رصدٌ للتكوّن والنشأة على ضوء الوثائق التأريخية
ـ القسم الأوّل ـ
الشيخ أحمد بن عبد الجبار السميّن(*)
تمهيد
ذهب بعض العلماء([1]) إلى تصنيف العلوم الإسلامية إلى مجموعتين:
إحداهما: العلوم الإسلامية الخالصة. وهي تلك العلوم التي كانت نتاج حاجة ثقافية وحضارية إسلامية، بمعنى أنها جاءت للإجابة عن تساؤلات طرأت على الساحة الإسلامية، ونتيجة تفاعلات فكرية داخل البيت الإسلامي.
وثانيهما: العلوم الإسلامية غير الخالصة. وهي على خلاف المجموعة الأولى؛ فهي علوم تكوَّنت ونشأت في ظل بيئات أو حضارات غير البيئة والحضارة الإسلامية، واستوردها المسلمون في ظلّ تفاعلات حضارية معيّنة، ثم كانت لهم إسهاماتهم في تطويرها من زوايا متعدِّدة، فدخلت ضمن النسيج العلمي الإسلامي العامّ.
وفقاً لهذا التصنيف فإن علم أصول الفقه يُعَدّ من العلوم الإسلامية الخالصة التي جاءت نتيجة حاجة المسلمين لمعرفة الحكم الشرعي، واستنباطه من مصادره الخاصّة. فالفقيه المسلم عندما أراد استنباط الحكم الشرعي وجد نفسه بحاجةٍ إلى مجموعة من الأدوات والعناصر المشتركة التي تتمّ بواسطتها عملية الاستنباط، فأبدع علم أصول الفقه، غير محاكٍ فيه لتجارب إنسانية أخرى سبقَتْه في هذا الأمر. وهذا امتياز أساسي لعلم أصول الفقه.
وامتداداً لما سبق، يلاحظ الباحث في علم أصول الفقه ارتباطه الوثيق بعلم الفقه؛ فأحدهما ـ كما عبَّر بذلك السيد الصدر ـ يمثِّل النظرية التي يسير عليها الفقيه المستنبِط، والآخر يمثِّل له مجال التطبيق لتلك العناصر والقواعد الاجتهادية. هذه العلاقة الحيويّة بين هذا الثنائي النظري ـ التطبيقي خلقت تفاعلاً بين الفكرين الأصولي والفقهي؛ بحيث صار كلٌّ منهما سبباً في تطوير حركة الآخر؛ (لأن توسُّع بحوث التطبيق يدفع بحوث النظرية خطوةً إلى الإمام؛ لأنه يثير أمامها مشاكل، ويضطرّها إلى وضع النظريات العامة لحلولها، كما أن دقّة البحث في النظريات تنعكس على صعيد التطبيق؛ إذ كلَّما كانت النظريات أدقّ تطلَّبت طريقة تطبيقها دقّةً وعمقاً واستيعاباً أكبر)([2])، وهذا يعني أن عملية الاجتهاد صارت المموِّن الأساسي لأصول الفقه في أفكاره ورؤاه، لتحقِّق له المنعطفات والقفزات في مسيرته، ولو خلال فترات.
كلُّ هذا يستدعي من الباحثين الأصوليين أن ينظروا لهذا العلم نظرةً كلِّيّانية شمولية، لتحديد ودراسة مساراته واتجاهاته التي مرَّ بها، ولمحاولة استشراف مستقبله القريب والبعيد؛ لأن هذه النظرة ستلقي بتأثيراتها على طبيعة الحركة الاجتهادية من جهة والمنتَج الفقهي من جهةٍ أخرى([3]).
نحاول هنا أن نرصد ونتتبع الخيوط الأساسية المكوِّنة لأصول الفقه، من خلال ما وَصَلَنا من وثائق تاريخية قد تفيد في هذا المجال.
1ـ الاجتهاد في المدرسة الإماميّة، الاتجاهات والآراء
تعتبر القرون الأربعة الهجرية الأولى القرون الأساسية في بناء الفكر الإسلامي بشكلٍ عامّ، والفكر الشيعي بشكلٍ خاصّ. فبدايات هذه القرون هي التي تسمّى في الثقافة الإمامية بعصر الحضور، أي الفترة التي كان النبيّ| وأئمة أهل البيت^ حاضرين بين ظهراني المسلمين. وفي هذه الفترة أنشأ النبي وأئمة أهل البيت اللَّبنات الأساسية للفكر الإسلامي.
والحديث عن دور هذه القرون في تأسيس علم الأصول يرتبط منهجياً بالبحث، وتسليط الضوء على أصل وجود العملية الاجتهادية في المذهب الإمامي؛ فعلم الأصول هو منطق علم الفقه([4])، ووجود الاجتهاد الشرعي في تلك القرون شاهدٌ بارز على وجود الأفكار الأصوليّة الأوّلية.
فهل مارس الشيعة الأوائل نشاطاً اجتهادياً يمكننا من خلاله الكشف عن بيئة لنشأة علم الأصول، ولو بحدِّها الأدنى؟([5]).
لا بُدَّ من الإشارة هنا إلى أن هذه الحقبة من التأريخ الفكري للشيعة فَقَدَتْ الكثير من مصنَّفاتها ومدوَّناتها، والتي تُعَدّ المصادر المهمّة للكشف عن تلك البيئة الفكرية؛ لهذا نحن مضطرّون إلى تحليل ما بأيدينا من معطيات ومعلومات ووثائق للخروج بالنتائج العامة لهذه المرحلة.
لقد اختلف العلماء والباحثون في وجود نشاط اجتهادي عند الشيعة في هذه الحقبة من تأريخهم، ويمكن هنا ذكر رأيين رئيسين في هذا السياق:
الرأي الأوّل: يذهب إلى أن علماء الشيعة لم يكونوا يمارسون أيّ عملية اجتهاد حتّى نهاية القرن الثالث الهجري تقريباً؛ ويرجع هذا إلى عدم حاجتهم للاجتهاد في ظلّ تواجد النبيّ وأئمة أهل البيت بينهم ـ مع تفاوت هذا التواجد تبعاً للظروف السياسية التي كانت تحكمهم آنذاك ـ، فعصر الحضور عند الإمامية انتهى بالغَيْبة الكبيرة للإمام الثاني عشر محمد بن الحسن المهدي× سنة 329هـ، بوفاة آخر وكلائه محمد بن عليّ السَّمْري. ففي عصر حضور النبي والأئمة لا معنى للحديث عن اجتهاد للوصول إلى الأحكام الشرعية، فالحاجة للرأي الشرعي يمكن تأمينها بسؤال الإمام بشكل مباشر، أو بسؤال الرواة الذين كانوا على اتصال مع الإمام في بعض المواسم العبادية، كالحجّ مثلاً، فيسألونهم عمّا طرأ عليهم من قضايا خلال العام، فأيّ معنى للاجتهاد في استنباط الحكم الشرعي بعد هذا؟
وقد تبنّى هذا الرأي مجموعة من الباحثين، منهم: تشارلز آدمز([6])، الدكتور محمود شهابي(1410هـ)([7])، السيد عبد الرزاق المقرَّم(1391هـ) الذي ذكر أنّ باب الاجتهاد عند الشيعة انفتح مع الشيخ ابن الجنيد الإسكافي في القرن الرابع الهجري([8]). كما ذهب لهذا الرأي الأخباريون من الشيعة الإمامية، بل قالوا بأن الأئمة قد نَهَوْا عن الاجتهاد، وللشيخ عبد الله السماهيجي البحراني(1135هـ) رسالة تكشف عن هذا الاتجاه عند الأخباريين، وهي بعنوان: (رسالة في نفي الاجتهاد وعدم وجوده في زمان الأئمة الأمجاد)([9])، وتبنّى المولى محمد مهدي النراقي(1209هـ) عدم وقوع الاجتهاد في عصر النبيّ والأئمة، وذكر أنّه لم يُنْقَل عن أحدٍ من أصحابهم أنّه يجتهد، وذهب إلى عدم جواز الاجتهاد في عصر الحضور؛ لإمكان تحصيل اليقين بالأحكام من خلال سؤالهم للمعصوم، وجوازه في عصر الغيبة لجواز العمل بالظنّ([10]). وتبنَّى هذا الرأي أيضاً السيد هاشم معروف الحسني(1403هـ)([11]).
