مقدّمة
لقد شهدت بدايات القرن العشرين نظريات علمية، كشفت لنا عن مفاهيم جديدة جذرية للبنية الأساسية للكون، ومكوّناته، والعلاقات التي تحكم القوى المؤثِّرة في أدقّ وأصغر مكوّنات المادّة. ومن أهمّ هذه المفاهيم العلمية «التكافؤ بين الكتلة والطاقة الكامنة في المادة»([1]). وقبيل الحرب العالمية الثانية شهد العالم مولد عصر الطاقة النووية، حين تمّ الكشف عن ظاهرة الانشطار النووي لعنصر اليورانيوم، وما يصاحب ذلك من تحوّل جزء من كتلة نواة اليورانيوم إلى طاقة هائلة تفوق بأضعاف كثيرة الطاقة الكامنة المنطلقة في التفاعلات الكيميائيّة.
ولئن كان هذا الاكتشاف قد بشَّر بعهد جديد وواعد للحضارة الإنسانية، يرتكز على تطوير واستخدام هذا المصدر الجديد والوفير للطاقة على نطاق واسع، وبكلفةٍ زهيدة، فإنّ هذا الاكتشاف يحتاج إلى تخصُّصٍ في مجالات الفيزياء، والهندسة النووية، والطاقة. وفي هذا المجال تتداخل العوامل الاقتصادية مع السياسية. وأذكر على سبيل المثال، لا الحصر، أن تنمية إدارة العلوم والتكنولوجيا لها دور كبير في السياسة الخارجية الأمريكية. وفي ذلك أصدرت وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت، في 12 أيار 2000م، بياناً رأت فيه أنّ عالمنا المعاصر يتحوّل بالتكنولوجيا، وأن العلوم الجيدة تؤدّي إلى دبلوماسية جيدة. وفي ذلك رأى أحد الباحثين أن أيّ تفوق تقني في مجال علمي، وعملي، يتحوّل إلى تفوّق، ذي أبعاد اقتصادية، وعسكرية، بالغ الأهمية، وأنّ الولايات المتحدة تخوض حالياً معركةً فعليةً مع أوروبا الغربية، واليابان، والصين، وروسيا، من أجل الحفاظ على تفوق تكنولوجي، وعلمي، يضمن لها التفوّق، والقيادة، في مجالات أخرى؛ إذ إنّ الصفة التي تهتمّ الولايات المتحدة بالحفاظ عليها في بداية القرن الواحد والعشرين هي صفة «القوة العظمى علمياً، وتقنياً». فالموضوعات المستندة إلى العلوم تصبح أكثر فأكثر في مواقع أساسيّة على جدول أعمال الشؤون الخارجية، من مسائل نزع التسلح، وضبط الأسلحة، إلى الأخطار البيئية الدولية، مثل: الارتفاع في حرارة الجوّ، وتحلُّل طبقة الأوزون، والتغييرات المناخية العالمية، وانتشار بعض الأمراض، كالإيدز، وصولاً إلى اتفاقيات التعاون الدولي في مجالات العلم، والتكنولوجيا، ورصد التطورات العلمية دوليّاً، ولا سيّما تلك المتعلِّقة بالتكنولوجيا العسكرية، والاستراتيجيات الفضائية. وكمثال حيٍّ على اهتمام الولايات المتحدة بمنع وصول التقنيات الحديثة، والعلوم، إلى بلدان تعتبرها عدوَّة لها الحملةُ الكبيرة على ما تعتبره الولايات المتحدة نقلاً للتقنيات الصاروخية، والنووية، والخبرات العلمية، من روسيا إلى إيران، والذي هو أحد أهمّ موضوعات السياسة الخارجية الأمريكية([2]).
لقد اتّضح منذ بداية العصر النووي أن تطوير الدول لقدرتها النووية قد يمكِّنها من تحويل هذه التكنولوجيا وموادها لأغراض التسلُّح. من هنا بدت مشكلة منع هذا التحوُّل قضية مركزية في المناقشات المتعلِّقة بالاستخدامات الشاملة للأسلحة النووية، ولا سيّما حين نجحت الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع بعض حلفائها الأوروبيين في تطوير تكنولوجيا لإطلاق هذه الطاقة النووية الكامنة في قنبلة نووية ذات قدرة تدميرية هائلة ومروعة. إن أحداث ومداخلات الحرب العالمية الثانية عملت على توجيه هذا الاكتشاف العلمي الأساسي الواعد إلى بدايةٍ سيّئة منذرة بأخطار جسيمة، ولا سيّما أن السلاح النووي هو سلاح تدمير فتاك؛ إذ إن قوّة انفجار قنبلة نووية صغيرة أكبر بكثير من قوة انفجار أضخم القنابل التقليدية، وبالتالي فإن بإمكان قنبلة نووية واحدة تدمير، أو إلحاق أضرار فادحة، بمدينة بكاملها. لذا تعتبر الأسلحة النووية أسلحة دمار شامل، ويخضع صنعها واستعمالها إلى ضوابط دولية حرجة، و يمثِّل السعي نحو امتلاكها هدفاً تسعى إليه بعض الدول، بهدف تحقيق نوع من أنواع الردع العسكري، بل أهمّ ردع عسكري، يساعد هذه الدول على تحقيق نوع من السيادة على كامل أراضيها، والاستقلال السياسي.
لقد بلغت عمليات القتل أشدّها خلال الحرب العالمية الأولى. ولعلَّ أهم سبب هو حجم الجيوش التي جُنِّدَت للمعارك. فقد دخل المعارك عام 1914م حوالي 20 مليون شخص، ووصل عدد المجنَّدين الجاهزين للقتال عام 1918م إلى 65 مليون. وهذه الحروب المرعبة هي التي تنبّأ بها الصناعي الروسي، البولندي، إيفان بليوخ، وأصدر عام 1808م كتابه «الأوجه التقنية، والاقتصادية، والسياسية، للحرب القادمة»([3]). إن ما حدث في الحربين العالميتين، ولا سيّما الثانية منها، يدلّ بشكل واضح على الروح العدوانية لدى الإنسان، التي لا تزال هي المسيطرة في عصرنا الحاضر! فبعض الدول، ومنها الولايات المتحدة الأميركية، لم تتورَّع عن استخدام أي سلاح في وجه عدوها، حتى ولو كان سلاح دمارٍ شاملٍ، كالسلاح النووي. لقد وضعت الحرب العالمية الثانية مؤشِّراً لعهد جديد من الحروب الشاملة، التي لا تشنّ ضدّ العسكريين فحسب، بل كذلك ضدّ الاقتصاد الوطني للبلد، وضدّ بنيته التحتية، وسكّانه المدنيين.
لقد أسَّست أسلحة الدمار الشامل لمفاهيم جديدة على مستوى القانون الدولي، والعلاقات الدولية، كتوازن الرعب، وقوة المعرفة، ولا سيما أن دولاً عديدة امتلكت هذا السلاح بالرغم من توقيع معاهدة حظر انتشار السلاح النووي. وفي هذا الإطار تأتي قضية المفاعلات النووية الإيرانية لتطرح نفسها على المجتمع الدولي؛ إذ أعلنت أنها ستمتلك الطاقة النووية، وأنها ستستعملها لأغراض سلمية. وقد جوبه هذا الإعلان بموقف سلبي من بعض الدول الكبرى، كالولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، التي عبَّرت عن خشيتها من امتلاك إيران للسلاح النووي، وهاجمت إيران سياسياً واقتصادياً. وردَّت إيران على هذا الموقف بطرح ديني، وفلسفي، وقانوني، وسياسي، معتمدة على الشريعة الإسلامية، التي تمثِّل روح الدستور الإيراني، وعلى القرارات الدولية.
ولا يخفى على أحد أن الفقهاء على مرِّ القرون قد واجهوا قضايا مستجدة في كلّ عصر، كان من اللازم عليهم إعطاء حلول لها وفق قواعد الشريعة. وقد نجح بعض الفقهاء أحياناً في تطوير نظريات وحلول جديدة لمشاكل المجتمعات الإسلامية، بل والإنسانية. وإذا كان الفقه الإسلامي قد سار ببطء حتى القرن التاسع عشر فإن القرن العشرين حمل تحديات كثيرة وكبيرة للمسلمين، جعلت الفقهاء يبذلون جهوداً لملاحقتها. وما زالت هناك قضايا وجوانب في شتى الميادين بحاجة إلى رأي الإسلام فيها؛ إذ ما زال العلم، والتكنولوجيا، والتقدّم الصناعي، والطبي، يطرح أسئلة بحاجة إلى إجابة إسلامية رصينة، تستطيع تكييف المجتمعات الإسلامية مع التغيُّرات التي يشهدها عالمنا اليوم. ومن هذه القضايا موضوع «أسلحة الدمار الشامل».
وفي هذا السياق تتَّخذ بعض المسائل الفقهية المستحدثة أهمّيةً بالغةً على مستوى الفقه الإسلامي والقانون الدولي، ولا سيما بعد بزوغ فجر الجمهورية الإسلامية في إيران. ولا شكّ أن للأبحاث الفقهية التقليدية أهمّيتها، إلا أنها لا تشكل أولوية في عصرنا الحاضر؛ لأنها أشبعت بحثاً منذ مئات السنين. ولعلَّ الباحث يشعر بالارتياح في ظلّ النظرة الإصلاحية للمناهج الدراسية للحوزة العلمية، التي تتناول مسائل الاجتهاد والتجديد في الفقه، والفكر الديني.
