذا المبنى على شواهد وأدلة متعددة؛ للاستدلال على صحة هذا المبنى. ومنها:

 

الشاهد الأول ــــــ

ذكر العلامة الطباطبائي في تفسيره دليلاً أثبت فيه تغيُّر المسمّى مع مرور الزمان مع بقاء نفس الاسم. فمثلاً: «السراج»، فإنّ أول ما عمله الإنسان كان إناء فيه فتيلة وشيء من الدهن تشتعل به الفتيلة؛ للاستضاءة في الظلمة، ثم لم يزَلْ يتكامل حتى بلغ اليوم إلى السراج الكهربائي، ولم يبقَ من أجزاء السراج المعمول أولاً، الموضوع بإزائه لفظ السراج، جزء واحد. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الميزان، فالميزان المعمول به سابقاً ليس هو نفس الميزان المعمول به اليوم؛ لقياس درجة الحرارة. والسلاح المعتمد سابقاً ليس هو نفس السلاح اليوم. فالمسمَّيات بلغت في التغيير إلى حيث فقدت جميع أجزائها السابقة ذاتاً وصفة، ومع ذلك فالاسم باقٍ؛ لأن المراد في التسمية إنما هو من الشيء غايته، لا شكله وصورته، فما دام غرض التوزين والاستضاءة أو الدفاع باقياً كان اسم الميزان والسراج والسلاح باقياً على حاله([17]).

فهذا الشاهد يعدّ شاهداً مأخوذاً من استقراء تغيُّر الأشياء مع بقاء نفس الاسم. فبقاء الاسم يدلّ على أمر ثابت لا يتغير، وهذا الثابت الذي يحفظ وحدة الاسم هو الغرض والمقصد منه، وهو العنوان العام الشامل. فأيّ شيء تحقق فيه هذا العنوان يمكن أن نسميه بنفس الاسم، ولا مانع من ذلك، ما دام الغرض متحقِّقاً فيه. وبذلك يثبت الوضع للمعنى العام. فالواضع لمّا أراد وضع الاسم للمسمّى إنما لاحظ المعنى العام المتمثِّل في الوظيفة التي يقوم بها المسمّى.

 

مناقشة هذا الشاهد ــــــ

إن مسألة وضع اللفظ العام يقتضي أن يرى الواضع مصاديق متعدّدة، ثم يضع لها معنى عام يجمعها. فمن أين نعرف أن الواضع لاحظ الأمور الغيبية عند الوضع، وخصوصاً إذا علمنا أن المقتضي العام لوضع الاسم إنما هو العرف العام السائد الذي يلحظ الوجودات المادية للأشياء؟!

ثم إن القول بهذا المبنى يضعنا أمام خيارين؛ فإما أن يكون الواضع هو الله، وهذا ما لا يتفق عليه ولا يقوله أصحاب هذا المبنى، فإن وضع الألفاظ عندهم إنما كان لوجود الحاجة الاجتماعية إلى التفهيم والتفهم([18])؛ وإما أنّ كلَّ الواضعين ناظرون ومؤمنون بالمسائل الغيبية، فالكثير من الواضعين لا يؤمنون بهذه الأمور.

إن ما يمكن أن نسلِّم به، وهو القدر المتيقَّن منه، أن اللفظ وضع بإزاء شيء مادّي أولاً، ثم توسع في معناه، فشمل الأمور المعنوية والمجردة.

إن تحديد أصل الوضع للكلمة مهمة صعبة؛ لأن اللغة لم تصل إلينا في طور نشأتها، بل وصلت بعد آلاف من السنين من التداول الشفوي([19])، فلا يبقى لنا إلا أن نخمِّن أن الوضع كان بإزاء أمر عادي أولاً، ثم توسع في هذا المعنى. وإن عملية التوسع تقتضي مشابهة المصداق الجديد للمصداق الأول من حيث الفعل والوظيفة والغرض، فيتم صناعة مفهوم له انطلاقاً من نقل تجربة مادية إلى تجربة معنوية، فتتم استعارة المعنى المادي للدلالة على الأمر المعنوي؛ لوجود المشابهة بينهما في أداء الغرض والقصد. وهذا من طبيعة اللغة التي تملك القدرة على التوسع والانعطاف والمرونة، وهو ما يمكِّن الإنسان من تشكيل عدد لا متناه من الجمل من كلماتٍ متناهية.

إن الغرض والمعنى العام للنور وهو الكاشفية يحتاج في تعديته إلى المعنى المجرد إلى توسعة، وإلى نقل هذا المعنى المادي إلى معنى معنوي متمثّل في الهداية والعلم.

