أ. جواد أكبري مطلق(*)
د. محمد علي شمالي(**)
الخلاصة
يبدو للوَهْلة الأولى أن تلازم الإيمان والعمل الصالح أمرٌ بديهيّ، لكنّ هذه العلاقة من النوع السهل الممتنع. فضرورة صلاح العمل ليكون سبيلاً للحياة الطيبة تطرح هذا السؤال: هل الصلاح ذاتيٌّ في العمل أم يستمدّ العمل ذلك من أمرٍ آخر؟ إذا كان ذاتيّاً فهل هو ذو قيمةٍ؟ وإذا استمدّ صلاحه من أمرٍ آخر ففي حال غيابه هل للعمل قيمةٌ بحدّ ذاته أو يصبح فاقداً للقيمة؟ وإذا كان العمل قيِّماً بحدّ ذاته فما الذي يجعله قيِّماً؟
والهدف وراء هذه الأسئلة هو:
أوّلاً: بيان الفَرْق بين قيمة العمل وصلاح العمل. فالإجابة بالسلب أو الإيجاب على أيٍّ من هذه الأسئلة يعطي صورةً مغايرة للعلاقة بين الإيمان والعمل الصالح.
ثانياً: يسعى المقال إلى فَرْز الرأي المختار في هذا الموضوع، عبر دراسةٍ تطبيقية لنظرية الإسلام والمسيحيّة، من خلال شرح نظرية العلاّمة الطباطبائي، ومقارنتها بآراء توما الأكويني؛ وجون هيك، من مفكِّري الكاثوليكية والبروتستانتية.
مقدّمةٌ
يبدو أن العلماء قديماً كانوا يرَوْن العمل الصالح خارج دائرة الإيمان، لكنْ ملازماً له. ولصعوبة التواصل آنذاك لم يُطْرَح التساؤل عن صلاح العمل أو عدمه في حال غياب الإيمان. فبناءً على رأي علماء الإسلام، سُنّةً وشيعةً، إن سعادة الإنسان منوطةٌ بالإيمان بالله تعالى وأنبيائه([1]).
أما رأي المتكلِّمين المسلمين حول ماهية الإيمان فيشوبه الاضطراب؛ فبعضهم استند إلى آياتٍ، كالآية 15 من سورة الحجرات: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾، وعدّوا الإيمان «معرفةً عقلية»([2]). واستدلّ آخرون بآياتٍ، كالآية 14 من سورة النمل: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾، وتبيَّنوا أن جوهر الإيمان هو «الإقرار باللسان» فقط([3]). ويستنتج فريقٌ من الآية التي مرَّت الإقرار باللسان، ويضيفون إليها التصديق بالقلب من الآية 14 من سورة الحجرات: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، فيجدون أن حقيقة الإيمان هي «التصديق بالقلب، والإقرار باللسان»([4]). ويزجّ جمعٌ بالعمل في حقيقة الإيمان([5]). هؤلاء هم الخوارج الذين يرفعون شعار «لا حكم إلاّ لله»، ويعدّون كلّ مذنبٍ كافراً. وفي خضمّ ذلك يجد فريقٌ أن الإيمان في ضوء عدد من الروايات هو: «الاعتقاد بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح»([6]).
وفي كتاب المسيحيّين المقدَّس أيضاً ذُكِر الإيمان كرأسٍ لجميع الفضائل. فالمسيحية تطرح موضوع الإيمان متّصلاً بمعتقد النجاة، لذلك طُرح موضوع اختلاف الأديان، وإمكانية النجاة لمعتنقي سائر الأديان، منذ القرن السادس عشر، حيث تعرَّفوا على باقي الأديان([7]). فبعض عبارات الكتاب المقدّس تُبيِّن أن الإيمان طريق النجاة، حيث تقول: «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ»([8])؛ «فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ»([9])؛ «فَمَاذَا نَقُولُ؟ إِنَّ الأُمَمَ الَّذِينَ لَمْ يَسْعَوْا فِي أَثَرِ الْبِرِّ أَدْرَكُوا الْبِرَّ، الْبِرَّ الَّذِي بِالإِيمَانِ»([10]). وبالإيمان تقوى أرواحنا، وبواسطة الإيمان ننال التقديس: «لكِنْ أَشْهَدُ أَيْضاً لِكُلِّ إِنْسَانٍ مُخْتَتِنٍ أَنَّهُ مُلْتَزِمٌ أَنْ يَعْمَلَ بِكُلِّ النَّامُوسِ»([11])؛ لأَنَّ كُلَّ النَّامُوسِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُكْملُ: «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ»([12]). والإيمان وحده يطهِّر القلوب: «وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِشَيْءٍ، إِذْ طَهَّرَ بِالإِيمَانِ قُلُوبَهُمْ»([13])؛ «لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ، حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا، وَنَصِيباً مَعَ الْمُقَدَّسِينَ»([14]). والإيمان هو الذي يحفظنا ويثبت أقدامنا؛ فنحن بالإيمان قائمون: «لَيْسَ أَنَّنَا نَسُودُ عَلَى إِيمَانِكُمْ، بَلْ نَحْنُ مُوازِرُونَ لِسُرُورِكُمْ؛ لأَنَّكُمْ بِالإِيمَانِ تَثْبُتُونَ»([15]). «حَسَناً! مِنْ أَجْلِ عَدَمِ الإِيمَانِ قُطِعَتْ، وَأَنْتَ بِالإِيمَانِ ثَبَتَّ. لاَ تَسْتَكْبِرْ، بَلْ خَفْ!» ([16]). «أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ، لِخَلاَصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ»([17])؛ «لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ. وَهذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا»([18]). وبالإيمان ننال الشفاء: «هذَا كَانَ يَسْمَعُ بُولُسَ يَتَكَلَّمُ، فَشَخَصَ إِلَيْهِ، وَإِذْ رَأَى أَنَّ لَهُ إِيمَاناً لِيُشْفَى»([19]). وبالإيمان نتغلَّب على العقبات: «فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُؤْمِنَ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلْمُؤْمِنِ»([20]).
وفي خطاب الكتاب المقدّس عدمُ الإيمان معصيةٌ كبرى لا تغتفر: «أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِي»([21])؛ «وَأَمَّا الَّذِي يَرْتَابُ فَإِنْ أَكَلَ يُدَانُ؛ لأَنَّ ذلِكَ لَيْسَ مِنَ الإِيمَانِ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ مِنَ الإِيمَانِ فَهُوَ خَطِيَّةٌ»([22]).
كما أنه في الخطاب المسيحي لم يختصّ الإيمان بالله فقط، بل عيسى المسيح أيضاً في دائرة الإيمان: «آمنّا بالمسيح؛ كي يتقبّلنا الله». ويبيِّن بولس الرسول شرط نيل النجاة بقوله: «لكِنْ مَاذَا يَقُولُ؟ «اَلْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ، فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ»، أَيْ كَلِمَةُ الإِيمَانِ الَّتِي نَكْرِزُ بِهَا»؛ «لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ»؛ «لأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ، وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ»([23]).
ففي هذا البيان يوضِّح بولس ماهية الإيمان، ويعرِّفه بالقبول القلبي، والإقرار باللسان، كما يعتبر الإيمان بعيسى وقيامته من أركان الإيمان([24]). لكنْ هناك عبارات تُسْنَد إلى بولس، ويبدو أنه قالها في مقام الإجابة، في أجزاء أخرى من العهد الجديد، وبناءً عليها لا فائدة من الإيمان دون عملٍ، وبذلك يكون الإيمان باطلاً ودون روح، كما أن عدالة الإنسان عُدَّتْ من الأعمال([25]).
ويسعى هذا المقال إلى دراسةٍ تطبيقيّة لعلاقة الإيمان والعمل الصالح، ومكانة العمل من الإيمان، في ضوء تعريفَيْهما.
تعريف العمل، وشروط قبوله
يطلق لفظ «العمل» على أيّ فعلٍ، سواء كان حَسَناً أو سيّئاً. أما حُسْنه وقُبْحه فيتبيَّن بالقرينة([26]).
وتُظهر آياتٌ من القرآن الكريم بأن العمل يُقْبَل من المسلم وغير المسلم، والعمل الصالح نافعٌ للفريقين: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (البقرة: 62)؛ ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (المائدة: 69). كما يُفْهَم منها أن كافّة الأديان وجميع الأنبياء سُبُلٌ إلى الله، والأساس هو الإيمان والعمل. فالمؤمنون والمحسنون من كافّة الأديان مصيرهم الجنّة.
كما أن هناك آياتٍ تدلّ على الحكم مطلقاً على المسيئين بالعذاب، وبالجنّة للمؤمنين الذين يعملون الصالحات: ﴿بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون﴾ (البقرة: 81 ـ 82). ويظهر من هذه الآيات قبول الأعمال من الذين يؤمنون بالله والآخرة. وأكثر الآيات صراحةً في هذا الموضوع هي: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (المائدة: 69)؛ إذ تذكر ثلاثة شروط لقبول العمل: الإيمان بالله؛ والإيمان باليوم الآخر؛ والعمل الصالح. وقد وردَتْ الشروط الثلاثة دون قيدٍ، ويظهر منها أن القبول يشمل أعمال أهل الكتاب أيضاً. بناءً على ذلك يمكن تعريف العمل الصالح بما يلي: «إن العمل الصالح هو كلّ فعلٍ تستحسنه فطرة الإنسان، وتجده خليقاً به. فالعمل الصالح هو كلّ عملٍ يمضي في تحقيق الأسباب التي جعلها الله لاستمرار حياة الإنسان، أو بعبارةٍ أخرى: الأعمال الخليقة والجديرة بأن تُقدَّم لله تعالى»([27]).