وخير دليل على ذلك بعض خطابات الإمام الخامنئي([4])، ونظرته إلى الحوزة العلمية؛ حيث يرى أنّ «على الحوزة أن تَطَّلِعَ على ما يحصل في العالم من تطورات في جميع المسائل التي لها ارتباط بالعلوم الإسلامية، وأن تتفاعل معها»([5])، وأنه «يجب أن لا نكتفي ببعض أبواب الفقه التي لها أهمّية فردية، وليس لها أهمية اجتماعية»([6]). أضِفْ إلى ذلك أن الإمام الخامنئي يدعو إلى أن نستنبط كلّ ما يتعلَّق بشؤون حياتنا الاجتماعية، ولا سيما أمور السياسة، والاقتصاد، والحكم، من الإسلام، قائلاً: «يجب أن نستنبط نظامنا الاقتصادي من الإسلام، يجب أن نستنبط مسائلنا العسكرية من الإسلام، وكذلك الأحكام المتعلِّقة بسياستنا الخارجية والروابط الأخلاقية… فإننا نطرح الدِّين بوصفه نظاماً للدولة، وإطاراً للحكومة، وطوال العصور الماضية لم ننظر إلى الفقه من هذا المنظار… هل هناك فقيهٌ يجرؤ على القول: إنه قد استنبط هذه المسائل([7])؟ طبعاً الإجابة سلبية… وبناءً على ذلك يجب علينا أن نستخرج هذه المسائل من الفقه، وهذا يعني فكراً جديداً أو مستحدثاً… لا بدّ من الإجابة عن الأسئلة والإشكاليات المطروحة حول مظاهر الحياة المتجدّدة يوماً بعد يوم… كما أنه يمكن الاستفادة من الفقه المعاصر ـ بما يتمتَّع به من الدقّة والقوة في الاستدلال ـ في تكميل علم القانون وتطويره، وفتح منافذ جديدة أمام باحثي مراكز القانون في العالم»([8]).
المنطلقات الفقهيّة لنظرية وجوب استخدام أسلحة الدمار الشامل مطلقاً
لقد جاءت تجربة التطبيق الإسلامي في إيران، وما رافقها من حاجات ملحة للتأصيل الإسلامي، لتفرض على الحوزة العلمية والباحثين فيها اجتهاداً جديداً يلبي الحاجات المستحدثة، ويواكب المستجدات. وقد ظهر من خلال هذه التجربة أن الاجتهاد المتداول في الحوزات العلمية لم يعُدْ كافياً لإشباع حاجة الواقع. فالنقاش لم يعُدْ حول أهمية التجديد، بل حول إنزاله إلى أرض الواقع، وصوغ مرتكزات علميّة متينة لإحداث هذه النقلة. فمن المعلوم أن علماء الأصول حصروا الأدلة على الأحكام الشرعية بأربع، هي: الكتاب، والسُّنَّة، والإجماع، والعقل.
أمّا الإجماع فهو في اللغة «اتّفاق الجميع على أمرٍ ما». والمراد منه في الاصطلاح اتّفاق خاصّ، كاتّفاق الفقهاء من المسلمين على حكمٍ شرعي، أو اتّفاق أهل الحلّ والعقد من المسلمين على الحكم. وقد جعله الأصوليون من المسلمين السُّنَّة أحد الأدلة في مقابل الكتاب، والسُّنَّة. أما المسلمون الشيعة الإمامية فقد جعلوه أيضاً أحد الأدلة على الحكم الشرعي، ولكنْ ليس دليلاً مستقلاًّ، في مقابل الكتاب والسُّنَّة، بل بما هو كاشفٌ عنها، أي قول المعصوم×. فالإجماع عند الشيعة الإمامية هو اتفاق اثنين من الفقهاء، أو أكثر، على حكم شرعي، يكشف كشفاً أكيداً عن رأي المعصوم×، بحيث يُعلم إجمالاً على نحو القطع بأنّ المعصوم هو أحد المجمعين. والإجماع بذلك لا يشكِّل مصدراً مستقلاًّ للفقه، بل يستمد حجّيته من دلالة قول المعصوم×([9]). وليس في مورد بحثنا محلٌّ للإجماع. فإذا فقدت الثلاثة ـ أي الكتاب، والسُّنَّة، والإجماع ـ فالمعتمد عند المحقِّقين التمسُّك بدليل العقل فيها([10]). وممّا لا ريب فيه أنّ الشارع المقدَّس حين شرَّع أحكامه أخذ بعين الاعتبار مقتضيات الفطرة الإنسانية، ومعطيات الواقع، وفهم الإسلام الذي لا يقف عند حدود الفتوى.
وقد يقال بأنّ مقتضى إطلاق الآيات والروايات الواردة في باب الجهاد، أو مقتضى عدم بيان التحريم، هو جواز استخدام هذه الأسلحة، وغيرها، بلا أيّ محذور، ما دام هناك حرب مع الأعداء؛ وذلك لعدّة أدلة:
1ـ الكتاب
· يستدلُّ بالقرآن الكريم عبر استنطاق دلالة آياته، فهي مقطوعة الصدور عن المولى عزَّ وجلَّ، فلا يُناقش في سندها. كما أنّ فهم الآيات القرآنية لا ينفصل عن تفسير الآية القرآنية لآية أخرى. فالتفسير هو إيضاحُ مُراد الله تعالى من كتابه العزيز، وقد نزل القرآن الكريم بلغة العرب، ولكنَّ فهم القرآن لا يتوقَّف على فهم اللغة وحدها، بل يتضمَّن أيضاً فهم ما فيه من فكر، وفقه، وتشريع، وقوانين، وأخلاق. وعليه فإن التفسير حاجة ضرورية لجميع المسلمين، بل للناس أجمعين. وقد سلك المفسِّرون مناهج مختلفة في تفسير القرآن، منها: تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسُّنَّة، والتفسير بالرأي، والتفسير العلمي، والتفسير الموضوعي، والتفسير بالمأثور، والتفسير الأدبي. ويرى بعض الباحثين أن تفسير القرآن بالقرآن، يعني بذل المُفسِّر ما في وسعه؛ لاستبيان معاني الآيات بالرجوع إلى آيات أخرى، وذلك بالاعتماد على ترابط الآيات فيما بينها، ودور كلّ آية في تفسيرها للأخرى([11]). ويرى باحثٌ آخر أن تفسير القرآن بالقرآن هو أفضل منهج، وقد نشأ منذ عصر النبي|، واستمرّ إلى يومنا هذا. فقد سلك هذا المنهج في التفسير النبيّ|، والأئمة المعصومون^ من بعده، ثم الصحابة، والتابعون، ثم جمهور المفسِّرين؛ وذلك لما في القرآن من إيجاز، وإطناب، وإطلاق، وتقييد، وتعميم، وتخصيص، وإبهام، وتوضيح([12]). كما أنّ فهم الأحاديث الشريفة لا ينفصل أيضاً عن تفسير الحديث الشريف لآية قرآنية([13])، أو تقييد الآية بروايةٍ.
لقد بيَّن القرآن الكريم أن الأمر الإلهي يقضي بقتل المشركين به، وصيغة الأمر ظاهرة في الوجوب. بل إنّ العقاب الإلهي يقضي عليهم بأشدّ من ذلك، فالقرآن يُصرِّح، كما بيَّنا، بالعذاب الأليم والخالد لهؤلاء الذين ظلموا أنفسهم.
ورُبَّ قائلٍ: إن الله تعالى هو الذي خلقهم، وبالتالي هو وحده الذي يحقّ له أن يعاقبهم بمثل ذلك، فلا يستطيع البشر أن يفعلوا ذلك بإخوتهم من بني البشر، وإنْ اختلفوا معهم في الدين، أو الجنس، أو العرق، أو اللون…
ويُرَدُّ عليه: إن المسألة لا تتعلَّق بالاختلاف والتنوع الحاصل بين بني البشر، وإنما بالكفر، وفعل الشرّ الذي يؤدّي إلى فساد الكون إنْ لم يواجه الإنسان الصالح فعل الإنسان الشرير. أضِفْ إلى ذلك أن الله تعالى هو أرحم الراحمين، فإنْ كان المورد مورد رحمة فإنّ رحمته وسعت كلّ شيء، وهو الأَوْلى بها، ومع ذلك فقد قضى عليهم بالموت والعذاب؛ لأنّهم أطاعوا الشيطان، الذي زيَّن لهم أعمالهم، فظلموا أنفسهم.
وفي ما يلي نستعرض طائفة من هذه الآيات القرآنية المباركة:
1ـ هناك آيات قرآنية تحثّ على قتل الكفَّار جميعاً. قال تعالى: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاّ فَاجِراً كَفَّاراً﴾ (نوح: 26 ـ 27). ودعاء النبي نوح× على الكفّار بالموت والفناء صريحٌ. وهو من أنبياء الله تعالى، المعصومين عن الخطأ، والذين يجسِّدون الصفات الإنسانية والرسالة الإلهية. وقد علَّل ذلك بأنّهم يعملون على إضلال الناس، وأنّ أبناءهم سيقومون بدورهم أيضاً؛ بفعل بيئة الفجور والكفر التي ستكون محيطةً بهم، وبفعل العوامل الوراثية والتربوية. ويؤيِّده الحديث التالي: عن محمد بن عليّ بن الحسين بإسناده عن فضل بن عثمان الأعور، عن أبي عبد الله×، أنه قال: «ما من مولود يولَد إلاّ على الفطرة، فأبواه اللذان يُهَوِّدانه ويُنَصِّرانه ويُمَجِّسانه، وإنّما أعطى رسول الله| الذمّة، وقبل الجزية عن رؤوس أولئك بأعيانهم، على أن لا يهوِّدوا أولادهم، ولا ينصِّروا»([14]). ويفسِّر العلامة الطباطبائي الفطرة انطلاقاً من قوله تعالى: ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ (الحجرات: 7)، فيرى أنّ الفطرة هي الخلقة الإلهية التي نظَّمها الله، بحيث تسلك بالإنسان إلى السعادة، وهي لا تخالف أصلها الباعث لها… فإنه تعالى هو الذي نظَّم الكون، فساق الأشياء فيه إلى غاياتها، وهداها إلى سعادتها، ثم فرَّع على فطرة الإنسان السليمة عقائد، وآراء فكرية، يبني عليها أعماله، فتسعده، وتحفظه عن الشقاء، وخيبة المسعى. والله جلَّت ساحته لا يمكن أن يأمر الناس جميعاً بالحَسَن والقبيح معاً، وينهى الناس جميعاً عن القبيح والحسن معاً، فيختلُّ بذلك نظام التكليف والتشريع، ثم الثواب والعقاب، ثم يصِفُ الدين الذي هذه صفته بأنّه دينٌ قيِّمٌ، فطرةَ الله التي فطر الناس عليها، والفطرةُ بريئةٌ من هذا التناقض، وأمثاله([15]).
