ب ـ المحرّمات الأخلاقية ــــــ
ومن جانب آخر، بالإضافة إلى التمسك بالأخلاق الفردية والجماعية، ومراعاة القيم، والثوابت والواجبات الأخلاقية العامة، يجب على الصحفي الالتزام بالمحرمات الأخلاقية أيضاً، وأن يتجنب ارتكابها. والمحرمات الأخلاقية هي تلك الخطوط الحمراء في نطاق الأخلاق الفردية والاجتماعية، والاثنان هما وجهان لعملة واحدة. وفي بعض الأحيان تصبح مسألة مراعاة الواجبات الأخلاقية والالتزام بها محدودة ومقيدة بشروط وقيود معينة. وعلى سبيل المثال: على الرغم من أنه يجب على الصحفيين الالتزام بضرورة بيان الحقائق والأمور والأحداث، حتى وإن كانت قليلة الأهمية، ولكن بيان الحقيقة كلها يكون أحياناً أمراً صعباً، وأحياناً أخرى متعذِّراً. وبعبارة أخرى: عدم بيان الحقائق، وليس قلبها وإظهارها بشكل معكوس، يصبّ أحياناً في صالح المصلحة العامة. ومن هنا يبدو أن الرقابة على الصحف، وانتقاء المواضيع، ضرورياً في بعض الأحيان. وبتعبير آخر: يبدو أن بيان بعض الحقائق الاجتماعية أو الفردية يأتي خلافاً للمصلحة العامة، ويتسبب بالإساءة إلى مكانة الأفراد وحيثيتهم، أو يفسح المجال أمام الدخول إلى دائرة الحرمات الخاصة للأفراد، أو الإساءة إلى العفة العامة. وفي هذه الحالة فإن بيان هذا الصنف من الحقائق، التي تورد الفرد والمجتمع إلى هذا المستوى من العواقب الوخيمة، يأتي خلافاً للمصلحة العامة بالتأكيد، ويعتبر خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه. ومن هذا المنطلق فإن الأخلاق تحكم بوجوب الحذر من محرَّمات العمل الصحفي، وأخذها بعين الاعتبار، وهي:
1ـ الخوض في المسائل الحزبية والسياسية ــــــ
إن تعاطي المسائل السياسية وتحليلها وتفسيرها يعدّ من الأمور المحمودة، ولكن في بعض الأحيان، وبدلاً من أن يقوم الصحفي بطرح المسائل السياسية بشكل عادل ومنصف، وتحليل الحقائق السياسية والاجتماعية بشكل صحيح، نراه ينزلق؛ وبسبب ميله لمنهجٍ أو حزب سياسيٍّ معينٍ، إلى الترويج للمنهج السياسي لحزبه، فيساهم من الناحية العملية بإشاعة الاختلافات، وعدم التوافق، والصراعات الحزبية، والأخلاق السياسية السيئة، والإساءة لشخصية الأفراد والحوادث، وغيرها من الأمور في المجتمع. وجميع هذه الأمور هي خلاف المصلحة العامة للمجتمع.
وبعد القبول بأن الخوض في المسائل السياسية يثير التوتر فإن هذا الأمر يتطلب توخي المزيد من الدقة، والإنصاف، والحيادية، وبخاصة في الحقل الصحفي. ولكن إذا أظهر الصحفي الواقعي ميله ورغبته تجاه المسائل النقدية والنظرية، وبخاصة نحو أن يكون صحفياً سياسياً، فإن مشاكله في مهنة الصحافة سوف تتضاعف. وفي الوقت الذي نأمل أن تنسجم الخدمات العامة الواسعة في المجتمعات الغربية، وبخاصة المجتمعات الليبرالية، مع مبادئ الحياد والتوازن، فإن وجود الصحف الخاصة والتجارية، التي عادة ما تكون ذات لون أو >اتجاه» سياسي معين، تجعل قضية مراعاة هذه الأصول الأخلاقية تعاني من مشاكل جدّية.
«على الرغم من أنه لا يوجد أي إشكال على الصحفيين الذين هم حماة الوضع الموجود، ومن هنا فإنهم سيبقون مؤيدين وحماة للوضع الحالي بشكل علني وصادق، ولمدة طويلة من الزمن، ولكن كيف بهم إذا أصبح هذا التأييد والدفاع مصطنعاً وإعلامياً؟ وإلى أي مدى يتمكن رئيس التحرير، الذي يتحمل أعباء المسؤولية، أن يسخر جهوده باتجاه هذا الأمر، لكي يطمئن من أن جميع الاتجاهات على اختلافها قد تم نشرها في صحيفته الخاصة به؟ وإلى أي مدى يمكن تطوير الصحف من حيث المبدأ، بأن تتحلى بهذا المستوى من المسؤولية، وبخاصة في نقل آراء المعارضين للمنهج السياسي للصحيفة؟ هذا ما يحصل في حقل الصحافة، الميدان الذي أصبحت فيه المبادئ والمثاليات الأخلاقية، التي تختبئ وراء سياسة حرية الصحافة، محدودة؛ بسبب الواقع التجاري القائم»([1]).
2ـ انتهاك الحرمات ــــــ
من المحرمات الأخلاقية الأخرى التمييز العرقي والعنصري، وجميع أشكال التمييز والخداع وإيذاء الأفراد، وأنواع حالات التعرض لدائرة الحياة الخاصة للأفراد، واستغلال العناصر والأفراد الذين تعرّضوا للظلم، وتهويل الحوادث الجنائية وغيرها؛ لأهداف خاصة، والمتاجرة بالقصص الجنائية وغيرها. والمؤسف أن هذه الممنوعات والخطوط الحمراء تم اختراقها في الكثير من الصحف المحترفة، من قبل الصحفيين المحترفين، ولا تتم مراعاتها، وأصبحت هي التي تمهد للكثير من الأخلاقيات الاجتماعية السيئة. وهذه المظاهر من الأخلاقيات السيئة، والاعتداء على المقدسات، واختراق الخطوط الحمراء، والدخول ضمن دائرة الحرمات الخاصة للأفراد، وسياسات التمييز العرقي والعنصري، وتهويل الأحداث واستغلالها بشكل سيّئ، أصبحت بارزة ومشهودة بمجملها وبشكل واضح جداً في المجتمعات الليبرالية والعلمانية، التي لا يتقيد فيها الأفراد كثيراً بالتعاليم الدينية، والغاية عندهم تبرر الوسيلة.
3ـ استغلال ثقة المجتمع ــــــ
انطلاقاً من كون الصحفيين، وبخاصة المراسلين منهم، يتمتعون بقدر جيد من ثقة الناس بهم، يجب عليهم أن يتصرفوا بشكل لا يؤدي إلى سلب تلك الثقة منهم؛ وذلك أن استغلال ثقة الناس من قبل الصحفيين يعد أمراً في غاية القبح. وعليه فإن القيام بجمع المعلومات الخاصة والسرية للأفراد، والتجسس على مكالماتهم الهاتفية ونشرها، وبخاصة المسائل الخاصة التي تتعلق بالحياة الزوجية للأفراد والشخصيات السياسية؛ بهدف فرض الانزواء السياسي عليهم، يعد أمراً مذموماً وسيئاً جداً. ويسعى الصحفيون غالباً، وخاصة المراسلين المحترفين الناشطين منهم، إلى الكشف عن بعض الأشياء التي من المفروض أن تبقى سرية ومخفية، وهذا الأمر يبرز المكانة الاجتماعية للصحيفة، ولهم أيضاً.