ماهية الإيمان في رؤية المتكلِّمين المسلمين
«الإيمان» لغةً يعني الطمأنينة وعدم الخوف والرَّهْبة([28]). وبالطبع وردَتْ هذه الكلمة بمعنى التصديق أيضاً. وهذا الاستخدام يتّضح حين يتمّ تعديتها بـ «اللام»([29]).
وقد ورد في القاموس: «آمِن يعني مطمئنّ، أي الشخص الذي يوثق به، أو المدينة التي لا خوف فيها: ﴿…وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً…﴾ (آل عمران: 97)؛ ﴿…رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً…﴾ (البقرة: 126)»([30]).
أما في لسان العرب فقد ورد الإيمان بمعنى نقيض الكفر، ومرادفاً للتصديق، كنقيضٍ للتكذيب. فقد اشتقَّتْ كلمة «الإيمان» من جذر «أمن»، وهي مصدرٌ لباب الإفعال من هذا الجَذْر. «الأمن» في اللغة يعني «الطمأنينة وعدم الخوف». وحين يدخل هذا الجذر باب الإفعال يصبح معناه «وضع أحدٍ أو شيءٍ في مأمنٍ» و«أن يحظى الشخص بالأمان، ويكون في مأمنٍ»([31]).
واستند فريقٌ إلى المعنى اللغوي للإيمان، وعدّوا معناه الاصطلاحي تصديق الله والنبيّ ورسالته. ومن هذا المنطلق يكون الإيمان في دائرة المعرفة، ونقيضاً للجهل، ولا صلة له بالعمل([32]). لكنّ المقصود بـ «الإيمان» في هذا المقال هو تلك الحقيقة التي تقع ضدّاً للكفر والجحود، بمعنى إنكار ما تحقَّق اليقين فيه، وهو مختلفٌ عن العلم والمعرفة. فالجحود يجتمع مع العلم، لكنّه لا يجتمع مع الإيمان([33]). فالإيمان صفةٌ وجودية، يتّصف بها الكائن، وتتعلّق هذه الصفة بالقلب([34])، أي إنْ آمن الإنسانُ سوف لن يجحد. وفي ضوء هذا المعنى هل العمل مستترٌ في معنى الإيمان؟
هنا يطرح سؤالٌ آخر نفسه: هل العمل جزءٌ من حقيقة الإيمان أو أركانه؟ وتعود خلفية هذا الموضوع إلى فترة صدر الإسلام؛ حيث زُجّ بالعمل في حقيقة الإيمان وماهيّته من قِبَل بعض الفِرَق والمذاهب الإسلامية، كالخوارج والمعتزلة، وفي المحصِّلة تمّ إخراج مَنْ لم يُطِعْ، أو مَنْ يخالف إيمانه في العمل، من دائرة المؤمنين([35]).
وقد تمّ تقديم نظريّاتٍ مختلفة عن حقيقة الإيمان من قِبَل المتكلِّمين المسلمين، منها:
1ـ النظريّة التي تتبنّى محوريّة المعرفة: اعتقد جهم بن صفوان وأتباعه بأن حقيقة الإيمان هي «المعرفة العقلية»([36]). وقد نسب التفتازاني خطأً نظرية «وحدة العلم والإيمان» إلى كافّة متكلِّمي الشيعة([37]).
2ـ النظريّة التي تتبنّى محوريّة القول: تعتقد الكرّامية بأن الفاصل بين الإيمان والكفر وما يميِّزهما عن بعضهما هو الإقرار باللسان. لذلك إنْ أبطن أحدٌ الكفر، وأظهر الإيمان، واعترف به بلسانه، فهو مؤمنٌ حقيقي، وإنْ استحقّ الخلودَ في جهنّم بسبب كفره الباطن. ومن ناحيةٍ أخرى، إنْ أظهر أحدٌ الكفر، لكنْ آمن بقلبه، لم يعتبروه مؤمناً، ولا يستحقّ الجنّة، بحَسَبهم([38]).
3ـ النظريّة التي تلفِّق بين الإقرار باللسان والتصديق: يعتقد بعضٌ من متكلِّمي الشيعة، كالمحقِّقين الطوسي والحلّي، بأن حقيقة الإيمان هي تصديقٌ بالقلب وإقرارٌ باللسان([39]).
4ـ النظريّة التي تتبنّى محورية العمل: يعتقد المعتزلة والخوارج بأن حقيقة الإيمان هي العمل؛ إذ يرى الخوارج عدم إيمان مَنْ يأتي المنكر، ويعصي ويَقْرَب الذنوب، وتعتبره المعتزلة في مرتبةٍ بين الكفر والإيمان([40]).
5ـ النظريّة التي تتبنّى محورية التصديق: يعتبر الأشاعرة الإيمان في دائرة «التصديق القلبي»([41]). ويوافقهم بعضُ علماء الشيعة الرأي، ويعتقدون بأن الإيمان بالله أسمى من المعرفة العقلية([42]).
6ـ النظريّة التي تتبنّى الجمع: يعتقد الشيخ المفيد وغالبية علماء السَّلَف بأن الإيمانَ اعتقادٌ بالقلب، وإقرارٌ باللسان، وعملٌ بالجوارح([43]).
إذا احتسَبْنا النظريّات التي مرّ ذكرها يمكننا القول: إن ماهية الإيمان، من وجهة نظر علماء الشيعة، هي «التصديق بالقلب، والإقرار باللسان»، والعمل والطاعة لا يدخلان معهما في دائرة الإيمان؛ إذ عطفَتْ كثيرٌ من آيات القرآن العمل الصالح على الإيمان، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ…﴾ (البقرة: 277)، فإنْ كانت الطاعة جزءاً من الإيمان ينبغي اعتبارُ هذا العطف دون جدوى. إذن يشترط في الإيمان الالتزام في العمل، ولا يخرج المؤمنون الذين لا يعملون بما يقتضيه إيمانهم، أو يأتون الذنوب، من دائرة الإيمان، بل يُعَدّون مؤمنين فاسقين([44]).
وبالإضافة إلى الآيات التي تعطف العمل الصالح على الإيمان هناك آياتٌ تدلّ بوضوحٍ أكثر على الفصل بينهما، كقوله تعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً﴾ (النساء: 124). وتبيِّن هذه الآية أن العمل الصالح قد يكون مع الإيمان أو بدونه.
صحيحٌ أن العمل ليس من ماهية الإيمان، لكنْ دون شكٍّ له بالغ الأثر في قوّة الإيمان وضعفه. فالإيمان يقوى إثر المداومة على الطاعة، ويضعف بسبب ارتكاب المعاصي. إذن العمل الصالح هو ثمرة شجرة الإيمان؛ فإنْ لم يثمر الإيمان عملاً صالحاً يكون ضعيفاً، أو مهترئاً؛ نتيجة تكرار المعاصي([45]).
يقول العلاّمة الطباطبائي في تعريف «الإيمان»: «الإيمان هو استقرار العقيدة في القلب، ومأخوذٌ من جذر «أمن»، وما يربطهما هو أن المؤمن يؤمن معتقداتِه من الشكّ والرَّيْب، اللذين هما آفتَيْ المعتقد»([46]). ويقول في موضعٍ آخر: الإيمان هو العلم بشيءٍ والالتزام به عَمَلاً([47]). إذن العلم واليقين بشيءٍ، دون الالتزام العمليّ به، لا يكون إيماناً. ففي تعريفه الأخير يجد الطباطبائي الإيمان علماً ينشئ العمل، أي علماً ينفذ في روح الإنسان، وتنتج عنه صفاتٌ نفسية، وأعمالٌ بالجوارح، وذاك هو التصديق القلبي. لذلك لا يعتبر مجرّد العلم والمعرفة بالله وأنبيائه والكتب السماوية مقوِّمات للإيمان، بل كلّ تلك المعارف مقدّمةٌ وشرطٌ لازم لتحقُّق الإيمان. فيدخل الإذعان والتصديق في ماهية الإيمان، وهما أمران قلبيّان باطنيّان، يوجبان الالتزام العملي بما يقتضيه موضوع التصديق والإذعان. ويشرح الأمر بما يلي: «يعني الإيمانُ الإذعانَ والتصديق بأمرٍ، والالتزام بمتطلّباته ومقتضياته»([48]). بناءً على ذلك ترافق الطاعةُ العملية الإيمانَ إلى حدٍّ ما؛ أي المؤمن يتَّبع ما أذعن له وصدَّقه إجمالاً. لذلك نجد القرآن يعطف «العمل الصالح» على الإيمان حيثما ذكر صفات المؤمنين الحَسَنة، أو تحدَّث عن أَجْرهم الجزيل، كقوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ (النحل: 97)؛ ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ (الرعد: 29).
