محور البحث
يعتقد الكثيرون بأن البنى الأساسية للشيعة، في حقل الكلام، قد تأثَّرت بالمعتزلة. ويحاول كاتب هذا المقال، بالإضافة إلى مناقشة هذا الرأي وتزييفه، إثبات العكس منه، وبيان أن المعتزلة _ بمن فيهم معتزلة البصرة _ كانوا متأثرين إلى حد كبير بالفكر الشيعي. ويكفي لإثبات هذا المدَّعى، مراجعة آراء النظّام، وهو من خيرة أعلام المعتزلة، حيث نجد بصمات الفكر الشيعي واضحة عليه، سيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار تأثير هذه الشخصية في المعتزلة، وأنه _ في ما يبدو _ الأساس لظاهرة "متشيِّعة معتزلة بغداد"، وربما كان هو السبب في تشيُّع بعضٍ منهم بشكل كامل.
المقدمة
إن لم نقل: إنَّ النظّام _ أبو إسحاق، إبراهيم بن سيار بن هانئ _ أهم شخصية كلامية وعلمية لدى المعتزلة، فهو من شخصياتهم الكبيرة، بل إنّه من أبرز علماء المئة الـهجرية الثانية([1]) في العالم الإسلامي. ويمكن عدّه على قمة الاتجاه العقلي للاعتزال([2]).
وقد استطاع بفكره المبدع الخلاَّق النَّاقد أن يتخطَّى حدود عصره العلمية، ويكون صاحب آراء عميقة وبديعة في المباحث الكلامية والفلسفية والقرآنية، بل وحتى الفقهية([3]).
ولهذا كانت آراؤه موضع جدل ونقاش عميقين وواسعين من جهة، وسبباً في تكفيره إبّان حياته وبعدها من جهة أخرى.
وقد أدى النقاش والجدل المذكوران إلى اتجاه بعض المتكلِّمين إلى اتّباعه والتلمذة لـه _ وهم الذين شكلوا في ما بعد المدرسة النظّامية([4]) _ وإلى اتجاه جماعة أخرى إلى مخالفته ورد أفكاره. وعليه، فقد كان شخصية مؤثرة، أثرت مباشرة في تأسيس المدرسة النظّامية كما ذكرنا، وفي تحريك الجو العلمي بإشغال مخالفيه بنقل آرائه ونقضها وإبطالـها.
وعلى صعيد آخر، فقد صدقت في حقه مقولة: "إن العالم ابن زمانه". فقد كان لمجموعة الاتجاهات الفكرية المتعددة، والظروف ومقتضيات الزمان والمكان، والتقلُّبات الاجتماعية والسياسية لتلك المرحلة، تأثيرها في صياغة شخصيته وأفكاره، فهو لم يكن من العلماء القابعين في زوايا الحجرات، يتلقى المطالب العلمية من أساتذته فقط، ويقيد ويحصر تفكيره بها، بل كان مطَّلعاً، وعن قرب، على المذاهب الفكرية الأُخرى. فقد ناظر أصحابها وبادلـهم وجهات النظر، وقد نقلت عنه عبارة حكمية تقول: "العلم شيء لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، فإذا أعطيته كلك فأنت من إعطائه لك البعض على خطر"([5]).
وتأسيساً على هذا الأصل، فقد تعرض لنقد الآراء والأفكار _ بغض النظر عن هويتها ومنشئها _ بروح منفتحة، ولم يتردَّد في قبول الآراء التي يراها محقّة، ولهذا كان يقبل ويتبنَّى كل تجديد وإبداع من الآخرين بعد أن يتحقَّق منه.
وبفضل هذا الخزين الـهائل من المعارف والمعلومات، عمل على ابتكار نظريات جديدة، ولم يخش مخالفة المشهور والمتعارف والسائد، وما تأثره بالشيعة _ مع النـزاع الشديد بين معتزلة زمانه (البصريون) الذين ينتسب إليهم _ وبين الشيعة إلاّ شاهد على ما نقول.
وذكر المؤرخون عنه أنَّه كان محيطاً بشكل كامل بالفلسفة، مع كونها حينئذٍ ضيفاً جديداً على العالم الإسلامي، وشاهداً على هذا نُقلت في "المنية" هذه القصة:
إنه جرى ذكر "أرسطو" عند جعفر البرمكي، وكان النظّام حاضراً، فقال لجعفر: لقد نقضتُ كتاب أرسطو. فقال لـه جعفر: أنَّى لك ذلك، ولا أظنك تحسن قراءته؟
فأجاب النظّام: أتريد أن أقرأه عليك من أوّلـه لآخره أو من آخره لأوَّلـه؟
ثم شرع في بيان محتويات الكتاب بالتسلسل، وأورد نقوضه عليها، فدهش جعفر وتعجب لذلك([6]).
وعدَّ كل من الشهرستاني والبغدادي إحاطته بالفلسفة وإتقانها([7])، من أسباب انحرافه، ولذا حملوا عليه وهاجموه.
وكان لـه، إضافة إلى ذلك، معرفة بالأديان الإيرانية والـهندية، ثم تعرف على أفكار الشيعة عن طريق هشام بن الحكم([8]).
وقد أسهمت معارفه الواسعة ومعلوماته في تشكيل عقليته المنفتحة، حيث كان ملاكه الوحيد في اختيار الرأي والعقيدة، هو اليقين العقلاني في تشخيص الحقيقة. وقد أوجد نوعاً من الترابط بين العلوم، حيث دمج بين الفلسفة والكلام، فقد: "اطلع على كتب الفلاسفة، ومال في كلامه إلى الطبيعيين منهم والإلهيين، وأنه استنبط من كتبهم مسائل خلطها بكلام المعتزلة"([9])، كما أنه حيثما شخّص الحق في آراء هشام بن الحكم الشيعي أخذ به وقبلـه: "ثم خالط هشام بن الحكم الرافضي فأخذ عن هشام"([10]). وإذا كان مخالفاً لرأيه وفكره، فإنه يدعو ويستجيب للبحث والمناظرة العلمية([11])، وكثيراً ما كان يقف على خطأ رأيٍ في هذه المناظرات والتأملات فيغير رأيه فيه، ولهذا فلعلـه يرد عنه في المسألة الواحدة رأيان أو عدة آراء متعددة متناقضة.
اتّصال النظّام بالشيعة وتأثره بهم
1 _ إن أصل تبادل الأفكار، وتأثر بعضها ببعض أمر طبيعي ومتَّفق عليه. ويدّعي كاتب هذا المقال أن النظّام _ وعلى الأقل في مقطع من عمره الفكري _ قد تأثر بالفكر الشيعي، وأنه نتيجة لموقعه العلمي المتميز فقد استمر هذا التأثر في أتباعه وتلامذته، حيث ترك بصماته واضحة على بعض المدارس الفلسفية والكلامية في ما بعد.
2 _ لا شك في أن أمثال "النظّام" لم يكن تأثرهم بالآخرين تقليداً صرفاً؛ لأن التقليد من دون تحقيق هو شأن العوام، لا المحققين من العلماء المتّبعين للأدلَّة والبراهين.
3 _ يحتمل أن يكون من جملة الذين أسهموا في إيجاد الميول الشيعية للنظّام، وتوجهه نحو عقائدهم، هو الخليل بن أحمد، في بداية طريق التعليم والتربية، وهشام بن الحكم، عند كبر سنه على حد قول البغدادي. لقد أدى هذا الارتباط إلى أن يتعرف النظّام على آراء الشيعة ومعتقداتهم، بعيداً عن تعصبات معتزلة عصره بالنسبة للشيعة، حيث أغلقوا مجال التفكير والانفتاح على أفكار مخالفيهم.
أ _ الخليل بن أحمد([12]) (100 _ 170 أو 175هـ) العالم النحوي واللغوي المعروف، واضع علم العروض، وصاحب كتاب العين. كان يعيش في البصرة، ومن تلامذته سيبويه والأصمعي. وقد ورد في دائرة المعارف الشيعية: إن كلاًّ من العلاَّمة الحلي في الخلاصة، والبهبهاني في تعليقته على منهج المقال، والصدر في تأسيس الشيعة، والقاضي نور اللـه في مجالس المؤمنين، نصوا على أنه كان شيعياً([13]).
ونقل صاحب أعيان الشيعة أن صاحب الرياض والشيخ البهائي، في حاشيته على خلاصة العلامة الحلي، عدَّاه من أصحاب الإمام الصادق ×([14])، ونقلاً عنه أنه قال في إثبات إمامة أمير المؤمنين ×: "احتياج الكل إليه واستغناؤه عن الكل دليل على أنه إمام الكل في الكل"([15]).
وعدّه بعض الباحثين من أساتذة النظّام. قال أحمد محمود صبحي: "إن والد النظّام ذهب به حين كان صبياً إلى الخليل بن أحمد ليعلمه"([16]). ونقل في طبقات المعتزلة، أن الخليل قال للنظّام: "نحن إلى التعلم منك أحوج"([17]). ويستفاد من هذه العبارة تلمذة النظّام للخليل، وذكر هذا في كتاب الغرر والدرر([18]) أيضاً([19]).