إن ما يمكن قوله: إن كثرة الاستعمال للنور بمعنى الهداية والإيمان لدى العرفاء والمسلمين جعل الأمر ينسبق إلى الذهن وكأنه إما وضع تعيين من كثرة الاستعمال، وإلا فإن استعمال النور في الهداية في أول الإسلام والجاهلية لم يكن متعيناً على نحو الحقيقة، وإنما كان يفهم منه العربي أن هنالك توظيفاً لمفاهيم جديدة قلبت كل الرؤية الكونية عندهم. فالعربيّ انطلاقاً من تجربته المعاشة استطاع أن يفهم هذه المعاني الغيبية التي أفرغت في القوالب ولغة مادية؛ لأن أساليب المجاز كانت متداولة عندهم. فاللغة القرآنية لم تخرج عن المعطى العام في الأسلوب العربي.

 

الشاهد الثاني ــــــ

إن ما ورد على لسان الأنبياء^، وما ورد في القرآن الكريم، يخبر عن مسائل فوق عالم الطبيعة والمادة، ويخبر أيضاً عن وجودات متعالية، مثل: الميزان والقلم واللوح والعرش والكرسي واليد والرحمة الإلهية وغيرها من الأمور الغيبية. إن هذه الأمور لا يمكن تفسيرها بالتفسير المادي المتعارف عندنا([20])؛ لأن هذه التفاسير عاجزة عن إدراك حقيقتها، ومن شأنها أن توقعنا في التجسيم والتشبيه، والله لا يوصف بصفة الأجسام، ولا ينعت بنعوت الممكنات، مما يقضي بالحدوث([21]). بالإضافة إلى أنّ تفسير هذه الأمور الغيبية على أنها مجاز يخرج عن الذوق السليم والطبع الصحيح؛ لأن الكلام عن الأمور الغيبية ورد بأنّها سرّ الحقائق، ولسان الشرع تكلّم عنها بلسان الحقائق التي لا شكّ فيها، فحملها على المجاز لا يليق بالكلام الإلهي الذي قوله حقّ وصدق. فالأَوْلى حمل هذه المعاني على الحقيقة، وذلك بتجريد هذه المعاني عن قيود المادّة وأوصافها، حتى تستقيم النسبة إليها بهذه الأسماء.

 

1ـ تحرير محل النزاع في هذه المسألة ــــــ

لقد حصل خلافٌ بين المفسِّرين في ما يتعلق بالصفات الخبرية لله تعالى، التي تتحدث عن عين الله ويد الله وعرش الله ومجيء الله وإتيانه. فكلّ اتّجاه كلامي ذهب إلى تفسيرها بشكلٍ خاصّ به.

أـ ذهب جمهور المفسِّرين من الإمامية في هذه الموارد إما إلى تقدير أمر معين في الكلام، كما في تفسير قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾، أي جاء أمر ربك، حيث تم تقدير كلمة «أمر»؛ وإما إلى تفسير هذه الموارد بالقول بالمجاز؛ لأن القول بالمعنى المادي يستلزم النقص في حق الله تعالى. وهذا هو رأي المعتزلة، وكثير من الإمامية. فلقد فسَّروا مثلاً كلمة اليد بمعنى النعمة والقدرة، وليست اليد الحقيقية. وفسَّروا الاستواء بالاستيلاء وإظهار القدرة([22]).

ب ـ إن القصود والمراد من هذه الأوصاف هو المعنى المتعارف العرفي، ولكن من دون شبيه، وهو قول الأشاعرة. يقول الأشعري في كتابه «الإبانة»: إن لله سبحانه وجهاً بلا كيف، كما قال: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ (الرحمن: 27)، وإن له يدَيْن بلا كيف، كما قال: ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ (ص: 75).

وقد نُقل هذا الرأي عن أبي حنيفة والشافعي وابن كثير. وحاصل هذه النظرية أنّ له سبحانه هذه الحقائق، لكنْ لا كالموجودة في البشر، فله يدٌ وعين لا كأيدينا وأعيننا. وبذلك توقَّفوا ـ حسب رأيهم ـ في الجمع بين ظواهر النصوص ومقتضى التنزيه([23]).

ففي نظرهم لا يجوز تأويل هذه الآيات عن ظاهرها.

ج ـ الرأي الثالث، وهو رأي العلاّمة الطباطبائي والملاّ صدرا، حيث اعتبروا أنه يمكن إيجاد معانٍ حقيقية لهذه التعابير، وذلك بحذف الخصوصيات المادية عنها.