فمجرّد الاعتقاد بشيءٍ دون الالتزام بما يقتضيه ويتطلّبه ليس إيماناً؛ لأن الإيمان علمٌ تأتي معه الطمأنينة والسكينة، ولا يمكن انتزاع الالتزام بمقتضيات الإيمان عن طمأنينةٍ وسكينةٍ كهذه. فإنْ فُقد الالتزام العملي بمقتضيات الإيمان؛ بدافع الأهواء النفسانية في مواضع ما، لا يكون ذلك دائماً وفي كلّ موضعٍ([49]). فمن وجهة نظر العلاّمة الطباطبائي الإيمانُ يقينٌ قلبيّ ينشأ عنه العمل والتسليم. كما يكتب في ذيل الآية: ﴿…وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ (الأعراف: 156): «الإيمان بالآيات يعني التسليم أمام كلّ آيةٍ وبرهان يأتي من الله تعالى؛ معجزةً كانت، كما المعجزات التي جاء بها الأنبياء؛ أو أحكاماً سماويةً، كالشرائع الدينية؛ أو الأنبياءَ أنفسهم؛ أو برهاناً من براهين النبوّة، كالبراهين التي بيَّنها الله تعالى للنبيّ محمد| في توراة موسى× أو إنجيل عيسى×. فهذه كلُّها آياتُ الله، وعلى الجميع التسليم لها»([50]).
وتفيد بعضُ الروايات أيضاً هذا المعنى، بأنّ حقيقة الإيمان أسمى من مجرّد المعرفة والعلم، فقد قيل في تعريف الإيمان: «الإيمان تصديقٌ بالقلب، وإقرارٌ باللسان، وعملٌ بالجوارح»([51]). إن هذا التعريف ليس حقيقياً، بل تبييناً لمتطلّبات الإيمان، حيث يرشدنا إلى حدٍّ ما إلى ماهية الإيمان، ويوضِّح مواكبة القول والعمل للمعرفة في ظهور الإيمان وتجلِّيه. فإنْ لم تظهر آثار الإيمان في الخلق والعمل لا يكون الإيمان راسخاً في القلب([52]). بناءً على ذلك لا محلّ للعمل في تعريف الإيمان، وإنْ تمّ تعريفه بمواكبته للعمل، فذلك من باب التعريف باللوازم.
ماهيّة الإيمان عند المتكلِّمين المسيحيّين
تختلف فهوم المذاهب المسيحية وعلمائها للإيمان، ومنها: الاعتماد؛ تصديق المعرفة؛ القبول العقليّ لبعض المعتقدات([53]). وسيتناول المقال نظرتين بارزتين من الكاثوليكية والبروتستانتية:
الرؤية الكاثوليكية
ندرس هذا المنظور من خلال نظرية توما الأكويني، حيث نجد العناصر الأساسية لنظريته في الشروح الكاثوليكية الجديدة أيضاً.
العناصر الأساسية في نظرية الأكويني عن الإيمان
يجد الأكويني الإيمان مختلفاً عن المعرفة، ويعتبر العقل موضعاً له، ويعتقد بأنه موهبةٌ خارقة للطبيعة، حيث يصدّق العقل به ما لا يراه. ويسمّي موضوع الإيمان حقيقةً أولى([54]). ويمكن تبيين العناصر الأساسية لنظريّة توما الأكويني كما يلي:
أـ الإيمان هو تصديق المعرفة [الأخبار] التي جاء بها الوَحْي، والإذعان لها بالقلب. فيشرح ظاهرتَيْ «الوَحْي» و«الإيمان» من خلال علاقتهما ببعضهما، حيث يعتبر الإيمان ذا ماهيّةٍ معرفية، وهي تصديق ما جاء به الوَحْي، وقبوله قلباً([55]). وبالطبع يعتقد الأكويني أن الإيمان في الدرجة الأولى هو قبول الحقائق الموحى بها، بناءً على مصداقيّة الكنيسة التي تجعل العقل يقبلها ويذعن لها. لذلك يعتبر الإلهيّات المبتنية على العقل من الدرجة الثانية([56]).
وبناءً على هذا التعريف يوحي الله مجموعةً من الأخبار والمعارف إلى الأنبياء، وإنْ لم يوحِ بها الله ما كان للعقل التوصُّل إليها إطلاقاً. في ضوء هذه الرؤية للوَحْي يكون الإيمان في دائرة الوَحْي، حيث يعني معرفة ما أوحي، وتصديقه والإقرار به قلباً([57]).
ب ـ الإيمان نوعٌ من الدراية والاعتقاد، يقع بين المعرفة والرأي والظنّ؛ أي إن الإيمان يحظى بشرطين من شروط المعرفة، التي تعني «الاعتقاد الصادق المبرّر»، فهو اعتقادٌ صادق، لكنّه لا يمتلك أدلّةً كافية على صدق الاعتقاد؛ لأن هناك شواهد من الشرور تضعف من شواهد صدق المعارف عن الله وصفاته، كالخير المطلق والقدرة المطلقة. لذلك يجد الأكويني أنّه من غير المعقول في ميدان المعرفة الجَزْم في صفات الكمال لله، والاعتقاد بها([58]).
إذن ابتناءُ الإيمان على شواهد ناقصة وغير كافية يجعله في مرتبةٍ أدنى من العلم من حيث المعرفة. لكنّه، خلافاً للرأي والظنّ، لم يَخْلُ من الشواهد([59]).
ج ـ موضوع الإيمان هو عالَم الغَيْب. ويعتقد الأكويني أن العلم يتعلّق بما يخضع للمشاهدة، وتدلّ عليه شواهد وبراهين كافية. لكنّ الإيمان يتعلَّق بعالَم الغَيْب، ولا يتمتَّع بشواهد وبراهين كافية، لذلك لا يمكن لأحدٍ العلم والإيمان بشيءٍ في آنٍ واحد؛ فإمّا أن تتوفَّر لذلك الشيء الشواهد الكافية أو لا تتوفَّر؛ فإنْ توفَّرت فهي من باب العلم؛ وإنْ لم تتوفَّر تكون من باب الإيمان([60]).
د ـ يتحقَّق الإيمان بإرادة الإنسان، ويسبق الفَيْضُ الإلهي هذه الإرادة. يعتقد الأكويني بوجود توجيهٍ عقلانيّ للإيمان، ويُدخل عنصر إرادة الإنسان ومَيْله لسدّ الضعف الذي ينشأ من ضعف الشواهد لتدعيم أسس الإيمان؛ إذ يعتقد بدَوْر الإرادة في عملية الإيمان، حيث تأخذ بالعقل إلى الاعتقاد بالله وأصول الدين بثباتٍ وإصرار، ليصل إلى الطاعة المَحْضة لله تعالى([61]). فعلى الرغم من النقص في الشواهد يعزم على التصديق بوجود الله، ويذعن لها([62]).
وما يجدر الالتفات إليه هو أن توما الأكويني يعتقد بالفَيْض الإلهي في موضوع الإرادة في الإيمان؛ أي ما يجعل إرادة المؤمن في الإيمان، على الرغم من النقص في الشواهد والأدلّة، هو لطف الله السابق، الذي يدفع بالإرادة لسدّ الفراغ الذي يخلِّفه نقصان الشواهد([63]). ويمكن رؤية لطف الله الداعم للإيمان في الطَّقْس الثاني من طقوس الكنيسة السبعة، ويُسمّى «التأييد»، حيث يقوم فيه الأسقف أو خليفته بدَهْن مَنْ يطلب التأييد مردّداً «تقبَّل روح القدس؛ كي تشهد بالمسيح»([64]). وقد أدخل هذا الرأي الإرادة في دائرة الإيمان، ونتج عنه ظهور النظريّات التي تتبنّى محورية الإرادة في موضوع الإيمان([65]).
أما المشكلة في نظرية الأكويني فهي: أوّلاً: إنه يعتبر اليقين بوجود الله أضعف من اليقين بوجود الطبيعة؛ ثانياً: إن كون التصديق والاعتقاد انفعاليّاً، ويقبل التأثُّر، يجعل الإرادة لا دَوْر لها في تحقُّقه؛ ثالثاً: لا يعني تعلّق الإيمان بالأمور الغيبية تقابلها مع العلم والمعرفة لزوماً؛ فمعنى غيبية أمورٍ ما أنها لا تقع في متناول الحواسّ، ولا يعني ذلك خروجها من ساحة العلم والعقل.
الرؤية البروتستانتية
يعتقد مارتن لوثر، مؤسِّس إصلاح الكنيسة، أن «الإيمان» هو الاعتماد على الله؛ إذ يقول في معنى الإيمان: إنه «اعتمادٌ تامّ على الفَيْض الإلهي، وحبٌّ مُعْلَن لعيسى المسيح»([66]). ويرى لوثر، خلافاً لتوما الأكويني، أن الإيمان اعتقادٌ بذاتٍ، وليس بمعرفةٍ. فهو إيمانٌ بإلهٍ متشخِّص، تكون علاقة الإنسان به علاقةً يمكن تبيينها في: «أنا ـ أنتَ»([67]). وقد وضع لوثر الإيمان بالمعرفة الموحاة بعد الإيمان بالله([68]). وكما يقول جون هيك: لا يبتدئ الإيمان لدى مارتن لوثر بالسؤال عن وجود الله؛ إذ يجد لوثر وجود الله من الوضوح والقطعية بمكانٍ لا تبقى فيه حاجةٌ للاستدلال والبرهان عليه. فالإيمان من وجهة نظره ليس المعرفة والعلم بوجود الله، بل الإذعان والتسليم إليه والاعتماد على الله الظاهر([69]). فبالنسبة إليه صلب الموضوع في الإيمان هو الاعتماد والثبات والثقة([70]).