الرأي الثاني: وهو الذاهب إلى أن قدماء الشيعة كان منهم مَنْ يجتهد، ولو بالصورة البسيطة للاجتهاد، حتّى مع وجود المعصوم بينهم، بل يمكن القول: إن للاجتهاد في هذا العصر مبرّراته الموضوعية.
وقد ذهب لهذا الرأي الشهيد الشيخ مرتضى مطهري(1399هـ)([12])، الشهيد السيد محمد باقر الصدر(1400هـ)([13])، السيد روح الله الخميني(1409هـ)([14])، السيد أبو القاسم الخوئي(1413هـ)([15])، الدكتور أبو القاسم كرجي(1432هـ)([16])، الشيخ ضياء الدين العراقي(1361هـ)([17])، الشيخ آغا بزرگ الطهراني(1389هـ)([18])، الشيخ عبد الهادي الفضلي(1434هـ)([19]) ، والشيخ فاضل القائيني النجفي([20])، وغيرهم.
ويمكن ذكر مجموعة من المؤشِّرات التي تؤكِّد فكرة وجود الاجتهاد الشيعي في هذه القرون:
المؤشِّر الأوّل: وهو مرتبط بطبيعة الأشياء؛ فلم يكن المجتمع الشيعي مجتمعاً واحداً قريباً جغرافيّاً من الإمام، بل كان الشيعة مجموعة من التكتُّلات المتفرِّقة في العالم الإسلامي الكبير؛ في الكوفة والبصرة وبغداد وقم وخراسان وغيرها، وهذا البُعْد المكاني من الإمام جعل الوصول إليه أمراً غير يسير ولا متيسِّر آنذاك، وهناك ما يؤكّد أنَّ من الشيعة مَنْ كان لا يلتقي بالإمام إلاّ في موسم الحجّ.
فمن الطبيعي أن هذا البُعْد المكاني خلق طبقة وسيطة بين الشيعة البعيدين عن الإمام والإمام نفسه، وهم طبقة الفقهاء الرواة، الذين هم على تواصل مع الإمام أو مع مَنْ يتواصل معه؛ لمعرفة الأحكام الدينية، ونقلها لعموم الشيعة، وهذا ما بذر البذور الأوّلية والبسيطة للاجتهاد، وهي تلك القواعد العامّة التي تلقّاها الراوي من الإمام وحديث الإمام، وبدأ بتطبيقها في حال عدم القدرة على التواصل مع الإمام.
المؤشِّر الثاني: تؤكِّد الانقسامات الفكريّة التي مرَّتْ على المجتمع الشيعي آنذاك على أن ثمَّة نوعاً ولوناً من الممارسات الاجتهادية كانت بين علماء تلك الحقبة التأريخية، حتّى تحوَّلت تلك الاختلافات فيما بعد إلى مدارس فكريّة متمايزة فيما بينها. فهذا السيد المرتضى(436هـ) يذكر أن جماعة من رواة الشيعة، منهم: الفضل بن شاذان ويونس بن عبد الرحمان، كانوا من القائلين بالقياس([21]).
والخلاف المنهجي المعروف بين مدرستي قم النصّية وبغداد الكلاميّة، وهو ما تؤكِّده توجُّهات الشيخ المفيد(413هـ) في بغداد والشيخ الصدوق(381هـ) في قم.
والاختلاف بين أصحاب الأئمة في موضوع الغلوّ والتقصير في أمر الأئمة وغيرها، ممّا يعطي أن جوّاً اجتهادياً أنتج هذا التنوُّع في وجهات النظر.
المؤشِّر الثالث: رَصْد مجموعة من الظواهر ـ في عصر الحضور أو ما هو قريب منه ـ التي كشفت عن أن المجتمع الشيعي لم يكن خالياً من ممارسة اجتهادية بنحوٍ ما. ومن هذه الظواهر:
الظاهرة الأولى: التعارض بين الأحاديث المنقولة عن النبيّ وأهل البيت، والتي لم تكن بالظاهرة العارضة في الحديث الشيعي. ويمكن تأكيد هذا بالتالي:
1ـ الروايات الواردة عن أهل البيت^ التي تُعطي الفقهاء الرواة طرق حلّ هذا التعارض الذي قد يواجهونه، كرواية عبد الرحمان بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله×: (إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله؛ فما وافق كتاب الله فخذوه؛ وما خالف كتاب الله فردّوه. فإنْ لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامّة؛ فما وافق أخبارهم فذروه؛ وما خالف أخبارهم فخذوه)([22])؛ ورواية عمر بن حنظلة قال: سألتُ أبا عبد الله× عن الرجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَيْن أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة، أيحلّ ذلك؟ فقال: مَنْ تحاكم إليهم في حقٍّ أو باطل فإنما تحاكم إلى طاغوت، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾، قلتُ: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران مَنْ كان منكم ممَّنْ روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضَوْا به حَكَماً؛ فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً)([23]).
2ـ وقوع بعض الشيعة في حَيْرة تجاه التعارض بين بعض الأخبار، فقد نقل الشيخ الصدوق الأب(329هـ) هذه الحيرة في الكتاب المنسوب إليه (الإمامة والتبصرة من الحَيْرة)، بقوله: (…ورأيت كثيراً ممَّنْ صحّ عقده، وثبتت على دين الله وطأته، وظهرت في الله خشيته، قد أحادته الغَيْبة وطال عليه الأمد، حتى دخلته الوَحْشة، وأفكرته الأخبار المختلفة والآثار الواردة)([24])، ثمّ عقد فصلاً بعنوان: (أسباب اختلاف الروايات وموجبات الحَيْرة والاشتباه).