4 ـ الرقابة وقلب الحقائق ــــــ
لو أمعنا النظر جيداً في الأخبار والتقارير، وكذلك اللقاءات، التي تكون مصادرها الخبرية من قراء الصحف، أو من مشاهدي محطات التلفاز الفضائية في المجتمعات غير الدينية والعلمانية، سنرى بأنهم يتابعون دائماً تطبيق سياسة «الرقابة» أو «قلب الحقائق» أو «الانتقائية في الأخبار»، وفي قوالب وصيغ متعددة، وبكل قوة، وبهذا الشكل يستغلون ثقة الناس لأغراضهم الخاصة، ومن هذه الحالات ما يلي:
1ــ تضخيم الحقائق الصغيرة؛ لإخفاء الحقائق الأكبر.
2ــ إنكار أو حذف جانب من حقائق موضوع ما؛ بهدف تزييف كل تلك الحقيقة.
3ــ إبراز إحدى الحقائق بتحليل وتفسير خاص لها؛ بقصد تزييف أصل الموضوع.
4ـ إظهار إحدى الحقائق وتفاصيلها ممزوجاً بأكاذيب مختلفة؛ بهدف إزالة آثاره ونتائجه.
5ـ تصدير الأفكار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والتاريخية، والعلمية الخاصة، في إطار «الخبر والتقرير».
6ـ تشويه الشخصيات البارزة، والمثقفة الواعية، والمؤثِّرة، والترويج للعناصر الفاسدة المقصودة.
من هنا فإن الأخبار والتقارير الخبرية للصحفيين، بل وحتى لكُتّاب الصحف الأجنبية والغربية؛ وبسبب ميولها وتوجهاتها الخاصة، عديمة الفائدة لعموم الناس، بل إنها تتسبّب في الكثير من العواقب والنتائج الوخيمة؛ لأن كل من يتعاطى مع هذه المصادر الخبرية، حتى لوصدّق بجزء قليل فقط من تلك الأخبار الكاذبة وزيفها بمرور الوقت، وبنى أفكاره وآراءه على أساسها، فإنه بالنتيجة سيؤيد أهدافها من حيث يعلم أو لا يعلم، وخاصة أنهم يستخدمون بعض القواعد المتبعة في علم النفس، والتي تترك أثرها في ضمير المخاطبين من حيث لا يشعرون. ويتم انتقاء المواضيع في هذه العملية بشكل معين، بحيث حتى لو اطلع المخاطبون في ما بعد على المعلومات الصحيحة فإن المعلومات المغلوطة الأولى ستكون قد فعلت فعلها الخاص.
5 ـ إشاعة الفساد والترويج للتحلل ــــــ
التمسك بالقيم والأصول، وبالعفاف العام، وبحرمة الأفراد وأسرارهم الخاصة، وتحريم الإشاعات، وعدم زرع بذور الفرقة والاختلاف، والورع عن النفاق، وغيرها من الأصول، تعد أمراً لازماً وواجباً ومحموداً في أي مجتمع ديني. إن العمل على إشاعة التحلل والفساد، والترويج لها، تعتبر من الخطوط الحمراء والمحرمات الأخلاقية. والمؤسف أن الترويج للتحلل من قبل الصحفيين وأصحاب الوسائل الإعلامية المقروءة، وبخاصة الصحف الصفراء، يعد من العوامل المهمة، والمقولات الجديرة بالاهتمام، في إيجاد الدافع لدى الأفراد، وخاصة الشباب، للإقبال على الرسائل العلنية والمبطنة التي ترمي لها هذه الوسائل الإعلامية. وأظهرت الدراسات أنّ دخول بعض الصحف الصفراء (الصحف المبتذلة، المقبولة لدى العامة والمهيِّجة)، ووجود الصحفيين وأصحاب الصحف غير المتمسكة بالأخلاق العامة للمجتمع، خلال السنوات الأخيرة إلى ميدان الإعلام المقروء في البلاد، وقيام هذه الإصدارات باللجوء إلى استخدام العناوين المهيِّجة والمثيرة، وكذلك الاستفادة من الشخصيات السينمائية والفنية، وإدراج الأخبار الفارغة المحتوى، المقرونة بالتضخيم والتهويل، والنشر المبالغ به للأخبار المتعلِّقة بالممثلين السينمائيين، والاهتمام المفرِط بالأخبار والحوادث، وغيرها من السياسات، أدت إلى إثارة اهتمام أعداد لا يستهان بها من الأحداث والشباب بالمواضيع المنشورة فيها، وتسببت هذه المسالة بتهيئة المناخ المناسب لإثارة مشاكل وأضرار اجتماعية متعددة([2]). إن عدم التزام هذه الوسائل والمراسلين والصحفيين بالعفاف العام، وترويج التحلل الأخلاقي، مهَّد الأرضية المناسبة لتجريح الرأي العام، والإساءة للعفاف العام، وعدم التمسك بالتعاليم الدينية، والنضج الجنسي المبكر للأحداث والشباب([3]).
6ـ الصحافة والحرب النفسية ــــــ
بإمكان الصحفيين ومراسلي القنوات الإخبارية، وبما يمتلكونه من آلة إعلامية هامة، ومن سلاح القلم، ومهاراتهم الخاصة، جعل المناخ العام للمجتمع يعاني من التوتر والالتهاب الكاذب؛ بسبب أخلاقياتهم الصحفية السيئة، وذلك من خلال قيامهم بنشر الأخبار والتقارير غير الواقعية، ونسبة الأقوال للأفراد زوراً، وخلق أجواء مصطنعة. والحقيقة أن افتعال الأحداث، وإشاعة الحرب النفسية، تعدّ من الأسلحة المتفوقة لأصحاب الوسائل الإعلامية المقروءة، وبخاصة الصحفيين المحترفين منهم.
واليوم بإمكان الصحفيين المحترفين في المجتمعات الغربية تأزيم العلاقات بين الدول وتعقيدها، وإلغاء الكثير من المعاهدات التجارية والاقتصادية الهامة، والعمل على إشاعة عدم الاستقرار، وإثارة الاضطرابات الطائفية والقومية في سائر الدول، وبكل سهولة، من خلال الاستفادة من التقنيات الإعلامية الجديدة، وهذا كله ناجم عن عدم التزام الصحفيين المحترفين بالأخلاق العامة للمجتمع. وعلى الرغم من أن تأثير هذا الأمر في الوسائل الإعلامية الفضائية والمرئية أكبر بأضعاف مضاعفة إلا أن تأثيره في الإعلام المقروء مازال ذا مديات واسعة؛ لأنه جاء في تعريف الحرب النفسية أنها: «الاستفادة المبرمجة من الوسائل الإعلامية والأدوات ذات الصلة؛ بهدف التسلل إلى الخصوصيات الفكرية للعدو، من خلال التوسل بالأساليب التي تؤدي إلى تطوير الأهداف الأمنية الوطنية»([4]).
وهناك الكثير من الآيات الموجودة في القرآن الكريم، وأغلبها تتحدث عن معارك صدر الإسلام في عصر النبي الأكرم‘. وقسمٌ من هذه الآيات جاءت كردٍّ على الحرب النفسية للعدو وإخمادها؛ وقسمٌ آخر من الآيات، والتي تحمل جنبة تعرُّضية، تريد التأثير على الروح المعنوية للطرف المقابل، وحمله على الاستسلام؛ وقسمٌ آخر من الآيات تهدف إلى تقوية معنويات المسلمين، وذلك عندما كانوا يشعرون بالضعف والانكسار.
وفي مجتمع ديني ما يمكن الإشارة إلى روايات متعددة في هذا المجال، من خلال الرجوع إلى السنّة، وأهم الروايات الواردة في هذا الباب هي الروايات التي تتحدث عن جواز استخدام الخدعة في الحرب: «الحرب خدعة»([5]). والحرب النفسية هي من أبرز مصاديق «الخدعة»، بمعنى «المكر والحيلة والخداع»([6]).