نظريّة جون هيك عن الإيمان
قدّم جون هيك، المتكلِّم البروتستانتي المعاصر، نظريةً عن الإيمان، لاقَتْ إقبالاً واسعاً. ويرجع بعض مؤيِّديه جذور نظريّته إلى آراء مُصْلِحي الكنيسة، أي لوثر وكالفن وآخرين، بل إلى أقدم من ذلك، إلى الكنيسة الأولى. فبناءً على هذه النظرية تطلق تسمية «الوَحْي» على أمورٍ يحدثها الله مباشرةً على مرّ التاريخ. وبذلك «مضمون الوحي ليس مجموعةً من الحقائق عن الله، بل أثر الله المستقيم في التاريخ، وتحقيق دَوْرٍ مباشر له في التجربة البشرية»([71]). لذلك يقع الوَحْي في دائرة الحوادث، وليس القول.
وبناءً على هذا التفسير من «الوَحْي» لا يكون الإيمان تصديقاً بمعارف موحاة، بل معرفة اختيارية بأفعال الله في تاريخ البشر، ويتضمّن الرؤية والإدراك، أو التعبير عن الحوادث بطريقةٍ خاصة([72]). إذن الإيمان في دائرة الرؤية والتجربة. وهو معرفة أحداث الوَحْي وتجربتها، وقد دخل اللهُ إلى دائرة التجربة البشرية من خلال تلك الحوادث.
أما «المعرفة الاختيارية بأفعال الله» فيقصد بها أن ظهور الله في العالم ليس بذلك الوضوح حتّى يتمكّن الجميع من رؤيته والاعتقاد به، كما أنه ليس مستتراً ومخفيّاً حتّى يقعد السائرون الصادقون نحوه عن معرفته؛ إذ لا يبقى محلٌّ لاختيار الإنسان وإرادته في كلتا الحالتين؛ ففي الحالة الأولى يؤمن الإنسان دون إرادةٍ؛ وفي الحالة الثانية لا يؤمن، وإنْ آمن يكون إيماناً أعمى. «لذلك عملية معرفة الله يجب أن تتضمّن الاختيار الحُرّ للفرد، بناءً على الرؤية، وعن رضا»([73]).
أما «حوادث الوَحْي» فهي ـ كما يراها جون هيك ـ تلك الحوادث التي نكتسب منها تجربةً، ونرى يد الله فيها. فكلّما تحقّقت تجربةٌ كهذه في حادثةٍ ما يدرك الإنسان حينها وجود الله وصفاته([74]).
لذلك يعتقد جون هيك بأن الإيمان أمرٌ تجريبي، يبتني على التعلُّق بالله تعالى. ويقول في تبرير ترك الاستدلال، والتوجُّه إلى التجربة: كما أن الأُسُس الأولى في كلّ علمٍ هي المشاهدات التجريبية، تشكّل مشاهدات الأنبياء الأُسُس الأولى لعلم الكلام. كما أنها ـ أي مشاهدات الأنبياء، التي هي أبرز تجارب حوادث الوَحْي ـ تشكِّل أُسُس سُنَن دينيّة خاصة، تصبح معياراً لصحّة تجارب الآخرين وسُقْمها([75]). ولهذا السبب يعتقد جون هيك بأن الإيمان الديني ليس الاعتقاد بالمعارف الدينية، بل هو أمرٌ طَوْعيّ تفسيريّ في خضم التجارب الدينية.
وبناءً على ما مرّ من الشرح، ومع الأخذ بنظر الاعتبار ما ورد من نظرياتٍ وتحليل في هذا الموضوع، يمكن تبيين جوهر الإيمان في ثلاثة أبعاد: المعرفة؛ الإرادة؛ والعاطفة:
أما المعرفة فلا يمكن تحقُّقها دون الاطّلاع. وقد جاء في المزامير: «وَيَتَّكِلُ عَلَيْكَ الْعَارِفُونَ اسْمَكَ، لأَنَّكَ لَمْ تَتْرُكْ طَالِبِيكَ يَا رَبُّ»([76]). إذن دون المعرفة يكون السير في طريق الإيمان سَيْراً في الظلمات، ولا يستند على أساسٍ. فالإيمان يبتني على تأمُّلات عقلانية (الاعتقاد بصدق خبرٍ أو قضية)([77]).
أما الإرادة في الإيمان فتتجلّى في الالتزام بموضوع الإيمان، وطاعة الأوامر([78]). ويعني هذا البُعْد من الإيمان «التسليم المطلق لإرادة الربّ المسيح». ومن هذا الجانب الإيمان هو إذعانُ القلب لله، وقبول المسيح منجياً: «يَا ابْنِي، أَعْطِنِي قَلْبَكَ، وَلْتُلاَحِظْ عَيْنَاكَ طُرُقِي»([79])؛ «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَثَقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ»([80])؛ «اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ، وَتَعَلَّمُوا مِنِّي؛ لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ»([81]).
وأما العاطفة في الإيمان فهي من نوع الاعتماد، والحبّ، والأمل. «وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى، وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى»([82]). فينبغي إضافة الاعتماد على المسيح إلى المعرفة والإذعان بحقيقة الإنجيل([83]).
ويؤكِّد جون هيك كثيراً على البُعْد الذِّهْني للإيمان، أي تجربة الإنسان، إلى جانب اعتقاده بدَوْر العقل في موضوع الإيمان. لكنْ هل تتضمّن التجربة الدينية معرفة الله المتشخِّص أو لا؟ لم نجِدْ إيضاحاً منه على ذلك.
الخَلَل الأساس في الرؤية المسيحيّة للإيمان
المشكلة الأساس في المسيحيّة هي أنها أحادية الجانب، أي تتمحور حول الإيمان بعيداً عن العمل. وفي ما مضى ذِكْرُه من آراء المفكِّرَيْن ونظريّاتهما أيضاً نجد غلبة فكرة الإيمان دون العمل، ويتمّ بذلك إهمال البُعْد العملي من الإيمان، وصرف النظر إلى الإيمان بحدّ ذاته. «فالإيمان فقط الأصل الأساسي لدى المسيحيّين»([84]). كما أن كثيراً من آيات الكتاب المقدَّس تتناول موضوع الإيمان، دون الالتفات إلى العمل([85]).
كما أن بعض المصادر المسيحية لا تتطرَّق إلى علاقة الإيمان والعمل حين بحث موضوع الإيمان، بل تتناول نتائج الإيمان وآثاره([86]).
والسبب وراء التركيز المفرط على الإيمان هو أن المسيحيين يعتبرون عيسى× شفيعهم للنجاة، ويعتقدون بأنه يصلح العلاقة بين الله والإنسان؛ بفدائه نفسه قرباناً؛ تلك العلاقة التي تعكَّرت بسبب عصيان آدم× في الزمن الأوّل([87]). وهذا ما ذكره يوحنّا بوضوحٍ: «وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ، فَقَالَ: هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ»([88]). ويؤكِّد بولس على ذلك باندفاعٍ أكثر: «فَإِذْ ذَاكَ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ مِرَاراً كَثِيرَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّهُورِ؛ لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ»([89]).
وملخَّص القول: إن المسيحية تعدّ الشريعة «لعنة»، والإيمان بالمسيح «نعمة»: «وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَقُولُهُ النَّامُوسُ فَهُوَ يُكَلِّمُ بِهِ الَّذِينَ فِي النَّامُوسِ؛ لِكَيْ يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ، وَيَصِيرَ كُلُّ الْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ اللهِ»؛ «لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ؛ لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّةِ». «وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بِدُونِ النَّامُوسِ، مَشْهُوداً لَهُ مِنَ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ»([90]).
في حين توحي الآيات الأولى من «رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية» بأننا سنجد طريق الخلاص من عقوبة الموت: «بُولُسُ، عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْمَدْعُوُّ رَسُولاً، الْمُفْرَزُ لإِنْجِيلِ اللهِ»، «الَّذِي سَبَقَ فَوَعَدَ بِهِ بِأَنْبِيَائِهِ فِي الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ»؛ «عَنِ ابْنِهِ، الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُودَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ»([91]). كما يؤكِّد ذلك بولس بقوله: «لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ، هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ». «لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْ لاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ»([92]).
وهناك آياتٌ أخرى تعدّ الإيمان وحده سبباً لأن يُحتَسَب الإنسان عادلاً: «فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ»([93])؛ «لأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ، وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ»([94])؛ «لأَنَّهُ قَبْلَمَا أَتَى قَوْمٌ مِنْ عِنْدِ يَعْقُوبَ كَانَ يَأْكُلُ مَعَ الأُمَمِ، وَلكِنْ لَمَّا أَتَوْا كَانَ يُؤَخِّرُ، وَيُفْرِزُ نَفْسَهُ، خَائِفاً مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنَ الْخِتَانِ»([95]).
