بدعوة من المركز الإسلامي الثقافي ومؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر، انعقد في قرية السَّاحة التراثية مؤتمر تحت عنوان: "مستقبل التشيع في العالم"، بحضور عددٍ من المثقفين والباحثين العرب، وعددٍ من الإعلاميين وعلماء الدين.
بعد آياتٍ بينات من القرآن الكريم تلاها الشيخ منير فاضل، رحب مدير المركز الإسلامي الثقافي السيد شفيق الموسوي بالجمع الرسالي، ذاكراً أنَّ "أهميَّة اللقاء تكمن في البحث الرساليّ الذي يتناوله"، واعتبره "بدايةً لتفكيرٍ مدروس يضع الحلول قدر الإمكان لمستقبلٍ شيعي مسلمٍ أفضل على خط أهل البيت(ع)".
العلامة السيد علي فضل الله:
افتتح المؤتمر العلاَّمة السيِّد علي فضل الله الذي اعتبر اللقاء تعبيراً عن الهواجس وتوضيحاً للصُّورة وإعمالاً للفكر. ورأى أنَّ الشيعة شكلوا عنواناً أصيلاً في مواجهة الظلم والاستكبار، داعياً إلى تدعيم الخطّ الإسلامي بشتّى السبل العملانية والفكرية والحوارية، وطرح سلسلةً من الإشكاليات تمحورت حول الحاجة إلى تطوير المناهج العلمية، وبعض ممارسات الشيعة التي تظهر وكأنها تتعارض مع الإسلام، زد إلى ذلك واقع عدم تواصل المرجعيات، بالإضافة إلى قضية التكفير، والمركزية في القيادة، كما مسألة التداخل في الواقع الشيعي بين الموروث والمستجد /السياسي والفقهي… وقضية الانفتاح على الآخر.بعد ذلك، وحددّ سماحته الأولويات المطلوبة لتحسين الواقع الراهن، فقسمها إلى ثلاث محاور تمثلت بضرورة التنمية الشاملة للداخل الشيعي، وتحديد المسافات التي نقف عليها مع الآخر ومراجعتها باستمرار مع التأكيد على أولوية الوحدة الإسلامية، إضافة إلى تأمين حالة من الحراك الفكري والتركيز على الحوار الشيعي – الشيعي، والشيعي-السني، وباختصار الإسلامي- الإسلامي.
وختم سماحته بطرح سؤالٍ يتمحور حول موقعيَّة الشيعة في العصر الراهن: هل هم في مرحلة الصعود أم الانحدار أم في القمة، واقترح تجديد برامج الأحزاب الشيعية، وجعلها أكثر حيوية.
د.عدنان السيد حسين:
ثم كانت كلمةٌ لرئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيّد حسين، اعتبر فيها أنَّ الشيعة لا يشكلون كياناً خاصاً لا في الدين ولا في السياسة، بل هم جزءٌ من منظومة حضارية في إطار الإسلام. كما شدَّد على التمسك بقضية المواطنة، وعلى الدعوة إلى الإسلام لا المذهب. وفي معرض حديثه عن الثورات العربية، دعا الدكتور السيد حسين إلى التمسك بالحريات والتركيز على الصراع العربي الإسرائيلي، كما إلى الإستفادة من "التراث الضخم" لسماحة المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله(ره) في شتى الميادين.
الجلسة الأولى:
بدأت الجلسة الأولى بكلمةٍ من رئيسها مدير مؤسسة الفكر الإسلام المعاصر الدكتور نجيب نور الدين، الذي اعتبر أنَّ الشيعة نهضوا من قعر الاجتماع السياسي إلى متنه، وأوضح أنَّ التصورات حول مستقبل التشيّع يعتريه نوعٌ من اللَّبس، وتتعدَّد حوله وجهات النظر، فدعا في هذا الإطار المعنيين إلى معالجة مسألة التشيع بعمقٍ ومسؤولية.
