مقدمة
الأمة الإسلامية بجميع مذاهبها وطوائفها أمة واحدة، فكر واحد ومنهج واحد وسلوك واحد, ومصالح واحدة, ومصير واحد, وتواجه عدواً واحداً، وحّد صفوفه وإمكاناته الفكرية والمادية والإعلامية والعسكرية لمواجهة الأمة الإسلامية بفكرها وقادتها وكيانها؛ من أجل إيقاف المسيرة الإسلامية وعرقلة حركتها التاريخية الرامية لإعادة الإسلام إلى موقعه الريادي بين الأمم.
وقد تنوعت أساليب المواجهة الاستكبارية مع الأمة الإسلامية, وفي مقدّمتها إيجاد البلبلة والاضطراب في داخل مكوّناتها بخلق أجواء الفتن الطائفية والمذهبية على ضوء نظرية أو شعار «فرّق تسد», ومن هنا تكون الأمة الإسلامية في العصر الراهن أحوج ما تكون إلى الوحدة والتآزر؛ لأنها تتعرض إلى هجمة شرسة ودؤوبة, وتقع على عاتق العلماء والدعاة مسؤولية إعادتها إلى موقعها الريادي بتوحيد صفوفها، وخصوصاً توحيد المواقف العملية تجاه التحديات الخطيرة.
ومن أهم وسائل تحقيق الوحدة تقريب العلاقات الراهنة بين المسلمين إلى مستوى العلاقات بين أئمة المذاهب الإسلامية, فهي علاقات تعاون وتآزر وتكاتف, ولم تكن علاقات تنافر وتدابر وتقاطع, فقد أدّوا دورهم ومسؤوليتهم، كلّ حسب قراءته للإسلام ودرجة فهمه لمتبنياته وثوابته, فالاختلاف بين أئمة المذاهب كان اختلافاً نظرياً واختلافاً في القراءات نتيجة لاختلافهم في المستويات العقلية واختلافهم في التنشئة الاجتماعية وفي ظروف التعلّم والتلّقي واختلافهم في تأثير العامل الوارثي على شخصياتهم.
وفي جميع الظروف والأحوال وأجواء الاختلافات النظرية، وخصوصاً في مجال الفقه، كانوا يلتقون معاً في العمل للإسلام والحرص على مفاهيمه وقيمة وتقريرها في العقول والقلوب والمواقف العملية والسلوكية, وكانوا يواجهون تحديات واحدة من قبل الحكّام والمنحرفين في ثوابت العقيدة والشريعة, ومن قبل التيّارات المنحرفة، كالزنادقة والغلاة, وكان الودّ والاحترام المتبادل حاكماً على علاقاتهم، فلا تقاطع ولا تدابر, ولا حساسية ولا خصومة, وقد تضافرت جهودهم من أجل نشر مفاهيم الإسلام, واتحدت الخطى في نطاق الأفق الأرحب، متعالين على الفواصل الجزئية التي تعاملوا معها في حدودها الضيّقة، وكذلك تعامل معها أتباعهم ومريدوهم.
وعلاقات الودّ والاحترام والتآزر والتعاون ينبغي أن تكون نبراساً لنا جميعاً لتتحكم في روابطنا ومواقفنا العملية في هذه المرحلة الخطيرة التي تكالبت فيها قوى الشر والانحراف على مواجهة الأُمة الإسلامية بعقيدتها ووجودها, وتلك المواجهة لا تقتصر على مذهب دون آخر ولا طائفة دون أُخرى، وهي لا تفرّق بين أتباع أئمة المذاهب, فلا فرق لديها بين أتباع جعفر الصادق ومالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أتباع المذاهب الأخرى، كالزيدية والأباضية.
فلتتكاتف وتتآزر القوى والتيارات الفاعلة في الأمة لتوحيد الصفوف وتوحيد المواقف العملية؛ لإعادة الإسلام إلى موقعه الريادي في قيادة البشرية، التي جرّبت جميع التيّارات فلم تحقق لها السعادة والأمان والسلام, فليكن الإسلام لها منقذاً من أزماتها المختلفة.
ثقافة الاستيعاب والذهنية التعدّدية: مواقف، فتاوى، وآراء
إنّ التعددية ظاهرة طبيعية ينبغي مراعاتها, فقد أقرّها الإسلام ولم يعطلها أو يلغيها, فقد أقرّ القرآن الكريم والرسول الأكرم هذه التعددية القائمة على أسس عشائرية أو قومية أو وطنية, فكان المسلمون على انتماءات وولاءات ثانوية, فهناك الأوس والخزرج والقريشيون, وهناك مهاجرون وأنصار وما شابه ذلك, وتطورت التعددية لتصبح مذاهب متنوعة, ولكّنها تلتقي معاً في الأُفق الأرحب.
فينبغي إشاعة ثقافة الاستيعاب ومراعاة التعددية, والتعامل معها كأمر واقع لا يمكن تجاوزه, ولنتقتدِ بالصالحين والمصلحين من قادة الأمة, ونتخذ مواقفهم ومناهجهم نبراساً في حركتنا نحو تحقيق مفاهيم وقيم الإسلام في الواقع.
وكان أئمة وفقهاء المذاهب في مقدّمة دعاة الوحدة، وكانوا يؤكدون على استيعاب الآخرين ومراعاة التعددية, ويدعون على مداراة مسايرة المخالفين بالرأي والولاء والانتماء، وعدم الانعزال عن نشاطاتهم وفعالياتهم؛ حرصاً على الوحدة والاتحاد.
ومن توجيهات الإمام جعفر الصادق× أنه قال: «خالقوا الناس بأخلاقهم, صلّوا في مساجدهم, وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم, وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا, فأنّكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية، رحم الله جعفراً ما كان أحسن ما يؤدّب أصحابه, وإذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية، فعل الله بجعفر ما كان أسوأ ما يؤدّب أصحابه([1]).
وهذه الرواية وروايات أخرى وردت في باب التقيّة, وقد فسّر الإمام الخميني& التقية بمعناها الإيجابي الذي يقصده الإمام الصادق×، فقال: تارة تكون التقية خوفاً, وأخرى تكون مداراة.
والخوف قد يكون لأجل توقع الضرر على المتقّي نفسه أو عرضه أو ماله أو ما يتعلق به؛ وقد يكون لأجل توقعه على غيره من إخوانه المؤمنين؛ وثالثة لأجل وقوع الضرر على حوزة الإسلام, بأن يخاف شتات كلمة المسلمين بتركها، ويخاف وقوع ضرر على حوزة الإسلام لأجل تفريق كلمتهم…
والمراد بالتقية مداراة أن يكون المطلوب فيها جمع شمل الكلمة ووحدتها؛ بتحبيب المخالفين وجرّ مودتهم من غير خوف ضرر كما في التقية خوفاً([2]).
وعلى ضوء ذلك، وفي ظروف التآمر الاستكباري المتواصل على الوجود الإسلامي, يكون العمل بالتقية ضرورياً على كلا المعنيين, فهو ضروري للمحافظة على حوزة المسلمين, وضروري في جمع الكلمة.
وقد صدرت مجموعة من الفتاوى الدالة على ضرورة مراعاة التعددية واستيعاب القراءات المختلفة للإسلام, ومن هذه الفتاوى([3]):
1 ـ فتوى المرجع الديني السيّد علي الخامنئي
«الفرق الإسلامية بأسرها تعتبر جزءاً من الأمة الإسلامية, وتتمتع بالامتيازات الإسلامية، وإيجاد الفرقة في ما بين الطوائف الإسلامية يعد خلافاً لتعاليم القرآن الكريم وسنة النبي’، كما يؤدي إلى إضعاف المسلمين وإعطاء الذريعة بأيدي أعداء الإسلام، ولذلك لا يجوز هذا الأمر قط».
2 ـ فتوى المرجع الديني السيد علي السيستاني
«كلّ من يشهد الشهادتين، ولم يظهر منه ما ينافي ذلك, ولم ينصب العداء لأهل البيت، فهو مسلم».
3 ـ فتوى المرجع الديني السيّد محمد سعيد الحكيم
«يكفي في انطباق عنوان الإسلام على الإنسان الإقرار بالشهادتين والفرائض الضرورية في الدين، كالصلاة وغيرها، وبذلك تترتب عليه أحكام الإسلام من حرمة المال والدم وغيرها».
4 ـ فتوى المرجع الديني السيّد حسين إسماعيل الصدر
«إنّ المذاهب واقع إسلامي لا بدّ أن ينظر إليها بكل احترام وتقدير, ولا بدّ لأتباعها الاقتداء بها؛ وفقاً لقاعدة الإلزام».
5 ـ فتوى المرجع الديني الشيخ بشير النجفي
«كلّ من يقرّ بالتوحيد، ويعتقد بنبوة محمد بن عبد الله، وأنّ رسالته خاتمة النبوات والرسالات الإلهية، وبالمعاد، ولا يرفض شيئاً مما علم وثبت أنّه من الإسلام، فهو مسلم، تشمله الأحكام الإسلامية, وهو محقون الدم والعرض والمال, ويجب على المسلمين جميعاً الدفاع عنه وعن ماله وعرضه، والله العالم».
6 ـ فتوى شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمود شلتوت
«إنّ الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتبّاع مذهب معين, بل نقول: إن ّ لكل مسلم الحقّ في أن يقلّد بادئ ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً والمدونّة أحكامها في كتبها الخاصّة, ولمن قلّد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره ـ أيّ مذهب كان ـ، ولا حرج عليه في شيء من ذلك.
فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك, وأن يتخصلوا من العصبية لمذاهب معيّنة, فما كان دين الله وما كنت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب,فالكل مجتهدون ومقبولون عند الله تعالى, يجوز لمن هو أهلٌ للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقرّرونه في فقهم, ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات».
7 ـ فتوى الشيخ يوسف القرضاوي
«من شهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله, خالصاً من قلبه, فقد أصبح مسلماً، له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين».
8 ـ فتوى الشيخ أحمد كفتارو
«لا يجوز تكفير أحد من أهل القبلة متى نطق بالشهادتين؛ فإنّ ذلك يعصم ماله ودمه».
وقد نّبه بعض العلماء إلى خطورة الخلافات في ظل التآمر على الإسلام, ووجهوا الأنظار إلى المخاطر الحقيقية.
