قراءة في تجربة الإمام الخميني
د. السيد محمّد مقيمي(*)
المقدمة ـــــــ
إن تعددية الآراء والأهواء في الأمة من خلال ممارسة أنشطتها العامة، وتضارب الأفكار والمصالح، واختلاف الشخصيات، أدّت إلى الحاجة الشديدة لصياغة مشروع وأنموذج حضاري متكامل لإدارة تلك التضاربات والتضادات في الأمة.
وبناء على هذا، فإنّ المجتمعات البشرية بمختلف تنوعاتها الفكرية والدينية بحاجة إلى هذا الأُنموذج المثالي لتطبيقه في مجالاتها المختلفة.
وينبغي أن يرتكز هذا الأُنموذج على أُسس أخلاقية وسلوكية عالية، تعتمد مبادئ اجتماعية معينة لإدارة التضاد في الأُمة.
كانت شخصية الإمام الخميني ذات مقومات عالية في الاقتداء والتأسّي في المجالات الاجتماعية كافة في المجتمع الإسلامي، لذا فإنّ دراسة فكر الإمام الخميني حول إدارة التضاد في المجالات الفردية والجماعية على الصعيد المحلّي والعالمي يمكن أن يسهّل كثيراً في عملية التوجيه وإدارة التناقضات الفكرية والتضادات الاجتماعية الحادة لدى الأُمة، وإضفاء جهات إيجابية من خلال معطياته الخاصة.
يعتقد الإمام الخمينيt أنّ التضاد في المجتمعات كالسيف ذو حدين، مفيد أحياناً، ومضرّ في أحيان عديدة أُخرى، بل ربما يكون سبباً في فشل الثورات الإسلامية وإسقاطها من أساسها.
لقد استعرض الإمام الخميني في كلامه حول بحث التضاد أُموراً أساسية مهمة وهي:
ـ خصائص ونوع التضاد في الأُمة بمختلف توجهاتها الفردية والجماعية.
ـ تحديد زمن وقوع التضادات في الأُمة.
ـ أُسلوب التضادات بين أفراد الأُمة بشتى انتماءاتها.
ويواجه رؤساء البلدان الإسلامية ودول المؤسسات أزمة حادة ومشاكل عديدة في عصرنا الراهن، وهي فقدان الإدارة الصحيحة في مجال إدارة التضاد على الصعيد المحلي والعالمي.
ولمصطلح التضاد (conflict) معانٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍِِِِ عديدة.
فقد عرفه علماء النفس من وجهته النفسية بالتضاد الباطني والروحي. وعلماء الاجتماع من وجهة اجتماعية بأنه التضاد بين الأفراد والجماعات.
وناقش الباحثون والمنظّرون كلا الرأيين باقتضاء أبحاثهم حول الإدارة للتضاد. وهكذا لو أردنا تفسير التعارض، فقد كان للمحلليين والباحثين تعاريف ومعان دقيقة.
فقالوا: إنه العداوة والخصومة، أو عدم التوافق بين الفرد والجماعة.
ـ أو إنه بمثابة الصراع النفسي في باطن الإنسان وشعوره بعدم قدرته على حلّ مشاكله وهمومه التي تواجهه.
ـ أو نتيجة التصنّع العادي.
ـ أو نتيجة تعاريف عديدة مختلفة يمكن التوصل إليها ومعرفتها من خلال عمل الإنسان ووظيفته.
ـ أو بمعنى المنافسة والمراقبة([1]).
وعرّفه «تامبسون» تعريف عملياً وبسيطاً: بأنه اختلاف أُسلوب التعامل «لجهة معينة» مع جهة أخرى.
أما «توماس» فقد عرّفه في أبحاثه الكثيرة بأنه الشروط التي تتضمن مسائل تعني كلا الطرفين المتخاصمين([2]).
آراء ووجهات نظر فلسفية حول التضاد ـــــــ
ماذا على المدير أن يفعل إن حصل التضاد؟
الإجابة عن هذا السؤال تعتمد على رأي المدير وتفسيره للتضاد، والأفكار والتوجهات التي يحملها عنه.
ويوجد هنا ثلاثة آراء فلسفية أساسية حول إدارة التضاد([3]) هي:
1 ـ النظرية التقليدية ـــــــ
يحاول المدير الذي يعتقد بأنّ التضاد ظاهرة غير ضرورية ومضرة بالمجتمعات، ويخاف من وقوعه، أن يقضي على الأرضية المؤدّية لظهوره في تلك المؤسسة.
إنّ هذا المدير يمتلك نظرة تقليدية حول ظهور التضاد.
ويعتقد المدراء أنّ وقوع هذا التضاد دليل على العيب والنقص، ويحاولون رفعه بمختلف الوسائل.
2 ـ نظرية العلاقات الإنسانية ـــــــ
يعتقد أصحاب هذه النظرة أنّ تكرار ظاهرة التضاد وظهورها في المؤسسة إنما هو باعتبار الطبيعة البشرية المقتضية لتخصيص المنافع والحياة المنتظمة، فالمدير الذي يمتلك نظرة تعاملية وسلوكية يأمل في وقوع التضاد في المؤسسة، ويثمر عن نتائج إيجابية.