الأستاذ الشيخ محمد محفوظ:
ثمَّ ألقى مدير مركز آفاق للدراسات الاستاذ الشيخ محمّد محفوظ كلمة "تحت عنوان" نظرات وأفكار حول المسألة الشيعية في العالم العربي"، ركز فيها على ضرورة تأمين الرعاية الاجتماعية والعبور نحو المختلف المذهبي وتطوير العلاقات الدينية. كما دعا إلى توفير مناخٍ يعزز قوة الأمة عبر تعزيز الموارد الإنسانية لديها. وتحدث بعد ذلك عن التعددية الدينية والمذهبية، فاعتبرها أمراً طبيعياً لا يشكِّل مشكلةً في أي مجتمع، فدعا إلى نقد الخطاب الطائفي، وبناء علاقة مع المحيط على أساس المواطنة والتعايش، موضحاً أنَّ العناصر الجوهرية لصياغة الفضاء الاجتماعي البعيد عن أشكال التحريض تتمثَّل بثلاثية: الحرية – الاعتدال – سيادة القانون.
ورأى الشيخ محفوظ أهمية بلورة ثقافة سياسية تحمل النـزعة النسبية لا الشمولية، داعياً إلى صياغة رؤية سياسية تواكب تطورات العصر، وتنسج علاقات مدروسة مع القوى الصاعدة الجديدة.
كما شدَّد على تأسيس إعلامٍ وحدويّ، معتدل، وختم بالدعوة إلى تطوير النظام المرجعي والواقع العلمي، بالإضافة إلى تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين المناطق الإسلامية الشيعية والسنيّة.
د.عبد الحليم فضل الله:
بعد ذلك كانت كلمة لرئيس المركز الاستشاري للدراسات الدكتور عبد الحليم فضل الله اعتبر فيها أنَّ الشيعة في العالم العربي في قمّة الصعود، ولكنهم مهددين بمسار الإنقسام والفتنة، بفعل انهيار المنظومة القيميَّة والفراغ الفكري والاجتهادي، ودعا في هذا الصدد إلى مواجهة التحديات الكبرى عبر خطواتٍ عديدة أبرزها عدم إقامة مشروع خاص بالشيعة، وعدم مواجهة التطرّف بالتطرف، والسعي إلى امتلاك القوتين النَّاعمة والصلبة، بالإضافة إلى ترميم القيم والتكيّف مع متغيرات الصحوة العربية. وختم بالدعوة إلى التقريب الفقهي والاجتهادي بين المذاهب مركزاً على الإصلاح الفعَّال ولو كان بطيئاً.
مداخلات الجلسة الأولى:
بعد إلقاء الكلمات، كانت مداخلات عديدة من الحضور، شملت توجيه أسئلة معينة أو مناقشة أفكار وردت في سياق الكلمات. وفي هذا الإطار، رأى العميد الدكتور أمين حطيط أن باستطاعة الشيعة بلوغ القمة إن أحسنوا التعامل مع المتغيرات، فيما شدد المفكر المغربي إدريس هاني على أن يوازي الشيعة بين الخطاب المنفتح ومشروع القوة، معتبراً أنَّ أموراً طائفيةً ستبقى لصيقةً بهم مهما بدوا منفتحين، وطالبهم أن يبقوا في تياراتهم وأحزابهم على أن يجعلوا الاختلاف على قاعدة الوحدة.
بدورها، دعت الباحثة إيمان شمس الدين إلى دراسة عوامل ما قبل وما بعد الثورة الإيرانية لأخذ العبر منها، فيما اعتبر الباحث زكي ميلاد أن انتقال الشيعة من حالة الجماعة إلى حالة الأمّة يخرجهم من الإطار الضيق إلى الفضاء الواسع، كما أوضح أنهم يُدفعون باتجاه الخروج من مجتمع المدنية، فرأى ضرورة التحول من مجتمع القرية إلى مجتمع المدينة كما كان الواقع في الثورة الإيرانية.
أمَّا السيد عمار كاظم، فرأى أن واقع الشيعة مأساوي في ظل انعدام الاستراتيجيات وتشتت المؤسسات وعدم تواصل بعضها بالبعض الآخر، واستنكر ردات الفعل الخجولة على موضوع حرق المصحف في أفغانستان.