قال السيّد محسن الأمين: «ما زلنا نتنازع حبل الخلافة, حتى أصبح خليفتنا المفوَّض الفرنسي».
وقال شيخ الأزهر السابق الشيخ عبد العزيز البشري: «ما زلنا نختلف حول غسل أو مسح القدم, حتى أصبحنا لا نملك من وجه الأرض موقع قدم»([4]).
أهمية نشر أحاديث ووقائع التعاون والتآزر بين أهل البيت وسائر الفقهاء
إنّ المصلحة الإسلامية العليا تستلزم نشر أحاديث ووقائع التعاون والتآزر, والتقليل قدر الإمكان من الأحاديث والوقائع التي يشم منها رائحة الفرقة، وإن كانت عند البعض صحيحة السند؛ لأنها مخالفة للمصلحة الإسلامية العليا, وينبغي أن تعرض في دوائر خاصة مغلقة, أو الاعتراف بها كأخطاء واقعية لا ينبغي تحميل الجيل الراهن أو مرحلتنا المعاصرة مسؤوليتها, فإذا وجدنا رواية تدل على حسن العلاقة بين أئمة المذاهب أو فقهاء المذاهب فلا بد من التركيز عليها ونشرها, والعكس صحيح, وهذا ما سنؤكده أو نثبته في هذه الدراسة المختصرة, وهي الكفيلة بتقريب القلوب وإنهاء مظاهر الخلافات الصاخبة والمتشنجة.
ومن الأمثلة على ذلك ما روي عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: «رأيت أبا بكر يكثر النظر في وجه عليّ بن أبي طالب, فقلت له: يا أبه, إنّك تكثر النظر إلى عليّ بن أبي طالب, فقال لي: يا بنيّة سمعت رسول الله’ يقول: «النظر إلى وجه عليّ عبادة»([5]).
وفي رواية أخرى: جاءت وفود أسد وغطفان وهوزان إلى أبي بكر، ثم رجعوا وأخبروا عشائرهم بقلّة أهل المدينة وأطمعوهم فيها, فكلّف أبو بكر عليّاً بأن ينصب كميناً على أطراف المدينة, فأطاعه علي×, فلم يستطيعوا الهجوم وتراجعوا؛ لأنهم وجدوا المدينة محروسة([6]).
وحينما خرج أبو بكر للقتال في أحد الوقائع: «أخذ عليّ بزمام ناقته, وقال: أقول لك ما قال لك رسول الله’ يوم أحد: شمّ سيفك, ولا تفجعنا بنفسك, وارجع إلى المدينة»([7]).
ومن الروايات الواقعة في طريق التقريب أنّ عمر بن الخطاب استخلف علياً على المدينة في السنوات: 14 و15 و18 هجرية([8]).
ولم يتخلف أنصار الإمام علي× عن الغزوات التي قادها عمر بن الخطاب, فاشتركوا فيها تحت إمرة من نصّبه قائداً عسكرياً، فاشترك أبناء عمّه العباس فيها, واشترك أبناء إخوانه فيها، ومنهم: محمد بن جعفر الذي استشهد في تستر, واشترك عمّار بن ياسر وسلمان وحذيفة بن اليمان وجابر بن عبد الله في أغلب الغزوات والفتوحات([9]).
وحينما طلب منه العباس أن لا يدخل في الشورى التي عيّنها عمر قال: «إني أكره الخلاف»([10]).
وفي عهد عثمان اشترك أبو أيوب الأنصاري وأبو ذر الغفاري في فتح أفريقية, وإشترك الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وآخرون في غزو طبرستان بإمرة سعيد بن العاص»([11]).
وحاول الإمام× تهدئة الأوضاع المتشنجة بين الخليفة والمعارضين له, وأصبح وسيطاً بين الطرفين لإخماد الفتنة, ونصح المعارضين بعدم قطع الماء عنه في وقت الحصار، فلم يستجيبوا له, فبعث إليه ثلاث قرب مملوءة بالماء([12]).
وبعث عثمان إليه فأتاه, فتعلّق به المعارضون ومنعوه, فحلّ عمامة سوداء على رأسه ورماها داخل البيت ليعلمه وقال: «اللهمّ لا أرضى قتله, والله لا أرضى قتله».
وأرسل الحسن والحسين للدفاع عن عثمان, فمنعوا المعارضين من الدخول إلى منزله, وقد أصابت الحسن عدّة جراحات في الدفاع عنه([13]).
وفي فترة الحصار رفض الإمام علي× الصلاة بالمسلمين, وقال «لا أُصلّي بكم والإمام محصور، ولكن أصلّي وحدي»([14]).
ولنقتدِ بالأئمة والمصلحين في أدب الحوار؛ لأّنه يؤدي إلى تأليف القلوب وإقناعها بالرأي الأصوب، ومن ذلك ما روي أن يحيى بن أكثم سأل الإمام محمداً الجواد× عن دلالة بعض الروايات التي يفهم منها بعض الفضائل بحق الخليفة عمر بن الخطاب ـ وهي مخالفة لثوابت العقيدة عند الطرفين ـ، فأجابه الإمام قائلاً: «لست بمنكر فضائل عمر, ولكنّ أبا بكر أفضل من عمر…»([15]).
فلنقتدِ بالإمام الخميني
ومن المصلحة الإسلامية في مرحلتنا الراهنة وجميع المراحل القادمة أن نروّض أنفسنا على ذكر محاسن الآخرين وإن اختلفنا عنهم في الانتماء والولاء؛ لأنها الكفيلة بتقريب القلوب وتأليفها, وغلق الثغرات أمام أعداء الإسلام للحيلولة دون تصيّدهم لها لخلق البلبلة والاضطراب في صفوف المسلمين وإثارة الخلافات الطائفية, ولنقتدِ بالإمام الخميني& في مواقفه الوحدوية, حيث كان يوجِّه الأنظار إلى المواقف المشرقة الإيجابية, ولم يبخس الآخرين حقّهم في التقييم الموضوعي.
ومن قوله: «لنلاحظ كيف هي معيشة الذين كانوا يدعون إلى الإسلام؟ مثلاً: نفس النبي الأكرم وبعده الخلفاء الأوائل ـ الذين كانوا على نحو آخر ـ، ثم الإمام عليّ أمير المؤمنين×، فهل كانت حياتهم تشبه حياة ملالي البلاط»([16]).
ويستشهد في خطاب آخر بسيرة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، حيث يقول «عندما وصل الخليفة الثاني في أحد أسفاره قريباً من أحد البلدان التي كانت تحت سلطته إذ ذاك كان الدور لغلام الخليفة أن يركب والخليفة يمشي راجلاً, ويأخذ اللجام بيده، وعندما وردا المدينة ـ كما نقل ـ كانا في تلك الحالة, فالخليفة يمشي والغلام راكب على البعير, إذا وجدت مثل هذه الحكومة, فلا مجال لهذه الأقوال؛ لأنه في ظلّها لم تبق أنانية للإنسان»([17]).
وينبغي نشر الأخبار والوقائع والمواقف المشرقة التي وقفها علماء الشيعة والسنة في الدفاع عن بعضهم، وفي تلاحم بعضهم مع البعض, ومنها على سبيل المثال: وقوف علماء الشيعة في العراق إلى جنب الدولة العثمانية في صراعها مع الاستعمار، وتحريم المرجع السيد محسن الحكيم& لقتال الأكراد في العراق, ومطالبته جمال عبد الناصر بالإفراج عن الشيخ سيد قطب, ودعم الإمام الخميني& لحركات التحرر, وكذلك تجويز المراجع إعطاء الزكاة للفلسطينيين، وإعلان شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت استنكاره للاعتداء على علماء الدين في إيران, فجاء في بيانه الذي وجهه للعالم الإسلامي: «إنّ الاعتداء على علماء الدين في إيران سابقة لا يقدم عليها إلاّ متحلّل من دينه، خارج على عقيدته، منكر لما أكّده الله تعالى في حقّ العلماء…
أشهدك اللهم أنّ الاعتداء على حملة رسالتك قد وقع, وإنّ رفع الأذى عن أوليائك فرض في رقاب المؤمنين….
إنّ العمل على إنقاذ المظلوم أمر يحتمه الإسلام، ويوجب رفع الضرر عن الناس، ويأمر به ويفرضه..، وإنّ علماء الإسلام في إيران قد تكرّر الاعتداء عليهم, ونالت ويلات السجون منهم، وتلك جريمة في حقّ الأخلاق, ووصمة عار في جبين الأمة, ويوم تهون أقدار العلماء لن تكون الكلمة إلاّ لهوى النفس الجامحة وقوى الشرّ المخربة, ألا فلينتبه المسلمون في كافة الأقطار».
وقد بعث إلى مراجع التقليد في النجف وفي إيران رسالة جاء فيها: «إننّا نعتبر الاعتداء عليكم اعتداءً على جلالة الرسالة التي تحملونها..، نصركم الله»([18]).
ونشر مثل هذه المواقف يزيد من الألفة والمحبّة بين المسلمين, وقد أثبت الواقع صحة ذلك، من خلال بتعاطف علماء السنة والحركات الإسلامية السنية مع علماء الشيعة, والدفاع عنهم في بعض الفتاوى والبيانات.
المظاهر الإيجابية في العلاقات بين أهل البيت وفقهاء المذاهب
كان أئمة وفقهاء المذاهب يعملون من أجل الدعوة إلى الإسلام, وتحكيمه في العقول والقلوب والإرادات والمواقف السلوكية والعملية, ولم يمنعهم الاختلاف النظري في فهم النصوص الثابتة من اللقاء والاجتماع والتزاور, فقد كانوا يعملون مع الخلافات الناجمة عن القراءات المتعددة للإسلام في نطاقها الجزئي, ولم يحولوها إلى فواصل كلية, ولم يصدر عنهم وعن أتباعهم ـ باستثناء المتطرفين ـ أي رأي أو موقف يلغي أو يشطب على الآخرين, بتكفيرهم أو تفسيقهم أو اتهامهم بالمروق من الدين, بل كانوا ينظرون إلى الآفاق العليا وإلى المحاور المشتركة التي تجمعهم, وإذا حدثت بعض الخلافات الصاخبة فإنها كانت ظاهرة استثنائية طارئة، سرعان ما تضمحل، لتعود العلاقات إلى الأصل، وهو التفاهم والانسجام والتعاون والتآزر.