ففي تفسير الطباطبائي لقوله تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ﴾ (البقرة: 210) ذهب إلى أنّ تفسير هذه الآية وفق نظر جمهور المفسِّرين في مثل هذه الموارد التي تنسب بعض الأفعال المادّية له، مثل: «جاء»، و«يأتيهم»، على تقدير كلمة «أمر»، بمعنى «جاء أمر ربك»، و«يأتيهم أمر ربك». «ولكنّ التدبر في كلامه تعالى يعطي لهذا السبب معنى أرق وألطف من هذا التفسير، وذلك أن أمثال قوله تعالى: ﴿وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾ (فاطر: 15)، وقوله تعالى: ﴿الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ﴾ (ص: 9)، وقوله تعالى: ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ (طه: 50)، تفيد أنّه تعالى واجدٌ لما يعطيه من الخلقة وشؤونها وأطوارها، مليء بما يهبه ويجود به، وإنْ كانت أفهامنا من جهة اعتيادها بالمادة وأحكامها الجسمانية يصعب عليها تصوّر كيفية اتّصافه تعالى ببعض ما يفيض على خلقه من الصفات ونسبتها إليه تعالى. لكنّ هذه المعاني إذا جرّدت عن قيود المادة وأوصاف الحدثان لم يكن في نسبتها إليه تعالى محذور. فالنقص والحاجة هي الملاك في سلب معنى من المعاني عنه تعالى، فإذا لم يصاحب المعنى نقصٌ وحاجة؛ لتجريده عنه، صح إسناده إليه تعالى، بل وجب ذلك؛ لأن كل ما يقع عليه اسم شيء فهو منه تعالى، بوجهٍ يليق بكبريائه وعظمته.

فالمجيء والإتيان عندنا قطع الجسم مسافة بينه وبين جسم آخر بالحركة، واقترابه منه، وإذا جرِّد عن خصوصية المادة كان هو حصول القرب، وارتفاع المانع والحاجز بين شيئين من جهة من الجهات، وحينئذٍ يصحّ إسناده إليه تعالى حقيقة من غير مجاز. فإتيانه تعالى إليهم ارتفاع الموانع بينهم وبين قضائه فيهم. وهذه من الحقائق القرآنية التي لم توفق الأبحاث البرهانية لنيلها إلاّ بعد إمعانها في السير، وركوبها كل سهل ووعر، وإثبات التشكيك في الحقيقة الوجودية الأصلية([24]). يعتقد العلامة الطباطبائي أن الوصول إلى هذا التفسير للأمور الغيبية لم يتمّ إلاّ بعد الوصول إلى إثبات التشكيك في حقيقة الوجود الأصلية. فعلى أساس هذا المبنى يمكن الوصول إلى القول بالتشكيك في حقيقة المعنى أيضاً.

وبيان ذلك وفق مدرسة الحكمة المتعالية على الشكل التالي:

طبق أصل التشكيك في الوجود فإنه توجد سلسلة طولية من الموجودات التي تشكل مراتب مختلفة، تتفاوت من جهة الشدة والضعف. وهذه المراتب الوجودية لها وحدة في الوجود، ومختلفة أيضاً في الوجود، بمعنى أنّ ما به الامتياز هو عين ما به الاشتراك. والوجود المادي هو المرتبة الدنيا والسفلى في الوجود. وأمثال هذه المرتبة لها خصوصيات خاصة متعلقة بها، وعلى نفس القياس بالنسبة للوجود. فالمعنى أيضاً له مراتب متعددة. وكلّ هذه المراتب لها حقيقة معنائية تحفظ فيها جميع المراتب. ففي الاستعمال المادّي للمعنى يمكن ملاحظة خصوصيات معينة لا يمكن أن تشكل حقيقة المعنى ذاتاً، وليس لهذه الخصوصيات أيّ ارتباط بحقيقة المعنى. وللوصول إلى حقيقة المعنى في جميع المراتب (المادّية والمبررة) يجب استبعاد الخصوصيات المادية، وبذلك نصل إلى حاق وجوهر المعنى. فالخصوصيات المادية ترتبط غالباً بالمراتب الضعيفة. لذلك مع حذفها وحذف كلّ موارد النقص نصل إلى روح المعنى. وبنفس الترتيب فإن العلامة الطباطبائي انطلق من التشكيك في الوجود، ليصل إلى التشكيك في المعنى([25]).

 

مناقشة ودراسة لهذا الشاهد ــــــ

1ـ إن ما ذكره أصحاب هذا المعنى من أن القرآن والروايات حين تحدثت عن الأمور الغيبية وصفتها بأنها حقائق، فكيف تكون هذه الحقائق معبَّراً عنها بالمجاز، فهذا لا يليق بالذوق السليم؟

إن كون الأمور الغيبية حقائق لا يمنع من استعمال المجاز للتعبير عنها. فالمجاز لا ينتقص من قيمتها ومعناها، وإنما هو أسلوب معتمد من أساليب اللغة؛ لبيان بعض القضايا التي قد لا يمكن بيانها على نحو الحقيقة؛ أو لإضافة معنى آخر قد لا يُؤدّيه الاستعمال الحقيقي. فرُبَّ مجاز أفضل من الحقيقة في بيان مقاصد المتكلِّم.