ب _ هشام بن الحكم الكندي([20]). وقد ذكر في الكتب الرجالية والتاريخية وكتب الفرق، أنه كان من كبار متكلمي الإمامية وعلمائها، وأنه من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم ‘، وأجمع علماء رجال الإمامية على توثيقه([21])، وقال في أعيان الشيعة عنه: هو من أكبر أصحاب أبي عبداللـه جعفر بن محمد الصادق ×، وكان فقيهاً، وروى حديثاً كثيراً، وصحب أبا عبداللـه × وبعده أبا الحسن موسى ×. ورويت لـه مدائح جليلة عن الإمامين، وكان ممن فتق الكلام في الإمامة، وهذّب المذهب بالنظر، وكان حاذقاً لصناعة الكلام، حاضر الجواب"([22]). ووردت هذه العبارة نفسها تقريباً في الفهرست([23]) لابن النديم([24]).
ألَّف هشام كتباً كثيرة في مواضيع وعلوم مختلفة، ذُكرت أسماؤها في كتب الرجال، ويقارب ترتيبها وأسماؤها ما هو المذكور في الفهرست.
كان هشام، في الكلام خصوصاً، عالماً قلَّ نظيره، ويعدّ أهم شخصية كلامية في القرن الثاني. وكانت المحافل العلمية آنذاك تزخر بأفكاره واحتجاجاته ومناظراته في المسائل الكلامية، وقد وصفه بعض الكتّاب المعاصرين من أهل السنة بتعابير دقيقة وجذابة، فقال: وأبرز ممثل لمدرسة الصادق هو هشام بن الحكم، أكبر شخصية كلامية في القرن الثاني. شغل جميع المجامع العقلية في عصره، وخاض معارك كلامية وفلسفية (هي) من أدق المعارك مع مخالفي المذهب الإمامي… درس كل ما كان في عصره من فلسفات ومذاهب، وأنه تعمق فيها أكثر من جميع معاصريه… فالرجل إذن، كان على ثقافة واسعة عميقة بالفلسفة والكلام والسياسة([25]).
ونقلت كتب التاريخ بعض مناظرات هشام مع المخالفين، والتي تغلَّب فيها على الطرف المقابل([26])، كان قوياً في مناظراته، بحيث نقل أنه قال لـه بعضهم: "أنت أقوى الناس في الكلام! فقال لـه: وكيف عرفت ذلك ولم تكلمني؟ فأجاب: حيث رأيت كل من يدّعي علماً في الكلام يقول: ناظرت هشاماً وغلبته. فهذا هو الدليل على أنك عظيم عندهم"([27]).
ويقول سامي النشار: إن النظّام كان من أعاظم تلامذة هشام، وصرَّح البغدادي بأن النظّام "خالط هشام بن الحكم الرافضي فأخذ عن هشام"([28]). وقال الشهرستاني في إشارة مجملة لـهذا المطلب: "ووافق هشام بن الحكم في قولـه"([29])، ولكنه صرَّح في عبارة أخرى بالميول الشيعية للنظّام فقال: "وميلـه إلى الرفض و…" ([30]).
وتنبّه أحمد محمود صبحي، وهو من الكتاب المعاصرين، إلى العلاقة التي كانت قائمة بين النظّام وهشام، فهو بعد أن أشار إلى أن النظّام كان كثير السفر والسياحة، حيث سافر إلى الكثير من المناطق والمراكز العلمية والثقافية آنذاك، ومنها شرق الدولة الإسلامية، حيث مجتمع الثقافات الهندية واليونانية والإيرانية، ثم سافر إلى الكوفة، وفي ذلك يقول: "ثم قصد بعد ذلك الكوفة، وفيها التقى بهشام بن الحكم أكبر متكلمي الشيعة الاثني عشرية على مر العصور، وكانت بينهما مناظرات وتأثير متبادل، عن هشام أخذ" ([31]). ثم أعدّ قائمة في الآراء التي تأثر فيها بهشام، سنتعرض لها في محلها. ويوضح سامي النشار أيضاً تأثير هشام على النظّام وانعكاس هذا التأثير على المعتزلة النظّاميين، فيقول:
"فمن أكبر تلامذته (هشام) النظّام، فيلسوف المعتزلة الكبير… ويبدو أثر هشام بن الحكم كبيراً جداً في معظم المذهب النظّامي"([32]).
وقد ظهر من كل ما تقدم ما يأتي:
أ _ لا تردُّد في أن النظّام، وهو من أعاظم متكلمي الإسلام في القرن الثاني وأوائل القرن الثالث، تأثر بهشام بن الحكم، المتكلم الإمامي الكبير، فكانت لـه ميول شيعية.
ب _ إن هذا التأثير _ كما يقول سامي النشار _ قد انعكس على مدرسة النظّام وانتقل إلى الأجيال اللاحقة.
ج _ إن آراءه الشيعية التي نقلـها عنه كثير من المؤرخين وكتاب الفرق، دليل آخر على هذا التأثر.
ليس من أهداف هذا المقال إثبات كون النظّام إمامياً، بل إثبات أنه ورغم انتسابه للاتجاه الكلامي العقلاني المعتزلي الذي ينتسب بالنتيجة إلى المذهب السني، والذي _ باعتباره منهجاً فكرياً كلامياً _ يتعارض مع توجهات الشيعة، كانت لـه أيضاً آراء شيعية معتنى بها من الناحية الكمية والكيفية. بل، إن بعض آرائه هذه لـها دور محوري في تحديد المنظومة الفكرية.
ونقوم الآن باستعراض هذه الآراء بالتفصيل، وذلك بالاستناد إلى المصادر الكلامية والتاريخية.
القسم الأول
الآراء الشيعية للنظّام في مجال المباني الكلامية والفقهية والحديثية
الأول: حجية قول الإمام المعصوم
يقول الشهرستاني: إن النظّام كان يعتقد بأن الحجية والاعتبار الشرعي يدور مدار قول الإمام المعصوم ورأيه: "وإنما الحجة في قول الإمام المعصوم"([33])، وكذلك الكاتب أحمد محمود صبحي حينما يعرض قائمة عن المباني الشيعية للنظّام يذكر منها: "حجية قول المعصوم"([34]). ويشير سامي النشار أيضاً إلى رأي النظّام هذا، ويقول: "إنما الحجة عنده (النظّام) في قول الإمام المعصوم". وقال: "إن ابن حزم ومذهب الظاهرية يعتقدون ذلك في النظّام أيضاً"([35]).
ويلزم هنا التأكيد على ملاحظتين:
أ _ هل أن مراد النظّام من المعصوم هو النبي | أو شخص أو أشخاص بعد النبي |؟
وفي الجواب ينبغي تشخيص محل البحث والنـزاع، فإنه لا خلاف في حجية القرآن الذي هو وحي اللـه وكلامه، وكذلك حجية قول النبي | الذي هو معصوم أيضاً ]وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى[ [سورة النجم/3 و4]، ولا خلاف في ذلك، فكل الفرق الإسلامية مجتمعة عليه. فالبحث هو أنه هل يمكن الاستعانة بمصدر آخر لاستنباط الحكم الشرعي في المسائل والموضوعات التي لم يرد حكمها في القرآن والأخبار المنقولة عن النبي |؟
فهنا قال بعض المتكلِّمين بجواز استعمال القياس والإجماع وغيرهما، وقال آخرون كالشيعة القائلين بوجود الإمام المعصوم بعد النبي |، بأنه يصل الدور حينئذٍ إلى قول الإمام المعصوم، فإن لـه من الاعتبار ما للقرآن وللنبي |، ولا حجية ولا اعتبار للقياس، وأن الإجماع في حد ذاته ليس معتبراً، وإن كان لـه اعتبار فلجهة كشفه عن قول المعصوم.
لقد طرحت هذه البحوث بشكل جدي في زمن النظّام، ووقعت محلاًّ للنقض والإبرام. وبهذا يتضح أنه حينما يصرح النظّام في مثل هذا الظرف بأنه: "إنما الحجة في قول الإمام المعصوم"، فإنه ناظر إلى ظرف ما بعد النبي |، وإلاّ لكان قد عبر بكلمة "المعصوم" فقط، أو استعمل تعبير: "قول النبي |" مثلاً. هذا وبالرغم من أن عبارة "الإمام المعصوم" قابلة للإطلاق على النبي | أيضاً بطريق أولى، حيث أطلقها القرآن على النبي إبراهيم ×([36])، ولكن ذلك الظرف الزماني والمكاني المنظور المذكور، يعطي لتعبير "الإمام المعصوم" مفاداً خاصاً، وهو المستعمل في الأوساط الشيعية. وعليه، فإن النظّام مع دقته ونباهته لم يستعمل هذا التعبير من دون أن يلتفت إلى مفاده الخاص.