ولكن يرى هؤلاء المدراء بشكل عام أنّ وقوع التضاد مضرٌّ بالمجتمع، فكانت لهم ردود مناهضة لـه من خلال نظرتهم الفلسفية تلك، كالعمل على حلّه، أو إنهاء دوره والقضاء عليه نهائياً.
3 ـ النظرية التعاملية والسلوكية ـــــــ
ظهرت مؤخراً فلسفة جديدة تدعى «بالفلسفة التعاملية والسلوكية» يعتقد أصحابها أنّ التضاد يكون حسناً وقبيحاً، وهذا يرتبط بكيفية إدارة التضاد.
ويعتقد أصحاب هذا التعامل أيضاً أنّ وقوع التضاد أمر حتمي، بل هو ظاهرة مفيدة وضرورية لسلامة المجتمع والمؤسسة. لهذا يحاول المدير الذي يمتلك هذه النظرة التعاملية والسلوكية إلى تطوير وتنمية أُسس التضاد وجهاته الإيجابية بالقوة في المؤسسة، ويحدّ من الجهات المتضاربة والسلبية([4]).
أنواع التضاد ـــــــ
يوجد نوعان للتضاد في إطار المؤسسة([5]):
1 ـ التضادات المتعينة والثابتة (Institutionalized conflicts).
2 ـ التضادات جديدة الظهور (Emergent conflicts).
فالنوع الأول من التضاد ناشئ من الطبيعة الخاصة وأهداف ومقاصد المؤسسة.
وتقابل المنافع وسائر أهداف المؤسسة ومصالح الموظفين وأهدافهم إنما هي من نوع التضادات المتعينة والثابتة.
أما النوع الثاني «وهي التضادات الجديدة الظهور» فهي نوع آخر من التضاد، وهي ناشئة عن التعاملات الرسمية وغير الرسمية للأفراد في عملهم اليومي، أو يكون ناشئاً من المنافسة بين الموظفين حول ملاكات المؤسسة واستخدام مواردها.
وفي كلا النوعين من التضاد جدل ونزاع.
غاية الأمر: أنّ النوع الأول من التضادات «التضادات المتعينة والثابتة» يمكن التنبؤ بها وقراءتها، وهي لاصقة وقوية، مع أنّ التضادات الجديدة الظهور هي أقل تنبؤاً وبالقوة.
موقع التضاد ، تفسير وتحليل ـــــــ
إنّ الإجابة عن ثلاثة أسئلة مهمة وضرورية في باب التضاد تساعد المدراء على تحديد جهته ومعرفة موقعه، وهي:
1 ـ مع من يحصل التضاد؟
ربما يحصل التضاد بين الأفراد، أو في أعماق الفرد، أو بين الفروع والأقسام، و…
2 ـ ما هو مصدر التضاد؟
ربما يكون التضاد ناشئاً عن المنافسة، النزاعات الفردية، خطط وبرامج المؤسسة، وغير ذلك.
3 ـ ما هو مستوى التضاد؟
ربّما يوصل التضاد مدير المؤسسة والمجموعة المعينة إلى التدخل السريع والفوري لحسم النزاع ومعالجة الموقف، أو يكون التضاد كحد أدنى من ذلك. فعلى المدير التدخل السريع والفوري فيما إذا تعرّضت أهداف المؤسسة والجماعة إلى التهديد، أو الضرر والخطر. أما إذا كان أقل من ذلك، كما إذا لم يكن هناك تفاهم بينهم وانسجام بين الأفراد، فلا داعي إلى التدخل الفوري والسريع لإنقاذ الموقف وحسم النزاع بين الأطراف المتخاصمة.
إنّ من أهم مسؤوليات المدراء في مؤسساتهم معالجة الموقف الحاصل من حالات التضاد من خلال حلّه، أو الحدّ منه. ولكنْ هناك أُمورٌ تفرض على المدراء إيجاد الأرضية وتنشئتها لظهور حالات التضاد في المؤسسات بهدف إظهار الكفاءة وتنمية القابليات لدى الموظفين فيها.
أما العوامل التي تساعد المدراء على إيجاد التضاد في المؤسسة، فهي:
1 ـ إذا كان ميزان إنتاج الموظفين في الحد الأدنى، وهم عارفون بذلك.
2 ـ إذا خاف الموظفون من ارتكاب أعمال خطيرة وغير لائقة.
3 ـ إذا انفعل الموظفون عند مواجهة بعض التصرفات والسلوكيات.
4 ـ إذا انعدم الإبداع والكفاءة في المؤسسة.
أما الآليات والبواعث التي يمكن استخدامها لإيجاد التضاد([6])، فهي:
1 ـ وسائل الارتباط:
وذلك من خلال استخدام الخطابات المبهمة والتهديدات من أجل رفع مستوى التضاد.
2 ـ فتح باب التوظيف، ومنح المسؤوليات لوظائف شاغرة للأفراد من خارج المؤسسة:
وذلك من خلال زيادة الكادر الفني في المؤسسة، ومنح ذوي الكفاءات والاختصاص مسؤوليات ووظائف شاغرة للعمل، وكذا توظيف ذوي القيم والمبادئ، وأصحاب الفكر والتطوير لمشاريع المؤسسة باعتبارهم مختلفين عن الموظفين الموجودين حالياً في داخلها.