وأما بُعَيْد الغيبة الكبرى فينقل لنا الشيخ الطوسي(460هـ) حجم الأزمة التي عاشها بعض الشيعة جرّاء هذا التعارض بين الأحاديث. يقول في كتابه (تهذيب الأحكام): (ذاكرني بعض الأصدقاء (أيَّده الله)، ممَّنْ أوجب الله حقَّه علينا، بأحاديث أصحابنا (أيَّدهم الله ورحم الله السلف منهم)، وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضادّ، حتّى لا يكاد يتَّفق خبر إلاّ وبإزائه ما يضادّه، ولا يسلم حديث إلاّ وفي مقابله ما ينافيه، حتّى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا، وتطرَّقوا بذلك إلى إبطال معتقدنا، وذكروا أنه لم يَزَلْ شيوخكم السلف والخلف يطعنون على مخالفيهم بالاختلاف الذي يدينون الله تعالى به، ويشنِّعون عليهم بافتراق كلمتهم في الفروع، ويذكرون أن هذا ممّا لا يجوز أن يتعبَّد به الحكيم، ولا أن يبيح العمل به العليم، وقد وجدناكم أشدَّ اختلافاً من مخالفيكم، وأكثر تبايناً من مباينيكم. ووجود هذا الاختلاف منكم، مع اعتقادكم بطلان ذلك، دليلٌ على فساد الأصل، حتّى دخل على جماعةٍ، ممَّنْ ليس لهم قوّةٌ في العلم، ولا بصيرة بوجوه النظر ومعاني الألفاظ، شبهةٌ، وكثير منهم رجع عن اعتقاد الحقّ؛ لما اشتبه عليه الوجه في ذلك، وعجز عن حلّ الشبهة فيه…)([25]).
كما ألَّف كتاب (الاستبصار في ما اختلف من الأخبار)، الذي سعى فيه لمعالجة التعارض والاختلاف بين الروايات.
الظاهرة الثانية: موقف أئمّة أهل البيت^ الحاسم من مدرسة الرأي ومبادئها الاجتهادية، التي من أهمّها: موضوع (القياس). فقد واجه أئمة أهل البيت، والشيعة تَبَعاً لهم، القياسَ مواجهةً طويلة وصريحة، أنتجَتْ نبذاً إماميّاً للقياس. فقد ذكر السيد الخوئي(1413هـ) أن الروايات الواردة عن أهل البيت في شأن القياس بلغت أكثر من خمسمائة رواية([26])،وهذا يوضِّح حجم المواجهة.
إن هذه التجاذبات حول موضوع القياس كان تجاذباً أصوليّاً بامتيازٍ، فهو ممارسة اجتهادية، وقد أسَّست لقاعدةٍ هامّة لكثير من الموضوعات التي أُدرجت لاحقاً ضمن البحث الأصولي، كما سنلاحظ هذا لاحقاً.
الظاهرة الثالثة: قبول ورفض الروايات عند الشيعة منذ القرن الأولى. فقد أثبتت الوثائق التأريخية أن الشيعة كانت لديهم معاييرهم لقبول ورفض الروايات الواصلة إليهم من الرواة. فما نُقل عن المدرسة القمِّية القديمة في تشدُّدها في أمر الرواية والرواة شاهدٌ على وجود المعايير، ولو بصورتها البسيطة. كما أن نصّاً للشيخ الطوسي في كتابه (العدّة في أصول الفقه) يؤكِّد سَيْر مذهب الإمامية على طريقة التوثيق والتضعيف الرجاليّين، وهو من الاجتهاد، يقول فيه: (إنّا وجدنا الطائفة ميَّزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار، ووثَّقت الثقات منهم، وضعَّفت الضعفاء، وفرَّقوا بين مَنْ يُعتمد على حديثه وروايته، ومَنْ لا يُعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم، وذمّوا المذموم، وقالوا: فلانٌ متَّهم في حديثه، وفلان كذَّاب، وفلان مخلِّط، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفيّ، وفلان فطحيّ، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها. وصنَّفوا في ذلك الكتب، واستثنَوْا الرجال من جملة ما روَوْه من التصانيف في فهارسهم ، حتّى أن واحداً منهم إذا أنكر حديثاً نظر في إسناده، وضعَّفه برواته…)([27])، بل ذهب السيد الخوئي إلى أن عدد الكتب الرجالية إلى زمان الشيخ الطوسي قد بلغت أكثر من مائة كتاب([28]). وقد أحصى الشيخ مسلم الداوري عناوين أربعين كتاباً من كتب قدماء الرجاليين الشيعة([29]).
إن هذا الاستعراض الإجمالي([30]) يكشف عن أن قدماء علماء الإماميّة كانوا يمتلكون مجموعة من الضوابط لتقييم رواة الحديث، توثيقاً وتضعيفاً، وهو ما يؤكِّد امتلاكهم لآليّات التعامل مع الروايات. وهذا يصبّ أيضاً ضمن البحث الأصولي.
المؤشِّر الرابع: كشفت بعض النصوص الروائية عن أن الأئمّة^ تحدَّثوا عن موضوع الاجتهاد واستنباط الحكم الشرعي في بعض صوره. وهذه النصوص من أقوى المؤشِّرات على بدء ووجود العملية الاجتهادية منذ عصر حضور المعصوم.
وهنا نذكر نماذج منها:
1ـ فمنها: ما يؤصِّل لشرعيّة الاجتهاد، مثل: (إِنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نُلْقِيَ إِلَيْكُمُ الأُصُولَ وَعَلَيْكُمْ أَنْ تُفَرِّعُوا)([31])؛ (أَنْتُمْ أَفْقَهُ الناسِ إِذَا عَرَفْتُمْ مَعَانِيَ كَلامِنَا. إِنَّ الْكَلِمَةَ لَتَنْصَرِفُ عَلَى وُجُوهٍ، فَلَوْ شَاءَ إِنْسَانٌ لَصَرَفَ كَلامَهُ كَيْفَ شَاءَ، وَ لا يَكْذِب)([32])؛ (مَنْ أَفْتَى الناسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً لَعَنَتْهُ مَلائِكَةُ الرحْمَةِ وَمَلائِكَةُ الْعَذَابِ وَلَحِقَهُ وِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِفُتْيَا)([33])؛ وغيرها.
2ـ وروايات أخرى تتحدَّث عن قيام الإمام بتعليم الراوي كيفيّة الاجتهاد واستنباط الحكم الشرعي، مثل: ما عن زرارة قال: قلتُ لأبي جعفر×: ألا تخبرني من أين علمت وقلت: إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك، فقال: يا زرارة، قاله رسول الله|، ونزل به الكتاب من الله (عزَّ وجلَّ)؛ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ قال: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾، فعرفنا أن الوجه كلَّه ينبغي أن يُغْسَل، ثم قال: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾، فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه؛ فعرفنا أنه ينبغي لهما أن يُغْسَلا إلى المرفقين، ثم فصل بين الكلام فقال: ﴿وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ﴾، فعرفنا حين قال: (برؤوسكم) أن المسح ببعض الرأس؛ لمكان الباء، ثم وصل الرجلين بالرأس، كما وصل اليدين بالوجه، فقال: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾، فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما، ثم فسَّر ذلك رسول الله| للناس فضيَّعوه)([34])؛ وما عن عبد الأعلى مولى آل سام، قال: قلتُ لأبي عبد الله×: عثرتُ فانقطع ظفري، فجعلت على إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يُعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزَّ وجلَّ؛ قال الله (تعالى): ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾، امسَحْ عليه)([35]).
3ـ وطائفة أخرى من الروايات يُرجع فيها أئمة أهل البيت^ الشيعة إلى الفقهاء بعنوانهم العامّ، مثل: (…ينظران مَنْ كان منكم ممَّنْ قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا؛ فليرضَوْا به حَكَماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً…)([36])، (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله…)([37]).