ب _ وفي ضوء ما ذكرنا في البند السابق، فإن لازم قول النظّام هذا، هو الاعتقاد بالوجود الخارجي والعيني للإمام المعصوم بعد النبي |، إلاّ أن يقال: إنه ذكر هذا المطلب بعنوان أنه حكم عقلي، أي أنه: لو فرض وجود إمامة معصوم فإن قولـه حجة ومعتبر شرعاً، وذلك لفرض عصمته عن الخطأ. ولا شك في أن هذا احتمال واهن جداً ولا مسوِّغ لـه؛ لأن النظّام لا يتكلم عن الفراغ وعالم الفرضيات، بل إنه ينظّر للواقعيات العينية والخارجية للمجتمع الإسلامي بعد مرحلة النبي، ليفتح طريقاً عملياً لحل مشكلة اجتماعية على أساس هذه الأفكار.
ويشهد لـهذا أنه، وبسبب وجود الارتباط المنطقي بين بحث حجية قول الإمام المعصوم وبحث الإجماع، فمن يقول بحجية قول الإمام المعصوم لم يقل بالحجية الذاتية للإجماع، والنظّام _ كما سنبيّن _ هو أحد أصحاب هذا المسلك. والطريف أن الشهرستاني ذكر رأي النظّام هذا بعد ذكره لمبنى النظّام في إنكار حجية الإجماع والقياس. واستظهر أمثال أحمد محمود صبحي وسامي النشار أن هذا رأي شيعي: وهذه فكرة عليها مسحة شيعية"([37]).
ويمكن طرح احتمال آخر أيضاً هنا، وهو: إنه يمكن أن يراد من المعصوم هنا هو الأفراد المحسنون، الأتقياء، لا المعصوم بالمعنى الشيعي. وهذا المعنى ورد في جواب "الخياط" لابن الراوندي القائل بأنه إذا كان الشيعة يقولون: إنه لا يخلو عصر من إمام واحد معصوم عن الخطأ والسهو، فإن أبا هذيل العلاف وهشام الفوطي قالا بوجود عشرات المعصومين في كل عصر، ولا تخلو الأُمة من وجود المعصوم.
فأجاب الخياط بأن مراد هذين الشخصين من المعصوم، هو جماعة من المسلمين المتقين الصالحين، فما ينقلـه أمثال هؤلاء من الأحاديث يكون حجة في حق غيرهم: ((وأما قول أبي الـهذيل وهشام الفوطي في الحجة في الأخبار، فهو أن اللـه جل ثناؤه لا يخلي الأرض من جماعة مسلمين أتقياء، أبرار، صالحين، يكون نقلـهم إلى من يليهم حجة عليهم"([38]).
وعليه، فالمعصوم بمعنى العادل والثقة، وهو الذي يشترطه الشيعة في رواة الأخبار أو في غيرهم من الموارد.
ومما يضعف هذا الاحتمال أن لفظ "المعصوم" الذي يطلق في باب الأخبار على النبي | ويكون نقلـه حجة، إنما يراد به التقي والبر والصالح، والفرق واضح بين هذه العصمة والعصمة التي يقول بها الشيعة. فالذين يشترطون العصمة بالمعنى المذكور في رواة سنة النبي من العامة، يقولون: إننا نتمسك بعد القرآن بسنة
النبي | في تحديد تكاليفنا الشرعية، والسنة التي تصلنا عبر أمثال هؤلاء الرواة، يمكن الوثوق بها والاعتماد عليها والعمل بها. وأما بعد القرآن والسنة، فإننا نستخدم وسائل أخرى كالقياس والإجماع و… .
النبي | في تحديد تكاليفنا الشرعية، والسنة التي تصلنا عبر أمثال هؤلاء الرواة، يمكن الوثوق بها والاعتماد عليها والعمل بها. وأما بعد القرآن والسنة، فإننا نستخدم وسائل أخرى كالقياس والإجماع و… .
وبعد أخذ هذا التحليل بنظر الاعتبار نستنتج: إن شخصاً لم يكن القياس والإجماع عنده من منابع استنباط الحكم الشرعي، ولم يقبل الاجتهاد بالرأي؛ لأنه نتيجة ظنية، ولأجل هذا يطعن في مشاهير الصحابة، كالخلفاء الثلاثة وعبداللـه بن مسعود بسبب عملـهم بالقياس والرأي والظن الحاصل من اجتهادهم، ويرى قول المعصوم حجة بعد نص القرآن والسنة، لا يمكن لـهذا أن يقبل الاحتمال الأخير في معنى المعصوم؛ لأن المعصومين _ على هذا الاحتمال _ يكون إخبارهم عن
النبي | فقط حجة، أما اجتهادهم فغير مقبول. ومن ناحية أخرى، فإن فرض السؤال ناظر إلى الموارد التي يُعدم فيها النص من القرآن والسنة، وبهذا يضعف هذا الاحتمال الأخير أيضاً.
النبي | فقط حجة، أما اجتهادهم فغير مقبول. ومن ناحية أخرى، فإن فرض السؤال ناظر إلى الموارد التي يُعدم فيها النص من القرآن والسنة، وبهذا يضعف هذا الاحتمال الأخير أيضاً.
وبعد ضم هذا الرأي من النظّام إلى بقية آرائه الشيعية، والأخذ بنظر الاعتبار قرائن أخرى كارتباطه بهشام، يقوى احتمال تبنِّيه لرأي الشيعة هذا في المعصوم([39]).
الثاني: إنكار حجية الإجماع
إذا راجعنا المصادر المتعددة التي نقلت رأي النظّام هذا، نكاد نجزم بأنه لم يكن يعر أي أهمية للإجماع، وقد نسب هذا الرَّأي إليه كل من ابن الراوندي والشيخ المفيد والشهرستاني والبغدادي وابن أبي الحديد، والمؤلفون المعاصرون أيضاً. قال ابن الراوندي _ على ما نقلـه الخياط _ : "إن النظّام ومن تبعه جوَّزوا الخطأ على الأُمة"([40]). ولم يدافع الخياط عن النظّام وأتباعه في هذا المورد، ومعناه تأييد ابن الراوندي في ما نسبه للنظّام في هذا المورد.
وذكر الشيخ المفيد في جواب المستدلّين بحديث النبي|: "ما كان الله ليجمع أمتي على ضلال"([41])، على حجية الإجماع، بعد أن بيّن أن هذا الحديث ورد بمعانٍ ومضامين وألفاظ مختلفة، وأن هذا الاختلاف يخدش الاستدلال به على حجية الإجماع، وناقش في أصل صدور هذا الحديث من النبي |، وقال: "وقد دفع صحتها جماعة من رؤساء أهل النظر والاعتبار، وأنكرها إمام المعتزلة وشيخها إبراهيم بن سيّار النظّام"([42]). وذكر الشهرستاني والبغدادي هذا المطلب بوضوح([43]).
وفصَّل ابن أبي الحديد قليلاً، فقال: ذكر النظّام رأيُه في إنكار حجية الإجماع في كتاب النكت، فاضطر إلى ذكر عيوب الصحابة، دفاعاً عن هذا الرأي([44])، وسنتعرض في نهاية هذا المقال إلى بحث النظّام ومطاعنه.
وذكر كتّاب الفرق المُحدَثون، ومنهم: سامي النشار، وأحمد محمود صبحي، وأحمد أمين رأي النظّام في إنكار حجية الإجماع([45])، وفصَّل صبحي في عرضه لرأي النظّام في باب الإجماع، حيث قال بعد ذكر تعريف النظّام للإجماع: إنَّ هذا التعريف يختلف عن التعريف المألوف المشهور بين عامة المسلمين، ويتفق ويتلاءم مع تعريف الإمامية للإجماع. ويقول الغزالي: إنَّ الإجماع عبارة عن اتفاق أمة محمد | بهيئة خاصة، على أمر من أمور الدين([46])، وقال في تعريف آخر: الإجماع اتفاق أهل الحل والعقد([47]). وعرَّفه بعضهم بقولـه: اتفاق مجتهدي الأمة الإسلامية في عصر واحد على أمر من اأمور الدين.
فالتعاريف التي ذكرها علماء العامة للإجماع تتمحور حول هذه التعاريف المذكورة، وأن عامة أهل السنة باستثناء أهل الظاهر، كداود الظاهري، يعدّون الإجماع حجة شرعية([48]). هذا والحال أن صبحي ذكر أن تعريف النظّام للإجماع هو: "كل قول قامت عليه الحجة وإن كان واحداً"([49]). وكما أشار صبحي، فإن هذا التعريف للإجماع شاذ ولا يتلاءم مع تعريف مشهور أهل السنة. ومن الواضح أن هذا التعريف للإجماع يرجع في الواقع إلى إنكار حجية الإجماع وموضوعيته حيث لم يعط الأصالة لاتفاق الأُمة وإجماعها، أو أهل الحل والعقد، بل الأصالة والموضوعية هي للحجة، وعليه:
أ _ فإن قول حتى شخص واحد إذا كان موافقاً للحجة فهو حجة.