لكنّ المسيحيين قبل ظهور البروتستانتية كانوا يعتقدون بلزوم العمل الصالح لنجاة الإنسان([96])؛ في حين يقول البروتستانتيون: «إن الله ينجي المؤمن بفيضه، ولا يوجب العمل الصالح أيّ استحقاقٍ للإنسان»([97]). فالإنسان عادلٌ بإيمانه، حتّى وإنْ لم يكن عادلاً في حقيقته، ولا تُحْسَب أعماله في ذلك. ولذلك كان لوثر ينظر إلى جزءٍ من رسالة بولس، ويقول للروم: الإيمانُ وحده الإيمان يكفي لنجاة الإنسان([98]). وذلك خلافاً لما ورد في أجزاء أخرى من العهد الجديد، حيث إن هناك عباراتٍ تدلّ على عدم جدوى الإيمان بدون العمل، وتصفه بأنه إيمانٌ دون روحٍ، وباطلٌ؛ وأخرى تصرِّح بأن الأعمال هي الفيصل في اتّصاف الإنسان بالعدالة. كما أن عدالة إبراهيم تحقَّقت بأفعاله: «مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ: إِنَّ لَهُ إِيمَاناً، وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ؟! هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟»، «إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِيِّ، «فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: امْضِيَا بِسَلاَمٍ، اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَا، وَلكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الْجَسَدِ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟ هكَذَا الإِيمَانُ أَيْضاً، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِه»، «لكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ، وَأَنَا لِي أَعْمَالٌ»، «أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِ»، «أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ. حَسَناً تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ!»، «وَلكِنْ هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الْبَاطِلُ أَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَال مَيِّتٌ؟»، « أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ؟»، «فَتَرَى أَنَّ الإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَبِالأَعْمَالِ أُكْمِلَ الإِيمَانُ»، «وَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللهِ، فَحُسِبَ لَهُ بِرّاً، وَدُعِيَ خَلِيلَ الله»، «تَرَوْنَ إذاً أَنَّهُ بِالأَعْمَالِ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ، لاَبِالإِيمَانِ وَحْدَهُ»([99]).
وخلافاً لما ورد هنا من أن إبراهيم عادلٌ بأفعاله يعتقد بولس بأن إبراهيم عادل لإيمانه فحَسْب، وليس لأعماله أثرٌ في ذلك: «كَمَا «آمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرّاً»»([100]).
ومع الأخذ بنظر الاعتبار التعاريف التي قُدِّمت للإيمان والعمل الصالح لا مفرّ من الإجابة عن الأسئلة التالية في موضوع علاقتهما: هل العمل جزءٌ من الإيمان أو من مقتضياته الخارجية؟ وعلى كلّ الأحوال هل للعمل الصالح من أثرٍ دون الإيمان أم يكون عبثاً ودون قيمةٍ؟
يمكن البحث في هذه التساؤلات من جوانب مختلفة. وسنبحثها في نظر المتكلِّمين الشيعة، مع التركيز على رأي العلاّمة الطباطبائي.
الرؤية الإسلامية، نظريّة العلاّمة الطباطبائي أنموذجاً
اقتران العمل الصالح بالإيمان
بناءً على ما ورد في الروايات الإيمانُ هو: «تصديقٌ بالقلب، وإقرارٌ باللسان، وعملٌ بالجوارح»([101]).
تؤيِّد هذه الرواية ادّعاء مَنْ يجدون القلب محلاًّ للإيمان، ويعتبرون القول والفعل المنسجم معه دليلاً عليه([102]). فكلّما كان الإيمان أقوى زاد ظهوره، واتّضح في الجوارح. فحقيقة الإيمان تظهر بالعمل الصالح. وجوهر العمل الصالح هو التوجُّه إلى الله([103]).
لكنّ العلاّمة الطباطبائي لا يجد العمل الصالح كاشفاً عن الإيمان، حيث يقول: أيّ شخصٍ يقوم بعملٍ بنيّةٍ حسنةٍ يكون عمله صالحاً، لكنه لا يكشف عن إيمانه. فالعمل الصالح كاشفٌ لنيّة صاحبه الحَسَنة([104]). إذن العلاّمة الطباطبائي، خلافاً للذين يعتقدون بأن العمل الصالح يظهر الإيمان، لا يجده معبِّراً عن الإيمان، بل كاشفاً عن نيّةٍ حَسَنة خلفه.
وانطلاقاً من الرأيين المذكورين يصادفنا هذا السؤال: هل للعمل قيمةٌ إنْ كان بنيّةٍ حَسَنة؟
بناءً على رأي العلاّمة الطباطبائي لا تتمتّع كلّ الأعمال التي تصدر بنيّةٍ حَسَنة بالقيمة، بل قيمة العمل تتوقَّف على الإيمان([105])؛ إذ يرى العلاّمة الطباطبائي أن العمل الصالح الذي يقوم به غير المؤمن، وإنْ لم يكن سيّئةً، لكنْ لا قيمة له. لذلك نجده يؤكِّد على فقدان العمل دون الإيمان للقيمة، ويقول في الاستدلال بالآيات التي تتحدَّث عن درجة المؤمنين الأسمى: لا يدلّ ذلك على أن لعمل غير المؤمن قيمةً أقلّ، مقارنةً بعمل المؤمن، بل يعني ذلك أن لا قيمة لأعمال غير المؤمنين في القيامة([106]): ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً﴾ (الكهف: 105). إذن لكلّ عملٍ لم يُحْبَط قيمةٌ، حَسَناً كان أو سيّئاً. لكنّ السيّئات لا قيمة لها، وإنْ ذُكر لها قيمةٌ تكون من باب تخفيف الأعمال؛ وذلك بسبب فقدانها للقيمة([107]).
فبناءً على رأي العلاّمة الطباطائي لا يكون عمل الكفّار الحَسَن سيّئةً، لكنّ تأكيد الآيات على ربط العمل الصالح بالإيمان يأتي من باب أن العمل الصالح يُحْبَط دون الإيمان، ويفقد أجره، ولا قيمة له في القيامة([108]). لكنْ، إنْ آمن أحدٌ ولم يقدِّم العمل الصالح فهل من منفعةٍ لإيمانه؟
قيمة العمل في ميزان الإيمان
كما أسلَفْنا، يعتقد العلاّمة الطباطبائي أن الإيمان أمرٌ قلبيّ إلى جانب الالتزام العمليّ. كما يستخدم عباراتٍ مختلفةً لتعريف الإيمان؛ فتارةً يطلق عليه تصديقاً([109])؛ وأخرى علماً؛ وفي مواضع يعبِّر عنه بالاعتقاد([110])؛ إذ لا يجد العلاّمة الطباطبائي اختلافاً بين التصديق والعلم والاعتقاد؛ فالتصديق الذي يرمي إليه هو التصديق المنطقيّ، وليس النفساني. ولا يختلف عن العلم، فيتحدَّث في كتابه الميزان عن العلم المصاحب للالتزام، والاعتقاد المصاحب للالتزام، وحتّى التصديق المصاحب للالتزام([111]).
والحاصل من أقوال العلاّمة الطباطبائي هو أنْ لا جَدْوى من الإيمان دون الالتزام بالعمل؛ فالتقوى هي ظهورُ الإيمان، وهو إصلاح العمل، الذي هو بدَوْره فرعٌ لإصلاح الاعتقاد والرؤية. ولذلك اهتمّ جميع الأنبياء بإصلاح أعمال الناس، إلى جانب دعوتهم إلى التوحيد([112]). فموضوع الإنذار في القرآن الكريم شمل العقيدة والعمل، وعلى سبيل المثال قوله تعالى: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ﴾ (النحل: 2). فالأنبياء مبعوثون للإنذار في مرحلتَيْ العقيدة والعمل([113]). إذن من وجهة نظر العلاّمة الطباطبائي هناك علاقةٌ جَدَليّة بين الإيمان والعمل الصالح؛ فلا يُجْدي الإيمان دون العمل الصالح، ولا يصحّ العمل الصالح دون الإيمان.
الأدلّة والبراهين
يعتبر العلاّمة الطباطبائي الالتزام العملي شرطاً لازماً في مفهوم الإيمان، وقد جاء بآياتٍ من القرآن كشواهد لإثبات مدّعاه، حيث تذكِّر هذه الآيات بدَوْر العمل الصالح في ثواب المؤمنين([114]). وقد سُمّي المؤمنون فيها بالمحسنين. و«محسن» يطلق على مَنْ يتّصف اعتقاده بالحقّ، ويعمل صالحاً([115]). كما أنه برهن على رأيه بأنّ الإيمان سيشمل كلّ عالمٍ، إنْ كان مجرّد العلم أو التصديق أو الاعتقاد؛ في حال أن الكافر الحقيقي هو مَنْ يعرف الحقّ وينكره([116]).
ومن ناحيةٍ أخرى يرى العلاّمة الطباطبائي العمل شرطاً مضافاً إلى الإيمان، وليس جزءاً منه أو كلّه، ويقول في ذلك: «إنْ تمّ تعريف الإيمان بأنه عملٌ بالجوارح يكون المنافقون في زمرة المؤمنين، فقد كان لهم عملٌ بالجوارح»([117]). وبالإضافة إلى ذلك تدلّ الآيات التي تتحدَّث عن القلب كموضعٍ للإيمان، والخَتْم على القلوب، والطبع عليها([118])، على سُقْم تعريف الإيمان بالعمل.
ويقول العلاّمة الطباطبائي: يمكن تحقُّق الإيمان دون العمل، على الرغم من أن العمل شرطٌ خارجيّ يلازم الإيمان، ومع فقدان الإيمان تحبط الأعمال. ويريد بذلك أن ابتداء العمل موجودٌ بالقوّة إلى جانب الإيمان، ويتحوّل إلى الفعل في سَيْر الإيمان التكاملي. لذلك الاطمئنان الذي يحصل في ظلّ الإيمان ينشأ من الالتزام العملي به([119]).