وفي ما يلي نستعرض مظاهر هذه العلاقات، وأهمها: العلاقات في مجالي العمل والفقه, وعلاقات الاحترام والتكريم والولاء, ووحدة الموقف من السلطات الحاكمة, فلم يكونوا أعواناً لها, ولم يحسب أحدهم على حاكم من الحكّام، وخصوصاً الحكّام الذين خالفوا كتاب الله تعالى وسنة نبيّه.
العلاقات في مجالي العمل والفقه
إنّ توجّه أئمة المذاهب وفقهائهم إلى طلب العلم كان استجابة للتعاليم والإرشادات الإسلامية الداعية إلى التفقّه في الدين والغور في مفاهيمه وقيمه بجميع جوانبها: العقائدية والتشريعية الشاملة لجميع جوانب الحياة الإنسانية, استناداً إلى ثوابت القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة, ولم يبحثوا في طلب العلم عن جاه أو منصب دنيوي أو مال أو عرض من أعراض الدنيا, ولم تصدر أية فتوى من أحدهم تناصر الحكّام إلاّ في حدود المصلحة الإسلامية العليا والمحافظة على الوجود الإسلامي من الغزو والانهيار.
ولم تكن العلاقات في مجالي العلم والفقه علاقات انزواء وانكماش وتقوقع, وإنما كانت علاقات تفتح، انعدم فيها عنصر الأنا، والعنصر الشخصي, والنظرة السلبية مع الآخرين, فالجميع انطلقوا ضمن الأهداف المشتركة، وكانوا يأخذون العلم من مناهله ومنابعه على اختلاف مناهجها ومتبنياتها, فلا يوجد انفصال في الحياة العلمية, حيث يروي بعضهم عن بعض، ويتبنى بعضهم آراء بعض, وقد اتفق الجميع على مرجعية أئمة أهل البيت^ العلمية؛ لأنهم أخذوا العلم عن آبائهم، وأخيراً عن عليّ بن أبي طالب عن رسول الله’, فقد أخذوا العلم عن أهل البيت مباشرة أو بصورة غير مباشرة، وعلى رأسهم أبو حنيفة ومالك».
وكان أتباع أهل البيت^ وأتباع أئمة المذاهب يطلبون العلم والفقه سويّة بلا انزواء ولا تقاطع, فيدرسون عند هذا أو ذاك بغض النظر عن مذهبه ومتبنياته الفقهية والأصولية,وكان يحدّث أحدهم عن الآخر أو عن إمام مذهب آخر, مثلاً: كان سفيان الثوري يحدّث عن الإمام جعفر الصادق×، وعن الأعمش, وكان الأعمش يحدّث عنهما, وكان أبان بن تغلب يحدّث عنهما أيضاً, وكان الإمام أبو حنيفة يحدّث عن الإمام جعفر الصادق× وعن أتباعه, وهم بدورهم يحدّثون عن الإمامين الصادق وأبي حنيفة.
وهكذا كانت العلاقات قائمة على قواعد الودّ والمحبّة والثقة المتبادلة، وكان أهل البيت يشجّعون أتباعهم على تعميق مثل هذه العلاقات, وكانوا بأنفسهم يحضرون في مجالس مَن هم أقل منهم علماً وشأناً؛ لكي يكونوا قدوة لأتباعهم في إزالة الحواجز والفواصل الجزئية, وعلى سبيل المثال: كان الإمام علي بن الحسين× يجالس قوماً دوناً ويستمع إلى حديثهم, حتى قيل له: إنّك تجالس قوماً دوناً, فأجاب القائل ـ وهو نافع بين جبير ـ: إني أجالس من أنتفع بمجالسته في ديني([19]).
وقال الزهري: «حدّثت عليّ بن الحسين بحديث، فلمّا فرغت قال: أحسنت بارك الله فيك, هكذا سمعناه, فقلت: لا أراني حدّثت حديثاً أنت أعلم به منّي، قال: لا تفعل ذلك, فليس من العلم ما لم يعرف، إنما معنى العلم ما عرف»([20]).
وكان الفقهاء والعلماء يستمعون إلى نصائح أئمة أهل البيت^ المعاصرين لهم, ويلتزمون بتوجيهاتهم وإرشاداتهم, اعترافاً منهم بمرجعيتهم العلمية، فقد روي أنّ الحسن البصري كان يقصّ في الحج, فمرّ به الإمام علي بن الحسين، فقال له: يا شيخ، أترضى نفسك للموت؟ قال: لا، قال: فثم دار للعمل غير هذه الدار؟ قال: لا، فقال: فعملك للحساب؟ قال: لا، قال: فِلمَ تشغل الناس عن طواف البيت؟ فما قصّ الحسن بعدها([21]).
فقد استجاب لتوجيهات الإمام عليّ بن الحسين×, وتقبّل نصيحته، فلم يخالفه، ولم يصّر على عمله, بل تراجع عنه.
وكان يروي أحاديث كثيرة يسندها إلى أئمة أهل البيت^, وكذلك كان سفيان الثوري والأوزاعي وغيرهم, كما ورد في كتب الحديث المتنوعة.
وكان سفيان الثوري من تلامذة الإمام جعفر الصادق×([22]).
ووردت له عبارات عديدة يكرّر فيها القول: «حدّثني جعفر بن محمد»، و«سمعت جعفراً يقول»([23]).
وكان يسأله عن كثير من مجالات العلم والمعرفة, وبالخصوص مجال الفقه والأحكام الشرعية, وعن عللها([24])، ونتيجة للاختلاف في إدراك الحقائق والوقائع, والاختلاف في المتبنيات الاجتهادية، كان يعترض على بعض مواقف وممارسات الإمام الصادق×, فكان الإمام يجيبه على اعتراضاته أو إشكالاته برحابة صدر, فقد اعترض على لباسه, فأحسر عن ردن جبته، فإذا فيها جبة صوف بيضاء يقصر الذيل، عن الذيل وقال: «لبسنا هذا لله، وهذا لكم, فما كان لله أخفيناه, وما كان لكم أبديناه»([25]).
والدروس المستفادة أنّ للأمة أو للآخرين حقّ الاعتراض أو التساؤل لمعرفة الحقيقة أو تصحيح الأخطاء, فينبغي للمتصدّي أن يتقبل ذلك ويجيب عليه، لا أن يضع نفسه بعيداّ عن النقد, وهذا من شأنه تقريب القلوب وتأليفها.
ولتعميم الفائدة بالاستفادة من رواية سفيان الثوري عن الإمام الصادق× في معرفة القواعد والثوابت الشرعية والفكرية نذكر نصّها كما روي أنه قال: سمعت جعفراً يقول: «الوقوف عند كل شبهة خير من الاقتحام في الهلكة, وترك حديث لم نروه أفضل من روايتك حديثاً لم تحصه, إنّ على كل حقّ حقيقة وعلى كل صواب نوراً, فما وافق كتاب الله فخذوه, وما خالفه فدعوه»([26]).
وما ورد بعد بمثابة ميزان ثابت تُوزن به الروايات والأحاديث لمعرفة مدى سلامتها وصحة صدورها, وبهذا الميزان يمكن تهذيب الكثير من الأفكار والأحكام وعدم التمسك بها أو التعصب لما جاء فيها.
وقال له: لا أقوم حتى تحدّثني, فقال: «إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر عليها….، وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار…، إذا أحزّ بك أمر من السلطان أو غيره فأكثر من قول: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله؛ فإنها مفتاح الفرج…».
فعقد سفيان بيده, وقال: «ثلاث، وأيّ ثلاث»([27]).
وأخذ الإمام أبو حنيفة العلم عن أربعة من أئمة وفقهاء أهل البيت^، وهم: محمد الباقر, جعفر الصادق, وزيد بن عليّ, وعبد الله بن الحسن بن الحسن, ولهم في قلبه منزلة وإكرام, وعرفت عنه محبّة واضحة لهم([28]).
وكان يتقبل نصائحهم ومحاسبتهم له، فقد كان الإمام محمد الباقر× يحاسبه على آرائه، وخصوصاً في القياس, وكان يتقبّل هذه المحاسبة، ويستمع لتوجيهاته وإرشاداته, ويتعامل معه تعامل المرؤوس مع رئيسه([29]).
وقد اعترف بفضل الإمام الصادق× عليه، في إيصاله إلى هذه الدرجة والمنزلة العملية والفقهية, فقال: «لولا السنتان لهلك النعمان», ويرى الشيخ محمد أبو زهرة أن هاتين السنتين كانتا عندما خرج أبو حنيفة من العراق مهاجراً بدينه، فإنه أقام ببلاد الحجاز, ولعله لازم الإمام الصادق في هذه المدة([30]).
وكان الإمام الصادق يختبره في الكثير من المسائل من أجل زيادة العلم والمعرفة, فقد سأله عن محرم كسر رباعية ظبي, فقال: لا أعرف جوابها, فقال: أما تعلم أنّ الظبي لا يكون له رباعية([31]).
وكان يشجعه على التعليم والتدريس, وكان يحضر حلقه الدرس التي يعقدها, وهو لا يعلم به, وحينما يعلم بحضوره يقف احتراماً وإجلالاً ([32]).
وكان الإمام أبو حنيفة يستمع إلى إرشادات وتوجيهات الإمام العلمية والفقهية والأصولية, ففي إحدى المرات دخل القاضي عبد الله بن شبرمة والإمام أبو حنيفة على الإمام الصادق, فقال ابن شبرمة: هذا الرجل من أهل العراق له فقه وعلم, فقال الإمام: لعله الذي يقيس الدين برأيه…، ثم قال له: «اتق الله، ولا تقس الدين برأيك…، اتق الله، يا عبد الله ولا تقس، نقف نحن غداً وأنت ومن خالفنا بين يدي الله عز وجل, وتقول أنت وأصحابك: سمعنا ورأينا، فيعمل بنا وبكم ما يشاء»([33]).
وأخذ الإمام مالك بن أنس العلم عن جماعة، ومنهم الإمام جعفر الصادق×, ولكّنه أخفى الحديث عنه في عهد الأمويين, فلم يرو عنه حتى ظهر أمر بني العباس, وكان لا يروي عنه حديثاً حتى يضمه إلى آخر([34]).