ب _ وأنه إذا اتفق كل مجتهدي الأُمة على قول، ولكن لم يكن موافقاً للحجة، فلا قيمة لإجماعهم.
وعليه، فهذا التعريف يتوافق مع تعاريف الشيعة الإمامية للإجماع.
وقد طرحت في الكتب الأُصولية للشيعة مباحث كثيرة ودقيقة في موضوع الإجماع وتعريفه وأقسامه، وفي حجية الإجماع، وتفصيلـها خارج عن موضوع هذا المقال. وبشكل عام فإن رأي الإمامية أن الإجماع ليس لـه حجية واعتبار شرعي في حد ذاته، بل بضميمة قول الإمام المعصوم، أي أنه إذا كان المعصوم بين المجمعين فالإجماع حجة. وهذا في الواقع معناه حجية قول المعصوم لا الإجماع؛ لأنه يكتشف بهذا الإجماع قول المعصوم، إذ لو كان رأيه مخالفاً لرأي المجمعين، فلا بدّ من أن يلقي الخلاف بينهم بطريقة ما، فلا يحصل في النتيجة إجماع.
يقول الشيخ المفيد: ((إن الإجماع حجة لتضمنه قول الحجة، وكذلك إجماع الشيعة حجة لمثل ذلك، دون الإجماع، والأصل في هذا الباب ثبوت الحق من جهته بقول الإمام القائم مقام النبي |"([50]).
وعلى هذا، فلا تؤثر كمية المجمعين وعددهم في ملاك اعتبار الإجماع، بل حتى لو كان رأي شخص واحد موافقاً لقول المعصوم، فذلك الرأي حجة. ولو كان رأي الكل مخالفاً لقول المعصوم، فهو ساقط عن الاعتبار([51]). إذن، يمكن القول وبكلمة واحدة: إن الإجماع في حد ذاته لا اعتبار ولا قيمة لـه عند الإمامية. وكما قال الشيخ الأنصاري بعبارة جميلة ودقيقة: "إن الإجماع في مصطلح الخاصة، بل العامة الذين هم الأصل لـه، وهو الأصل لهم…"([52])، أي أن فكرة الإجماع أصلـها من العامة، وأنه أصل "حجة" عندهم.
وعلى ما تقدم، فالآراء المطروحة في مسألة الإجماع ثلاثة:
أ _ الإجماع حجة مطلقاً، وإنَّ تحقُّق الإجماع نفسه هو موضوع الحجية والاعتبار الشرعي.
ب _ الإجماع ليس حجة مطلقاً.
ج _ الإجماع حجة باعتبار اشتمالـه على قول المعصوم، وبعبارة أخرى: الإجماع الكاشف عن قول المعصوم حجة، ولا حجية لـه في حدّ نفسه.
والقول الأول، هو قول أكثر علماء السنة؛ والثاني، هو قول أهل الظاهر من السنة والخوارج، وبناء على أحد التفاسير هو قول النظّام أيضاً؛ والقول الثالث، هو قول الشيعة الإمامية.
والحكم القطعي في رأي النظّام وفي معرفة أي من هذه الآراء يعتمد كلياً على معرفة مراد النظّام من (الحجة) في قولـه: "كل ما قامت عليه الحجة وإن كان واحداً"؟:
أ _ فإن كان مراده "النص"، فيكون معنى التعريف المذكور: إن الإجماع الحجة هو ما وافق نصاً من القرآن أو النبي |، حتى لو كان القائل به شخصاً واحداً.
ب _ وإن كان مراده: الحجة والبرهان العقلي، أو الأعم من نص القرآن والنبي والحجة العقلية، فيكون الإجماع عنده عبارة عن: كل رأي قامت عليه حجة من القرآن أو النبي | أو العقل، سواء كان القائل به شخصاً واحداً أم أكثر.
ج _ إذا كان مراده: قول المعصوم، يصبح تعريفه هكذا: الإجماع عبارة عن القول والرأي الذي يوافق قول المعصوم. (وتقدم وجود احتمالين في معنى المعصوم أحدهما هو ما يقولـه الشيعة، وأغلب الظن موافقة النظّام لـه).
وعلى الاحتمالين الأوَّلين، فإن رأي النظّام سيكون مخالفاً للشيعة. نعم، على الاحتمال الثالث، وبالتفسير الشيعي للمعصوم، يكون رأيه شيعياً تماماً.
وقد قوّيتُ سابقاً احتمال كون رأي النظّام في أصل حجية قول الإمام المعصوم متحداً مع قول الشيعة. ويقوي هذا الاحتمال أيضاً التأمل في صدر كلام الشهرستاني وذيله؛ حيث قال: "قولـه في الإجماع أنه ليس بحجة في الشرع و… وإنما الحجة في قول الإمام المعصوم"([53]). وواضح أن رأي النظّام في أصل أن الإجماع في حد نفسه ليس حجة، بل يحتاج إلى حجة أخرى، يوافق قول الشيعة، ولكن في تفسير "الحجة" ما هي؟ احتمالات أحدها يوافق قول الشيعة، وهو الاحتمال الذي أيدته القرائن.
فالاحتمالات، في رأي النظّام هذا، أربعة، كما ذكر أحمد محمود صبحي:
1 _ تأثر بمتكلمي الشيعة، ومنهم هشام بن الحكم.
2 _ إنه حيث وافق الشيعة في إنكار القياس والاجتهاد، وإن الحجة هي قول المعصوم فحسب، فمن المنطقي أن ينكر حجية الإجماع.
3 _ إن إنكار حجية القياس والاجتهاد، جرّه إلى إنكار الإجماع، وذلك للتلازم المنطقي بين الموقفين.
4 _ إن المبنى العقلي للنظّام في الكلام ساقه إلى إنكار الإجماع؛ لأن العقل يحكم بأنه إذا لم يوجد نص من الكتاب والسنة، فقيام الإجماع محال([54]).
الثالث: الإمامة بالنَّص والتَّعيين
ذكر الشهرستاني أن من آراء النظّام الأخرى قولـه: "لا إمامة إلاّ بالنص والتعيين ظاهراً مكشوفاً"([55])، وعلى أساس هذا النقل فإن الإمامة أمر لا يتحقق بانتخاب الناس، بل بتنصيب النبي |، وبالأمر الإلـهي، وإذا صحت نسبة الشهرستاني للنظّام هنا، فإن رأيه هذا شيعي صرف، وهناك قرينة على صحة النقل المذكور بناء على ما نقلـه الخياط، من أن ابن الراوندي نسب القول بالإمامة إلى علي الأسواري([56]): "ثم قال الكذاب [ _ يعني ابن الراوندي _ ]: وأما الأسواري فقد حكي عنه القول بالإمامة"([57]). وبعد أن ردّ الخياط هذه النسبة ذكر أنه حصلت مناظرات بين الأسواري وعلي بن ميثم([58]) الرافضي في مسألة الإمامة، وتغلّب الأسواري عليه، فاستدلّ بهذا على أن الأسواري لم يكن في مسألة الإمامة ذا مسلك شيعي.
وإذا قبلنا قول الخياط هذا، – مع أنه يسعى في "الانتصار" إلى تعديل مواقف المعتزلة، وتقريبها إلى مباني عامة أهل السنة _ يجب أن نرى أن هذا الموقف من الأسواري صدر منه حينما كان متأثراً بأبي الهذيل العلاّف، حيث إنه تحوّل بعد ذلك وأصبح من أتباع النظّام([59])، وتبنَّى جميع آرائه([60])، كما يذكر الشهرستاني والبغدادي.
بناء على هذا، فالنتيجة هي أنه يمكن الحكم بصحة ما نسبه ابن الراوندي، وأن قول الأسواري في مسألة الإمامة كان موافقاً للشيعة، وذلك بعد اتصاله بحلقة النظّام، وأن نسبة الخياط ناظرة لظرف ملازمته لأبي الهذيل.
وبالإضافة إلى ما تقدَّم، يمكن ذكر مؤيد آخر لانتساب هذا الرأي للنظّام، وذلك بالتحليل الآتي:
أ _ تقدم أنه ليس للإجماع أية قيمة واعتبار عند النظّام.
ب _ إن عامة متكلمي الإسلام وعلمائه يرون وجوب الإمامة، بمعنى أنه يجب أن يحكم الإمام ويقود المجتمع والأُمة الإسلامية([61]).
ج _ إن الاختلاف، في مسألة الإمامة، إنما هو في كيفية التعيين، ومواصفات الإمام، وهنا يوجد رأيان: فأهل السنة قائلون: إنَّ الإمام يُنتخب بالإجماع، وبيعة المسلمين؛ والإمامية قائلون بالانتصاب بالنص وببيعة النبي |. وحيث إن النظّام أنكر الإجماع وحجيته، فيجب أن يكون _ منطقياً _ قائلاً برأي الشيعة، ولهذا قال الشهرستاني: إنَّ رأي النظّام هنا هو رأي الشيعة، "وننبّه هنا إلى أنه وقع الاختلاف في أصل وجوب الإمامة بمعنى أن وجوبها عقلي أو شرعي، فذهبت الإمامية والكعبي وأبو الحسن البصري وجماعة المعتزلة إلى وجوبها عقلاً وسمعاً، وجمهور المعتزلة والأشاعرة قائلون بوجوبها السمعي فقط"([62]).