2ـ هناك آياتٌ قرآنية أخرى تبيِّن أن القتل هو حكم الله على الضالّين الذين يصدون عن اتّباع الحق جميعاً، والمستكبرين جميعاً، والمشركين، ولكن بعد إلقاء الحجّة عليهم: هناك آيات تتحدَّث بأسلوب قصصي عن أقوام ضلّوا عن سبيل الله: ﴿وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ (العنكبوت: 38).
وهناك أقوام استكبروا في الأرض، بعدما جاءتهم البيِّنات، فلم يرتدعوا: ﴿وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ﴾ (العنكبوت: 39).
فكانت النتيجة أنْ حكم الله تعالى عليهم بالقتل، وإنْ تعدَّدت أسبابه، وسوء العاقبة: ﴿فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً([16]) وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ([17]) وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (العنكبوت: 40).
أضِفْ إلى ذلك قوله تعالى: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة: 5). وورد في تفسير مفردات الآية أيضاً أنّ الحصر هو المنع من الخروج عن محيط، والحصر، والحبس، والأسر، نظائر. والمرصد: الطريق، ومثله المرقب، والمربأ. ورصده يرصده رصداً. وقوله: «كل مرصد»: على كلّ مرصد. وهو لا يحتاج في هذا إلى تقدير حرف جرّ (على)، إذا كان المرصد اسماً للمكان([18]). وكلمة المشركين مطلقة؛ إذ تعمّهم جميعاً، من دون تمييز بين الرجال، والنساء، والأطفال، والشيوخ. وقد ورد في تفسير هذه الآية: «والآيات كما يدلّ سياقها نزلت بعد فتح مكّة، وقد أذلَّ الله رقاب المشركين، وأفنى قوتهم، وأذهب شوكتهم، وهي تعزم على المسلمين أن يطهِّروا الأرض التي ملكوها، وظهروا عليها، من قذارة الشرك، وتُهدر دماء المشركين دون قيد وشرط، إلاّ أنْ يؤمنوا، ومع ذلك تستثني قوماً من المشركين بينهم وبين المسلمين عهد عدم التعرّض»([19]).
3ـ كما ورد في القرآن الحكيم أن الله تعالى قد واجه أولئك الذين يحاربون الله ورسله، ويقفون عقبة في وجه دعوة الأنبياء، بعذاب الاستئصال في غير مورد، ولم يُبْقِ منهم أحداً، ولا من كلّ ما يرتبط بهم، وبغضّ النظر عن طريقة القتل والإبادة، فمرّة بحجارة من سجيل، وأخرى بالإغراق، وثالثة بالصيحة… قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ﴾ (هود: 82)، وقال أيضاً: ﴿وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ (هود: 94)، وفي آية أخرى: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾ (المؤمنون: 27). وهذه آيةٌ إضافية تبيِّن حكم الله تعالى على الذين كفروا بتعاليم الله التي بعثها إليهم عبر نبيِّه نوح، وهو حكم مُبرَم بإغراقهم، ولا رجعة عنه، وسببه أنهم من الظالمين. فكيف بمَنْ خالف الإسلام، وواجه خاتم الرسل والأنبياء، وأعظمهم، وكاد للمسلمين، وتآمر عليهم؟
4ـ أضِفْ إلى ذلك دعاء النبي نوح× على الكافرين بالفناء: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاّ فَاجِراً كَفَّاراً﴾ (نوح: 26 ـ 27).
5ـ زِدْ على ذلك ما فعل الله تعالى بأصحاب الفيل، حيث أبادهم عن بكرة أبيهم: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ([20]) فِي تَضْلِيلٍ([21])* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ([22])* تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ([23])* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ([24])﴾ (الفيل: 1 ـ 5)([25]).
2ـ السُّنَّة
السُّنَّة في اصطلاح فقهاء المسلمين من أهل السُّنَّة «قول النبيّ محمد|، أو فعله، أو تقريره». أمّا فقهاء الشيعة الإمامية، فقد توسَّعوا في مفهومها، وثبت لديهم أن السُّنَّة هي: «قول المعصوم، أو فعله، أو تقريره»، سواء كان المعصوم هو النبيّ الأكرم|، أو أحد الأئمّة من آل البيت^، فيجري قوله مجرى قول النبي|، ويصبح حُجَّةً على العباد، واجب الاتّباع. فالأئمّة^ منصوبون من قبل الله تعالى، على لسان النبي|، لتبليغ الأحكام الواقعية من بعده. فبيانهم للأحكام ليس من قبيل رواية السُّنَّة، ولا نوعاً من الاجتهاد في الرأي، بل هم مصدرٌ للتشريع، كما قال الإمام علي×: «علَّمَني رسول الله ألف باب من العلم، ينفتح لي من كلّ باب ألف باب»([26]).
أولاً: أحاديث تبيح استعمال أسلحة الدمار الشامل
هناك طائفة من الأحاديث الشريفة تُبيح استعمال أسلحة الدمار الشامل التي كانت سائدة في زمن الرسول الأكرم|:
1ـ «محمد بن الحسن الصفّار، عن عليّ بن محمد القاساني، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري أبي أيوب، قال: أخبرني حفص بن غياث، قال: كتب إليَّ بعض إخواني أن أسأل أبا عبد الله× عن مدينةٍ من مدائن أهل الحرب: هل يجوز أن يُرسل عليهم الماء، وتحرق بالنار، أو ترمى بالمجانيق، حتّى يقتلوا، وفيهم النساء، والصبيان، والشيخ الكبير، والأسرى من المسلمين، والتجّار، فقال: «يُفعل ذلك بهم، ولا يمسك عنهم لهؤلاء، ولا دية عليهم للمسلمين، ولا كفارة»([27]). ويُفهم من جواز أن يُرسل عليهم الماء، وتحرق بالنار، أو ترمى بالمجانيق، حتّى يقتلوا، وفيهم النساء، والصبيان، والشيخ الكبير، والأسرى من المسلمين، والتجّار، جواز قتلهم جميعاً، المُحارِب منهم وغير المُحارِب، وذلك عند الضرورة الحربية، وما داموا في أرض الحرب؛ إذ إنّ غير المحاربين لا يستنكرون حربهم، ولا يخرجون من ديارهم، بل يرضون بفعلهم، ويعيشون في حصنهم.
2ـ وعن عليّ× أنه قال: «يُقتل المشركون بكل ما أمكن قتلهم به، من حديد، أو حجارة، أو نار، أو ماء، أو غير ذلك». وذكر أنّ رسول الله| نصب المنجنيق على أهل الطائف، وقال: «إنْ كان معهم في حصنهم قومٌ من المسلمين فأوقفوهم معهم، فلا تتعمَّدوا إليهم بالرمي، وارمُوا المشركين، وأنذِروا المسلمين ليتَّقوا إنْ كانوا أقيموا كرهاً، ونكِّبوا عنهم ما قدرتم، فإنْ أصبتم أحداً ففيه الدية»([28]). وفي هذه الرواية تعميمٌ. والعامّ هو اللفظ الشامل بمفهومه لجميع ما يصلح انطباق عنوانه عليه، في ثبوت الحكم له. وللعموم ألفاظٌ مفردة، منها: «كلّ»، وما في معناها، مثل: «جميع»، و«تمام»، و«أيّ»، و«دائماً». ولفظة «كلّ» تدلّ على عموم مدخولها، سواء كان عموماً استغراقيّاً([29])، أو مجموعيّاً([30]). وإن العموم معناه الشمول لجميع أفرادها، مهما كان لها من الخصوصيات اللاحقة لمدخولها([31]). ففي هذه الرواية تعميم لأنواع الأسلحة التي يجوز قتل المشركين بها، لقوله×: «بكلّ» ما أمكن قتلهم به، وهو يدلّ على جواز قتل المشركين المحاربين بكلّ أنواع الأسلحة، ومنها أسلحة الدمار الشامل. ولقوله×: «أو غير ذلك»، أي غير الحديد، أو الحجارة، أو النار، أو الماء.
3ـ «عبد الله بن جعفر الحميري، عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد، عن عليّ×، قال: مَنْ ردَّ عن المسلمين عادية ماء، أو نار، أو عادية عدوٍّ مكابر للمسلمين، غفر الله له ذنبه»([32]). فإذا كان الدفاع عن المؤمنين في الحروب التي تستعمل فيها الأسلحة العادية واجباً فمن باب أَوْلى أن يكون الدفاع عن المؤمنين في الحروب التي تستعمل فيها أسلحة الدمار الشامل واجباً.
ثانياً: دعاء «أهل الثغور»
ورد عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين× في دعائه على أعداء المؤمنين المجاهدين، المحاربين لهم، ما يستدلُّ به على جواز استخدام أسلحة الدمار الشامل:
1ـ «اللهم عقِّم أرحام نسائهم([33])، ويبِّس أصلاب رجالهم([34])، واقطَعْ نسل دوابهم وأنعامهم([35])، لا تأذن لسمائهم في قطر، ولا لأرضهم في نبات([36])…. اللهم وامزج مياههم بالوباء([37])، وأطعمتهم بالأدواء، وارمِ بلادهم بالخسوف، وألح عليها بالقذوف([38])، وأفرعها بالمحول([39])، واجعل ميرهم([40]) في أحصِّ([41]) أرضك وأبعدها عنهم، وامنع حصونها منهم. أصبهم بالجوع المقيم، والسقم الأليم»([42]).