4ـ ومنها: الروايات التي يُرجعون فيها إلى فقهاء بأعينهم، مثل: ما عن شعيب العقرقوفي قال: قلتُ لأبي عبد الله×: ربما احتجنا أن نسأل عن الشيء، فمَنْ نسأل؟ قال: عليك بالأسدي (يعني أبا بصير)([38])؛ وما عن عليّ بن المسيب الهمداني قال: قلتُ للرضا×: شُقَّتي بعيدة، ولستُ أصل إليك في كلّ وقتٍ، فممَّنْ آخذ معالم ديني؟ قال: من زكريا ابن آدم القمّي، المأمون على الدين والدنيا…)([39])؛ وغيرها([40]).
إن هذا اللون من المرويّات يدفع نحو الاعتقاد بأن موضوع الاجتهاد بعنوانه العامّ كان حاضراً في المجتمع الشيعي الإمامي، وأن الأئمة كان لهم سهمٌ كبير في تنشئة المجتهدين في ذلك المجتمع.
والنتيجة التي يمكن الخلوص إليها من خلال المؤشِّرات الأربعة السابقة هي أن ظاهر الاجتهاد الشرعي ـ ولو بصورتها البسيطة ـ كانت حاضرةً في المجتمع الشيعي من خلال ممارسات الفقهاء الرواة في عصر حضور المعصوم، وأن هذا الاجتهاد كان وليد حاجةٍ طبيعية في المجتمع الشيعي.
وإذا ثبت وجود الاجتهاد في تلك العصور فهذا يلزم منه وجود بعض القواعد التي يحتاجها المجتهد للاستنباط، وهذه القواعد والمسائل هي البدايات الأولى لتكوُّن علم أصول الفقه.
2ـ مَنْ هو مؤسِّس علم أصول الفقه الإسلامي؟
بعد أن تبيَّن أن العلمية الاجتهادية كانت تُمارَس على المستوى الشيعي منذ زمن حضور المعصوم، وبمرأى ومسمع بل بتحفيز منه، كلّ هذا أعطى تصوّراً عن وجود أدوات اجتهادية تناسب تلك المرحلة من تاريخ الاجتهاد الشرعي، ليأتي هذا السؤال: مَنْ هو المبتكر لهذه الأداوت التي استعان بها المجتهدون الأوائل في اجتهاداتهم واستنباطاتهم؟ وبصياغةٍ أخرى: مَنْ هو مؤسِّس علم أصول الفقه؟
وقع جدلٌ وخلاف كبيران في الإجابة عن هذا السؤال بين المؤرِّخين لأصول الفقه الإسلامي، الأعمّ من السنّي والشيعي، ولم يكن الخلاف فقط شيعياً ـ سنّياً، إنما امتدّ إلى الداخل السنّي؛ فهل الشيعة هم المؤسِّسون لأصول الفقه؛ أم أن السنّة هم المؤسِّسون له؟
يمكننا للإجابة عن هذا السؤال استعراض المشهد من خلال الآراء التالية:
الرأي الأوّل: ورائده السيد حسن الصدر الكاظمي(1354هـ)، الذي ذهب إلى أن الإمام محمد بن عليّ الباقر’(114هـ) هو مؤسِّس علم أصول الفقه، ومن بعده ابنه الإمام جعفر الصادق×(148هـ). يقول في كتابه (الشيعة وفنون الإسلام): (فاعلم أن أوَّل مَنْ فتح بابه [يعني علم أصول الفقه] وفتق مسائله هو باقر العلوم الإمام أبو جعفر محمد بن عليّ الباقر’، وبعده ابنه أبو عبد الله الصادق×. وقد أمليا على جماعةٍ من تلامذتهما قواعده ومسائله، جمعوا من ذلك مسائل رتَّبها المتأخِّرون على ترتيب مباحثه، ككتاب (أصول آل الرسول)، وكتاب (الفصول المهمّة في أصول الأئمة)، وكتاب (الأصول الأصليّة)…)([41]). ويظهر من هذا النصّ أن الصدر يعتبر تلك الإملاءات من الإمام الباقر× هي الإملاءات المؤسِّسة لأصول الفقه، وأن المسلمين لم يكونوا على علمٍ بتلك القواعد الاستنباطية قبله، وبهذا يكون الرائدَ الأوّل في تأسيس أصول الفقه الإسلامي.
الرأي الثاني: وهو المشهور شهرةً كبيرة بين علماء أهل السنّة وبعض علماء الشيعة. ويرى أصحاب هذا الرأي أنَّ الإمام الشافعي(204هـ) هو المؤسِّس لأصول الفقه الإسلامي، فينقل بدر الدين الزركشي(794هـ) عن الإمام أحمد بن حنبل(241هـ) قوله: (لم نكن نعرف الخصوص والعموم حتّى ورد الشافعي)([42]).
ويقول الإمام فخر الدين الرازي(604هـ) في كتابه (مناقب الإمام الشافعي): (اعلم أن نسبة الشافعي إلى علم أصول الفقه كنسبة أرسطوطاليس الحكيم إلى علم المنطق، وكنسبة الخليل بن أحمد إلى علم العَروض… فكذلك هاهنا، الناس كانوا قبل الإمام الشافعي يتكلَّمون في مسائل الفقه ويعترضون ويستدلّون، ولكنْ ما كان لهم قانونٌ كلّي يُرجَع إليه في معرفة الدلائل الشرعية، وفي كيفيّة معارضتها وترجيحها؛ فاستنبط الشافعي علم أصول الفقه، ووضع للخلق قانوناً كلّياً يُرجع إليه في معرفة مراتب أدلّة الشرع)([43]).
ويقول ابن خلكان(681هـ) في كتابه (وفيّات الأعيان) في هذا الموضوع: (والشافعي أوَّل مَنْ تكلَّم في أصول الفقه، وهو الذي استنبطه)([44]).
وممَّنْ ذهب إلى هذا الرأي من علماء أهل السنّة المعاصرين الشيخ محمد أبو زهرة(1397هـ)، يقول: (وقد اختصَّ الشافعي من بين المجتهدين الذين سبقوه وعاصروه بأنّه هو الذي حدَّ أصول الاستنباط وضبطها بقواعد عامّة كلّية… وكان الشافعي بهذا السبق واضعَ علم أصول الفقه؛ لأن الفقهاء كانوا قَبْله يجتهدون، من غير أن يكون بين أيديهم حدود مرسومة للاستنباط)([45]).
وأيضاً يقول عبد الغني الدقر، في كتاب (الإمام الشافعي: فقيه السنّة الأكبر)، بعد أن استعرض أقوال بعض العلماء من أهل السنّة: (وهذا يؤكِّد بما لا مجال للشكّ فيه أن الشافعي واضع علم أصول الفقه عامّة، لا أن ذلك بالنسبة إلى مذهبه خاصّة، وأنَّه أوّل مَنْ أنشأ هذا العلم وابتدعه، وما من أحدٍ ألَّف في هذا العلم بعده إلاّ وهو عالةٌ عليه)([46]).
وممَّنْ يرى هذا الرأي من علماء الإمامية السيد حسين البروجردي(1380هـ)، يقرِّر السيد الإمام الخميني رأيه بقوله: (وأما موضوع علم الأصول فقد قال مؤسِّسه الأوّل في رسالةٍ تُسمّى (الرسالة الشافعية)…)([47]).
