منطق توحيد أم منطق شرك؟
أ. ياسر فلاحي(*)
تمهيد ــــــ
ما يُقدَّم في هذه المقالة للقرّاء الكرام هو انتقادٌ موجز لتصريحات الشيخ جوادي الآملي في أحد أبواب طرق الظنّ، وأسلوب ومضمون دعوة الأنبياء^ مع الفلسفة اليونانية، ورفض هذا المفهوم التاريخي، والذي كان متداولاً بين الفلاسفة في ذلك الوقت. وأصل هذا الادعاء، الذي هو المساواة بين تعاليم الأنبياء^ والفلاسفة من وجهات نظر مختلفة، باطلٌ وفاسد. وفي الأساس إن الكلام الذي قد وصل عن طريق الأنبياء كلامٌ لا ريب فيه، ولا اختلاف، وكلامٌ مقنع قد أُخذ من الوحي المرسَل، ولكنّ الذي يصل عن طريق الفلاسفة كلام كلّه اختلاف، من أوّله إلى آخره، وعلم غير يقيني مأخوذ عن رأيٍ زائل ما له بقاء.
يُبحث في هذه المقالة أوّلاً: اختلاف أسلوب الأنبياء^ وما تتضمّنه دعوتهم مع الفلاسفة، وثانياً: يتضح هذا المعنى، وهو أن الذي له اختلاف مع الدين الفلسفة، لا العقل، أي إنّ عدم الاعتقاد بعقلانية أسلوب الدين ومضمون الشريعة مغالطةٌ واضحة، والتي تأتي من توحيد العقل والفلسفة.
إنّ ما يقدّم في هذه المقالة على الرغم من أنه مجمل ومختصر، ولكنْ إن شاء الله يكون منصبّاً في باب اختلاف وتغاير عالم الفكر اليوناني وعالم فكر الوحي الواضح والمميز بأسلوبٍ معبّر وبليغ.
في سالف القرون الماضية، وحيث لم تمْضِ بضعة قرون على الحضارة الإسلامية القديمة، دخلت إلى الأراضي الإسلامية في العصر العباسي، وخصوصاً في عهد المأمون([1])، علومٌ يونانية عن طريق أداةٍ تعرف بالترجمة. وقد حظيَتْ بمكانة رفيعة وسامية بعد الموافقة التي أبداها الخليفة. ووجدت الترجمة لدى علماء ذلك الوقت الكثير من القبول؛ ولم يُعِرْ الفلاسفة المسلمون في تلك الأثناء اهتماماً لسرّ دخول هذه العلوم، ولا كيفية نشرها وترويجها، ولا لأيدي إمبراطور الروم الخفية التي أدّت إلى انتقال هذه الثقافة إلى العالم الإسلامي. كانت مجموعة من العلماء المسلمين الأوفياء للقرآن والتعاليم النبوية ينظرون دائماً إلى هذه العلوم اليونانية بنظرة الشكّ، وقد أحسّوا بالفرق وبمعارضة الفلسفة اليونانية الواضحة البينة لعلوم القرآن وأهل البيت^ في ثلاثة مجالات مهمّة: العقائد، والأخلاق، وعلم الكونيات([2]) وعلم الفلك. وقد نصبوا لهم علماً مخالفاً لذلك العلم، حتّى تمكَّنوا من تفسيق وتكفير الفلاسفة، وعلى وجه التحديد كان علم الكلام الشيعي من أبرز الأنشطة العلمية والأصولية في قبال آراء الفلاسفة في المجالات الثلاثة السابقة. ومن الطبيعي أنّه كانت هناك تيارات أخرى أيضاً، كل واحد منها تناول الاعتراض على الفلسفة والفلاسفة بمقتضى أصوله ونظرته الخاصة، حيث كانت الأقوال الشيعية والأشعرية اتّجاهين للدليل في ذلك العصر، والذي تفرع إلى عشرات الفرق. وكان فقهاء الشيعة والسنة كذلك ينتقدون دليل هذا الاتجاه (دخول الفلسفة اليونانية وتلويث العقيدة الإسلامية الصافية بأفكارهم).
وبالإمكان الإشارة إلى أن الكلام الشيعي تشكّل بين فقهاء ومتكلمي الشيعة، بدءاً بهشام بن الحكم، ونضج ونما على يد الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي والعلاّمة الحلي. ومن الفقهاء والمتكلِّمين السنة، الذين كانوا من النقّاد للفلسفة والفلاسفة اليونانيين الحقيقيين، الأشاعرةُ، بدءاً بأبي الحسن الأشعري، ويعد هو المؤسِّس للمذهب الأشعري، وتجدر الإشارة إلى أن نمو الكلام ونضجه كان على يد إمام الحرمين الجويني، والقاضي أبي بكر الباقلاني، ومن ثم الغزالي. ومعنى معارضة المتكلمين والفقهاء السنة للفلسفة والفلاسفة هو الرجوع إلى السلف، ومعناها لدى المتكلِّمين الفقهاء الشيعة هو الرجوع إلى أسس ومبادئ الأئمة المعصومين^.
ومن الناحية النحوية أورد نحويّو ذلك الزمان نقداً جدياً على الفلسفة، وقد انصبّ نقدهم بالخصوص على المنطق. وقد كان أبو سعيد السيرافي من هذه المجموعة.
وكانت هذه الهجمات والحملات على الفلاسفة من أجل الإنقاذ من التفسيق والتكفير فقيل: إن العلوم اليونانية لها اتصال بمشكاة النبوة، وإن الفلسفة والوحي عبارة عن شعاعَيْ نور أضيئا من مصدرٍ واحد. ويبدأ الفكر الفلسفي بالقواسم المشتركة مع تعاليم الأنبياء، ومعنى ذلك أن له اتصالاً بالوحي، وهذا يعني أن الفلاسفة الكبار أنفسهم كانوا تلامذة للأنبياء العظام. ومن أجل إثبات النقاط السابقة لا يخلو ذكر رأي أحد المحقِّقين الأفاضل من فائدة.