ويدور الحديث بمجمله الآن في أن جميع جهود هذه الوسائل الإعلامية ـ المحلية والأجنبية ـ في عصر ثورة المعلومات، والسلطة الأسطورية للوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية والفضائيات، منصبة بجميع أشكالها من أجل تحقيق النصر في الحرب الثقافية، والسياسية، والاقتصادية، غير المتكافئة. والوسيلة الإعلامية التي ستنتصر في هذه الحرب الواعية والمقصودة هي التي تستخدم أفضل الأساليب الإعلامية إثارة، وبكل طاقتها وثقلها العالمي، مستفيدة من الآليات المتبعة في الحرب النفسية في الترويج لأفكارها وثقافتها. وبناء على ذلك فإن الخدعة في الحرب، وفي مواجهة العدو والثقافات، والهجوم الثقافي من قبل أصحاب الوسائل الإعلامية، أمرٌ واجب. ولكن هل أن اختلاف الأذواق السياسية في المشارب الفكرية والإيديولوجية في الداخل، وشن الحرب النفسية على القوى المحلية، وإيجاد الشرخ والانقسام في ما بينها، هو الآخر أمر واجب، ولا ينظر إليه على أنه من سوء الخلق الإعلامي؟! وهل أن تعبئة الإمكانيات والطاقات وجهود القوى الداخلية، وزجها في حرب نفسية مدمرة لا طائل منها، ومواجهة القوى المحلية لبعضها البعض، والخوض في مواضيع تافهة وغير مجدية ولا تؤدي سوى إلى إهدار الفرص، بالضبط كما شهدنا ذلك خلال مرحلة الإصلاحات، هل يعد ذلك أمراً محموداً؟! ولابد من القول هنا بأن ما تقوم به الصحف الصفراء في مجتمعنا اليوم يعد كذلك مصداقاً واضحاً لسوء الخلق، وعدم التمسك بالأخلاق العامة للمجتمع، وأمراً في غاية القبح، ومنافياً للأخلاق.
7ـ تلفيق الإشاعات ــــــ
«الإشاعة» عبارة عن عملية الوصف للتوقعات والحوادث التي غالباً ما تتم صياغتها وتلفيقها في إطار وهميّ وغير موثَّق من قبل المصادر المتنفِّذة، ومنهم الصحفيون المحترفون، وتحظى بالقبول من قبل فئات واسعة من المجتمع بشكلٍ جادٍّ. ولدى دراستنا لـ«الإشاعة» نواجه نوعين مختلفين من الفهم؛ إذ يرى البعض بأنها رسالة موجهة من أحد الأفراد إلى فرد آخر، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الفرد الأول في سلسلة النقل هو شاهد عيني، وأن الخبر الذي جاء به مطابق للحقيقة، وعمليات التحريف إنما تتم من خلال عملية النقل. والعنصر الأساسي في تحليل ذلك الخبر والقضية الرئيسية فيه هي التي تفصح عن السبب الداعي لهذا النقل؛ ذلك أن الحالة الطبيعية للتواصل والنقل الصحيح والواقعي للمعلومات من مصادره الحقيقية يعد سلوكاً صحياً ومطابقاً للقواعد، في حين أن الإشاعة حالة مَرَضية ومخالفة للقواعد.
وبتعبير آخر يمكن القول: الإشاعة هي عملية ترويج لخبر مفبرك لا حقيقة له، ويستند على أساس التضخيم، وبثّ الرعب أو التحريف. ويُطعَّم أسلوب التعبير في هذا النوع من الأخبار بجانب باهت من الحقيقة، أو بفهم مخالف للواقع من خبر صحيح. والهدف من نشر هكذا خبر هو التأثير على الرأي العام الوطني والدولي، أو تحقيق قدر من الأهداف السياسية، أو العسكرية، أو الاقتصادية، على مستوى إحدى الدول أو العالم. ويعدّ هذا الأمر أحد الأساليب المحترفة للصحفيين.
8 ـ سوء استغلال الموقع الوظيفي ـــــ
مما يؤسف له أننا نجد في المجتمعات العلمانية وغير العلمانية، بل الإسلامية أيضاً، أن بعض الصحفيين غير الملتزمين كثيراً بالأخلاق العامة للمجتمع؛ ومن أجل الوصول إلى تحقيق مصالحهم الخاصة، يقومون بافتعال أجواء كاذبة في المجتمع، مستغلين بذلك موقعهم الوظيفي الهام، وثقة المجتمع بهم، مستخدمين أساليب الخداع والتحايل وغيرها؛ وبذريعة كسب المخاطبين يقومون بتأجيج المناخ العام للمجتمع بأنواع الأحابيل الصحفية، ونقل الأخبار الكاذبة والمجهولة المصدر، وطرح المسائل المثيرة للجدل، والاستغلال الأدواتي للنساء في صحفهم الصفراء، واستغلال الأفراد الذين يعانون من مشاكل معينة في المجتمع، وتهويل حالتهم، وإلى غير ذلك من المسائل الأخرى، فيعمدون من حيث لا يشعرون إلى شحن المناخ النفسي في المجتمع، وانتهاك حرمة الأشخاص، وسحق كرامتهم، والإساءة إلى الأخلاق العامة. إن الالتزام بالأخلاق المهنية للعمل الصحفي لم ولن تسمح على الإطلاق بمثل هذه التدخلات اللاأخلاقية.
9ـ النفوذ إلى الحريم الخصوصي للأفراد ــــــ
الدخول إلى دائرة الأمور المتعلقة بالشؤون الحياتية، وبخاصة الحياة الشخصية للأفراد، أمر يثير الجدل. في حين أن من الأجدى للصحفي أن يقبل بأنه لا ينبغي له التدخل في الأمور المتعلقة بالحياة الخاصة للأفراد، ولكن تعيين وتحديد الحدود بشكل واضح وصحيح بين الأمور الشخصية والعامة للأفراد ليس أمراً يسيراً. وعادة ما تكون الدائرة الخاصة لبعض الأفراد العاديين أقل تعرضاً لخطر دخول المراسلين والصحفيين إليها؛ بلحاظ عدم امتلاكهم لمسؤولية عامة ومكانة اجتماعية مرموقة، وقلة أهمية دائرة حياتهم العامة. ولكن في بعض الأحيان يتعرض أمثال هؤلاء المواطنين إلى بعض المضايقات أمام أنظار الرأي العام؛ بسبب حصولهم على بعض الفرص الجيدة، من قبيل: تفوقهم في الامتحانات التمهيدية لدخول الجامعة، أو فوزهم بسحبة اليانصيب التي تجريها البنوك، وغيرها من الأمور، أو تعرضهم لأحداث سيئة، من قبيل: اتهامهم، أو وقوعهم كضحية في حادثة جنائية. وفي هذه الحالات تفرض الأمور السرية والحرمات الخاصة للأفراد نفسها، وأنه يجب أن تصان وتحترم([7]).
ولكن الحديث كله يدور حول المسألة التالية: هل أن الشكل والتركيب العام في الأمور السياسية، والتجارية، وأوقات الفراغ والتسلية، وممارسة الرياضة، يجب أن تكون خصوصية وسرية تماماً؟ وهنا يبرز إلى السطح أكثر من موضوع؛ إذ الكثير من هذه الأطر يتم تداولها واختيارها. وهذه الموضوعات من الناحية الأخلاقية، وفي ظرف معين، ليست بمستوى واحد بشكل كامل، فإذا لم يكن نشرها من قبل الصحفيين بالمستوى المطلوب يصار آنذاك إلى الاعتراض عليها. وعلى سبيل المثال: هل أن كبار السياسيين يستحقون أن تكون لهم حياة خاصة وسرية؟ وعادةً ما يقال: إن جوانب حياتهم التي لا تقع تحت تأثير أدائهم لمسؤولياتهم العامة هي في الحقيقة جوانب خاصة. ومن هنا فإن الفضائح المالية للسياسيين، وبالتحديد الفضائح المتعلِّقة بمسؤولياتهم العامة طبعاً، يمكن أن تنشر من قبل الصحفيين، وبشكل قانوني، في الأخبار العامة؛ وأما المسائل المتعلقة بالفضائح الجنسية فهي ليست كذلك. وفي نفس الوقت فإن هذا الأمر ــ أي مسألة التمييز التي تستلزم تقسيم الحياة الخاصة لشخص ما إلى قسمين منفصلين: خاص؛ وعام، وأن يكون ذلك مقبولاً في المجالات الأخلاقية وعلم النفس ــ فإن هذه المسألة فيها تأمل. وتجدر الإشارة إلى أن هناك مشكلة أكبر في هذا المجال، وهي أن السياسيين الفاسدين والمرتشين؛ ولكي ينجوا من نشر سلوكياتهم غير القانونية الفاسدة، يتشدقون عادةً بحصانتهم الخاصة، وينسبون هذه السلوكيات إلى دائرة شؤونهم الخاصة([8]).