3 ـ تطوير عمل المؤسسة وإعادة صياغة هيكلها العام، وذلك من خلال إضفاء طابع المسؤولية، وإعادة اختيار مسؤولي الفروع والأقسام التابعة للمؤسسة، وتغيير القوانين والقرارات، وتكثيف الجهود لإيجاد التلاحم والانسجام بين الموظفين، وإعادة بناء هيكلية المؤسسة؛ لإيجاد التوازن في الوضع الراهن فيها.
4 ـ اختيار أشخاص من ذوي الفطنة والنباهة:
وهم المسمّون «بالنقادين» الذين يواجهون الأكثرية في تلك الفروع والأقسام.
استراتيجيات إدارة التضاد ـــــــ
ذكر المختصون والمعنيون في قسم الإدارة والبرمجة تكتيكات وأساليب عديدة لحلّ التعارض داخل المؤسسات، نشير إليها فيما يلي:
1 ـ جلوس المتخاصمين على طاولة واحدة، وحسم النزاع وجهاً لوجه بينهما.
2 ـ إيجاد الهدف المشترك والموحد.
3 ـ زيادة حجم الإنتاج، والموارد والمصادر النادرة.
4 ـ العمل على إصدار الأوامر والقرارات الفورية واتخاذ الإجراءات اللازمة سريعاً.
5 ـ تغيير النظام الداخلي والإنساني في المؤسسة.
6 ـ عرض طلبات جديدة ونظام متكامل في التوظيف داخل المؤسسة.
7 ـ نقل بعض الموظفين إلى أماكن أُخرى.
8 ـ إيجاد مسؤوليات متوازنة ومنسجمة مع نظام المؤسسة.
وذكر «توماس» خمس استراتيجيات مهمة وأساسية أخرى لإدارة التضاد في المؤسسات هي:
1 ـ المنافسة([7])
وهي الرغبة في حصول الفرد على مصالحه دون الاكتراث بأنّ فعله هذا يؤدي إلى التضاد مع مصالح شخص آخر.
2 ـ تقديم الدعم والتعاون([8])
وهي فرصة في ثبات كلا المتخاصمين على موقفه، في ضرورة حصول كل منهما على المصالح، مع رغبة كل منهما في تقديم الدعم والمساعدة للآخر مع رعاية خاصة له.
3 ـ الاجتناب([9])
وهو رغبة الشخص في العزلة أو مواجهة التضاد.
4 ـ المساومة([10])
وهي محاولة الشخص منح الطرف الآخر أهمية خاصة وميزة، لكونه أفضل منه.
5 ـ المصالحة([11])
وهي اتفاق طرفي الدعوى في وقت محدد على الانسحاب والتراجع عن رأييهما من خلال إعطاء تسهيلات للآخر في مقابل ما يأخذه منه.
وتعد هذه الاستراتيجيات الخمسة مهمة جداً في إدارة التضاد، وحسم الخلاف والنزاع، ومن الضروري استخدامها في موقعها المناسب. لكن ينبغي الانتباه إلى موقع ونوع تلك الاستراتيجية المطلوبة([12]).
ويعلم مما سبق أنّ التضاد كالسيف ذو حدين، يعتمد في النتيجة على: العامل ونوع العمل، وكيفية استخدامه. فإن كان التضاد في خدمة المصالح والأغراض الشخصية، ولأجل الانتقام، فهو مضر وغير مؤثر قطعاً. أما إذا استخدم لأجل الحفاظ على المصالح والأغراض العامة، وتطوير القدرات والمشاريع، وتنمية الكفاءات، فهو مفيد ومؤثر، وله معطيات كثيرة([13]).
مدخل لقراءة عامة لنظرية الإمام الخميني ـــــــ
هناك مفاهيم ومصطلحات عديدة حول إدارة التضاد في فكر الإمام الخمينيt، يفيد بعضها نظرته السليمة والإيجابية حول مفهوم التضاد في الأمة وشرائحها الاجتماعية، وبعضها يحمل طابعاً سلبياً.
فالنزاع والتوتر والاضطراب، والتفرقة، والتنافر، والعنف هي مفاهيم ومصطلحات سلبية وضارّة في فكر الإمام الخمينيt حول التضاد.
واختلاف الآراء والأذواق، واختلاف رجال الدين في أبحاثهم، وخاصة في الأُمور الاجتهادية، هي مفاهيم ومصطلحات إيجابية بنّاءة وفاعلة، وهي تبعث النشاط والحركة في المجتمع في كافة المجالات؛ أمر ضروري ولازم في بنائه.
وبناء على هذه النظرة الخاصة للإمام الخميني، لا ينبغي إشاعة التضاد في الأُمة في الأزمات الحادة، بل إنّ الدعوة إلى الوحدة والانسجام والتلاحم بين مختلف طبقات الأمة وشرائحها الاجتماعية سيؤدي إلى نتائج أكثر إيجابية وفاعلية.
ونستلهم من فكر الإمام الخميني وكفاحه الثوري ضد الحكم الشاهنشاهي في إيران، وانتصار الثورة الإسلامية، والأزمة التي مرّت بها الثورة إبان الحرب المفروضة عليها، أنه كان يوصي الأُمة الإسلامية ـ وفي محافل عديدة ـ بضرورة نبذ الخلاف والنزاع وعدم الفرقة.