كتب الدكتور مهدي محقق، في مقدمته المعنونة (بعض الملامح الفلسفية)، ما يلي: «إن الفلاسفة من أجل حفظ أفكارهم وآرائهم وإعمال العقل والمحافظة عليهم من التكفير والتفسيق، أو بعبارةٍ أبسط: تطهير الفلسفة، حاولوا أن يجدوا لكل فيلسوف مصدراً إلهيّاً، ويربطون علم الحكماء بعلم الأنبياء. فهم من هذه الناحية لجأوا إلى بعض الأنساب العلمية، ومن جملتها «شجرة الأنساب»، ذكرها العامري النيشابوري في الأمد على الأبد، يقول: إن أنباذقلس([3]) «Empedocles» الفيلسوف اليوناني كانت له بلقمان الحكيم، الذي كان في زمن نبيّ الله داوود×، علاقة، ويرتبط علمه بمصدر ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحِكْمَةَ﴾. وتعلم فيثاغورث العلوم الإلهية على يد أصحاب نبي الله سليمان×، ومن ثم نقل العلوم الثلاثية إلى بلاد اليونان. وكذلك سقراط الذي اقتبس الحكمة من فيثاغورث. وكان إفلاطون شريكاً في هذا الاقتباس. وأرسطو كان ملازماً لأفلاطون ما يقارب العشرين عاماً. وهؤلاء كلهم كانوا متصلين ومرتبطين بهذا النبع الإلهي».
ويوجد نموذج من هذا الاعتقاد الجازم بأن الفلاسفة قد اكتسبوا الحكمة من مشكاة النبوة بواسطة الفلاسفة المتقدّمين، أمثال: أنباذقلس، وفيثاغورث، وسقراط، وأفلاطون. وهذا الكلام للملاّ صدرا، في أن الفلاسفة أمثال أنباذقلس وفيثاغورث قد أخذا الحكمة من الأنبياء: «ومن عظماء الحكمة وكبرائها أنباذقلس، ومن الخمسة المشهورة من رؤساء اليونان، كان في زمن داوود النبيّ×، وتلقى العلم منه… وفيثاغورث كان في زمن سليمان×، وأخذ الحكمة من معدن النبوّة، و…»([4]).
ومن وجهة نظر الدكتور محقّق، المستندة إلى كلام الملاّ صدرا، والموثّقة، يتضح جلياً أن اتصال الفكر اليوناني بالوحي الإلهي من نوع الاستعارة والمجاز. ومن الطبيعي فإنّ هذه المسامحة الواضحة تقسّم إلى قسمين:
الأول: عدم التطابق الجغرافي والتاريخي للفلاسفة اليونانيين مع الأنبياء^.
الثاني: عدم تطابق مضمون وأسلوب تعبير علوم الفلاسفة مع الوحي بواسطة الأنبياء^.
القسم الأول، ورغم الوضوح والبداهة؛ بسبب ما اتّخذ في العصور التاريخية القديمة، هو بحاجةٍ إلى توضيح وتفسير المعارف التاريخية من قبل المؤرخين.
والقسم الثاني الذي فيه تعارض بين العلوم اليونانية وعلوم الوحي، واختلافهما في المضمون والأسلوب، وأيضاً عدم وجود منبع مشترك يشملهما، يتطلّب توضيحاً مفصَّلاً وتفسيراً عميقاً.
ومن أجل تقريب الموضوع إلى ذهن القارئ المحترم نأتي بجزءٍ من آراء الملا صدرا التي قد أوردها في أسفاره، والتي تبين انتهاجه نهج العلوم اليونانية وفلاسفتهم، كنموذج. ولكنْ يوجد في أماكن أخرى من الأسفار، وكتب أخرى له، أمثلة كثيرة. ولكي نتعرف على هذا الفيلسوف، ومدى معرفته بالفلسفة والفلاسفة اليونان، يتطلب ذلك التدقيق فيها.
يقول الملا صدرا([5]): «واعلم أن أساطين الحكمة المعتبرة عند طائفة ثانية ثلاثة من الملطيين: ثالس وأناكسيمانس([6]) وأغاثاذيون، ومن اليونانيين خمسة: أنباذقلس([7]) وفيثاغورث([8]) وسقراط وأفلاطون وأرسطاليس قدس الله نفوسهم، وأشركنا الله في صالح دعائهم وبركتهم. فلقد أشرقت أنوار الحكمة في العالم بسببهم، وانتشرت علوم الربوبية في القلوب لسعيهم…. وهم كانوا مقتبسين نور الحكمة من مشكاة النبوة، ولا خلاف لأحدٍ منهم في أصول المعارف. وكلام هؤلاء في الفلسفة يدور على وحدانية الباري»([9])([10]).