مبادئ الأخلاق المهنيّة للعمل الصحفي ــــــ
تم التصويت على لائحة المبادئ الدولية للأخلاق المهنية في العمل الصحفي في مؤتمر تشاوري عقد من قبل مجموعة من المنظمات الصحفية المذكورة أدناه في الأعوام 1978 ـ 1983م: المنظمة الدولية للصحفيين (IOJ (، الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ)، الاتحاد الدولي للصحفيين الكاثوليك (UCIP)، اتحاد الصحفيين في أمريكا اللاتينية (FELAP)، اتحاد عمال الصحافة في أمريكا اللاتينية (FELATRAP )، اتحاد الصحفيين العرب (UAJ)، اتحاد الصحفيين في إفريقيا (UAJ)، اتحادات الصحفيين الآسيويين (CAJ)([9]).
وسنقوم هنا ــ وبشكل مختصر ــ بتوضيح بعض المبادئ والأصول الدولية للأخلاق المهنية في العمل الصحفي، والتي تعد بمثابة حجر الأساس لإقرار القوانين الأخلاقية على المستويين الوطني والدولي:
المبدأ الأول: حق الناس في الحصول على المعلومات الحقيقية. يمتلك الأفراد الحق في الحصول على صورة عينية من الحقيقة عن طريق المعلومات الدقيقة والشاملة، والتعبير عن آرائهم بكل حرية عن طريق الوسائل الإعلامية والثقافية المختلفة.
المبدأ الثاني: الصحفي وقف للحقيقة العينية. من أبرز واجبات الصحفي أن يجعل نفسه في خدمة حقوق الناس، من خلال تكريس نفسه بكل أمانة للحقيقة بعينها، من أجل الحصول على المعلومات الحقيقية والموثقة، وأن ينقل الأحداث في إطارها الصحيح، مع ذكر الخلفيات الحقيقية، وبدون أي تحريف، مستخدماً طاقاته الخلاقة بكل صدق وإخلاص، وأن يعمل على توفير المعلومات الكافية للناس؛ لكي يصبح بإمكانهم تكوين صورة كاملة وصحيحة عن العالم، من خلال الاستفادة من هذه المعلومات.
المبدأ الثالث: المسؤولية الاجتماعية للصحفي. المعلومات في العمل الصحفي ليست بضاعة، بل هي عبارة عن «خبر اجتماعي». وهذا الأمر يعني أن الصحفي عضو مساهم في مسؤولية انتقال المعلومات. ومن هنا فهو ليس مسؤولاً أمام من يديرون الوسائل الإعلامية فقط، بل أمام الناس بشكل عام، بحيث تشتمل على جميع المصالح الاجتماعية. إن المسؤولية الاجتماعية للصحفي تلزمه بأن يعمل دائماً وفي كل الظروف طبقاً لضميره الأخلاقي.
المبدأ الرابع: شرف المهنة للصحفي. إنّ الدور الاجتماعي للصحفي يقتضي أن يحتفظ الصحفي بالمعايير العليا للشرف في هذه المهنة، والتي تشتمل على حق الصحفي في الابتعاد عن تنفيذ الأعمال المخالفة لمعتقداته الشخصية، وحقه في عدم إفشاء مصدر المعلومات، وكذلك حق المشاركة في عملية اتخاذ القرارات في الصحيفة التي يعمل لحسابها. إن شرف المهنة لا تسمح للصحفي بأن يقبل الرشوة بأي شكل من الأشكال، أو أن يحسِّن وضعه المادي ومصالحه الشخصية على حساب سعادة الآخرين ومصالحهم.
المبدأ الخامس: تعميم المشاركة والحصول على المعلومات إن ماهية هذه المهنة تقتضي أن يعمل الصحفي على رفع مستوى حصول الجميع على المعلومات، ومساهمة الناس في الوسائل الإعلامية، بما في ذلك حق التصحيح، أو الإصلاح، وحق الحصول على الرد.
المبدأ السادس: احترام الحيثيات الخاصة والشؤون الإنسانية. إن احترام الحقوق الفردية، والمحافظة على الحيثيات والأسرار الخاصة، والشؤون الإنسانية، والتي تنسجم مع القوانين الوطنية والدولية الخاصة بالمحافظة على حقوق الأفراد وشخصيتهم، ومنع الافتراء، والاتهام، والإهانة، وتشويه شخصية الأفراد، تعد جزءاً لا يتجزأ من المعايير المهنية للصحفي.
المبدأ السابع: احترام المصالح العامة. تقرُّ المبادئ المهنية للصحفي وجوب احترامه للأوساط الوطنية، والمؤسسات الديموقراطية، والعفاف العام.
المبدأ الثامن: احترام القيم العالمية وتنوع الثقافات. في الوقت الذي يبدي فيه الصحفي احترامه لمكانة أية ثقافة وقيمتها واعتبارها، وكذلك لحق الاختيار والتطوير الحر للنظم الثقافية، والاقتصادية، والسياسية من قبل الناس، فإنه يدافع عن القيم الإنسانية العامة، وعن السلام، والديموقراطية، وحقوق الإنسان، والتنمية الاجتماعية.
المبدأ التاسع: القضاء على الحروب وسائر المصائب التي تلاحق الإنسان. إن الالتزام الأخلاقي تجاه القيم الإنسانية العامة تلزم الصحفي بالابتعاد عن أي نوع من أنواع التبرير أو التحريض على شن الحروب العدوانية، وسباق التسلح، وبخاصة الأسلحة النووية، والابتعاد عن العنف، والكراهية والتمييز العنصري، وغيرها. وبهذا الأسلوب يستطيع الصحفي أن يساهم في القضاء على الجهل وسوء التفاهم بين الناس.
المبدأ العاشر: تطوير النظام المعلوماتي والاتصالات العالمي الحديث. يتحرك الصحفي في العالم المعاصر ضمن إطار من السعي نحو إقامة العلاقات الدولية الجديدة بشكل عام، وضمن إطار من النظم المعلوماتية الجديدة بشكل خاص. ويهدف النظام الجديد إلى إلغاء الاستعمار، وإضفاء المنهج الديموقراطي على المعلومات والاتصالات، على كافة المستويات الوطنية والدولية، وفق مبدأ التعايش السلمي بين الشعوب، والاحترام الكامل لهويتهم الثقافية. والالتزام الخاص للصحفي في هذا المجال يتمثل بالعمل على تطوير النهج الديموقراطي في العلاقات الدولية في مجال المعلومات، وفق مبدأ المحافظة على العلاقات الودية والسلمية بين الشعوب والدول وتوطيدها([10]).
ومن جهة أخرى نجد أن قوانين الاتحاد الدولي للصحفيين (NUJ) أصبحت قديمة بالمقارنة مع القوانين الجديدة، فهي تحدد واجبات الصحفيين على النحوالتالي:
1ـ يجب على كل صحفي العمل على جعل نشاطاته مطابقة لأفضل المواصفات القياسية المهنية والأخلاقية.