من جهته، دعا الأستاذ فيصل عبد الساتر إلى العمل الجريء على نفي الموروث الثقافي المسيء للمذهب، واعتبر أن العصر الحالي يُعاني من ندرة المرجعيات التي تحاكي الواقع. ثمَّ تحدَّثت الأستاذة أميرة برغل التي دعت إلى الاقتداء بممارسات أهل البيت(ع) المنفتحة.
وفي مداخلته ا المقتضبة، أكد الأستاذ محمود عبد الخالق على ضرورة التطبيق العملي للنظريات، فيما دعا السيد جعفر فضل الله إلى تمتين البنية الداخلية للفكر الشيعي والانشغال في حركة الإصلاح الداخلية التي بقدر ما تنجح، بقدر ما ينجح الشيعة في إطلاق الأفق الإسلامي الرَّحب.
الجلسة الثّانية:
ترأس الجلسة الثانية الدكتور طلال عتريسي الذي رأى أنَّ التشيُّع يواجه تحديين: أولهما نشر رسالة المذهب وثانيهما كيفية التعامل مع متغيرات الواقع.
د.أمين حطيط:
افتتُحت الجلسة بكلمةٍ من العميد أمين حطيط الذي اعتبر أن الوضع الرَّاهن للشيعة هو الأفضل لهم في تاريخهم، متناولاً في هذا السياق الواقع الشيعي في إيران، لبنان، العراق ودورهم المقاوم باتجاه فلسطين، مذكراً بــــ "الانتصار الشيعي" في لبنان… ثمَّ عرج إلى موقف السُّنَّة من "الهلال الشيعي" و"الخطر الفارسي"، وتهمة محاولة نشر التشيّع، كما تحدث عن علاقةٍ بين الوهابية والغرب الاستعماري من أجل مقاومة "الخط الشيعي". بعد ذلك تطرق إلى ردات الفعل الشيعية التي انقسمت بين المنخرطة في السياسة الإيرانية والداعمة لها، أو تلك الرافضة لها والتي تحمّلها انتاج الحالة العالمية المعادية للشيعة، وتلك الوسطية التي ترى في السياسة الإيرانية الإستقلالية حقا سياديا" للدولة، وغير المكترث كلياً بالأمر.
ثم سلط الضوء على النـزعة العربية التي تحاول الطعن بقومية الشيعة، ودعا إلى الانتباه إلى الخطط الاستعمارية، كما إلى تأسيس إعلام مقبول بعيد عن الاستفزاز، كما أمل بعقد ندوات للقاء مع الآخر والتعامل معه بمنطق الحوار والكلمة الطيبة.
كلمة للأستاذ محمود حيدر( لم يرسلها بعد)
الأستاذ حسن قبلان:
ثمَّ كانت كلمةً عضو المكتب السياسي لحركة أمل الأستاذ حسن قبلان حصر فيها المشكلة الشيعية في العالم الإسلامي ببعض مناطق التماس بين السنة والشيعة، نافياً ما يُحكى عن تبايناتٍ حادّةٍ بينهما، داعياً إلى تقديم المشتركات على نقاط الاختلاف، منوهاً بالإنجازات المتعددة للشيعة على صعدٍ مختلفة، لاسيّما النموذج اليتيم في الانتصار والمقاومة، مشدِّداً على العمل من أجل منع الانزلاق للمشروع الصهيو – أميركي. قبلان اعتبر أن "التشيُّع لم يعد تعبيراً عقائدياً فقط، بل هو تعبيرٌ اجتماعيٌّ أيضاً"، ورأى أن الشيعة يعانون من مشكلة العودة إلى المدرسة الإخباريَّة، ومن الفرق الشاسع بين المنظومة القيميَّة والواقع الفضائحي في السلوك والممارسة… ودعا في هذا الإطار إلى "ترتيب البيت الداخلي وتثبيته"، كما شدَّد على الإصلاح وتأمين عوامل تطوير إمكانيات المرأة ومساهمتها في بناء الأسرة، بالإضافة إلى تطوير الحوزة العلميّة، وتعميم ثقافة القبول بالآخر كما هو، وتوثيق العلاقة "بالأرض". كما قدَّم دعوة لدراسة تعامل الكنيسة مع العلمانيين والإستفادة من نتائجها.