إن المجاز لا يخدش في مراد المتكلم. وغاية اللغة هو بيان مقاصد ومرادات المتكلم؛ ليحدث الفهم والتفهيم. فإذا استعمل اللفظ في غير ما وضع له فإنّه بواسطة القرينة يعلم مراده الحقيقي، وإذا علم المراد منها كفت في أداء المعنى.

إن استعمال المجاز أحياناً يكون من باب الضرورة؛ لضيق قوالب اللغة المكانية والمادية للتعبير عن أمور متعالية عن المادة. ولهذا يتم استعارة مفهوم مادي للدلالة على مفهوم معنوي ومجرد. وهذا حاصل أيضاً في التعابير اللغوية. إن بعض الألفاظ التي تجري في العبارات القرآنية والروايات لها معانٍ ظاهرية حسية، ولها معان مجازية مشهورة يعرفها العربيّ من غير تأويل. فإذا سمع اليد في قوله: «إنّ قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن» فينبغي أن يعلم أن هذه الألفاظ تطلق على معنيين: أحدهما ـ وهو الوضع الأصلي ـ عنصر مركَّب من لحم وعظم وعصب. وقد يستعار هذا اللفظ لمعنى آخر، ليس هذا المعنى بجسم أصلاً، كما يقال: «البلدة في يد الأمير»، فإن ذلك مفهوم وإنْ كان الأمير مقطوع اليد، وهو بمعنى أن البلدة تحت سلطة وحكم الأمير([26]).

2ـ إن القول بتجريد اللفظ من الخصوصيات المادية للوصول إلى المعنى الحقيقي العام هو أمرٌ لا يقدر عليه كلّ واحد، فهو يحتاج إلى دقّة وتأمّل. وعوام الناس لا ترقى إلى التعملات العقلية، فيبقى هذا المبنى مختصّاً بالخاصة، وما عبر عنه أصحاب هذا المبنى بـ (الراسخين في العلم). إننا من خلال فهم الآيات الغيبية وتفهيمها نحتاج إلى إجراء الفهم العرفي الذي خاطب الله به نبيّه، وإلاّ انسدّ باب الفهم أمام العوام لفهم المعاني القرآنية.

3ـ إن القول بالمعنى التشكيكي والوضع للمعنى العام هو أمر انتزاعي ينتزعه العقل من خلال ملاحظة الشدّة والضعف في الشيء والكمال والنقصان. وهذا الأمر الانتزاعي لا يحصل إلاّ بعد ملاحظة الموارد الجزئية الحسية أولاً. إن الألفاظ وضعت أوّلاً للمعاني الحسّية والموارد الجزئية، وبعده وضعت للموارد غير الحسية والعامة والكليّة. إن الواضع للغة هو البشر، وأوّل ما يواجهه البشر هو الأمور الحسية المادية، فيضع لها ألفاظاً خاصة، ولا ينتظر عند الوضع ملاحظة ومشاهدة جميع الموارد المشابهة، حتّى يجد القدر المشترك فيضع لفظاً بإزائه. إننا إذا أردنا أن نفهم حقيقة الوضع يمكن الرجوع إلى مراحل تطور اللغة عند الطفل. إنّ الطفل في بداية تعلمه لا يدرك روح المعنى والمعنى العامّ والكلّي. فهو في البداية يتعلم الألفاظ التي لها ارتباط وعلاقة معه من الأمور المحسوسة، ثم بعد ذلك يبدأ في تعلم الألفاظ التي تتعلق بالأمور العامة والكلية. إن روح المعنى هو حاصل تصرّف الذهن بعد إدراكه للمعاني الحسية، حيث يصل إلى القدرة على التعميم. لذلك فإننا نفرق بين أصل الوضع للفظ الأوّلي وبين الوضع الثاني الذي يحصل بكثرة الاستعمال. إنّ وضع اللفظ لروح المعنى هو وضع ثانوي بعد حصول وضع أول للمعنى المادّي المحسوس.

1ـ إن مفهوم المعنى التشكيكي هو مفهوم منطقي ومبحث فلسفي لا فائدة واضحة له في تفسير القرآن، ومعرفة معانيه. فلا يمكن خلط المفاهيم الفلسفية بالمفاهيم اللغوية واللسانية؛ لأن الأصل في المباحث اللسانية هو الفهم العرفي للغة، وهذا تابع للوضع والاتفاق والتعاقد. وبالنظر العرفي فإن حمل الصفات الإلهية على أنها صفات مجازية لا يوجد فيه أيّ محذور من حيث اللغة. إن قضية وضع اللفظ للمعنى العام وروح المعنى ليست قضية لغوية، وإنما الدارس أو اللغوي أو المحقِّق يصل إلى المفهوم التشكيكي عن طريق البحث والتحقيق. فهي ليست ظاهرة واقعية لغوية في مقام التفاهم والاستعمال العرفي، فلا يمكن أن تكون معياراً وملاكاً في فهم النصوص القرآنية التي نزلت بلسان عرفي.