تلاحظ أن الملا صدرا اعتبر هؤلاء الأشخاص الثمانية من الفلاسفة المالطيين واليونانيين موحّدين، ويعتقد أنهم قد استمدّوا واستقوا الفيض من مشكاة([11]) النبوة، وأنهم يتداولون الكلام حول وحدانية الباري. وفي تتمة لهذا الأمر يقول الملا صدرا: «نحن قد أحيينا رسوم المتقدمين». أي إننا قد أحيينا رسوم المتقدمين من المالطيين واليونانيين في العقائد والمعتقدات. وعلى الرغم من أن الملا صدرا والمسائل التي يطرحها مصدر لكثير من سوء الفهم في الدين، وفي الفلسفة أيضاً، وسوء الفهم هذا بقي إلى وقتنا الحاضر متداولاً بين الأفاضل من المتأخِّرين، أمثال: الميرزا مهدي الآشتياني مؤلف أساس التوحيد، ولكن يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أنه قد عاش في عصر لم تكن فيه وفرة المعلومات والتحقيقات والبحوث مثل أيامنا الحاضرة، وخصوصاً في ما يتعلق بالفلاسفة اليونانيين، وفي الأساس لا يمكن مقارنته مع نطاق البحث الحاصل في هذا العصر، وأيضاً لم يكن هناك تواريخ مجملة أو مفصلة، أمثال: (تاريخ الفلسفة لبريه، وكارتري، وشاتله، وكمبرتس، وكابلستون، جيلسون، ولاسكم، وعشرات الكتب التحقيقية الأخرى)، ولم تتناول العلوم الفلسفية مسائل للبحث مثلما هو الآن على هيئة فروع متخصصة. ولكن هذا العذر المتّخذ من المحقّقين والفلاسفة المعاصرين، أمثال: الأستاذ جوادي الآملي، الذي يعيش في عصر انفجار المعلومات، لا يمكن قبوله. فلا يقبل هذا العذر منه أو من غيره مع وجود مئات البحوث العلمية في الأقسام والموضوعات المختلفة، مثل: توحيد واجب الوجود، والواحد في الأديان، وعلم الباري، وإرادة الباري، وحدوث أو قدم العالم. هذه كلها أيضاً مما يراه المحققون في الشرق والغرب، وهو إلى الآن مثلما عليه الملا صدرا يعتبر أن الفلاسفة اليونان استمدوا علومهم من مشكاة النبوة. وعلاوة على هذا يعتبر اليونانيون الذين هم عَبَدة الأصنام من تلامذة إبراهيم خليل الرحمن×.
وثمة مسألة أساسية أخرى يجب ذكرها، وهي عبارة عن حادثة تاريخية، وهي وفق إرادة الله تبارك وتعالى، وذلك الدليل التاريخي أنه فقط وفقط في الشرق وبلاد المشرق كان أصل ظهور الأنبياء^ ومهبط ومنزل الوحي. وإذا كان يمكن أن يثبت خلاف هذا المعنى فسوف يكون مصدراً للعجب.
ولدينا أمرٌ آخر، وهو إذا كان الأمر وفق ما يفترض من أن سقراط وإفلاطون وأرسطو ومَنْ قبلهم من الحكماء السبعة كانوا تلامذة للأنبياء إذن لماذا لم يسمح لهم بالدعوة على حدٍّ سواء بأنبياء الوحي، ولم يُذكروا في الكتب السماوية، في حين بقيت مواضيع في البحث من الفلاسفة (على الأقلّ في المسألة الأساسية مثل التوحيد) لم يتمّ الحصول عليها حول اتّباع الفلاسفة للأنبياء^، في المضمون أو في الأسلوب.
وكان المنطق المهيمن على العالم في ذلك العصر اليوناني القديم في الأساس منطق الشرك وعبادة الآلهة. وعلى الرغم من أن فنّ الفلاسفة اليونانيين كان في أن عبدة الآلهة يأتون في عرض بعضهم، وهم أيضاً في سلسلة المراتب الطولية، ولكن هذا الأسلوب لم يستطِعْ أن ينزع روح الشرك من تعاليم الفلسفة اليونانية؛ لأنه في أقصى الربوبية كانت هناك مكانة تقسم بين سلسلة الآلهة.
إن حالة الآلهة هذه وسلسلة مراتبهم الطولية تقاس مع الله الواحد في الدين الإسلامي، وتوحيده الذاتي والصفاتي والأفعالي. (نذكر أن معارضة بعض المتكلمين المشهورين، سواء كانوا من الشيعة أو من غير الشيعة، في جعل العقول على أنها المبادئ العالية، والنفوس هي العلل المتوسطة، ومعارضتهم أيضاً لقاعدة الواحد([12])، وكان من مصداق المعارضين من الشيعة العلاّمة الحلّي، وسلفه الخواجة نصير الدين الطوسي، ومن أهل السنة الغزالي وبعض أتباعه).
والآن عند ذكر نظريات عدد من الفلاسفة، وأيضاً من المحققين من الطراز الأول للفلسفة اليونانية، نتناول هذا المعنى، وهو: هل أن أسلوب ومضمون موضوعات الفلاسفة، أمثال: سقراط وإفلاطون وأرسطو، كان توحيدياً وإلهياً وصادراً من الوحي أم لا؟ وهل أن اليونانيين كانوا في الأساس موحِّدين أم لا؟ ثم نترك الحكم للقرّاء.
أـ ذكر نماذج من الاعتقادات في باب الألوهية والتوحيد ــــــ
يقول عابد الشمس الكيبيادس في أطروحة الضيافة([13]) عن سقراط: في عمليات بوتي ديا العسكرية كنتُ مع سقراط فرأيته في يوم من الأيام وقد انتصب واقفاً لا يتحرك من مكانه، وقد غاب في فكرٍ عميق. وعندما حلّ وقت الظهر انتبه الجنود إلى حالته التي كان عليها، إلى أنْ جاء المساء وهو ما زال في مكانه لم يتحرّك. بعض الجنود اليونانيين من باب الفضول ترك تخت منامه وخرج كي يرى هل أنه قضى طول ليلته على تلك الحالة أم لا؟ وقد بقي على هذه الحالة حتّى أسفر الوقت وطلعت الشمس، ثم أنه سجد إلى الشمس، ومن ثم بعد ذلك تحرك([14]).
توضيح: يُقاس مقام إبراهيم× في موضعٍ واحد: ﴿لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ (الأنعام: 76) مع ما ذكر آنفاً من حياة سقراط، الذي بشهادة التاريخ أنه خرّ ساجداً للشمس.
