التحريف عمل غير أخلاقي يمجه العقل والشرع والعرف وهو خيانة عظمى لكل القوانين والأعراف الدولية كما أنه خيانة علمية فلا يمكن الاعتماد على من يمارسه أو من يستحله.
3- المنهجية العلمية وتحقيق التراث أو كيف نحصن التراث عن التحريف؟.
المحور الأول: أشكال التحريف في التراث الإسلامي.
أ- بناء على مدرسة الخلفاء ب- بناء على مدرسة أتباع أهل البيت.
أما القسم الأول: من المعروف تاريخياً ما وقع من تحريف للتراث في هذه المدرسة من أعداد ضخمة من الأحاديث بلغت مئات الآلاف وقد أحصى العلامة الأميني (408.684) حديثاً موضوعاً ويكفي أن:
1- البخاري انتخب صحيحه الذي لا يتجاوز 2761 حديثاً بدون المكررات من 600.000 حديث.
3- مسلم انتخب صحيحه البالغ 4000 حديث بدون المكررات انتخبه من 300000 حديث.
4- وأحمد بن حنبل انتخب مسنده البالغ 30000 حديث من أكثر من 750000 حديث.
ولأذكر بعض الأمثلة في التحريف أعم من الوضع في الأحاديث وغيرها.
1- ما وقع من تحريف وجناية على الإسلام في حديث مبيت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ونزول قوله تعالى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ (207) سورة البقرة، في كتاب أسد الغابة لابن الأثير الجزري الشافعي ج 4 ص 25 ط المطبعة الوهبية بمصر ذكر الحديث صحيحا ؛ ثم قامت المكتبة الاسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ بتصوير (أسد الغابة) بالاوفست على الطبعة الوهبية بمصر وحرفت هذا الحديث فأبدلت كلمة (بات على فراشه) إلى كلمة (بال على فراشه) إهانة للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وسيد الوصيين.
ذكر حديث العشيرة ونزول قوله تعالى ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ (214) سورة الشعراء الطبري في تاريخه ج 2 ص 319 طبع دار المعارف بمصر وذكر فيه قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام «ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم» ولكن في تفسير الطبري ج 19 ص 121 ط 2 مصطفى الحلبي، حرَّف المؤلف أو الطابع أو شخص آخر وذكر بدله «ان هذا أخي وكذا وكذا!!»
قال ابن الجوزي المتوفى 597ه: وتمذهب قوم من الجهال بمذهب أهل السنة فقصدوا غيظ الرافضة فوضعوا أحاديث في فضل يوم عاشوراء ….
وبعد أن نقل حديثاً في فضل يوم عاشوراء قال: هذا حديث لا يشك عاقل في وضعه، ولقد أبدع من وضعه وكشف القناع، ولم يستحي وأتى فيه بالمستحيل. [1]
وقال الحاكم: أنا أبرأ إلى الله من عهدة جويبر فإن الاكتحال يوم عاشوراء لم يرد عن رسول الله فيه أثر وهو بدعة ابتدعها قتلة الحسين عليه السلام [2]
فهذا غيض من فيض من الأحاديث التي حرفت أو ابتدعت وأريد منها الاحتقان المذهبي.
ويمكن هنا أن نشير ولو بصورة خاطفة إلى بعض الأحاديث التي ألصقت بهذه المدرسة العظيمة:
1- ما ينقل من أن المولى سبحانه خاطب حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله بقوله: (لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما).
وقد جاء بالتدرج فأولاً جاءت الفقرة الأولى كما رواها بعض علماء السنة ثم جاءت الفقرة الثانية ثم الثالثة.
ونحن لمّا بحثنا عن مصدر هذا الحديث لم نجد له عيناً ولا أثراً في الكتب الحديثية ولا في غيرها من التي تروي مثل هذه الأحاديث.
2- القصة التي تقرأ في المجالس بعنوان حديث الكساء والذي ينسب إلى فاطمة الزهراء عليها السلام.
حديث الكساء ونزول آية التطهير في الخمسة من أهل البيت عليهم السلام من الأحاديث المتواترة عند السنة والشيعة ولكن جاء من يشوه سمعة أهل البيت فوضع قصة بعنوان حديث الكساء نسبها إلى فاطمة الزهراء عليها السلام وهي مما لا مصدر له [3].
3- المقطع القائل: (اللهم خص أنت أول ظالم باللعن مني وابدأ به أولاً ثم الثاني ثم الثالث … ) في المضاف إلى زيارة عاشوراء [4].
4- الأحاديث الموضوعة حول الثورة الحسينية من الزيادة والتغيير والتبديل والمبالغات وبالأخص الشعائر الحسينية.[5]
5- الأحاديث الموضوعة في الأخلاق وفي فضائل الصلوات المستحبة والأدعية وفي مختلف أبواب المعرفة [6].
هذه من المواضيع التي أريد لها أن تكون مائدة دسمة للشحن الطائفي وتسجيل كل فريق على الفريق الآخر من ناحية مذهبية وهي من أولها إلى آخرها أكذوبة لا أصل لها.
المحور الثاني: البحث العلمي مقابل الخرافة وخطر التحريف في التراث
وما يؤدي إلى تدمير الأمة وإعاقتها عن القيام بواجباتها والدفاع عن مقدساتها والمطالبة بحقوقها.
لقد انتشرت الخرافات من قديم الزمان إلى يومنا هذا في مختلف المجتمعات ومنها المجتمعات الإسلامية المتخلفة فكرياً وثقافيا [7] ونلخص الأضرار الناجمة من التحريف بما يلي:
الإسلام دين العلم والمعرفة والتقدم والازدهار والدفاع عن المظلومين والمحرومين ومحاربة الظالمين والطغاة ونشر العدالة الاجتماعية والمساواة ففيما إذا وقع التحريف في التراث فإنه يلعب دوراً مهماً ورئيساً في تأخر الأمة ويجعلها خاوية بعيدة عن عوامل القوة والصمود والجد والاجتهاد.
مرّة أخرى نؤكد للطلاب والفضلاء – والعلماء في غنى بعلمهم عن هذا التأكيد – بأن الوصول إلى الحقيقة, والتحفظ على الحدود الدينية والوظائف الشرعية من الزيادة والنقيصة, الذي هو من أهمّ تكاليف المسلمين يوجبان الاقتصار على الأحاديث المعتبرة سنداً ورفض المتون الواردة بأسانيد ضعيفة ومشكوكة وشرف العلم وفطرة العالم يميلان إلى مراعاة الكيفية حتى بغض النظر عن الكمية ورفضها…
فالأخلاق الإسلامية لابد وأن تؤخذ من الكتاب والأحاديث المعتبرة من دون تسامح وتساهل [في كذا] [و] رفض غير المعتبرة وردها إلى من صدرت عنه.
وكذا الاقتصاد الإسلامي والسياسة الإسلامية والتأريخ الإسلامي وفضائل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأوصيائه وطرح تخيلات الغلاة والعوام والمبالغين في كل أمر, فضلاً عن الاقتصار عليهما في الحلال والحرام وأصول الشريعة وفروع العقائد والمعارف الإسلامية.
والعالم المتعهد لا يخاف في هذه السبيل من مخالفة العوام والجاهلين والمبالغين والمقلدة والكُّتاب الذين لا يحيطون بالدين علماً وفهماً حتى وإن كانوا من المشهورين. ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (69) سورة العنكبوت. [8]
إن الزنادقة والغلاة لم يألوا جهداً في إطفاء نور الإسلام وإفساد الشريعة والأحكام وإيقاع الشك قي القلوب والتلاعب بالحقائق الدينية ومعارفها, وترويج الخرافات والترهات والبدع وإيجاد الفرقة والاختلاف. وفي كل ذلك ساروا على خطط خطتها يد الصهيونية العالمية وعملاء الكاثوليكية المسيحية: …
وهكذا نراهم قد اختلقوا معجزات خرافية تافهة مستبشعة فنشروها على لسان القصاصين ومشايخ الحديث المغفلين ليبتهج المسلمون بتردادها ونقلها وسماعها, كل ذلك تنفيراً لطباع المتفكرين ودحضاً لبينات القرآن ومعجزته الخالدة التي طالما أخذت بأسماع السامعين.
وأخرى لفقوا أساطير مزعومة وأحاديث مزورة ترغّب الناس في الزهد والانعزال, وأدرجوا فيها سفاسف التصوف والعرفان ليشتغل الناس بالتفكير في ذواتهم عن التشاغل بأعدائهم.
ولذلك نرى أقطاب التصوف والعرفان قد نجمت في تلك الآونة من كل صوب لا يدري مولدهم ولا منشأهم: يضلون الشاب والشيب. وقد افتتنت بهذه المكيده الكاثوليكية المسيحية جماعة رفضوا نور العقل والمنطق وراء ظهورهم وجعلوا التخيلات الواهمة نصب أعينهم. وتعاليم الأديان ومعارف المذاهب تحت أقدامهم.
وهكذا ابتدعوا عبادات وصلوات مخترعة واصطنعوا أدعية جميلة عرفانية وغير عرفانية بشروا عبادها وقراءها بالثوابات الجزافية والفوز بنعيم الآخرة, فرغب فيها كثير من العباد المغفلّين لا يفترون عن العبادة وقراءة الأدعية ليلاً ونهاراً وعدلوا عن السنة النبوية العادلة فتشاغلوا بها عن مغزى العبادة والدعاء يَحسبون أنهم يُحسِنون صنعا.
واختلقوا أحاديث أخر في خلق السموات والأرضين وتربية الشمس والقمر والكواكب, وهكذا في سائر المواليد الطبعية كالسحاب والطوفان والنار والخسوف والكسوف والزلازل. كلها خرافات وترهات وخزعبلات. يريدون بنشرها أن يشوهوا وجه الصحائف الدينية والمعارف القرآنية الأصلية.
وهكذا وضعوا في خواص العقاقير والأدوية المفردة والمركبة. وبالغوا في تأثيرها بصورة جزافية. وفي جنب ذلك زوروا أحرازاً وتعاويذ وطلسمات ونيرنجات لدفع الأمراض والآفات السماوية والأرضية, وبذلك ارتطمت الأمة الإسلامية في الجاهلية الجهلاء. [9]
الثقافة للأمة تدور مدار مصادرها فإن كان المصدر هو القرآن الكريم أو السنة النبوية المتواترة أو المعتبرة على الأقل فتصبح الأمة قد تشبعت أذهانها وسلوكياتها بتلك الثقافة المستلهمة من مصادرها وإن كانت مصادرها من الروايات الضعيفة أو الموضوعة أو روايات الغلاة والفئات المنحرفة فإن هذه الثقافة سوف تنتشر بين القاعدة الشعبية للأمة ولا يكون من السهل إصلاحها أو تقويمها وجعلها في الخط المستقيم.
قال الشيخ محمد آصف المحسني: … وآل الأمر من جراء هذه المأساة إلى تشكيل ثقافة محرفة في المعارف والأخلاق بل في الفروع الإعتقادية فرسخت في أذهان العوام ومتوسطي أهل العلم بحيث سلبت جرئت الإصلاح عن جمع من الخواص خوفاً من ثورة العوام، الذين انحرفوا بدورهم من سيطرة الخواص المتوسطين عليهم، وعدم اهتمام الحوزات العلمية والمسئولين الدينين بتهذيب الروايات وتحرير المعارف الإسلامية الشاملة. وهذا خطر عظيم للدين وأهله ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .[10]
لا يخفى أن العقائد لا بد أن تعتمد على المصادر اليقينية من الكتاب الكريم أو السنة المتواترة لا على الأخبار الضعيفة أو الموضوعة أو المحرفة أو الرؤى والمنامات، أما إذا كانت الأمة ابتنت عقائدها على مثل هذه المصادر فعليها السلام.
يتحدث السيد المرتضى حول ضرر الزنادقة والغلاة والكذابين على عقائد الأمة وحكى ما وضعه عبد الكريم بن أبي العوجا قال لما قبض عليه محمد بن سليمان وهو والي الكوفة من قبل المنصور وأحضره للقتل وأيقن بمفارقة الحياة: لئن قتلتموني لقد وضعت في أحاديثكم أربعة آلاف حديث مكذوبة مصنوعة [11]
ومن ذلك حديث (لولاك لما خلقت الأفلاك….) فإن هذا إساءة للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله بل وللإمام علي عليه السلام ولسيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام.
وقال السيد المرتضى حول تغلغل أفكار الغلاة إلى رواياتنا فيتحدث عن الروايات التي وردت عن أن شهر رمضان 30 يوماً لا ينقص فقال:
إن الصحيح من المذهب اعتبار الرؤية في الشهور كلها دون العدد، وأن شهر رمضان كغيره من الشهور في أنه يجوز أن يكون تاما وناقصا [12]
5- تغلغل الغلاة إلى داخل التراث وتحريف الإسلام:
قال عبد الكريم ابن أبي العوجاء حينما أيقن أنه مقتول: (أما والله – لئن قتلتموني. لقد وضعتُ أربعة آلاف حديث أُحَرِّم فيها الحلال وأُحَلِّل فيها الحرام. والله لقد فَطَّرتُكم في يوم صومكم وصَوَّمتكُم في يوم فطركم). فضربت عنقُه .[13]
قال الشيخ البهبودي معلقاً على كلام ابن أبي العوجاء: ومن الأسف. أننا نجد النموذج من هذه الأحاديث التي يفطّرنا يوم صومنا ويصوّمنا يوم فطرنا, في روايات الشيعة أكثر منها في روايات أهل السنة [14] .
وقال الشيخ المحسني معلقا على بعض الروايات غير المعتبرة وأنها باطلة تخالف العقل فقال:
ففي هذا الجزء روايات غير معتبرة سندا أصبح بطلان متونها وكذب محتواياتها من الواضحات عند المراهقين في المدارس، فهل يصح أن ننسبها إلى أئمة الدين فتبطل نبوة النبي وإمامة أوصيائه عند الناس ويتهم الإسلام بالكذب والجهل، والعياذ بالله. [15]
وعلق الشيخ المحسني على سعادة أيام الشهور العربية ونحوستها بقوله:
فهي أخبار عن أمور غيبية على طريقة غير عقلائية، وسوق المسلمين إلى التأخر عن مطالبهم الدنيوية بمرسلات منسوبة إلى الإمام الصادق عليه السلام فإنا لله وإنا إليه راجعون. [16]
من المعلوم أن بعض المفاهيم أو الأحكام إذا اعتمدت على مصادر معينة ومنها روايات الوضع والتزوير بل والروايات الضعيفة وشغلت هذه الحيز الخارجي من الحكم الشرعي أو المفهوم الأخلاقي والاجتماعي فسوف تلغي ما يقابلها وما ينتفي معها سواء أكانت مفاهيم قرآنية أو روايات صحيحة وهذا ما حدا بالبعض إلى إلغاء الروايات الصحيحة التي لا يعمل بها والأخذ بالروايات الضعيفة لأنه معمول بها، بل قد تصل الحالة إلى تأويل المفاهيم القرآنية لأجل صالح الروايات الضعيفة كما في وجوب صلاة الجمعة.
(إن وجود هكذا أخبار ضعيفة لا أصل لها ولا مأخذ مقرونة بكل هذه الأسباب المضعفة في أحد الكتب مما يراد منه تحقيق بعض الأغراض الفاسدة كإظهار كثرة التتبع والإطلاع وإيراد المطالب الجديدة والإستعلاء على المقاتل السابقة يعد إيجادا (لمسنا) خاصا بهذا المذهب.
والنتيجة الظاهرة لذلك وثمرته الواضحة إدخال الوهن العظيم على الدين ومذهب الجعفرية وتقديم أسباب السخرية والإستهزاء والضحك للمخالفين حيث يقيسون سائر أحاديث ومنقولات الإمامية على هذه الأخبار الموهونة والقصص الكاذبة حتى أنهم كتبوا في كتبهم أن الشيعة بيت الكذب. وإن كان هناك من ينكر هذا القول فإنه يكفيه أن يراجع المقتل المعروف فضلا عن نظائره ليرتفع إنكاره ويثبت عنده ذلك) [17]
ومن ذلك القصة المنسوبة إلى فاطمة الزهراء عليه السلام:
والتركيبات الموضوعة في حديث الكساء؛ فإن حديث الكساء من الأحاديث المتواترة عند جميع المسلمين أما أن يأتي شخص ويركب تركيبة ويؤلف ما يريده ثم ينسبه إلى فاطمة الزهراء عليها السلام ويستغل شهرة حديث الكساء وتواتره ثم يحور فيه بما يشاء إن مثل هذا العمل مما يقلل من شأن هذا الحديث العظيم ويسخر من سيدة نساء العالمين عليها السلام وكأنها امرأة عادية وهذه القصة على غرار (لولاك لما خلقت الأفلاك ….) وأساس هذه الفبركة مما لا مصدر له.
قال الميرزا النوري حول المبالغات الكاذبة في عدد القتلى الذين قتلوا يوم عاشوراء كما ينقله بعض المؤلفين حول يوم عاشوراء:
(مثلا لو سئل عظماء ديننا فقيل لهم: إن الشيخ الجليل علي بن الحسين المسعودي الذي هو منكم والذي عاصر الكليني ذهب إلى غاية المبالغة في تعداد من قتلهم سيد الشهداء عليه السلام في كتابه (إثبات الوصية) فقال: وروي أنه قتل بيده ذلك اليوم ألفا وثمانمائة 1800).
بينما يوصلهم ابن شهر آشوب على كثرت تبحره واطلاعه، ومحمد بن أبي طالب على ما نقله صاحب البحار على ألف وتسعمائة وخمسين قتيلا (1950).
ثم أوصلهم ذلك الكتاب الذي أُلِّفَ بعد أَلِفِ سنة من المسعودي إلى ثلاثمائة ألف (300.000) بينما جعل عدد قتلى أبي الفضل خمسة وعشرين ألف (25000) وقتلى الآخرين كلهم خمسة وعشرين ألف (25000).
فما حكم هذا الإختلاف والتعارض غير الإعتراف بكذب هذا الأخير الصريح. سبحان الله!! ما الغرض من هذه المبالغات وما الهدف من هذه الأكاذيب؟.
إذا كان المراد بيان شجاعته عليه السلام فإن إثبات هذا الأمر الحق لا يحتاج إلى التمسك بمثل هذه الأباطيل فلو قتل في ذلك اليوم مئة نفر (100) لكان أشجع الناس…..) [18].
10- الشحن المذهبي وما يؤدي إلى الضرر على المؤمنين:
إن الضرر على الآخرين من جراء الروايات غير المعتبرة والموضوعة أو روايات الفئات المنحرفة من الغلاة والمفوضة والوضاعين والكذابين قد سودت التاريخ وأوقعت الفتن بين المسلمين وجرت أنهر من الدماء وراح ضحيتها الملايين من المسلمين على طول التاريخ بلا جدوى وبلا فائدة.
قال المحسني تعليقا على بعض الروايات التي يكون نقلها غير مناسب وأنها توقعهم في الضرر:
ولا يبقى مثل كتاب بحار الأنوار في أصفهان وسائر بلاد المؤمنين وقراهم والله يعلم [كم من] الأضرار [تصيب] للمؤمنين في الهند وأفغانستان وباكستان وبعض البلاد العربية من جراء هذه الأحاديث، في ونفوسهم وأموالهم وأعراضهم. [19]
وكثيرة هي الأمثلة التي تقدمت والتي لم نشر إليها وهي في مجملها تشير:
1- إلى الشحن المذهبي بكل أبعاده، ففي مدرسة أتباع الخلفاء ولو على نحو وجوده في تراثه من أنه يشوه سمعة علي بن أبي طالب عليه السلام ويسقط منزلته في عيون من يحبه ويواليه ويحول تلك الفضيلة من مبيته على فراش النبي صلى الله عليه وآله إلى رذيلة وأنه بال في فراشه وبذلك يؤذي طائفة كبيرة يتبعونه ويحبونه ويشايعونه ويوالونه بل يؤذي جميع المسلمين بهذا العمل الشنيع ويشغلهم عن مهامهم وتقدمهم في أمور طائفية ومذهبية وجانبية.
2- وكذلك التحريف الذي وقع في تفسير الطبري حيث حذف قوله «ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم» وذكر بدله «ان هذا أخي وكذا وكذا!!» مع أن الطبري نفسه ذكر الحديث بتمامه في تاريخه بعين السند والمتن ولعل المحرف لم يطلع على تاريخ الطبري وإلا لحرفهما معاً.
3- أما فيما يرجع إلى ما وضع من فضائل يوم عاشوراء والتوسعة على العيال والاكتحال فيه فإن الشحن المذهبي واضح وبشهادة ابن الجوزي الحنبلي من أن هذه الأحاديث وضعها الجهال المتمذهبين بمذهب أهل السنة لإغاظة الشيعة وأنهم تفننوا في الكذب فيه.
ما قام الجهلة من الشيعة أو المغرضون والمندسون فيهم تحت عناوين متعدد بالدس والتحريف والوضع في تراثهم فهو كثير وكثير.
فمن ذلك المقطع الذي دس في زيارة عاشوراء فقد أثار الفتن والإحن والشحن والعداوة والبغضاء وسالت أنهر من الدم ونشبت حروب طويلة لأجل هذا المقطع وما شابهه من فتن مذهبية، ويدفع المسلمون هذا الثمن الباهظ ثم يتبين بعد ذلك أنه مدسوس من الأعداء ولا أصل له في التراث.
الأضرار الناجمة من الوضع والتزوير وروايات الغلاة لا تنحصر فيما ذكر بل لها من السلبيات الشيء الكثير.
المحور الثالث: المنهجية العلمية وتحقيق التراث أو تحصين التراث عن التحريف اللفظي والمعنوي
الأمر الأول: العمل التخصصي وهو عمل العلماء الجريئين في تصحيح تلك المسيرة وإصلاح ما وقع من تحريف في أي مجال من المجالات.
وقد تصدى العلماء الأعلام من صدر الإسلام وإلى يومنا هذا وبين كر وفر وصعوبات يمرون بها دفع بعضهم حياته في سبيل ذلك.
ومن أبرز الرواة في عهد الأئمة (عليهم السلام) الذين شمروا عن سواعدهم في الذب عن هذه المدرسة والدفاع عنها، أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري (من أصحاب الأئمة الرضا والجواد والهادي عليهم السلام) ويونس بن عبد الرحمن اليقطيني (من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا عليهما السلام) والفضل بن شاذان النيسابوري (من أصحاب الإمامين الجواد والهادي عليهما السلام) وغيرهم كثير.
حتى وصلت النوبة في الغيبة الكبرى إلى العلماء الأعلام مثل الشيخ الصدوق (المتوفى 381 هـ) والشيخ المفيد (المتوفى 413 هـ) والسيد المرتضى (المتوفى 436 هـ) والحسين بن عبيد الله الغضائري (المتوفى 411 هـ) وابنه أحمد بن الحسين الغضائري (المتوفى حدود 450 هـ) والشيخ الطوسي (المتوفى 460 هـ) .
هؤلاء جميعاً وضعونا أمام الأمر الواقع وشرحوا لنا أخطار الأحاديث المندسة من الغلاة والكذابين والوضاعين حتى إن بعضهم وهو الشيخ الطوسي ألَّف كتابه الكبير تهذيب الأحكام لأجل علاج هذا الخطر المحدق بهذه المدرسة حيث الأخبار المختلفة والمتناقضة وأشار إلى أن العمل في كشف هذه الأحابيل وعلاج ما يمكن علاجه من أعظم القربات إلى الله.
ولنذكر على سبيل المثال ما صدر في السنوات الأخيرة، كتاب بعنوان (تصحيح تراثنا الرجالي) للشيخ محمد علي النجار درس فيه سلسلة أسانيد الروايات وبيَّنَ الأخطاء في الأسماء والرواة الواقعة في تلك الأسانيد مما يؤثر على صحة الرواية وعدمه بذل فيه المؤلف جهوداً جبارة يستحق أن يشكر عليها فقد بذل شخصياً ما تقوم به مؤسسة تتألف من عدة أشخاص وبين فيه خطأ واشتباه وتوهمات بعض الرواة والمؤلفين والمحققين والمؤسسات العلمية قديماً وحديثاً.
ومع هذه الجهود العظيمة إلا أنه ومع الأسف الشديد جُوبه بحملة قوية مستنكرة ومتنكرة لعمله بدل تأييده وتشجيعه أو نقده حتى كتب بعضهم فيه أنه (لو أراد أحد هؤلاء [يعني ابن تيمية وابن كثير وأحمد أمين والقصيمي ومحب الدين الخطيب] كتب في الرد علينا وتفضيحنا في هذا المجال أكان يسعه يهاجمنا أكثر من هذا؟ …) وعلى أثر هذا كما قيل قد منع كتابه من التداول وكان ينوي أن يصدر كتابه في عدة مجلدات ولكن قد طبع منه الجزء الأول.
والكتاب لا يتعرض لقضايا مذهبية ولا حتى للخرافات ولكنه حملت عليه الحملات غير المنصفة.
وبالرغم من أني أختلف مع النجار في المنهج والأسلوب في تحقيقات بعض الأخطاء وما يتوصل إليها ولحن القول الذي يستعمله مع من ينتقدهم إلا أنه يستحق الشكر والتقدير والتبجيل والإشادة بما قدَّمه من عمل علمي وقد استفادت من جهوده العلمية بعض مؤسسات التحقيق التي تحقق التراث وإن لم تشر إلى مصدر تلك النتائج التحقيقية.
الأمر الثاني: إشاعة روح النقد وحرية الرأي والتعبير فبه يصان التراث عن التحريف
فعن الإمام أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصادق عليه السلام، قَالَ: «أَحَبُّ إِخْوَانِي إِلَيَّ مَنْ أَهْدى[20] إِلَيَ عُيُوبِي».[21]
هذا منطق الإسلام الذي يريد أن يعالج الإنسان جميع أمراضه الروحية والخُلقية كما يعالج أمراضه البدنية فالعيوب التي يتصف بها غير المعصوم تحتاج إلى من يشخصها لكي يعالجها فأحب الأشخاص إلى المرء من يساعده على التعرف على تلك العيوب ويوضحها لدى صاحبها فيقول الإمام عليه السلام إن هذا الشخص أحب إخوانه إليه.
فالعاقل اللبيب والحكيم الحصيف هو الذي لا يغلق الأبواب في نقده وكشف عيوبه بل عليه أن يشكر كل من يقدم إليه عيبه حتى ولو كان في لباس العدو لهذا كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَهْدَى إِلَيَ عُيُوبِي [22] كائنا من كان سواء أكان عدواً في لباس صديق أو كان صديقاً في لباس عدو. ويحذر من المادحين الذين يزينون له أعماله ويطرونه بما لا يستحق فإن هؤلاء أعداء في لباس أصدقاء.
وكَانَ بَعْضُهُمْ اعْتَزَلَ عَنِ النَّاسِ فَقِيلَ لَهُ لِمَ لَا تُخَالِطُ النَّاسَ فَقَالَ مَا أَصْنَعُ بِقَوْمٍ يُخْفُونِّي عُيُوبِي [23]
(إنّ عدم محاباة العلماء بعضهم لبعض من أعظم مزايا هذه الأُمّة الّتي أعظم اللّه بها عليهم النعمة، حيث حفظهم عن وَصْمة محاباة أهل الكتابين، المؤدِّية إلى تحريف ما فيهما، واندراس تينك الملّتين، فلم يتركوا لقائل قولًا فيه أدنى دخل إلّا بيّنوه، ولفاعل فعلًا فيه تحريف إلّا قوّموه، حتّى اتّضحت الآراء، وانعدمت الأهواء، ودامت الشريعة الواضحة البيضاء على امتلاء الآفاق بأضوائها، وشفاء القلوب بها من أدوائها، مأمونة من التحريف، مصونة عن التصحيف). [24]