وكان الإمام الصادق× يشجع طلاب العلم للحضور في حلقة الإمام مالك الدراسية, وأخذ العلم منه؛ لإزالة الحواجز والفواصل بين المسلمين عموماً، وطلاب العلم خصوصاً, وهذا التشجيع يساهم مساهمة فعالة في تعميق أواصر الإخاء والمودة,وفي تقريب وجهات النظر لاتخاذ المواقف الواحدة تجاه الأحداث والوقائع والوجودات.
ومن الأمثلة على ذلك أنّ الإمام طلب من تلميذه عنوان البصر (أن يجلس إلى مالك)([35]).
والإمام الشافعي وإن لم يتتلمذ على يد الإمام الصادق مباشرة إلا أنه أخذ العلم ممن أخذه من الصادق, فعن إسحاق بن إبراهيم قال: قلت للشافعي: ما حال جعفر بن محمد عندكم؟ فقال: ثقة, كتبنا عنه أربعمئة حديث([36]).
ومن يتتبع مسند الإمام أحمد بن حنبل يجده ينقل العديد من الروايات عن أئمة أهل البيت^ وعن رسول الله’.
وكان أئمة المذاهب يتعاملون مع أئمة أهل البيت كمراجع لهم وللأمة الإسلامية, وعلى سبيل المثال لا الحصر قول الإمام الشافعي: أخذت أحكام البغاة والخوارج من مقاتلة علي لأهل الجمل وصفين([37]).
وفي إثبات خبر الواحد كان يقول: وجدت علي بن الحسين ـ وهو أفقه أهل المدينة ـ يعوّل على أخبار الآحاد([38]).
وذكر له أحدهم مسألة فأجاب عليها, فقال له: خالفت علي بن أبي طالب, فقال: أثبت لي هذا عن علي بن أبي طالب حتى أضع خدي على التراب، وأقول: قد أخطأت, وأرجع عن قولي إلى قوله([39]).
وكان الكثير من القضاة الذين يتبنون آراء بعض المذاهب يرجعون إلى أئمة أهل البيت^ لأخذ رأيهم في مختلف المسائل, وعلى سبيل المثال: كان القاضي ابن أبي ليلى لا يتنازل عن آرائه أو قراراته في القضاء لأحد باستثناء الإمام جعفر الصادق([40]).
علاقات الاحترام والمودّة والإقرار بالفضائل
كانت العلاقة بين أئمة وفقهاء المذاهب الإسلامية قائمة على الاحترام والتكريم, والمودة والمحبّة, والإقرار بفضائل بعضهم البعض, وعلى التعاون والتآزر, وعلى الإخاء والاتحاد، وكانوا يعملون من أجل إنجاح المسيرة الإسلامية وتحصين الأُمة من الانحراف والانحطاط؛ لتؤدي دورها في تحمّل المسؤولية في الدعوة وفي إقرار مفاهيم وقيم الإسلام في واقع الحياة, ولم تستطع الحكومات المتعاقبة بث بذور الفتنة بينهم على الرغم من ممارسة الأساليب المتنوعة، كالخداع والإغراء والترهيب، التي مارسوها من أجل خلق مظاهر التقاطع والتدابر بينهم, فبقيت علاقات الانسجام والتفاهم والتآزر والتعاون والتكاتف قائمة وحاكمة على آرائهم ومواقفهم وممارساتهم.
وفي ما يلي نستعرض المواقف المشرقة في سيرة أئمة وفقهاء المذاهب:
أ ـ الحسن البصري والحديث عن فضائل أهل البيت^
قد وردت أحاديث غير معتبرة عن بغض الحسن للإمام علي×، والظاهر أن الهدف منها إشاعة البلبلة والاضطراب في العلاقات بين المذاهب, ولكن الواقع أثبت عدم صحتها, فقد كان من الفقهاء الذين يحترمون الإمام علياً× وأهل بيته, ويذكرون فضائلهم كما وردت.
قال رجل للحسن البصري: إنهم يزعمون أنّك تبغض علياً, فبكى حتّى اخضلّت لحيته, ثم قال: «كان علي بن أبي طالب سهماً صائباً من مرامي الله على عدوه, وربّاني هذه الأمة وذا سابقتها وذا فضلها، لم يكن بالنؤومة عن أمر الله, ولا بالملومة في حق الله, ولا بالسروقة لمال الله, أعطى القرآن عزائمه, ففاز منه برياض موقنة وأعلام بيّنة»([41]).
وقال الحجّاج للحسن, وعنده جماعة من التابعين, وذكر علي بن أبي طالب: ما تقولُ أنت يا حسن؟ فقال: «ما أقول؟! هو أوّل من صلّى إلى القبلة, فأجاب دعوة رسول الله’, وإنّ لعليّ منزلة من ربّه, وقرابة من رسوله, وقد سبقت له سوابق لا يستطيع ردها أحد» فغضب الحجّاج غضباً شديداً، وقام عن سريره فدخل بعض البيوت، وأمر الناس بالانصراف([42]).
وكان يمتدح فاطمة الزهراء÷، ويذكر فضلها؛ حباً منه لأهل هذا البيت^ وتعظيماً لأبنائها وأحفادها، وهو القائل: «ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتى تورمت قدماها»([43]).
وذكر هذه الفضائل في ظروف الإرهاب الأُموي يدل دلالة واضحة على عمق الاحترام والتقدير والتكريم والولاء لأهل البيت^ والاعتراف بفضائلهم.
ب ـ الإمام جعفر الصادق والإمام وسفيان الثوري
كان سفيان الثوري ملازماً للإمام الصادق، وله في قلبه حبّ وودّ, وكان يعترف بفضله وينشره وينشر فضائل أهل البيت, وقد نسب إليه أنه كان زيدياً, والحقيقة أنه وإن «اشتهر عنه الزيدية, إلاّ أن تزيده إنما كان عبارة عن موالاة أهل البيت, وإنكاره ما كان بنو أمية عليه من الظلم, وإجلال زيد بن علي وتعظيمه, وتصوبته في أحكامه وأحواله([44]).
وسفيان الثوري من دعاة الوحدة بين المسلمين، وكانت له خطوات ميدانية في ذلك مع الاحتفاظ بحبه وولائه لأهل البيت,حتى قال عنه عمرو بن حسان: كان سفيان نعم المداوي؛ إذا دخل البصرة حدّث بفضائل علي, وإذا دخل الكوفة حدّث بفضائل عثمان([45]).
وقيل عنه: «فيه تشيّع يسير»([46]).
ج ـ الإمام الصادق وابن أبي ليلى
كان ابن أبي ليلى قاضياً في عهد الإمام الصادق×، وكان يكن الودّ والحب لأهل البيت، وعلى رأسهم الإمام الصادق×, ويراه أهلاً للتبجيل والاحترام, ويرى وجوب محبته وموالاته, وقد جسد هذه الرؤية في ممارسات عملية ميدانية, فكان يتنازل عن آرائه الاجتهادية إذا علم بمخالفتها لآراء الإمام الصادق, وكان يلبّي ما يريده منه, ولا يعصي له أمراً أو يخالف له نصيحة, فحينما ردّ شهادة محمد بن مسلم الثقفي أرسل إليه الإمام رسالة جاء فيها: «ما حملك على أن رددت شهادة رجل أعرف منك بأحكام الله>, ولم يجد بذلك بأساً، وتقبل كلامه برحابة صدر وخلوص نيّة، وأرسل إلى محمد بن مسلم ليشهد عنده ويجيز شهادته([47]).
د ـ الإمام الصادق والإمام أبو حنيفة
كان الإمام أبو حنيفة يرى وجوب حبّ وموالاة أهل البيت^، وكان يشهد لهم بالفضل والأعلمية وبإمامة المسلمين؛ إيماناً منه بتجسيد هذا الحب في ممارسات ميدانية واقعية, فحينما أجبره أبو جعفر المنصور على مناظرة الإمام الصادق ناظره مكرهاً, وفي ذلك اعترف بفضله قائلاً: «ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد, لما أقدمه المنصور الحيرة, بعث إليّ فقال: يا أبا حنيفة، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد, فهيّئ له من مسائلك الصعاب, فهيأت له أربعين مسألة, ثم أتيت، وجعفر جالس عن يمينه, فلما بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لا يدخلني لأبي جعفر…، فكان يقول في المسألة: أنتم تقولون فيها كذا وكذا, وأهل المدينة يقولون كذا وكذا، ونحن نقول كذا وكذا.
أليس قد روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس»([48]) .
وهذا المدح والثناء والاعتراف بمرجعيته العلمية يعبّر عن الحب والولاء للإمام ولأهل البيت عموماً.
وكان يعترف بإمامة الإمام جعفر الصادق× اعترافاً صريحاً, فحينما سُِئلَ عن مسألة وقف المال للإمام, ومن هو المستحق؟ أجاب: «يكون المستحق جعفر الصادق؛ لأنه هو الإمام الحقّ»([49]).
ولنا وقفة أمام هذه الرواية وأمثالها من الروايات, فهي أروع الروايات التي ينبغي فسح المجال أمامها لإزالة الحواجز النفسية بين أتباع المذاهب, ولا ينبغي فسح المجال أمام بعض الروايات غير المعتبرة أو غير تامّة السند, والتي يتناقلها بعض الخطباء المتطرفين دون دليل, مثل رواية: «خالفت جعفر بن محمد في كل شيء», فهذه الرواية تثار بين الحين والآخر في بعض المدن التي يتعايش فيها أبناء المذهبين في العراق وإيران وپاكستان؛ لإثارة الفتنة, فينبغي مقابلتها بالرواية المتقدّمة لتكون ردّاً عملياً على مثيري الفتن.
هـ ـ الإمام الصادق والإمام مالك بن أنس
كانت العلاقة بين الإمامين علاقة محبّة ومودّة واحترام وتكريم, وكان الإمام مالك يشهد له بالفضل ويعترف بعمق العلاقة الودّية.
وقد وردت مجموعة من الروايات في كتب الشيعة تشير إلى هذه العلاقة, ونكتفي بذكر اثنين منها:
قال مالك: «والله ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمد زهداً وفضلاً وعبادة وورعاً, وكنت أقصده فيكرمني ويقبل عليّ»([50]).
وقال: «كنت أدخل إلى الصادق جعفر بن محمد فيقدم لي مخدّة ويعرف لي قدراً, ويقول: يا مالك، إني أحبّك, فكنت أُسَرُّ بذلك، وأحمد الله عليه»([51]).