سقراط وعدّة آلهة ــــــ
قال سقراط في محاكمته: (إذا كان الموت يعني الانتقال إلى عالم آخر، وإذا كان هذا الكلام حقيقة بأن جميع الذين قد توفوا اجتمعوا هناك، إذاً أيّ نعمة أفضل من هذا، أن الإنسان يتخلص من هؤلاء المدّعين الذين نصبوا أنفسهم على أنهم قضاة، وفي ذلك العالم يحظى بحكّام إلهيين عادلين، يحكمون ويعدلون)، أمثال: ميتوس ورادامانثوس وأياكوس وتريبتولموس ونصف الآلهة الآخرين، مثلما سمعنا قضاة لذلك العالم يتقابلون ويجلسون مع أورفئوس وموسايوس وهسيودوس وهومر([15]).
توضيح: يجب التدقيق في العبارات السابقة: إن الإنسان الموحد في موضوع المعاد والحياة الأخروية لا يتحدّث بصورة الشرط، ويستعمل أدوات الشرط، مثل: إذا، والأدوات الشرطية الأخرى، التي تفيد الظنّ وتنفي اليقين. والنقطة الأساسية هي أنه من ناحية الوحي والعقيدة التوحيدية ليس هناك من مالكٍ إلاّ واحد في يوم الجزاء، وهو الله الواحد، ونفسه مالك ليوم الجزاء، وهو الحاكم والقاضي الحقيقي. في حين أن في كلمات سقراط السابقة اعتقاداً بوجود حكام وقضاة بأسماء وأشكالٍ متعددة في ذلك العالم.
الملاّ صدرا وسقراط ــــــ
أما رأي الفيلسوف الشيرازي في موضوع سقراط فقد كان رائعاً ومنحصراً في الشخص: يعتبر الملاّ صدرا أن سقراط إنسان موحد، وعارف، وزاهد، وقالٍ للشرك وعبادة الأصنام. وعين عبارته جاءت هكذا: «ومن هؤلاء السادات العظام والآباء الكرام سقراط الحكيم العارف الزاهد من أهل أثينة، كان قد اقتبس الحكمة من فيثاغورث. وسقراط نهى الرؤساء الذين كانوا في زمانه عن الشرك وعبادة الأوثان و…»([16]).
كان سقراط من عبدة أبولو ــــــ
«ثم إن البلبل والسنونو والهدهد والأوز على خلاف ما يعتقده الناس من أنهم بسبب الحزن لا يغنّون. بل لأن الأوز عبيدٌ وخدم لأبولو، ولهم قوّة على التكهن، ولأن المؤمنين في العالم الآخر يتوقّعون أن في أواخر أيام أعمارهم يحصلون على أيام أسعد من الأيام الأخرى، ويغنّون في أوقات أجمل من الأوقات الأخرى. وأنا أيضاً من عبدة وخدام نفس ذلك الإله (أبولو)، وتوقعي منه ليس بأقلّ من توقع الأوز، ولا خوفي ساعة وفاتي أقلّ منهم».
«كان ارتباط سقراط مع أبولو([17]) لدى جميع الذين يتّبعون أبولو وفايدون واضحاً»([18]).
التوضيح: كان الإله الذي يسأله سقراط اسمه أبولو، لا أنه الإله الواحد لجميع الأديان، وسقراط مشترك معهم في العبادة، لا مثل ما يقول الملا صدرا أنهم قد تحرّروا من الشرك.
ب ـ ذكر مقطع من إفلاطون في باب الألوهية، وتغايرها مع ألوهية الأديان ــــــ
إن مفهوم الصانع([19])في رسالة تيماؤوس، ومفهوم مثال الخير في رسالة جمهوريته، عبارة عن مفهومين، والذي تنطبق في فلسفة إفلاطون على الله. وطبعاً هذا المعنى يختلف كثيراً مع الله الواحد في الأديان كلها.
آتين زيلسون: قال البعض: إن الصانع الإفلاطوني على حسب ما قد جاء في رسالة تيماؤوس، وذلك نظراً للأولوية التي كان يمتلكها، والتي تشابه تقريباً إله الأديان. ولكنْ في الجواب عليهم يجب القول: إن في مثل هذه الأمور غير وارد الحديث حول الاختلاف البسيط بين مراتب القول وإشراق التشابه، إما أن الله واحد أو متعدّد، أما أن الله تقريباً مثل الله الواحد لا يمكن أن يكون الله. وفي الأساس لا وجود هنا لمعنى التشابه التقريبي([20]).
آلهة إفلاطون ــــــ
آتين زيلسون: الألوهية في رأي إفلاطون تنتمي إلى فئة تشتمل على أشياء متعددة، ويمكن القول: حسب ما يراه كلّ شيء يصل إلى حدّه الدقيق والصحيح يكون هو الله([21]).
نرى ذلك في اعتقاد الملاّ صدرا في باب نظرية صنع إفلاطون وأحد افتراضاته في التوحيد: «ومن هؤلاء الكبراء الخمسة اليونانية إفلاطون الإلهي، المعروف بالتوحيد والحكمة، حكى عنه قومٌ ممَّنْ شاهدوا وتلمّذوا له، مثل: أرسطاطاليس وثافرطيس وطيماؤوس أنه قال: إن للعالم صانعاً مبدعاً محدثاً، أزلياً، واجباً بذاته، عالماً بجميع معلوماته على نعت الأسباب الكلية، كان في الأزل ولم يكن في الوجود رسمٌ ولا طلل».
ويقول بعد ذلك: إن رسمنا في التوحيد هو نفس ذلك الرسم، ويعتبر إفلاطون إلهياً، ورسالتنا إحياء نفس ذلك الرسم والاعتقاد بلوازم نظرية الصنع، والتي إحدى هذه اللوازم الاعتقاد بعالم المثل والمثال. «أقول: ونحن قد أحيينا بعون الله تعالى رسمه في القول بهذه المثل، وأحكمنا برهانه، وقوّمنا بنيانه».