ثمّ يتطرّق العلاّمة الطباطبائي إلى موضوع القيمة، ويعتبر الإيمان صاحب الأثر في قيمة العمل، حيث لا قيمة للعمل دون إيمانٍ. ويصرِّح بأن العمل الصالح إنْ رافق الإيمان يكون ذا قيمةٍ، ولا قيمة له دون الإيمان([120]). ففي نظر العلاّمة الطباطبائي للعمل الصالح دَوْرٌ تكميليّ لدَوْر الإيمان في مسيرة القرب إلى الله، وعليه تحقيق النتائج في البُعْد العملي. فمن الممكن تصوُّر مؤمنٍ لا يعمل صالحاً؛ أي كما أن من الممكن تحقُّق العمل الصالح دون الإيمان كذلك لا يلزم العمل الصالح لتحقُّق الإيمان.
«التأسّي برسول الله| صفةٌ حميدة، لا يتّصف بها كلّ مَنْ أطلق عليه مسلماً، بل يتّصف بها مَنْ تتجلّى فيه حقيقة الإيمان، وأولئك… يأتون بالعمل الصالح»([121]).
ويقول القرآن الكريم: ﴿إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى﴾ (طه: 74 ـ 75).
وبناءً على هذه الآية الكريمة هناك مؤمنون ليس لهم أعمالٌ صالحة. فالمجرمون فريقان: فريقٌ لم يؤمنوا ولم يعملوا صالحاً؛ والفريق الآخر آمنوا، لكنْ لم يعملوا صالحاً([122]).
ومع الأخذ بنظر الاعتبار هذا الرأي والآراء الأخرى في آثار العلاّمة الطباطبائي يمكن القول: إن حقيقة الإيمان في نظره هي تصديقُ القلب وإذعانُه بأمرٍ ينشأ من العلم به، مع الالتزام بما يقتضيه([123]). لذلك يعتقد العلاّمة الطباطبائي بعدم ملازمة العمل الصالح الذاتية للإيمان، وعدم وقوعه داخل دائرة مفهوم الإيمان، وينتج عن ذلك إمكان تحقُّق العمل الصالح دون الإيمان.
ويوافق الشهيدُ مطهَّري العلاّمةَ الطباطبائي رأيه في أن الصلاح ذاتيٌّ في العمل؛ لكنه، خلافاً للعلاّمة، يعتقد بأن العمل الصالح ذو قيمةٍ حتّى دون الإيمان، حيث يقول: العمل الصالح صالحٌ حتّى دون الإيمان، لكنْ مَنْ لا يعرف الله لا يرتفع عمله إلى الله، ولا يحظى بالقبول. لكنْ إنْ كان عمله للإنسانية، وليس لذاته، سوف لن يتركه الله دون أجرٍ، فيخفِّف عنه العذاب أو يرفعه([124]).
ويعتبر الشيخ مصباح اليزدي العمل الصالح ثمرة الإيمان. فهو من ناحيةٍ يعتقد بأن العمل خارجُ ماهية الإيمان، وليس في صلبه، كالعلاّمة الطباطبائي، وهو المعيار لإيمان المؤمن، فدرجات الإيمان تعرف بقَدْر الالتزام بالعمل؛ ومن ناحيةٍ أخرى يخالف العلاّمة الطباطبائي والشهيد مطهَّري الرأيَ في ما استنتجاه من عدم الملازمة الذاتية بين الإيمان والعمل الصالح من ذكرهما معاً في الآيات، ويقول: يفيد ذكر أكثر من 90 آية للإيمان والعمل الصالح معاً ملازمتهما الذاتية([125]).
والاختلاف بين الرأيين هو أن العلاّمة الطباطبائي والشهيد مطهَّري يعتقدان بأن الصلاح ذاتيٌّ في العمل، ولا يجدون ملازمةً ذاتية بين الإيمان والعمل الصالح. بالطبع يختلف العلاّمة الطباطبائي مع الشهيد مطهَّري في أن غياب الإيمان يفقد العمل الصالح لغير المؤمن قيمته، ويحبط العمل دون إيمانٍ، ولا وزن له في الآخرة. «فإنْ كان العمل دون طائلٍ أخروي، ومنفعته الدنيوية لا تصل إلى الآخرة، يكون لَغْواً»([126]). وبناءً على رأي العلاّمة الطباطبائي يحبط العمل الصالح دون الإيمان، وإنْ كان صلاحه ذاتيّاً؛ في حين لا يعتقد الشيخ مصباح اليزدي أن لغير المؤمن عملاً صالحاً أساساً، ليتحدَّث عن إحباط العمل الصالح لغير المؤمن. أما العلاّمة والشهيد مطهَّري فيتَّفقان على وجود العمل الصالح لغير المؤمن، لكنّهما يختلفان من جانبٍ آخر، حيث يعتقد العلاّمة الطباطبائي بإحباط عمل غير المؤمن، بينما يجده الشهيد مطهَّري عاملاً لتخفيف العذاب عن غير المؤمن، إنْ كان مفيداً للإنسانية.
وما يجدر الالتفات إليه هو أن رأيَيْ العلاّمة الطباطبائي والشيخ مصباح اليزدي يلتقيان في النهاية؛ حيث يعتقد العلاّمة بوجود العمل الصالح للكفّار في الدنيا، لكن دون قيمةٍ أو وَزْنٍ أخروي؛ ويعتقد الشيخ مصباح اليزدي بالقيمة الدنيوية لعمل الكافر، لكنْ دون أن ينتقل ذلك إلى الآخرة، فيكون دون جدوى. ويختلف الشهيد مطهَّري فقط في نظرته إلى هذا الموضوع، حيث لا يجد العمل الصالح مبتنياً على الإيمان؛ وخلافاً للعلاّمة، لا يعتقد بإحباط عمل الكافر.
ويستوجب مزيدٌ من الشرح لآراء هؤلاء المفكِّرين تبيين علاقة الكفر بالعمل الصالح؛ حتّى تتسنّى الإجابة عن التساؤل عن أثر العمل الصالح أو عدمه في حال الكفر.
الكفر والعمل الصالح
«الكفر» لغةً يعني الستر والتغطية. وكفران النعمة يعني إخفاءها، بترك الشكر. وأعظم كفرٍ هو إنكار وحدانية الله أو الدين أو النبوّة. أما الكافر فيُقال في العُرْف الديني لمَنْ ينكر وحدانية الله، أو النبوة، أو الشريعة، أو الثلاثة معاً([127]). وتطلق على «الكافر» هذه التسمية؛ لأنه يحجب فطرته بالأعمال السيّئة، ويخفي الحقيقة؛ بمعنى أن حقيقةً ما تظهر له، لكنّه يحجبها ولا يريد رؤيتها([128]). والكفر يجد مصاديقه بعد ظهور «النبيّ»، فيعارض فريقٌ النبيّ، وهؤلاء هم الذين يحجبون الحقّ. وقد يكون موقفهم هذا عن عدم اقتناعٍ أو عن عنادٍ وخصومةٍ([129])، فإنْ كان الكفر عن عنادٍ ولجاجة يستتبع عقاباً أشدّ.
وقد يثبت نوعٌ من الكفر للمسلم أيضاً، فإنْ لم يلتزم بالواجبات الدينية يطلق على فعله الكفر أيضاً.
إذن ماهية الكفر ليست إلاّ العناد واللجاجة والسعي لحجب الحقيقة. فإنْ كان هناك أناسٌ يتمتّعون بروح التسليم والقبول، وإنْ لم يكونوا مسلمين اسماً، فسوف لن يعذِّبهم الله([130]).
ويغلب أن تطرح آراء مختلفة في هذه المواضيع، على الرغم من أنها تتعلَّق بالمجتمع وتعامل الناس. وفي هذا البحث بيَّن الشهيد مطهَّري الآراء المطروحة في ثلاث مجموعات:
1ـ التعدُّديّون أو مؤيِّدو الرحمة والصلح العامّ، الذين يعتبرون العمل هو الأساس. فغالباً ما يقول مدَّعو الانفتاح والثقافة: كلّ عملٍ حَسَنٍ يستحقّ الثواب؛ لأن الله العادل لا يضيع أعمال الناس الحَسَنة. ومن ناحيةٍ أخرى حُسْنُ الأعمال وسوءُها ليس توافقياً، بل حقيقياً. فبما أن الله لا يفرِّق بين خلقه، والعمل الحَسَن حَسَنٌ من أيّ شخصٍ كان، لذلك يقبل الله العمل الحَسَن من الجميع. وبالإضافة إلى ذلك يفنِّد القرآن الكريم ادّعاء اليهود والمسيحيين والمسلمين بأفضليّتهم ووَهْمهم بأنهم خير الأمم: ﴿بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (البقرة: 81). وهناك آياتٌ تدلّ على أن الله تعالى يؤتي الجميع الثواب والعقاب، كلٌّ بما عمله من خيرٍ أو شرٍّ: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه﴾ (الزلزلة: 7 ـ 8). إذن أعمال الكفّار مقبولةٌ أيضاً([131]).
2ـ الانحصاريّون أو مؤيِّدو الغضب قبل الرحمة الإلهية، الذين يعتقدون بأن الإيمان هو الأساس. هؤلاء يجدون كلّ الناس مستحقّين للعذاب([132]). كما يعتقدون بأن أعمال غير المسلمين لا تُقْبَل([133]). فإنْ كان العمل مقبولاً من المسلم وغير المسلم فما هو أثر الإيمان؛ إذ المساواة بين المسلمين وغير المسلمين دليلٌ على أن الإسلام لَغْوٌ وزائد؟ وقد استدلّوا بآياتٍ من سورة إبراهيم، حيث تشبِّه أعمال الكفّار برمادٍ اشتدّت به الريح: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ﴾ (ابراهيم: 18)([134]). فهؤلاء لا ينالهم من أعمالهم نَفْعٌ([135]).