وكان يمتدح الإمام ويثني عليه، ويذكر جملة من فضائله ومناقبه، فيقول: «لقد كنت آتي جعفر بن محمد, وكان كثير التبسّم, فإذا ذكر عنده النبي أخضرّ واصفرّ, ولقد اختلفت إليه زماناً فما كنت أراه إلاّ على إحدى ثلاث خصال: إمّا مصلياً, وإما صائماً، وإمّا يقرأ القرآن…، وكان من العلماء العبّاد الزهاد الذين يخشون الله»([52]).
وكان يحترم جميع من له صلة قربى بأئمة أهل البيت, فقد روي عن إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: «رأيت يحيى بن عبد الله بن الحسن جاء إلى مالك بن أنس بالمدينة, فقام له عن مجلسه، وأجلسه إلى جنبه»([53]).
و ـ الإمام الشافعي وأهل البيت
عرف الإمام الشافعي بمحبّته لأهل البيت^ وكانت له علاقات حميمة معهم, ولكنّ هذه المحبة وهذه الموالاة لم تصل إلى مرحلة العمل من أجل إيصالهم إلى السلطة أو العمل على جعل الحكم في سلطانهم([54]).
وكان لا يتحدّث في مجلس يحضره أحد العلويين, ويقول: <لا أتكلم في مجلس يحضره أحدهم، هم أحقّ بالكلام>([55]).
وكان يصرّح بهذا الحبّ وهذا الولاء, ومن أشعاره ما روي عن الربيع بن سليمان قال: حججنا مع الشافعي فما ارتقى شرفاً ولا هبط وادياً إلا وهو يبكي وينشد:
يا راكباً قف بالمحصّب من منى واهتف بقـاعد خيفهــا والنّـــــاهـض
سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى فيضاً كملتطم الفــــرات الفائض
إن كــان رفضــــاً حبّ آل محمـــد فليشهد الثقلان أّني رافضي ([56]).
وله أشعار أخرى في هذا المجال، ومنها:
نصلّي على المختـــار حب آل هاشم ونــــــــــؤذي بنيـــــه إنّ ذا لعجــــيــــب
لئن كـــان ذنبـــــي حــــبَّ آل محمـد فــــــذلك ذنب لســـت عنـــــه أتـــوب
هم شفعائي يــــوم حشري ومــوقفي وبغضهـــــم للشــــافــــــــــعي ذنـــــوب.
وأنشد أيضاً:
لو فتشوا قلبي لألفوا به سطرين قد خُطا بلا كاتب
العدل والتوحيد في جانب وحبّ أهل البيت في جانب([57]).
وعن الربيع بن سليمان ـ وهو أحد أصحاب الشافعي ـ قال: قيل للشافعي: إنّ أناساً لا يصبرون على سماع منقبة أو فضيلة لأهل البيت, فإذا رأوا أحداً منّا يذكرها يقولون: هذا رافضي، ويشتغلون بكلام آخر, فأنشأ يقول:
إذا في مجلس ذكروا علياً |
وسبطيه وفاطمة الزكية |
وفي لمقابل لم يحدثنا التاريخ أنّ أهل البيت‘ قد ذكروه بسوء.
ز ـ الإمام أحمد بن حنبل وأهل البيت^
كانت للإمام أحمد بن حنبل علاقات وديّة مع عموم العلويين, إلاّ أنّ أجواء الملاحقة والمتابعة التي عاشها أهل البيت^ وعاشها هو, حالت دون اللقاء والاجتماع, إلاّ أنّه عرف بعلاقته مع بقية العلويين، حيث كان يتعاطف معهم ويتألم لمحنهم, حتى قيل للمتوكل: إنه يأوي العلويين, ويدعو إلى بيعتهم, وقد فتش منزله للتأكد من ذلك([59]).
وعلى الرغم من المحنة التي كان يعيشها من ملاحقة ومطاردة وتعذيب، إلاّ أنه كان لا يتردد في ذكر فضائل الإمام علي×، وخصوصاً في عهد المتوكل الذي عرف بمعاداتهم, وملاحقة من يذكر فضائلهم, فكان يقول: «إنّ الخلافة لم تزيّن علياً، بل عليّ زانها»([60])؛ وكان يقول: «علي بن أبي طالب من أهل بيت لا يقاس بهم أحد»([61])؛ وكان يقول: «ما جاء لأحد من الصحابة من الفضائل مثل ما لعليّ بن أبي طالب»([62]).
وحدة الموقف من الحكّام المعاصرين
هنالك رأي سائد وهو أنّ فقهاء السنة يتبنون نظرية إمامة الفاسق, ويحرّمون الخروج عليه, وأنّ فقهاء الشيعة يرفضون إمامة الفاسق ويجوزون أو يوجبون الخروج عليه, وهذا الرأي قد خلق ظروفاً جعلت الخلاف متجذراً في أهم المسائل الخطيرة، وهي مسألة الإمامة, ففي ذلك كثر القيل والقال, وتوسعت دائرة الاتهام ودفع الاتهام.
وفي مقام تقريب وجهات النظر نتابع الآراء المشتركة للفريقين ونحاول الجمع بينها؛ لتصحيح الآراء والمواقف.
ففقهاء السنة يرون جواز خلافة الفاسق وليس إمامته, ويتبنون هذا الرأي على ضوء الاستسلام للأمر الواقع حينما يتصدى الفاسق للخلافة ويصبح قوة لا يمكن إزاحتها.
أمّا الإمامة بمعنى إمامة الدين وإمامة الاقتداء فإنهم ـ كالشيعة ـ يؤمنون بإمامة الفقيه العادل الكفوء، وهو الرأي الذي يتبنّاه الشيعة بعد عصر المعصومين, فقد اتفق أغلب فقهاء السنة على أنّ من شروط الإمام أن يكون فقهياً عادلاً كفوءاً, ويظهر ذلك من آرائهم وأقوالهم.
فقد حدّد الماوردي سبعة شروط للإمام، ومنها: «العدالة…، والعلم المؤدي إلى الاجتهاد في النوازل…، والرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح»([63]).
وقال النووي: «كونه عدلاً عالماً مجتهداً شجاعاً ذا رأي وكفاية»([64]), وقال التفتازاني: «وقد ذكر في كتبنا الفقهية أّنه لابُد من إمام يحيي الدين ويقيم السنة…، ويشترط أن يكون مسلماً عدلاً… مجتهداً شجاعاً ذا رأي وكفاية»([65]).
وقال القلقشندي في تحديد شروط الإمام: «العاشر: العدالة, فلا تنعقد إمامة الفاسق…؛ لأنّ المراد من الإمام مراعاة النظر للمسلمين, والفاسق لم ينظر لنفسه في أمر دينه, فكيف ينظر في مصلحة غيره؟
الحادي عشر: الشجاعة والنجدة، فلا تنعقد إمامة الجبان.
الثاني عشر: العلم المؤدي إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام, فلا تنعقد إمامة غير العالم بذلك.
الثالث عشر: صحة الرأي والتدين, فلا تنعقد إمامة ضعيف الرأي»([66]).
واشترطوا الرجوع إلى الأمة في اختيار الإمام على ضوء هذه الشروط، وأن يكون أهل الاختيار من الفقهاء الأكفاء، كما هو ظاهر في آرائهم([67]).
ومن المتسالم عليه عند الطرفين عدم طاعة الحاكم في معصية الله, وهذا هو الرأي المشهور.
وهذه المتبنيات تكون أكثر وضوحاً من خلال متابعة مواقف أئمة وفقهاء الشيعة والسنّة من حكّام الجور والفسق الذين عاصروهم, فقد كانت مواقف سلبية إلاّ في مجال ونطاق محدود، وفي حدود المصلحة الإسلامية العليا, وإن ما يقال من أنهم أو بعضهم ساند الحكّام لا دليل عليه ولا صحة له، وهذا ما سنثبته في هذا البحث.
فجميع أئمة المذاهب كانوا سلبيين تجاه حكّام زمانهم, وكان الإمام جعفر الصادق× رائدهم في ذلك, ففي موقف له من المنصور يثبت موقفه السلبي؛ حيث كتب إليه المنصور: لم لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس؟ فأجابه: «ليس لنا ما نخافك من أجله, ولا عندك من أمر ما نرجوك له, ولا أنت في نعمة فنهنيك, ولا تراها نقمة فنعزّيك بها, فما نصنع عندك؟».
فكتب إليه: تصحبنا لتنصحنا, فأجابه: «من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك».
فقال المنصور: «والله لقد ميز عندي منازل الناس, من يريد الدنيا ممّن يريد الآخرة, وأنه يريد الآخرة لا الدنيا»([68]).
وكان الإمام الصادق× وغيره من أئمة وفقهاء المذاهب حريصاً على إصلاح الحاكم, وكانت المصلحة الإسلامية العليا حاكمة على آرائه ومواقفه, ومن ذلك قوله للمنصور: «نحن لك أنصار وأعوان، ولملكك دعائم وأركان، ما أمرت بالمعروف والإحسان, وأمضيت في الرعية أحكام القرآن, وأرغمت بطاعتك أنف الشيطان»([69]).
فليس المعارضة أو سلبية العلاقة مع الحاكم هدفاً بذاتها, بل هي وسيلة للإصلاح والتغيير, فلو عاد إلى الاستقامة تنتفي المعارضة أو الموقف السلبي، وكان أئمة المذاهب معارضين لحكام عصرهم، ولكن المعارضة كانت معارضة سلمية لا تصل إلى تغييرهم بالقوة. وفي ما يلي نستعرض جملة من مواقفهم:
1 ـ الحسن البصري
كان الحسن البصري معارضاً لحكّام زمانه، إلاّ أنه لا يرى وجوب الخروج عليهم, فقد استفتي في الخروج على الحجاج، فقال: «أرى أن لا تقاتلوه, فإنها إن تكن عقوبة من الله فما أنتم برادّي عقوبة الله بأسيافكم, وإن يكن بلاءً فاصبروا حتى يحكم الله، وهو خير الحاكمين»([70]).