2ـ «اللهم وأعمم بذلك أعداءك في أقطار البلاد([43])، من الهند، والروم، والترك، والخزر، والحبش، والنوبة، والزنج، والصقالبة، والديالمة، وسائر أمم الشرك الذين تخفى أسماؤهم وصفاتهم، وقد أحصيتَهم بمعرفتك، وأشرفتَ عليهم بقدرتك»([44]).
ولا شكّ أنّ الهدف من طلب الإمام× من الله أن يُعَقِّم أرحام نسائهم، وأن يجعل الوباء في مياههم، والأدواء في طعامهم، ونحو ذلك، هو دفع غائلتهم عن النفس، وعن الدين، وإخضاعهم لإرادة الله، بدلاً من أن تكون الأهواء هي التي تحكم، فيكون القرار دفعاً نحو الدمار والبوار، واقتلاع الآثار… فردّ العدوان والظلم ودفع العدو المحارب واجبٌ عقلاً وشرعاً، شرط أن يكون ذلك بالوسائل التي أباح الشارع استعمالها.
ونستظهر من طلب الإمام زين العابدين× من الله تعالى في دعائه لأهل الثغور أن ينشر الوباء في بلاد الكفار والمشركين، ويُنزل عليهم العذاب، ويلوِّث مياههم، ويهلك نسلهم وحرثهم، جواز فعل ذلك.
وقد يقول قائلٌ: إنّ الإمام× في هذا الدعاء لا يريد تشريع استعمال الأسلحة المحرَّمة دوليّاً بالمطلق، بل يريد إعلامنا بأنه لا مانع من المقابلة بالمثل؛ إذ لا يمكن دفع العدو إلاّ بذلك، وإنْ احتاج هذا الردع إلى قتل المهاجمين مهما كثر عددهم.
بيد أن كلام الإمام عليّ بن الحسين× مطلقٌ، أي إنه يتمنّى موت الأعداء وفناءهم، سواء بدأوا اعتداءهم أو لا. ويدلّ عليه تعداده لأعداء ذلك الزمان، ويؤكِّده التعميم الزماني بعد التعميم المكاني، ليشمل كلّ أعداء الله في كل زمان ومكان.
وقد يُقال بأن الإمام×، لم يقصد بهذه الفقرات ما يشمل السُّمَّ الذي استثنته الرواية، وحرَّمت الاستفادة منه في الحرب.
ونجيب على ذلك بما يلي:
1ـ إنه لا فرق بين قوله×: «اللهم وامزج مياههم بالوباء»، وبين دسّ السمّ في الماء. فالوباء يؤدّي إلى المرض والموت، وكذلك السُّمّ.
2ـ إننا لا نشكّ في أنّ الإمام× لا يدعو إلاّ بما يجوز الدعاء به، وبما لا مانع من إيقاعه بالمدعوّ عليهم، وبأيّ نحو كان.
3ـ هدف الإمام× أن يشغلهم الله تعالى عن العدوان، بأمثال هذه الأمور، ويحوِّل نعمه عليهم إلى نقم، تمنعهم من مواصلة البغي، والعدوان، ومن الإمعان في الإجرام، والطغيان. وذلك يشعرهم بالهزيمة نفسيّاً، وبالحاجة إلى التراجع عن مواقع الخطر، ويقلِّل من ميلهم إلى الحرب.
4ـ أضِفْ إلى ذلك أن للوضع الاقتصادي دور مفصليّ في الميل إلى الحروب، وفي مواصلتها، أو التراجع عنها. ولذلك يفرح أهل الإيمان إذا شحّت الأمطار في بلاد الأعداء، وأصيبت بالجفاف؛ لأن المياه تعدُّ من أهم مصادر الأمن الاقتصادي في العالم. فإذا ضرب البلاد القحط، ولم يؤذَن للسماء في قطر، ولا للأرض في نبات، فذلك يزيد في تردُّد العدو في الدخول في حرب، ويثنيه عن مواصلة الحرب التي دخل فيها. فالرخاء الاقتصادي يشجِّع الطامعين، والطامحين، على شنِّ الحروب، والإمعان في التدمير، والهدم. والضيق الاقتصادي يدعوهم إلى التروّي، والتردُّد، في الدخول في مغامرات، ومتاهات الحرب، وتحمُّل أعبائها، والتعرُّض لاحتمالات النكسات فيها. فلماذا لا يجوز لنا أن نسعى إلى ذلك، ولو بأنْ نطلب من الله تعالى أن يفعل بهم ذلك، فإنّه أَوْلى من إزهاق الأرواح، وإتلاف النفوس، وما إلى ذلك من مصائب وبلايا؟!
المنطلقات الفقهيّة لنظرية حرمة استخدام أسلحة الدمار الشامل مطلقاً
ما لا شكّ فيه أنّ الأصل هو الرحمة الإلهية للبشر. فالإسلام يريد سعادة البشر، ويسعى إلى فرض السلام عليهم واستصلاحهم، ولا يسعى إلى التنكيل بهم، على سبيل التشفي والانتقام. ولا يزال الحديث الجدلي قائماً حول موقف الإسلام من صناعة الأسلحة النووية واقتنائها، وحول شرعية استخدامها في الحروب والمعارك، ولكنْ لم نجد فيها بحثاً وافياً إلاّ نادراً. ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى عدم استخدام هذه الأسلحة في البلدان الإسلامية، بل إلى عدم وصول هذه البلدان إلى تقنيّة هذه الأسلحة في السنوات الخالية، أو إلى أنّ الموضوع حسّاس وخطير إلى درجة لم يتجرأ بعض أهل العلم على البحث فيه. لكنْ رغم ذلك لم يكنْ من الصحيح إغفال هذه المسألة؛ وذلك لضرورة إعطاء وجهة نظر إسلامية تجيب عن تساؤلات الباحثين، والسياسيين، وعامّة الناس، وتواكب العصر. ولا شكّ في أنّ الإسلام يأمر بالحفاظ على حياة الأبرياء، وعلى البيئة، ما أمكن، حتّى في حالة الحرب. وبناءً عليه يمكن الوصول إلى نتيجة مفادها أنّ استخدام أسلحة الدمار الشامل حرامٌ، لوجوه:
·
1ـ الكتاب
لدى دراسة الأحكام الفقهيّة المتعلِّقة بالحروب نجد أنّ إهلاك الحرث والنسل حرامٌ، ودليله قوله تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ (التغابن: 16). فظاهر الآية حرمة إهلاك الحرث والنسل، أي ما يصدق عليه عرفاً إهلاك الحياة الإنسانية، والحيوانية، والنباتية، بحيث تكون مساحة الإهلاك واسعة. وإذا كان في عصر نزول الآية مصداق بارز لإهلاك الحرث والنسل، كحرق حصون المشركين وبيوتهم بالنار، أو إغراقها بالماء، أو أن يجعلوا في مائهم الدم، والعذرة، أو إلقاء السمّ في مياههم، أو تخريب ديارهم وهدمها، أو نصب المنجنيق عليهم، أو إلقاء الحيَّات والعقارب عليهم، أو قطع شجرهم، وإفساد زرعهم، أو قطع الماء عنهم، فييبس زرعهم، ويموتون جوعاً، وعطشاً، فإنّه بلا شكّ لن يكون حجمه أكبر من حجم الإهلاك الموجود في أسلحة الدمار الشامل في عصرنا الحالي. فاستخدام هذه الأسلحة من أبرز مصادق إهلاك الحرث والنسل، فيكون حراماً. وهذا الوجه لا يختصّ بالأسلحة المدمِّرة للجمادات، بل يشمل الأسلحة المدمِّرة لخصوص الإنسان، والنبات، والحيوان، حتّى لو ظلّت البيوت والجمادات على حالها؛ لصدق عنوان الإهلاك عليها جميعاً.
2ـ السُّنَّة
أوّلاً: عدم جواز استهداف فئة من الكافرين في الحرب
ونقصد بذلك النساء، والأطفال، والشيوخ، فلا يجوز استهداف مطلق ما هو مدنيّ غير مشارك في الحرب، سواء كان إنساناً أم أموالاً. وعليه فاستخدام أسلحة الدمار الشامل سوف يؤدّي إلى قتل المدنيين، وتدمير أموال مدينة يحرم استهدافها، فيكون هذا الاستخدام حراماً تبعاً لذلك. والدليل على ذلك روايات تُحرِّم استعمال أسلحة الدمار الشامل، ومنها: ما ورد في وسائل الشيعة، في باب أنه لا يجوز أن يقتل من أهل الحرب المرأة، ولا المُقعد، ولا الأعمى، ولا الشيخ الفاني، ولا المجنون، ولا الولدان، إلاّ أن يقاتلوا.، ولا تؤخذ منهم الجزية:
1ـ «عن محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن الحسن الصفّار، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه^، أن النبيّ| قال: «اقتلوا المشركين، واستحيُوا([45]) شيوخهم، وصبيانهم»([46]).
2ـ «عن محمد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن حفص بن غياث، أنّه سأل أبا عبد الله× عن النساء، كيف سقطت الجزية عنهنّ ورفعت عنهنّ؟ قال: فقال: «لأنّ رسول الله| نهى عن قتل النساء والولدان في دار الحرب، إلاّ أن يقاتلن، فإنْ قاتلت أيضاً فأمسِكْ عنها ما أمكنك، ولم تخَفْ خَلَلاً، فلمّا نهى عن قتلهنّ في دار الحرب كان في دار الإسلام أَوْلى. ولو امتنعت أن تؤدي الجزية لم يمكن قتلها. فلما لم يمكن قتلها رُفعت الجزية عنها. ولو امتنع الرجال أن يؤدّوا الجزية كانوا ناقضين للعهد، وحلَّت دماؤهم وقتلهم؛ لأنّ قتل الرجال مباح في دار الشرك. وكذلك المُقعد من أهل الذمّة، والأعمى، والشيخ الفاني، والمرأة، والوِلدان، في أرض الحرب. فمن أجل ذلك رفعت عنهم الجزية»([47]).