وما يمكن أن يكون مستَنَداً لاعتبار الشافعي مؤسِّساً لأصول الفقه هو سبقه في التأليف فيه، على ما هو المشهور بينهم، كما في تعبير الشيخ أبو زهرة (بأنه هو الذي حدَّ أصول الاستنباط وضبطها…إلخ)، بل نجد الكثير من كلماتهم حول أسبقيته في التأليف تأتي في سياق اعتباره المؤسِّس للعلم، وكأنَّه صنَّف في ما لم يكن معروفاً بين علماء المسلمين قبله، ومن تصنيفه كانت بداية أصول الفقه عند المسلمين. وكأنموذج على هذا التحليل: قال الفخر الرازي، قبل كلامه الذي نقلناه سابقاً، والذي نصَّ فيه على تأسيس الشافعي لعلم الأصول: (اتَّفق الناس على أن أوّل مَنْ صنَّف في هذا العلم هو الشافعي، وهو الذي رتَّب أبوابه، وميَّز أقسامه عن بعض، وشرح مراتبه في الضعف والقوّة…)([48]). ويقول بدر الدين الزركشي في (البحر المحيط في أصول الفقه): (الشافعي (رضي الله عنه) أوّل مَنْ صنَّف في أصول الفقه، صنَّف فيه كتاب (الرسالة)، وكتاب (أحكام القرآن)، و(اختلاف الحديث)، و(إبطال الاستحسان)، وكتاب (جماع العلم)، وكتاب (القياس))([49]). وكقول ابن خلدون(808هـ) في (المقدّمة): (وكان أوّل مَنْ كتب فيه [يعني أصول الفقه] الشافعي (رضي الله عليه)، أملى فيه رسالته المشهورة، [فـ]تكلّم فيها في الأوامر والنواهي والبيان والنسخ وحكم العلّة المنصوصة)([50]).
وفي هذا السياق ذكر الباحث التونسي حمّادي ذويب؛ تأييداً لعدم سبق الشيعة الشافعيَّ في تأسيس أصول الفقه، أن الشيخ الطوسي يُقِرّ في كتابه (العدّة في أصول الفقه) بأن الشيعة ليسوا هم مَنْ أسّس علم أصول الفقه، وينقل الإقرار من (العدّة): (…ولم يُصنِّف أحدٌ من أصحابنا في هذا المعنى، إلاّ ما ذكره شيخنا أبو عبد الله& في المختصر الذي له في أصول الفقه…). فاعتبر ذويب أن هذا إقرارٌ من الطوسي بأن الشيعة لم يبتكروا أصول الفقه، وذكر أن هذا رأي تيّارٍ يتصدَّره الشيخ الطوسي، في مقابل تيّار السيد حسن الصدر([51]).
وقفاتٌ وملاحظات
يمكننا هنا تسجيل مجموعة من الوقفات والملاحظات على هذين الرأيين في تحديد المؤسِّس الأوّل لأصول الفقه:
1ـ بملاحظة العلوم التي بين أيدينا ستتّضح لنا فكرة تكوُّن العلوم، فهي لا تنشأ بشكلٍ دفعي، ولا بقرار شخصٍ ما أو جماعة معيَّنة؛ وإنما هي ـ أعني العلوم ـ نتاج تراكمات مجموعة من الآراء والرؤى العلمية المتعدِّدة، وتعاضد جهود أجيال فكريّة متعاقبة ومتنوِّعة. فرُبَّ مسألةٍ في علمٍ ما أو إثارة من مفكِّرٍ ما تتحوَّل بفضل الجهود العلمية، من مناقشات وأخذ وردّ من قبل الآخرين، إلى بذرةٍ، لتكون فيما بعد علماً ممتازاً بمنهجه وأسلوبه ومصطلحاته ومسائله و… فلا يمكن القول بشكل حاسم بأن هذا الشخص أو تلك الجماعة هي المؤسِّسة لعلمٍ من العلوم. نعم، ربما يكون لهم السهم الأبرز في تكوينه، عبر تهيئة البيئة المناسبة لتكوُّنه مثلاً، أو نحت مصطلحاته الخاصّة، أو إبراز مسائله المهمّة و…. فالتعبير بأن فلاناً مؤسِّس علمٍ ما تعبير غير دقيق.
2ـ إن ما ذهب إليه السيد الصدر من أن الإمام الباقر× هو المؤسِّس لأصول الفقه بإملاءاته على تلامذته يتعارض وما قادَتْنا إليه الكثير من الشواهد فيما سبق، من أن الاجتهاد الديني بدأ مبكِّراً في الوسط الإسلامي. وأكَّدت هذه الشواهد على أن طبيعة الاجتهاد منذ ذلك العصر تحتاج إلى أدواتٍ استنباطية. هذه الأدوات هي التي عُبِّر عنها فيما بعد بـ (القواعد الأصولية)، ولكنها كانت بصورتها المبسَّطة والبدائية التي يحتاجها المجتهد آنذاك.
نعم، كانت إسهامات الإمامين الباقر والصادق’ مؤثِّرةً في حركة وشرعيّة الكثير من القواعد الأصولية، خصوصاً عند الإمامية.
3ـ إن المعيار الذي اعتمده أصحاب الرأي الثاني، من اعتبار الإمام الشافعي مؤسِّساً لأصول الفقه، هو معيار الأسبقيّة في التدوين. وهذا ما ذهب إليه الكثير من الباحثين السنّة، كما ظهر من استعراضنا السابق لآرائهم، وذهب إليه بعض علماء الشيعة، كما سيأتي. هذا المعيار لا يمكن قبوله لأمور:
أـ هناك فرقٌ بين زمان تأسيس العلم وزمان بدء التدوين فيه؛ فمرحلة التأسيس تكون سابقةً على مرحلة التدوين، مع الإقرار بأن للتدوين أثره في استحكام العلم وثبوته. ومن الواضح أن مرحلة تداول الموضوعات والقواعد الأصولية وممارستها كانت قبل بدء تدوين الإمام الشافعي لرسالته المشهورة، كما أضأنا على هذا فيما سبق، بل ما رُوي في شأن تأليف الشافعي للرسالة يمكن أن يكون شاهداً مؤيِّداً لهذه الفكرة، فالمعروف أنه ألَّفها نزولاً عند طلب عبد الرحمان بن المهدي: (فقد التمس من الشافعي وهو شابّ أن يضع له كتاباً يذكر فيه شرائط الاستدلال بالقرآن والسنّة والإجماع والقياس، وبيان الناسح والمنسوخ، ومراتب العموم والخصوص، فوضع الشافعي له كتاب (الرسالة))([52]). والواضح من هذا المنقول أن عبد الرحمان بن المهدي كان على علمٍ بهذه الموضوعات الأصولية؛ وهذا يعني أنها كانت على الأقلّ متداولة في الأوساط العلمية. فالذي يبدو أنه طلب من الشافعي أن يدوِّن له كتاباً في هذه الموضوعات.
وهذه الملاحظة تَرِدُ على ما ذهب إليه السيد عليّ السيستاني، حيث حاول إثبات عدم سبق الشافعي في التصنيف الأصولي ليكون هو المؤسِّس للعلم، وذكر مجموعة من الشواهد المثبتة أن للشيعة مصنَّفات في أصول الفقه في نفس فترة الشافعي، ثم عقَّب قائلاً: (…فلم يثبت أن الواضع الأوّل لعلم الأصول هو مدرسة أهل السنّة، بل الشيعة كتبت في علم الأصول في نفس الفترة الزمنية لولاته عند أهل السنّة…)([53]).