هذا، ولكن نقل عن النظّام قول آخر في الإمامة، مغاير لما نقل هنا([63])، حيث يقول: إن قولـه تعالى: ]إن أكرمكم عند اللـه أتقاكم[ يدل على أن كل من يقيم كتاب اللـه وسنة نبيه هو مستحق للإمامة. وعليه، فلا يبقى مجال للنص والتعيين.
ونسب هذا القول لجمهور المعتزلة أيضاً([64])، وحيث نعلم أنَّ جمهور المعتزلة قائلون بحجية الإجماع أيضاً، فينتج منه أنه إذا تعدد القائمون بالكتاب والسنة _ كما هي العادة _ فكل من وقع إجماع الأُمة عليه يكون إماماً، فلا مشكلة عند جمهور المعتزلة.
أما من لا يقول بحجية الإجماع، فيجب أن يفكر بحل آخر: فإما أن يستخدم القوة والسيف للتغلب على منافسيه، وهذا، أولاً يحتاج إلى سلطة وقوة، وثانياً: لا ينسجم مع الاستدلال بالآية المذكورة؛ لأن إيجاد الفوضى وسفك الدماء يتنافى مع التقوى والقيام بكتاب اللـه والسنة.
وإما أن يسلك الطريق المنطقي ويجعل الحل في نص النبي |، وهو ما نقلـه الشهرستاني عن النظّام.
ولما نقل سامي النشار هذا الرأي للنظام عن داود الظاهري وابن حزم _ كما تقدم _ مال إلى قبول صحة انتساب هذا الرأي للنظام: ((فرأي مذهب الظاهرية ثم ابن حزم: إنما الحجة عنده (النظّام) في قول الإمام المعصوم، والإمام عنده بالنص والتعيين، وهذه فكرة عليها مسحة شيعية"([65]).
وعلى هذا، فمع فرض صحة نقل النوبختي، يمكن أيضاً بطريقة أخرى استفادة كون رأي النظّام شيعياً في باب النص على الإمام.
الرابع: نصّ النبي | على إمامة عليّ ×
البحث هنا في أنه هل المراد بالنص عند النظّام، تعيين الشخص والمصداق، أو تعيين الصفات الكلية من دون ذكر الاسم والنسبة، كما يذهب إليه معتزلة بغداد والزيدية([66])؟
تعتقد الإمامية بنص النبي | على شخص الإمام، فقد نقل الشيعة نصوصاً عن النبي | في شأن عليّ × وباقي الأئمة ^.
وبناءً على نقل الشهرستاني، فإن رأي النظام هو أنه: "وقد نص النبيّ | على عليّ × في مواضع، وأظهره إظهاراً لم يشتبه على الجماعة، إلاّ أن عمر كتم ذلك، وهو الذي تولى بيعة أبي بكر يوم السقيفة"([67]). وفي هذه العبارة عدة نكات:
أ _ إعلان النبي | إمامة عليّ × في موارد كثيرة.
ب _ إن هذا الإعلان كان واضحاً صريحاً لا يحتمل الخطأ والاشتباه على المسلمين.
ج _ بعد رحلة النبي | كتم الخليفة الثاني نصوص النبي وأنكرها.
د _ إن عمر هو الذي رتب أمر البيعة لأبي بكر في قضية السقيفة.
فإذا صح هذا الانتساب، فرأي النظّام لا يختلف أبداً عن رأي الشيعة الإمامية.
الخامس: عدم جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل
لم أجد نصاً للقدماء حول رأي النظّام هذا، لكن "صبحي" نسب إليه هذا الرأي، ولم يشر _ للأسف _ إلى المصدر الذي استقى منه ذلك. وعلى كل حال، فقد نقل هذا القول: "وإن الإمامة لا يصح أن تصرف عن الأفضل إلى المفضول"([68])، ونسبه إلى النظّام، وعدّه من جملة الآراء الشيعية الأصيلة لـه، والتي تأثر فيها بهشام بن الحكم الشيعي.
السادس: ملاحظات النظّام على الخلفاء وبعض مشاهير الصحابة
نقلت هذه المسألة مصادر مهمة وكثيرة([69])، حيث انتقد النظّام الخلفاء الثلاثة، وعبداللـه بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وأبا هريرة، وعاب عليهم بشدة. وهو في هذا يتفق مع الشيعة، لكن ما يثير العجب أنه لم يستثن حتى الإمام عليّاً ×، وذكر لـه عيوباً نسبها بزعمه لـه!! فيحتمل أن ذلك كان منه قبل اتصالـه بهشام بن الحكم وتأثره به.
يقول ابن أبي الحديد: إن سبب طعن النظّام بالصحابة، هو الدفاع عن نظريته في إنكار حجية الإجماع.
ولم يتعرض [ابن أبي الحديد] لطعون النظّام علىالصحابة الآخرين غير الإمام عليّ ×، فلم يدافع عنهم، وتعرض لنقوده للإمام عليّ × وأجاب عنها بجدارة، ثم قال: "إن النظّام أخطأ عندنا في تعريضه بهذا الرجل "الإمام عليّ ×" خطأً قبيحاً، وقال قولاً منكراً"([70]).
ونبّه أيضاً على أن النظّام كانت لـه قدرة الاجتهاد واستنباط الأُمور الدقيقة النظرية فقط، لكنه كان "بعيد المعرفة" في الأخبار والسير. ثم أشار إلى رواية نقلـها النظّام وأورد على الإمام × بسببها، وقال: "فما أعلم من أي كتاب نقل النظّام هذه الرواية، ولا عن أي محدِّث رواها"([71]). وينبّه ابن أبي الحديد على أن النظّام ذكر هذه المطاعن في كتابه: "النكت". وما نقلـه السيد المرتضى عن الشيخ المفيد في الفصول المختارة من المطاعن، نقل عن كتاب الفتيا للجاحظ، وهو أبزر تلامذة النظّام([72])..
ونقل الشيخ المفيد مطاعن النظّام على الخلفاء الثلاثة وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس، وكذلك نقوده على الإمام عليّ ×. وأيد مطاعنه على الخلفاء وباقي الصحابة، ولكنه تصدى للإجابة عن نقوده للإمام عليّ × بأدلة متعددة ومحكمة. ويعدّ الشيخ المفيد وآخرون أهم طعن أورده النظّام على جميع الصحابة المذكورين تقريباً هو اجتهادهم وقضاؤهم في أمور الدين والدنيا برأيهم، وأنهم اتّبعوا ظنهم وأهواءهم، وحكموا بسفك الدماء وإباحة الفروج ونهب الأموال. هذا، والله تعالى يقول في قرآنه: }إِلا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[ [الزخرف/86]، حيث أمر باتّباع العلم واليقين لا الظن والحدس. ثم نقل الشيخ المفيد عن الجاحظ وبعض المعتزلة اعتقادهم بأن النظّام ساوى في طعونه بين الصحابة، وردّ قولـهم بأنه لا دليل على قولـه بهذه المساواة، فقام بتقسيم الصحابة الذين تعرض لـهم النظّام إلى قسمين:
القسم الأوَّل
رواة الأخبار من الصحابة، ولا خلاف بين المسلمين في صحة ما نسبه النظّام لـهؤلاء، كالقياس والاجتهاد بالرأي، وتناقض الأحكام الصادرة عنهم، والعمل بالظن، والجهل بمعاني الآيات، فهو مجمع عليه([73])، ولكن افترق الناقلون لـهذه السيرة منهم إلى طريقين:
الأول: ما سلكه بعضٌ من أتباع هؤلاء الصحابة، فنقلوا هذه الآراء والسير عنهم بعنوان المدح لـهم، وتمسكوا بها على أساس أنها أصول وقواعد في مذاهبهم، واستدلوا بها أيضاً على جواز الاختلاف بين المذاهب.
والطريق الآخر: وهو مسلك الطاعنين فيهم، فقد نقلوا هذه الآراء والسير للصحابة من باب النقد والطعن عليهم، ونشر مثالبهم وضلالاتهم.
وبالتأمل في ما أفاده الشيخ المفيد، يتبين قيام إجماع مركب واتفاق على نقل أصل هذه الآراء والسير عن هؤلاء الصحابة.
القسم الثاني
أما في ما يخص القسم الثاني من الصحابة، ومراد الشيخ المفيد هنا وبشكل خاص هو الإمام عليّ ×، فلا إجماع هنا على ما نسبه النظّام إليه، فإنه يقول: "شيء تفرد به وأباه فريق، وادّعته شيعة أبي بكر وعمر وعثمان، وأنكرته شيعة عليّ أمير المؤمنين × كافة، وأطبقوا على ردّه وتكذيب الرواة لـه، وأجمعت ذريته وعترته على إنكار ذلك وإبطالـه. فكيف يكون المختلف فيه نظير المتفق عليه؟! مع أن الإجماع من فرق أهل الخلاف، ومن ذرية أمير المؤمنين وشيعته على نقيض ما تفرد به شيعة عثمان من الحكاية عن أمير المؤمنين × في اختلاف الأحكام، وقد نقل ذلك عدو عليّ × كما نقلـه وليه، فكانت الحجة به دافعة لأهل الخلاف".
وبعد هذا يذكر الشيخ أحاديث عن النبي | في حق عليّ × اتفق على نقلـها الخاصة والعامة كقولـه: "عليّ أقضاكم"، و"عليّ مع الحق والحق مع عليّ، يدور حيثما دار"، ونقل أيضاً رواية عن الإمام عليّ × يقول فيها: "بعثني رسول الله | إلى اليمن قاضياً بين أهلـه، فقلت لـه: أتبعثني وأنا شاب ولا علم لي بكثير من القضاء؟ فضرب بيده على صدري فقال: "اللهم اهدِ قلبه، وثبت لسانه، فما شككت في قضاء بين اثنين"([74]).
واستنتج الشيخ المفيد من هذا، بأن من تكون لـه هذه الخصوصيات والصفات فهو:
1 _ لا يمكن أن تتناقض أحكامه وأقضيته. 2 _ إنه لا يضل. 3 _ إنه سوف لا يجتهد برأي ظني، فإن رأيه ناشئ من اليقين بحكم اللـه. وهذه الخصوصيات هي العصمة نفسها التي يقول بها الشيعة لأئمتهم، ومنهم الإمام عليّ ×، في حين أن العامة لا يذهبون إلى عصمة الصحابة. ثم يضيف: "وهذه أخبار قد سلمها العدوّ ونقلـها على ما ذكرنا". فإن ما وقع فيه الاختلاف هو مدلول هذه الأخبار، واحتمال عدم كليتها وعمومها، ويدفع هذا الاحتمال ويعارضه: ظهور هذه الأحاديث وعمومها. ثم يورد الشيخ استدلالات أخرى، ويتعرض بالتفصيل لمطاعن النظّام في الإمام
عليّ × ويردها بأنحاء وأساليب مختلفة([75]) مفنّداً إيّاها واحداً واحداً.
عليّ × ويردها بأنحاء وأساليب مختلفة([75]) مفنّداً إيّاها واحداً واحداً.
وقد عدّ ابن قتيبة أيضاً من أقوال النظّام مطاعنه في الصحابة، وأضاف إليها مطاعنه على حذيفة بن اليمان وأبي هريرة. وقال البغدادي: "ثم إن النظّام مع ضلالاته التي حكيناها عنه طعن في أخبار الصحابة والتابعين من أجل فتاويهم". وأشار إلى أن مصدره في هذا هو كتاب المعارف والفتيا للجاحظ. وكما تقدم قولنا: إنَّه يُفهم من عبارة البغدادي أن أهم إشكال للنظّام على الصحابة، هو العمل برأيهم واجتهادهم الظني في استنباط حكم اللـه، فمثلاً قولـهم في كل مسألة: "أقول فيها برأيي فإن كان خطأً فمني، وإن كان صواباً فمن الله تعالى"([76]).
وهذا حكم وقضاء غير يقيني: "وهذا هو الحكم بالظن والقضاء بالشبهة"([77])، واللاَّفت للنظر أنه إضافة لاتهامه الخليفة الثاني بالعمل بآرائه واجتهاده الظني، نسب إليه أشياء أخرى، منها:
1 _ شكه وتردُّده في موت النبي |، حين انتشر خبر موته([78]).
2 _ إعراضه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ليلة العقبة([79]).
3 _ ضرب فاطمة ÷ يوم البيعة([80]).
4 _ ابتداعه في الدين: بدعة صلاة التراويح([81])، منع متعة الحج([82])، تحريم نكاح الموالي مع نساء العرب([83]).
5 _ العمل بالقياس في الأحكام والفروض الدينية، مع أنه هو نفسه لم يجوزه مستدلاً بقولـه: "لو كان هذا الدين بالقياس لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره"([84])، ورغم أن النظّام لا يصحح الأخذ بالقياس لاستنباط الأحكام الشرعية أيضاً، لكنه وبناءً على ما نقلـه الشيخ المفيد، أشكل على إطلاق رأي الخليفة الثاني، قائلاً: إنّ استعمال القياس في أصول الدين واجب ولا يجوز خلافه([85])، وإنَّ رأي الخليفة إنما يصح في مورد الأحكام والفرائض الشرعية، والتي عمل هو فيها بخلاف رأيه: "وهذا القول من عمر لا يجوز إلاّ في الأحكام والفرائض، وأما الوعد والوعيد والتعديل والتجويز والتشبيه ونفي التشبيه، فلا يجوز فيه خلاف القياس"([86]).
وعلى هذا، فالخليفة قد وضع أصلاً لا عموم لـه ولا إطلاق أولاً، وثانياً: إنه نقض أصلـه الذي وضعه، وذلك في بعض الموارد، وسنتكلم على رأي النظّام في القياس لاحقاً أيضاً.
6 _ أقضيته المختلفة في قضية واحدة([87]): قال النظّام: إن عمر قضى في قضية ميراث الجد أقضية متناقضة([88])، مع أنه هو نفسه كان يعدّ القضاء فيه موجباً للسقوط في جنهم([89]).
وأضاف الشيخ المفيد، عند نقلـه لهذا عن النظّام، قوله: "ذكر ذلك هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة السلماني عن شيء من أمر الجد، فقال: إني لأحفظ من عمر مئة قضية في الجد كلـها ينقض بعضها بعضاً"([90]).
7 _ منعه لميراث "الضرة"([91]).
8 _ كتمانه نصوص النبي | في إمامة عليّ ×، وترتيب بيعة أبي بكر في السقيفة([92]).
وأيضاً نسب النظّام إليه أعمالاً أخرى من قبيل: مصادرة أموال الولاة([93])، ونفيه نصر بن الحجاج([94]) من المدينة إلى البصرة.
أما بالنسبة للخليفة الأول، فقد سجّل عليه، إضافة إلى اجتهاده بالرأي، أنه كان يجهل معاني الآيات، وهو ما أشرنا إليه آنفاً.
وأما الخليفة الثالث عثمان فقد خصّه بموارد منها:
1 _ إرجاع الحكم بن أمية إلى المدينة، بعد أن أُخرج منها وكان طريد رسول اللـه |([95]).
2 _ نفي أبي ذر إلى صحراء الربذة، بعد أن كان صاحب رسول اللـه وحبيبه([96]).
3 _ توليته للوليد بن عقبة بن أبي معيط على الكوفة، وكان أفسق الناس، وصلّى في محراب مسجد الكوفة مخموراً([97]).
4 _ توليته لمعاوية على إمارة الشام، وعبداللـه بن عامر على البصرة([98]).
5 _ تزويجه ابنته لمروان بن الحكم.. هذا وقد سعى هؤلاء الأربعة: معاوية وعبداللـه بن عامر والوليد ومروان في إفساد خلافته([99]).
6 _ ضربه لعبداللـه بن مسعود([100]).
7 _ أخذه أربعين ألف درهم من بيت المال وَوَهْبُها لسعيد بن العاص؛ لينفقها في مراسم زواجه، رعاية لنسبة القرابة معه([101]).
وقد طعن النظّام بأبي هريرة أيضاً ووصفه بأنه "أكذب الناس"، وقال عنه:
1 _ إنه قد كذّبه الخلفاء وعائشة: قال: أكذبه (أبو هريرة) عمر وعثمان وعليّ وعائشة([102]).
2 _ ونقل البغدادي أن النظّام كان يعدّ أبا هريرة أكذب الناس: "إنه [النظّام] عاب أصحاب الحديث ورواياتهم أحاديث أبي هريرة، وزعم أن أبا هريرة كان أكذب الناس"([103])، هذا وللشيعة أيضاً رأي يماثل رأي النظّام في أبي هريرة([104]).
السابع: عدم اعتبار القياس وحجِّيته في الفرائض والأحكام الشرعية
تقدّمت الإشارة إلى أن أحد آراء النظّام هو عدم قبولـه للقياس آلةً لاستنباط الأحكام الشرعية، وقد ذكر ذلك كل من الشيخ المفيد والشهرستاني والبغدادي وصبحي وسامي النشار وآخرون. والجدير بالذكر أن المعتزلة _ وعلى الأقل معتزلة البصرة الذين ينتسب النظّام إليهم _ كانوا من أتباع أبي حنيفة في الفقه، ويعدّون القياس حجة في موارد الشك وفقدان النص من الكتاب والسنة المعتبرة. لذا يُعد النظّام استثناءً منهم في هذا المورد، كما أشار صبحي بقولـه: "وشذّ النظّام من بين المعتزلة في إنكار القياس، ويقول ابن عبدالبر([105]): ما علمت أن أحداً من البصريين ولا غيرهم ممن لـه نباهته سبق إبراهيم النظّام إلى القول بنفي القياس"([106]).
وقد ذكرنا سابقاً كلام الشيخ المفيد عن طعن النظّام على الخليفة الثاني في عملـه بالقياس. ونقل الشهرستاني أيضاً رأي النظّام هذا بقوله: "وكذلك القياس في الأحكام الشرعية لا يجوز أن يكون حجة"([107]).
وبعد أن تعرض صبحي لقول النظّام في هذا الموضوع، قال: إنه لا ينسجم مع مقتضى طريقة العقل المقدمة عند المعتزلة، والقائمة على أساس النقد العقلاني وإعطاء الأصالة للعقل في مقابل الإيمان، مع أن النظّام لـه قصب السبق في هذا المجال. وعلى هذا احتمل تأثر النظّام في هذا القول بأهل الحديث والظاهرية من أهل السنة، أو تأثره بالشيعة الإمامية القائلين بعصمة الإمام في بيان أحكام الشرع، وأنها كعصمة
النبي |: "ثم قول آخر منسوب إلى النظّام، أنه يرى الحجة في الأحكام بعد القرآن والحديث هو أن تؤخذ من إمام معصوم، وإن صحّ ذلك عنه، فالنظّام قد تبنى تماماً موقف الشيعة الإمامية، وتأثّر في ذلك بمتكلمهم الأكبر هشام بن الحكم"([108]).
النبي |: "ثم قول آخر منسوب إلى النظّام، أنه يرى الحجة في الأحكام بعد القرآن والحديث هو أن تؤخذ من إمام معصوم، وإن صحّ ذلك عنه، فالنظّام قد تبنى تماماً موقف الشيعة الإمامية، وتأثّر في ذلك بمتكلمهم الأكبر هشام بن الحكم"([108]).
وواضح أن مذهب الشيعة هو منع استنباط الأحكام الشرعية عن طريق القياس، وذلك خلافاً للعامة (عدا أهل الحديث والظاهرية). وأما أدلة الشيعة على المنع فهي مبيّنة في كتبهم الاستدلالية الفقهية والأُصولية([109]).
وصرّح السيد المرتضى بعد بيان وجه بطلان القياس في الشريعة، بأن كل الشيعة من السلف والخلف والمتقدمين والمتأخرين، منعوا العمل بالقياس في الشرع. وأن هذا من ضروريات المذهب: "حتى صار هذا المذهب لظهوره وانتشاره معلوماً ضرورة منهم وغير مشكوك فيه من المذاهب"([110]).
وهنا ينبغي التأكيد على ملاحظتين:
1 _ إن القياس الذي منع من استخدامه الشيعة والنظّام وأهل الحديث، في استنباط الأحكام الشرعية، عبارة عن "التمثيل" المنطقي، والذي يطلق عليه القياس الفقهي أيضاً، وعرّفه الخواجه نصير في أساس الاقتباس بأنه: "الحكم على شيء بحكم ثابت لشيء آخر، بسبب مشابهته لذلك الشيء، وهو المسمى بالقياس الفقهي"، ثم بحثه مفصلاً وأثبت ظنية النتيجة لهذا النوع من القياس: "التمثيل لا يقتضي العلم بثبوت المطلوب، بل لا يثبت أكثر من الظن"([111]).
وعلى هذا، فلا يمكن إنتاج العلم من قياس التمثيل، بل غايته هي النتيجة الظنية، هذا أولاً.
وثانياً: إنه كما ذكر السيد المرتضى([112])، لم يقم دليل من قبل الشارع على حجية مثل هذا القياس في استنباط الأحكام. وعليه، يشملـه منع الشارع بقولـه: )إن الظن لا يغني من الحق شيئاً(.
وثالثاً: إنه يمكن التوصل منطقياً إلى المنع من استعمال هذا القياس في الشرعيات، بغض النظر عن النصوص الواردة عن أئمة الشيعة في بطلان العمل به، فهو ممنوع عقلاً أيضاً.
2 _ وبالالتفات للنكات المذكورة، في البند السابق، يمكن أن ندّعي أن مخالفة النظّام للقياس، كانت على أساس الدليل العقلي والمنطقي. وعليه، فما ذكره "صبحي" من أن النظّام _ وبسبب هذا الرأي _ خرج عن مبناه في إعطاء الأصالة للعقل، هو توهّم مجانب للصواب، بل يمكن القول: إنه تفطّن _ متأثراً بالشيعة _ إلى عدم عقلائية استعمال القياس في الأُمور الشرعية.
القسم الثاني
الآراء الكلامية والفلسفية للنظّام
ذكر بعض كتّاب الفرق أن النظّام تأثر بهشام بن الحكم في آرائه في: القول بالجزء الذي لا يتجزأ، والطفرة، والتداخل، وجسمية اللون والصوت والطعم والريح، وقد ذكر آراءه هذه كل من الأشعري والشهرستاني والبغدادي والخياط([113]) وآخرون. وحيث اشتهرت نسبة هذه الأقوال لـه فلا نحتاج للتفصيل في ذلك، ونكتفي بذكر عدة نكات:
1 _ إن بعض هذه الآراء كالقول بالجزء الذي لا يتجزأ وعدمه، يُعد من الآراء الفلسفية القديمة، فقد قال بها فلاسفة اليونان قبل النظّام بمئات السنين([114])، وبعضها الآخر آراء طرحها النظّام وآخرون لأول مرة.
2 _ ترتَّبت على هذه الآراء نتائج كلامية عقدَّية، ومن ثَمّ طرحت ونوقشت في علم الكلام، وربما كان الاعتقاد برأي فلسفي لا علاقة لـه بالدين، سبباً لتكفير صاحبه، كما قد وقع ذلك للنظّام، حيث كُفّر لعدم قولـه بالجزء الذي لا يتجزأ. وفي الواقع فإن الاعتقاد بهذا الرأي لا يستلزم أية تبعات دينية.
3 _ إن تلميح مثل البغدادي إلى أن النظّام تأثّر بهشام بن الحكم في هذه الآراء، هو الذي دعاني للإتيان بهذه الآراء هنا؛ لتكون شاهداً آخر على هذا التأثّر. ولم يكن غرضي من ذلك إثبات شيعية هذه الآراء أو عدم شيعيتها [يقول البغدادي]:
"ثم خالط (النظّام) هشام بن الحكم الرافضي، فأخذ عن هشام وعن ملاحدة الفلاسفة قولـهم بإبطال الجزء الذي لا يتجزأ، ثم بنى عليه قولـه بالطفرة… وأخذ عن هشام أيضاً قولـه بأن الألوان والطعوم والروائح والأصوات أجسام، وبنى على هذه البدعة قولـه بتداخل الأجسام في حيّز واحد…".
وقال، في مورد هشام، كما قال الآخرون كالأشعري وغيره: "وكان هشام يقول بنفي نهاية أجزاء الجسم، وعنه أخذ النظّام إبطال الجزء الذي لا يتجزى"([115]).
وهنا نقل عن هشام قولـه بتداخل الأجسام، كما "أجاز النظّام تداخل الجسمين اللطيفين في حيز واحد".
خلاصة واستنتاج
1 _ إن هدفي من هذا المقال هو الإشارة إلى عدم تمامية النظرية القائلة بأن "المحاور الفكرية الأساسية، وتشكّل المنظومة الكلامية للشيعة، إنما تمّ في ضوء الأفكار الكلامية للمعتزلة"([116]).
ولذا سعيت معتمداً، على القرائن والشواهد التاريخية الموجودة، إلى أن أثبت أن المنظومة الفكرية لأحد أهم أعلام المعتزلة، وهو النظّام، وعلى الأقل في مرحلة نضجه الفكري، تأثّرت إلى حدٍّ كبير بالشيعة، وخصوصاً بمتكلمهم الكبير هشام بن الحكم.
2 _ إنه، وكما ذكر بعض كتّاب الفرق المعاصرين، قد انعكس تأثّر النظّام بالشيعة على تلامذته وأتباعه، ويكفي لإثبات هذا الأمر، أن نعلم أن عدداً من تلامذته كجعفر بن حرب، وجعفر بن المبشر، والأسكافي وآخرون هم من أعلام معتزلة بغداد، وكانوا يُعرَفون _ لميولـهم الشيعية _ بالمعتزلة المتشيعة، ولم تكن ميولـهم هذه بعيدة عن التأثّر بأفكار النظّام.
3 _ يبدو أن أحد أسباب الانتقادات الشديدة للنظّام، وتكفيره في كثير من الموارد، من قبل أمثال البغدادي، إضافة إلى عدم إدراك بعض نظرياته الدقيقة والعميقة، وانتقاداته الشديدة للصحابة، هو ميولـه للآراء الشيعية لـهشام بن الحكم([117]).