مداخلات الجلسة الثانية:
إستهلّ مداخلات الجلسة الثانية الأستاذ قاسم قصير الذي دعا إلى وضع آليَّات للتواصل والتعاون والتنسيق بين المؤسسات الشيعية في العالم، فيما استنكر الدكتور سمير سليمان حالة "الجمود الفكري الشيعي غير المتزحزحة"، بينما تطرقت الباحثة إيمان شمس الدين إلى موضوع المرأة، فدعت إلى التوازن ضمن المنظور الإسلامي بين رؤية الفقه التقليدي ورؤية العولمة للمرأة.
وفي معرض حديثه، اعتبر الأستاذ زكي ميلاد أنَّه لا بد من استحضار رؤية الطرف الآخر في حديثه عن نفسه، ودعا إلى النقد الذاتي. أمَّا الأستاذ عبد الساتر فاعتبر أننا "لسنا منصفين في الكثير من الأماكن في علاقتنا مع الآخر"، ودعا إلى مرجعيَّات تحاكي قضايا الأمّة، معتبراً أن خيار المقاومة هو جزءٌ من المنظومة الأخلاقية القيميَّة.
بدوره، أعرب الأستاذ محمَّد فقيه عن أمله بتكرار "هذا المؤتمر الاستثنائي" بشكلٍ سنوي، فيما تحدَّثت الأستاذة رحيل دندش عن ضرورة تجسير الهوّة بين القيادات الشيعيَّة والقاعدة الشعبيَّة.
ورأى فضيلة الشيخ منير فاضل أن لا تناقض بين ثقافتي التحصين والانتشار، وأوضح بأنه من الأجدى محاكمة الشيعة من خلال الحكم على التشيّع لا العكس. ثمَّ كانت مداخلة للدكتور طلال عتريسي قدَّم فيها أولوية التشكيك لما يحصل في الثورات العربية على أولية "دعمها وفتح الصدور لها"، وأكد العميد حطيط في هذا الإطار على أنه لا يمكن إطلاق تسمية الثورات على الحراك العربي الراهن، لما انتهى له من حركةٍ وهابية مقادة من الصهاينة والأمريكان، ودعا الشيعة لأن يكونوا حذرين منها.
الجلسة الثالثة:
الجلسة الثالثة ترأسها مدير مؤسسة المعارف الحكمية الشيخ شفيق جرادي.
د.عبد الجبار الرفاعي:
الدكتور عبد الجبار الرفاعي استهل الجلسة بكلمة عُنونت بـ "رهانات السّلطة وإعادة صياغة الهوية"، استعرض خلالها التاريخ الشيعي وتمركزه في الكوفة، ومن ثمَّ انتشاره منها إلى المناطق والبلدان المجاورة. ثمَّ سلط الضوء على ما تعرض له الشيعة من اضطهادٍ حتى عهد صدام حسين، مشيراً إلى أن المؤسسة الدينية في هذا الواقع كانت كائناً اجتماعياً يرتبط بالتخلف السائد في المجتمع آنذاك. بعد ذلك، انتقل الدكتور الرفاعي إلى الحديث عن التحديات التي واجهها شيعة العراق بعد الصعود الذي عرفوه إبان انتخابات 2003، فأشار إلى تحدي السلطة وما تتطلبه من إدارة وتأهيل… كما تحدي إعادة صياغة الهوية بعد أن شكّك الآخرون بها، بالإضافة إلى التحدي الذي يتمثل بالقدرة على تفكيك أنماط الاستبداد. وختم بالحديث عن الهوية الخاصة لهم والتي اعتبرها تركيبة ملونة متحولة مكونة من مجموعة عناصر، كما أكّد أن المواطنة وقضية انتماء الشيعة للعراق هي نصاب شيعة العراق الذين دعاهم إلى التحرُّر من عقدة الاضطهاد التاريخي.
السيد محمد طاهر الحسيني:
وفي كلمته، تحدَّث السيّد محمَّد طاهر الحسيني عن "مخاطر تسييس المرجعيَّة" التي اعتبر أنها تتمثل بصعود عددٍ من غير الكفوئين، بالإضافة إلى تصاعد شهية الطامحين إلى المنصب الديني، كما بتوحد القرار الشيعي تجاه الأحداث السياسية، وبالتالي مصادرة الموقف الشيعي العام لحساب رؤية واحدة، زد إلى ذلك "تغوُّل" المرجعية وزيادة حصانتها، ومصادرة حرية الآخرين من نخب الدين والثقافة والسياسة، والقضاء على الجانب المضيء للتنوع.
