إطلالةٌ تاريخية ـ تحليلية
أ. عطية علي زاده نوري(*)
د. محمد تقي فخلعي(**)
د. حسين صابري(***)
بيان موضوع
لقد حظيت مخالفة العامة ـ بوصفها مرجِّحاً منصوصاً في مجال التعارض بين الأخبار، والموسومة بالمرجِّح الجَهَوي ـ باهتمام علماء الأصول، منذ تأليف الكتب الأولى في علم الأصول، وظهر بالتوازي معه تتبع توظيف هذا المرجِّح في مصادرنا الفقهية في كلمات المتقدّمين أيضاً.
وحيث إن الاكتفاء بدراسة النصوص الأصولية البَحْتة في اكتشاف واستنباط مبدأ ظهور مسائل علم الأصول يُبعد الباحثين والمحققين عن الحقائق القائمة في تبلور مختلف المدارس الأصولية فقد وجدوا ضرورةً ماسّة لتعقّب مسار التطبيق الفقهي وطريقة توظيف المسائل الأصولية من قبلهم، الأمر الذي دعا أصحاب هذا المقال إلى البحث في آراء الفقهاء حول مسألة «مخالفة العامة» ـ في إطار التقية، ضمن المواجهة المحتدمة بين الشيعة ومخالفيهم ـ؛ بغية تجسيد قوّة وضعف إقبالهم على هذا الموضوع على طول التاريخ.
المسار التاريخي لمخالفة العامة
وعلى الرغم من شهادة النصوص الموجودة في علم الأصول، والقائلة بعدم اشتهار الترجيح بمخالفة العامة بين المتقدّمين من الأصحاب وعصر الشيخ الطوسي في الحدّ الأدنى([1])، تتمّ إعادة تاريخ ضبط وتنظيم هذه المسألة ـ ضمن مبحث التعادل والتراجيح ـ إلى عصر تأليف المحقّق الحلّي لكتاب «معارج الأصول»([2]). ولكنْ علينا الاعتراف بأسبقية الشيخ الكليني عليه ـ في مقدّمة كتاب «الكافي» ـ في الحديث عن مخالفة العامّة بوصفها واحدة من المرجِّحات المنصوصة([3]). ولا بُدَّ ـ بطبيعة الحال ـ من إرجاع تاريخ ظهور واتساع هذا البحث إلى عصر المحقّق الأول، بحيث أخذنا نشهد بعده بحثاً خاصاً تحت عنوان (مخالفة العامّة) في أكثر الكتب الأصولية تقريباً، رغم اختلاف التعاطي مع هذا البحث في التفصيل والإجمال، والإقبال عليه أو الإعراض عنه.
إلاّ أن الذي يجب الإذعان به في البين ـ باعتباره أمراً مسلّماً ـ هو منشأ نصّ مخالفة العامة الذي يعيد جذور هذا البحث إلى عصر الأئمة^. وإن طائفة من الروايات التي تعتبر هذا الأمر بوصفه مرجّحاً في باب التعارض بين الأخبار قد صدرت عن الأئمة المعصومين^، من أمثال: الباقر والصادق والكاظم والرضا^. وعلى الرغم من الأرضية النصية لهذا المفهوم لا نعثر على اختلافٍ كبير في النصوص الفقهية والأصولية ذات الصلة بهذا المفهوم، رغم أننا نجد أنهم في بعض الموارد، بدلاً من مصطلح «العامة» (أو مخالفة العامة)، يلجأون إلى استعمال مصطلحات أخرى، من قبيل: «القوم»([4])، و«الجمهور»([5])، عند التعرُّض إلى هذا المرجِّح. وفي بعض الموارد الأخرى تمّ استعمال تعابير، من قبيل: «الردّ على العامة»([6])، و«مقابلة العامة»([7])، و«مخالفة التقية»([8])، و«البُعد عن التقية»([9])، والبُعد عن قول العامة»([10])، و«الأبعدية عن طريقة العامة»([11])، و«العرض على مذاهب العامة»([12])، و«أخذ ما يخالف مذهب المخالفين»([13])، للإشارة إلى هذا النوع من الترجيح أيضاً. وعلى أيّ حال فإن عمدة اختلاف الاتجاهات العملية للفقهاء والأصوليين تعود إلى قبول أو إنكار هذا المرجّح، وطريقة العمل به وتطبيقه.
رؤية الفقه المتقدِّم لمسألة مخالفة العامة
طبقاً للوثائق والمصادر الفقهية المتوفرة بين أيدينا يمكن لنا ـ بشكلٍ عام ـ إعادة جذور استعمال وتطبيق المرجِّحية بمخالفة العامة إلى القرن الرابع الهجري.
ويبدو أن ثقة الإسلام الكليني(329هـ) هو أوّل محدِّث ذكر مقبولة عمر بن حنظلة ـ وهي إحدى الروايات التي تحدّثت عن مخالفة العامة ـ في باب اختلاف الحديث في موسوعته الروائية([14]).
ثم تلاه الشيخ الصدوق(381هـ)، حيث تعرّض في كتابه «علل الشرائع» إلى ذكر روايات تحدّثت عن أسباب الأخذ بمخالفة العامّة([15])، وفي كتاب «مَنْ لا يحضره الفقيه» حمل هذا الأمر على التقية([16]).
وفي القرن الخامس الهجري عمد الشيخ المفيد(413هـ) ـ من خلال تأليفه لكتابَيْه: «المقنعة»؛ و«الإعلام بما اتّفقت عليه الإمامية»([17]) ـ إلى تمهيد الطريق لسلوك المنهج المقارن في الفقه. وفي الحقيقة يمكن القول: إن اللبنة الأولى من صرح الفقه المقارن قد تأسَّست على يدَيْه([18])، رغم أنه في هذا الشأن لا يشير إلى الحمل على التقية، واكتفى بالإشارة إلى موارد الاختلاف بين الشيعة والسنة، واعتبر حتى روايات التقية ـ بسبب شذوذها ـ منحصرة بمرويات أهل السنّة فقط، وبذلك أعرب بشكلٍ ما عن مخالفته في ردّ المرجِّحية بمخالفة العامّة([19]). وقد أدّى هذا الأمر ـ تبعاً لذلك ـ إلى فتح باب لانكشاف واتضاح التقابل بين جبهتي الخاصة والعامة في مواجهة بعضهما، إلى الحدّ الذي ألّف معه الشيخ الطوسي كتاب «التهذيب» في شرح «المقنعة»([20]).
ومن الجدير بالذكر أن الشيخ المفيد قد فسَّر المراد من مخالفة العامّة في خصوص الروايات الواردة في مسائل الإمامة، وعطف هذا الأمر على مسألة الولاية والبراءة من أعداء أهل البيت^، وبذلك فإنه لم يعمِّم ترتيب إعمال هذا المرجح على الأحكام الفرعية([21]).
ثمّ جاء بعده السيد المرتضى(436هـ) ليقوم ـ مثل أستاذه ـ بالطعن على مخالفة العامة؛ مستنداً في ذلك إلى منهجه الأصولي في نفي حجّية خبر الواحد، معتبراً العمل بأخبار مخالفة العامة نوعاً من الدَّوْر، وقال بأنه كما لا يمكن العمل بخبر الواحد في الفروع كذلك الأمر في المسائل الأصولية ـ التي ينحصر طريق معرفتها بالعلم واليقين ـ لا يمكن العمل بها من طريق أَوْلى([22]).
والذي يجب الانتباه له أن مخالفته لمجرّد عدم اعتبار خبر الواحد لا يضرّ بهذا المرجّح من الناحية الدلالية، بمعنى أنه على فرض الاستناد إلى المرجحية بمخالفة العامة بدليل غير الأخبار لا يسعه إنكار هذه المرجحية. والذي يؤيّد ذلك أنه يمكن العثور في كلامه على موارد محدودة من الحمل على التقية أيضاً([23]). والذي يمكن القبول به هو أن إعمال المرجحية بمخالفة العامّة مردودٌ عنده بالاستناد إلى النصوص الواردة في هذا الباب، وإلاّ فإن أصل القول بالتقية بوصفها ضرورة تاريخية أمرٌ ثابت من وجهة نظره. ثم إن الأخبار الدالة على مخالفة العامة إذا لم نقل بتواترها فلا أقلّ من القول باستفاضتها([24]).
وربما أمكن القول ـ استناداً إلى الكتب الفقهية المتوفِّرة لدينا ـ: إن سلار الديلمي(463هـ) هو من أوائل الفقهاء الذين سبقوا الشيخ الطوسي في اعتبار مخالفة العامّة ملاكاً من ملاكات ترجيح الأخبار المتعارضة([25]).
وبعد ظهور الشيخ الطوسي(460هـ)، وتأليف كتابَيْه الروائيين: «تهذيب الأحكام»؛ و«الاستبصار»، تمّ فتح فصل جديد لبحث التقية، وربما كانت هذه هي المرة الأولى التي يجد فيها الحمل على التقية مكاناً واسعاً له بين المرجّحات.