ويعرض الإمام الخميني مثلاً مهماً وعملياً في بحث التضاد الجاد والبنّاء، وهو ضرورة ارتقاء الأبحاث والنقاش بين الجماعات المتخاصمة والتيارات الفكرية في الأمة إلى مستوى الأبحاث العلمية والفقهية الجادّة لطلبة العلوم الدينية والحوزات العلمية، وكيفية دفاعهم في أبحاثهم بقوة وحماس عن آرائهم وأفكارهم، لكن هذا لا يكون سبباً في المشاجرة والخصومة والعداء، بل يبتني على التعامل البناء والمثمر، فبعد انتهاء البحث والجدل، يعود كلُّ شيء إلى نصابه، ويعيشون في محيط واحد ودار واحدة، ويقيمون بينهم علاقات ودّية طيبة ومتينة.
ويعتقد الإمام الخميني أنّ اختلاف الأذواق، والتضادات والتناقضات الفكرية الموجودة بين التيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية ينبغي أن تتخذ هذا الأسلوب، وأن لا يتحول إلى عداء شخصي وخصومة.
ويرى الإمام الخميني في نتيجة هذا البحث أنّ الخطر الذي يهدد المجتمعات البشرية هو وجود التناقضات وحالات التضاد غير المثمرة والبناءة التي تسوقها إلى العداء والخصومة، واختلاف الأذواق الشخصية أيضاً التي توقف حركة المجتمعات ونشاطها([14]).
ويعتقد الإمام الخميني بضرورة نشر روح الحوار والبحث العلمي الحوزوي البنّاء في المجتمع، وعدم السماح أو إعطاء الفرصة لإيجاد الاختلاف والعنف بين شرائحه. ويعتقد أيضاً بضرورة نشر أُسلوب الأبحاث الحوزوية في المجالات السياسية والاجتماعية في المجتمع.
إنّ رفع الأصوات أثناء البحث العلمي الحوزوي بين طلبة العلوم الدينية في رأي الإمام الخميني لا يتبعه أي أثر للعداء أو الخصومة، فربما يتحاور الصديقان معاً في قضية مهمة معينة، يصل بهما الأمر إلى الصراخ وتقطيب الوجه أمام الآخر، ولكن بعد انتهاء البحث والنقاش، يعودان إخوة وأصدقاء كما كانوا، ولا يترتب عليه أثر بسبب ما صدر منهما، بأنك قلت كذا وأنا قلت كذا مثلاً، بل هما أخوان في هذا الحوار، والخلاف هو في الرأي([15]).
بين الخلاف والاختلاف عند الإمام الخميني ـــــــ
امتلك الإمام الخميني رؤية شمولية ومتكاملة شملت الجوانب والمجالات العملية وغير العملية كافة حول إدارة التضاد في المجتمعات البشرية. وقد أطلق عدة مفاهيم ومصطلحات سلبية على التضاد، كالاختلاف والتوتر والاضطراب، والتفرقة والعداء والخصومة وغيرها. وأطلق مفاهيم ومصطلحات إيجابية وبناءة على التضاد، كاختلاف الآراء والأهواء، والأفكار، والاجتهاد.
ويعتقد الإمام الخمينيt أنّ الاختلافات في التفكير والآراء هي ليست مفاهيم ومصطلحات عملية ومؤثرة فحسب، بل إنّ فقدانها في المجتمع هو دليل على نقص الفهم والشعور لدى الأمة.
ويمكن مشاهدة هذا الأُسلوب المنسجم والمتكامل في خطابه في (27) أرديبهشت عام 1367 هـ.ش بمناسبة عيد الفطر المبارك أثناء لقائه مسؤولي الدولة وذوي الرتب العالية السياسيين والعسكريين قائلاً:
هناك نوعان من التفكير، فينبغي أن يحصلا، وهناك رأيان، فينبغي أن يحصلا. ولتكن الأذواق والأهواء؛ ولكن اختلافها لا ينبغي أن يكون سبباً في عداء الناس بعضهم للبعض الآخر، بل تكون كالأبحاث الحوزوية، فهم عندما يتحاورون ويتباحثون في موضوع مهم، يرتفع صراخهم وصياحهم، حتى يتصوّر الإنسان أن بينهم عداءً وخصومة، ولكن بعد انتهاء البحث العلمي والحوار، يجلسون مع بعضهم إخوة متحابين.
فإذا لم يكن اختلاف في الأذواق والأهواء في مجتمع من المجتمعات فهو مجتمع ناقص، وإن لم يكن في مجلس اختلاف، فهذا المجلس ناقص أيضاً. فالاختلاف ينبغي أن يكون، وينبغي أن يكون اختلاف في الرأي، والبحث العلمي، والحوار بصوت مرتفع وصراخ، ولكن لا نكون في النتيجة فرقتين متخاصمتين، بل فرقتين متحابتين رغم اختلافنا في الرأي([16]).
ومضافاً إلى ذلك، يعتقد الإمام الخميني أنّ الاختلاف أثناء تبادل الأفكار الاجتهادية والفقهية أمر ضروري في بث روح النشاط والحركة في نظام الحكم الإسلامي([17]). ودعا الأمة بمختلف أطيافها إلى اليقظة والفطنة وتفويت الفرصة على الأعداء؛ لكي لا يكون اختلاف الأُسلوب والعمل سبباً في الفرقة والخلافات السياسية، وإيجاد التوتر والاضطراب في المجتمع.