نلاحظ أن الذي يعتبره المفكِّرون، أمثال: زيلسون، شركاً ومخالفاً لتوحيد الأديان يعتبره الملاّ صدرا توحيداً، متَّخذاً المقولة التي تقول: إن الإبداع والخلق متّحدة مع الصنع.
معتبراً أن وجود المثل حتمي ويقيني، وأن من واجبه الدفاع عن ذلك، في الوقت الذي كثير من الفلاسفة قبله وبعده، أمثال: القاضي سعيد القمي، يعتبر أن المثل متلازم مع الشرك، ولا يفترق عنه، وقد أنكر وجود المثل والأعيان الثابتة ([22]).
ج ـ ذكر جزء من اعتقادات وآراء أرسطو في باب مفهوم الله سبحانه (محرّك لا يتحرك)، ومخالفته ومعارضته مع مفهوم الله سبحانه الواحد في الأديان الإبراهيمية([23]) ــــــ
توضيح: بغضّ النظر عن الآراء السامية والنبيلة للقرآن والسنة في باب الألوهية والتوحيد يجب القول: إن الفلسفة الإسلامية الصدرائية لا تنطبق في باب التوحيد على القرآن والسنّة، ولكنْ في هذه الحالة يدرج البحث عن الله سبحانه في عداد بحوث الإلهيات، والتي هي بمعنى الأخصّ، ويخرج على الخصوص من بحث الجوهر والعرض. في حين أن أرسطو على الرغم من اعتبار الله سرمدياً، إلا أنه يُعرّفه على أنه جوهر. وبعبارة أخرى: أن الإلهيات التابعة لأرسطو هي تحقيق الجوهر في ما بعد الطبيعة.
رأي أرسطو في كتاب السمع الطبيعي (الفيزياء) في باب المحرّك لا يتحرك ــــــ
إن الذي يكون المحرّك الأول في جميع الموجودات يكون هو الذي يدفع على التحرّك، ولكن نفسه لا يتحرّك، ولأن الحركة دائماً متواصلة بدون انقطاع يجب أن يكون موجوداً، ومن ثم يجب ذلك الواحد أو الكثير أن يكون موجوداً، ليكون المحرّك الأول، وهذا المحرّك الأول يجب أن لا يكون متحرّكاً([24]).
توضيحات المفسِّرين والمحقّقين وعلماء أرسطو ــــــ
«يعتبر أرسطو أن المبدأ الأعلى محرّك غير متحرك، ويجب القول: حتى استنتاج وجود محرك غير متحرك حسب ما هو ظاهر بتزيّنه غير دقيق. وأرسطو نفسه أيضاً لا يعرض وجود المحرك غير المتحرك بدون قيد أو شرط، ويعتبر أن المحرك غير المتحرك محتمل الوجود. والمبدأ الأول هو الله سبحانه أي أنه المحرك غير المتحرك. وهو ذاتي، روحاني صرف، وفي نفس الوقت له وجود، وأحياناً يكون مؤثراً في الفضاء على الكرة السماوية أو الأفلاك الثابتة عن طريق اتّصال الأعمال. ولكن هذا الشيء عجيب بالنسبة إلينا؛ لأنه في الوهلة الأولى لا نعلم ماذا يمكن أن يحمل معنى لفظ «اتصال» في مسألة الذاتي غير المادي؟
يقول أرسطو: «إن الله سبحانه متّصل بالسماء»»([25]).
أرسطو: الله والطبيعة كلاهما في عرض بعضهما، ومتقابلان ــــــ
في نظام الإلهيات الذي وضعه أرسطو تأخذ الطبيعة أحياناً مكان الله سبحانه، مثل هذه العبارة: (لا تؤدّي الطبيعة أيّ عمل عبث)، مبيناً كذلك نفس هذا المعنى؛ وأحيانا عنده أنهما (الله سبحانه والطبيعة) كما لو كانا عاملين متساويين في الحقوق بجانب بعضهما البعض، ويقول: (إن الله والطبيعة لا يؤدّيان عملاً عبثاً). كلام أرسطو هذا يصور الله سبحانه وأن الطبيعة مساوقة له([26]).
رأي أرسطو أن كلاًّ من الله والطبيعة قابلٌ للعبادة ــــــ
إن الله سبحانه والطبيعة بالنسبة لأرسطو عبارة عن طاقتين يحكمان بشكل طبيعي، ويعبدان على أنهما ذاتين إلهيين، لا أن الطبيعة متّخذة جانباً، وفي الناحية الأخرى من الطبيعة يعمل الله سبحانه على أنه موجود مستقلّ بذاته.
توضيح: قارن الكلام السابق مع نظرة القرآن، الذي يعتبر أن الطبيعة والسماوات والأرض مخلوقة صرفة، وتعتبر من المخلوقات البديعة، بدون أن تسبق بمادة وزمن:
﴿بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (البقرة: 117).
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ (الأعراف: 11).
﴿قُلْ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ (الرعد: 16).
وفق الآيات السابقة فإن الله سبحانه هو الخالق الوحيد. ولكنْ بنظر أرسطو، ومن ثم أسبينوزا، الطبيعة أيضاً خلاّقة، وتُعبد في عرض الله تبارك وتعالى. طبعاً إن لكلام أسبينوزا جذور في اعتقاد أرسطو، ولكن مفهوم نظرية أسبينوزا في باب أن الطبيعة خالقة ومخلوقة، ونظرية إنكار الله سبحانه ككلّ، واختلافاتها مع نظرية وحدة الوجود، يتطلّب بحثاً مفصلاً وتحقيقاً موسعاً. ولكن هذا المقدار كافٍ كي نعلم أن أرسطو والذين قد خلفوه كانوا يقولون: إن للمادة شأناً إلهياً.