إن التطور اللغوي يعدّ سمة أساسية للغة؛ لأن الحياة متغيّرة ومتطورة. واللغة هي تعبير عن حاجاتنا، فلا يمكن أن تتطور الحياة ولا تتطور اللغة التي تنقلها وتعبِّر عنها. فاللغة تعبِّر عما في الوجود، وتخضع لما تخضع له باقي الأشياء.

إنّ هذا الكلام يتّفق مع رأي المتخصِّصين في علم اللسانيات. فعلماء اللسانيات يقولون بأن المفردات تبدأ من المحسوسات، لتعبر عن الأشياء المادية، ثم يتمّ نقلها إلى الأمور الروحية عن طريق صياغة مفاهيم مستخرجة من عالم الظواهر الذي نعيش فيه([27]). إن اللغة تبدأ من خلال عالم المادة، وتتطور لتشمل الأمور المعنوية أيضاً؛ لأن الإنسان لا يمكن له أن يفهم الأمور خارج نطاق المادة، فهو ولد ووجد في عالم الطبيعة، وفيها ينمو ويترعرع. ولهذا فهو يفهم كلّ شيء من خلال العالم المادي. وليس معنى هذا أنه يستطيع أن يفهم الأمور غير المادية، ولكن معناه أن النظام الذي يستقي تجاربه منه أولاً هو عالم المادة، هذا النظام المرتبط بالمكان. فمن خلال توسعة النموذج المكاني والمادي يستطيع أن يفهم الأمور غير المكانية والمادّية([28]). إن فكرة وضع اللفظ لروح المعنى لا تنسجم مع تطوّر اللغة وتوسّعها([29])، إلا إذا قلنا بحصول وضع جديد مع كثرة الاستعمال، بحيث ينتقل المعنى من الاستعمال المجازي إلى الاستعمال الحقيقي، فينقلب المجاز حقيقة([30]).

 

الشاهد الثالث ــــــ

من المؤيِّدات التي اعتمدها القائلون بوضع اللفظ لروح المعنى هو وجود هذه النزعة والتوجه في كتب اللغة، فنجد بعض الكتب اللغوية قد اتجهت في تأصيل الكمة إلى وضع جذر لغوي لها، له معنى أصلي ترجع إليه جميع معاني الكلمة. ونذكر من هذه الكتب «مقاييس اللغة»، لابن فارس؛ وكتاب «التحقيق»، لمصطفوي؛ وغيرهم([31]). وكمثال على هذا الأمر ما ذكره مصطفوي في «التحقيق» في ذيل كلمة «وقي»، قال: «إن الأصل الواحد في المادة هو حفظ الشيء عن الخلاف والعصيان في الخارج وفي مقام العمل، والتقوى تختلف خصوصياتها باختلاف الموارد، والجامع هو صيانة الشيء عن المحرَّمات الشرعية والعقلية، والتوجّه إلى الحقّ، وإلى تطهير العمل، وإلى الجريان الطبيعي والمعروف»([32]).

إن هذا الشاهد لا يقدر على إثبات مبنى وضع اللفظ لروح المعنى؛ وذلك بسبب اختلاف المعاجم اللغوية في إرجاع المعنى الأصلي للكلمة. فالمثال الذي ذُكر سلفاً على أن أصل كلمة «وقي» هو حفظ الشيء عن الخلاف يختلف عن الأصل الذي وضع ابن فارس لكلمة (وقي)، حيث ذهب إلى أن «الواو والقاف والياء كلمة تدل على دفع الشيء عن الشيء بغيره»([33]). والأمثلة عديدة على اختلاف علماء اللغة في إرجاع المعنى الأصلي للكلمة. وكمثال على هذا الاختلاف أيضاً: ما ورد في تأصيل المعنى الجامع لكلمة «وجد»؛ فابن درستويه ذهب إلى أن معناها الأصلي هو «إصابة الشيء، خيراً أو شراً»([34])، في حين ذهب ابن فارس إلى أن المعنى الأصلي لها «هو الشيء تلفيه»؛ وأما مصطفوي فقد جعل أصلها «إدراك الشيء على حالة حادثة».

إن هذه المعاني التي تمّ إضمارها على سبيل المعنى الأصلي والجامع، أو ما يعرف بالمشترك المعنوي، فإنها لا تصح أن تكون ملاكاً لتفسير القرآن الكريم؛ لأن تفسير معنى الكلمة يرجع إلى سياقها من خلال الجملة.