د.حسن جابر:
أما الكلمة الأخيرة في هذه الجلسة فكانت للدكتور حسن جابر. فتحتَ عنوان "مسارات المشروع الإسلامي الشيعي، رؤية واقعيّة لاستراتيجيتي التمكين والاستيعاب"، ألقى الدكتور كلمته التي رأى فيها أنَّ الغربيين يتعاملون مع الحركة السياسية الشيعية باعتبارها ظاهرة سياسية جديدة يحاولون من خلالها التعرُّف إلى العقل الشيعي المعاصر ليبنوا على أساسه إستراتيجيتهم، فيما ينظر العرب بخوفٍ وتوجُّس إلى التجربة الإسلامية الشيعية، ويعطي بعداً مذهبياً للسياسة. اعتبر الدكتور جابر أن الشيعة لا يملكون إرثاً سياسياً، ودعا إلى وضع إستراتيجية عامة تسدُّ الفجوات وتصحح الأخطاء في الخط السياسي، كما شدد على ضرورة تطوير الخطاب الإسلامي الشيعي.
مداخلات الجلسة الثالثة:
وفي المداخلات، قدَّم الدكتور سمير سليمان رأياً مناهضاً لرأي الحسيني، إذ أعطى أولوية لتوحيد المرجعية السياسية في ظل تعددية المرجعية الدينية، كما أنه لم يوافق ما قاله الدكتور جابر، فاعتبر أن الشيعة تأخروا في التنظير السياسي، غير أنهم يمتلكون فكراً سياسياً. فيما اعتبر الشيخ شفيق جرادي أنَّ للشيعة تراثٌ كلاميّ وفقهي، لكنه لم يندرج في إطار علم سياسي أو فقه سياسيّ.
الجلسة الرابعة:
افتُتحت الجلسة الرابعة في اليوم الثاني من المؤتمر، وترأسها الدكتور سمير سليمان الذي أوضح أن "لا إصلاح من الخارج من غير إصلاحٍ من الداخل"، قاصداً في ذلك إصلاح علاقة الإنسان مع ذاته.. ورأى سليمان في معرض تمهيده للجلسة أن "الخوف السنيّ من الصُّعود الشيعي ليس قضية أيديولوجيّة فحسب، بل هي أعمق من ذلك بكثير"، خصوصاً أنَّ "الشيعة – فوبيا" بلغت كل العالم، ونحن نهتمُّ بنفي التُّهم". ثم تطرق إلى موضوع الوحدة الإسلامية، فأشار إلى أنَّه "من الخطر قتل فكرة الوحدة"، ودعا إلى "التواصي بالحقّ والتواصي بالصبر"، وتأسيس عقل نقدي مؤسسي، وربيع عربي فقهي، بالإضافة إلى التكامل الديني والسياسي.
د.إيمان شمس الدين:
مديرة مركز الحضارة الإسلامية الدكتورة إيمان شمس الدين، تحدثت في مداخلتها عن "الشيعة وعلاقتهم بالدولة"، فاستحضرت تجربة الرسول في بناء الدولة الإسلامية، واستخلصت منها بعض القواعد التي تتعلق بمفهوم المواطنة. ثم استعرضت العوامل التي أثّرت في العقل الشيعي كقراءة نصوص الانتظار بطريقة تعطيليّة، والفتاوى التي ركزت على القراءة الفردية للحكم، بالإضافة على هاجس المظلوميَّة. ثمَّ عرَّفت مصطلح المواطنة، وبيّنت عناصرها، كما أثارت بعض الإشكاليات التي تُطرح حولها، وخَلُصت إلى تقديم رؤية اعتبرت فيها أن تحقيق مبدأ المواطنة بمفهومه الحداثي الغربي هو تهيأة للهيمنة الغربية، وأن الرؤية الإسلامية له تتطلب إعادة قراءة التاريخ قراءة موضوعية والأخذ بالاعتبار مفهومي العدالة والأمّة، وتعدد الثقافات داخل القطر الواحد. وختمت بالدعوة للانشغال بالتأسيس لفقه المواطنة، والقيام بثورة فكرية تعيد النظر ببناءات العقل الشيعي وكيفية اندماجه بالوطن، كما تعيد صياغة دور المثقف في تطوير الواقع الشيعي.