والرواية هذه تساوي بين المرأة، والمُقعد من أهل الذمّة، والأعمى، والشيخ الفاني، والوِلدان، في أرض الحرب؛ إذ رُفعت الجزية عنهم جميعاً، لأنّه لم يمكن قتلهم لو امتنعوا عن أن يؤدّوا الجزية. أمّا الرجال الذين يمتنعون عن أداء الجزية فيجوز قتلهم؛ لأنهم يُعتبرون ناقضين للعهد الذي قطعوه على أنفسهم. وهذا يعني أنّ الإسلام لا يجيز قتل غير المحارِبين من الرجال، أي لا يجيز قتل المرأة، والمُقعَد، والأعمى، والشيخ الفاني، والوِلدان. وبالتالي فهو لا يجيز استعمال أسلحة الدمار الشامل، التي تقضي على كلّ البشر، ولا تميِّز بين محارِب وغير مُحارِب، ولا بين رجل وامرأة وشيخ وولد.
3ـ ورد عن رسول الله| أنّه قال: «مَنْ قتل صغيراً، أو كبيراً، أو أحرق نخلاً، أو قطع شجرةً مثمرةً، أو ذبح شاةً لاهياً بها، لم يرجع كفافاً([48])»([49]). وبالتالي فإن عملية التحريم لا تختصّ بقتل الصغير أو الكبير من بني البشر، بل تتعدّاه أيضاً إلى تحريم قتل الحيوان النافع، أو قطع الشجر المثمر، من دون ضرورة إلى ذلك. وهذا الوجه يجري حتّى عند الفقهاء الآخذين بقول المشهور، فإنّ النساء والأطفال قد حصل إجماع على استثنائهم من الاستهداف الحربي، فيكون الاستخدام الذي يلحق الضرر بهم، بالموت ونحوه، حراماً. وهذا الوجه تامٌّ لا غبار عليه.
4ـ ما ثبت لدينا في التحقيق أنّ النبيّ| عندما انتصر على بني قريظة، حيث نزلوا من حصونهم ولجأوا إلى تحكيم سعد بن معاذ، فحكم فيهم سعد بقتل المقاتلة وسبي الذرّية، فقبل رسول الله تعالى بحكمه، ولم يقتل النساء، أو الأطفال، أو الشيوخ، أو حتّى الرجال غير المقاتلين، بل اكتفى بقتل الرجال المحاربين، وسبي النساء والأطفال، وأخذ الأموال. أي إنّه لم يتعرَّض لأيّ إنسان لم يمارس عملية الحرب والقتال ضد المسلمين، بالرغم من أن جريمة بني قريظة لا تقاس بجريمة بني النضير وقينقاع في حجمها، وفي خطورتها على الإسلام والمسلمين. فقد تحرَّك بنو قريظة في خطّ الخيانة، وتوغَّلوا فيها إلى درجةٍ أصبح معها أساس الإسلام في خطرٍ أكيد وشديد، ولا سيّما أنّ ما بنوا عليه كلّ مواقفهم هو إبادة الوجود الإسلامي بصورة تامّة وحاسمة. مع الإشارة إلى أنّ هدف بني قريظة كان قريب المنال على مستوى الحسابات العملية، التي اعتمدوا عليها، وقد خطَوْا خطوات عملية لإنجازه، حتّى على مستوى التحرُّك العسكري، الذي يستهدف تمكين الأحزاب من اجتياح الوجود الإسلامي([50]).
ثانياً: نهي رسول الله| أن يُلقى السمّ في بلاد المشركين
ورد عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله×، أنّه قال: قال أمير المؤمنين×: «نهى رسول الله| أن يُلقى السمّ في بلاد المشركين» ([51]). إنّ إلقاء السُّمِّ في الماء هو كناية عمّا يقتل الإنسان، والحيوان، والنبات، بلا تمييز. أي إنه كناية عن أسلحة الدمار الشامل في ذلك العصر. فهذه الرواية ظاهرةٌ في تحريم إلقاء السمّ، كما ذهب إليه جماعة من الفقهاء. ولا معنى لحمل النهي هنا على الكراهة؛ حيث لا شاهد ولا قرينة على ذلك. فإذا كان إلقاء السمّ في تلك البلاد حراماً فإنّ بعض أسلحة الدمار الشامل ممّا يصدق عليه أنّه سموم، وبعضها الآخر إنْ لم يصدق عليه عنوان السمّ لغةً وعرفاً فهو أشدّ فتكاً وتدميراً، فلا شك في أنّه يحرم بالأولوية. فإذا كان إلقاء السمّ حراماً فكيف بإلقاء الأسلحة النووية التي تُحْدِث في البلاد والعباد أكثر ممّا يحدث السمّ فيها بمئات المرات؟! كما أنّ طبيعة الإطلاق الموجود في الرواية تشير إلى أنها غير خاصّة بموضوع الجهاد، بل تُحَرِّم هذا الرمي للسمّ مطلقاً، حال الحروب وغيرها. ولكنّ مناسبات الحكم والموضوع تجعل القضية في سياق حرب ومنازعة؛ لعدم وجود ظاهرة إلقاء السمّ آنذاك في غير الحروب، إلاّ نادراً.
ولا بدّ لنا من الاستفادة من أقوال العلماء في هذا الموضوع الحسّاس، ومناقشتها إذا لزم الأمر. وفي هذا السياق يُفتي الشيخ الطوسي([52]) بجواز قتال أهل الشرك بسائر أنواع القتال، إلاّ إلقاء السمِّ في بلادهم. ولعلَّها إشارة إلى عدم جواز استعمال أسلحة الدمار الشامل. فإنْ كان استعمال السمِّ يؤدّي إلى قتل المدنيين أيضاً فمن باب أَوْلى عدم استعمال السلاح الكيماوي، أو الجرثومي، أو النووي في عصرنا الحاضر؛ لأنه أشدّ قتلاً، وأكثر فتكاً وتدميراً. وفي ما يلي نصّ الفتوى: «ويجوز قتال أهل الشرك بسائر أنواع القتال، إلاّ إلقاء السمّ في بلادهم، ومن أسلم في دار الحرب كان إسلامه حقناً لدمه، ولولده الصغار من السبي، ولماله من الأخذ»([53]).
ويرى الشيخ جعفر السبحاني([54]) أنّ النبيّ| لم يستخدم أبداً الأساليب اللاإنسانية، كقطع الماء على خصومه، أو تسميمه وتلويثه، أو قطع الأشجار، وما شابه ذلك. وبالتالي فهي حرامٌ، ولا يجوز استخدامها. حيث يقول: «إنّ الأدوات والوسائل التي استخدمها النبيّ| لنشر دعوته، واستعان بها لنشر دينه، كانت إنسانية وأخلاقية تماماً. فهو| لم يستخدم أبداً الأساليب اللاإنسانية، كقطع الماء على خصومه، أو تسميمه وتلويثه، أو قطع الأشجار، وما شابه ذلك من الأساليب اللاإنسانية. بل أوصى بأنْ لا يلحق الأذى بالنساء، والأطفال، والعجائز، وكبار السنّ، وأن لا تُقطع الأشجار، وأن لا يُشْرَع في قتال العدوّ قبل الدعوة إلى الإسلام، وإتمام الحجّة عليه. إنّ الإسلام يرفض رفضاً قاطعاً المنطق المكيافيلي القائل: «إنّ الغاية تبرِّر الوسيلة». وكمثال رفض اقتراح أحد اليهود لإخضاع العدوّ في وقعة خيبر عن طريق إلقاء السمّ في الماء. إنّ حياة رسول الإسلام| زاخرةٌ بقصص التعامل الإنساني النبيل مع الأعداء»([55]).
ويرى أحد الباحثين في الفقه الإسلامي([56]) أن استخدام أسلحة الدمار الشامل من أبرز مصادق الإفساد في الأرض، وإهلاك الحرث والنسل، قائلاً: «فإننا نستطيع القول في ضوء معرفتنا بأنّ الحرب في الإسلام لها ضوابطها، وقيودها، وأخلاقياتها، ووسائلها، وأهدافها، كما أنّ لها زمانها ومكانها: إنّ استخدام السلاح النووي والقنابل الذريّة في المعارك أمرٌ محظورٌ شرعاً؛ للاعتبارات التالية:
أوّلاً: إنّ استخدام هذا السلاح، في كثير من الحالات، هو من أبرز مصادق الإفساد في الأرض، وإهلاك الحرث، والنسل، وهو أمرٌ محرَّم بنصّ القرآن الكريم.
ثانياً: إن استخدام هذه الأسلحة لا ينفك عن قتل الأبرياء من الأطفال، والنساء، والشيوخ، وإبادة الحيوانات، وحرق الأشجار والمزروعات، وهذا ما ورد النهي عنه في العديد من الروايات..
ثالثاً: ورد في الخبر المعتبر عن أبي عبد الله× قال: قال أمير المؤمنين×: «نهى رسول الله| أن يُلقى السُّمّ في بلاد المشركين». وظاهر النهي هو الحرمة، وبذلك أفتى غير واحد من الفقهاء… فإذا كان إلقاء السمّ في بلاد المشركين محرَّماً أفلا يكون استخدام ما هو أشدّ فتكاً وضرراً منه، أعني السلاح النووي والذرّي، محرَّماً بطريق أَوْلى؟»([57]).