إن رجوع المفسِّرين إلى معاجم اللغة في بعض الأحيان يقتصر فقط على معرفة الوجوه والنظائر للكلمة، ولمعرفة الاستعمالات اللغوية للكلمة؛ لكي يتم تطبيقها ومقارنتها مع سياق الآية، وذلك باختيار الوجه الصائب.

 

مناقشة مبنى وضع اللفظ للروح المعنى على وفق نظر العرفان النظري ــــــ

ما يمكن الإشارة إليه هنا أن مدرسة العرفان النظري، من أمثال قونوي وابن عربي، يتجهون اتجاهاً آخر، قد يخالف الكلّ في التعاطي مع النصوص الدينية. فإذا كان الغزالي والملا صدرا والفيض الكاشاني يعتقدون بوضع اللفظ لروح المعنى؛ للخروج من مسألة مجازية اللغة في ما يتعلق بالأمور الغيبية، فإن مدرسة العرفان النظري تتّجه اتجاهاً آخر، بالتحويل عن نظرية الظاهر والباطن إلى إضافة معاني جديدة للنصوص لا تنسجم مع أساليب اللغة إطلاقاً.

إن النزاع القائم بين أصحاب نظرية وضع اللفظ لروح المعنى وأصحاب القول بالمجاز بالنسبة إلى المعاني الغيبية لا يخرج معاني النصوص عن إطارها اللغوي. فالنزاع بينهما في أصل الوضع فقط؛ فمنهم مَنْ رأى أن الوضع عامّ؛ ومنهم مَنْ رأى أن الوضع خاص، ثم تمّ التوسع فيه، انطلاقاً من المجاز. فالمعنى المستنبط من الآية غير مختلف فيه؛ لأن للآية معنى واحداً تؤدّيه، سواء على القول بالمجاز أو القول بالوضع العام.

في حين أن العرفاء يتّجهون إلى القول بالتعدد والثنائية في المعنى. فظاهر الآية يبقى على حاله، ويؤول، وللآية معانٍ باطنية أخرى.

ولبيان هذه المسألة نعرض التفسير الذي ذكره ابن عربي في تفسيره لقول رسول الله|: «قلب المؤمن بين إصبعي الرحمن، يقلِّبهما كيف شاء».

يقول ابن عربي: «قوله|: «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الله»: نظر العقل بما يقتضيه الوضع من الحقيقة والمجاز أنّ الجارحة تستحيل على الله تعالى، والإصبع لفظ مشترك، يطلق على الجارحة ويطلق على النعمة، قال الراعي:

ضعيف العصا باديَ العُروق ترى لهُ *** عليها إذا ما أمحل الناس إصبعا

يقول: ترى له عليها أثراً حسناً من النعمة، بحسن النظر عليها، تقول العرب، ما أحسن إصبع فلان على ماله! أي أثره فيه، تريد به: نموّ ماله لحسن تصرفه فيه.

أسرع التقليب ما قلبته الأصابع؛ لصغر حجمها، وكمال القدرة فيها، فحركتها أسرع من حركة اليد وغيره. ولما كان تقليب الله قلوب العباد أسرع شيء أفصح| للعرب في دعائه بما تعقل. ولأن التقليب لا يكون إلاّ باليد عندنا فلذلك جعل التقليب بالأصابع؛ لأن الأصابع من اليد في اليد، والسرعة في الأصابع أمكن، فكان| يقول في دعائه: «يا مقلِّب القلوب، ثبِّتْ قلبي على دينك». وتقليب الله ـ تعالى ـ للقلوب هو ما يخلق فيها من الهمّ بالحسن والهمّ بالسوء. فلما كان الإنسان يحسب يتراوى الخواطر المتعارضة عليه في قلبه، الذي هو عبارة عن تقليب الحق القلب، وهذا لا يقدر الإنسان أن يدفع علمه عن نفسه، لذلك كان يقول|: «يا مقلِّب القلوب، ثبِّتْ قلبي على دينك». وفي هذا الحديث أن إحدى أزواجه قالت له: «أوتخاف يا رسول الله؟ فقال|: «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الله»، يشير| إلى سرعة التقليب من الإيمان إلى الكفر، وما تحتهما، قال تعالى: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ (الشمس: 8). وهذا الإلهام هو التقليب، والأصابع للسرعة، والاثنينيّة للأصابع، في قول النبي|: «بين إصبعين»، هما خاطر الحسن وخاطر القبيح. هذا خط العقل في الوضع اللغوي للفظ الأصابع([35]).