فقد اكتفى بالمعارضة السلمية، وحثّ القرّاء وعموم الناس على مقاطعتهم، فقد وجد جمعاً من القرّاء على باب ابن هبيرة, فقال لهم: «ما يجلسكم ها هنا؟ تريدون الدخول على هؤلاء الخبثاء..، أما والله لو زهدتم في ما عندهم لرغبوا في ما عندكم, لكنكم رغبتم في ما عندهم فزهدوا في ما عندكم»([71]).
ونهى عن الدخول في الفتنة حينما خرج يزيد بن المهلب على الحاكم الأُموي بعدما كان والياً له, فقيل له: والله، لكأنّك راضٍ عن أهل الشام. فقال: «أهل الشام، قبحهم الله، أليس الذين أحلّوا حرم رسول الله يقتلون أهله.., قد أباحوهم لأنباطهم وأقباطهم يحملون الحرائر ذوات الدين, لا يتناهون عن انتهاك حرمة…، عليهم لعنة الله وسوء الدار»([72]).
وكان ينتقد السياسة الأموية، ويستعرض سيرتها المخالفة لسيرة رسول الله’, فقد انتقد سياسة مؤسس الدولة الأموية في «ادعاء زياد وقتل حجر بن عدي وأصحابه واستخلاف يزيد»([73]).
وكان ينتقد الحجّاج، ويقول: «ألا تعجبون من هذا الفاجر يرقى عتبات المنبر فيتلكم بكلام الأنبياء, وينزل فيفتك فتك الجبارين, يوافق الله في قوله, ويخالفه في فعله»([74]).
وحول سياسة عبد الملك بن مروان والحجّاج قال: «ما لهم؟ قاتلهم الله، اتخذوا عباد الله خولاً، ومال الله دولاً، وكتاب الله دغلاً، واستحلوا الخمر والنبيذ…، وإذا أقبل عدو الله ففي سرادقات محفوظة؟».
فأرسل الحجاج إليه شرطيين, فلما أُدخل عليه, قال له: نعم الشيخ أنت, ولئن بلغني عنك ثانياً لأفرقنّ بين رأسك وجسدك([75]).
وأتاه رجل فقال: «إني حلفت بالطلاق أن الحجّاج في النار، فما تقول؟ أقيم مع امرأتي أم أعتزلها؟», فقال له: «قد كان الحجّاج فاجراً فاسقاً, وما أقول لك»([76]).
وقال يزيد الرقاشي: «إني لأرجو للحجّاج»، قال له الحسن البصري: «إني لأرجو أن يخلف الله رجاءك»([77]).
وكان مختفياً فسمع بمقتل سعيد بن جبير, فقال: «لعنة الله على الفاسق بن يوسف…، والله لو أنّ أهل المشرق والمغرب اجتمعوا على قتل سعيد لأدخلهم الله النار»([78]).
وكان يراعي المصلحة الإسلامية العليا في الموقف من الحكّام المعاصرين, وكان يرى وجوب طاعتهم في ما يتعلق بهذه المصلحة، فيقول: «هم يلون من أمورنا خمسة: الجمعة والجماعة والفيء والثغور والحدود, لا يستقيم الدين إلاّ بهم وإن جاروا وإن ظلموا, والله، لما يصلح الله بهم أكثر ممّا يفسدون…»([79]).
2 ـ الإمام سفيان الثوري
كان سفيان الثوري من المعروفين بولائهم لأهل البيت^، وإنكار ظلم الأُمويين لهم, وإجلال أئمتهم وفقهائهم([80]).
وكانت علاقته مع الحكّام علاقة تدابر وتقاطع, فلم يوالهم أو يساندهم, فقد دخل ذات مرة على أبي جعفر المنصور فقال له: «اتق الله، فإنما أنزلت هذه المنزلة وصرت في هذا الموضع بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعاً»([81]).
وقال له: تبغضنا وتبغض دعوتنا؟ والثوري يقول: سلام سلام، ثم رفع رأسه فقال: «ألم تر كيف فعل ربك بعاد… إنّ ربّك لبالمرصاد»، ثم خرج عنه([82]).
وقال له ذات مرة: عظني,قال الثوري: «ما عملت بما علمت فأعظك بما جهلت». قال: فما يمنعك أن تأتينا؟ قال: إنّ الله نهى عنكم، فقال تعالى: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} (هود: 113)([83]).
ونتيجة لشدة معارضته للحكّام كانوا يتخوفون منه, فقد حبسه المنصور في أحد المرات، لكن الوالي أطلق سراحه على أن يختفي, وفي وقت آخر بعث الخشابين حيث خرج إلى مكة وقال لهم: إن رأيتم سفيان الثوري فاصلبوه([84]).
ودخل ذات مرة على المهدي العباسي وقال له معترضاً: كم أنفقت في حجتك هذه, ثم خرج وتوارى, فنودي من جاء به فله ديته، ومن وجد في منزله فقد برئت منه الذمة([85]).
وقال له في موضع آخر: «قد ملأت الأرض ظلماً وجوراً فاتق الله، قال المهدي: أرأيت إن لم أستطع دفعه؟ قال: تخلّيه وغيرك»([86]).
وكان كثير الاختفاء عن أعين الحكّام, وفي أحدى مراحل الاختفاء جيء به إلى المهدي, فقال: اكتبوا عهده على قضاء الكوفة على أن لا يعترض عليه في حكم, فخرج من عنده، فرمى الكتاب في دجلة، وهرب([87]).
وكان يقول: «إذا لم يكن للعالم حرفة ولا عقار كان شرطياً لهؤلاء الظلمة, وإذا لم يكن للجاهل حرفة كان رسولاً للفسّاق»([88]).
وكان يقول: إذا دعوك لتقرأ عليهم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فلا تأتهم([89]).
ومما تقدم يظهر أنّ علاقته مع الحكّام كانت علاقة سلبية، وكانت القطيعة هي الغالبة عليها, وإذا اقتضت الضرورة اللقاء والاجتماع كان يستثمر هذا اللقاء في أداء الواجب الشرعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وكان لسانه أكثر عمقاً من السيف في التأثير عليهم, فقد كان سلبياً معهم، إلاّ أنه لم يُفتِ بوجوب الخروج عليهم، بل جعل الخروج مباحاً, وعلى سبيل المثال: كان أبو إسحاق الفزاري قد قتل أخوه مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، فأتى إلى سفيان فقال: «لا آمرك بالخروج ولا أنهاك»([90]).
فهو يرى جواز الخروج على الحكّام الجائرين, فلو كان يرى الحرمة لنهى عنه, ولكّنه لا يرى الوجوب.
3 ـ الإمام أبو حنيفة النعمان
كان موقف الإمام أبي حنيفة مطابقاً لموقف أئمة أهل البيت من الحكّام المعاصرين, فقد كانت علاقته سلبية مع الحكّام والولاة, وكان يرى حرمة التعاون معهم, ومن آرائه: لو أرداوا بناء مسجد وأرادوني على عدّ آجره لما فعلت([91]).
قاطع الدولة الأموية ورفض أن يتولى أيّ منصب فيها, أراده ابن هبيرة أن يكون قاضياً أيام مروان بن محمد ـ آخر حكام بني أمية ـ فرفض، فضربه مئة سوط([92]).
وقال حول خروجه: «ضاهى خروجه خروج رسول الله يوم بدر» فقيل له: تخلّفت عنه؟ قال: «حبسني عنه ودائع الناس», وقال: «لو علمت أن الناس لا يخذلونه لجاهدت معه؛ لأنه إمام حق, ولكني أُعينه بمالي», فبعث إليه بعشرة آلاف درهم وقال للرسول: ابسط عذري له.
وكان يساند الحركات المسلحة الخارجة على الحاكم الأموي, فقد كان «يفتي سراً بوجوب نصرة زيد بن عليّ، وحمل المال، إليه والخروج على اللص المتغلب المسمى بالإمام والخليفة».
وحينما بدأ العباسيون يعدون العدّة للقضاء على الحكّام الأمويين ساندهم، واشترك معهم في تحريض المسلمين وحثهم على الاشتراك في هذه الحركة([93]), وفي بداية حكومة أبي العباس السفاح اجتمع معه وأيده قائلاً: «الحمد لله الذي بلغ الحقّ من قرابة نبيه وأمات عنا جور الظلمة…، وقد بايعناك على أمر الله, والوفاء لك بعهدك إلى قيام الساعة»، وقد استمر على ولائه لبني العباس حتى نزل الأذى بآل علي([94]).
فكان إنزال الأذى بأهل البيت^ هو الفاصل بين الإمام أبي حنيفة والعباسيين, ولذا كان يرفض أي لون من العلاقة بينه وبينهم، وكان يعارض سياستهم ويخالفها ما دامت لا تحكم بكتاب الله وسنة رسول’. والأمثلة على ذلك عديدة, ومنها: أنّ المنصور شرط على أهل الموصل إن خرجوا عليه تحلّ دماؤهم، فخرجوا, فأفتى له الفقهاء بالجواز إلاّ أبا حنيفة قال: إنهم شرطوا لك ما لا يملكون، وشرطت عليهم ما ليس لك.
ودعاه للقضاء فقال: «لا يصلح للقضاء إلاّ رجل يكون له نفس يحكم بها عليك وعلى ولدك وقوادك, وليست تلك النفس لي».
وظلّ يكرر عليه القضاء فيأبى, فلهذا عذَّبه، ثم أخرجه من السجون، ومنعه من الدرس والإفتاء, وقد مات بعد ذلك بقليل([95]).
وفي رواية أكرهه على شرب سويق مسموم, فمضى به إلى السجن فمات فيه.
وتواترت الروايات أنه مات في السجن([96]).
وفي رواية عن زفر بن الهذيل قال: كان أبو حنيفة يجهر بالكلام أيام إبراهيم بن عبد الله بن الحسن جهراً شديداً, فقلت: ما أنت حتى تضع الحبال في أعناقنا, فلم يلبث أن جاء كتاب المنصور إلى عيسى بن موسى فحمله إلى بغداد خمسة عشر يوماً، ثم سقاه، فمات([97]).
وقد تواترت الروايات على نصرته لإبراهيم, فقد جاءت إليه امرأة: فقالت: إنّ ابني يريد هذا الرجل وأنا أمنعه؟ فقال: لا تمنعيه([98]).
وقالت له امرأة: أشرت إلى ابني بالخروج مع إبراهيم ومحمد ابني عبد الله بن الحسن حتى قتل, فقال: ليتني مكان ابنك([99]).
وهو الذي ثبّط بعض قوّاد المنصور عن الخروج لحرب إبراهيم، ومنهم: الحسن بن قحطبة ([100]).
وكتب إلى إبراهيم يشير عليه أن يقصد الكوفة ليعينه الزيدية, وقال له: ائتها سراً؛ وكتب أيضاً: إذا ظفرك الله بعيسى وأصحابه فلا تسر فيهم سيرة أبيك في أهل الجمل, فإنه لم يقتل المنهزم، ولم يأخذ الأموال, ولكن سر فيهم بسيرته يوم صفين…، فنظر المنصور في كتابه، فسيره وأشخصه، وسقاه شربة، فمات منها([101]).
وأهم من ذلك اعترافه بإمامة جعفر الصادق× كما تقدم, فإنّ هذا الاعتراف، إضافة إلى تأييده لحركة إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، يعتبر جريمة في نظر العباسيين، أودت بحياته, وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على موالاته لأهل البيت^ والتعاطف معهم والاعتراض على ما يجري عليهم وما يواجهونه من ظلم واضطهاد, ولعل رفضه للقضاء داخل في هذا التعاطف، حيث رفض التعاون مع حاكم ظلم أهل البيت وذويهم وأنصارهم, وإلاّ فإنه قادر على الدخول مع السلطان، وكان العباسيون يتوددون إليه, إلاّ أنه رفض جميع المغريات، فكان موقفه كموقف أئمة أهل البيت من حكّام زمانهم.
4 ـ الإمام مالك بن أنس
اعتزل الإمام مالك ميدان الصراع المسلح بين الحكّام والخارجين عليهم, فلم يكن مع أيّ طرف منهم([102]).
ومع ذلك كان يفتي بما يراه شرعياً, ولا يراعي مصلحة الحكّام أو أهدافهم، فقد ضُرِبَ وعُذّب في فتوى لم توافق أغراضهم([103]).
وقد اختلفت الروايات أو اختلف الباحثون في موقفه من حركة محمد ذي النفس الزكية على أقوال: بعض الروايات ترى أنّه أفتى بجواز الخروج مع محمد على المنصور, وقيل له: إنّ في أعناقنا بيعة للمنصور, فقال: إنما بايعتم مكرهين, وليس على مكره يمين([104]).
وإنّ هذه الفتوى شجعت الناس على الخروج, فأسرعوا إلى الالتحاق بمحمد بن عبد الله بن الحسن([105]).
ويرى الشيخ محمد أبو زهرة: أنه ضرب لتحديثه بهذا الحديث في وقت خروج محمد بن عبد الله بالمدينة, لا لأنه كان يحرض بذلك الحديث, بل الذي نعتقده أّنه حدث بهذا الحديث ورواه ونقله الناس عنه, فوجد الناس فيه ما يدل على أنه يجوز أن يتحللوا من بيعة المنصور زاعمين أنها كانت بالغلبة والإكراه, ووجد الكائدون لمالك في ذلك فرصة للكيد له, فأخبروا والي المدينة بذلك…، وهؤلاء ظنوا أنه بروايته يروّج للدعاية ضدهم, ويمالئ بروايته في وقت خروج الخارجين([106]).
والذي نراه أنهّ بروايته «ليس على مستكره يمين» أراد بالفعل تبيان حكم شرعي، وهو جواز نقض البيعة؛ لأنّ القسم لم يتم؛ لأنهم أقسموا تحت الإكراه, ولا يخفى على الإمام مالك أّنه سئل عن ذلك في أجواء حركة محمد بن عبد الله بن الحسن, وإنّ الناس سيفهمون جواز نقض البيعة, وهو ما حصل بالفعل, فالقرائن تدلّ على أنّ الناس سيفهمون جواز نقض البيعة, وهو ما حصل بالفعل, فالقرائن تدلّ على أنه كان مسانداً لهذه الحركة المسلحة, وأنّ موقفه من الحكّام كان سلبياً، أو على أقل التقادير أنه كان محايداً, لم يؤازرهم ولم يساندهم في صراعهم مع المعارضين.
5 ـ الإمام محمد بن إدريس الشافعي
صرّح الإمام الشافعي بموالاة أهل البيت في أشعاره وأقواله, وهذا التصريح بنفسه يعد معارضة للحكّام الذين أرادوا طمس معالم أهل البيت والقضاء على منهجهم, لكنهم لم يواجهوه بالعنف لتعدد الثورات في زمانه, وهنالك أخبار ترى أنه قدّم للقتل بسبب هذه الموالاة, ولكن أخرج بشفاعة القاضي أبي يوسف، فأفرج عنه، ولولاه لقتل([107]).
وكان موته باعتداء؛ إذ حبس الوالي أحد الأشخاص واسمه فتيان, فجاء شباب متعصبون لفتيان واعتدوا على الشافعي, فلم يزل عليلاً إلى أن مات ([108]).
وهذا الاعتداء، وإن لم نملك أدلة ومعلومات عن أسبابه ودوافعه والأهداف المرجوة منه, إلاّ أّنه لا يستبعد أن يكون للحكام دور في تحريك المعتدين؛ لأنهم لم يستطيعوا استمالته لهم, ولم يستطيعوا إقناعه أو إكراهه على التخلي عن موالاته لأهل البيت^, فقد كانت أحاديثه وأشعاره دليلاً واضحاً على هذه الموالاة.
6 ـ الإمام أحمد بن حنبل
عرف الإمام أحمد بن حنبل بموالاته لأهل البيت^ بذكر فضائلهم، وتكريم واحترام أئمتهم بكل تكريم، واحترام مطلق العلويين.
وكتب إلى المتوكل أنه أخفى علوياً في منزله يريد أن يخرجه ويبايع له, ففتشوا منزله فلم يجدوا أحداً ([109]).
وتفتيش المنزل على أثر كتاب أو خبر يدل دلالة واضحة على أنه كان متهماً من قبل الحكّام, وإلاّ لدافعوا عنه, ولم تصل النوبة إلى تفتيش المنزل لولا وجود سوابق عنه في هذا الأمر.
ووشي به أنه يشتم آباء المتوكل ويرميهم بالزندقة([110]).
ولا يستبعد منه أنّه كان يرمي حكّام بني العبّاس بالزندقة؛ لأنهم خالفوا القرآن الكريم والسنة النبوية في كثير من القضايا والوقائع, فلا بدّ أن يحكم عليهم على الأقل بالفسق ومخالفة الثوابت الشرعية.
وسجن الإمام أحمد عدة مرات في عهد ثلاثة من حكام بني العباس, وعذب تعذيباً شديداً؛ لقوله بعدم خلق القرآن, فقد سجن في عهد المأمون ولم يخرج غلاًّ في عهد المعتصم, وقد عذب في عهده ثم أفرج عنه([111]).
ولا يعقل أن يكون سجنه بسبب قوله بعدم خلق القرآن؛ لأنّ العباسيين لا يهمهم ما قيل في القرآن، مخلوق أم قديم، بقدر ما يهمهم بقاء سلطانهم, فلعل سجنه كان بسبب معارضته لهم في مواقفهم المخالفة للشريعة, أو بسبب نشره لفضائل أهل البيت.
وفي جميع الأحوال والظروف كان موقفه سلبياً من الحكام المتعاقبين على السلطة, فقد رفض تولّي القضاء في عهد الأمين, وكان يرفض العطاء والهدايا من قبلهم, ولزم منزله لا يخرج إلى جمعة أو جماعة, وامتنع عن التحديث في خلافة المأمون والمعتصم والواثق([112]).
وأراد منه المتوكل أن يقيم ليحدث الناس عوضاً عمّا فاتهم منه في أيام المحنة, فاعتذر أّنه عليل([113]).
وسيّره المتوكل إلى ابنه المعتز, فلم يسلّم عليه بالإمرة([114]), وأمره الواثق بالانعزال, وقال له: «لا تساكنّي بأرض ولا مدينة أنا فيها», فاختفى في البيت حتى هلك الواثق ([115]).
إذاً فلم تكن علاقته مع حكّام زمانه علاقة مودّة ومحبّة وموالاة، بل علاقة مقاطعة ومعارضة.
وعلى ضوء ما تقدم نجد أن مواقف أئمة وفقهاء المذاهب من حكّام زمانهم هي مواقف واحدة، وهي عدم الولاء وعدم التعاون إلاّ في حدود المصلحة الإسلامية العليا, وبهذا فلا صحة لما يثار أن المذهب الفلاني يساير حكام الجور ويبرر أخطاءهم أو انحرافاتهم, فمثل هذه الإثارات والإشاعات يراد منها خلق البلبلة والاضطرابات بين المسلمين؛ لينشغلوا بالقيل والقال وبالتهم ودفع التهم عن أهدافهم الكبرى.
وخلاصة القول: إنّ العلاقة بين أئمة أهل البيت^ وأئمة المذاهب كانت علاقة ودّ وتآزر, ولم تحدث بينهم قطيعة أو تدابر, وكان أتباعهم كذلك, فكانوا يتزاورون ويجتمعون معاً في المساجد وفي أماكن التجمعات الأخرى, فكانوا يعودون المرضى ويشيعون الأموات ويحضرون ولائم الزواج والأفراح, وقد تواترت الروايات الدالة على هذا التعاون والتآزر وعلى عمق العلاقات الاجتماعية, ومن يتتبع كتب التاريخ والحديث يجد صحة ذلك, حيث يروي الرواة والمحدثون ما نصه: «دخلت على أبي عبد الله وعنده أبو حنيفة», «دخل أبو حنيفة على جعفر الصادق», «دخل مالك على جعفر بن محمد», «أكل أبو حنيفة طعاماً مع الصادق», وكذلك قول بعض أئمة المذاهب، من قبيل: «دخلت على جعفر بن محمد», «اختلفت إليه زماناً», وكانت له علاقات مع حريز والأعمش ومؤمن الطاق, وكان يأنس أحدهم بالآخر.
ولم يحدثنا التاريخ أنه حدث خلاف أو تنافر أو تقاطع بين أئمة أهل البيت وأئمة المذاهب أو بين أتباعهم, وجميع الخلافات حدثت بعد عصرهم, وفي مراحل متأخرة من حركة ومسيرة المسلمين, وأغلبها كان بفعل أعداء الإسلام أو من فعل الحكّام المنحرفين الذين لا يقوى سلطانهم إلاّ بالفرقة والتمزق.
الخاتمة
في ظروف اشتداد الحملة الاستكبارية على الوجود الإسلامي واستهدافه عقائدياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً ينبغي إشاعة مفاهيم وقيم المودة والمحبّة والإخاء والتعاون والتآزر, والتعالي عن التعصّب باحترام الرأي الآخر, وإقرار التعددّية في فهم الإسلام ومتبنياته الفكرية والتشريعية, والتحاور حول المحاور الواحدة, والانطلاق من المشتركات لمواجهة التحديات والمؤامرات بموقف عملي واحد, مع الاحتفاظ بالخصوصية المذهبية, والتخلّي عن الآراء والمواقف التي تزيد من دائرة الصراع, والاحتفاظ بها دون الإعلان عنها، وخصوصاً في الإعلام المقروء والمسموع, وبالأخص في الفضائيات وفي الإنترنت, ولْتُشكَّلْ لجان للحوار إن كان لا بدّ منه, وأنْ يكون مستنداً إلى القواعد العلمية دون تحامل على الآخر أو تقبيحه.
وينبغي للفقهاء والعلماء والمفكرين والمثقفين أن يعيدوا كتابة التاريخ بما ينسجم مع المصلحة الإسلامية العليا؛ لغلق الثغرات أمام المتربصين بالإسلام فكراً ووجوداً وقاعدة, وهذا يتطلب وقفة شجاعة من المصلحين؛ لإعادة النظر في الروايات المدسوسة، والتصريح بضعفها, ونشر الروايات والوقائع التي تشير إلى علاقات المودّة بين أئمة المذاهب وعلاقات التعاون والتآزر؛ ليتوجه أتباعهم نحو الأهداف الكبرى وإحباط المؤامرات التي تستهدفهم جميعاً؛ لانتمائهم للإسلام الذي أريد له أن يكون في الموقع الريادي لقيادة المجتمع الإنساني.
المصدر: مجلة الاجتهاد والتجديد، العددان: 11 ـ 12.
[1]) الصدوق، من لا يحضره الفقيه، جماعة المدرسين، قم 1392هـ.
([2]) الإمام الخميني، الرسائل العشرة: 827، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني, طهران, 1427هـ.
([3]) جمعت هذه الفتاوى في كتاب <مستقبل الفتن الطائفية>، إصدار مركز الرعاية للدراسات التربوية، بغداد 2007م.
([4]) محمد علي الزغبي، لا سنّة ولا شيعة: 33، دار التراث الإسلامي، بيروت، 1394هـ.
([5]) ابن منظور، مختصر تاريخ دمشق 17: 320 دار الفكر، بيروت، 1404هـ.
([6]) ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك 4: 75، دار الكتب العلمية، بيروت، 1412هـ.
([7]) السيوطي، تاريخ الخلفاء: 57، دار الكتب العملية، بيروت، 1408هـ.
([8]) الكامل في التاريخ 2: 450، 500، 561.
([9]) الكامل في التاريخ 2: 512، 550 و3: 9.
([10]) الكامل في التاريخ 3: 66.
([11]) الكامل في التاريخ 3: 77، 89, 109.
([12]) حسين الديار بكري، تاريخ الخميس 2: 262، مؤسسة شعبان,بيروت، بدون تاريخ.
([13]) محمد بن سعد، الطبقات الكبرى 3: 68، دار صادر, بيروت، 1405هـ.
([14]) البداية النهاية 7: 18؛ تاريخ المدينة المنورة 3: 1131.
([15]) تاريخ الخميس 2: 263.
([16]) بحار الأنوار 50: 81, 82.
([17]) الكوثر 2: 399، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني، طهران، 1996.
([18]) ثقافة الدعوة الإسلامية: 441، 442.
([19]) ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب 4: 175. دار الأضواء، بيروت، 1412هـ.
([20]) الأردبيلي، كشف الغمة 2: 101.
([21]) ابن خلكان، وفيات الأعيان 2: 70، دار صادر، بيروت,1969م.
([22]) شرح نهج البلاغة 15: 274.
([23]) تاريخ اليعقوبي 2: 381؛ صفة الصفوة 2: 171.
([24]) سير أعلام النبلاء 6: 266.
([25]) الذهبي، سير أعلام النبلاء 6: 262، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405 هـ.
([26]) تاريخ اليعقوبي 2: 381.
([27]) سير أعلام النبلاء 6: 261.
([28]) محمد أبو زهرة، تاريخ المذاهب الإسلامية: 361، دار الفكر العربي، القاهرة، 1989 م.
([29]) تاريخ المذاهب الإسلامية: 689.
([30]) محمد أبو زهرة، الإمام الصادق: 38.
([31]) ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب 1: 220، دار الآفاق الجديدة، بيروت، بدون تاريخ.
([32]) عبد الحليم الجندي، الإمام الصادق: 162، القاهرة، 1397 هـ.
([33]) الزبير بن بكّار، الأخبار الموفقيات: 77، منشورات الشريف الرضي، قم، 1416 هـ.
([34]) العسقلاني، ابن حجر، تهذيب التهذيب 2: 88، دار الفكر، بيروت، 1404 هـ.
([35]) الإمام جعفر الصادق: 161.
([36]) الذهبي، تاريخ الإسلام: 366حوادث سنة 201 هـ.
([37]) الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة 201 هـ.
([38]) الهيثمي، الصواعق المحرقة: 40، دار الكتب العلمية، بيروت، 1414 هـ.
([39]) شرح نهج البلاغة 15: 274.
([40]) ابن النديم، الفهرست: 441.
([41]) ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد 2: 95، دار الكتب العلمية، بيروت، 1414 هـ.
([42]) شرج نهج البلاغة 13: 231.
([43]) الزمخشري، ربيع الأبرار 2: 104، منشورات الرضي، قم,1410 هـ.
([44]) شرح نهج البلاغة: 371.
([45]) حلية الأولياء 7: 26.
([46]) سير أعلام النبلاء 7: 241.
([47]) بحار الأنوار 47: 403.
([48]) سيرة أعلام النبلاء 6: 258.
([49]) محمد أمين غالب الطويل، تاريخ العلويين: 200.
([50]) بحار الأنوار 47: 20، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403 هـ.
([51]) بحار الأنوار 47: 16.
([52]) تاريخ المذاهب الإسلامية: 397.
([53]) مقاتل الطالبيين: 464.
([54]) تاريخ المذاهب الإسلامية: 442.
([55]) الفهرست: 441.
([56]) سير أعلام النبلاء 10: 8؛ طبقات الشافعية 1: 299.
([57]) ينابيع المودة: 399، 568.
([58]) ينابيع المودة: 330.
([59]) البداية والنهاية 10: 337.
([60]) المناقب: 163.
([61]) المناقب: 163.
([62]) ينابيع المودة: 142.
([63]) الماوردي، الأحكام السلطانية: 6، مكتب الإعلام الإسلامي,طهران، 1406 هـ.
([64]) النووي، روضة الطالبين 7: 262، دار الكتب العملية، بيروت، بدون تاريخ.
([65]) التفتازاني، شرح المقاصد 5: 231، دار الفكر، القاهرة، 1398 هـ.
([66]) مآثر الأناقة في معالم الخلافة 1: 26, 27.
([67]) الأحكام السلطانية: 7؛ شرح المقاصد 5: 223؛ نظرية الإسلام وهديه: 57؛ أحكام المعاملات الشرعية: 256؛ الإسلام وأوضاعنا السياسية: 146؛ الإسلام بين العلماء والحكّام: 49؛ الحل الإسلامي: 228.
([68]) كشف الغمة 2: 209.
([69]) بحار الأنوار 10: 218.
([70]) الطبقات الكبرى 7: 164.
([71]) حلية الأولياء 2: 151.
([72]) تاريخ الطبري 4: 80.
([73]) ربيع الأبرار 2: 486.
([74]) شرح نهج البلاغة 2: 103.
([75]) المنتظم في تاريخ الأمم والمملوك 6: 340.
([76]) وفيات الأعيان 2: 70.
([77]) المنتظم في تاريخ الأمم والملوك 7: 4.
([78]) المصدر السابق 7: 10.
([79]) تاريخ المذاهب الإسلامية: 94.
([80]) شرح نهج البلاغة 6: 371.
([81]) سير أعلام النبلاء 1: 106.
([82]) الجرح والتعديل 1: 114.
([83]) العقد الفريد 3: 109.
([84]) سير أعلام النبلاء 7: 251.
([85]) الجرح والتعديل 1: 108.
([86]) سير أعلام النبلاء 7: 264.
([87]) ربيع الأبرار 2: 545.
([88]) الطبقات الكبرى 6: 372.
([89]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 13: 385، دار الكتاب العربي ـ بيروت.
([90]) حسين الديار بكري، تاريخ الخميس 2: 327، مؤسسة شعبان ـ بيروت.
([91]) وفيات الأعيان 5: 407.
([92]) تاريخ الخميس 2: 327.
([93]) دائرة المعارف الإسلامية: 332.
([94]) تاريخ المذاهب الإسلامية: 368.
([95]) تاريخ المذاهب الإسلامية: 472 ـ 374.
([96]) ربيع الأبرار 3: 605.
([97]) سير أعلام النبلاء 6: 401.
([98]) تاريخ بغداد 13: 330.
([99]) مقاتل المطالبيين: 378.
([100]) تاريخ الخميس 2: 327.
([101]) مناقب أبي حنيفة 2: 22.
([102]) مقاتل الطالبيين: 367.
([103]) تاريخ المذاهب الإسلامية: 414.
([104]) شذرات الذهب 1: 290.
([105]) تاريخ الخلفاء: 10.
([106]) مقاتل الطالبيين: 283.
([107]) مالك بن أنس: 59؛ تاريخ المذاهب الإسلامية: 416.
([108]) لا سنة ولا شيعة: 57 عن: مناقب الشافعي للرازي: 25.
([109]) تاريخ المذاهب الإسلامية: 450.
([110]) سير أعلام النبلاء 11: 267.
([111]) البداية والنهاية 10: 340.
([112]) سير أعلام النبلاء 11: 238، 259.
([113]) البداية والنهاية 1: 237.
([114]) سيرة أعلام النبلاء: 272.
([115]) سير أعلام النبلاء 11: 267.