ومن بين هذين الكتابين القيّمين كان كتاب «التهذيب» مشتملاً على أحاديث متعارضة، عالج الشيخ بعض مواردها من خلال الحمل على التقية، بَيْدَ أنه في كتاب «الاستبصار» عمد إلى رفع التعارض القائم بين الأخبار بشكلٍ فذّ. ومن بين ما مجموعه 5559 حديثاً في هذا الكتاب عمد إلى حمل 180 حديثاً منها على التقية([26])، ومن بينها ما يقرب من 130 مورداً محمولاً على التقية من باب مخالفة العامة، وتمّ نبذها من بين الأحاديث المتعارضة. ولا بُدَّ لنا من أن نضيف هنا أن الاستناد إلى الحمل على التقية في أغلب هذه الموارد إنما كان بوصفه هو الطريق الوحيد للجمع بين الروايات المتعارضة، حيث تمّ التعبير عنها أحياناً بموافقة الرواية لمذهب «جميع العامّة»، أو «أكثر العامّة»، أو «كثير من العامّة»، أو «بعض العامّة»؛ وأحياناً بشكل مطلق، بمعنى الموافقة مع «مذهب» أو «مذاهب» العامّة، وفي بعض الموارد التعبير بـ «مَنْ خالف الإمامية»، و«مَنْ خالفناه»، أو «المخالفين» وما إلى ذلك من أصناف المتّقى منهم. وعلى هذا الأساس فإن الشيخ لا يقدّم لنا معياراً دقيقاً ومنضبطاً لإعمال هذا المرجّح؛ لأنه إنما تحدّث عنه بألفاظ متنوّعة، أو أنه في الحدّ الأدنى لم يشترط الموافقة مع جميع أو أغلب العامة في إعمال هذا المرجِّح. وإن الثابت من رؤية الشيخ هو أصل المرجِّحية بمخالفة العامة في الجملة([27]). بل إنه في بعض الموارد ذكر موافقة العامة بوصفها قولاً محتملاً([28]).
وبطبيعة الحال فقد كان للشيخ ـ من خلال اقتناصه لهذا المرجّح من النصوص الروائية وتوظيفه على نطاقٍ واسع ـ دَوْرٌ كبير في ترسيخ هذا المرجّح في بحث علاج تعارض الأخبار، بحيث كان الآخرون ـ من الفقهاء المتقدّمين والمعاصرين ـ مدينين لمنهجه في حلّ التعارض. وقلّما لا يتمّ ذكره في صدر أو ذيل موارد الحمل على التقية، رغم أن الصبغة التي تطبع هذا المرجّح كانت ـ على طول القرون المتمادية ـ تتراوح بين الشدّة والضعف بشكلٍ ملحوظ أيضاً.
الأمر الآخر أن الشيخ في كتبه الفقهية ـ الاستدلالية، من قبيل: «النهاية» و«المبسوط»، قلّما استعمل الحمل على التقية؛ لأنه تحدّث في هذين الكتابين عن فتاواه ببيان تفصيلي، دون الإشارة إلى الروايات المخالفة. وفي كتاب «الخلاف» كان بصدد بيان موارد الخلاف بين الشيعة ومختلف مذاهب أهل السنّة أيضاً، وعلى حدّ تعبير أحد الباحثين والمحققين في الشأن الفقهي: لم تكن هناك ـ بطبيعة الحال ـ حاجةٌ إلى ذكر الروايات الخلافية، وحملها على التقية([29]). ومن الواضح أن بحث مخالفة العامة وتوظيفه في الدراسات الفقهية الشيعية، وسياق الفقه الخلافي والمقارن ومنهج التحقيق فيه، لا يقتضي توظيف مثل هذه الآلية في ترجيح الأقوال؛ إذ إن الغالب في الأبحاث المقارنة بين المذاهب هو التزام الحياد، أو سلوك منهج الإقناع في الحدّ الأدنى، وليس الاستفادة من وسيلة بوصفها ملاكاً لإثبات صحّة وواقعية مضمون مسألة في مخالفة الخصوم.
وبعد عصر الشيخ تجاوز فقه الشيعة مرحلةً، حيث وجد الفقهاء طريق التقية أمامهم لاحبة، فكانوا على الدوام يتخذون ـ في مواصلة هذا الطريق المعبّد ـ من الحمل على التقية مستمسكاً في رفع التعارض بين الأخبار، ومنهم: ابن إدريس الحلّي(598هـ)، حيث تأثّر في الكثير من الموارد بمواضع حمل الشيخ على التقية([30]). كما أن السيد ابن طاووس(664هـ) ـ وهو من بين مشاهير مدرسة الحلّة ـ قد استفاد كثيراً من الترجيح بمخالفة العامة في اختيار الأخبار المتعارضة([31]).
وبعد مضيّ ما يقرب من قرنين من عصر الشيخ الطوسي كان المحقّق الحلّي(676هـ) من القلائل الذين وقفوا في الجناح الآخر، واتخذ في مبانيه الأصولية موقف إنكار الترجيح بمخالفة العامّة، ثم واصل هذا النهج في مجال الفقه أيضاً، وانتقد الكثير من موارد حمل الشيخ، وقام برفضها([32]).
ويجدر الالتفات إلى أن الموقف الأصولي للمحقّق الحلّي، القائم على بطلان الاستناد إلى خبر الواحد في المسألة الأصولية، هو الذي أدّى به إلى الإعراض عن هذا المرجّح([33]). وفي فقهه لم يحتجّ في مقام نقد كلام الشيخ صراحةً، فإنه في الفقه؛ من خلال إبرازه لنحوَيْن من المخالفة، قام في بعض الموارد بإسناد فتواه المخالفة إلى تلك الروايات التي حملها الشيخ على التقية([34])، وفي بعض الموارد الأخرى ـ على الرغم من تشابه الفتوى بين الشيخ والمحقّق ـ إلاّ أن اختلافهما في المبنى بشأن ردّ الروايات أوجب رضوخ أحدهما للحمل على التقية، وألزم الآخر باعتبار عدم أشهريتها([35]).
يضاف إلى ذلك أن المحقّق قد أورد ـ في إطار منهجه السلبي ـ إشكالاً آخر على هذا المرجّح، وهو تكافؤ وتساوي احتمالات مخالفة الواقع في كلا الخبرين الموافق والمخالف للعامة. فطبقاً لكلَيْهما يوجد احتمال المخالفة للواقع؛ إذ في الخبر الموافق للعامة يحتمل أن يكون صادراً بداعي التقيّة؛ كما يحتمل في الخبر المخالف للعامة التأويل وإرادة خلاف الظاهر ومراعاة المصالح الخافية عن الأنظار أيضاً([36]). وبالتالي تنسحب النتيحة إلى التخيير أو الجمع بين أصالة الظهور (المرجِّح الدلالي) وأصالة بيان الحكم الواقعي (المرجّح الجَهَوي)، دون الترجيح([37]).
يجب التذكير بأن النقد الثاني للمحقّق يشير في الحقيقة إلى حالة التعارض بين المرجّحات، ولا يمكنه التشكيك في أصل مرجّحية مخالفة العامّة، وإنما يمكنه تحديد موضعه في ترتيب الأخذ بالمرجّحات المتفاوتة. ومن ناحيةٍ أخرى فإن القائلين بترجيح الخبر المخالف للعامّة قد أخذوا أصل ترجيحه بنظر الاعتبار، وبهذا المعنى أذعنوا بأن تحديدَ موقع هذا المرجّح بين سائر المرجّحات وفي التعارض معها موضوعٌ آخر يؤدي فيه اختلاف المباني إلى نتائج متفاوتة.
وعلى أيّ حال فإن مخالفة المحقّق الحلّي لا تستمرّ طويلاً، حيث تضمحل في كلمات تلاميذه؛ ليستعيد التأسّي بالشيخ في الحمل على التقية مكانته السابقة.
وفي هذه المرحلة التاريخية اتّخذ الفاضل الآبي(690هـ) في التعاطي مع كلام الشيخ منهجاً وسطياً، وموافقاً للاحتياط، وإنْ تحدّث في بعض الموارد بالموافقة على ما قام به الشيخ من حالات الحمل على التقية أيضاً([38]). وربما أمكن ـ من خلال الموارد التي قال فيها بضعف موارد الحمل على التقية ـ أن ندرك شرائط الترجيح على أساس مخالفة العامّة من وجهة نظره في الحدّ الأدنى، فهو يقول مثلاً: «وربما حمل الشيخ الرواية الواردة بالمنع على التقية. وهو ضعيفٌ؛ إذ الجمهور أيضاً مختلفون، بل مذهب الأكثرين هو الجواز»([39]).
يمكن لنا من خلال هذا الكلام الذي أفاده «كاشف الرموز» أن نستنتج شرطية توافق كافة مسالك ومذاهب أبناء العامة في حمل الرواية الموافقة على التقية، ومع اشتراط هذا الشرط لا تكون مخالفة الرواية ـ في موارد تعدُّد آراء أهل السنّة ـ لبعض العامة موجبةً للترجيح.