ثالثاً: حرمة التعذيب بالنار
تشير بعض الروايات إلى حرمة التعذيب بالنار. ومن الواضح أنّ استخدام أسلحة الدمار الشامل هو من نوع الإحراق بالنار، بل أشدّ. ومن هذه الروايات: خبر أبي هريرة، قال: «بَعَثَنا رسول الله| في بَعْثٍ، وقال لنا: إنْ لقيتم فلاناً وفلاناً فأحرقوهما بالنار، ثم قال: أتيناه نودِّعه حين أردنا الخروج، فقال|: إنّي كنت أمرتُكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً بالنار، وإنّ النار لا يعذِّب بها إلاّ الله، فإنْ أخذتموهما([58]) فاقتلوهما»([59]) .
فهذه الرواية تُحَرِّم استعمال الإحراق وسيلةً من وسائل القتل، رغم أنّ الرجلين كانا ممَّنْ يستحقّ القتل؛ لأنّ الرواية أشارت في خاتمتها إلى الأمر بقتلهما. كما أن التعليل الوارد في الرواية يشير إلى كبرى عامّة، وهي أنّ النار لا يعذب بها إلاّ الله. ففي هذه الكبرى منع التعذيب بالنار مطلقاً، سواء في الجهاد، أو الحدود، أو غيرهما.
هذا ويمكن أن تسجل بعض الملاحظات على الاستدلال بهذه الرواية:
الأولى: رُبَّ قائل بأنّ الرواية تنهى عن الإحراق للأسير والمعتقل، لا عن استخدام أسلوب التحريق في الحرب، وأثناء المعركة. والشاهد على ذلك تعبير: «أخذتموهما» الوارد في الرواية، فإنّ المأخوذ معتقل أو أسير. ومن الصعب تعميم الحكم من باب الأسر إلى مطلق الجهاد، مع عدم الشاهد والقرينة؛ لوجود احتمال معقول في أنّ ذلك من أحكام الأسرى.
وهذه الملاحظة قد يجاب عنها بأنّ التعليل الذي استخدمته الرواية يفيد أنّه لا يُعَذِّب بالنار إلاّ صاحب النار، وهو الله تعالى. ومع هذا التعليل يفترض الحكم بحرمة التعذيب في النار مطلقاً، للأسير وغيره؛ لانطباق مفهوم التعليل على تمام الموارد. وتعبير التعذيب في الرواية لا يراد منه أن يحرق بغرض أن يعذَّب، بل يحرق ليموت، لكنّ الإحراق عذابٌ حتى لو جاء في سياق القتل. فهذه الملاحظة غير واردة.
الثانية: إنّ هذه الرواية يجب طرحها أو تأويلها؛ لأن خبر حفص بن غياث المتقدّم في مدينة من مدائن الحرب قد أجاز إرسال النار على المدينة حتّى لو كان فيها الأطفال والنساء. فهذا كلّه يضعِّف من دلالة الخبر المذكور.
وهذه الملاحظة غير واردة؛ فإنّ خبر حفص بن غياث ضعيف السند. وأما الأفعال النبوية فيمكن أن يكون موردها الضرورة، فيما لا ضرورة هنا في قتل الرجل، أو الرجلين، عبر الإحراق، ما دام يمكن قتلهما من دون ذلك. فالإشكال غير وارد.
الثالثة: إنّ قصّة تحريق الرجلين لا تفيد هنا كثيراً؛ إذ لو التزمنا بحرمة استخدام أسلوب التحريق فلا يلازم ذلك حرمة استخدام أسلحة الدمار الشامل؛ لأن بعضها فيه تحريق، وبعضها الآخر ليس فيه ذلك، كالأسلحة الجرثومية وغيرها. فالمفترض أنْ لا ينتج هذا الدليل تحريم هذه الأسلحة، بل التفصيل في أمرها. كما أنه لو حرَّم بعضها فلا يختصُّ بها، بل يشمل غيرها من الأسلحة التدميرية المحدودة القدرة التي تحرق أيضاً، حيث يفترض أن يُحكم بحرمتها أيضاً.
والجواب عنها: إن النسبة بين أسلحة الدمار الشامل والأسلحة التدميرية المحرقة والمحدودة هي العموم والخصوص من وجه، فيقتصر على مقدار وجه الاشتراك، وهو الإحراق. وهذا يعني أنّ الأسلحة الكيميائية، المحرقة بطبيعتها، والنووية، المحرقة عن طريق إشعاعها الحراري، والموجة الإعصارية اللافحة، وكلّ ما كان من أسلحة الدمار الشامل، أو من الأسلحة الأخرى، محرِقاً، فاستخدامه حرامٌ. وهذه ملاحظة لا تنسف الدليل، بل تحدِّد دائرته.
3ـ الدليل العقلائي
بدايةً لا بدّ من توضيح معنى الدليل العقلائي، فهو يسمّى أيضاً ببناء العقلاء، أو السيرة العقلائية، وهي عبارة عن الميل العام لدى العقلاء نحو سلوك مُعَيَّن، مثل: العمل بخبر الثقة، والأخذ بظاهر الكلام([60]). وليس الدين من عوامل تكوين هذا الميل. ولأجل هذا فهو لا يقتصر على المتديِّنين من العقلاء. فإذا سكتت الشريعة عن ذلك الميل، ولم تردَعْ عن الانسياق معه، كشف سكوتها هذا عن رضاها بذلك السلوك، وانسجامه مع التشريع الإسلامي. والاستدلال بالسيرة العقلائية يقوم على أساس تجميع القرائن، حيث يكبر احتمال رضا المولى (أي الله عزّ وجلّ) بزيادة عدد العقلاء الذين يميلون نحو هذا السلوك، حتّى يؤدّي إلى العلم حين يوجد مَيْلٌ عامّ، ويسكت عنه المولى([61]).
واستخدام أسلحة الدمار الشامل أمر مُشكِل لدى العقلاء؛ لأنّ توظيف هذا السلاح قد يجرّ الفريق الآخر لاستخدامه، ويُدخل الأطراف المتنازعة في مرحلة جديدة من الحروب، الأمر الذي يخشى منه أن يُلحق ضرراً كبيراً بالمسلمين على المدى البعيد، بل وبالحياة الإنسانية على وجه الأرض. وفي حالة من هذا النوع، حيث يكون فيه الضرر والخطر هائلاً، لا يبعد أن يتحفَّظ العقلاء عن فعل ذلك، ويرَوْنه عملاً غير حكيم. وهذا ما يجعل هذا الاستخدام حراماً من هذه الناحية فقط، ولا سيّما أن المطلوب في الجهاد في الإسلام ليس قتل الكافرين من أهل الكتاب، بل هزيمتهم، وصدّ عدوانهم، والهيمنة عليهم، عملاً بمبدأ «الضرورة تقدَّر بقدرها».
وفي هذا السياق أجاب الشيخ ناصر مكارم الشيرازي([62])، عن سؤال وجَّهه الباحث إليه، أنّه لا يجوز استخدام الأسلحة للدمار الشامل، سواء كانت نووية، أو كيماوية، أو غيرها، لا بعنوان السلاح الدفاعي، ولا الجهاد الابتدائي، على فرض جوازه. وقد استدلّ على ذلك بأمور:
1ـ أدلّة حرمة هراقة دماء الأبرياء، فإنّ هذه الأسلحة لا تخلو دائماً أو غالباً من قتل الأبرياء.
2ـ هذا من مصاديق الظلم، وحرمة الظلم من المستقلاّت العقليّة.
3ـ ما ورد عن النبي| وأوصيائه في آداب الحرب من التنصيص على حرمة قتل الأبرياء، وحتّى حرمة قتل الحيوانات، وقطع الأشجار، وأمثال ذلك. وهذا كلّه بالعنوان الأوّلي، مضافاً إلى أنّ العناوين الثانوية أيضاً حاكمةٌ في محلّ الكلام.
كما يرى السيد محمد الحسيني الشيرازي([63]) أنه لا يجوز صنع، واقتناء، وتطوير، واستخدام أسلحة الدمار، بل يدعو إلى إفناء الأسلحة النارية، حتّى البندقية. وفي ما يلي نصّ فتواه([64]): «إنّي أتصوَّر أنّ اللازم أن يهتمّ جماعة من العقلاء لإفناء الأسلحة النارية، حتّى البندقيّة، وإرجاع الأمر إلى وسائل الحروب البدائية، كالرمح، والسيف، والخنجر، والسهم. إنها توجب العدالة في المحاربات، كما ورد في الحديث أن الإمام المهدي يقوم بالسيف… ولا غرابة فقد قام جماعة من العقلاء إلى تحريم القنبلة الذرية ونحوها. ولا فرق بين الأمرين. وإلاّ فلا حدَّ يقف لتطوير الأسلحة والشيء الضارّ فيه. وعلى العقلاء أن يقفوا دون وجوده واستعماله. وما كان الحلّ إذا لم يقف العقلاء أمام استعمال الأسلحة الذرّية بعد أن استعملت في اليابان؟… أنقذ الله البشرية من الشرور ببركة العقل والدين، وهو المستعان»([65]).