إن هذه القراءة التي قدّمها ابن عربي للإنكار تخرج عن المفاهيم البلاغية المبثوثة في كتب البلاغة. ولكنّ هذه القراءة تختلف تماماً عن القراءة الإشارية التي يريدها ابن عربي. ولذلك تأتي القراءة الإشارية بعد كلامه هذا مبتعدة عن المفاهيم البلاغية، بحيث إنه بلا دلالات جديدة لهذا الحديث لا يمكن الوصول إليها انطلاقاً من اللغة. يقول: «الإصبعان» سرّ الكمال الذاتي، الذي اذا انكشف للأبصار يوم القيامة يأخذ الإنسان أباه إنْ كان كافراً ويرمي به في النار، ولا يجد لذلك ألماً، ولا عليه شفقة. بسرّ هذين «الإصبعين» المتّحد معناهما، المتين لفظهما، خلقت الجنّة والنار، وظهر اسم المنور والمظلم، والمنعم والمنتقم، فلا تتخيّلهما (أي الإصبعان) اثنين من عشر أصابع([36]).

إن المفاهيم البلاغية التي هي «حظّ العقل في الوضع اللغوي» تستطيع أن تدرك العلاقة بين «الإصبعين»، وسرعة التقليب وخفته، ولكنها تستطيع أن تدرك العلاقة بين الإصبعين وسر الكمال الذاتي؛ فإذا كانت القراءة الأولى «للإصبعين» مقنعة للقارئ فإن القراءة الإشارية لا يمكن أن يصل إليها إلاّ مَنْ كان من أهل الكشف في اعتقاد العرفاء.

إن المعنى المستنبط هنا (سرّ الكمال الإنساني الذاتي) لمعنى الإصبعين لا ينسجم مع القول بوضع اللفظ لروح المعنى أو المعنى التشكيكي للأصابع، ولا مع أصحاب نظرية القول بالمجاز في مثل هذه الموارد.

إننا أمام رأي تفرّد به أصحاب العرفان النظري عن غيرهم، بحيث إن نظرهم هذا يعدّ استثناءً خاصّاً في قواعد اللغة.

 

بيان مسألة ــــــ

لقد وقع خلطٌ بين وضع اللفظ لروح المعنى والفهم الطولي للآيات القرآنية، فليس كلّ فهم طولي للآيات القرآنية هو من هذا القبيل.

إن مسألة وضع اللفظ لروح المعنى تثبت الوضع العامّ للفظ. فمعنى الآية يبقى على حاله، والظهور للآية لا ينهدم.

فاللفظ هنا يأخذ معناه. منتهى الأمر أن اللفظ له مفهوم تشكيكي قابل للانطباق على مصاديق كثيرة. ولكنْ بالرجوع إلى سياق الآية يتبين مورد استعماله ومعناه. فالعرش الإلهي مثلاً يعلم معناه من خلال الآية القرآنية: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾. فالوضع لروح المعنى يثبت المعنى الطولي للكلمة، وليس لكلّ الآية، بخلاف المعنى الطولي في تفسير الآية، الذي ينظر إلى المعاني المستفادة من النظر في عمق النصّ القرآني، وقد لا يستفاد من ظهور الآية، وإنّما من باطن الآية. وأمثلة ذلك عديدة في التفاسير الصوفية. ومثاله: ما جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (العنكبوت: 26)؛ فقد قسم ابن عجيبة في تفسيره لهذه الآية الهجرة إلى: حسّية؛ ومعنوية، فيقول: «الهجرة سنّة الخواصّ، وهي على قسمين: هجرة حسية؛ وهجرة معنوية. فالحسية هي هجرة العبد من وطن تكثر فيه الغفلة والعوائق عن الله، والذاتية والإنكار، إلى وطن يجد فيه اليقظة وقلة العوائق. والهجرة المعنوية هي هجرة القلب من وطن المعصية إلى وطن التوبة، ومن وطن الغفلة إلى وطن اليقظة، ومن وطن الحرص إلى وطن الزهد والقناعة، ومن وطن الحضيض والشهوات إلى وطن العفّة والحرّية، ومن وطن الشواغل إلى وطن التفرغ، ومن وطن رؤية الحسّ إلى وطن رؤية المعاني، وهذه نهاية الهجرة»([37]).

ومثاله أيضاً: ما ورد في تفسير القشيري أيضاً لقوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ﴾ (الأنفال: 41)، حيث قال: الغنيمة ما يحصل عليه المؤمنون من أموال الكفار إذا ظفروا به عند الجهاد والقتال. والجهاد على قسمين: جهاد الظاهر مع الكفار؛ وجهاد الباطن مع النفس والشيطان. وكما أن في الجهاد الأصغر غنيمة عند الظفر ففي الجهاد الأكبر غنيمة، وهو أن يملك نفسه التي كانت في يد عدوّه: الهوى والشيطان. وكما أن من جملة الغنيمة سهماً لله وللرسول، وهو الخمس، فما هو غنيمة على ـ لسان الإشارة ـ سهم خالص لله، وهو ما لا يكون للعبد فيه نصيب، لا من كرائم العقبى، ولا من ثمرات التقريب، ولا من خصائص الإقبال، فيكون العبد محرَّراً من رقّ كلّ نصيب، خالصاً لله بالله، يمحو ما سوى الله([38]).