ب ـ لو تجازونا الفَرْق بين زمان التأسيس وزمان بدء التدوين، فهل رسالة الشافعي هي المدوَّن الأصولي الأوّل عند المسلمين، حتّى نقول بأنه المؤسِّس لأصول الفقه؟! سنترك البتَّ في هذه الجزئية إلى ما يأتي لاحقاً، فترقَّبْ.
ج ـ إذا كان المعيار في تأسيس العلم هو الأسبقيّة في التصنيف فلنطبِّقْه على مَنْ قيل: إنهم سبقوا الشافعي في التدوين الأصولي على ما سيأتي لاحقاً، ومنهم: أبو يوسف، الفقيه الحنفي المعروف، والتلميذ الأبرز لأبي حنيفة. فقد نقل ابن خلّكان عن طلحة بن محمد بن جعفر قوله: (…وأوّل مَنْ وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة، وأملى المسائل ونشرها…)([54])، وكانت وفاته سنة (172هـ) أو (182هـ)([55])، أي قبل وفاة الشافعي، وبهذا المعيار سيكون هو المؤسِّس لأصول الفقه عند المسلمين.
ولو لم يُقْبَل كون أبي يوسف هو المؤسِّس على هذا المعيار؛ لأن تأليفه كان على وفق مذهب الحنفيّة خاصّة، فإن ابن النديم(438هـ) ذكر للشيباني الفقيه الحنفي أيضاً كتاباً بعنوان (أصول الفقه)، وآخر بعنوان (كتاب اجتهاد الرأي)، وثالثاً بعنوان (كتاب الاستحسان)([56])، والعناوين كلّها في أصول الفقه، مع ملاحظة أن وفاته على ما قيل سنة (189هـ)([57])، أي سابقة على وفاة الشافعي، وبهذا المعيار سيكون الشيباني هو المؤسِّس لأصول الفقه؛ لأسبقيَّته في التأليف.
4ـ وما ذكره الباحث حمّادي ذويب، من أن الطوسي يُقِرّ بأنَّ الشيعة ليسوا مبتكري علم الأصول، يمكن التعليق عليه بالتالي:
أـ لو رجعنا بداية للمقطع الذي استشهد به الباحث من بدايته، وهو من مقدّمة (العدّة)، يقول الشيخ الطوسي فيه: (وقد سألتم ـ أيَّدكم الله ـ إملاء مختصر في أصول الفقه، يحيط بجميع أبوابه على وجه الاختصار والإيجاز، على ما تقتضيه مذاهبنا وتوجبه أصولنا؛ فإن مَنْ صنَّف في هذا الباب سلك كلّ قوم منهم المسالك التي اقتضاها (المسلك الذي اقتضاه) أصولهم، ولم يُصنِّف أحدٌ من أصحابنا في هذا المعنى، إلاّ ما ذكره شيخنا أبو عبد الله& في المختصر الذي له في أصول الفقه، ولم يسقتصه، وشذَّ منه أشياء يُحتاج إلى استدراكها، وتحريرات غير ما حرَّرها.
فإن سيدنا الأجل المرتضى(قُدِّس سرُّه)(أدام الله علوّه)، وإنْ كثرت أماليه وما يُقرأ عليه شرح ذلك، لم يُصنِّف في هذا المعنى شيئاً يُرْجَع إليه، ويُجْعَل ظهراً يُستند إليه)([58]).
نلاحظ أن الطوسي كان في صدد الحديث حول عدم وجود كتابٍ جامع لكلّ أبواب أصول الفقه على وفق مذهب الإمامية قبل شيخه أبي عبد الله المفيد(413هـ)، وليس حديثه في عدم وجود أيّ مصنَّف للشيعة قبل المفيد، ليكون كلامه إقراراً بعدم التصنيف في أصول الفقه، وبالتالي عدم ابتكارهم للعلم.
ب ـ مع تجاوز الملاحظة السابقة، نرى أن الباحث خلط بين مرحلتين من مراحل أصول الفقه، ككثير ٍمن المؤرِّخين، فلو لم يكن للشيعة أيّ مصنَّف كامل في أصول الفقه فهذا لا يعني أنهم ليسوا هم المؤسِّسين لأصول الفقه.
وقد أوضحنا سابقاً أن مرحلة التأسيس بدأت ببذر الأفكار الأصولية الأولى، من خلال الممارسة العلمية للأفكار والقواعد في العملية الاجتهادية.
أمَّا مرحلة التدوين والتصنيف فهي المرحلة الثانية، والتي يكون فيها السعي لتحديد وضبط وتهذيب تلك القواعد، التي كان يعمل على وفقها الرعيل الأوّل من المجتهدين.
نتيجة الوقفات والملاحظات: عدم قبول فكرة حصر تأسيس أصول الفقه الإسلامي في شخصيةٍ واحدة؛ لعدم صحّة فكرة التأسيس الدفعي للعلم، ولاختلال المعيار الذي تمّ تطبيقه في تحديد المؤسِّس الأوّل للعلم، وإمكان تطبيقه على أكثر من شخصيّة تاريخية.
فتأسيس أصول الفقه جاء نتيجة تراكم الجهود العلمية لعلماء المسلمين الأوائل.
3ـ المدوّنات الأصولية الإماميّة الأولى، محاولةٌ لتتبُّع الآثار
كلّ ما مضى من مؤشِّرات أثبتت أن الشيعة مارسوا الاجتهاد منذ عصر الحضور، وهذا يعني امتلاكهم مجموعة من القواعد الاجتهادية التي كانت مركوزةً في أذهان فقهاء ذلك العصر، ليمارسوا الاجتهاد من خلالها.
وكذلك كانت لهم فعاليّاتهم الفكرية، التي لعبت دوراً أساسياً في تأسيس أصول الفقه على مستوى الممارسة، ولكنّ هذا لا يعني ـ حتّى الآن ـ أن الشيعة قد دوَّنوا في أصول الفقه منذ ذلك الحين، ففرقٌ بين الممارسة الأصولية والتدوين الأصولي.
سَعْيُنا فيما يأتي سيكون في المحاولة لرصد المدوَّنات الأصولية في مرحلة التأسيس، وهي إلى قريب نهايات القرن الرابع الهجري، العصر الذي يمكن أن نُطلق عليه (عصر المدوَّنات الأصولية الأولى).
طرائق التدوين والتصنيف عند الشيعة الأوائل
من المهمّ قبل ذكر المصنَّفات الأصولية الأولى أن نبحث عن سبب تأخُّر التصنيف في أصول الفقه، بالمقارنة مع غيره من العلوم الإسلامية الأخرى.
فلماذا سبق التصنيف في علم الكلام مثلاً التصنيف في أصول الفقه؟
إن الراصد للمشهد الفكري الشيعي منذ بدايات الأولى يلحظ وجود تيّارين في الوسط: أحدهما: تيّار ذو نزعة عقلية في معالجاته للقضايا الدينية؛ وآخر: ينزع نحو النقل والمأثور من الحديث والرواية.
وتحدَّدَتْ كثير من معالم التيارين نتيجة العلوم التي يصبّ فيها اهتمام كلّ واحدٍ منهما:
1ـ فالتيار العقلي كانت اهتماماته منصبّة داخل إطار العلوم العقلية، كعلم الكلام، وما يرتبط به من منطق وجدل ومناظرات وغيرها، واعتماده على العقل منهجاً في معالجة قضاياه جعله أكثر تحرُّراً من التزامات النصّ وقيوده، وإنْ كانت حركته تحت ظلّ النصّ غالباً.
هذا المنهج العقلي وما يلازمه من تحرُّر جعل التيار العقلي سبّاقاً في تدوين العلوم في الوسط الشيعي، وخصوصاً إذا لاحظنا مقتضيات البحث العقلي وما يرتبط به من حاجات للجدل ومحاولة إقناع الخصم وإلزامه. فبملاحظة كتب المصنَّفات والفهارس نجد أن التأليفات المرتبطة بالعلوم العقلية بعنوانها العامّ أقدم زمناً من التأليفات في العلوم النقلية.
2ـ أما التيار النقلي فكانت حركته داخل إطار النصوص أفقاً ومنهجاً في ضمن العلوم النقلية، كالفقه وأصوله والتفسير والخلافيات وغيرها، فجاءت معالجات هذا التيار للقضايا الدينية ضمن ما يتضمَّنه النصّ من طرائق وعلاجات. وكان لهذا تأثيره على طبيعة مصنَّفات هذا النوع من العلوم في المنهج والأسلوب. فالمعتمد هي طريقة تدوين ما يمليه الإمام على طلاّبه وأصحابه، كما في الأصول الأربعمائة المعروفة، فقد خلَتْ كتبهم الأولى من أيّ إضافاتٍ تُذْكَر في المدوَّن، فلك أن تلاحظ المصنَّفات الفقهية ـ مثلاً ـ قبل الشيخ الطوسي(460هـ)؛ لترى كيف اقتصر الفقهاء على نصوص الروايات من غير أيّ إضافةٍ، وكأنّ الفقيه يقوم بإعادة إنتاج النَصّ الروائي ضمن الموضوعات التي يتناولها في كتابه، كما فعل الشيخ الصدوق(381هـ) في كتابَيْه: (المقنع)؛ و(الهداية). وكأنموذج على هذا يقول في (الهداية): (…وكلّ مَنْ شكّ في الوضوء وهو قاعدٌ على حال الوضوء فليُعِدْ، ومَنْ شكّ في الوضوء وقد قام عن مكانه فلا يلتفت إلى الشكّ، إلاّ أن يستيقن…)([59]).
يقول الشهيد الأوّل(786هـ)، في كتابه (ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة)، حول هذا المنهج في التدوين عند القدماء: (وكان الأصحاب يتمسَّكون بما يجدونه في شرائع أبي الحسن ابن بابويه& عند إعواز النصوص؛ لحسن ظنِّهم به، وأن فتواه كروايته. وبالجملة تُنزَّل فتاواهم منزلة روايتهم)([60]). ويتحدّث أيضاً السيد حسين البروجردي(1380هـ) حول هذه الظاهرة، قائلاً: (إن القدماء من أصحابنا كانوا لا يذكرون في كتبهم الفقهية إلاّ أصول المسائل المأثورة عن الأئمّة^، والمتلقّاة منهم يداً بيدٍ، من دون أن يتصرّفوا فيها أو يذكروا التفريعات المستحدثة، بل كم تجد مسألة واحدة تُذْكَر في كتبهم بلفظٍ واحد مأخوذ من متون الروايات والأخبار المأثورة، بحيث يتخيَّل الناظر في تلك الكتب أنهم ليسوا أهل اجتهاد واستنباط، بل كان الأواخر منهم يقلِّدون الأوائل، ولم يكن ذلك منهم إلاّ لشدّة العناية بذكر خصوص ما صدر عنهم^، ووصل إليهم بنقل الشيوخ والأساتذة…)([61]).
وكانت بداية التحوُّل عند الشيخ الطوسي(460هـ)، وبالتحديد بعد هجرته من بغداد سنة 448هـ إلى النجف، وتأليفه كتاب (المبسوط في فقه الإمامية)، الكتاب الذي نَقَدَ في مقدّمته المنهج القديم في التصنيف، مع أن الطوسي نفسه كان قد ألَّف كتابه (النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى) بنفس المنهج القديم. يقول في (المبسوط): (…وكنتُ على قديم الوقت وحديثه منشوق النفس إلى عمل كتابٍ يشتمل على ذلك [يعني جمع فروع المسائل وتخريجها على مذهب الإمامية]، تتوق نفسي إليه، فيقطعني عن ذلك القواطع، ويشغلني (تشغلني) الشواغل، وتُضعف نيّتي أيضاً فيه قلّة رغبة هذه الطايفة فيه، وترك عنايتهم به؛ لأنهم ألقوا (ألفوا) الأخبار وما روَوْه من صريح الألفاظ، حتى أن مسألةً لو غُيِّر لفظاها، وعُبِّر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم، لعجبوا (تعجَّبوا) منها، وقصر فهمهم عنها…)([62]).
وبهذا يظهر لنا سببٌ لتأخُّر التدوين في العلوم النقلية، والتي منها أصول الفقه، وهو النزعة النصّية التي اصطبغت بها علوم النقل، والتزام المشتغلين بهذه العلوم بإطار النصّ أفقاً ومنهجاً.
ـ يتبع ـ
الهوامش
(*) أستاذٌ في الحوزة العلميّة، من المملكة العربيّة السعوديّة. وهذا البحث في عُمدته عبارةٌ عن مجموعة من سلسلة محاضرات ألقاها سماحة الشيخ حيدر حبّ الله في الحوزة العلميّة في قم عام 2004م.
([1]) لاحظ: الشيخ عبد الهادي الفضلي، أصول علم الرجال: 35، مركز الغدير للدراسات والنشر والتوزيع، ط2، 1430هـ.
([2]) السيد محمد باقر الصدر، المعالم الجديدة للأصول: 34، مركز الأبحاث التخصصية للشهيد الصدر، ط1، 1429هـ.
([3]) لاحظ: السيد محمد باقر الصدر، الاتجاهات المستقبلية لحركة الاجتهاد، ضمن كتاب (ومضات): 471، إعداد وتحقيق: لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر، ط1، 1430هـ.
([4]) السيد محمد باقر الصدر، المعالم الجديدة للأصول: 37، إعداد وتحقيق: لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر، ط2، 1425هـ.
([5]) ينبغي التنبُّه إلى أن الاجتهاد الذي هو مدار البحث هنا هو الاجتهاد بمعنى (عملية استنباط الأحكام الشرعية)، لا الاجتهاد بوصفه مصدراً من مصادر التشريع، والذي قد يُطلق عليه (اجتهاد الرأي)، والمنهيّ عنه في كثير من الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت^.
للمزيد حول هذا الموضوع، والتطوُّر الدلالي لمصطلح (الاجتهاد)، لاحظ: السيد محمد باقر الصدر، المعالم الجديدة للأصول: 37 وما بعدها.
([6]) نقش شيخ طوسي در دگرگوني وگسترش علم نظري حقوق در شيعة، هزاره شيخ طوسي 2: 27 ـ 28، تهيئة وتنظيم وترجمة: علي دواني، دار التبليغ الإسلامي.
([7]) تقريرات أصول، مطبعة الحاج محمد علي العلمي، طهران، ط2، 1361هـ.
([8]) مقدّمة كتاب (التنقيح في شرح العروة الوثقى) 1: 17، دار الهادي للمطبوعات، قم، ط2، 1410هـ.