الأستاذ زكي الميلاد:
وتحت عنوان "الفكر الشيعي والاختبارات التاريخيّة"، استعرض الأستاذ زكي الميلاد أربعة اختبارات للفكر الشيعي ظهرت ما بين العصرين القديم والوسيط: ظهور المعتزلة، إغلاق باب الاجتهاد، نهاية الفلسفة وتعثر الحركة العقلية وبروز النـزعة الإخبارية.
واعتبر الأستاذ زكي أن الفكر الشيعي خرج منها سالماً محافظاً على توازنه الرُّوحي دون انكسار. وفي حديثه عن الفكر الشيعي في عصر النَّهضة، اعتبر أنَّ التأريخ لهذا العصر لم يكن منصفاً، بحيث تعرَّض الفكر لنوعٍ من الإقصاء، وفي المقابل رأى أن الشيعة قد قصروا في إنجاز عملٍ يصوّبه. ثمَّ أشار إلى تحديين يواجههما الفكر الشيعي الراهن، يتمثلان بغياب جيل الرواد وضعف البناء المؤسساتي. وفي هذا الإطار، رأى أنَّ التطوّر القادم يحتاج إلى امتلاك الرؤية الجمعيَّة للذات، والحفاظ على النمو الفكري والتوازن الفكري والروحي، بالإضافة إلى الاهتمام ببناء المؤسسات الفكرية المعرفية، وتفعيل طبقة الأكاديميين.
د.حبيب فياض:
كلمة الدكتور حبيب فياض حملت عنوان "مقاربة أوليَّة نحو تشيُّع معاصر وموحَّد"، اعتبر فيها أنه لا يمكن أن يكون المذهب موحّداً إن لم يكن معاصراً، وأوضح أنَّ التشييع الموحّد لا يعني إلغاء الاختلاف. ورأى الدكتور حبيب أنّنا بإزاء نوعين من التشيُّع: الأوَّل بسيط يشمل العناصر الاعتقادية المسلَّم بها من قبل كافّة المنتمين إلى المذهب، والثاني مركّب يحمل أعباء التاريخ والاجتماع، ويقوم على التّداخل المعقّد بين الأصول والفروع. كما أنَّه بعد أن قسَّم العناصر التي تكون المذهب الشّيعي إلى جوهر (أي الإيمان والتوحيد)وعرضيات(أي ما يندرج ضمن الإختلاف الفقهي بين المسلم غير الشيعي والمسلم الشيعي) وذاتيات (أي العقائد التي تشكِّل الأصول)، اعتبر أنَّ الواقع الشيعي اليوم يُظهِرُ تمسُّك الشيعة بالعرضيَّات على حساب الجوهر. وإزاء هذا الواقع، دعا إلى بلورة تشيع نظري تلتقي عليه كافة التيارات الشيعيَّة ويتركز على الجوهر وعلى الهوية القصديّة الغائية للإسلام، وتبلور لتشيع معاصر قوامه التحوّل من البعد التقريري والتوصيفي للقضايا الدينيّة إلى البعد التصويري الإيماني، كما الجمع بين البعد الشعائري التعبدي المتعلّق بالطقوس والممارسات الخاضعة لمقاييس الحلال والحرام وبين البعد القيمي النابع من روحية التدين في السلوكيات الدينية.
الجلسة الخامسة:
ترأس الإعلاميّ محمَّد شرِّي الجلسة الخامسة من المؤتمر، واعتبر أنَّ الواقع الشيعي في حالة صعود غير مسبوق، وأنه من الأجدى البحث في كيفيَّة التعاطي مع الآخر، علماً أن الخلاف مع الآخر ضمن الواقع الإسلامي يكبر عندما يصبح تحدياً على السلطة.