إن الانتقال من غنائم الجهاد الأصغر إلى غنائم الجهاد الأكبر يتمّ انطلاقاً من مراتب الجهاد، التي تنقسم إلى: أكبر؛ وأصغر. فمن خلال التأمّل في معنى الآية يظهر أنّ هنالك معنى يمكن استفادته من خلال عمق الآية. والأمثلة على هذا الفهم الطولي كثيرة، من طهارة الظاهر والباطن، ومن غذاء الجسم وغذاء الروح([39]).

إنّ هذه المعاني الطولية المستخرجة من الآيات ليست من ظواهرها، وليست من المرادات الجدية لله تعالى. فالآية التي تتحدث عن الغنائم هنا واضحة، فهي تتحدّث عن غنائم الحرب أو المكاسب المغتنمة، ولا علاقة لها بغنائم الجهاد الأكبر. ولكن الناظر إلى الآية يستطيع أن يضيف معنى آخر للآية، وذلك بالنظر إلى مسألة الغنيمة التي لا تقتصر فقط على الربح المادي، وإنما تشمل الأمور المعنوية أيضاً. فإذا كان للجهاد الأصغر غنائم فللجهاد الأكبر أيضاً نفس الشيء.

 

الهوامش

(*) طالبٌ في مرحلة الدكتوراه في علوم القرآن في جامعة طهران، وفي الفلسفة في جامعة المصطفى| العالميّة.

(**) أستاذٌ مشارك في جامعة المصطفى| العالميّة.

([1]) الغزالي، جواهر القرآن: 29 ـ 30، دار الآفاق الجديدة، بيروت، لبنان، ط5، 1403م.

([2]) المصدر نفسه.

([3]) د. حامد أبو زيد، مفهوم النص: 270، المركز الثقافي، الدار البيضاء، ط6، 2005م.

([4]) الملا صدرا، الأسفار 6: 272.

([5]) الملا صدرا، مفاتيح الغيب: 87.

([6]) الغزالي، جواهر القرآن: 34.

([7]) الملا صدرا، مفاتيح الغيب: 95 ـ 96.

([8]) المصدر السابق: 92.

([9]) الفيض الكاشاني، تفسير الصافي 1: 19.

([10]) المصدر نفسه.

([11]) يحيى محمد، الفلسفة والعرفان والإشكالات الدينية: 472.

([12]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 12.

([13]) المصدر السابق 1: 13.

([14]) د. مشكور كاظم العوادي، البحث الدلالي: 309.

([15]) د. الشيخ شبر الفقيه، الدلالة القرآنية في فكر الطباطبائي: 123، دار المادي، بيروت، ط1، 2008.

([16]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 7: 338 ـ 399.

([17]) المصدر السابق: 1: 13.

([18]) المصدر نفسه.

([19]) محمود فهمي حجازي، المدخل إلى علم اللغة: 88، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، 1976م.

([20]) يزدان پناه، رمز وراز تأويل عرفاني أز ديدگاه أهل معرفت «جزوه مرسي»: 41.

([21]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 2: 104.

([22]) علي رباني گلپايگاني، تلخيص محاضرات الإلهيات: 135، مؤسسة الإمام الصادق، قم، ط1420هـ.

([23]) المصدر نفسه.

([24]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 2: 105.

([25]) علي رضا قائمي نيا، معنا شناسي شناختي قرآن: 389، سازمان انتشارات پژوهشگاه فرهنگ وأنديشه إسلامي، ط1، 1390هـ.ش.

([26]) علي رباني گلپايگاني، تلخيص الإلهيات: 133.

([27]) د. كاشم مشكور العوادي، البحث الدلالي: 271.

([28]) د. علي رضا قائمي نيا، معنا شناسي شناختي قرآن: 392.

([29]) علي الفرج، كائن اللغة مقاربة في البعد الزمني: 137، مؤسسة أم القرى، ط1، 1421.

([30]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 2: 319 ـ 320.

([31]) صدر الدين قونوي، روش تفسير عرفاني: 116.

([32]) حسن مصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن المجيد 13: 184، تهران، بنگاه نشر وترجمة كتاب، 1360هـ.ش.

([33]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة: 1100، دار الفكر للطباعة، بيروت، بدون تاريخ.

([34]) السيوطي، المزهر في علوم اللغة: 384، دار الإحياء العربية، بدون تاريخ.

([35]) ابن عربي، الفتوحات المكّية 2: 104 ـ 106.

([36]) المصدر السابق 2: 107.

([37]) ابن عجيبة «البحر المديد».

([38]) القشيري، لطائف الإشارات 1: 626.

([39]) قونوي، إعجاز البيان: 161.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً