الشيخ عثمان ويندي انجاي(*)
مدخلٌ
عندما نسمع مفهوم السيرة العقلائية تتداعى إلى الأذهان قواسم العقلاء المشتركة، على اختلاف ثقافاتهم واتجاهاتهم الفكرية والطقوسية؛ فهو مفهومٌ محوريٌّ في جميع نشاطاتنا الفكريّة، ولو على نحو الارتكاز في أفق ذهننا اللاشعوري. وقد استعان به الأصوليون لإثبات الكثير من القضايا الأصولية، مع إهماله من ناحية التنظير إلى حدٍّ كبيرٍ؛ فلم يبيِّنوا لنا المقصود من السيرة في مقابل الدليل العقلي؟ ولم يميِّزوا السيرة الظاهريّة عن السيرة الواقعيّة؟ وهل صدر من الشارع، واقعاً وثبوتاً، دليلٌ لفظيٌّ يردع عن العمل بالسيرة؟ وهل يعقل أن يردع الدين عن أمرٍ قد جزم به سائر العقلاء؟ وما هو مستندهم في افتقار السيرة إلى الإمضاء الشرعي؟ وهل ستبقى لهذا الدين حرمةٌ وقداسةٌ لدى العقلاء لو صدر منه مثل ذلك؟ ولو حدثت المعارضة بين قضيةٍ من القضايا الدينية وبين بناء العقلاء فكيف تبرّر عقلائية هذا الدين أو عقلانيته؟ فهذه أسئلةٌ مزعجةٌ لمَنْ يحمل همّ تعقيل الدين، وقد لا تكون كذلك عند مَنْ يرى كلّ أبعاد الدين في تعبُّدٍ مَحْض.
فالسيرة إذا كانت تعبّر عن القاسم المشترك للعقلاء كافةً تكاد تكون شرع الله المفطور عليه الإنسان، فهو المنطق الحاكم على أفكارهم، سواءٌ كانت ذلك فكراً عادياً أو دينياً ومقدّساً. ومن هنا نحاول إعادة قراءة المسألة الأصولية في صيغةٍ تنسجم مع حجم السيرة. وللقيام بهذا الأمر سنقف عند المسألة من زاويتين: أولاهما: الوقوف مع مستندات فكرة الإمضاء؛ وثانيتهما: تحليل طبيعة العلاقة بين السيرة والدليل العقلي، وإثبات أنّه لا فارق بينهما، ومحاولة إثبات أن السيرة أساساً قرينةٌ على الدليل اللفظي بالمستندات اللفظية الكثيرة، فيمكن أن تقيِّده وتخصِّصه وترجِّح نصّاً على نصٍّ.
1ـ مفهوم البناء العقلائيّ
لنا مع مفهوم البناء العقلائي وقفتان: أولاهما: تحليل هويته وماهيته؛ وثانيتهما: تشخيص ملاك العقلائي عن غير العقلائي.
قد اهتمّت طائفتان([1]) من العلماء المسلمين بملفّ «العقلائي» أو «العقل العملي»: طائفة من المتكلِّمين؛ وطائفة من الأصوليّين. فالأولى نظرت فيه عندما أرادت تكريس أنّ الحكم الإلهي ليس عشوائياً، بل له ضوابط ومعايير عقلية وعقلائية، وللعقل سلطة كشف هذه الضوابط وملاكاته في بعض الموارد. والطائفة الثانية قد أرادت إثبات أنّ كلّ ما حكم به العقل بما هو عقلٌ قد حكم به الشرع بما هو شرعٌ ليس بما هو قراءةٌ عن الشرع، تأكيداً على أنّ للعقل مقامَ التشريع الملازم للتشريع الإلهي. وجهتا البحث عند الطائفة الأولى تبدو مباينةً عن الجهة التي قد ركزت عليها الطائفة الثانية، وإنْ تلاقت الفكرتان في كون العقل قادراً على إدراك بعض الأشياء من دون معونة الشرع.
ويُعرّف البناء العقلائي، أو ما يساويه من المفاهيم، بأنّه ما يحكم به العقلاء من حيث هم عقلاء، لا من حيث كونهم فقهاء أو متكلِّمين أو فلاسفة أو عرفاء أو أهل بلدٍ دون بلد أو أعضاءً لحزبٍ دون حزبٍ…إلخ. فقَيْد (من حيث كونهم عقلاء) هو روح التعريف، وهو المدار الذي نريد أن نركِّز عليه، ونطرح المسألة في سياقه. ما نودّ أن نؤكّد عليه هو أنه يجب أن نميّز بين بناء عقلاءٍ وبناء العقلاء، والتأكيد أيضاً بأنّ الردع عن الأوّل لا يفضي إلى الردع عن الثاني، فالاستقراء يمكن أن يلعب دَوْراً جوهريّاً في التمييز بينهما، وذلك عند مراجعة طوائف متفاوتةٍ، مع مراعاة المسائل الإثنية والدينية، بل كلّ ما يمكن أن يترك أثراً، مضعّفاً أو معزّزاً.
2ـ الإمضاء الشرعيّ: تأسيسٌ أو تقرير؟
الكثير من الباحثين يطرح الإمضاء حيث يطرح التقرير؛ لذلك يرى التقرير سكوتاً إمضائياً مقابلاً للسكوت غير الإمضائي. لكنّنا نلخّص الفكرة بما ينسجم مع مقالنا. فللإمضاء علاقةٌ بمفهومين أساسين في الفكر الإسلامي: مفهوم تأسيس الحكم؛ ومفهوم التقرير. فهو يقابل الأوّل، وقد يتلاقى مع الثاني؛ لكونه أعمّ منه مطلقاً. فالتقرير يساوي السكوت الإمضائي، فيما الإمضاء قد يتمّ بواسطة اللفظ. إنّ الأدلة الواردة في الموارد التي قد استقلّ العقلُ بإدراكها يعتبرها الأصوليون أدلةً إمضائيةً.
ولو تمّ ما نبغيه في المقال لصار سكوت المعصوم بالنسبة إلى أحوال الناس على نحوين:
الأوّل: السكوت على بناءٍ عقلائيٍ، فلا ينبغي لحاظ حيثية السكوت في دليلية هذه الظاهرة حينئذٍ، بل دليليتها بذاتها. وإطلاق التقرير في المقام ليس صحيحاً، وإنْ كان إطلاق الإمضاء يمكن أن يكون صحيحاً؛ إذ البناء العقلائي، حَسْب ما نودّ إثباته، خارجٌ تخصُّصاً عن دائرة التقريرات.
الثاني: أن يكون من الأفعال العادية أو من السِّيَر التي ليست للعقلاء من حيث هم عقلاءٌ، فهذه تحتاج إلى إمضاءٍ وتقرير واقعي، كما عليه المشهور.
3ـ القرينة المتّصلة، لغةً وأصولاً
والقرينة في اللغة تعني ملازمة شيءٍ شيئاً آخر. فالمقارنة هي الملازمة، كما وردت في رواية الرسول|: «بُني الإسلام على الشهادتين والقرينتين، قيل له: «أما الشهادتين فقد عرفناهما، فما القرينتان؟ قال: الصلاة والزكاة؛ فإنّه لا يقبل إحداهما إلاّ بالأخرى»([2]).
والأصوليّ قد استخدم القرينة في نفس المعنى؛ أي ما يلازم معنى عبارةٍ، سواء ذكر في نفس العبارة والسياق أو في عبارةٍ أخرى أو سياق كذلك، فقد سُمّيت الأولى بالقرينة المتّصلة، والثانية بالقرينة المنفصلة. والفارق بينهما في الدَّوْر الذي تلعبانه في ظهور الكلام؛ فالقرينة المتّصلة تساهم دائماً في الظهور الأوّلي للكلام؛ فيما القرينة المنفصلة متأخّرة عن الظهور الأوّلي للكلام([3]). وهذا يجلي سبب ذهابنا إلى اتصال البناء العقلائي كقرينة بالأدلّة اللفظية، فالبناء، حَسْب قناعتنا، يساهم في تكوين الظهور اللفظي، يعني لو احتوى الكلام على ما يخالف البناء صراحةً فسيكون ذلك دليلاً على بطلان ذلك الظهور. وهذه هي فكرة المقال، وصفوة القول فيه: إنّ السيرة تصلح لإدارة الدلالات اللفظية، ولتخصيصها، وترجيح بعضها على بعضٍ.
4ـ البناء العقلائيّ أعمّ من السيرة العقلائيّة والدليل العقليّ
وفقاً للقراءة المشهورة، لا يصلح البناء العقلائي مزاحماً للدليل اللفظي، ولا ينبغي أن يخصِّصه، أو يرجِّح مستنداً لفظياً على مستندٍ آخر؛ لأنه يأتي في طول الدليل اللفظي، ولا يصلح قرينةً على الدليل اللفظي أيضاً. وهذه قراءةٌ تبدو لنا معارضةً للكثير من النصوص الدينية وإجماع العلماء تقريباً؛ لذلك اقترحنا في المقال قراءةً لا يحتاج البناء فيها إلى الإمضاء الشرعي، بل سيكون البناء العقلائي فيها قرينةً للمراد الجدّي من الدليل اللفظي. وهذا الكلام قد يثير تساؤلاتٍ تبدو غريبةً، لكنْ تخيّل أنّ مجتهداً قد استظهر من متنٍ دينيٍّ حكماً من الأحكام، فحينئذٍ ألا يصلح البناء العقلائي ليشكِّل قرينةً على صحّة ما استظهره أو فساده؟ وألا يصلح البناء العقلائي، وهو منطقٌ يحتكم إليه سائر العقلاء، لفهم الصحيح من الاجتهادات والخطأ كذلك؟ نعم، يجب التأكيد هنا على عدم التمييز بين الدليل العقلي والبناء العقلائي؛ إذ لم تقُمْ حجّةٌ واضحةٌ تقتضي ذلك. وعليه فقولنا: البناء العقلائي يشمل السيرة العقلائية الصادرة منهم من حيث هم عقلاء، كما يستوعب الدليل العقلي.
ومن هنا يتّضح الخطأ المنهجي الفاحش، الذي قد وقع فيه الكثير من الباحثين، عندما قيَّدوا السيرة العقلائية بالإمضاء. وهو في نظري هَدْمٌ لما بنَوْه في الدليل العقليّ، حيث يبدو التناقض بين القولين واضحاً.
وهناك من العلماء المعاصرين مَنْ حاول التفريق بينهما: «الفرق بينه و بين حكم العقل أن حكم العقل في ما يمكنه الحكم فيه وليد اطّلاعٍ على المصلحة أو المفسدة الواقعية، كما يأتي بيانه، و هذا البناء لا يشترط فيه ذلك؛ لكونهم يصدرون عنه ـ كما قلنا ـ صدوراً تلقائياً غير معلَّلٍ، فهو لا يكشف عن واقع متعلّقه من حيث الصلاح و الفساد… ومع عدم كشفه عن الواقع فهو لا يصلح للاحتجاج به على المولى؛ لكونه غير ملزم له، و مع إقراره أو عدم ردعه أو صدوره هو عنه يقطع الإنسان بصحّة الاحتجاج به عليه»([4]). هذا الفرق غير واضحٍ؛ إذ كيف يُقبل العقلاء كافةً أجمعين على سيرةٍ معيّنة من دون أن يكون وراءها وعيٌ بمصلحة ذلك العمل ومفسدته؟!
ويجب التفريق أيضاً بين أصل السيرة وتطبيقات السيرة، وبين الواقعية والظاهرية. وللتوصّل إليها يجب ـ حتماً ـ استقصاء ممارسات العقلاء في عمليةٍ استقرائية معتدّ بها.
5ـ إعادةٌ للنظر في طبيعة العلاقة بين الدليل اللفظيّ والعقليّ
أنا زعيمٌ بوضوح ضرورة البحث، فلا ينبغي أن ينتابنا الشكّ في ذلك، ونحن قد تصوّرناه على وجهه الصحيح. ويمكن القول أيضاً، في سبيل تبرير ضرورة المقال: إنّ المجدِّدين من الفقهاء والأصوليين اليوم يدّعون ضرورة استدعاء الدليل العقلي وتوظيفه بشكلٍ فعّال؛ حتّى نبثّ روح الحياة في نشاطاتنا الاجتهادية، مثل: كلام باقر الصدر: «على الرغم من قدرة العقل مستقلاًّ على استنباط الأحكام الشرعية بالاستناد إلى القواعد الأصولية، إلاّ أن هذا لم يحدث في أيّ مرحلةٍ من مراحل الفقه الشيعي الاجتهادي. وأملنا أن تبعث الروح من جديدٍ في الدليل العقلي ليفجّر طاقته الكامنة تجدّداً وحيويةً وارتقاءً، وذلك بفضل جهود العلماء والفقهاء الذين تهفو قلوبهم إلى فقه شيعي حاضرٍ في حياة الأمّة، ناهضٍ بمسؤولياته الاجتهادية، صغيرة كانت أو كبيرة»([5]). وهذه أمنياتٌ وأنات أو حسرات نراها من أكثرهم تقريباً. ونحن مقتنعون بأنّ الخطوة الأولى لهذا المشروع الخطير تحصل عندما نعيد النظر في طبيعة العلاقة بين الدليل اللفظي والعقلي. وبحثُنا يحاول أن يرسم طبيعة هذه العلاقة في صيغةٍ أخرى تختلف عن الصيغة السائدة اليوم.
ويستوعب المقال أيضاً جَدَل الأصوليين في سيرة العقلاء غير المعاصرة للمعصومين، كأكثر السِّيَر اليوم. فما هو الموقف الشرعي الذي يجب اتّخاذه تجاه هذه السيرة؟ هل هي ممضاةً، ولو ضمنياً، وبالتالي يمكن الاستناد إليها، أو ليست ممضاةً؟ وبحثنا سيلقي الضوء على حقيقة هذه المسألة، ولو ضمنياً.
6ـ بناء العقلاء بنيةٌ تحتيّة للمباحث الأصوليّة
للحَدْس بتاريخ المسألة يكفينا التأمُّل في قولهم: «كلّ ما حكم به العقل قد حكم به الشرع». يميل البعض إلى اعتبار هذه القضية نتيجةً لبعض توجّهات أفلاطون في الأخلاق، فتسرّبت إلى حواضر المسلمين عن طريق الأفلاطونيّة المحدثة([6]). أفلاطون كان يرى أن للأفعال حسناً ذاتياً وقبحاً كذلك، ولو شخَّصها الإنسان لما سقط في ورطة القبائح والمعاصي، حَسْب تعبير المتدينين.
ولو صرفنا النظر عن شواهد الفكرة التاريخية ومعطياتها العقلية والتحليلية، ندّعي أنّ ثمّة علاقة وثيقة بين المتون الدينية الأصيلة من قرآنٍ ورواياتٍ وبين هذه القضية، وبالتالي قد يكون العلماء المسلمون قد فهموا الملازمة من المصادر الشرعية، وهو رأي الدكتور رضا فيض([7]). وقد يُقال: إنه تأثّر في ذلك بكلام بعض الأصوليين، مثل: صاحب القوانين، في عقيدته بأن «نستنبط من الأخبار الواردة حول العقل أنّه يترتّب على الحكم العقلي الثواب والعقاب الأخروي أيضاً: العقل ما عُبد به الرحمن واكتُسب به الجنان، ومعلومٌ أن اكتساب الجنّة بواسطة العقل هو الثواب الذي يعود على الإنسان من جراء فعله الخير العقلي»([8]).
وقد يضطرّنا هذا الاتجاه إلى عقد دراسةٍ ينظر فيها مدى استقلال هذه النصوص ـ التي سمّيناها بالنصوص الدينية ـ عن تلك الفكرة الأفلاطونية. لكنّ هذا البحث لا يؤثِّر فعلاً في مقالنا. والسؤال المؤثِّر هو: هل يمكن أن يصدر هذا الكلام من العلماء عن تحقيقٍ، حَسْب اعتراف الشيخ في مطارح الأنظار: «إن الحق ـ كما عليه المحقِّقون ـ: ثبوت الملازمة الواقعية بين حكم العقل والشرع، وهذا الحكم هو مفاد قولنا: كلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع»([9])، من دون أن يكون وراءه قراءةٌ متأنِّيةٌ وشاملةٌ؟ هذا كلامٌ خطير، مع غضّ النظر عن صحّته في هذه الصيغة العريضة أم عدم صحّتها.
وانطلاقاً منها نزعم أنّ القاعدة ليست إلاّ انعكاساتٍ للنصوص الدينية، وهي التي ألقَتْ في وَعْيهم مفاد هذه القضية. وسيقوى هذا الأمر بعد تحليل النصوص التي تجزم بأن هناك ملاصقةً وطيدةً بين الدين والعقل. والعقل أيضاً مهما فسّر فإنّه ينبغي أن يشمل البناء العقلائي، الذي يعبّر عن ميزة العقلاء من حيث كونهم عقلاء. هذا كلّه مع تعليق مسألة تأثُّر النصوص بالفكرة الأفلاطونية إلى بحثٍ آخر.
إننا نجزم أن البنية التحتية للمباحث الأصولية هي بناء العقلاء، وهو قريبٌ من قول الإمام الخميني: «الأمارات المتداولة على ألسنة أصحابنا المحقّقين كلّها من الأمارات العقلائية التي يعمل بها العقلاء في معاملاتهم و سياساتهم وجميع أمورهم، بحيث لو ردع الشارع عن العمل بها لاختلّ نظام المجتمع ووقفت رحى الحياة الاجتماعية»([10]).
وهو عنصر العناصر فيها، لذلك نرى الأصوليين يُجْرونه في كلّ بابٍ؛ كتوظيف الشيخ المفيد ذلك لفهم المفاهيم القرآنية الظاهرة، وكونها بالسيرة مقصودة([11]). كما استعان بها أيضاً لإثبات حجّية الخبر الواحد([12]). واستدلّ بها الطوسي والمحقّق والعلاّمة لإثبات دلالة صيغة الأمر على الوجوب([13]). وادّعى العلاّمة الحلي كونها، إضافةً إلى ذلك، مستنداً لحجّية الاستصحاب([14]).
وبعد هؤلاء وظّفها الأصوليّون المحدثون والمعاصرون لتبرير حجّية الظواهر. ويجب أن نلتفت إلى أن نفس تقسيم المتن إلى الظاهر والنصّ ظاهرةٌ عقلائيةٌ، وما يتبعه من البحث عن القرائن والسياقات كلّها ممارسات عقلائية، ممّا يدلّ على أنه لو سحب بساط «البناء العقلائي» من تحت قدمَيْ الأصول لتعطَّلت الفعالية الاجتهادية من دون مزايدةٍ. وعليه لعلّ القول بأنّ المفيد هو أوّل مَنْ استخدمه يحيل إلى أنّه أوّل مَنْ صرّح به.
ويجب التصريح أيضا بأن العلاّمة الطباطبائي هو أوّل مَنْ اعتبر سيرة العقلائية حجّةً بذاتها، لا تحتاج إلى إمضاءٍ شرعيّ([15]). ونحن نريد في المقال ـ إضافةً إلى ذلك ـ أن نصل إلى سياقية السيرة للأدلّة اللفظية.
وهناك باحثٌ آخر قد ألقى نظرةً فاحصةً حول الموضوع، وتوصّل إلى أنّ السيرة تتمتّع بحجّةٍ ذاتيةٍ، لكنّ حجّيتها تنشأ من إدراكٍ بديهيٍّ فطريٍّ مشترك بين سائر العقلاءٍ([16]).
لقد أشار الأستاذ حيدر حبّ الله إلى بعض مفاتيح البحث في حاشية كتاب حجّية الحديث، عبر المفاهيم التي كان القدماء من الأصوليين يستخدمونها، كـ: عرف العقلاء، بناء العقلاء، سلوك العقلاء، بناء العُرْف، والبناء العامّ، وغيرها([17]) من المفاهيم، التي ستعين الباحث في رصد المسألة في كتب العلماء. ويمكن إضافة مفهوم «التقرير» لتحديد المدخل العامّ للبحث، حيث إنّهم بحثوا عن السيرة تحت عنوان «التقرير».
سيرة العقلاء بين انحراف وإمضاء
فكرة الإمضاء تتوقّف على مسلّمين: المسلّم الأوّل: إمكان فرض الخلاف بين غرض الشارع وغرض العقلاء حول مسألةٍ معيّنة؛ فيرغب العقلاء في شيءٍ، ويريد الشارع شيئاً معارضاً له؛ والمسلّم الثاني: إمكان فرض سيرةٍ عقلائيّةٍ منحرفةٍ، وهي نتيجة المسلَّم الأوّل. وهذان المسلّمان، في الحقيقة، على طول الخطّ مع قانون الملازمة بين الشرع والعقل.
يُفْهَم الفرضان من عبارة باقر الصدر: «سكوت المعصوم عن موقفٍ يواجهه يدلّ على إمضائه؛ إمّا على أساسٍ عقلي باعتبار أنّه لو لم يكن الموقف متّفقاً مع غرضه لكان سكوته نقضاً للغرض»([18]).
فذيل العبارة ظاهرٌ في إمكان فرض التعارض بين السيرة وغرض الشارع، وإمكان كون السيرة على حالةٍ مباينة لما يريد الشرع أن يحقِّقه، فتشكّل انحرافاً، ولا يعنون بالردع معنًى إلاّ إذا كان المردوع أمراً شاذّاً، ويشكّل انحرافاً من الناحية الشرعية.
وفي ضوء هذين المسلَّمين يوجب الأصولي ضرورة استناد السيرة العقلائية إلى المعصوم، وإلاّ فلا يمكن الاعتماد عليها؛ حيث إنّنا لسنا متأكِّدين من تطابق الأغراض بين ما استقرت السيرة عليه وما يتوق الشارع إلى تحقيقه، مع احتمال اعوجاج السيرة وعدم استقامتها.
وقد بيَّن الأمرين السيد محمد تقي الحكيم في أصوله العامّة بصورةٍ أوضح: «وسرّ احتياجنا إلى الكشف عن مشاركة المعصوم، أو إقراره، ولو من طريق عدم الردع في ما يمكنه الردع عنه مع اطّلاعه عليه، أنّ هذا البناء ليس من الحجج القطعية في مقام كشفه عن الواقع؛ لجواز تخطئة الشارع لهم في هذا السلوك»([19]).
هذا هو المفهوم من كلماتهم، وقد استخرجنا منها هذا المستند. وقد يعلق على الفرض الأوّل أنه سيصعب وفقه إثبات فطرية الدين وعقلائيته أو عقلانيته، مع أننا نصرّ على أن الدين يثبت بالعقل، وهو في الوقت نفسه أيضاً فطريّ. وأما الفرض الثاني فيجب أن يُلاحظ عليه أن السيرة الواقعية، أي ما يتّجه إليه العقلاء بما هم عقلاء، لا يمكن أن يتصوّر أن تعبِّر عن انحرافٍ وشذوذٍ، بل يجب التفريق بين السيرة الواقعية والسيرة الظاهرية، فيمكن تسمية الثانية بسيرةٍ شاذةٍ ومنحرفةٍ، دون الأولى. وقد أكّدنا على أن السيرة العقلائية تُحْرَز بالاستقراء، وفقاً للشرائط التي قد مرّت الإشارة إليها.
مستندات قرينيّة البناء العقلائيّ
وجَدْنا من بين المسلَّمات والقضايا التي يكاد الكثير من الباحثين في الأصول وعلم الكلام يتّفقون عليها ما يمكن الانطلاق منها لتعزيز فكرة كون البناء العقلائي سياقاً للدليل اللفظي، وليس دليلاً متأخّراً من حيث الرتبة عن الدليل اللفظي، المتوقّف عليه من حيث الإمضاء والتأييد. وقد وصلت إلى أربعة مستنداتٍ، نشرحها واحداً تلو الآخر.
1ـ الحُسْن الذاتيّ للأفعال
في هذا المستند نحلِّل مفهوم الحُسْن الذاتي المشهور عند العَدْلية، المقابل للذي طرحه الأشاعرة، ونتأمّل في بعض لوازمه التي تثبت لنا كونَ البناء العقليّ سياقاً ونَسَقاً يفهم الدليل اللفظي في ضوئه، بدل القول: إن الدليل العقلي يحتلّ مرتبةً متأخّرة عن مرتبة الدليل اللفظي.
إنه قد اشتهر بأننا لم نكن نحتاج في زمن المعصومين إلى دليلٍ آخر غير نصوصهم؛ لكفايتها وشمولها كلّ حاجات الناس من الناحية الفردية والمجتمعية. ويمكننا الوقوف مع هذه الفكرة لنسأل: هل اكتفى الصحابة والتابعون بنصوص المعصومين واقعاً، من دون حاجةٍ إلى الدليل العقلي، أو فهموا النصوص في ضوء العقل؟
إننا صوّرنا الأدلة اللفظية في القراءة السائدة مصدراً ملاصقاً للدين، بحيث أصبح الدين يساوي النصّ، ثمّ عندما وصلنا إلى مرحلةٍ أعوزتنا النصوص لجأنا فيها إلى أدلّةٍ أخرى، ومنها: الدليل العقلي. لكنّ الصحيح وفق الحُسْن الذاتي هو أن الدليل اللفظي لا يمكن أن ينفصل عن الدليل العقلي، ولو للحظةٍ واحدةٍ.
وفي هذه القراءة إذا سُئل عن الدليل العقلي: متى وُلد في أوساط المسلمين؟ قد يقول البعض: قد ولد عندما فقدنا المعصومين ونصوصهم. لكن الجواب الصحيح هو أن العقل كان في ظرف نزول الوحي والبيان من المعصومين نسقاً للوحي والبيان المعصومي، ومن هنا يمكننا أن نقول: إن النصوص صيغت في ضوء البناء العقلائي، ولا يوجد نصٌّ ينفصل عنه. وفي هذا السياق يُفْهَم تعبير الشيخ المفيد: «إن استيعاب النصوص الشرعية يكون من خلال العقل»([20]).
والشاهد هنا على هذا الاتّجاه هو الجزم بالحُسْن الذاتي للأفعال. فإذا كانت الأفعال تتمتّع بالحُسْن الذاتي لا يختلف ذلك أكنّا في عهد المعصوم أو في غيره، اللهمّ إلاّ في أن المعصوم، بخلاف المجتهد، لا يلتبس عليه حُسْن الأفعال وقُبْحها؛ لذلك لم يكن العقل في عصره مزاحماً ومفرزاً كدليل مستقلٍّ، لكنّ العقل([21]) عند المجتهد قد يزاحم أحياناً، وهذا هو سرّ إفراز الدليل العقلي وتمييزه من الدليل اللفظي. وإذا لم نقبل هذه القراءة سوف نقع في مشاكل لتبرير عقلانية الدين، ومنطقيته. طبعاً نقول ذلك مع التسليم بأن فيه جوانب تعبُّديّة.
قد يُشْكَل علينا بأن الهدف من الاستدلال بالحُسْن الذاتي للأفعال كان الوصول إلى أن الدليل العقلي أو البناء العقلائي قرينةٌ متّصلة للدليل اللفظي، وهذا الدليل ليس له قدرةُ إثبات القرينية إلاّ على نحو الموجبة الجزئية؛ تَبَعاً للحُسْن الذاتي، الذي لم يتحقّق إلاّ على نحو الموجبة الجزئية.
لكن يكفينا هذا المقدار من القرينية. وما نريد أن نقوله هو أن كون الحُسْن الذاتي على نحو الموجبة الجزئية لا يخرج بعض الأدلّة اللفظية من دائرة العقلائية، وخصوصاً إذا ركّزنا على عكس قضية «كلّ ما حكم به الشرع فقد حكم به العقل»؛ فهذا التعبير لا نكاد نجده عند جميع الباحثين ـ بخلاف الصيغة الأولى: «كل ما حكم به العقل قد حكم به الشرع» ـ، فقد وجدناه عند بعضهم، كصاحب الهداية، حيث يقول: «فإنهم يقولون بالملازمة بين حكم الشرع والعقل، فكلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع، وبالعكس»([22])، والملازمة بين العقل والشرع سنذكرها مستنداً مستقلاًّ.
2ـ ثنائية النصّ والظاهر
يمكننا الاستدلال أو الاستشهاد على كون البناء العقلائي قرينةً من ناحية التأمّل في ثنائية النصّ / الظاهر. وهذه الفكرة تريد أن تقول: إن الشارع قد صبّ كلامه في قالب النصّ والظاهر؛ والنصّ هو الواضح الجليّ إلى درجةٍ لا يجوز التشكيك فيه؛ والظاهر هو الذي إذا عثرنا على قرينةٍ يمكننا حمله على ما اقتضَتْه القرينة، وإلاّ حُمل على الظاهر.
والسؤال هو: لماذا، أساساً، اعتبرنا النصّ حجّةً لا نتنازع في حجّيته، فيما اختلفت المنازع والاتّجاهات بالنسبة إلى حجّية الظاهر؟ ولا يوجد جوابٌ صحيحٌ لهذا السؤال، إذا أردنا التقيُّد بمقولتي المعذّرية والمنجّزية، اللتين يؤكّد عليهما الأصوليون، إلاّ الاعتراف بأن العقلاء لا يجوِّزون التشكيك في الدلالة الواضحة، سواء كان ذلك في متنٍ ملفوظٍ أو في نصٍّ مكتوبٍ أو في تصوّر مفهومٍ. ويفهم هذا من كلام الشيخ الطوسي في تعريف العلم الضروري: «علم ضروريٌّ، والمقصود بالعلم الاكتسابي الذي يحصل بطرق مختلفة، عقلية ونقلية»([23]). هذا يثبت كون السيرة قرينةً للأدلة اللفظيّة ومنطقها، ولولاه لما أمكننا تبرير الخطاب والتفاهم.
3ـ الملازمة بين الدِّين والبناء العقلائيّ
فالبناء كما أشَرْنا إليه هو الكاشف عن مدركات الناس من حيث هم عقلاء. وقد صرّح أصوليون كثيرون وغيرهم بأن كل ما حكم به العقل فقد حكم به الشرع. هذا المقال يدلّ على أنّ العقل سياقُ الأدلة اللفظيّة ونسقها، فيكون باطن الدليل اللفظي، كما يكون الدليل اللفظي ـ الذي هو أبرز خواصّ الدين ـ ظاهر العقل([24]). كما تعضد الفكرةَ الروايةُ المنقولةُ عن هشام بن الحكم، عن موسى بن جعفر: «إن لله حجّتين: حجّة ظاهرة؛ وحجّة باطنة. فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة؛ وأما الباطنة فالعقول»([25]). وهي مرسلٌة([26]). والتفسير الصحيح للرواية هو أن نعتبر الدين والعقل حقيقةً واحدة ذات جهتين: جهة الظاهر؛ وجهة الباطن. تمثِّل جهة النصّ ظواهر الدين، كما تمثِّل جهة العقل قواعد الدين وأسسه، التي في ضوئها يفهم ظواهر الدين. وقد ميَّز البعض بين ما يوجب المدح وما يوجب الثواب، وزعم أن ذلك سيربك إمكان الاستدلال بالقاعدة.
قد وردت رواياتٌ جوهرية في سياق بيان الملازمة، نذكر نماذج أخرى منها:
ـ رواية محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله×، ينقل عن الله، وهو يخاطب العقل: «إنّي إيّاك آمر وإيّاك أنهى، وإيّاك أثيب وإيّاك أعاقب»([27]). إن الله ـ حَسْب المنقول ـ أناط الأمر والنهي على العقل، ممّا يدلّ على ادّعائنا، من أن وراء كلّ دليلٍ لفظيٍّ فهم عقلائيٍّ، وإنْ كان هناك مانعٌ، من عادات وأعراف وحدود البيئة واللغة والثقافة وما يترتّب عليها، يمنع العقلاء من تعقُّل الحكم. والرواية لا تعاني من ناحية الدلالة، ولا من ناحية السند، فيمكن الاعتماد عليها([28]).
ـ وقد صُرّحت الملازمة في رواية الأصبغ بن نباتة، عندما خُيّر آدم بين العقل والدين والحياء، فقال آدم: «إنّي قد اخترت العقل، فقال جبرئيل× للحياء والدين: انصرفا ودعاه، فقالا: يا جبرئيل، إنا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان، قال: فشأنكما»([29]). يقول صدر الدين في الرواية: «هذا الحديث وإنْ كان ضعيف السند؛ لوقوع الضعفاء، مثل: سهل بن زياد ومفضل بن صالح وغيرهما، في طريقه، إلا أن ذلك لا يقدح في صحّة مضمونه؛ لأنه معتضدٌ بالبرهان العقلي»([30]).
ونحن لا نوافق على كلام صدر الدين؛ حيث إن موافقة الحديث للبرهان العقلي لا يمكن أن تجبر سند الرواية وتصحّح نسبته إلى المعصومين، بل غاية ما يمكن قوله: إن الرواية لا تعارض البرهان العقلي من حيث المحتوى.
ـ وقول الرسول| في تعابير مختلفة تارةً: «قوام المرء عقله. لا دين لمَنْ لا عقل له»([31])؛ وأخرى: «إنّما يدرك الخير كلّه بالعقل، لا دين لمَنْ لا عقل له»([32]). وللإمام عليّ× نفس التعبير، في قوله: «لا دين لمَنْ لا عقل له»([33]). وقوله أيضاً: «على قدر العقل يكون الدين»([34]).
وقد يُدّعى المطابقة بين مصاديق العقل والدين. ويمكن معاضدة هذا التلازم الخارجي برواية ابن هشام السابقة، وبالعملية الاستقصائية. هذه المسألة تكاد تكون واضحةً، أو على الأقلّ يمكن الحَدْس بها، عند مَنْ يطّلع على أسس ومبادئ علمَيْ التنمية الذاتية والتنمية البشرية، ولديه أيضاً إلمامٌ بالمسائل الدينية، فإنه يرى بأن المنظِّرين لهذين العلمين لا يمكنهم الخروج عن القضايا التي قد أصّلها الدين وأرسى قواعدها في هذا المجال، غاية ما في الأمر يُعَلْمنون المفاهيم في صياغةٍ تبدو وكأنّها فهم الإنسان، وتجربتها عملية معقّدة أو غير معقّدة، من دون أن نستخفّ بتجارب الإنسان مع تضاريس الحياة ومعضلاتها.
وفكرة الملازمة قد تنشأ من الروايات. وعليه يجب دراسة الروايات في مدى إفادتها الملازمة. وقد يذهب باحثٌ إلى كون الروايات بعيدة عن مفاد الملازمة إذا قُرئت بعيداً عن ذهنية الملازمة. بل قد يحصر البعض الملازمة بين الدين وعقل النبيّ؛ لكمال عقله، حَسْب قوله|: «ما بعث الله نبياً ولا رسولاً حتّى يستكمل عقله، ويكون عقله أفضل من عقول أمّته»([35]). فإثبات الملازمة بين هذا العقل الخاصّ والدين لا يثبت الملازمة مطلقاً، بل قد يقال: إن المقصود من الدين في الروايات هو التكليف، فيكون المعنى لا تكليف لمَنْ لا عقل له، أو هناك ملازمةٌ بين التكليف والعقل، وأين هذا من ذاك؟! لكنّ الإنصاف هو أن الاحتمال المفضي إلى الملازمة، بالمعنى المشهور، هو أقوى من هذه الاحتمالات.
4ـ فطريّة الدين
تُشكِّل هذه الفكرة قناعةً راسخةً لدى الكثير من العلماء والباحثين، حتّى لقد فسّر بعض الباحثين قول الرسول|: «كلُّ إنسانٍ يولد على الفطرة» بأن مقصوده من «يولد على الفطرة» هو أنّه يولد على الإسلام. إلاّ أنّنا إذا أردنا توظيف الفكرة لصالح البحث الذي نحن فيه يجب أن نثبت ثلاث أمورٍ: أوّلها: كون كلّ الدين فطرياً واقعاً؛ ثانيها: كون مفهوم الفطرة شاملاً لفروع الأحكام والأخلاق، وليس فقط للأصول الدينية؛ ثالثها: إثبات أنّ هناك رابطةً وعلاقةً منطقية بين الفطرة والعقلاء بما هم عقلاء.
الدليل القرآنيّ والروائيّ لفطريّة الدين
قد تمسّك الكثير من الباحثين بآيةٍ قرآنية ورواياتٍ كثيرة لإثبات فطرية الدين.
والآية هي قوله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (الروم: 30). والسؤال هنا: كيف تُثبت الآية كون الدين فطرياً؟
يستظهر العلاّمة الطباطبائي من الآية الكريمة «أن هذا الدين الذي يجب إقامة الوجه له هو الذي يهتف به الخلقة، ويهدي إليه الفطرة الإلهية، التي لا تبديل لها»([36]). ويرى أيضاً بأن كون لفظ الفطرة في الآية منصوباً على الإغراء يمكن أن يساعد على هذا التفسير([37]). وهو نظر صاحب الكشاف أيضاً في إعراب مفردة «فطرةَ» في الآية الكريمة، وفي ربط الدين بالمقياس العقلي([38]).
فالعلاّمة قد اعتبر الدين والفطرة مصدرين يفضيان إلى نتيجةٍ مشتركة، ولا تأبى عبارته في منح العقل حقّ التشريع وإصدار الحكم. لكنّ العلاّمة محمد جواد مغنيّة يرفض هذا الاحتمال من الآية، ويقول: «أما الآية بمجموعها فإنّها تدلّ على أن الدين يرتبط بالفطرة، لكنْ ليس معنى هذا أن الفطرة هي المشرِّع والآمر الناهي…؛ فإنّ الله الذي خلق الدين والفطرة هو المشرِّع الأول، وله وحده الأمر والنهي»([39]). ثم بعد هذه العبارة قد تعرَّض لطبيعة العلاقة بين الدين والفطرة، فأشار إلى أن الدين يصدر الأحكام، والفطرة مقياس هذه الأحكام([40]). والخلاصة المشتركة الناتجة على كلامهم هي ربط القضايا الدينية بالمقياس العقلي.
شمول مفردة الدين للأحكام الفرعيّة، من شريعةٍ وأخلاق
إذن يمكن إثبات فطرية الدين عن طريقين: أوّلهما: استخراجها من الآية فقط، من دون حاجةٍ إلى الروايات في ذلك؛ وثانيهما: عن طريق الروايات الواردة في الباب، فنعتبرها مفسِّرةً للآية. وهنا نريد الإشارة إلى بعض النصوص التي يظهر منها حصر معنى الفطرة الواردة في الآية بالتوحيد؛ حيث إنه إذا كان المقصود من الفطرة التوحيد فلا يمكننا الاستفادة من الآية لإثبات فطريّة الدين، بل فطريّة التوحيد، ونحن وراء معنىً أوسع منه.
هناك مجموعة من الروايات تفسِّر الفطرة بالتوحيد، ومجموعة تفسِّره بالإسلام، ومجموعة تفسِّره بالمعرفة، ومجموعة تفسِّره بالدين. والتعبير الوارد في المجموعة الأولى هو الأغلب في الروايات. ونورد نماذج من هذه الروايات:
1ـ حديث هشام بن سالم، الموصوف بالحسن([41])، عن أبي عبد الله×، قال: قلتُ: فطرة الله التي فطر الناس عليها؟ قال: «التوحيد»([42]).
2ـ حديث ابن سنان، الصحيح([43])، عن أبي عبد الله×، قال: سألتُه عن قول الله عزَّ وجلَّ: «فطرة الله التي فطر الناس عليها»، ما تلك الفطرة؟ قال: «الإسلام، فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد، قال: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾، وفيهم المؤمن والكافر»([44]). وكأنّ هذه الرواية أيضاً لم تخرج عن دائرة المجموعة الأولى؛ لتأكيده بعد ذكر الإسلام على أن الميثاق كان على التوحيد.
3ـ وفي رواية زرارة، عن أبي جعفر قال: «فطرهم على المعرفة به… كلّ مولود يولد على الفطرة، يعني المعرفة بأنّ الله عزَّ وجلَّ خالقه»([45]).
والروايات الواردة في مصادر الشيعة تكاد تدور حول هذه المفاهيم الثلاث([46]).
لكنّنا نجد في مصادر أهل السنّة القول بأن الفطرة تعني الدين أو الإسلام([47]). والمسألة هناك غامضةٌ بعض الشيء، كما في مصادر الشيعة. ولم يخرج من كلّ الروايات، حَسْب النظرة الإجمالية التي ألقيناها، ما يصلح للقول بأن مفهوم «الفطرة» يشمل كلّ الدين، إلاّ أن نأخذ التفسيرات والتعليقات بعين الاعتبار.
وخلاصة البحث عن الفطرة تكون كالتالي:
1ـ إن استخرجنا فطرية الدين من الآية فقط فحينئذٍ يمكننا القول: إن الدين بكامله، وفقاً لدلالة الآية، فطريٌّ. والروايات أتت على نحو التطبيق والجَرْي، وليس لتحديد معنى مفردة الفطرة الواردة في الآية. فوفقاً لهذه الفكرة يمكن القول بأنّ للآية صلةً وثيقةً ببحثنا، وتصلح مستنداً لإثبات المقصود.
2ـ أن نقول: إن مفهوم الفطرة الوارد في الآية مبهَمٌ من ناحية الدلالة، ونعتبر الروايات الواردة في المقام مفسّرةً له. والقدر المتيقَّن من الروايات هو كون التوحيد أو المعرفة بالله فطرياً، ولم يَرِدْ فيها ما يصلح دليلاً على فطرية كلّ أجزاء الدين. وعلى أساس هذا التفسير لا يمكن الاعتماد على الآية لإثبات فطرية الدين بالمعنى المقصود في البحث.
ويعزِّز فكرة انحصار الروايات في إفادة التوحيد فقط أمران؛ فالعلماء لم يتكلَّموا عن فطرية الدين إلاّ في معنى المقابل الفطري نحو الله، وهو أساس البرهان الفطري الذي أقاموه في المقام. ولعلّ هذا هو سبب القول بأن من أبعاد الإنسان البُعْد العبادي والديني.
والمعزِّز الثاني هو أن الشيخ الكليني لم يفهم من الروايات الشمولية لكلٍّ من العقائد والشريعة والأخلاق؛ لذلك عنون الباب: «فطرة الخلق على التوحيد»، ولم يعتبر مفهوم الفطرة مستوعباً للدين أو الإسلام وما شابه. وهو نفس عنوان الصدوق: «باب فطرة الله عزَّ وجلَّ الخلق على التوحيد»([48]). والإنصاف هو أن لسان الروايات يدور مدار التوحيد والمعرفة بالله سبحانه وتعالى.
علاقة الفطرة بالبناء العقلائيّ
إذا كان الفطريّ يعني القاسم المشترك بين سائر الناس كافةً، والذي لا يتبع أحكام الإثنية وآثارها، فهو عين ما يُقال في البناء العقلائي. فمن هذا الباب يمكن الربط بين البناء والفطرة. وخواصّ الفطريّ عند الكثير من المحقِّقين هي نفس العقلائيّ. والخلاصة هي أنه يمكننا اعتبار الفطري عقلائيّاً والعقلائيّ فطريّاً، من دون إشكالٍ، وفق هذه المباني.
قراءةٌ جديدة في إشكاليّة عدم معقوليّة العبادات
قد شاع بين الباحثين، سنّةً وشيعةً، أنّ العبادات أو بعض العبادات غير عقلائيةٍ، وخارجةٌ عن إطار التعقُّل، فلا يمكننا ضبط ملاكاتها بالتحليل العقليّ، وعليه فلا يمكن القول: إن البناء العقلائي هو قرينةُ البيان اللفظي. على الأقلّ هنا طائفة من البيانات اللفظية تخرق هذا الحكم الكلّي.
ونشير في الجواب إلى أمرين: أوّلهما: هو الاعتراف بخصوصية العبادات أو بعض العبادات؛ ثانيهما: التأكيد على أنّ مقولة التعقيل يفهمها العقلاء في مراتب مختلفة، وليس في مرتبةٍ واحدة، وكلّ مراتبها منسجمة، مشتركة في التعقيل. وفي ضوء هذا الأمر الثاني نؤكِّد على النقاط التالية:
الأولى: إنّ العجز عن درك ملاكات العبادات لا يدلّ على خروج العبادات من دائرة التعقيل والعقلانية؛
الثانية: إنه يمكن التوسُّل بالبناء العقلائي لمعرفة بعض خصوصيات العبادات، وهذا في حد ذاته تعقيلٌ؛
الثالثة: التعقيل قد يحصل في منظومةٍ وشبكةٍ، يعني لو أخذت العبادة بنفسها قد نعجز عن تعقيلها، لكنّنا إذا نظرنا إليها وهي في مجموعةٍ، كما يقول بعض البراجماتيين في صدق القضية، فحينئذٍ يمكن معرفة أنها منطقية ومنسجمة أم لا.
والخلاصة الكلّية المنطبقة على كلّ هذه الموارد هي أن تعقيل كلّ شيءٍ بحَسَبه، والعقلاء أيضاً يعون هذه المسألة، وليس عندهم مشكلة مع هذه القضية في بعض مواردها المعقّدة.
البناء العقلائيّ بين المخصِّص والمرجِّح
مستنداتنا على كون البناء العقلائي نَسَقاً وسياقاً للأدلة اللفظية، يتّخذه الدليل اللفظي جسراً ومعبراً لإيصال مطلبه، يمنع إمكان صدور دليلٍ لفظيٍّ يردع عن العمل بسيرةٍ عقلائيةٍ تعاصره. لكنْ لا ينبغي الخلط بين أمرين: أوّلهما: كون أمرٍ ما سيرةً على الظاهر؛ وثانيهما: كونه سيرةً في الواقع. فإذا صدر من الشارع ردعٌ في نصٍّ صريحٍ يجب أن يكون ذلك كاشفاً عن أنّ ذلك السلوك الجماعي ليس بسيرةٍ عقلائيّةٍ، وليس أن الشارع قد ردع عن العمل بالسيرة العقلائية. وبينهما بونٌ شاسعٌ. في الأول يمكننا المنافحة بسهولة عن عقلائية الدين، ويترتَّب عليه إمكان رصد قواعد وأسس تفيدنا في عملياتنا الاجتهادية؛ بينما في احتمال كون الشارع يردع عن العمل بالسيرة العقلائية قد يغلق باب إمكان الاستعانة بالقواعد العقلائية لإدارة عملياتنا الاجتهادية.
قرينيّة البناء العقلائيّ
قد اتّضح أن المعصوم أو الشارع يبيِّن أحكامه في ضوء السيرة العقلائية أو البناء العقلائي؛ لكونها باطن بيان المعصوم وسياقه. والبناء هنا قرينةٌ متصلة بكلام المعصوم، وحجّيته ذاتيةٌ لا تحتاج إلى إمضاءٍ. ونلاحظ أحياناً صدور موقفٍ غريبٍ يكاد يكون شاهداً على عدم استقامة الاتجاه المشهور في المقام؛ حيث إنهم عندما لاحظوا تعارضاً بين سيرة العقلاء في خبر الواحد وبين بعض العمومات اللفظية الرادعة عن العمل بالظنّ([49]) قدّموا السيرة؛ تارةً بالقول بالتخصيص؛ وأخرى بالحكومة؛ وثالثة بالورود. وهذا ما يلفت الانتباه.
ومن هنا نوافق الأستاذ حيدر حبّ الله في مناقشته لفكرة هؤلاء الأعلام([50])؛ حيث نظر إلى تلك السيرة أوّلاً بأنها ليست على وتيرةٍ واحدة، بل هي على مراتب، ويجب لحاظ هذه المراتب عندما نتكلَّم عنها؛ ثمّ شرع بعد ذلك في مناقشة الآراء حول حجّية السيرة للخبر الواحد، وشكّك في انعقاد السيرة أو جزم بعدمه؛ ومن ثم أنكر إمكانية تخصيص العمومات اللفظية بالسيرة. والحقّ، إنصافاً، مع الأستاذ عند مَنْ يشرط الإمضاء في السيرة. لكنْ قد يُلاحَظ على ما ذهب إليه عند مَنْ يرى السيرة في سياق مقالنا؛ إذ رغم أن الأستاذ يقبل إمكان التّخصيص بالسيرة، مع ذلك يشترط الإمضاء. وهذا الموقف من الأستاذ لم نفهمه.
السيرة بعد تفريق الظاهرة منها والواقعية ليست دليلاً ظنّياً، فهي توصل إلى الاطمئنان ـ إذا لم نقُلْ: القطع ـ في بعض الموارد. وعليه فالعمومات منصرفةٌ عن السيرة.
وفي ظلّ هذا البحث يجب إلقاء الضوء على مسألتين:
1ـ التخصيص أو التقييد بالبناء العقلائيّ
قد يُقال: إنّ الترجيح بالبناء العقلائي لا يحتاج إلى دليلٍ، ويمكن أن يبرّر التخصيص بالبناء العقلائي بما بحثوه حول التخصيص بالقياس، سنّةً وشيعةً؛ فالذين ذهبوا من السنّة إلى جواز تقيُّد العموم بالقياس يجب أن يقبلوا هذا الكلام، من دون حَرَجٍ وإشكال.
لكنّ الشيعة يرفضون القياس مبدئياً، لذلك يقول الشيخ الطوسي في المقام: «اعلَمْ أن الكلام في هذه المسألة قد سقط عنّا؛ لأنا لا نجيز العمل بالقياس، لا ابتداءً ولا في ما يخصّ العموم»([51]).
ومع ذلك تعرّضوا له، وأفادوا فيه بما يمكن أن يسعفنا في مسألتنا هذه؛ حيث إنهم علَّلوا عدم جواز التخصيص بالقياس بكون العموم دليلاً لفظيّاً يوجب العلم، والقياس لا يورث إلاّ الظنّ، وعليه فلا يجوز التخصيص به. وهو قول الطوسي: «لا يجوز تخصيص العموم به على كلّ حالٍ. والذي يدلّ على ذلك أن العموم دليلٌ يوجب العلم، والقياس عند مَنْ قال به يوجب غلبة الظنّ، ولا يجوز أن ينتقل عمّا طريقه العلم إلى ما يقتضيه الظنّ»([52]).
فهذه هي مقاربة الشيخ الجليل للمسألة، على ما فيها. وعليه يتعزَّز احتمال إمكان التخصيص بالسيرة؛ لكونها مورثةً للعلم أو الاطمئنان، فتصلح مخصّصةً ومقيّدة حَسْب القاعدة.
وما قالوه أيضاً في التخصيص بالعقل يمكن أن يقوّي الاحتمال الذي ذهبنا إليه، وهو أن الدليل العقلي إذا كان موجباً للعلم والاطمئنان يمكن تخصيص العموم به([53])، والبناء العقلائي الذي أحرز بالشرائط التي قد مرَّتْ الإشارة إليها لا شَكَّ أنه يقتضي العلم والاطمئنان. هذا كله بعد قبول عقلانية الدين وثبوت الملازمة بينهما.
2ـ الترجيح بالبناء العقلائيّ
باختصارٍ يمكن ترسيم صورة أوّلية للتعارض بين النصّ والسيرة العقلائية. تخيَّلْ أننا اكتشفنا نصّاً ينسب إلى المعصوم، وهو يعارض ما استقرّت عليه سيرة كافّة العقلاء، التي اكتشفناها بالاستقراء؛ أو تعارض نصّان: أحدهما: وافق السيرة؛ والآخر: خالفها، فهل يمكن للسيرة أن تجدي بعنوان (مرجِّح) في المقام؟ لا شَكَّ أن قانون الملازمة بين الدين والعقل يمكن أن يسعفنا في القول بالترجيح بالسيرة، ومن هنا نفهم أنّه إذا تعارضت فتويان يمكن ترجيح إحداهما بالسيرة؛ بنفس الملاك.
نرجو أن لا يفهم من ذلك الترجيح بالسيرة العقلائية بصورةٍ عشوائية، بل يتمّ ذلك وفق عمليةٍ عقلائية دقيقة، ينظر في لسان الأدلة اللفظية، وفي حجم إقبال العقلاء على السيرة المعارضة، ولا يقدّم إلاّ ما يقدّمه العقلاء بما هم عقلاء، ولا يؤخّر إلاّ ما هو كذلك عندهم.
ونختم المقال بكلام الشيخ الأنصاري، الذي يحوي مبادئ هذه التفريعات التي قد أشَرْنا إليها: «يتبين من الدليل على ثبوت الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع بأنّه دليلٌ قطعيّ. وليس من خبر الآحاد أو حتّى خبر متواتر لفظي ـ لو افترضنا وجود خبر متواتر ينفي الملازمة ـ يستطيع مخالفة ذلك الدليل القطعي. وعلى هذا يجب حمل ذلك الخبر إنْ وُجد على أنّه خلاف الظاهر»([54]).
نتائج البحث
ـ لا يعقل أن يردع الشرع عن العمل بالسيرة العقلائية الواقعية، بل ينبغي أن يكشف ردعه عن كون تلك السيرة غير عقلائيّةٍ بما هم عقلاء. وهذا هو مقتضى معقولية الشريعة، وإلاّ سيصعب إثبات عقلانيتها، والقول بأن كلّ ما حكم به العقل فقد حكم به الشرع.
ـ تصنيف الدليل العقلي بعد الكتاب والسنّة يبدو غير دقيقٍ، بل الصحيح هو جعل العقل سياقاً للكتاب والسنّة، بحيث يُفْهَمان في ضوئه. وهو مقتضى الروايات الواردة عن المعصومين الدالّة على الملازمة بين الدين والعقل.
ـ هناك تعارضٌ بين القول بأن السيرة العقلائية تتوقَّف على إمضاء الشارع والقول بالتلازم بين الشرع والعقل، إلاّ بتحوير مفهوم السيرة، وحمله إلى معنىً غريبٍ قد انصرف عنه أساساً.
ـ ضرورة تقييد العملية الاجتهادية الجارية على النصوص بالسيرة العقلائية أو الدليل العقلي، تقييداً وتخصيصاً وترجيحاً، ومحاولة فهم النصوص في ضوئها، ولو باستقراء تبانيهم عبر الدراسات الأنثروبولوجية.
ـ ضرورة رصد السِّيَر العقلائية قبل إصدار الفتاوى ذات الطابع الاجتماعي، كأنّنا نريد أن نقول: إن الأسس العقلائية تصلح قيداً للحكم الشرعي، أو يمكن أن تكشف عن بطلانه، وهو مقتضى قاعدة الملازمة.
الهوامش
(*) كاتبٌ وباحثٌ في الفقه والأصول. من السنغال.
([1]) قد اهتمّ فلاسفة الأخلاق في العصر الراهن بهذا الملف أيضاً؛ لرجوع القضايا الأخلاقية إلى العقل العملي.
([2]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 1: 27، ح33.
([3]) راجع: المظفَّر، أصول الفقه 1: 238.
([4]) محمد تقي الحكيم، الأصول العامّة للفقه المقارن ۱: ۱۹۲.
([5]) الشهيد الصدر، الفتاوى الواضحة: 98.
([6]) ريجارد بابكين وآوروم استرول، كليات فلسفه: 12، ترجمة: د. جلال الدين مجتبوي.
([8]) القوانين المحكمة 2: 3 ـ 5.
([9]) الشيخ الأنصاري، مطارح الأنظار ٢: ٣٣٥.
([10]) روح الله الخميني، أنوار الهداية ۱: ۱۰5.
([11]) راجع: المفيد، تذكرة بأصول الفقه 1: 43.
([12]) راجع: المرتضى، الذريعة إلى أصول الفقه 2: 57.
([13]) راجع: الطوسي، العدّة في أصول الفقه 1: 172.
([14]) العلاّمة الحلّي، مبادئ الوصول إلى علم الأصول: 257.
([16]) راجع: ويكي فقه، مقالة تحت عنوان: «بناء العقلاء».
([17]) حبّ الله، حجّية الحديث: 606.
([18]) الشهيد الصدر، الحلقة الثالثة 1: 143.
([19]) الحكيم، الأصول العامة للفقه المقارن 1: 192.
([20]) مبادئ الفقه والأصول: 43.
([21]) لذلك أكّدنا على ضرورة التفريق بين السيرة الواقعية والسيرة الظاهرية.
([22]) هداية المسترشدين ٣: ٥٠٢ ـ ٥٠٣.
([24]) وفي هذه الصيغة لا يرد على الفكرة إمكان الاستغناء عن الدين لوجود العقل؛ حيث إن الظواهر؛ لخفاء ملاكاتها، يتحيّر العقل في تحديدها، فيسعفه الدين في ذلك.
([26]) راجع: تبيين الكافي في مرآة العقول والوافي 1: 49.
([28]) راجع: الشافي في شرح أصول الكافي 1: 50؛ تبيين الكافي في مرآة العقول والوافي 1: 34؛ صدر الدين، شرح أصول الكافي 1: 16.
([30]) شرح أصول الكافي 1: 220.
([31]) روضة الواعظين، نقلاً عن: ميزان الحكمة 7: 2690.
([36]) الميزان في تفسير القرآن 16: 183.
([38]) راجع: تفسير الكشّاف 3: 479.
([42]) أصول الكافي، باب فطرة الخلق، ح1.
([44]) أصول الكافي، باب فطرة الخلق على التوحيد.
([45]) أصول الكافي، باب فطرة الخلق على التوحيد، ح4.
([46]) هناك رواياتٌ تذكر بعد مفهوم التوحيد اسم محمد وعليّ، راجع: التوحيد، باب53، ح7؛ وهذه من باب التطبيق، لا أكثر.
([47]) يمكن مراجعة تفاسيرهم حول الآية الكريمة.
([49]) راجع: حبّ الله، حجّية الحديث: 618 ـ 637.
([50]) راجع: المصدر السابق: 611 ـ 618.
([51]) الطوسي، العدّة في أصول الفقه 1: 352.
([53]) راجع: الطوسي، العدّة في أصول الفقه 1: 337؛ الرازي، المحصول في علم أصول الفقه 1: 571 ـ 572.