الأستاذ أحمد شهاب:
ألقى الأستاذ أحمد شهاب الكلمة الأولى، والتي تمحورت حول "الشّيعة في إقليم الخليج"، فأشار إلى عناصر عديدة تتلاقى حولها دول الخليج كسطوة العادات والتقاليد وطبيعة الهموم…، ثمَّ عرج في حديثه إلى موضوع التشيع ومركزية المراكز على حساب الأطراف، فذكر ثلاث فوائد لمركزية المرجعية في قم والنجف تتمثل بتجسير العلاقة ما بين الحضارتين العربية والفارسية، تسريع عملية دمج المجتمع العراقي ببقية نظراءه في الخليج، وبروز كيانية شيعية خليجية هي الاولى من نوعها منذ عقودٍ طويلة. كما أشار في المقابل إلى ثلاث نقاط للضعف فيها، وهي تمذهب النظام السياسي، وربط الظروف المحلية للجماعات الشيعية في دول الخليج بظرف خارجي بطريقة مقصودة أم غير مقصودة، واتهام الشيعة بأتهم يتحركون بشكلٍ متناغم مع السياسة الإيرانية. وقد اعتبر أن نظام العمل المرجعي لم يرتقِ بعد إلى المستوى المؤسسي. بعد ذلك أكَّد شهاب أن الدول في الخليج فشلت في إنجاز دولة المواطنة، ورأى ضرورةً إقامة عقد اجتماعي منصف وعادل، وقد انتقد الواقع الشيعي الذي اعترض ترسيخ المواطنة من خلال الفهم الديني لدولة المعصوم، والفهم الفقهي الذي يصوّر الدستور كنقيض للشريعة، بالإضافة إلى التاريخي الذي يكرس روح عصر الفتنة. ثم خلص إلى ضرورة اتخاذ تدابير تعيد الشيعة إلى واقعهم الوطني، ودعا ختاماً إلى تحقيق حداثة سياسية إلى جانب حداثة إنسانية، وإلى تجنب الانغلاق والتوجُّه نحو الخصوصية.
د.عاطف الموسوي:
كلمة الدكتور عاطف الموسوي كانت تحت عنوان "رسالة التشيع في عالمٍ متغيِّر"، استحضر خلالها الممارسات العملية السياسيَّة لأهل البيت(ع)، مستنتجاً من خلال الاستقراء العام لها أنه لا يجوز التفريط بوحدة الاجتماعي السياسي الإسلامي، وأن الاستحواذ على السلطة لا يستحق بذل النفس من أجلها، كما أنه لا بد من وجود معارضة ناصحة تكبح السُّلطة التي تستبطن مقوِّمات الفساد، بالإضافة إلى أنَّ إلغاء مساحة الحرية ونفي حق الإصلاح قد يستوجب الموقف الجهادي، ثمَّ تحدث السيد الموسوي عن آراء الفقهاء الذين استنبطوا صيغاً جديدة ومعاصرة لممارسات أهل البيت لينظموا قواعد بناء "الفرقة الناجية"، فركز على تجارب الشيخ النائيني والإمام الخميني. وفي نهاية الكلمة قدَّم الموسوي قواعد عامة لانطلاق الحركات السياسية، كان من أبرزها التشديد على موضوع الوحدة وطلب الإصلاح، والحدّ من طغيان السلطة، بالإضافة إلى ضرورة الدفاع عن الأمّة وتعزيز ثقافة الحوار المسؤول…
الأستاذ يوسف ربيعة:
ثمَّ ألقى الأستاذ يوسف ربيعة كلمةً تحدَّث فيها عن خصوصيّة الشيعة في البحرين، فأوضح أنهم أخفقوا في تحقيق الاندماج بالنظام السياسي الذي يتهمهم بالانتماء إلى المرجعيات لا إلى الوطن…. واعتبر أنَّ شيعة البحرين يدفعون الثمن بناءً على مكاسب يحصل عليها الشيعة في مناطق أخرى. ثمَّ أثار بعض الشبهات حول مرجعية العراق في تعاملها مع الواقع البحريني. كما دعا إيران إلى المساهمة في تمويل مشاريع استثمارية لشيعة البحرين، كما ركز على ضرورة تأصيل مفهوم الدولة المدنية في الفكر الشيعي، وختم بأن الوجود الشيعي في البحرين يحرك الوجود الشيعي في منطقة الخليج.