إن آلهة أرسطو عارية من أعلى مراتب الأخلاق، حتى أنها عارية من العدالة أيضاً؛ وذلك لأنها لا تمتلك (الفضائل الأخلاقية) في أكمل وجوداتها. حتى الخير نفسه الذي يعتبره أفلاطون أنه عين الله، والذي هو بمعنى الإحسان والحبّ الموجود في الله تعالى، غير موجود لدى أرسطو([27]).
توضيح: قارن الكلام السابق مع الله الرحمن الرحيم، وبوجود مائة وأربع عشرة آية (بسم الله الرحمن الرحيم) في متن القرآن الكريم، وأيضاً مع نظام العدل والجزاء والعقاب في الوحي.
الأفلاك مشتركة مع الله في مهمة إيجاد حركات موحّدة ومنظمة ــــــ
في نظام إلهيات أرسطو توجد توقعات أكثر من الشركاء الأفلاك، وبهذا الانتساب الذي يطلقه أرسطو لديه خمسة وخمسون فلكاً. ومع ذلك في ظروف معينة تم الإعداد لها بحيث حدّت الأفلاك بسبعة وأربعون. ولكنْ يتضح جيداً أن أرسطو لا يعتقد بمحرّك غير متحرك واحد، بل بسبعة وأربعين محرّكاً غير متحرك([28]).
اعتقاد أرسطو بالآلهة أو نفوس الأفلاك يُذكِّر بمعتقدات عبدة الأصنام ــــــ
يقول أرسطو: تأخذ الأفلاك الحركة الضرورية من أجل حركتها الخاصة (حركة بالإضافة إلى حركتها المستديرة المعتادة) من الذوات الخاصة، والتي يمكن أن نطلق عليها الآلهة السفلية (أو الدنيا) أو الآلهة أو نفوس الأفلاك. اعتقاده هذا بالآلهة السفلية يتعارض مع اعتقاده بإله واحد، ويُذكِّر بمعتقدات عبدة الأصنام([29]).
زوئل سيمون(1814 ـ 1896) المفكِّر الفرنساوي: إنّ إله أرسطو المنزوي الذي هو سبب وعلة نظم هذا العالم، ومع هذا العالم وكلّ ما في الكون، إلاّ أنه يبعث على الدهشة([30]).
نظرة على آراء زيلسون في باب إلهيات أرسطو، واختلافها مع إلهيات الأديان الإبراهيمية ــــــ
زيلسون: في الحقيقة لا يمكن القيام بأيّ شيء، حيث إن علم أرسطو الإلهي الذي كان قائماً على العلم الطبيعي، بغضّ النظر عن الظنّ بكثرة الموجودات التي تمتلك الألوهية. وحسب رأي أرسطو فإن وجوب الموجود كان بحيث يمكن الاشتراك (وذلك يعني اشتراك الألوهية بين 47 إلى 55 محرّكاً لا يتحرك).
مع أن الأديان الموحّدة تعرّف واجب الوجود على أنه وحيدٌ وفريد دائماً([31]).
زيلسون: لم نرَ في جميع الأيديولوجيات الفلسفية اليونانية يوجد هناك واحد يطلق عليه اسم الله، والعالم ككلّ يعدّ تابعاً لمثل هذا الإله. إذاً قليل جداً يمكن أن يحتمل أن الخبراء اليونانيين قد نجحوا حقّاً في معرفة أن يكون هناك مصدر واحد للمعرفة([32]).
زيلسون: بغضّ النظر عن التأثير كان أرسطو في داخل أعماقه مشركاً ــــــ
مع وجود اعتقاد أرسطو بالمحرّك الأول غير المتحرك، وبما أنه يقول بوجود تسعة وأربعين أو من الجائز تسعة وخمسين محركاً آخر أقلّ من هذا المحرك غير المتحرك الجوهر المجرّد عن المادة الأزلي وغير المتحرك، إذاً فإن أرسطو بغضّ النظر عن التأثير يكون مشركاً.
فإذا لم يتمكن الفلاسفة اليونانيون من أن يفهموا عدد الآلهة فلهذا السبب، وهو أنهم لم يعرفوا الله المعرفة الدقيقة التي تتنافى عن قبول التعدُّد([33]).
زيلسون: بعض اليونانيين أنفسهم إلى حدٍّ ما قد تخلّوا عن عواقب الشرك ــــــ
وقد جاء الأمر بهذا المعنى، وهو أن الآلهة الذين كانوا بعرض بعضهم جاؤوا هم ووضعوهم في سلسلة المراتب. وهذه الآلهة الذين كانوا في الطول والمراتب لهم مراتب متدنية في الألوهية عن الرب الأعلى، ولكنْ يجب أن يلاحظ لماذا لم يعلموا أن الربوبية منحصرة بهذا الرب الأعلى؟ ولماذا الآلهة الذين هم في المراتب المتدنية من الرب الأعلى شركاء معه في الربوبية؟([34]).
توضيح: من الطبيعي أن نظام السلسلة الهرمية والعقولية الذي قد عمل به في المراتب قد أصبح بعد ذلك يتداول أيضاً في الفلسفة الإسلامية، وهو منشأ الاعتقاد بنظرية العقول العشرة والنفوس الفلكية.
زيلسون: لم يتزحزح أرسطو أبداً خطوة واحدة عن حدود الشرك المتداول في اليونان ــــــ
من المفيد ذكر بعض النقاط حول الحالة التي كان عليها أرسطو تمكّننا من تحويل اهتمامنا لاتجاهه الفلسفي. وفق وصيته كان من المقرّر أن يوقف صورة والدته لإله الأرض، وفي إستاكيرا من أجل أن يوفي بنذره الذي ألزم به نفسه أمام الآلهة صنع تمثالين من الرخام ونصبهما، كل واحد منها بارتفاع أربعة أذرع، أطلق على أحدها اسم زيؤس([35]) والآخر اسم آتنا([36]). تثبت هذه الوصايا أن أرسطو لم يزحزح قدماً عمّا كانت عليه اليونان من الشرك([37]).
زيلسون: لا يمكن أن نعترف لشخصٍ أوقف هياكل ذكرى لزيؤس ودمتر([38]).
هذا أرسطو نفسه الذي يقرأه المحقّقون الغربيون على أنه مشرك وغير موحد وعابد للأصنام، ويقيمون على ذلك الأدلة والبراهين، ولكنْ بعض الأفاضل من المتقدّمين والمتأخرين([39]) يعتبرونه راسخاً بالتوحيد.
الملا صدرا يعتبره من ضمن الخمسة اليونانيين الأكابر، ويذكر هذا الأمر بهذا الشكل: «أرسطاطاليس قدس الله نفسه، وأشركنا الله في صالح دعائه وبركته، ولقد أشرقت أنوار الحكمة في العالم بسببه، وانتشرت العلوم في القلوب لسعيه([40])، وكأنه مقتبس نور الحكمة من مشكاة النبوّة و…»([41]).
ويعرفه الميرزا مهدي الآشتياني بهذه الألقاب: «إمام الحكماء المتألهين، معلم الفلاسفة المشائين، أرسطاطاليس، حكيم أفاض الله تعالى عليه من شآبيب فيوضات عالم القدس والملكوت، وحضرة الرحمة والرهبوت»([42]).
ويعتبره بعض المعاصرين([43]) مع سقراط تلميذ حضرة نبي الله إبراهيم×. ويجب الإشارة إلى هذا الأمر المهمّ، وهو إذا كان المراد بناءً على هذا الخلط التاريخي من أرسطو الإلهي هو إفلاطون([44]) فإن الإشكالات نفسها الواردة على فكرة تثليث إفلاطون بأنحاء أخرى. والأهمّ من ذلك لن يبقى ذريعة يتذرّع بها المعاصرون لاحتمال واحد لعزل أرسطو وإفلاطون والالتفات إلى الاختلاف الفكري والتاريخي بين الفيلسوفين.
يقول الدكتور محمد رضا فشاهي، أستاذ علم الفلسفة وعلم الاجتماع في جامعة باريس: ليس العقل اليوناني والوحي الإسلامي فقط لا يوجد بينهما وجه مشترك، بل الله سبحانه كذلك لا يوجد لديه وجه اشتراك مع المعتقدات اليونانية والفلاسفة اليونانيين. دميورز أو ربّ إفلاطون ليس «صانعاً» و«خالقاً»، وبعبارة أخرى: دميورز إنما هو «مهندس»، ورب أرسطو «محرك غير متحرك». وعلى الرغم من أن في الظاهر يوجد شبه قليل بربّ القرآن، أما المشكلة تكمن هنا، وهي لا يوجد في ما وراء طبيعة أرسطو محرّك غير متحرك واحد، بل 47، وأحياناً 55 محركاً غير متحرك. وهذا الأمر لا يوجد به أيّ شبه حقيقي بالله الواحد في الإسلام([45]).
الهوامش
(*) باحثٌ متخصِّص في التراث الفلسفي المقارن. له أعمالٌ نقديّة ضدّ الفلسفة الإسلامية المعاصرة، من زاوية مدرسة التفكيك.
([1]) يعتبر الشهرستاني المتكلّم المشهور وصاحب كتاب الملل والنحل ازدهار علم الكلام في زمن الخلفاء العباسيين. (فابتداؤه من الخلفاء العباسيين هارون والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل، وانتهاؤه من الصاحب ابن عباد وجماعة من الديالمة…)، الملل والنحل: 37، طباعة القاهرة.
([2]) لوجود الأفلاك التسعة والنفوس المحركة لها طبق عقائد الفلاسفة لم نجد شاهداً بعيداً بدون مبرر وتأويلات غريبة في القرآن والحديث.
([3]) أنباذقلس (أمبدكلس)(412 إلى 413ق.م) (كاتري، تاريخ فلسفة اليونان 12: 19، ترجمة: حسن فتحي، نشر فكر اليوم، الطبعة الأولى، 1376).
([4]) آناكسمندر(547ق.م) (كاتري، تاريخ فلسفة اليونان 2: 11).
([5]) الأسفار 5: 159، الفنّ الخامس، المقصد الثاني.
([6]) آناكسيمانس (ولد في ما يقارب أواسط القرن 6 ق.م) (كاتري، تاريخ فلسفة اليونان 2: 99).
([7]) يعتبر الملاّ صدرا أنباذقلس هذا أنه ناشر العلوم الربوبية، ومقتبس نور الحكمة من مشكاة النبوة، وكان من القائلين بأزلية المادة. وأيضاً من الأفضل أن يعلم القرّاء أنه من القائلين بنظرية التناسخ كذلك.
([8]) (ولد فيثاغورث سنة 570ق.م، وتوفي بعد 80 سنة) (كاتري، تاريخ فلسفة اليونان 3: 57).
([9]) من الجائز أن بعض المفكرين اليونانيين مثل: كزنوفانس، وبارمنيندس، ومليسوس، هم الوحيدون الذين كانوا ينكرون (القول بالوحدة)، ولكن لم يكن الموحّد يقول بأن الإله واحد. (فريدرك كابلستون، تاريخ فلسفة الغرب، الجزء الأول، ترجمة: جلال الدين مجتبوي، الانتشارات العلمية والثقافية سروش، 1376).