إنّ منشأ جذور عوامل الاختلاف في رأيه هي حالات نفسية، فالثورة الإسلامية كانت ولا تزال تمرُّ بأزمات حادة وصراعات متناقضة عديدة، لكن العقل السياسي الناضج يفترض في هذه الحالة أن تنبذ الأمة بأطيافها وجماعاتها المختلفة الخلافاتِِِِِ كافة وتتناساها. وإنّ منشأ الخلافات في رأيه هو الإضرار والضربات الموجهة من أعداء الثورة في إيران، فقد سعى أعداء الإسلام دائماً ـ ومن خلال بثّ الفرقة والاختلاف ـ إلى الإطاحة بالثورات الإسلامية، وهم يعتقدون أيضاً بأنّ المشاركة الفعلية في الاعتقاد والأُصول والقيم الإسلامية والهدف النهائي هي موازين تخلق حالات التفاهم والانسجام، وهي أمر ضروري. فإذا فقدت الأُمة هذه الموازين والمعايير أطرافها المتخاصمة كافة فإنّ هناك أساليب وبرامج عديدة ينبغي استخدامها لإعادة هذه الأطراف المتخاصمة والأمة إلى مسارها الصحيح، وإلاّ فالأمر يقتضي هنا حسب رأيه ضرورة مواجهتهم في هذه الحالة.
لقد أكد الإمام الخميني ضرورة وجود التضارب في الآراء والاختلاف في التفكير، ولكن ينبغي احترام الموازين والتزام الحدود الشرعية في ذلك. بل، حتى في أصول الفقه أيضاً يرىt ضرورة نشر وتوسيع دائرة الفقه الجواهري، من خلال استخدام أساليب واستراتيجيات حديثة وعلوم عصرية جديدة، تحتاجها الحوزات العلمية في عصرنا الراهن([18]).
يرى الإمام الخميني أنّ الاختلاف محطّم وهدّام، وأنّ على الجماعات وشرائح الأمة تحطيم مصالحهم الشخصية وسحقها بأقدامهم، وإن كان هناك اختلاف، فينبغي أن يكون خالصاً لله تعالى. ويرى أنّ الأبحاث العلمية والحوارات بين فئات الأمة ينبغي أن ترتقي إلى مستوى الأبحاث العلمية في الحوزات العلمية، وأنّ الأفراط والتفريط في هذا الجانب غير مثمر أبداً.
لقد تخوف الإمام الخميني من أمرين خطرين في المجتمع، أحدهما: عدم التناسي والاعتقاد بأنّ الأبحاث العلمية والحوار في الحوزات العلمية مبنية لإيجاد الخلاف.
وثانيهما: أن لا يكون اختلاف الآراء والأذواق سبباً في الخلافات السياسية العميقة، وعليه، فإنه يؤكد دائماً على رعاية الاعتدال في تعامل الأمة في حالات التضاد.
شمولية أنواع التضاد في المجالات المختلفة ـــــــ
ينبغي دراسة وتحليل أنواع عديدة من حالات التضاد والصراعات التي كانت محل اهتمام الإمام الخميني باعتبارها عناوين التضاد في مجالات مختلفة، شريطة أن يكون ذلك التضاد مصطبغاً بأشكال محلية وعالمية.
فبعض هذا التضاد شامل لشرائح الأمة بمكوناتها كافةً، أو بعض المؤسسات والقوى الاجتماعية، فإنّ شمولية هذا التضاد في المجتمع هو عامل يسوق الباحث في هذا الجانب إلى تلك الجهة لتحليلها ودراستها باعتبارها عنواناً للتضاد الشمولي الشائع في المجتمع محلياً.
وعلى كل حال، فإنّ للتضاد آفاقاً واسعة لا تنحصر في داخل إيران، بل لـه عوامل خارجية أيضاً، يمكن بحثها ودراستها أيضاً، كالتضاد الحاصل بين إيران الإسلامية والبلدان الأخرى.
ويمكن تقسيم التضاد بآفاقه الواسعة في رأي الإمام الخميني إلى قسمين أساسيين هما:
1 ـ التضاد الداخلي «المحلي».
2 ـ التضاد بين البلدان «العالمي».
1 ـ التضاد الداخلي [المحلي] ـــــــ
أكد الإمام الخمينيt على ضرورة تلاحم الأمة ووحدتها وانسجامها، قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران وبعده، وحذر من خطر الأعداء في الداخل والخارج.
وبيّن أنّ الوحدة هي ضمان بقاء الإسلام وحياته، وأنّ انتقادات الأمة ووجهات نظرها من جهة ليس عائقاً أمام الوحدة والانسجام. ورأى أنّ وجود الخلافات بين بعض الأطراف في الأمة، كالحوزة العلمية والقوات المسلحة في مواجهة الأمة هي مؤامرة الأعداء، وهي مؤامرة خطرة ومضرة بمستقبل النظام الإسلامي، ودعا إلى التفاهم ووحدة الكلمة بين الحكومة والشعب، وضرورة التلاحم والدفاع من كل منهما عن الآخر([19]).