الجلسة السادسة:
ترأس الجلسة مدير المركز الاسلامي الثقافي السيد شفيق الموسوي، الذي أثار أزمة الانغلاق المذهبي وندرة الإبداع في الواقع الشيعي.
الشيخ محمد زراقط:
الكلمة الأولى كانت لفضيلة الشيخ محمَّد زراقط الذي تحدَّث عن "واقع الحوزات العلمية"، ففسَّر مصطلح الحوزة مؤكداً أنها لم تكن في يومٍ من الأيام ناشطةً في خطّ واحد، بل أنَّها معتركٌ لكثير من التيارات المتباينة. وأكّد أنَّه على الرغم من أن الدين يجمع الحوزويين، إلا أنَّه ليس السمة المميزة لهم. وحدد غايات الحوزة بالحفاظ على الدين ونشره والدفاع عنه وتساءل "هل لا زالت الحوزة اليوم تؤدي هذا الدور؟". ورأى أنها تفتقد الكثير من الآليّات التي تساعدها على بلوغ غاياتها، وركز على أهمية تعزيز عنصر اللغة داخلها وتجديد المناهج…
د.حسن بزي:
ثمَّ كانت كلمة للدكتور حسين بزي تحت عنوان "خطاب التنوير وأثره في خطاب التشيُّع"، أكَّد فيها الحاجة إلى خطاب تنويري إصلاحي يؤسس لنهوضٍ فكريّ، مميزاً بين مصطلحي التنوير والعقلانية. ثمَّ تحدث عن التنوير الغربي الذي استند إلى الليبراليَّة، وقارنه بالتنوير الإسلامي الذي يستند إلى أصول الرؤية الإسلامية في الوجود والمعرفة والقيم. وقد أكَّد على أن الإسلام حث على العقلانية والروح النقدية والتخطيط، ورفض التفكيرين الخرافي والأسطوري. وفي حديثه عن رسالة التشيُّع، اعتبر الدكتور بزي أن "التشيع روح الإسلام، وأن العمل بالإسلام هو التشيُّع".
وفي معرض حديثه عن التُراث المأزوم الحافل بالروايات التي يُضرب بها عرض الحائط، انتقد صمت المرجعيات حيال هذا الموضوع لأنه اعتبر أن كل محاولات محو الخرافة ماتت بموت أصحابها لأنّها لم تتحول إلى عمل مؤسساتي. ثمَّ ختم كلمته بالدعوة إلى تشكيل لجان علمية تُعنى بتنقية الأحاديث وتهذيب السيرة، وإقامة مؤتمرات دولية تثري الحراك الفكري، بالإضافة إلى إيجاد وقفية يعود ريعها لنشر التشيُّع والتصدي للفكر الإقصائي في الوسط الشيعي.
مداخلات الجلسة الأخيرة:
اختُتم المؤتمر بمداخلات من الحاضرين، فاعتبر الاستاذ حسن حسين أن التشيع هو الحقّ، واعتبر أن موانع الوصول إلى الحق تكمن في الفقر في المعارف والعلوم، والكسل والتعصب. ثمَّ رأى أنه من الضرورة تنقية التراث الديني، لكن الأجدر تطبيق ما هو جلي وواضح. فيما اعتبر الأستاذ جهاد عبد الله أنه لا بد من التمييز بين تحديث التراث ونسفه.
أما السيدة آيات نور الدين، فدعت إلى دراسة التكوين الاجتماعي للحوزويين، وضرورة وجود دراسة نقدية داخل الحوزة موازية للدراسات الأكاديمية في إطار السعي إلى تطوير الحوزات الدينية. فيما رأى الأستاذ محمود حيدر، أن الحكم العقلي يجب أن يسبق الحكم القيمي في النقاش عن التشيُّع.
وفي النهاية، أمل الحاج قاسم قصير بأن تستكمل الجهود التي بُذلت في هذا المؤتمر بخطوات عملية تترجم ما سينتج عنه من توصيات مفيدة لتطوير الواقع الاسلامي الشيعي الخاص والاسلامي العام .