لم يكن الملا صدرا يقول بالاختلاف بين وحدة الوجود والتوحيد مثلما كان يؤمن بها كابلستون بعد ذلك في مسألة بعض المفكِّرين اليونانيين، وبالطبع فإنه يعتبر أن التوحيد نشأ مع وحدة الوجود. كما كان يقول به مرشده محيي الدين في طريقته العرفانية بهذا المعنى، وينظر لها بطريقة منهجية ومعقدة.
([11]) نحن لم نطلع إلى الآن على سند ودليل الملا صدرا حول أقواله الجازمة بتوحيد الفلاسفة المالطيين واليونانيين الثمانية، وأنهم قد استمدوا الحكمة من مشكاة النبوة. وإذا يتفضّل الأستاذ جوادي الآملي بتقديم مستندات الملا صدرا وأدلته هو شخصياً بقولهم: إن الفلاسفة اليونانيين موحدين، وإنهم كانوا من تلامذة الأنبياء، لنا نكون له من الشاكرين.
([12]) في مسألة الإشكالات المطروحة انظر إلى قاعدة الواحد في تاريخ الفلسفة لمير محمد شريف المجلد الأول، ترجمة: مجموعة من المترجمين، تحت رعاية نصر الله بور جوادي، مركز الانتشارات الجامعية، 1362؛ وكشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، للعلامة الحلي، تصحيح: الأستاذ حسن زاده الآملي.
([13]) محمد حسن لطفي، رضا كاوياني، مجموعة آثار أفلاطون: 220، طباعة انتشارات الخوارزمي، 1380.
([14]) كاتري، تاريخ فلسفة اليونان 12: 152 ـ 153.
([15]) مجموعة آثار أفلاطون 1: 44.
([16]) الأسفار 5: 166، القسم الأول.
([17]) كان أبولو ابناً لزينوس ولئو. ويعتبر إله التوقعات الكبير، ومعبده الكبير موجود في (دلفي). وكان أيضاً إله القوس ورمي السهام، ويطلق عليه أيضاً إله النور. وفي العصور المتأخرة كان عنواناً لإله الشمس.
([18]) رومانو كوارديني، موت سقراط ـ تفسير الرسالات الأربعة لإفلاطون: 256، ترجمة: محمد حسن لطفي، نشر التصميم الجديد، 1376.
([19]) يجب الانتباه إلى أن معرفة إفلاطون لله لا يجب التأكيد عليه. فقد تبين في المناقشات مثل تيماؤوس، أفلاطون بعض أفكاره جاءت فقط بصورة تمثيلية ورمزية. وهناك أدلة على أن صانع تيماؤس ما هو إلاّ فرض. (فريدريك كابلستون، تاريخ فلسفة اليونان، الجزء الأول، ترجمة: جلال الدين مجتبوي).
لم يخطر ببال إفلاطون أن هناك واحداً وراء الوجود والنفس، وهذا هو السؤال الذي يراود جميع أهل أثينا.
([20]) زيلسون، روح الفلسفة في القرون الوسطى: 69، ترجمة: علي مراد داوودي.
([22]) للتحقيق أكثر في هذا الباب راجع: شرح توحيد الصدوق.
([23]) أرسطو في الميتافيزيقا ـ كتاب اللامبدأ: 479 ـ 483 ترجمة: محمد حسن لطفي.
([24]) السمع الطبيعي (الفيزياء) ـ أرسطو ـ محمد حسن لطفي، آخر الفصل الخامس ص360 وابتداء الفصل السادس ص361.
([25]) تؤدور ـ كمبرتس، المفكرون اليونانيون 3: 1462، ترجمة: محمد حسن لطفي، انتشارات خوارزمي، 1375.
([28]) المصدر السابق 3: 1455 ـ 1456.
([31]) زيلسون، روح الفلسفة في القرون الوسطى: 75 ـ 76.
([35]) زيؤس كان أقوى الآلهة، وكان حاكماً على آخر الآلهة، وكان رمزه البرق، وكان إله النظام والعدالة والأمانة. ويطلق على زيؤس هذا أنّه جامعٌ للغيوم وأبٌ للآلهة والبشر أيضاً. (درو سيلور، الآلهة وإله النساء اليونانيات: 16، ترجمة: كلشن إسماعيل بور، الناشر أسطورة، 1382).
([36]) أتنا ابنة زيؤس ومتيس (إلهة التشاور النسائية وأول زوجة لزيؤس). وكانت إلهة الحروب الصغيرة، والمدن والصناعات مثل: الغزل والنسيج، وكانت وفية مع العدول والبواسل (الآلهة وإلهة النساء اليونانيات: 31).
([37]) زيلسون، روح الفلسفة في القرون الوسطى: 69.
([38]) دمتر: أم الأرض وابنة كرونوس ورثا، وكانوا هؤلاء آلهة الحصاد والزراعة والغلات الإناث. (الآلهة وإلهة النساء اليونانيات: 37).
([39]) مثل السادة جوادي الآملي وحسن زادة الآملي والملاّ صدرا.
([40]) كتبتها حسب ما هي مكتوبة في المقالة، لم أغيِّر فيها شيئاً خوفاً من أكون قد أخطأت بها؛ لأني لم أجدها في طبعة الأسفار الذي عندي.
([42]) الميرزا مهدي الآشتياني، أساس التوحيد: 17.
([44]) من الطبيعي بإلقاء نظرة صادقة، ومع الاعتقاد بنظرية صدور والفيض فإن البعض من الفلاسفة يرَوْن أن إفلاطون موحدٌ، ونحن أيضاً على أي حال اعتقادنا بأن إفلاطون بريء أكثر من أرسطو من الشرك، ولكنْ توجد بينه وبين نظرة العالم لتوحيد الأنبياء مسافة كبيرة جداً.
([45]) محمد رضا فشاهي، أرسطو بغداد، محاولة للإضرار بالفلسفة الإيرانية ـ الإسلامية: 27، الناشر كروان.