إنّ على الأمة في رأيه مسؤولية مواجهة الانحراف والإعراض عن المشعوذين المفرّقين صفوفها، ومواجهة الشائعات والأكاذيب وفضح المخلّين والمتلاعبين بأمن الأمة بأساليب سلمية، والسعي إلى هداية عوامل النفاق والفرقة([20]).
إنّ الثورة الإسلامية في إيران في رأي الإمام الخميني ليست مدينة لأحد، فإننا نضرب اليوم بعصا قوية على كثير من الأحزاب والليبراليين، ولكن البلد والثورة يفتحان كلا ذراعيهما وفي أي وقت لاحتضانهم([21]).
لقد حذر الإمام الخميني الطلاب الجامعيين وأتباع المذاهب الإسلامية من خلال اعتماد الدين الإسلامي في الاستدلال والبرهان القوي في دعوته، من استخدام العنف مع أتباع المذاهب والأديان الأخرى كافة، وهو يرى أن أُسلوب الحوار والبحث العلمي هو النهج الذي يمكن أن يحل ويرفع كثيراً من الخلافات([22]).
وأكد الإمام الخميني على دور وسائل الإعلام في إيجاد التفاهم والانسجام بين مكونات الأمة، من خلال بيان الحقائق وعدم التعتيم الإعلامي في المجتمع([23]).
2 ـ التضاد بين البلدان (العالمي) ـــــــ
يرى الإمام الخميني أنّ تضاد البلدان والدول وتعارضها مع إيران يعود إلى حالة الخوف والقلق والتهيب من الجمهورية الإسلامية وعظمتها في المنطقة، فمنحوا هذا التضاد زخماً كبيراً وأهمية قصوى من الترقب والحذر، ويمكن مشاهدة هذا التضاد وتحليله من كلام الإمام الخميني في قالبين:
أ ـ تضاد البلدان الإسلامية مع إيران.
ب ـ تضاد الدول العظمى وسائر البلدان غير الإسلامية مع إيران.
أكد الإمام الخميني ـ الذي يعدّ أحد المنادين بوحدة الأمة الإسلامية ـ ضرورة وحدة البلدان الإسلامية وانسجامها، وتظهر تلك الدعوة في خطاباته الصادرة عنه قبل انتصار الثورة الإسلامية المباركة وبعده. وسعى من خلال تأكيده على وحدة الهدف والعدو المشترك، ومن خلال استراتيجية وحدة الكلمة الإسلامية، الدعوة إلى إيجاد موقف إسلامي موحد للبلدان الإسلامية تجاه العدو، وتحدي الدول الاستكبارية العظمى. ولكن قلق الحكام المأجورين في البلاد الإسلامية حال دون تحقيق هذا الهدف، وهو شعار الوحدة الإسلامية التي تحدث عنه الإمام الخميني وذلك بسبب تخوفهم من تعرض مصالحهم للخطر وضياع ثرواتهم([24]).
ثم وصف الإمام الخميني العلاقات بين الدول الاستكبارية العظمى وإيران بأنها علاقات استعمارية، وبيّن أنّ تلك الدول لو رفعت يديها عن مطامعها الاستعمارية، فحينها يمكن إيجاد علاقات ودّية وبناءة معها، ولكنها تسعى دوماً إلى استغلال الشعوب واستثمار خيراتها ومنها إيران، فالتضاد يبقى مستمراً وقائماً بينها وبين بلداننا وشعوبنا.
وشبّه الإمام الخميني تلك العلاقات بين الدول العظمى وإيران «بعلاقة الذئب والحمل الوديع» ولكنه يرى في نفس الوقت أنّ الاحترام المتبادل والسلوك الإنساني لتلك الدول يمكن أن يخلق أجواء مفعمة بالودّ والعلاقات الحسنة معها ومع غيرها كأمريكا وروسيا، وإنجلترا وفرنسا، وسائر البلدان غير الإسلامية عدا إسرائيل الغاصبة([25]).
واقترح الإمام الخميني لإدراة التضاد مع البلدان الإسلامية وغير الإسلامية آليات وأساليب عديدة، منها الكفاح والنضال، والمنافسة([26]) أو المصالحة([27])، أو الدعم والتعاون([28]) في ظل ظروف زمنية محددة.
وأشار الإمام الخميني إلى جوانب عديدة من أنواع التضاد، والصراعات الحاصلة في أبعاد مختلفة، فهي لا تنتهي عند حدود معينة، وهي تضم جبهتين أساسيتين:
إحداهما: وجود الحكومات الظالمة والمستبدة الكافرة.
وثانيتهما: عظمة شوكة الإسلام وقوة المستضعفين.
إنّ الحرب القائمة اليوم في رأي الإمام الخميني ضد أنواع الظلم والجور والاضطهاد والفساد واللامساواة وحالات التمييز في العالم الشيوعي والرأسمالي، والحكام المترفين في البلدان الإسلامية، هي حرب مستمرة لا هوادة فيها، وهذا النوع من المواجهة والصراع ناشئ عن استعباد تلك الدول للشعوب والتبعية، فلا معنى للسلام أو التساوم معها.
يقول الإمام الخميني معقباً على ذلك: إننا مستعدون في حرب الإسلام ضد الكفر العالمي، للتضحية بكل ما لدينا، دون التوقيع على معاهدة الكفر والشرك أو التساوم عليها([29]).