ويرى الشيخ يوسف صانعي([66]) أنّ إنتاج السلاح النووي حرامٌ في الإسلام، وأنّه سببٌ من أسباب المشاكل التي تواجه إيران، وأنّ تطوير قنبلة نووية حرامٌ أيضاً، وأنه إذا كان يتّخذ القرارات فإنّه سيوقف البرنامج النووي لمنع حربٍ محتملة، قائلاً: «الموضوع النووي والاستخدام السلمي المدني الإيراني له جزء أساسي من المشكلة. من وجهة نظر الإسلام مجرّد تطوير قنبلة نووية، وليس استخدامها، مسألة حرام شرعاً. وهي جريمة؛ لأنه من الممكن أن يتمّ تطوير قنبلة نووية اليوم، وغداً شخص غير مسؤول يستخدمها. الإسلام مثلاً يمنع المشروبات الكحولية، ولهذا يُجَرِّم بائعها، وحاملها، وشاربها. وهذا ينطبق على البرنامج النووي… نعم سأوقفه. لنْ أكون مستعدّاً لبنائه؛ لأنه يمكن أن يُساء استغلاله من قبل أعدائنا، وسيضع حياة الأبرياء في الخطر. إنّه نفس الشيء إذا هدّدنا الغرب بأنّه يجب أن نوقف استخدام النفط، وإلاّ قتل شعبنا ودمَّر بلادنا، سنوقف إنتاج البترول؛ لأننا بهذا سنظهر للعالم أننا ضحية سياسات أعدائنا. إذا أرادوا أن يدمِّروا مصانع الطاقة لدينا سندمر مصانع الطاقة لديهم، لكنّني لست على استعداد للسماح بقتل الأبرياء. إسلاميّاً هذا حرامٌ… إذا كان هدف الهجوم الأميركي منشآت ومصانع نووية، وعسكرية، سنقف وندافع عن بلادنا، وهذا يعني أننا سنردّ، ومصالحهم ستكون معرضة للخطر، تماماً مثل مصالحنا. أما إذا كان هدف الهجوم الأميركي هو المدنيين الإيرانيين، ولا نستطيع أن نقف أمامهم أو نمنعهم، وأنّ الطريق الوحيد لمنع قتل الأبرياء هو وقف البرنامج النووي والتخصيب، فلا بدّ من وقفه… إذا أرادت قوّة ما أن تواجه قواتنا العسكرية فإن قواتنا العسكرية ستردّ، لكنْ إذا أرادوا الهجوم على شعبنا فإننا سنتصدّى لهم. إذا نجحنا سنواصل المقاومة، إذا فشلنا يجب وقف برنامجنا النووي… لا يجب استخدام السلاح النووي. هذا حرامٌ في الإسلام، حتّى في حالة الدفاع عن النفس… فمن الناحية الشرعية إذا هاجمتك قوّة عظمى لا يمكنك استخدام الأسلحة النووية للردّ والدفاع عن النفس؛ لأنّه سيترتب على ذلك موت عددٍ هائل من الأبرياء. والإسلام وأيّ عاقل حرّ سيرى هذا مُحَرَّماً… الإسلام يمنع تطوير أسلحة نووية واستخدامها. كيف يمكن السماح بقنبلة نووية تقتل أبرياء، وقد تمحي الحياة من الأرض»([67]).
وبذلك يرى الشيخ يوسف صانعي أنّ استخدام السلاح النووي حرامٌ في الإسلام، حتّى في حالة الدفاع عن النفس. فإذا هاجمت واشنطن المدنيين الإيرانيين فإنّ على السلطات الإيرانية أن توقف تخصيب اليورانيوم، مشدِّداً على حرمة إراقة دماء المسلمين.
وفي مقابلة علميّة أجراها معه مُعِدُّ هذه الرسالة في مكتبه في مدينة قم المقدَّسة، بتاريخ 13/1/2008م، أفتى الشيخ صانعي بما يلي: عمل ما يكون سبباً في قتل الناس، واستخدامه، وصنيعته، وتهيئة مقدّماته، كلّها محرَّمة في الشرع، ممنوعة، حتّى أن ذخرها للاستفادة منه في زمان الدفاع أيضاً ممنوعٌ. والوجه في ذلك واضح؛ لأنه سببٌ للإضرار بغير مَنْ يستحقّ الضرر. ففي الدفاع الضرر لا بدّ أن يتوجَّه لمَنْ يريد قتلي، وأمّا الاستفادة من أمثال الأسلحة العامّة فموجبٌ للضرر على مَنْ ليس محارباً. وقتل هؤلاء الأفراد مُحَرَّمٌ. فمَنْ قتل نفساً بغير حقٍّ فكأنّما قتل الناس جميعاً. أضِفْ إلى ذلك استلزامه الضرر بالزرع والنبات، وما سيكون حَمْلاً في بطون الأمهات. ويزيد أنّ الدفاع لا بدّ أن يكون لدفع الشرّ، لا قتل مَنْ لا يريد الشرع قتله، طفلاً، أو رجلاً، أو امرأةً. فالدفاع إذاً غير جائز؛ لاستلزام الضرر على غير المعتدي. فصنعته، بما هي مقدّمة للحرام، غير جائزة، فضلاً عن استعماله. وحفظه محرَّم؛ لأنه قد يستفيد منه أحدٌ بشكلٍ مضرّ. وإعلانه حرام؛ لأنّه إعلان بأنّ الإسلام يجوِّز قتل الأنفس المعصومة، ويجوِّز الضرر في الماء والأرض! وأمّا مسألة العين بالعين فالمقصود منها العين التي تفقأ عيني، والحكومة المعادية تحاربني بجيشها، لا بالمدنيين. وأمّا مسألة الإعداد وتحصيل أسباب القوة فهي واجبة إذا لم يكن الإعداد موجِباً للحرام، وقتل الأنفس المعصومة([68]). فالنار لا تطفئ النار. ولا نستطيع أن نعمل بالمِثْل، حتّى إذا حمل العدوّ على أرض الإسلام، واستعمل هذا السلاح، لا نستطيع أن نستعمله في المقابل.
الخاتمة
إنَّ الإسلام ينظر إلى القوّة على أنّها وسيلة ضرورية وطبيعية لانتظام الكون، واستمرار الحياة. ولكنْ قد يسيء الإنسانُ استخدامَ هذه القوّة، التي أنعم الله بها عليه، فيستعملها بهدف التسلُّط، واحتلال البلدان، ونهب خيراتها، وتدميرها، واستعباد الناس، والاعتداء على أرواحهم، وممتلكاتهم، وأعراضهم. ولذلك فإنّ الإسلام يأمر بوجوب التصدي للعدوان، والدفاع عن النفس، والعِرض، والأرض، والدين، ولكنْ دون التعدّي على حدود الآخرين. ويعتمد في ذلك على الشرع، والعقل، فيتدرَّج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بدءاً من القلب، ومروراً باللسان، ووصولاً إلى اليد؛ رحمةً منه بالعباد، وإفساحاً منه المجال لأيّ حلٍّ بأقلّ خسائر ممكنة.
ولا شكّ أنّ السلاح بمختلف أنواعه وسيلة من وسائل القوّة. وهو شائع الاستخدام، سواء في العصور القديمة أو الحديثة. ويصبح الموضوع أكثر خطورة عندما يتعلَّق بأسلحة الدمار الشامل، التي تبيد البشر، دون تمييز بين مدني وعسكري. كما تؤدّي إلى تسميم الطبيعة، التي لا يجوز إتلافها إلاّ في حالات الضرورة القصوى، التي تفترض حماية المصالح العليا للأمّة الإسلامية؛ أخذاً بعين الاعتبار المصالح العليا للوجود الإنساني النوعي.
والجهاد متوجِّه في الأساس إلى المقاتلين؛ بغية تحطيم قدراتهم لتحقيق النصر. ولذا فكلّ ما يتوقَّف عليه ذلك فهو جائز. وأما غير المحاربين، وعموم البلاد، فالجهاد ليس متوجِّهاً إليهم بالقتل بالعنوان الأولي، وإنّما بالعنوان الثانوي الذي يخضع لميزان الضرورات الحاسمة، كتوقُّف الغلبة أو النصر عليها في المعركة، وغيرها من الضرورات التي يُعاد أمر تقديرها للمعصوم×، أو لوليّه الخاصّ بعد الرجوع إلى أهل الخبرة، وتقدير مسار المعركة على الأرض بدقّة([69]).
وقد تكشَّف لنا بعد استعراض آيات وروايات تصلح كدليل على إثبات الحرمة، أو الجواز، ضرورة التفصيل بين الحرمة الأوّلية لاستعمال أسلحة الدمار الشامل، والجواز بالعنوان الثانوي، أو الولائي. وهذا يعني أنّه لا يجوز الاستفادة من أسلحة الدمار الشامل إلاّ من أجل الدفاع عن الإسلام والمسلمين، وقتال المحاربين من الكفّار والمشركين، وبعد استشارة الحاكم الشرعي، أي الفقيه الجامع للشرائط. فالحرمة تختصّ بحالة استعمال هذا السلاح بطريقة غير دفاعية، ولا وقائية، بل تدميرية. ولا بدّ في كلّ الأحوال من دراسة وموازنة المصالح والمفاسد المترتِّبة على أيّ استخدام محتمل لأسلحة الدمار الشامل، ولا سيّما السلاح النووي.
الهوامش
([1]) تُوَضِّحُ معادلة أينشتاين الشهيرة ذلك: «الطاقة الكامنة لأيّ جسم تساوي كتلته مضروبة بمربع سرعة الضوء: C × C × M = E».
([2]) غسان مكحِّل، حفاظاً على موقع «القوة العظمى علمياً» ـ العلم والتكنولوجيا في السياسة الخارجية الأمريكية، جريدة السفير، العدد 8686، الصادر بتاريخ 24 آب 2000م.
([3]) أوضاع العالم: 290 ـ 292، تقرير معهد ويرلدوتش حول التقدم نحو مجتمع قابل للبقاء 1999م، المحرِّر العام: ليستر بار. براون، ترجمة: فؤاد سروجي، ط1، الأهلية للنشر والتوزيع، المملكة الأردنية الهاشمية ـ عمان، 2001م.
([4]) قائد الجمهورية الإسلامية في إيران، وولي أمر الأمة الإسلامية، مرجع تقليد، ورئيس سابق للجمهورية الإسلامية في إيران، وتلميذ الإمام روح الله الموسوي الخميني&.