2ـ على كل صحفي أن يدافع دائماً عن مبدأ حرية الصحافة، وجميع أنواع الوسائل الإعلامية، وأن يسعى إلى إلغاء عناوين التحريف، والإشاعات، أو الرقابة على الصحف.
3ـ على الصحفي أن يسعى إلى أن تكون الأخبار والمعلومات التي ينشرها منصفة ودقيقة، وأن يبتعد عن الإدلاء بوجهات نظره أو توقعاته تحت عنوان أنها حقائق، وكذلك تلفيق الأكاذيب عن طريق التحريف، أو اختيار جزء خاص من المعلومات المستحصلة، أو إظهارها بأنها خاطئة.
4ـ على الصحفي أن يسارع إلى تصحيح عدم الدقة التي تؤدي إلى الإضرار بشخصية الفرد، وأن يطمئنّ إلى أنه تم تصحيح ذلك في الصحيفة بنحو جيد، ويعتذر منه. وفي حالة كون الموضوع مهماً جداً عليه أن يمنح الأفراد الذين تم انتقادهم حقّ الرد.
5ـ على الصحفي أن يحصل على المعلومات والصور التي يحتاج إليها بنفسه، وبشكل مباشر دون وسيط. وإن استخدام الأدوات الأخرى لتحقيق هذا الهدف إنما يمكن تبرير استخدامها عندما تأخذ المصلحة العامة بنظر الاعتبار فقط. وللصحفي الحق بترجمة اعتراضاته الهادفة إلى واقع عملي، من خلال الاستعانة بهذه الأدوات.
6ـ لا ينبغي للصحفي مضايقة الآخرين في حياتهم الخاصة، أو في مشاعرهم، بذريعة المصلحة العامة.
7ــ على الصحفي أن يحافظ على كتمان مصادر معلوماته السرية.
8 ـ يجب على الصحفي أن لا يأخذ الرشوة، كما يجب أن لا يسمح للعوامل المشابهة بالتأثير على طبيعة عمله المهني.
9ـ على الصحفي أن لا يقدم على تزييف الحقيقة، أو منع انتشارها، لأسباب إعلامية، أو حالات من هذا القبيل.
10ــ يسمح للصحفي بنشر المعلومات المتعلقة بعمر الآخرين، وجنسهم، وقوميتهم، ولون بشرتهم، ومذهبهم، وعوقهم، وحالتهم الزوجية، وميولهم الجنسية،عندما تكون هذه المعلومات مرتبطة بموضوع عمله تماماً؛ إذ لا يجوز للصحفي أن ينشر أو يُعدّ المواضيع التي تشجع على التمييز، أو الاستهزاء، أو التعصب، أو الاشمئزاز من إحدى الحالات المذكورة أعلاه.
11ـ يجب على الصحفي أن لا ينشر عمداً أي صورة تم التلاعب بها، إلا إذا تم توضيح هذا التلاعب في الصورة بشكل شفاف. والتلاعب لا يشمل الموارد التالية أدناه: الصقل العادي للصورة، تلميع الصورة وتوضيحها، تنظيم الألوان، رفع النمش، تنظيم المفارقات، قص الحواشي، أو تغطية الصورة لأسباب قانونية أو أمنية.
12ـ يجب على الصحفي أن لا يستخدم المعلومات التي حصل عليها أثناء أداء الواجب لأغراض خاصة، قبل نشرها للعموم.
13ـ على الصحفي عدم القيام بالإعلان عن السلع، أو الخدمات التجارية، من خلال العبارات، أو طريقة الكلام، أو شكله وهندامه، بحيث يصب هذا العمل لصالحه، أو لصالح مسؤوله([11]).
وتجدر الإشارة إلى أن جميع البنود الواردة أعلاه يمكن تطبيقها في المجتمع الديني أيضاً، بشكل لا تتنافى فيه مع الأصول والقيم السائدة في المجتمع الديني من جهة، وأن يلتزم الصحفيون والمراسلون بهذه المبادئ من جهة أخرى.
مساوئ العمل الصحفي ــــــ
إذا كان أحد الصحفيين يمتلك عملاً دائمياً، ومنتسباً من الناحية الوظيفية إلى إحدى المؤسسات، ويعمل لصالحها، سيضطر في أكثر الأوقات إلى أن يعمل من أجل ضمان تحقيق أهداف تلك المؤسسة. وشخص كهذا سيضطر أحياناً إلى التجاوز على بعض الأصول الأخلاقية من أجل تحقيق أهداف المؤسسة ومصالحها. والذين يتجاوزون على القوانين المهنية يمكن أن يواجهوا في بعض الأحيان بالإدانة أو العقوبة، بل وحتى الطرد من عملهم، كعلاج أخير ونهائي.
وسنشير هنا إلى بعضٍ من هذه المساوئ:
1ـ الارتباط بمصادر القوة والثروة ــــــ
لوافترضنا أن أحد الصحفيين يعمل لحساب إحدى المؤسسات ألا يسبب له هذا الانتساب نوعاً من الصلة القريبة والتعلق بتلك المؤسسة؟ ولو افترضنا ذلك هل يراعي الصحفي حقَّ التمسك والالتزام بالمبادئ الأخلاقية للصحافة أثناء الممارسة العملية؟ مما يؤسف له أن الضرر الكبير الذي يتنافس عليه الصحفيون اليوم هو تعلقهم الشديد بمصادر القوة والثروة. ومن هنا نجد في كثير من الأحيان أنه من أجل أن يحافظ الصحفيون على موقعهم الوظيفي والمهني لا يلتزمون بمراعاة المبادئ الأخلاقية.
واليوم يعمل الصحفيون ــ وبشكل متزايد ــ لحساب بعض المؤسسات والجهات، بحثاً عن القوة والمنفعة، وقبل أن يفكروا بنوعية أدائهم، ونتائج أعمالهم، نراهم مهتمّين بالكم فقط، من قبيل: عدد المخاطبين، وكمية العائد، والمكاسب الإعلامية، وغيرها.
وبالتالي فإن تطور مهنة الصحفيين ورقيها غير مرتبط في كل الأحوال بالمبادئ الأخلاقية بشكل كامل، باستثناء بعض الحالات القليلة، التي يرتبط الأمر فيها بمواصفات شخص الصحفي ودوره في النجاح التجاري لمؤسسته. وفي الحقيقة نجد من هذه الناحية أن أكثر النجاحات المتحققة، مثل: الالتزام بالمبادئ الأخلاقية، هي غير منظورة، كما هوالحال في مسألة سِرِّية الموضوع. وهذه المسألة تقودنا إلى موضوع لا يمكن أن نجد له مكاناً في أخلاق العمل الصحفي بهذه السهولة. وحتى الأصول غير المضرة، والمحبة للخير أو لأعمال البر، يجب أن تكون خارج نطاق العمل الصحفي، وبشكل فكاهي وساخر؛ وخاصة أن الصحافة تتقوّم من هذه الزاوية بقوة السوق فقط([12]).
2ـ دور القيم والانحياز المؤسساتي في انتقاء الأخبار ــــــ
يعتقد الكثير بأن الأخبار تتأثر ــ وبشكل لا يمكن تجاوزه ــ بالبرامج اليومية المنظمة، وبالقيود والضوابط الموجودة في إعداد برنامج معين، وكذلك بقيم ومبادئ العمل الصحفي. وبالنتيجة هناك توجهات خاصة تتحكم في الأخبار وكيفية اختيارها.
وبعض من هذه التوجهات لا يمكن تجاوزها، فالصحفيون ــ وكأي فرد آخر ــ لهم معتقداتهم وآراؤهم الخاصة بهم، وبالتالي ليس بوسعهم اختيار الحوادث وتقديمها بشكل عارٍ تماماً عن أي شكل من أشكال التحيّز. ولكن أعمال التحيز هذه، قبل أن ينظر إليها على أنها تحيز عمدي ومدروس، هي عبارة عن ظواهر غير متعمدة لا يمكن تجاوزها، وتقوم نفس المؤسسة الإخبارية بإيجادها.