استراتيجيات إدارة التضاد ـــــــ
استخدم الإمام الخميني لانتصار الثورة الإسلامية في إيران ووصولها إلى أهدافها السامية عدة استراتيجيات في إدارة التعارض الحاصل بين الأفراد والجماعات في الداخل، والشعوب المسلمة في الخارج. وسعى من خلال بياناته إلى إيجاد وحدة الصف الإسلامي لدى الشعب الإيراني والشعوب المسلمة الأخرى. وكان يرى أنّ الأُسلوب الوحيد في تحقيق هذا الهدف، هو: محاربة النفس الرحمانية للنفس الشيطانية على الصعيد الفردي، وغلبة الإسلام على الكفر العالمي في إدارة التضاد الباطني الفردي والجماعي.
وأكد الإمام الخمينيt على ثلاث استراتيجيات مهمة في إدارة التضاد في التعامل والسلوك، يمكن رسم هذه الاستراتيجيات في مثلث ثلاثي الأضلاع وهي:
1 ـ استراتيجية الهدف المشترك ـــــــ
يعتقد الإمام الخميني أنّ المحافظة على الإسلام وتقويته، وكذا الجمهورية الإسلامية، هو الهدف المشترك لأطياف الأمة وشرائحها الاجتماعية كافة، وأفاد أن إدارة التضاد والخلافات الفردية والجماعية بين الأطراف المتخاصمة يتم عبر التفاهم بلغات مختلفة ومتنوعة([30]).
وقد أكد الإمام الخميني أيضاً على الهدف النهائي لقيام الثورة الإسلامية في إيران، وهو: تطبيق الأحكام الإسلامية وقيام الدولة الإسلامية. وقد ظهرت بوادر وإشعاعات هذه الثورة في بداية التحديات والمواجهة وانتصار الثورة ضد النظام الملكي البهلوي، في الوصول إلى الهدف النهائي وهو إقامة الحكومة الإسلامية.
وأوصى الإمام الخميني الأمة بأطيافها بضرورة نبذ الخلافات، وإن كانت هناك خلافات، فلا ينبغي أن تتخذ لها طابعاً شخصياً، بل ينبغي أن تنطوي هذه المصالح الخاصة تحت شعاع المصالح العامة وهو الإسلام.
وبعد أن رسم الإمام الخميني هذا الهدف المقدس، دعا الأمة إلى ضرورة التزامه، وجعله نبراساً ودليلاً لها في ثورتها ضد النظام الملكي البهلوي الشاهنشاهي قبل انتصار الثورة في إيران، وكذا بعد انتصارها، وأن تعدّه معياراً ونموذجاً للاقتداء ونبذ النزاعات والخلافات، أو محاربة الجماعات الأُخرى التي تمتلك أهدافاً غير إسلامية([31]).
2 ـ استراتيجية العدو المشترك ـــــــ
بيّن الإمام الخميني أهمية الخطر العدواني الخارجي والتهديدات المستمرة ضد النظام الإسلامي في إيران. ودعا إلى إيجاد الانسجام والتلاحم بين أطياف الأمة وشرائحها الاجتماعية.
لقد فضح الإمام الخميني ـ منذ اندلاع الثورة الشعبية العارمة في إيران ـ التصرفات والممارسات اللاإنسانية واللاإسلامية للنظام الطاغوتي الشاهنشاهي الحاكم في إيران، ووصفه بأنه السبب الأساسي في تخلّف الأمة ومناهضته الإسلام، ودعا الشعب الإيراني إلى تحدي الحكم القائم آنذاك وضرورة إزالته. وكان يرى من خلال ثورته ضد النظام البائد أنّ هذا النظام هو العدو المشترك للشعب الإيراني المسلم. ثم دعا الشعب الإيراني بمختلف أطيافه وفئاته الاجتماعية والحوزات العلمية إلى نبذ الخلاف في التصرفات والآراء، والنضال ضد عدوهم المشترك وهو النظام البلهوي، وأن لا تكون الخلافات الجزئية الصغيرة مضيعة للأمة، أو التغاضي عن العدو المشترك([32]).
وقد نجحت هذه الاستراتيجية في حلحلة التضاد القائم في المجتمع، وحل القسم الأعظم من المعاناة والمشاكل الداخلية للأمة بمذاهبها وتعددياتها الفكرية والثورية كافة، وتعبئة الطوائف والمذاهب اللاإسلامية أيضاً في تحدي العدو المشترك ومواجهته.
وبعد انتصار الثورة الإسلامية ـ ومن خلال تفهّم الإمام الكامل للوضع العالمي، وخطر المنافقين، والدول الاستكبارية وعلى رأسها أمريكا على أنها هي العدو المشترك للشعب الإيراني المسلم ـ دعا الجماعات كافة إلى التلاحم والانسجام، وتفويت الفرصة على العدو المشترك، ومواجهته.
وقد استخدم الإمام الخميني استراتيجية العدو المشترك نفسهاً، في دعوته إلى ضرورة وحدة البلدان الإسلامية وتلاحمها، وحذّرها من خطر الأعداء المتمثل بالدول العظمى وإسرائيل على أنها العدو الأول والخطير للإسلام، ودعاهم إلى مواجهته ونبذ الخلافات الجانبية والهامشية([33]).