([9]) الشيخ علي البلادي البحراني، أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين: 175، تصحيح: محمد علي الطبسي، مطبعة النجف، 1377هـ.
([10]) أنيس المجتهدين في علم الأصول 2: 950، بوستان كتاب، ط1، 1430هـ.
([11]) تاريخ الفقه الجعفري: 126، دار الكتاب الإسلامي، ط1، 1411هـ.
([12]) إلهامي أز شيخ طوسي، هزاره شيخ طوسي 2: 41، تهيئة وتنظيم وترجمة: علي دواني، دار التبليغ الإسلامي.
([13]) المعالم الجديدة للأصول: 37، إعداد وتحقيق: لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر، ط2، 1425هـ.
([14]) الاجتهاد والتقليد: 66، مؤسسة تنظيم نشر آثار الإمام الخميني، ط1، 1426هـ.
([15]) التنقيح في شرح العروة الوثقى 1: 66، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي ط2، 1426هـ.
([16]) أدوار أصول فقه: 26 وما بعدها، الميزان، ط1، 1427هـ.
([17]) الاجتهاد والتقليد 1: 15، بقلم: ميرزا هاشم الآملي، نويد إسلام، ط1، 1430هـ.
([18]) توضيح الرشاد في تاريخ حصر الاجتهاد: 76، ط1، 1401هـ.
([19]) التقليد والاجتهاد: دراسة لظاهرتي التقليد والاجتهاد الشرعيين: 197، مراجعة وتصحيح: لجنة مؤلَّفات العلامة الفضلي، مركز الغدير، ط2، 1427هـ.
([20]) علم الأصول: تأريخاً وتطوّراً: 31 وما بعدها، منشورات مكتب الإعلام الإسلامي في الحوزة العلمية في قم، ط2، 1418هـ.
([21]) رسائل السيد المرتضى، رسالة (مسألة إبطال العمل بأخبار الواحد) 2: 311، مؤسسة التاريخ العربي، ط1، 1433هـ.
([22]) الشيخ محمد بن الحسن الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 27: 118، تحقيق: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، ط2، 1414هـ.
([24]) الإمامة والتبصرة من الحيرة: 9، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي×، ط1، 1404هـ.
([25]) تهذيب الأحكام 1: 2، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتاب الإسلامي، ط3، 1364هـ.ش.
([26]) مصباح الأصول (ضمن موسوعة الإمام الخوئي) 17: 229، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، 1422هـ.
([27]) الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، العدّة في أصول الفقه 1: 141، تحقيق: محمد رضا الأنصاري، ط1، 1417هـ.
([28]) السيد أبو القاسم الخوئي، معجم رجال الحديث 1: 41، ط5، 1413هـ.
([29]) الشيخ مسلم الداوري، أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق: 26، بقلم: الشيخ محمد علي المعلِّم، ط1، 1416هـ.
([30]) لتفصيلٍ أكثر لاحظ: الشيخ حيدر حب الله، دروس تمهيدية في تاريخ علم الرجال عند الإمامية (بقلم: أحمد عبد الجبار السميّن)، دار الفقه الإسلامي المعاصر، ط1، 1433هـ.
([31]) محمد بن أحمد بن إدريس الحلّي، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ط2، 1410هـ؛ الشيخ محمد بن الحسن الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 27: 61، تحقيق: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، ط2، 1414هـ.
([32]) الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، تحقيق وتصحيح: علي أكبر غفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ط1، 1403هـ؛ وسائل الشيعة 27: 117.
([33]) الشيخ الكليني، الكافي 1: 42، تحقيق: علي أكبر غفاري ومحمد آخوندي، دار الكتب الإسلامية، ط4، 1407هـ؛ الوسائل 27: 20.
([40]) للاستزادة حول هذا لاحظ: الإمام الخميني، الاجتهاد والتقليد: 70 ـ 80؛ الشيخ عبد الهادي الفضلي، التقليد والاجتهاد: دراسة فقهية لظاهرتي التقليد والاجتهاد الشرعيين: 43 ـ 47، و197 ـ 203؛ السيد عبد الله شُبَّر، الأصول الأصيلة؛ الحُرّ العاملي، الفصول المهمة في أصول الأئمة؛ الفيض الكاشاني، الأصول الأصيلة؛ محمد رضا ضميري، دانشنامه أصوليان شيعه 1: 50 ـ 66.
([41]) السيد حسن الصدر، الشيعة وفنون الإسلام: 327.
([42]) بدر الدين الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه: 18.
([43]) فخر الدين الرازي، مناقب الإمام الشافعي: 157، تحقيق: الدكتور أحمد حجازي السَّقّا، مكتبة الكلّيات الأزهرية، ط1، 1406هـ.
([44]) أحمد بن محمد بن خلّكان، وفيات الأعيان 4: 165، تحقيق: إحسان عبّاس، دار صادر، بيروت، 1972م.
([45]) الشيخ محمد أبو زهرة، الشافعي: حياته وعصره، أراؤه وفقهه: 196 ـ 197، دار الفكر العربي، ط2، 1978م.
([46]) عبد الغني الدقر، الإمام الشافعي: فقيه السُّنة الأكبر: 116، دار القلم، ط6، 1417هـ.
([47]) السيد حسين البروجردي، لمحات الأصول (بقلم: السيد روح الله الخميني): 17، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني، ط1، 1421هـ.
([48]) فخر الدين الرازي، مناقب الإمام الشافعي: 151.
([49]) بدر الدين الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه: 18.
([50]) ابن خلدون، المقدّمة 2: 201، حقَّق نصوصه وخرَّج أحاديثه وعلَّق عليه: عبد الله محمد الدرويش، ط1، 1425هـ.
([51]) حمّادي ذويب، الإمام الشافعي مؤسِّساً لعلم أصول الفقه ومجدِّداً له، مقالة منشورة في (مارس 2014م) في الموقع الإلكتروني لـ (مؤمنون بلا حدود).
([52]) فخر الدين الرازي، مناقب الشافعي: 153.
([53]) السيد علي الحسيني السيستاني، الرافد في علم الأصول (بقلم: السيد منير السيد عدنان القطيفي): 10 ـ 11، مطبعة مهر، 1414هـ.
([54]) ابن خلّكان، وفيات الأعيان 6: 382، تحقيق: الدكتور إحسان عباس، دار صادر.
([56]) ابن النديم، الفهرست: 257 ـ 258، تحقيق: رضا تجدّد الحائري الأصفهاني.
([57]) ابن خلّكان، وفيات الأعيان 4: 185.
([58]) الشيخ محمد بن حسن الطوسي، العدّة في أصول الفقه: 85 ـ 86.
([59]) الشيخ محمد بن عليّ الصدوق، الهداية: 84، مؤسسة الإمام الهادي×، ط1، 1418هـ.
([60]) الشهيد الأوّل، ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة 1: 17، تحقيق: مجموعة من المحقِّقين، مركز العلوم والثقافة الإسلامية، ط1، 1430هـ.
([61]) السيد حسين البروجردي، البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر (بقلم: الشيخ حسين المنتظري): 19، مكتبة المنتظري، ط3، 1416هـ.
([62]) الشيخ الطوسي، المبسوط في فقه الإمامية 1: 2، تحقيق وتعليق: السيد محمد تقي الكشفي، المطبعة الحيدرية، 1387هــ.