ويتحكم أصحاب السلطة، بل والثروة أيضاً، بالصحفيين، من خلال تقديم الأخبار الخاصة والانتقائية لهم، وبالتالي يسيطرون عليهم ويوجِّهونهم. والشكل الآخر للتحكم بالأخبار يتمثل بالتنسيق في نشرها في أوقات خاصة. وعلى سبيل المثال: نشر الأخبار «السيئة» في أيام خاصة، أو نشر الأخبار بطريقة تجعل الأخبار «السيئة» تلقي بظلالها على الأخبار «الجيدة»([13])، أو إظهار العناوين المتشابهة والمتزامنة في وقت واحد من قبل الصحف الصفراء؛ بهدف افتعال الأحداث، والضغط على الرأي العام، وخلق أجواء ملتهبة ومشحونة في المجتمع، من أجل مقاطعة قضية معينة أو أية مسألة أخرى، هي من ضمن هذه الأمور اللاأخلاقية في العمل الصحفي.
3ـ دور مصادر القوة والثروة في إيصال الخبر ــــــ
إن بإمكان السياسيين والمسؤولين الذين يتعاملون مع الصحفيين استغلال مناصبهم لسد احتياجات الصحافيين الشخصية أو المؤسساتية، انطلاقاً من كونهم مصادر للمعلومات؛ إذ يسعون دائماً ــ هم ومكاتب العلاقات العامة التابعة لهم ــ إلى العمل على دفع الأخبار بالاتجاه الذي تؤثر فيه على الرأي العام. وهذه الاتصالات لا تقرب الكاتب إلى مصدر الأخبار بشكل قوي جداً، بل تخلق نوعاً من التعايش المشبوه، الذي سرعان ما يؤدي إلى إلغاء استقلالية الصحفيين.
ويرى البعض أن تعاون السياسيين مع المصادر الخبرية يسمح للصحفيين بأن يكون لديهم اهتمام خاص بآراء مَنْ هم على رأس السلطة، كما أن أفضل مسألة للناس أيضاً هي هذه الآراء والأفكار. ومن جهة أخرى فإن التعاون بين الصحفي والمصدر الخبري لا يؤدي إلى السيطرة على الصحفي.
ومع ذلك مازال من الواجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار مسألة مهمة وأساسية بشأن سلطة المصدر الخبري والتقارير، وهي أن المصادر الخبرية ــ وعلى الرغم من أنه قد لا تكون بيدها سلطة اتخاذ القرار بشأن الأخبار ــ يمكن أن تجعل الرؤية التي صدر عنها الخبر تحت دائرة نفوذها وسيطرتها. والخطر الآخر الذي يواجهه الصحفيون المحترفون في هذا المجال يتمثل في أنهم لولم يخضعوا لسلطة ونفوذ أحد المصادر، بما فيهم أصحاب النفوذ والسياسيين، فمن الممكن أن ينسجموا مع قيم المصدر الخبري ورؤيته، من خلال الاتصالات المتكررة وبالتدريج شيئاً فشيئاً، إلى أن يبدو المصدر والصحفي وكأنهما متحالفان حقيقيان. كما أن المراسلين والصحفيين غير المحترفين والهواة هم بدورهم ليسوا في مأمن من خطر السيطرة عليهم من قبل المصادر الخبرية. على الرغم من أننا نجد أن الصحفي الهاوي أقل تقييداً وتحديداً من المحترف أثناء طرحه لأسئلته، وذلك من خلال المقارنة بينهما، فإن عدم امتلاكه المعرفة الكافية بالمصدر، وبالموضوع الخبري أيضاً، يمكن أن يتسبب بإيجاد وضع يتمكن من خلاله المصدر أن يستغل عدم خبرة الصحفي والمراسل، وأن يتحكم بالأخبار([14]).
كما يتمتع الصحفيون المتنفذون سياسياً بميزة مهمة أخرى، تمنحهم القدرة على أداء واجباتهم بشكل أسهل، فهم يحصلون على أية وثيقة أو خبر أو تقرير قبل نشره بشكل رسمي وعلني.
4 ـ عدم اشتغال الصحفيين في الصحافة ــــــ
مما لاشك فيه أن الصحافة ــ كباقي المجالات الأخرى ــ بحاجة إلى المتخصصين والخبراء الخاصين بها، ولكن المؤسف أن الإحصائيات تشير إلى أن الكثير من الجامعيين من قسم الصحافة في إيران، وبعد إكمالهم لدراستهم، لا يعملون في مجال اختصاصهم. وفي المقابل فإن أفراداً غير متخصصين يدخلون الحقل الصحفي، ويمارسون أعمالاً صحفية. وطبقاً لإحدى الإحصائيات فإن عدد الخريجين من قسم الصحافة في جامعات البلاد منذ عام 1965 ـ 1994م بلغ حوالي 900 طالب. ولكن في عام 1994 لم يعمل حوالي93% منهم في الصحافة([15])، والحقيقة أن السبب في هذا الأمر يعود إلى عدم ملائمة المواد الدراسية لقسم الصحافة مع متطلبات الظروف الاجتماعية للبلاد؛ أو أن العمل في الصحافة لا يناسبهم من الناحية الاقتصادية. وعلى أية حال لابد من اتخاذ خطوات جادة في هذا المجال، والعمل على حل هذه المعضلة([16]).
5 ـ نشر الخبر بمصدر مجهول ــــــ
إن من آثار ونتائج التبعية لمراكز القوة والثروة وجود نوع من التوافق الضمني بين الإعلاميين والصحفيين وبين السياسيين ومراكز القوة والثروة، مبنيٍّ على أساس القيام بنشر الأخبار السرية ــ ومن الدرجة الأولى ــ بمصدر مجهول. وهذا الإجراء المتمثل بمنع الكشف عن المصدر هو من إحدى آليات القوة التي تمتلك سلطة نظام اللوبي. وإذا كان من المقرر أن يذكر الخبر مع المصدر المحدد فإن الكثير من أصحاب النفوذ والثروة غير مستعدين لجعل الأخبار السرية تحت تصرف الصحفيين والمراسلين. وبعبارة أخرى: إن ذكر اسم المصدر الخبري سيؤدي إلى امتناعهم عن الكشف عن المعلومات اللاحقة. وبناء على ذلك فإن الصحفي سيتمكن من الحصول على المعلومات الجديدة والسرية من هؤلاء الأفراد بشكل أيسر من خلال الإبقاء على خفاء اسم المصدر الخبري.
ومن إحدى النتائج السريعة التي نستخلصها من قانون «عدم الإسناد»، هو أن الصحفيين المتنفذين سياسياً (اللوبي) يستخدمون عبارات عامة لا تكشف عن مصادرهم الخبرية لدى قيامهم بنقل أخبارهم وتقاريرهم؛ وهي العبارات التي تتعمد إخفاء المصادر الخبرية، من قبيل «الوزراء»، «المصادر المقربة من رئيس الوزراء»، «أعضاء مجلس العموم»، «مصدر موثوق»، «المصادر المقرَّبة»، «المصادر الخبرية»، وعادة ما يقوم الصحفيون بنشر إشاعة معينة على أنها حقيقة، مستغلين هذه العبارات المتداولة لزيادة أهمية مصدر الخبر. ومن الطبيعي أنه عندما لا يذكر أي شيء عن مصدر الخبر أو التقرير فإن معرفة صحة الخبر والتقرير يصبح أمراً غير ممكن التحقيق([17]).