3 ـ استراتيجية وحدة الكلمة ـــــــ
استخدم الإمام الخميني مصطلح وحدة الكلمة في تصريحاته كثيراً لإيجاد نوع من التفاهم والوحدة بين شرائح الأمة، وأكد كثيراً على هذه الاستراتيجية المشتركة. وقد وضع تعريفاً لمصطلح وحدة الكلمة في بدء انتصار الثورة الإسلامية في إيران قائلاً: «إنّ إسلامية وحدة الكلمة في بلد ما تعني: أنّ رئيس الجمهورية الذي يشغل أعلى منصبٍ في الدولة بحسب الاعتبار هو متساوٍ مع من هو أقل رتبة منه، لا لأنه يخاف منه، ولا يتوقع أبداً أن يخاف هذا منه، نعم: هذا هو الإسلام».
ودعا الإمام الخميني الأمة وشرائحها الاجتماعية كافة والأقليات الدينية أيضاً إلى وحدة الكلمة قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران وبعده.
وتضمّن تعريفه «لوحدة الكلمة» نوعاً من التلاحم والانسجام والاتحاد، وعدم خوف فئة من الفئة الأخرى في المجتمع، بل عليهم السعي للوصول إلى الهدف المشترك. وكان الإمام الخميني يرى أنّ «وحدة الكلمة» هي رمز انتصار الثورة الإسلامية وسرّ نجاحها، وأنّ بقاء الإسلام واستمراره يكمن في حفظ «وحدة الكلمة»([34]).
إنّ هذه الاستراتيجية في فكر الإمام هي التي توصلنا إلى الهدف المنشود، وهو تطبيق الأحكام الإسلامية في الجمهورية الإسلامية، وعلى شرائح الأُمة أن لا تعتقد أنّ انتصار الثورة معناه القضاء على التلاحم والانسجام بين أفرادها والجماعات المختلفة([35]). وكان يرى أن الأعداء المنهزمين والمنافقين يمثلون خطراً حقيقياً للنظام الإسلامي، ودعا الشعب الإيراني والأمة الإسلامية إلى حفظ الكلمة وتقوية أواصر الإسلام بين آونة وأُخرى.
نهاية المطاف وخلاصة المقال ـــــــ
في عالم مليء بالعنف والصراعات،والتجاذبات الفكرية والسياسية والاجتماعية التي ألمّت بالأمة في معتركها، وفي مجتمع متفاعل ومملوء بالحيوية والنشاط والتعددية، واختلاف وجهات النظر، وتضارب الآراء والأفكار،وتنوع الشخصيات والمصالح، كانت هناك حاجة ماسة وشديدة إلى صياغة مشروع وأُنموذج حضاري ومتكامل يتم في ضوئه إدارة هذه التنوعات والتناقضات، وحسم النزاعات والخلافات أكثر من أي وقت آخر.
إنّ التعددية الفكرية والسياسية والاجتماعية في الأمة فرضت هذه الضرورة إلى هذا المشروع والأُنموذج المثالي في إدارة التضاد ليشمل المجالات كافة في قالب نظام قيمي ومعنوي ينسجم مع أُطروحة الأمة، وكان الإمام الخميني نموذجاً تكاملياً في المجتمع الإسلامي من خلال أفكاره وآرائه المستجدة في المجالات الاجتماعية وغيرها. فالالتزام بفكره البنّاء، وسيرته العملية في الجوانب الفردية والجماعية، ومستوى المؤسسات على الصعيد المحلّي والعالمي يمكن أن يرفع كثيراً من التناقضات والتضاربات، وتشتت الأفكار والآراء في مجالات عملية في الأمة، وتؤدي دوراً إيجابياً ومهماً في إدارة التضاد.
لقد كان فكر الإمام الخميني حول إدارة التضاد مبنياً على أُصول ومعايير، يمكن استعانة المعنيين بأمر الإدارة بها، وكذا المسؤولين والمدراء وطبقات الأمة وشرائحها الاجتماعية كافة .
وسيكون لهذه الأسس والموازين التي بيّنها الإمام الخمينيt وصاغها في قوالب عملية موضوعية منسجمة، معطيات سلوكية وتعاملية ناجحة في المجالات والأصعدة المحلية والعالمية كافةً.
الهوامش
(*) عضو الهيئة العلمية في جامعة طهران.
([1]) اليزدي، ـ يزدان آبادي، أحمد، مديرية التعارض1379هـ . ش، طهران دار النشر في جامعة طهران:7 ـ 8
([2]) مير كمالي، السيد محمد، مديرية التعارض، فصلية علم الإدارة :48 العدد19، طهران دار النشر معهد المديرية في جامعة طهران ،1371.
([19]) ج 14، ص199، ج16، ص26، ج13، ص105.
([24]) ج17، ص259، ج13، ص130، ج5، ص82.
([25]) ج17، ص360، ج5، ص418، ج18، ص276.
([27]) ج5، ص419 و420 و205 و431 و380 و207 و447 و415، ج11، ص123.
([28]) ج5، ص488، 234 و8، ج19، ص94.
([29]) ج21، ص68، و284 و95 و98، ج18، ص134.