([5]) من خطاب ألقي بمناسبة بدء العام الدراسي في الحوزة العلمية، في 12 ربيع الأول 1412هـ . راجع: مركز التخطيط والمناهج الدراسية، الحوزة العلمية في فكر الإمام الخامنئي: 112، ط1، بيروت ـ لبنان، معهد الرسول الأكرم العالي للشريعة والدراسات الإسلامية، 1423هـ ـ 2002م.
([8]) المصدر السابق: 109 ـ 111.
([9]) صدر الدين فضل الله، التمهيد في أصول الفقه: 291 ـ 292، ط1، بيروت ـ لبنان، دار الهادي، 1422هـ ـ 2002م.
([10]) ابن إدريس الحلي، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي 1: 46، إيران ـ قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1410هـ.
([11]) موسى الصدر وأمان الله فريد، تطورات مناهج التفسير القرآني في القرن الأخير، مجلة المنهاج، العدد 32: 296، شتاء 1424هـ ـ 2004م.
([12]) فارس العامر، دروس في التفاسير ومناهج المفسرين: 18 ـ 21، ط1، طهران ـ إيران، 1428هـ ـ 2007م.
([13]) أما تفسير القرآن بالسُّنَّة فهو المعبَّر عنه بالتفسير «الروائي». وكانت التفاسير القديمة تعتمد على الأحاديث الشريفة، فتخصِّص لها حيِّزاً كبيراً، وتؤكد على مرجعيتها في فهم آيات القرآن. وقد أخذ هذا الاتّجاه بالأفول، وبدأ الاعتدال في الأخذ بالروايات؛ وذلك بسبب تنامي الاتجاه العقلي، والاهتمام بمنهج تفسير القرآن بالقرآن. (المرجع السابق: 286 ـ 287).
([14]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة11: 96، ط2، قم ـ إيران، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، 1414هـ.
([15]) محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 7: 316، قم ـ إيران، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية. وهو كتاب علمي، فني، فلسفي، أدبي، تاريخي، روائي، اجتماعي، حديث، يفسِّر القرآن بالقرآن.
([18]) الطبرسي، تفسير مجمع البيان 5: 13، تحقيق: لجنة من العلماء، ط1، بيروت ـ لبنان، مؤسسة الأعلمي، 1415هـ ـ 1995م.
([19]) الميزان في تفسير القرآن 5: 160.
([20]) سعيهم لتخريب الكعبة المعظَّمة.
([24]) كتبنٍ أكلته الدواب، وراثته.
([25]) فقد أهلك الله تعالى أصحاب الفيل، أي جيش أبرهة، الذي أتى غازياً مكّة. وقد وضع الفيلة في المقدّمة؛ لتخريب الكعبة المشرَّفة، فأبطل الله تدبيرهم السيّئ، حيث أرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، وأبادهم عن آخرهم.
([26]) محمد رضا المظفر، أصول الفقه: 417 ـ 418 ـ في مباحث الألفاظ، والملازمات العقلية، ومباحث الحجة، والأصول العملية ـ، تحقيق: عباس علي الزارعي السبزواري، ط6، إيران ـ قم، مؤسسة بُستان كتاب، 1380هـ.ش.
([27]) حسين البروجردي، جامع أحاديث الشيعة 13: 154، إيران ـ قم، منشورات مدينة العلم ـ السيد الخوئي، 1407هـ.
([28]) المصدر السابق: 154 ـ 155.
([29]) العموم الاستغراقي هو أن يكون الحكم شاملاً لكل فرد فرد، فيكون كل فرد وحده موضوعاً للحكم، «نحو أكرم كل عالم». (راجع: أصول الفقه 1: 190، قم ـ إيران، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين).
([30]) العموم المجموعي هو أن يكون الحكم ثابتاً للمجموع بما هو مجموع، فيكون المجموع موضوعاً واحداً، كوجوب الإيمان بالأئمّة، فلا يتحقَّق الامتثال إلا بالإيمان بالجميع. (المصدر السابق: 191).
([31]) المصدر السابق: 190 ـ 193.
([32]) جامع أحاديث الشيعة: 142 ـ 143.
([33]) أي اجعل أرحام نسائهم عقيمة، فلا يحملون ولا يلدون، فينقطع نسلهم، ويفنون.
([34]) أي لا تجعل فيها ماء الحياة، أي المني، فلا تنعقد لهم نطفة، فينقطع نسلهم، ويفنون.
([35]) فلا يجدون دابّة يركبون عليها، ولا نعامة يأكلونها، فيموتون من الجوع.
([36]) أي امنع عنهم المطر، فتصبح أرضهم جرداء قاحلة، فلا ينبت لهم زرع، ولا يشربون الماء، فيموتون من الجوع، والعطش.
([37]) أي لوِّث مياههم، واملأها بالجراثيم، فيمرضون، ويموتون.
([38]) أي بالأحجار، ما يذكرنا باستعمال المنجنيق، الذي لا يُمَيِّزُ بين البشر، رجالاً، ونساءً، وأطفالاً، ويدمِّر الحجرَ، أي يهدِمُ البيوت، ويقطع الشجر، فلا يجدون ما يأكلون، فيموتون من الجوع.
([39]) أي اضربها باليبسان، فتموت الأشجار، فلا يجدون ما يأكلون، فيموتون من الجوع.
([42]) السيد علي خان المدني الشيرازي، رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين× 4: 178 ـ 179، تحقيق: السيد محسن الحسيني الأميني، ط4، 1415هـ، مؤسسة النشر الإسلامي.
([43]) أي أن الإمام× يدعو على كل أعداء المسلمين بالموت، في أيّ بقعة من الأرض.
([45]) استحيوا: يعني أبقوهم على قيد الحياة.
([47]) المصدر السابق: 64 ـ 65.
([48]) يقال: فلان لحمه كفاف لأديمه إذا امتلأ جلده من لحمه… والكفاف أيضاً من الرزق، والقوت. (راجع: ابن منظور، لسان العرب 9: 306، قم ـ إيران، نشر أدب الحوزة، 1405هـ). والمعنى أنه من فعل ذلك (قتل صغيراً، أو أحرق نخلاً،…) لم يرجع مرزوقاً، ولا غانماً.
([49]) المتقي الهندي، كنـز العمال 15: 35، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1409هـ ـ 1989م.
([50]) علي ناصر، العنف الديني في سياسة الجهاد: دراسة تاريخية، فقهية، تحليلية، في وقائع غزوة بني قريظة، مجلّة الاجتهاد والتجديد، العددان التاسع والعاشر: 173 ـ 205، السنة الثالثة، شتاء وربيع 2008م، 1429هـ.
([51]) وللحديث طريق آخر: «محمد بن أحمد بن يحيى، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ×، أن النبيّ| نهى أن يلقى السُّمُّ في بلاد المشركين». (راجع: جامع أحاديث الشيعة 13: 153 ـ 154).
([52]) شيخ الطائفة، وهو من الفقهاء المتقدّمين، توفي سنة 460هـ.
([53]) علي أصغر مرواريد، سلسلة الينابيع الفقهية 9: 62، ط1، بيروت ـ لبنان، دار التراث ـ الدار الإسلامية، 1410هـ ـ 1990م.
([54]) مرجع تقليد، وعضو مجلس الخبراء في إيران، وعضو في جامعة المدرسين، ومن مؤسّسي مجلة «مكتب إسلام»، التي كان لها دور كبير في الثورة الثقافية في إيران، في الستينيات.
([55]) جعفر السبحاني، العقيدة الإسلامية في ضوء مدرسة أهل البيت^: 152، ط1، تحقيق ونقل إلى العربية: الشيخ جعفر الهادي، قم ـ إيران، مؤسسة الإمام الصادق×.
([56]) وهو سماحة الشيخ حسين الخشن، أستاذ في المعهد الشرعي الإسلامي، من لبنان.
([57]) في مقالة نشرت له تحت عنوان: «السلاح النووي في الميزان الفقهي» على الموقع الآتي:
arabic.bayynat.org.lb/nachratbayynat/kadayaislamia/kadayaislamiaـ 313.htm
([59]) صحيح البخاري(256هـ) 4: 21، طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة بإسطنبول، دار الفكر، 1401هـ ـ 1981م.
([60]) محمد الحسيني، معجم المصطلحات الأصولية: 92 ـ 93، ط1، بيروت ـ لبنان، مؤسسة العارف للمطبوعات، 1415هـ ـ 1995م.
([61]) محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول ـ مع المعالم الجديدة: 176 ـ 177، بيروت ـ لبنان، دار التعارف للمطبوعات، 1410هـ ـ 1989م.
([62]) مرجع تقليد في إيران، ومُفَسِّر قرآني معروف.
([63]) مرجع تقليد سابق في إيران.
([64]) استفتاء تقدَّم به مركز الإمام الشيرازي للبحوث والدراسات إلى السيد محمد الحسيني الشيرازي، قبل وفاته بمدّة وجيزة، حول صنع، واقتناء، وتطوير، واستخدام أسلحة الدمار، وكذلك حول الحروب غير التقليدية، التي باتت تهدِّد الحضارة، والكيان الإنساني. وقد ورد جوابه في العاشر من شهر رمضان المبارك عام 1442هـ .
([65]) علي حيدر، شبح أسلحة الدمار الشامل (الكيميائية ـ البيولوجية ـ النووية) ـ رعبٌ يداهم البشرية: 7، ط1، بيروت ـ لبنان، مركز الإمام الشيرازي للبحوث والدراسات، 1424هـ ـ 2003م.
([66]) مرجع ديني شيعي، وأستاذ في الحوزة العلمية، في قم المقدَّسة.
([67]) الشرق الأوسط ـ جريدة العرب الدولية، السبت 28 صفر 1428هـ ، الموافق 17 مارس 2007، العدد 10336.
([69]) علي فضل الله، الجهاد ـ تقريراً لبحث آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله ـ: 296، ط2، بيروت ـ لبنان، دار الملاك، 1418هـ ـ 1998م.