3ـ المعتقدون بالتفصيل؛ إذ يؤمنون بقبول العمل الصالح من غير المسلم أيضاً. وبالإضافة إلى التأثير الاجتماعي للعمل يثمِّنون نيّة الفاعل، إلى حدٍّ يرجعون فيه أساس القيمة إلى النيّة والعقيدة([136]).
أما العلاّمة الطباطبائي فيصنِّف كافّة الأديان في فريقَيْ الحقّ والباطل، ويعتقد بإحباط أعمال فريق الباطل([137]). لذلك يمكننا وضعه في عداد الانحصاريّين؛ إذ يقول: الكفّار لا إيمان لهم، فتحبط أعمالهم. كما أن الحكم يشمل أهل الكتاب، حيث يقول: أهل الكتاب آمنوا بالله وبعض الأنبياء، وبذلك فرَّقوا في إيمانهم بين الله ورسله، فآمنوا ببعضٍ وكفروا ببعضٍ، على الرغم من أنهم رُسُلُ الله، فالصدُّ عنهم صدٌّ عن الله([138])، وبذلك لا إيمان لهم؛ لأن اتّخاذ سبيلٍ وَسَط بين الإيمان والكفر لا يرضي الله، وعصيانٌ له، لذلك تحبط أعمالهم، كالمشركين.
نقدٌ واستنتاج
التمعُّن في آراء هؤلاء المفكِّرين يرشدنا إلى ما يلي:
1ـ بناءً على ما ورد في الكتاب المقدَّس للمسيحيّين، وآراء اثنين من عظماء مفكِّريهم، لا محلَّ للعمل الصالح في موضوع الإيمان. فقيمة العمل الصالح تأتي من باب الالتزام بالشؤون الأخلاقية، والشريعة مانعٌ في طريق الإنسان؛ فما من أحدٍ يمكنه تحقيق الكمال في تطبيق أوامر الله. لذلك افتدى الله الناس بعيسى×، ليكفِّر عن الإثم الأوّل، ولا يحتاج الإنسان إلى شريعةٍ.
2ـ صلاح العمل وفساده ليس ذاتيّاً، بل يتبع النيّة. كما أن غير المؤمن يمكن أن يُحْسَب له عملٌ صالح. فللأعمال تأثيرٌ كوني، وبمجرّد عدم الإيمان لا يُمْحَى أثر العمل. وفي النهاية إحباط أعمال غير المؤمنين ومَحْو أثرها لا ينسجم والعدل الإلهي.
كما لا يمكن استنتاج سبب إحباط عمل الكفّار من أقوال العلاّمة الطباطبائي، وإنْ اعتبر في بعض المواضع الكفّار أنفسهم سبباً في إحباط أعمالهم، لكنّه لم يوضِّح هل أن كافّة أعمالهم محبطةٌ أو بعضها؟ وهل عمل جميع الكفّار يُحْبَط أو بعضهم؟ وهل إحباط جميع أعمالهم؛ بسبب الكفر، ينسجم مع العدل الإلهيّ؟ وإنْ أُحْبِطَتْ بعض أعمالهم فهل للبقية أثرٌ في نَيْلهم الحياة الطيّبة؟ وإنْ أُحْبِطَتْ أعمال جميع الكفّار فما هو حكم مَنْ لم يؤمن منهم؛ بسبب جهله وعدم معرفته؟
بالطبع ما صرَّح به العلاّمة الطباطبائي يريد به علماء أهل الكتاب، الذين يؤمنون ببعض ما أمر الله به ويصدُّون عن بعضٍ، مع علمهم بأن كلّ أوامر الله حقٌّ. لكنْ لم نجِدْ أجوبةً شافية لهذه التساؤلات في كتابات العلاّمة.
وقد كان للشهيد مطهَّري بيانٌ جامع وكامل في هذا الخصوص: «في رأيي إنْ وُجد أناسٌ يحسنون إلى الآخرين، أو حتّى الأحياء، من إنسانٍ أو حيوان…، دون توقُّع مقابلٍ لذلك…، فينبغي القول: إن في أعماق ضمائرهم نورٌ من معرفة الله، وإنْ أنكروا ذلك بألسنتهم، لكنّهم يذعنون له في أعماق ضمائرهم؛ فإنكارهم في الواقع يتوجَّه إلى وَهْمٍ، تصوَّروا بأنه الله… والله أعلم»([139]).
يمكن بيان نتيجة هذا البحث في معنى أربع كلمات، أي: الإيمان، العمل الصالح، القيمة، والنيّة، وعلاقتها ببعضها.
أوّلاً: كافّة المفكِّرين على اعتقادٍ بأن الإيمان أمرٌ قلبي، أما تبرير المسيحيّة لإخراج العمل من دائرة الإيمان فغيرُ مقبولٍ؛ وإنْ كان العمل الكامل غيرَ قابلٍ للتحقُّق فلا ينبغي ترك القَدْر المستطاع منه.
ثانياً: يعتقد العلاّمة الطباطبائي بأن العمل الصالح هو المظهر الخارجي للإيمان، كما يجد صلاح العمل ذاتيّاً. فهو يميِّز بين صلاحية العمل وقيمته؛ فالعمل بدون الإيمان يكون صالحاً، لكنْ لا قيمة له. وبعبارةٍ أخرى: يعتبر النسبة بين العمل الصالح وقيمة العمل هي العموم والخصوص المطلق؛ أي كلّ عملٍ قيِّم صالحٌ، لكنْ ليس كلُّ عملٍ صالح قَيِّمٌ. ويؤيِّده الشيخ مصباح اليزدي في اعتبار هذه النسبة بينهما، وإنْ اختلف معه في أنّ كلّ عملٍ صالح قيّمٌ، لكنْ ليس كلّ عملٍ قيّمٍ صالحٌ.
أما الشهيد مطهَّري فمن ناحيةٍ يوافق العلاّمة الطباطبائي رأيه في ذاتيّة صلاح العمل؛ ومن ناحيةٍ أخرى يعتقد ـ كالشيخ اليزدي ـ بأن عمل غير المؤمن قيّمٌ. وتفيد أحاديثه بأن كلّ عملٍ حَسَنٍ بنيّة خدمة الناس هو عملٌ قيّمٌ. أما المفكِّران المسيحيّان فرأيهما أقرب ما يكون إلى رأي الشهيد مطهَّري، لكنْ لا يُقرّان محلاًّ للعمل الصالح في دائرة الإيمان.
الهوامش
(*) طالب دكتوراه، قسم المباني النظرية، مؤسسة الإمام الخميني التعليمية ـ البحثية.
(**) أستاذٌ مساعِدٌ في مؤسّسة الإمام الخمينيّ التعليميّة ـ البحثيّة.
([1]) الفاضل المقداد السيوري، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 263، تحقيق: السيد مهدي رجائي، مكتبة المرعشي النجفي، قم، 1405هـ؛ مير حامد حسين هندي، عبقات الأنوار في إمامة الأئمّة الأطهار 3: 265ـ 295؛ 4: 63ـ 69 وغيرها، مكتبة أمير المؤمنين×، إصفهان، 1366هـ.ش.
([2]) سعد الدين التفتازاني، شرح المقاصد 5: 76، تحقيق وتعليق ومقدّمة: عبد الرحمن عميرة، بيروت، عالم الكتب؛ الفاضل المقداد السيوري، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 439.
([4]) الخواجه نصير الدين الطوسي، تجريد الاعتقاد: 309، تحقيق: محمد جواد الحسيني الجلالي، دفتر تبليغات إسلامي، قم، 1407هـ؛ العلاّمة الحلّي، منهاج اليقين في أصول الدين: 532، تحقيق: يعقوب الجعفري، دار الأسوة، طهران، 1415هـ.
([5]) التفتازاني، شرح المقاصد 5: 175؛ الفاضل المقداد السيوري، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 439.
([6]) الفاضل المقداد السيوري، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 440.
([7]) Eric J. Sharp, Comparative Religion A history, Gerald Duckworth & Co. Ltd. London (1994), p.14.
([9]) رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 5: 1.
([10]) رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 9: 30.
([11]) رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 5: 3.
([12]) رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 5: 14.
([14]) سفر أعمال الرسل 26: 18.
([15]) رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 1: 24.
([16]) رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 11: 20.
([17]) رسالة بطرس الرسول الأولى 1: 5.
([18]) رسالة يوحنّا الرسول الأولى 5: 4.
([22]) رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 14: 23.
([23]) رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 10: 8 ـ 10.
([24]) جان بي ناس، تاريخ جامع أديان: 669، ترجمة: علي أصغر حكمت، ط5، طهران، انتشارات آموزش انقلاب إسلامي، 1372هـ.ش.
([25]) رسالة يعقوب 2: 14 ـ 24.
([26]) محمد بن مكرم (ابن منظور)، لسان العرب 11: 474، دار صادر، بيروت، 1414هـ.
([27]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 6: 263، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1386هـ.ش.
([28]) حسن مصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم 1: 115، وزارة الإرشاد، طهران، 1368هـ.ش.
([29]) الراغب الإصفهاني، المفردات في غريب القرآن: 92، دار العلم ـ الدار الشامية، دمشق ـ بيروت، 1412هـ.