6ـ استخدام الخدعة في الحصول على المعلومات ــــــ
مما يدعو للأسف أن اللجوء إلى استخدام الخدعة وإلقاء الطُعْم والتحايل، والتي تعد من الأساليب القديمة والمتعلقة بالصحف العامية أو الشعبية الساذجة، مازال مستخدماً ومتبعاً بشكل أو آخر في الصحف، ومن قبل الصحفيين؛ بهدف استقطاب المخاطب. وعلى سبيل المثال: يقوم الصحفي متنكِّراً بملابس شخص مدمن على المخدرات أو بائع لها وبإظهار نفسه على أنه مدمن أو بائع، وبهذا الأسلوب يحصل على المعلومات التي يحتاج إليها. وأحياناً يدخل إلى دائرة الحياة الخاصة للأفراد بهذا الأسلوب أو بغيره، ويقوم بجمع المعلومات التي تهمّه، ومن ثم يستخدم هذه المعلومات ضد الفرد المذكور في الوقت المناسب. إن استخدام هذه الطريقة في المسائل الاجتماعية، والقضايا السياسية، والأمنية، وفي أثناء الانتخابات، والحصول على المعلومات بشكل سري من الأفراد، واستغلالها ضدهم، هي منهج شائع في مجتمعنا بين الصحفيين والمراسلين. ولكن استخدام هذه الطريقة مع العدو يعدّ أمراً طبيعياً؛ ذلك أن الحصول على المعلومات السرية منه أمر يستحق التقدير. ولكن هل أن الحصول على المعلومات داخل مجتمع ديموقراطي يمكن أن يصبح سبباً مقنعاً يجيز الدخول إلى دائرة الحياة الخاصة بالأفراد؟
7ـ سرقة النتاجات العلمية ــــــ
من إحدى أهم المسؤوليات الصحفية المحافظة على حقوق الأفراد وممتلكاتهم المعنوية واحترامها. ولكن للأسف نجد أن الخطر الذي يهدد الكثير من الصحفيين، والمراسلين، والمحلِّلين، وبخاصة الكتّاب، هو مسألة سرقة المؤلفات والنتاجات العلمية للآخرين. واستناداً إلى قانون العمل الصحفي وأخلاقه المهنية يجب على الصحفي، والمراسل، والكاتب، والإعلامي، وغيرهم، احترام حقوق الملكية المعنوية للأفراد. فالمقالة التي تنشر في إحدى الصحف هي ملك لصاحبها، ولا يملك غيره الحق في الادعاء بها. وهذا العمل ــ فضلاً عن كونه نوعاً من سوء الخلق المهني ــ يصنف ـ طبقاً للقانون ـ على أنه جريمة، ولا يملك الصحفي الحق في نقل التقرير، أو التحليل، والمقالة، والصور،وغيرها، ونشرها باسمه.
8 ـ إلحاق الأذى والضرر ــــــ
على الرغم من أن الصحفيين والمراسلين والمصورين لا يسمح لهم من الناحية الأخلاقية بإلحاق الأذى والضرر بالأفراد، أو تخويفهم وإرعابهم، ومتابعتهم المستمرة من أجل الحصول على المعلومات أو الصور التي هم بحاجة إليها، إلا أن هذا الأسلوب غير اللائق معمول به بين أوساط الكثير من الإعلاميين، فهم يلتقطون الصور عادة للأماكن الخاصة، بدون استحصال موافقة الأفراد على ذلك، وبهذا الشكل يتلاعبون بمقدرات الأفراد ومكانتهم، ويتسببون بإزعاجهم وإيذائهم. أو نجد أحياناً أن بعض الأفراد يتعرضون دائماً لملاحقة ومتابعة الإعلاميين والمراسلين والصحفيين؛ لكي يحصلوا بهذا الأسلوب على بعض المعلومات الخاصة منهم. وبهذا الشكل يتعرض هؤلاء الأفراد إلى بعض المضايقات من هذا القبيل.
9 ـ سوء استغلال ملفات الجرائم الجنسية ــــــ
سوء استغلال الأفراد واستخدامهم كأدوات هو عمل غير أخلاقي في جميع الأحوال ومهما كانت الظروف. ولا يجوز للصحفيين والصحافة إساءة استغلال الأفراد، وبخاصة النساء، والأطفال، والشباب تحت سن السادسة عشرة، ممن لهم ملفات تتعلق بالجرائم الجنسية، سواءٌ كانوا من الضحايا أم الشهود. وحتى لو لم يكن هذا العمل عملاً غير قانوني، فإن انتشار أسماء وصور الأفراد، وبخاصة النساء المذنبات وغيرهنّ، أمر مخالف للأخلاق، والعفاف، والمصلحة العامة في المجتمع الديني. وحتى لو لم يمنع قانون الصحافة الأفراد رسمياً عن القيام بهذه الأعمال يجب أيضاً عدم ذكرهم والتعرض لهم بشيء؛ لأن هذا التصرف ليس صحيحاً من الناحية الأخلاقية. وبناء على ذلك يجب على الصحفيين والصحافة عدم ذكر أسماء ضحايا الاعتداءات الجنسية، أو القيام بنشر مواضيع معينة تؤدي بالنتيجة إلى الكشف عن هوية هؤلاء الأفراد، إلا إذا توفرت لديهم المبررات الكافية لهذا الإجراء، أو لم يكن هناك منع قانوني في هذا المجال.
وهذه المعضلة موجودة في الجرائم غير الجنسية أيضاً. ومما يؤسف له أن الصحفيين والمراسلين يُقدِمون على نشر التفاصيل الخاصة عن حياة الأفراد وصورهم، باستخدامهم النساء كأدوات في هذا الأمر؛ بهدف استقطاب القراء. ويعد ذلك ضرراً كبيراً في مجتمع ديني، وممنوعاً من الناحيتين القانونية والأخلاقية.
10ـ وسائل التنصت ــــــ
يلاحظ في كثير من الأحيان أن الصحفيين؛ وبسبب سماجتهم وعنادهم، أو انطلاقاً من حقدهم وتصفية حساباتهم مع الأفراد، أو حتى بسبب مشاعر التنافس، يسعون وراء الحصول على المعلومات، أو القيام بنشرها، مستخدمين وسائل التنصت والتجسس المخفية لتسجيل الأحاديث، بل وحتى المكالمات الهاتفية للأفراد، ويقومون بنشرها؛ بهدف استغلالها والإساءة لأصحابها. وهذا الأمر غير مقبول أخلاقياً ويعد عملاً سيئاً، ويُنظَر إليه على أنه جريمة؛ بسبب كونه تجاوزاً على الحرمات الخاصة للأفراد.
11ـ التمييز العنصري والقومي ــــــ
إن من الأساليب الشائعة بين الصحفيين المحترفين تبني سياسات التمييز العنصري والقومي، وهذا من جملة الأضرار الشائعة التي يعاني منها الصحفيون، فتراهم يدافعون عن قومية معينة أو جنس معين؛ بسبب ميلهم وحبهم لتلك القومية أو الجنس، ويتخذون مواقف سلبية تجاه سائر القوميات الأخرى. كما يجب على الصحافة أن تمتنع عن الاستهزاء أو إظهار التعصب ضد القومية أو العرق، ولون البشرة، والمذهب، والجنس. ولكن للأسف لا تتم مراعاة هذا المبدأ الأخلاقي، ويتم التطاول عليه من قبل الصحفيين والصحافة، وخاصة أثناء الانتخابات؛ بهدف الفوز بالأصوات.