رؤية الفقه المتأخِّر لمسألة مخالفة العامة
وفي بداية المرحلة المنتسبة إلى فقه المتأخّرين نجد العلاّمة الحلّي(726هـ) ـ من مشاهير الفقهاء في القرن الثامن الهجري ـ في كتبه الثلاثة، وهي: «مختلف الشيعة»([40])، و«منتهى المطلب»([41])، و«تذكرة الفقهاء»([42])، لم يُبْدِ اهتماماً ملحوظاً بهذا المرجّح، وكان جلّ استناده إلى كلام الشيخ الطوسي، بل وفي الكثير من الموارد أبدى رأيه بعد نقل كلام الشيخ في الحمل على التقية، وربما كشف في الأثناء عن تحفُّظ العلامة تجاه هذا المرجّح. وقد تمّ التصريح بهذا الأمر في المقدّمة التي وضعها مجمع البحوث الإسلامية على كتاب «منتهى المطلب»، للعلاّمة الحلّي([43]).
وبعد العلاّمة الحلّي استمرّ الحمل على التقية في التعاطي مع الروايات المتعارضة متواصلاً على نطاق واسع في كلام فقهاء مثل: الشهيد الأول(786هـ)، والفاضل المقداد السيوري(826هـ)، وابن فهد الحلّي(841هـ)، والمحقّق الكركي(940هـ)، والشهيد الثاني(966هـ)، والمقدَّس الأردبيلي(993هـ)، وصاحب المدارك(1009هـ). وإنما يكمن الفرق الوحيد ـ في مواضع حمل الشيخ والعلامة والفقهاء بعدهم ـ في أن هذين العلمين؛ بسبب هيمنتهما على المذاهب الفقهية لدى العامة في عصر الأئمة^، كان بإمكانهم الحصول على أقوالهم، وحمل الروايات الموافقة على التقية، في حين أن الآخرين في أكثر الموارد لم يأخذوا أقوال العامة من كتبهم، وإنما من كلمات الشيخ الطوسي والعلاّمة الحلّي، وقد أصبحوا في الكثير من الموارد ـ بطبيعة الحال ـ تابعين لهما في موارد حملهما([44]). ولم تواجه نقداً إلاّ في نهاية هذه المرحلة، من خلال أصحاب كتب مثل: «نهاية المرام» للشيخ العاملي([45])، و«مشرق الشمسين» للشيخ البهائي([46]).
وبعد انتهاء هذه المرحلة؛ بظهور الأخباريين، عاد النشاط للفقه الأثري، وارتفعت وتيرة الحمل على التقية؛ بسبب الإقبال الواسع على الأحاديث، ولا سيَّما مع عدم النقد السندي للكتب الأربعة، واتخاذ ذلك حصناً منيعاً عند مواجهة الروايات المتعارضة. وفي مقابل احتمال الحمل على التقية نجد في الكتب الروائية لهذه المرحلة آليات أخرى، من قبيل: الجمع العرفي، وحمل الروايات على بعضها، وما إلى ذلك من الأمور الأخرى أيضاً. ثم إن الكتب الروائية الفقهية للأخباريين تركت تأثيرها على الكتب الفقهية للمجتهدين؛ فاستعملوا الحمل على التقية في موسوعاتهم الفقهية على نطاقٍ واسع، ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن الشيخ الحُرّ العاملي(1104هـ) في فترة انتعاش الأخبارية قام في كتاب «وسائل الشيعة» وحده بحمل ما يقرب من أربعمائة مورد من بين 35843 رواية على التقية([47]).
وفي نهاية العصر الأخباري تماماً كان المحدِّث البحراني(1186هـ) هو الذي أطاح بحلقة الوصل الرابطة بين موافقة العامّة والتقية، مدّعياً ـ خلافاً للمشهور ـ عدم اعتبار اشتراط موافقة العامّة في الحمل على التقية، ولم يشترط وجود قول للعامة في هذا الشأن. وبعبارةٍ أخرى: إن موافقة العامة لا تمثِّل ـ بالنسبة إليه ـ شرطاً أساسياً في الحمل على التقية. ونتيجة مدّعاه الجديد هو أن الأئمة^ كانوا في مقام صيانة أنفسهم والشيعة يدخلون كلاماً مخالفاً بين الأحكام، ويقدِّمون أقوالاً عديدة على المسألة الواحدة، حتّى وإنْ لم يكن هناك من المخالفين مَنْ يقول بهذه الأقوال، وإن القول بأن فقهاء الإمامية إنما كانوا يحملون على التقية في مجرّد الموارد التي يكون فيها هناك قائل من العامة يخالف المعنى الذي نفهمه من الأخبار والروايات المأثورة عن الأئمة^([48]).
وعلى أساس هذا المدّعى ثمّة في الكثير من الموارد الواردة في «الحدائق الناضرة» حملُ أحد الخبرين المتعارضين على التقية دون أن يكون موافقاً للعامّة([49])، وهو أمرٌ لا نراه في الكتب الفقهية السابقة. ومن الطبيعي بعد إلغاء هذا الشرط أن ترتفع أعداد موارد الحمل على التقية بشدّةٍ، إلى الحدّ الذي بلغ عدد موارد الحمل على التقية في كتابه ما يقرب من 900 مورد([50]).
وقد عزّز صاحب الحدائق رأيه هذا من خلال الاستشهاد بروايات يجيب فيها المعصوم× عن مسألةٍ واحدة بأنحاء مختلفة، معتبراً إلقاء الخلاف في اعتبار صدور الأخبار بداعي التقيّة كافياً([51])، دون أن يبحث عن وجودٍ لموافقة العامة فيها([52]).
وحيث لم يُشِرْ «صاحب الحدائق» إلى قائلٍ آخر لتأييد كلامه، يظهر أنه لم يكن لهذا القول من قائلٍ حتّى ذلك العصر. بَيْدَ أنه كان لهذا النمط الفكري الذي صدع به المحدِّث البحراني بعد ذلك الكثير من المؤيِّدين([53]) والمعارضين([54]). وقد كان أول المعارضين له هو الفقيه المعاصر له الوحيد البهبهاني(1205هـ)، حيث كان في واقع الأمر ناقداً لأفكار الأخباريين، ومؤسِّساً للمدرسة الأصولية لدى الشيعة([55]). وأما قبله في مرحلة ازدهار وتكامل الفقه([56])، أو عصر الاستنباط الجديد([57])، فقلَّما نعثر على عبارةٍ بين كلمات الفقهاء في الاستدلال للحمل على التقية باشتراط موافقة العامة؛ لأنهم في الأساس لم يتطرَّقوا إلى هذا البحث بشكلٍ مستقلّ، وكان الذي دعا الوحيد البهبهاني إلى التعرُّض لهذا الأمر هو تتبُّع مبنى صاحب الحدائق([58]). ومن هنا كان في استدلالاته الفقهية يذكر ـ تعريضاً ـ نصوص الأمر بمخالفة العامّة مراراً وتكراراً.
ولا بُدَّ من التذكير بأنه على الرغم من عدم تصريح المشهور ـ حتى تلك المرحلة ـ باشتراط موافقة العامة في الحمل على التقية، ولكنْ يمكن ـ في الوقت نفسه ـ فهم هذا الأمر من السيرة العملية لهم، ولا سيَّما منذ عصر الشيخ الطوسي فصاعداً. ومنذ ذلك الحين انحصر اختلاف الفقهاء في دائرة العامّة التي تمّ اشتراطها في الحمل على التقية، بحيث تراوحت دائرة الاختلاف من شخصٍ واحد من العامة، وبعض العامة، إلى مخالفة المشهور، والأكثر، وجميع العامّة، وحتّى حكّامهم وقضاتهم. فتبلور نتيجة لذلك طيف غير متجانس من العامّة المتّقى منهم، الأمر الذي يشكّل فيه حمل الرواية الموافقة للعامّة على التقية موضوعاً لاستدلال الفقهاء.
ومنذ تلك المرحلة فلاحقاً يمكن إلى حدٍّ ما استنباط شرائط المرجّحية بمخالفة العامة من كلمات الفقهاء الواردة في كتبهم، وبعبارةٍ أخرى: إن البناء الذي أقامه الشيخ الطوسي على الحضيض جلس لاحقاً في الذروة ينظر إليه من عليائه.
ومنذ القرن الثالث عشر الهجري إلى عصر صاحب الجواهر لا نجد في كلام الفقهاء ـ ما نجده في مرحلة الوحيد البهبهاني ـ من المنهجية والانضباط في إعمال هذا المرجّح. وإن أداء الفقهاء في هذه المرحلة يذكّرنا إلى حدٍّ ما بموارد حمل الشيخ الطوسي.
وبعد ظهور صاحب الجواهر(1266هـ)، وتأليف موسوعته الفقهية «جواهر الكلام»، بدأنا نشهد المزيد من تعريف ضوابط الحمل على التقية حتّى هذه المرحلة. والأمر الذي لا يمكن إنكاره هو ميله إلى القول برأي صاحب الحدائق في عدم اشتراط موافقة العامّة في الحمل على التقية على ما يفهم من بعض عباراته([59]).
إن اقتران عصر صاحب الجواهر بعصر الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري(1281هـ) ـ الذي سبق غيره في تنقيح وتنظيم الأبحاث النظرية لمخالفة العامة، في كتاب «فرائد الأصول»، من خلال تقسيمه البديع في مجال المرجِّحات ـ يُعَدّ منعطفاً كبيراً في تاريخ تنقيح هذا الموضوع، إلى الحدّ الذي خاض معه الأصوليون بعد الشيخ في الغالب بشرح وتفصيل أو تلخيص ونقد عباراته، دون أن يتمكّنوا ـ مثله ـ من إيجاد منعطف في هذا الشأن، رغم أنه لا بُدَّ من التذكير بأننا لا نجد هذا المستوى من الانضباط في فقهه.
وبعد انتقال المرجعية إلى السيد البروجردي(1380هـ) ـ صاحب موسوعة «جامع أحاديث الشيعة» ـ بدأ الشرخ بين هاتين الفرقتين بالتقلُّص، ومن المعروف عنه أنه على أساسٍ من إدراكه للعلاقة بين الشيعة والسنّة كان ينظر في التقريب بين المذاهب الإسلامية على نحوٍ جادّ، فقد كان يبدي اهتماماً خاصاً بالمسائل الخلافية بين المذاهب، وكان في المسائل الهامّة يذكّر بأقوال وآراء أهل السنّة([60]). وفي الحقيقة إن اتجاهه إلى المسائل كان بحيث يعمل على تحديد نقاط الاختلاف والاتفاق بين المذاهب وتمييزها من بعضها بشكلٍ كامل([61])، وربما أمكن العثور عن سبب هذا الاتجاه في الاعتقاد القائل بأن «فقه الشيعة يقع في هامش فقه أهل السنّة»([62]).
إن اهتمام سماحته بمسألة التقريب قد بلغت حدّاً بحيث إنه في بعض مراحل جمع أحاديث الشيعة قد راودته فكرة إضافة أحاديث أهل السنّة إلى هامش أحاديث الشيعة في موسوعته الروائية؛ لكي يتبيّن من هذا الطريق مقدار أحاديث الشيعة وأهل السنة في كلّ باب، بَيْدَ أنه صرف النظر عن هذا الأمر لبعض الأسباب، ومنها: الخشية من شائبة اختلاط روايات أهل البيت^ بسائر الروايات الأخرى، وهو الأمر الذي يجعله قريباً من شيخ الطائفة في التوافق الفكري واتّحاد المنهج([63]).
والأمر الذي يجب الالتفات إليه في هذا الخصوص هو عدم تأثير هذا الاتجاه في قبول أو ردّ المرجّحية بمخالفة العامة. كما أن قواعد الالتزام بـ «التقريب» ـ استناداً إلى تعزيز المشتركات، وتقليل الخلافات بين المذاهب ـ لا تتحمّل ترجيح الروايات الموافقة للعامة عند التعارض مع الروايات المخالفة لهم أيضاً؛ لأن هذا الأمر يُعَدّ نوعاً من الانفعال والمطاوعة في مقابل النصوص المخالفة لأهل البيت^. كما أن رجحان الأخبار المخالفة للعامة بدَوْره لا ينافي الاتجاه المقارن والتقريبي في الفقه؛ والدليل على ذلك أن السيد البروجردي ـ بوصفه رائد أصحاب التقريب ـ لم يختَرْ في مبانيه الفقهية والأصولية مسلكاً مغايراً للأخذ بالمرجِّح الجَهَوي([64]).
وقفةٌ على رؤية الفقه المعاصر في مقابل مخالفة العامة
إن غاية ما يضعه البحث والتحقيق في المصادر الفقهية المعاصرة من نتائج أمام الباحثين هو الالتزام بشروط تقضي في الواقع بالتخفيف من جماح الترجيح بمخالفة العامة، وتحدّ من غلواء جريان هذا المرجّح دون ضوابط. ولا شَكَّ في أن من بين أهم هذه الشرائط إمكان الوصول إلى آراء العامّة وإحراز الموافقة والمخالفة في عصر صدور الخبرين المتعارضين([65]). وكذلك فإن إحراز الرأي المتّسق والإجماعي، أو في الحدّ الأدنى رأي مشهور العامة، في ظرف صدور الخبر هو من الشرائط المنظورة للفقهاء في هذا العصر([66]).
وكأن التاريخ كلما أمعن في المضيّ قدماً عمد الفقهاء، من خلال التسلّح بحبل الاحتياط، إلى أن يضعوا على كفّة ميزان النقد كلّ ما كان المتقدّمون يحملونه على التقية لمجرّد موافقته للعامّة. وعلى الرغم من الصعوبة التي تواجه الفقيه في الوقوف على آراء أهل السنة؛ بلحاظ الظروف والشرائط، نجد بعض المعاصرين من الفقهاء الكبار، مثل: السيد المحقّق الخوئي(1413هـ)، قد تمكّن من ذلك بجدارةٍ، وأبدى دقّةً فائقة ضمن مدرسته الفقهية في بحث مسألة التقية ومخالفة العامّة([67]).
نتائج ومعطيات التحقيق
من مجموع الأبحاث الواردة في الكتب الفقهية الكثيرة نحصل على النتائج التالية:
1ـ إن اجتياز النفق الطويل من تاريخ الفقه يعبّر عن مختلف اتجاهات الترجيح بمخالفة العامّة التي تجاوزت مراحل هذا التاريخ واحدة بعد أخرى. وفي الحقيقة لقد اتفقت كلمة أكثر ومشهور الفقهاء في الذهاب إلى أصل الترجيح بمخالفة العامّة. وفي هذا الشأن كان بعض الفقهاء، مثل: الشيخ الطوسي والعلاّمة الحلّي، في طليعة القوم، وكان الآخرون يسيرون في ركابهم إلى حدّ التقليد. وبطبيعة الحال قد نشاهد؛ بلحاظ شروط إعمال هذا المرجِّح في دائرة ونطاق مقبوليته، بعض الفوارق في مختلف العصور. وإذا تجاوزنا المشهور فإن هذا المرجِّح قد واجه في بعض المراحل مخالفات ـ محدودة ـ من نوع المناقشات السندية أو الدلالية أيضاً. وإن كبار العلماء، مثل: الشيخ المفيد والسيد المرتضى والمحقّق الحلّي، من خلال إنكارهم أو تضييقهم لدائرة حجية أخبار الآحاد، لم يجدوا الأدلة المتنية للترجيح بمخالفة العامة وافية بالمقصود، وذهب بعضهم على طول التاريخ ـ من خلال نفي المرجّحية بمخالفة العامّة ـ إلى رفع التوقُّع في هذا الشأن إلى مستوى التمييز (التمييز بالحجّية)([68])؛ وهناك مَنْ فسَّر العمل بالأخبار العلاجية بأنها نوعٌ من الجمع العرفي، دون الترجيح، وقدَّم الأخبار المخالفة للعامة على ما يعارضها من باب تقدُّم النصّ على الظاهر([69]).
2ـ إن تضعيف الأسس النصّية لمخالفة العامّة، مع الاعتقاد بعدم جدوائية خبر الواحد في المسألة الأصولية، لن يقطع الطريق بالكامل أمام العمل بمضمون هذه الأخبار، وإنما سيكون ذلك من خلال تحليل المرجّحات على أساس النصّ، والاكتفاء بالمرجّحات المنصوصة؛ إذ مع القول بمبنى التعميم والتعدّي من المرجّحات المنصوصة ـ كما يستظهر من المباني الأصولية للمنكرين لمخالفة العامة أيضاً ـ تكفي المرجّحية المحتملة لأمرٍ في الأخذ بالراجح وطرح المرجوح. وفي هذا البين حتّى إذا لم تكن مرجّحية مخالفة العامّة مستندة إلى النصوص فإنها في الحدّ الأدنى؛ بلحاظ إبعادها للخبر المخالف عن التقية، تستوجب الرجحان الظّي أو الاحتمالي للخبر الموافق للعامة. توضيح ذلك: إذا كانت القاعدة الثانوية في الخبرين المتعارضين هي التخيير فإن العمل بالتخيير في حالة التكافؤ التامّ بين الخبرين ومرجّحاتهما سيكون ممكناً، في حين أن الخبر المخالف للعامة ـ بحَسَب الاحتمال في الحدّ الأدنى ـ حجّة فعلية؛ لأنه إما أن يتمتع بالحجة التعيينية؛ أو لأنه يمثل أحد طرفي التخيير، وبذلك سوف تثبت له الحجية التخييرية أيضاً. وعليه سيكون الأخذ به ـ بناء على كلا الاحتمالين ـ صحيحاً، وهو الاستدلال الذي لا يمكن طرحه في الخبر الموافق للعامة. وإنما يأتي طرح الكلام في هذا الباب من حيث إثبات أن التشكيك في الحالة الإسنادية للأخبار المخالفة للعامة لن يزعزع قواعد مرجّحيته. نعم، هناك شرطان لتعريض جدوائية هذا المرجّح للإنكار، وهما:
أوّلاً: الاكتفاء بالنصّ في المرجّحات.
وثانياً: اختيار القول بالتساقط بوصفه قاعدة ثانوية في الخبرين المتعارضين.
وعليه، من خلال التشكيك في الحالة السندية للنصوص المخالفة للعامة لن يبقى هناك من وجهٍ لترجيح الخبر المخالف للعامة، ومع عدم وجود سائر المرجّحات يكون المرجع هو التساقط. وإن قاعدة أولوية التعيين على التخيير في دوران الأمر بين التعيين والتخيير لن تكون محكمة.
3ـ من خلال جولة على أدبيات الفقه المتقدِّم والمتأخِّر ـ إلى عصر الشيخ الطوسي في الحدّ الأدنى ـ يمكن الكشف عن نوعٍ من تغيير المفردات في هذا الموضوع، بمعنى أننا في بداية استعمالات التقية نواجه استخدام عبارات من قبيل: «الحمل على التقية»، و«يخرج مخرج التقية»، و«محمول على ضرب من التقية»، و«ورد مورد التقية»، و«ورد للتقية»، و«على سبيل التقية»، و«في حال التقية»، و«من باب التقية»، وسائر مشتقات وصيغ هذه العبارات ـ دون النظر إلى بحث مخالفة العامّة ـ على النحو الغالب، ولا نعثر إلاّ لماماً، وفي بعض المواضع التي لا تتجاوز أصابع اليد، على نماذج متأثِّرة بنصوص مخالفة العامة، من قبيل: «مخالفة العامة»، و«موافقة للعامّة»، في تضاعيف النصوص الفقهية لهذه المرحلة.
4ـ إن مخالفة العامّة على مرّ التاريخ وإنْ كانت عرضةً للكثير من المتغيّرات الواسعة، بحيث شهدت شرائط متفاوتة في تطبيقها، إلاّ أنها في الوقت نفسه قد حافظت على مكانتها في العمليات الاستنباطية بوصفها واحدة من المرجِّحات كثيرة الاستعمال. وهذا الأمر ـ بغضّ النظر عن صحة الاستعمالات ـ يعبِّر عن اهتمام مشهور الفقهاء بتوظيف هذا المرجّح عند مواجهة الروايات المتعارضة، ولم يتعرَّض إلى مخالفة جادّة من قِبَل بعض الفقهاء والأصوليين إلاّ في مقاطع محدودة من الزمن.
5ـ لقد اختار الفقهاء من بين جميع الموازين المطروحة في باب مخالفة العامّة([70]) معيار التقية ـ قبل أيّ شيء آخر ـ ملاكاً في الأخذ بهذا المرجّح([71])، إلى الحدّ الذي نشهد في بعض الموارد تمثيل كلّ واحدة من هاتين المفردتين للأخرى في الاستعمالات المجازية. وبعبارةٍ أخرى: يراد بـ «التقية» في بعض الأحيان إرادة «مخالفة العامّة»، وإن تعابير من قبيل: «موافق للتقية» و«مخالف للتقية»، مضافاً إلى استعمال ألفاظ من قبيل: «العامة» و«الجمهور» و«القوم»، تحكي عن هذا الاستبدال للألفاظ المستعملة للحمل على التقية. وفي بعض الموارد تمّ استعمال عبارة «مخالفة العامّة» وكان المراد بها ذات «التقية». ويمكن القول: إن أكثر الفقهاء كانوا يذهبون إلى القول بوجود الملازمة بين هذين الأمرين. وكما سبق أن ذكرنا فإن عُرى هذا التلازم ـ بطبيعة الحال ـ قد فصمت في كلمات عددٍ قليل من الفقهاء؛ إذ لم يشترطوا موافقة العامة في الحمل على التقية([72])، بل ذهبوا في بعض الموارد إلى اعتبار هذين الأمرين منفصلين عن بعضهما([73])، وإنْ كان بعض الفقهاء الآخرين قد اتخذوا في الأساس ملاكات أخرى بوصفها معياراً لعملهم([74]).
6ـ كما أن كيفية إجراء عملية الترجيح من قبل الفقهاء هي الأخرى مسألة جديرة بالتأمُّل؛ بحيث ذهب بعضهم إلى التصريح بأن إعمال هذا المرجّح مشروط بمخالفة المذهب الفقهي الرسمي في عصر صدور الروايات المتعارضة([75])، وأن ذلك إنما يختصّ بالحدود الجغرافية لسكن المعصوم× أو الراوي([76])، وبذلك فإنهم وجدوا تحدّياً يقف أمام جدوائية مخالفة العامّة في العصور المتأخرة([77]). وبطبيعة الحال فإن قبول مثل هذا الشرط بالمطلق لا يخلو من إشكال؛ وذلك لعدم شمول هذا الشرط في الحالات السندية المختلفة، وجهة التقية في الروايات المتعارضة؛ إذ إن أسباب وجود الأخبار الموافقة للعامة بين الشيعة لا ينحصر في التقية الخوفية أو المداراتية؛ كي يتمّ اشتراط المطابقة مع المذهب الرسمي المدعوم من الحكومة أو المذهب السائد بين أكثر العامة، ولا ينبغي استبعاد احتمال وجود بعض موارد التقية التي أفتى فيها الإمام× على طبق مذهب السائل؛ من أجل الحفاظ على أرواح الأصحاب، وطبقاً لهذا الفرض لا يكون الإلزام بمخالفة المذهب السائد، وكذلك اشتهاره، دخيلاً في المسألة([78]).
7ـ يفهم من كلام بعض الفقهاء ـ تصريحاً أو تلويحاً ـ اشتراط مخالفة آراء المذاهب الأربعة في توظيف هذا المرجّح([79]). وكان هذا الأمر ـ ولا سيَّما مع الالتفات إلى التأخُّر الزمني لحصر المذاهب السنّية بالأربعة (سنة 365هـ) عن عصر صدور الروايات، وكذلك عدم انحصار الشخصيات المؤثِّرة في عصر المعصوم× برؤساء المذاهب الأربعة المعروفة، وكذلك عدم معاصرة المذاهب الأربعة لبعضها ـ معبِّراً إلى حدٍّ ما عن الاشتباه في طريقة الاستناد إلى هذا المرجّح وتوظيفه في ظروف التقية([80]). وبطبيعة الحال لا يمكن أن نستنتج من إشارة البعض إلى الموافقة مع المذاهب السنّية الأربعة ـ بوصفها ملاكاً للحمل على التقية ـ حصر الموافقة مع هذه المذاهب الأربعة على نحو القطع واليقين؛ إذ قد يكون مراده شرطية الموافقة مع روايات العامة في الجملة([81]).
8ـ إن مشاهدة بعض الآفات الأخرى عند إعمال هذا المرجّح في العمليات الاستنباطية للفقهاء، من قبيل: عدم تطابق عصر صدور الروايات مع المذهب الفقهي لأهل السنّة في ذلك العصر، الذي على أساسه تمّ حمل الرواية على التقية([82])، أو نسبة المخالفة إلى أفراد لم يكن للتقية محلّ من الإعراب في عصرهم([83])، أو أنهم لعدم شهرتهم ـ بحَسَب االقاعدة ـ لا يُمكن تصوُّر التقيّة في حقّهم([84])، وباختصارٍ: إن الغفلة عن البُعْد التاريخي للمسألة تدفع المحقِّق إلى احتمال أن تكون جميع هذه الأمور قد نشأت من عدم الالتفات إلى الفقه المقارن في الحوزات الشيعية الراهنة. وكذلك فإن عدم الرجوع المباشر إلى مصادر أهل السنّة، وبالتالي عدم وجود ضوابط للحمل على التقية في المصادر الفقهية لدى الإمامية، لم يكن عديم التأثير من هذه الناحية. رغم أن عدم تطابق روايات أهل السنّة مع أعمال العامة([85])، أو عدم تناغم الفتاوى مع أعمالهم([86])، ومخالفة كلتا الروايتين المتعارضتين لفتاوى العامة([87])، وكذلك عدم انضباط مذاهب العامة في عصر صدور الرواية([88])، كلّ ذلك قد شكَّل في حدّ ذاته مشاكل أخرى، ولا سيَّما في المراحل المتأخِّرة حيث تربَّصت بالإعمال الصحيح والمناسب لهذا المرجّح.
9ـ حصيلة القول: إن عدم تحقّق الموضوع (منع الصغرى) من جهةٍ، وعدم توفُّر شرائط إعمال المرجحية بمخالفة العامّة (منع الكبرى) من جهةٍ أخرى، أدّى إلى عدم صحّة إعمال هذا المرجّح في الاستنباطات الفقهية على نحوٍ تامّ وشامل، وتمّ الاكتفاء منه بالموارد الجزئية والخاصة.
وعلى أيّ حال فإن التاريخ يروي لنا شدّة نزوع فقهاء الإمامية في مختلف العصور نحو دراسة المذاهب غير الشيعية وآراء أصحابها. ويكفي لبيان أهمّية وضرورة الخوض في هذا الأمر أن ندرك أن معرفة أقوال وفتاوى العامّة ـ للكشف عن الموافقات والخلافات ـ من اللوازم التي لا تنفكّ عن أمر الاجتهاد، وهو أمرٌ مؤثِّر في فهم الأخبار، لا يمكن للمجتهد أن يحصل عليه بغير التبحُّر والتخصُّص([89]).
الهوامش
(*) طالبٌ على مستوى الدكتوراه في قسم الفقه ومباني الحقوق الإسلاميّة في جامعة فردوسي في مشهد.
(**) أستاذ الفقه ومباني الحقوق الإسلاميّة في جامعة فردوسي في مشهد.
(***) أستاذ الفقه ومباني الحقوق الإسلاميّة في جامعة فردوسي في مشهد.
([1]) انظر: حبيب الله بن محمد علي الرشتي، بدائع الأفكار: 442، مؤسسة آل البيت^، ط1، قم؛ الطوسي، العدّة في أصول الفقه 1: 147 ـ 148، إعداد: محمد تقي علاقبنديان، ط1، قم، 1417هـ.
([2]) انظر: حسين الحلّي، أصول الفقه: 225 ـ 226، مكتبة الفقه والأصول المختصّة، ط1، قم، 1423هـ.
([3]) انظر: محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 1: 8، تعليق: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، ط5، طهران، 1363هـ.ش.
([4]) انظر: تقي الطباطبائي القمي، مباني منهاج الصالحين 4: 604؛ 5: 300، 338، 401؛ 8: 582؛ 9: 202، 316، 575، 639؛ 10: 180، 188، 449، 496، 708، 721، 884، تحقيق: عباس حاجياني، منشورات قلم الشرق، ط1، قم، 1426هـ.
([5]) انظر: يوسف بن أحمد البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 14: 85، تحقيق: محمد تقي الإيرواني والسيد عبد الرزاق المقرّم، دفتر انتشارات إسلامي التابع لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، ط1، قم، 1405هـ.
([6]) انظر: محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 20: 428، 1404هـ.
([7]) انظر: عبد الله المامقاني، نهاية المقال في تكملة غاية الآمال 1: 21، مجمع الذخائر الإسلامية، ط1، قم، 1316هـ.
([8]) انظر: محمد بن الحسن الحُرّ العاملي، الفوائد الطوسية: 203، تحقيق: السيد مهدي اللاجوردي الحسيني ومحمد درودي، المطبعة العلمية، ط1، قم، 1403هـ.
([9]) انظر: رضا بن محمد هادي الهمداني، مصباح الفقيه 10: 329، تحقيق: محمد باقري ونور علي نوري ومحمد ميرزائي والسيد نور الدين جعفريان، المؤسسة الجعفرية لإحياء التراث ومؤسسة النشر الإسلامي، ط1، قم، 1416هـ.
([10]) انظر: محمد بن شاه مرتضى الفيض الكاشاني، معتصم الشيعة في أحكام الشريعة 2: 343، تحقيق: مسيح توحيدي، مدرسه عالي شهيد مطهري، ط1، طهران، 1429هـ.
([11]) انظر: أحمد بن محمد مهدي النراقي، مستند الشيعة في أحكام الشريعة 7: 145، مؤسسة آل البيت^، ط1، قم، 1415هـ.
([12]) انظر: يوسف بن أحمد البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 3: 38، 1423هـ.
([13]) انظر: أبو القاسم الخوئي، التنقيح على شرح العروة الوثقى 3: 48، تقرير: الميرزا علي الغروي، تحت إشراف: آغا لطفي، ط1، قم، 1418هـ.
([14]) انظر: محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 1: 68، 1363هـ.ش.
([15]) انظر: محمد بن عليّ بن بابويه القمي، علل الشرائع 2: 531، كتابفروشي داوري، ط1، قم، 1386هـ.ش.
([16]) انظر: ابن بابويه القمي، مَنْ لا يحضره الفقيه 1: 101 ـ 102، 331، 493؛ 2: 171؛ 3: 48، تعليق: علي أكبر غفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة، ط2، قم، 1404هـ.
([17]) انظر: محمد بن محمد المعروف بـ (الشيخ المفيد)، الإعلام بما اتفقت عليه الإمامية من الأحكام: 16، تحقيق: محمد حسّون، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، ط1، قم، 1413هـ.
([18]) انظر: أبو القاسم گرجي، تاريخ فقه وفقها: 146، مؤسسة سمت، ط3، طهران، 1421هـ. (مصدر فارسي).
([19]) انظر: محمد بن محمد المعروف بـ (الشيخ المفيد)، جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية: 48، تحقيق: مهدي نجف، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، ط1، قم، 1413هـ.
([20]) انظر: محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام 1: 3، دار الكتب الإسلامية، ط4، طهران، 1407هـ.
([21]) انظر: الشيخ المفيد، جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية: 47 ـ 48، 1413هـ.
([22]) انظر: عليّ بن الحسين المعروف بـ (علم الهدى)، رسائل الشريف المرتضى 1: 212، دار القرآن الكريم، ط1، قم، 1405هـ.
ومن الجدير بالذكر أن ابن إدريس الحلّي قد نقل كلام السيد [المرتضى] في كتابه (السرائر)، مع فارق بسيط، حيث استبدل عبارة (دوري) بـ (قد روى)، وبذلك سوف يتغيَّر المعنى تماماً، كما لا يخفى. انظر: ابن إدريس، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي 1: 51، مكتب النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، 1410هـ. نقلاً عن: وسام الخطاوي، المناهج الروائية عند الشريف الرضي: 164 (الهامش)، 1427هـ.
([23]) انظر: علم الهدى، الانتصار في مفردات الإمامية: 210 ـ 220، تحقيق ونشر: مكتب النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية بقم، ط1، قم، 1415هـ؛ علم الهدى، رسائل الشريف المرتضى 1: 393، 1405هـ.
([24]) انظر: الحُرّ العاملي، الفصول المهمة في أصول الأئمة 1: 578، تحقيق: محمد بن محمد حسين القائيني، مؤسسة الإمام الرضا× للمعارف الإسلامية، ط1، قم، 1418هـ.
([25]) انظر: حمزة بن عبد العزيز المعروف بـ (سلاّر الديلمي)، المراسم العلوية في الأحكام النبوية: 20، تحقيق: د. محمود البستاني، منشورات الحرمين، ط1، قم، 1404هـ
([26]) انظر: علي دلبري، مباني رفع تعارض أخبار أز ديدگاه شيخ طوسي در استبصار: 65، 191، الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية، ط1، مشهد، 1386هـ.ش. (مصدر فارسي).
([27]) انظر: الطوسي، الاستبصار في ما اختلف من الأخبار 1: 215؛ 3: 319 ـ 320، دار الكتب الإسلامية، ط1، طهران، 1390هـ.
([28]) انظر: المصدر السابق 1: 7، 60؛ 2: 52؛ 3: 374.
([29]) انظر: نعمة الله صفري، نقش تقيه در استنباط: 247، مؤسسة بوستان كتاب قم (انتشارات مكتب الإعلام الإسلامي للحوزة العلمية في قم)، ط1، قم، 1381هـ.ش.
([30]) انظر: محمد بن أحمد المعروف بـ (ابن إدريس الحلّي)، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي 1: 511؛ 2: 11، 108، 193، 697؛ 3: 17، 241، 336، مكتب النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، ط2، قم، 1410هـ.
([31]) انظر: علي بن موسى المعروف بـ (ابن طاووس)، الإقبال بالأعمال الحسنة في ما يعمل مرّة بالسنة 1: 33، 34، تحقيق: جواد القيومي الإصفهاني، منشورات مكتب الإعلام الإسلامي في الحوزة العلمية بقم، ط1، 1415هـ؛ ابن طاووس، فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين ربّ الأرباب في الاستخارات: 210، 211، 214، تحقيق: حامد الخفاف، مؤسسة آل البيت^، ط1، قم، 1409هـ.
([32]) انظر: جعفر بن حسن المعروف بـ (المحقّق الحلّي)، المعتبر في شرح المختصر 1: 278؛ 2: 119، 145، 313، 499، 500، تحقيق: محمد علي الحيدري والسيد مهدي شمس الدين والسيد أبو محمد المرتضوي والسيد علي الموسوي، مؤسسة سيد الشهداء، ط1، قم، 1407هـ.
([33]) انظر: المحقق الحلّي، معارج الأصول: 225، 226، مؤسسة الإمام عليّ× في لندن، ط1، 1423هـ.
لقد أسند المحقق كلام الشيخ الطوسي ـ في معرض نقده ـ إلى المرويّ عن الإمام الصادق× القائل: (خذوا بأبعدهما من قول العامة)، وذهب إلى القول بأن الشيخ إنما أصدر تلك الفتوى على أساس هذا الحديث تعبّداً، لا بمناط أنه أقرب إلى الواقع بسبب مخالفة العامّة، أو احتمال التقية بسبب موافقة العامّة. (انظر: محمدي 7: 281، 1387هـ.ش).
([34]) انظر: المحقق الحلي، المعتبر في شرح المختصر 1: 278؛ 2: 119، 1407هـ.
([35]) انظر: المصدر السابق 2: 145، 500.
([36]) انظر: المحقق الحلي، معارج الأصول: 226، 1423هـ.
([37]) انظر: علي محمدي، شرح رسائل 7: 282، دار الفكر، ط7، قم، 1387هـ.ش.
([38]) انظر: حسن بن أبي طالب المعروف بـ (الفاضل الآبي)، كشف الرموز في شرح مختصر النافع 1: 101، 138، 157، 180، 285؛ 2: 235، 296، 425، 522، تحقيق: علي پناه الاشتهاردي وآقا حسين اليزدي ، مكتب النشر التابع لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، ط3، قم، 1417هـ.
([40]) انظر: حسن بن يوسف المعروف بـ (العلاّمة الحلّي)، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة 1: 296، 297، 328، 412، 472؛ 2: 154، 164، 253، 258، 294، 432؛ 4: 138، 414؛ 7: 34، 35، 52، 66، 110، 112، 140، 341، 386، 393، 418، 444، 495؛ 8: 82، 334، 368، 411، 481، 487، 514؛ 9: 44، 55، 56، 89، 121، 190، 210، 211، 224، 309، مكتب النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، ط2، قم، 1413هـ.
([41]) انظر: العلاّمة الحلي، منتهى المطلب في تحقيق المذهب 2: 49، 54؛ 3: 169، 178، 206؛ 4: 383؛ 5: 87، 111، 218، 228، 354، 414؛ 7: 84، 162، 313، 326؛ 8: 84؛ 10: 332؛ 12: 179؛ 14: 386، مجمع البحوث الإسلامية، ط1، مشهد، 1412هـ.
([42]) انظر: العلاّمة الحلي، تذكرة الفقهاء 1: 387؛ 2: 93، مؤسسة آل البيت^، ط1، قم، 1414هـ.
([43]) انظر: العلاّمة الحلي، منتهى المطلب في تحقيق المذهب، المقدمة: 49، 1412هـ.
([44]) انظر: نعمة الله صفري، نقش تقيه در استنباط: 249 ـ 250، 1381هـ. (مصدر فارسي).
([45]) انظر: محمد بن علي العاملي، نهاية المرام في شرح مختصر شرائع الإسلام 2: 29، 68، 130، 145، 165، مكتب النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، ط1، 1411هـ.
([46]) انظر: الشيخ البهائي، مشرق الشمسين: 161، 176، 182، 197، 437، 447، 448، 454، 1414هـ.
([47]) انظر: نعمة الله صفري، نقش تقيه در استنباط: 250 ـ 252، 1381هـ.ش. (مصدر فارسي).
([48]) انظر: يوسف بن أحمد البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، تعليق: محمد تقي الإيرواني والسيد عبد الرزّاق المقرّم 1: 5، 1405هـ.
([49]) انظر: المصدر السابق 1: 253؛ 3: 33، 51، 145، 475؛ 5: 41؛ 8: 401؛ 11: 367؛ 12: 82؛ 13: 225، 279؛ 14: 428؛ 19: 23، 282؛ 21: 51؛ 22: 459؛ 23: 460؛ 24: 512.
([50]) انظر: نعمة الله صفري، نقش تقيه در استنباط: 252، 1381هـ.ش. (مصدر فارسي).
([51]) انظر: يوسف بن أحمد البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 3: 17، 1405هـ.
([52]) انظر: يوسف بن أحمد البحراني، الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية 1: 312، دار المصطفى لإحياء التراث، ط1، بيروت، 1423هـ.
([53]) انظر: محمد حسن بن جعفر الآشتياني، الزكاة 2: 877، 914، تحقيق: سيد علي غضنفري وعلي أكبر زماني نجاد، انتشارات زهير، ط1، قم، 1426هـ؛ عباس كاشف الغطاء، الفوائد الجعفرية: 182، مؤسسة كاشف الغطاء؛ عبد الحسين اللاري، التعليقة على رياض المسائل: 342، تحقيق: السيد حبيب الله الموسوي ومرتضى رحيمي نجاد، مؤسسة المعارف الإسلامية، ط1، قم، 1418هـ.
([54]) انظر: جواد بن محمد العاملي الغروي، مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة 7: 200، تحقيق: محمد باقر الخالصي، مكتب النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، ط1، قم، 1419هـ؛ أحمد بن محمد مهدي النراقي، مستند الشيعة إلى أحكام الشريعة 15: 87، مؤسسة آل البيت^، ط1، قم، 1415هـ؛ مرتضى بن محمد أمين المعروف بـ (الشيخ الأنصاري)، رسالة في منجزات المريض: 160، المؤتمر العالمي لإحياء ذكرى الشيخ الأعظم الأنصاري، ط1، قم، 1415هـ.
([55]) انظر: حسين المدرسي طباطبائي، مقدمه إي بر فقه شيعه: كليات وكتابشناسي: 16، تحقيق: محمد آصف فكرت، مؤسسة الأبحاث الإسلامية، ط1، مشهد، 1410هـ. (مصدر فارسي).
([56]) انظر: محمد إبراهيم الجناتي، أدوار فقه وكيفيت بيان آن: 16، 1410هـ.
([57]) انظر: أبو القاسم گرجي، تاريخ فقه وفقها: 241، مؤسسة سمت، ط3، طهران، 1421هـ. (مصدر فارسي).
([58]) انظر: محمد باقر بن محمد أكمل البهبهاني، الفوائد الحائرية: 353، مجمع الفكر الإسلامي، ط1، قم، 1415هـ.
([59]) انظر: محمد حسن بن باقر المعروف بـ (صاحب الجواهر)، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 3: 6، 383، 384؛ 7: 63؛ 8: 98؛ 9: 330؛ 10: 402، تحقيق: عباس القوجاني وعلي الآخوندي، دار إحياء التراث العربي، ط7، بيروت، 1404هـ؛ صاحب الجواهر، جواهر الكلام في ثوبه الجديد 2: 11، 318، مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي على مذهب أهل البيت^، ط1، قم، 1421هـ.
([60]) انظر: محمد واعظ زاده الخراساني، زندگي آية الله العظمى بروجردي ومكتب فقهي أصولي حديثي ورجالي وي: 361، إعداد: السيد جلال مير آقائي، مجمع جهاني تقريب مذاهب إسلامي، ط1، طهران، 1421هـ. (مصدر فارسي).
([61]) انظر: المصدر السابق: 363.
([62]) انظر: المصدر السابق: 84.
([63]) انظر: المصدر السابق: 128 ـ 129.
([64]) انظر: حسين البروجردي، الحاشية على كفاية الأصول 1: 528، أنصاريان، ط1، قم، 1412هـ؛ حسين البروجردي، جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة 1: 12، 19، المطبعة العلمية، قم، 1399هـ؛ حسين البروجردي، البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر: 48، 305 ـ 306، 311، تقرير: حسين علي المنتظري النجف آبادي، مكتب الشيخ المنتظري، ط3، قم، 1416هـ؛ حسين البروجردي، تبيان الصلاة 3: 71؛ 5: 179، 1426هـ؛ حسين البروجردي (تقرير بحث القبلة، والستر والساتر، ومكان المصلي) 1: 262؛ 2: 232، 314، تقرير: علي پناه الاشتهاردي، مكتب النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، ط1، قم، 1416هـ؛ حسين البروجردي (تقريرات ثلاثة: الوصية ومنجزات المريض ـ ميراث الأزواج ـ الغصب): 80، 142، تقرير: علي پناه الاشتهاردي، مكتب النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، ط1، قم، 1413؛ حسين البروجردي، نهاية التقرير في مباحث الصلاة 1: 42، 43، 130، 134، 381؛ 2: 141، 175؛ 3: 362، تقرير: محمد فاضل الموحدي اللنكراني.
([65]) انظر: محمد علي الآراكي، كتاب النكاح: 43، نور نگار، ط1، قم، 1419هـ.
([66]) انظر: عبد الكريم الموسوي الأردبيلي، فقه الحدود والتعزيرات 3: 131، مؤسسة النشر لجامعة المفيد، ط2، قم، 1427هـ؛ محمد إسحاق الفياض، تعاليق مبسوطة على العروة الوثقى 5: 64، انتشارات محلاتي، ط1، قم.
([67]) انظر على سبيل المثال: الخوئي، التنقيح في شرح العروة الوثقى، أو فقه الشيعة: كتاب الطهارة 2: 91 ـ 95، 1418هـ.
([68]) انظر: محمد كاظم بن حسين المعروف بـ (الآخوند الخراساني)، كفاية الأصول: 445، مؤسسة آل البيت^، ط1، قم، 1409هـ؛ حسين الحلي، أصول الفقه 12: 291 و309، مكتبة الفقه والأصول المختصّة، ط1، قم، 1432هـ؛ إسماعيل صالحي مازندراني، مفتاح الأصول 4: 381 ـ 382، صالحان، ط1، قم، 1424هـ.
([69]) انظر: محمد باقر الصدر، بحوث في علم الأصول 7: 415، تقرير: السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي على مذهب أهل البيت^، ط3، قم، 1417هـ؛ محمد باقر الصدر، مباحث الأصول 5: 751 ـ 752، تقرير: السيد كاظم الحسيني الحائري، مطبعة مركز النشر ـ مكتب الإعلام الإسلامي، ط1، قم، 1408هـ.
([70]) انظر: مرتضى بن محمد أمين الأنصاري المعروف بـ (الشيخ الأعظم)، رسالة في منجزات المريض 2: 805 ـ 806، المؤتمر العالمي لإحياء ذكرى الشيخ الأعظم الأنصاري، ط1، قم، 1416هـ. التعبُّد المحض، والموضوعية (المطلوب لذاته)، والطريقية إلى الواقع (المطلوب عرضاً)، وصدور الخبر الموافق للعامّة بداعي التقية.
([71]) انظر: يوسف بن أحمد البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 1: 312، 1423هـ؛ محمد حسن بن باقر المعروف بـ (صاحب الجواهر)، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ج 13: 55، 1404هـ.
([72]) انظر: يوسف بن أحمد البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 1: 294، 1405هـ.
([73]) انظر: حسن بن يوسف المعروف بـ (العلاّمة الحلي)، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة 7: 386، 1413هـ؛ محمد أمين بن محمد شريف الأسترآبادي، الفوائد المدنية: 176، تعليق: رحمة الله الرحمتي الآراكي، مكتب النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، ط2، قم، 1426هـ؛ علي پناه الاشتهاردي، مدارك العروة 20: 382، دار الأسوة للطباعة والنشر، ط1، طهران، 1417هـ.
([74]) انظر: السيد محمد كاظم بن عبد العظيم اليزدي، رسالة في منجزات المريض: 21، مؤسسة إسماعيليان، ط2، قم، 1421هـ؛ محمد علي الآراكي، كتاب النكاح: 248، 1419هـ؛ محمد حسين الحسيني الطهراني، ولاية الفقيه في الحكومة الإسلامية 1: 198، 203، دار المحجة البيضاء، ط1، بيروت، 1418هـ.
([75]) انظر: أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي، مناهج الأخبار في شرح الاستبصار 2: 94، مؤسسة إسماعيليان، ط1، قم؛ محمد باقر بن محمد أكمل البهبهاني، حاشية الوافي: 212، مؤسسة العلامة المجدد الوحيد البهبهاني، ط1، قم، 1426هـ؛ الآملي 5: 80، 1406هـ؛ محمد صادق الروحاني، منهاج الفقاهة 1: 44، أنوار الهدى، ط5، قم، 1429هـ.
([76]) انظر: محمد باقر البهبهاني، الحاشية على مدراك الأحكام 2: 209؛ 3: 55، مؤسسة آل البيت^، ط1، قم، 1419هـ.
([77]) انظر: إسماعيل بن محمد حسين الخواجوي، رسالة في الغناء: 56، تحقيق: علي مختاري والسيد رسول كاظمي نسب، نشر مرصاد، ط1، قم، 1418هـ؛ يوسف بن أحمد البحراني، الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية 1: 306 ـ 307، 1423هـ؛ محمود الهاشمي الشاهرودي، قراءات فقهية معاصرة في العبادات والمعاملات 1: 108، مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي على مذهب أهل البيت^، ط1، قم، 1423هـ.
([78]) انظر: نعمة الله صفري، نقش تقية در استنباط: 409 ـ 410، 1381هـ.ش. (مصدر فارسي).
([79]) انظر: زين الدين بن علي (الشهيد الثاني)، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 488، مكتب نشر الإعلام الإسلامي التابع للحوزة العلمية بقم، ط1، قم، 1402هـ؛ علي بن محمد علي الطباطبائي الكربلائي، رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل 2: 185؛ 14: 396؛ 15: 305، تحقيق: محمد بهره مند ومحسن قديري وكريم الأنصاري وعلي مرواريد؛ أبو القاسم بن محمد حسن المعروف بـ (الميرزا القمي)، غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام 4: 62، 104، نشر مكتب الإعلام الإسلامي التابع للحوزة العلمية بقم، ط1، قم، 1417هـ؛ محمد تقي بن عبد الرحيم أيوان كيفي، تبصرة الفقهاء 1: 396؛ 2: 517؛ 3: 151 ـ 161، تحقيق: السيد صادق الحسيني الإشكوري، مجمع الذخائر الإسلامية، ط1، قم، 1427هـ.
([80]) انظر: يوسف بن أحمد البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 23: 225، 1405هـ؛ حسين علي المنتظري، نظام الحكم في الإسلام: 242، نشر سراي، ط2، قم، 1417هـ؛ محمد السند، فقه المصارف والنقود: 175، تقرير: مصطفى إسكندري، منشورات الحرمين، ط1، قم، 1428هـ.
([81]) انظر: حسين البروجردي (تقرير بحث القبلة، والستر والساتر، ومكان المصلي) 2: 314، تقرير: علي پناه الاشتهاردي، 1416هـ.
([82]) انظر: مرتضى بن محمد أمين الأنصاري، كتاب الصوم: 210، المؤتمر العالمي لإحياء ذكرى الشيخ الأعظم الأنصاري، ط1، قم، 1413هـ؛ محمد تقي الآملي، مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى 3: 124؛ 3: 29؛ 11: 92، المؤلف، ط1، طهران، 1380هـ.ش؛ علي پناه الاشتهاردي، مدارك العروة 11: 162؛ 13: 321؛ 19: 160، دار الأسوة للطباعة والنشر، ط1، طهران، 1417هـ؛ محمد صادق الروحاني، فقه الصادق 21: 315، دار الكتاب ـ مدرسة الإمام الصادق×، ط1، قم، 1412هـ.
([83]) انظر: صاحب الجواهر، جواهر الإسلام في شرح شرائع الإسلام 9: 363، 1404هـ؛ محمد باقر الصدر، بحوث في شرح العروة الوثقى 3: 349 ـ 350، تحقيق: السيد محمود الهاشمي، مجمع الشهيد الصدر العلمي، ط2، قم، 1408هـ؛ أحمد الموسوي الخوانساري، جامع المدارك في شرح المختصر النافع 3: 355، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة إسماعيليان، ط2، قم، 1405هـ.
([84]) انظر: عبد الأعلى السبزواري، مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام 24: 144، مؤسسة المنار ـ مكتب سماحته، ط4، قم، 1413هـ؛ السيد مهدي الحسيني الروحاني، رسالة في الوتر ثلاث ركعات: 72 ـ 73، مكتب النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، ط1، قم، 1412هـ؛ محمد باقر بن محمد مؤمن المعروف بـ (المحقق السبزواري)، ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد 1: 154، مؤسسة آل البيت^، ط1، قم، 1247هـ.
([85]) انظر: محمد حسن بن باقر (صاحب الجواهر)، جواهر الكلام في ثوبه الجديد 4: 390، 1421هـ.
([86]) انظر: أبو القاسم الخوئي، التنقيح في شرح العروة الوثقى 2: 91 ـ 92، 94، 1418هـ؛ أبو القاسم الخوئي، فقه الشيعة (كتاب الطهارة) 3: 171 ـ 172، تقرير: محمد مهدي الموسوي الخلخالي، مؤسسة الآفاق، ط3، قم، 1418هـ.
([87]) انظر: موسى شبيري زنجاني، كتاب النكاح 14: 4761، مؤسسة پژوهشي رأي پرداز، ط1، قم، 1419هـ؛ السيد كاظم الحسيني الحائري، القضاء في الفقه الإسلامي: 497، مجمع أنديشه إسلامي، ط1، قم، 1415هـ؛ محمود الهاشمي الشاهرودي، قراءات فقهية معاصرة في العبادات والمعاملات 1: 108 و167، 1423هـ.
([88]) انظر: يوسف بن أحمد البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 23: 225، 1405هـ؛ محمد باقر البهبهاني، مصابيح الظلام في شرح شرائع الإسلام 6: 300، مؤسسة العلامة المجدد الوحيد البهبهاني، ط1، قم، 1424هـ.
([89]) انظر: مرتضى الحائري، شرح العروة الوثقى 1: 45، تحقيق: محمد حسين أمر اللهي، مكتب النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، ط1، قم، 1426هـ؛ روح الله الموسوي الخميني، تهذيب الأصول 3: 574، تقرير: جعفر السبحاني، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، ط1، طهران، 1423هـ؛ محمد حسن المرتضوي اللنكرودي، الدر النضيد في الاجتهاد والاحتياط والتقليد 1: 57، 177، 179، مؤسسة أنصاريان، ط1، قم، 1412هـ.