([30]) حسين الفقيه الدامغاني، قاموس قرآن در وجوه لغات مشترك 1: 124، ترجمة: مريم عزيزي نقش، مؤسسة العلوم الإسلامية، طهران، 1361هـ.ش.
([31]) ابن منظور، لسان العرب 1: 223.
([32]) الطوسي، تجريد الاعتقاد: 309.
([33]) محمد تقي مصباح اليزدي، أخلاق در قرآن 1 ـ 2: 377ـ 380، مؤسّسة الإمام الخميني للتعليم والتحقيق، قم، 1378هـ.ش؛ عبد الله جوادي الآملي، أدب فناي مقرّبان 1: 275ـ 276، دار الإسراء، قم، 1383هـ.ش.
([34]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 15: 317ـ 320.
([35]) التفتازاني، شرح المقاصد: 175؛ الفاضل المقداد، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 439.
([36]) التفتازاني، شرح المقاصد: 175؛ الفاضل المقداد، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 439.
([37]) التفتازاني، شرح المقاصد: 175.
([39]) الطوسي، تجريد الاعتقاد: 309؛ الحلّي، منهاج اليقين في أصول الدين: 532.
([40]) التفتازاني، شرح المقاصد: 175؛ الفاضل المقداد، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 439.
([41]) التفتازاني، شرح المقاصد: 175.
([42]) الحلّي، منهاج اليقين في أصول الدين: 179.
([43]) الفاضل المقداد، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 440.
([44]) الحلّي، أنوار الملكوت في شرح الياقوت: 179ـ 180، تحقيق: محمد مهدي نجمي، ط2، رضي وبيدار، 1363هـ.ش.
([45]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 18: 259 ـ 261.
([51]) المجلسي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار 18: 316، المكتبة الإسلامية، طهران، 1379هـ.ش.
([52]) جوادي الآملي، أدب فناي مقربان: 71؛ مصباح اليزدي، معارف قرآن (خداشناسي، كيهان شناسي، إنسان شناسي): 380، مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والتحقيق، قم، 1383هـ.ش.
([53]) مري جوويور، درآمدي به مسيحيّت: 479، ترجمة: حسن قنبري، مركز مطالعات وتحقيقات أديان ومذاهب، قم، 1381هـ.ش.
([54]) قاسم كاكايي؛ لاله حقيقت، «إيمان أز ديدگاه توماس آكويناس»، مجلّه مقالات وبررسي ها (مجلة مقالات وتحقيقات)، العدد 76، 1383هـ.ش؛ إيان باربور، علم ودين: 24 ـ 25، ترجمة: بهاء الدين خرمشاهي، ط7، مركز دانشگاهي، طهران، 1389هـ.ش.
([55]) John Hick, ”Fatih”, In Encyclopedia of Philosophy, (Ed) Paul Edwards, v. 3, p. 165; Richard Swinburne (1998), faith dnd reason, New York, oxford university press, p. 105.
([56]) إيان باربور، علم ودين: 23 ـ 24.
([57]) محسن جوادي، نظريه إيمان در عرصه كلام وقرآن: 19 ـ 20، قسم شؤون الأساتذة ودروس المعارف الإسلامية، قم، 1376هـ.ش.
([59]) محمد تقي فعالي، إيمان ديني در إسلام ومسيحيّت: 85 ـ 87، مؤسّسة الفكر المعاصر، قم، 1378هـ.ش.
([60]) محسن جوادي، نظريه إيمان در عرصه كلام وقرآن: 24.
([61]) عبد الله جوادي الآملي، تفسير تسنيم: 23، دار الإسراء، قم، 1378هـ.ش.
([63]) محمد تقي فعالي، إيمان ديني در إسلام ومسيحيّت: 87.
([64]) توماس ميشل، كلام مسيحي: 93 ـ 94، ترجمة: حسين توفيقي، مركز مطالعات وتحقيقات أديان ومذاهب، قم، 1381هـ.ش.
([65]) جون هيك، فلسفه دين: 136 ـ 144، ترجمة: بهزاد سالكي، دار الهدى، طهران، 1376هـ.ش.
([66]) John Hick, ”Fatih”, In Encyclopedia of Philosophy, (Ed) Paul Edwards, v. 3, p. 166.
([67]) إيان باربور، علم ودين: 259.
([68]) محسن جوادي، نظريه إيمان در عرصه كلام وقرآن: 28.
([70]) Alan Richardson, AThiological World Book of the Bible, London, SCM press, 1951, p. 13.
([71]) جون هيك، فلسفه دين: 149.
([74]) المصدر السابق: 151 ـ 152.
([75]) محسن جوادي، نظريه إيمان در عرصه كلام وقرآن: 53؛ نرگس نظرنژاد، تحليل وتوجيه معرفت ديني أز ديدگاه هيك، مجله آيينه معرفت، العدد 10: 45، 1386هـ.ش.
([77]) مايكل بيدرسون وآخرون، عقل واعتقاد ديني: 504، ترجمة: أحمد نراقي وإبراهيم سلطاني، الإصدار الجديد، 1376هـ.ش.
([82]) رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 11: 1.
([83]) ألفين بلانتينجا، عقل وإيمان: 33، ترجمة: بهناز صفري، دار الإشراق، قم، 1381هـ.ش.
)[84]) Adolf Gonzalez Montes, Fundamentacion de la fe, Espana, Salamanca, 1994, p. 47; Eric J. Sharp, Comparative Religion A history, Gerald Duckworth & Co. Ltd. London, 1994, p. 45.
([85]) إنجيل متّى 6: 31ـ 33؛ إنجيل مرقس 9: 23؛ إنجيل لوقا 22؛ 31 ـ 32؛ وغيرها.
([86]) W.W. Meissner, Life and Faith, Psychological Prespectives on Religious Experience, U.S.A, Georgetown University, 1987, p. 147- 148.
([87]) علي موحديان عطّار وآخرون، گونهشناسي أنديشه منجي موعود در أديان: 232ـ 233، دانشگاه أديان ومذاهب، قم، 1388هـ.ش.
([89]) رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 9: 26.
([90]) رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 3: 19 ـ 21.
([91]) رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 1: 1 ـ 3.
([92]) رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 2: 8 ـ 9.
([93]) رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 5: 1.
([94]) رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 10: 10.
([95]) رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 2: 12.
([96]) عبد الرحيم سليماني أردستاني، درآمدي بر إلهيات تطبيقي إسلام ومسيحيّت: 194، ط2، دار طه، قم، 1385هـ.ش.
([97]) القسّ جيمس إنس الأميركاني، نظام التعليم في علم اللاهوت القويم 2: 357، ط2، مطبعة الأميركان، بيروت، 1890م.
([98]) جان بي ناس، تاريخ جامع أديان: 669.
([99]) رسالة يعقوب 2: 14 ـ 24.
([100]) رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 3: 6.
([101]) المجلسي، بحار الأنوار 68: 316.
([102]) مصباح اليزدي، أخلاق در قرآن 2: 380 ـ 382؛ مصباح اليزدي، به سوي أو: 247 ـ 252، مؤسّسة الإمام الخميني للتعليم والتحقيق، قم، 1388هـ.ش.
([103]) مصباح اليزدي، به سوي أو: 25.
([104]) جوادي الآملي، أدب فناي مقرّبان 1: 292.
([105]) محمد حسين الطباطبائي، ترجمة الميزان في تفسير القرآن 9: 273، ترجمة: السيد محمد باقر الموسوي الهمداني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين في قم، 1374هـ.ش.
([108]) المصدر السابق 17: 332 ـ 333.
([110]) المصدر السابق 1: 301؛ 15: 6؛ 18: 328.
([111]) المصدر السابق 8: 279؛ 18: 259 ـ 262.
([113]) الطباطبائي، ترجمة الميزان في تفسير القرآن 12: 309.
([115]) الطباطبائي، ترجمة الميزان في تفسير القرآن 17: 26.
([116]) المصدر السابق 18: 259.
([118]) راجِعْ: المجادلة: 22؛ النحل: 106، 108.
([119]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 16: 396؛ 18: 388ـ 390.
([121]) المصدر السابق 16: 434.
([122]) المصدر السابق 1: 259؛ 14: 298.
([123]) المصدر السابق 17: 391.
([124]) مرتضى مطهَّري، مجموعة الآثار الكاملة 1: 199، 307؛ 2: 177، منشورات صدرا، قم، 1387هـ.ش.
([125]) مصباح اليزدي، أخلاق در قرآن: 389 ـ 390.
([126]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 15: 7 ـ 10.
([127]) الراغب الإصفهاني، المفردات في غريب القرآن: 715؛ فخر الدين الطريحي، مجمع البحرين 3: 475، منشورات مرتضوي، طهران، 1375هـ.ش.
([128]) مطهَّري، مجموعة الآثار الكاملة 27: 368 ـ 369.
([129]) المصدر السابق: 948 ـ 949.
([131]) المصدر السابق 1: 282ـ 285.
([132]) المصدر السابق: 278 ـ 279.
([133]) الطباطبائي، ترجمة الميزان في تفسير القرآن 10: 16؛ مصباح اليزدي، أخلاق در قرآن 1 ـ 2: 389 ـ 390.
([134]) مطهَّري، مجموعة الآثار الكاملة 1: 286 ـ 289.
([135]) مصباح اليزدي، به سوي او: 2559.
([136]) مطهَّري، مجموعة الآثار الكاملة 1: 288 ـ 289.
([137]) الطباطبائي، ترجمة الميزان في تفسير القرآن 14: 508 ـ 509.