الخلاصة والنتائج ــــــ
كل ما تقدم يمثل نظرة سريعة لتبيين مكانة الأخلاق في العمل الصحفي، وبعبارة جامعة: إنّ «الأخلاق» عنصر مهم من العناصر المكوِّنة لثقافة أي مجتمع من المجتمعات. وإن للأخلاق مكانة رفيعة جداً في أية مهنة، وبخاصة في مهنة العمل الصحفي. والتمسك بالأخلاق في أي مجتمع من المجتمعات يمثل الحد الأدنى لما يأمله الناس من إخوانهم الذين يعيشون معهم، وسنشير هنا ـ تلخيصاً لما تقدم ـ إلى جملة من النقاط:
1ـ الصحفي والصحافة أحرار في ميولهم واتجاهاتهم السياسية الخاصة، ومدى انحيازهم لمجريات الأحداث. ولكن أولاً: لا ينبغي أن يكون ثمن افتعال الأحداث والتأييد العلني لقضية ما على حساب طمس الحقيقة وكتمانها؛ إذ إن هذا الأمر يختلف عن امتلاك ولاء سياسي معين. وثانياً: لابد من الإقرار بوجود التباين بين إبداء الرأي والحدس والظن وبيان الحقيقة. ومن هذه الناحية فإن الصحفيين لا يملكون الحق بكتمان الحقيقة، مهما يكن انتماؤهم السياسي، ولا ينبغي لهم ترجيح انتماءاتهم السياسية على بيان الحقائق في تقاريرهم وكتاباتهم وأقوالهم.
2ـ تقضي أخلاق العمل الصحفي والمهني بضرورة المحافظة على سمعة الأفراد وحيثياتهم الخاصة. ولكل فرد الحق في المحافظة على حيثية حياته الخاصة، وحياته العائلية، وصحته، وعلاقاته مع الآخرين. وكل صحيفة تتجاوز على حدود حياته الخاصة بدون موافقته يجب أن تتحمل مسؤولية تصرفها.
3ــ مراعاة حيثيات الناس ومصالحهم الخاصة مبدأ أساسي وأمر ضروري. وفي حالة تصادم هذا المبدأ مع الحدود الاعتبارية الخاصة للأفراد يتم تقديم المصلحة العامة على الخاصة تحت ظروف خاصة، من أجل المحافظة على المصلحة العامة، ومع المحافظة على حرمة الأفراد.
4ـ تقضي الأخلاق الاجتماعية بعدم نشر المواضيع غير الصحيحة والمضللة والمحرَّفة، أو الصور المخالفة للعفاف العام في الصحف والإصدارات الأخرى.
5ــ متى ما اتضح بأنه تم نشر خطأ فاحش، أو جملة مضلِّلة، أو خبر محرَّف، من قبل صحفي أو مراسل بشكل غير متعمد في إحدى الصحف فإن الخلق الصحفي يقضي بالمسارعة إلى تصحيح هذا الخطأ وبشكل صريح وواضح، وأن يتم نشر اعتذار عن هذا الخطأ في أقرب وقت مناسب. ويجب أن يمتلك الأفراد والمؤسسات الفرصة الكافية للإجابة على موارد الخطأ في حالة تقديم طلب معقول بهذا الخصوص. وبناء على ذلك فإن حق الإجابة على تساؤلات المخاطبين واجبٌ أخلاقيٌّ على الصحفي.
6ـ وفي ما يتعلق بالحوادث الجنائية يجب أن لا يقوم الإعلامي أو الصحفي أو المراسل بنشر أسماء الأفراد ذوي العلاقة بالجناية وصورهم، قبل أن تكتسب القضية درجة الحكم القطعي. كما يجب أيضاً عدم نشر أسماء ضحايا الاعتداء الجنسي، أو القيام بنشر كل ما يؤدي إلى الكشف عن هوية الأفراد، إلا إذا توفرت لديه المبررات والدواعي الكافية لذلك، أو لم يكن هناك مانعٌ أخلاقيٌ أو قانونيٌ.
7ــ يجب على الصحفيين عدم السعي وراء الحصول على معلومات معينة، أو نشرها، باستخدام وسائل التنصت السرية، أو عن طريق سرقة المكالمات الهاتفية الخاصة للأفراد، وتسجيلها ونشرها. ومن هنا يجب على الصحفي أن يتخذ موقفاً سريعاً، ويقول: أنا صحفيٌّ، ولا ينبغي لي أن أعمل كالجاسوس أو المخبر السري.
8 ـ من واجبات الصحفي الأخرى المحافظة على سرية مصادر المعلومات؛ إذ يجب على الصحفي من الناحية الأخلاقية المحافظة على مصادر معلوماته السرية.
9ـ الالتفات إلى أن أخذ الاعتراف عن طريق الضغط والإكراه من قبل الصحفي والإعلامي أمر ممنوع، إلا إذا كان ذلك ضرورياً للمجتمع.
10ـ الامتناع عن ممارسة منهج الإعلام العنصري والقومي والطائفي والجنسي، أو الكشف عن الحالة النفسية للأفراد.
11ـ الامتناع عن نشر الصور الملفَّقة والمفبركة، بدلاً من الصور الموثَّقة، وتحريف أقوال الأفراد، أو إلصاق ما هو مشين بهم في الصحف.
12ـ الالتزام والتمسك بالمبادئ الأخلاقية الإنسانية، التي من الضروري مراعاتها في الوسائل الإعلامية؛ من قبيل: الصدق، والإنصاف، وخدمة المصلحة العامة، واحترام أسرار المهنة، وغيرها.
13ـ احترام حقوق الإنسان الأساسية، من قبيل: الابتعاد عن الافتراء، واحترام حيثية الأفراد الخاصة، والدفاع عن حرية الصحافة وحرية التعبير.
14ـ انطلاقاً من كون الصحفيين يمثلون المصدر الأساسي للمعلومات فإن إيجاد أجواء الانسجام العام في المجتمع يرتبط ارتباطاً وثيقاً بهم. والمؤمل أن تتم السيطرة على المناخ السياسي من قبل الصحفيين بالنيابة عن المواطنين، وأن يراقبوا سوء الاستغلال الذي يرتكبه أصحاب السلطة والنفوذ.
15ـ من ضمن المسؤوليات الأخلاقية المهمة جداً للصحفي الاهتمام بالتوعية العامة، وبتوفر حرية الصحافة، والشرط الأساسي للنشاط الصحفي يتمثل في تبيين الحقيقة من قبل الصحفي، واحترام حيثية الأفراد وحياتهم الخاصة.
16ـ يتمثل سر النجاح بالنسبة للصحفي والمراسل في إقامته علاقات حميمة وودية مع مخاطبيه، وكسب ثقتهم وآرائهم. والصحفي المحترف والمهني يجب أن يستثمر هذه الطرق والأساليب للحصول على المعلومات وتقديم التقارير الصحفية.
الهوامش
(33) راجع في هذا المجال: فاطمة محبي، آسيب شناسي اجتماعي زنان ـ فرار أز خانه، كتاب زنان 15: 66، (ربيع، 1381).
(34) جان ام كالينـز، استراتژی بزرگ: 478، ترجمة: كورش بابندي (طهران، مكتب دراسات وزارة الخارجية، 1370).
(35) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 32: 617، الرواية 483، ب 12.
(36) راجع: لويس معلوف، قاموس المنجد، مادة «خدع» (بيروت، الكاثوليكية، 1908).
(37) Routledge Encyclopedia of Philosophy, Op. cit.
(39) راجع في هذا المجال: يونس شكر خواه، خبر 9: 125ـ 128، (طهران، مكتب الدراسات والتطوير الإعلامي، 1385).
(40) راجع: المصدر السابق نفسه.
(41) سالي آدمز ووينفورد هيكس، آداب مصاحبة مطبوعاتي (آداب الحديث الصحفي): 256 ترجمة: سيد محمد فكور (طهران، مكتب الدراسات وتطوير الوسائل الإعلامية، 1385).
(43) سيد فريد القاسمي، المصدر نفسه: 39.
(45) إطلالة على دراسة الصحافة في إيران: 14، مجلة (رسانه 2)، (صيف 1369).
(46) راجع: محمد فولادي ومحمد عزيز بختياري، عوامل تضعيف خود باوري فرهنگي، مجلة معرفت 31، للشهرين (آذر ودي 1378).
(47) المصدر نفسه: 40 ـ 41، نقلاً عن:Negring Ralph: Politics, And the Mass Media in Britain.