4 _ وقع تعارض بين بعض آراء النظّام، كقولـه بحجية قول الإمام المعصوم، وإمامة الإمام عليّ × بعد النبي | بالنص، ثم اعتراضه عليه بأنه قد أعمل رأيه، ومن أجل توجيه هذا التعارض ورفعه، يمكن ذكر وجهين على الأقل:
أ _ إنه عاش مرحلتين فكريتين، كان له خلالهما رأيان متضادان أو أكثر([118]).
ب _ إن ميوله الشيعية كانت نظرية فقط، وأما تعلّقه القلبي والعاطفي فهو للاتجاه السني للمعتزلة. يعني أنه من الناحية العقلية انتهى إلى آراء الشيعة واعتقاداتهم، لكنه في الوقت نفسه كان سنياً لا يقف إلى جنب الشيعة في أجواء الخصومة الشديدة بين المعتزلة والشيعة، ولا يلتزم عملياً بما يقرره فكرياً. ومع هذا كلّه ينبغي القول: إن هذا التوجه نفسه يكشف _ إلى حدٍّ ما _ عن "تحرره الفكري".
5 _ من هنا يظهر أن العقل محترم جداً عند المعتزلة، ولـه قيمة كبيرة إلى حدّ أنهم في التعارض بين ظاهر الشرع وأحكام العقل، يرجحون جانب العقل، وأن النظّام يعدّ في قمة هذا التوجه، فإنه يمكن القول _ كما التفت بعض الباحثين إلى هذا _ بأنه لم يكن مقلداً محضاً في تأثّره هذا، بل إنه لصحبته هشام بن الحكم، تنبه لعقلانية الآراء الشيعية، ولذا رجّح جانبها وتبناها.
6 _ بالالتفات إلى الآراء الشيعية التي أوردناها للنظّام في هذا المقال، يمكن القول بجملة واحدة: إن أفكار النظّام تأثرت بالشيعة، وخصوصاً هشام بن الحكم.
7 _ إن مدحنا للنظّام، في هذا المقال، لم يكن من أجل ميولـه الشيعية، بل كان فقط لاعتقادنا بأنّه كان مفكراً متحرراً، اندفع خارج حدود التعصبات القوية الحاكمة على عصره ومجتمعه، وبأنَّه كان إذا اعتقد بحقانية نظرية أو موقف أو رأي، قَبِلـه، وليس معنى هذا، المديح المطلق أو تأييد آرائه جميعها. بل، يُقيّم كلّ منها في محلـه.
* * *
الهوامش
([1]) وقع اختلاف بين المؤرخين في تاريخ ولادته ووفاته، وأغلب الظن أن سنة ولادته كانت منتصف القرن الثاني تقريباً، ووفاته أوائل القرن الثالث الـهجري. دائرة المعارف الإسلامية الكبرى، ج. 2، ص. 432.
([2]) ننقل هنا بعض كلمات المؤرخين وأصحاب الفرق عن أهمية النظّام وعظمته:
أ _ الجاحظ صاحب كتاب الحيوان وأشهر تلامذته، يعتقد في النظّام بأنَّه: "إن الأوائل يقولون: في كل ألف سنة (يظهر) رجل لا نظير لـه، فإن كان ذلك صحيحاً فهو أبو إسحاق" نقلاً عن ابن المرتضى، المنية والأمل في شرح الملل والنحل، ص. 153.
ب _ أبو الحسن الأشعري، مؤسس المذهب الكلامي للأشاعرة، ذكر في كتاب مقالات الإسلاميين، آراء النظّام الخاصة في عشرات المواضيع، ما يشير إلى أهمية تلك الآراء، وإلى موقعه المتميز عند المعتزلة.
ج _ ابن حزم، صاحب كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل، يقول: "وكان إبراهيم بن سيار النظّام.. أكبر شيوخ المعتزلة ومقدمة علمائهم". الفصل، ج. 5، ص. 59، دار الجيل _ بيروت.
وهذا أيضاً هو رأي ابن نباتة في سرح العيون، ص. 122. نقلاً عن سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج. 1، ص. 484.
د _ الشيخ المفيد، العلم الشيعي الكبير في القرن الرابع، يعبر عنه بأنه: "إمام المعتزلة وشيخها". المجموعة الكاملة _ الإفصاح في الإمامة، ج. 8، ص. 47. ويقول في موضع آخر: "وهو سيد أهل الاعتزال، وبه فخرت المعتزلة، وضربت به وبأبي الـهذيل الأمثال". المجموعة الكاملة لمصنفات الشيخ المفيد، ج. 2، ص. 208.
هـ _ الشهرستاني، في كتاب الملل والنحل، اهتم بذكر أقوال النظّام وآرائه قبل ذكر باقي متكلمي المعتزلة، مما يشير إلى أهمية آرائه وكثرتها.
و _ ومن كتّاب الفرق المعاصرين، يقول سامي النشار في شأنه: "والنظّام أكبر شخصية فلسفية معتزلية في العالم الإسلامي، صدر عن فكر مبدع، ونظام فلسفي دقيق. وقد تنبّه الأقدمون إلى ما لـه من قيمة عظيمة وأثر كبير، وقد شغلت هذه الشخصية القرنين الثالث والرابع، وتأثرت به المجامع الفكرية"، فهو يشير إلى أن النظّام:
1 _ صاحب فكر إبداعي. 2 _ ذا نظام فلسفي دقيق. 3 _ إن القدماء تنبّهو إلى قيمة أفكاره وآرائه. 4 _ تأثيره على المجامع العلمية في القرنين الثالث والرابع. نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ص. 484.
ويقول أحمد محمود صبحي عن النظّام: يكاد يجمع كتَّاب الفرق والمؤرخون أنه أعظم رجال المعتزلة جميعاً". في علم الكلام، ج. 1، ص. 217.
النتيجة
إنه وبالرغم من احتمال المبالغة في بعض هذه الآراء التي قيلت في النظّام، فإنَّه في المجموع لا يمكن إنكار عظمة أفكاره وآرائه الدقيقة والوافرة والبديعة، وذهنه الناقد، وأيضاً تأثيره الكبير على من تأخر عنه، لقد كان قوياً جداً في المناظرات، وحفظ القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والزبور مع تفاسيرها، وكثيراً من الأشعار والأخبار والآراء. ابن مرتضى، المنية والأمل في شرح الملل والنحل، ص. 152.
([3]) قال الجاحظ: ما رأيت أحداً أعلم بالكلام والفقه من النظّام. ابن مرتضى، المنية، ص. 153.
([4]) عبر البغدادي عن النظّامية بعنوان "أتباع النظّام". الفرق بين الفرق، ص. 79؛ وكذلك الشهرستاني في الملل والنحل، ج. 1، ص. 53.
([5]) الجاحظ، البيان والتبيين، تصحيح حسن السندوبي، ج. 1 _ حياة النظّام _ ص. 78.
([6]) المنية والأمل في شرح الملل والنحل، ص. 153.
([7]) "قد طالع كثيراً من كتب الفلاسفة، وخلط كلامهم بكلام المعتزلة". الملل والنحل، ص. 53.
"وخالط بعد كبره قوماً من ملاحدة الفلاسفة، ثم خالط هشام بن الحكم الرافضي، فأخذ عن هشام وعن ملاحدة الفلاسفة قول… ودوّن مذاهب الثنوية وبدع الفلاسفة وشبه الملاحدة في دين الإسلام… وكان في زمان شبابه قد عاشر قوماً من الثنوية وقوماً من السمنية". الفرق بين الفرق، ص. 79.
([8]) الفرق بين الفرق، ص. 79، وكذلك فقد قال الخياط في الانتصار: إن ابن الراوندي اعتقد بأن النظّام تأثر في بعض أفكاره بالمانوية والديصانية والدهرية، ما يشير إلى معرفته بهذه الأديان. وراجع أيضاً كتابه "في علم الكلام"، ج. 1، ص. 219، حيث فصّل في أسفاره وتعّرفه على الأديان والمذاهب.
([9]) نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ص. 485.
([10]) الفرق بين الفرق، ص. 79.
([11]) ابن مرتضى، المنية والأمل في شرح الملل والنحل، ص. 152.
([12]) أكثر الروايات على أن أباه أول من تسمّى بعد النبي (صلى الله عليه وسلم) بـ (أحمد). ولكن بناء على رواية اُخرى أن اسمه إبراهيم. راجع: الخوئي، معجم رجال الحديث، ح7.
([13]) السيد حسن الأمين، دائرة المعارف الشيعية، ج. 7 ص. 249.
([14]) أعيان الشيعة، ج. 6، ص. 337؛ معجم رجال الحديث، ج. 7، ص. 76. وطبيعي أن لا يعتبره بعضهم الآخر شيعياً. سزكين، التراث العربي، ج. 8، ص. 80.
([15]) دائره المعارف الشيعية، ح. 7، ص. 249.
([16]) في علم الكلام ج. 1، ص. 218.
([17]) المصدر السابق نفسه.
([18]) السيد المرتضى، الغرر والدرر، ج. 1، ص. 189، نقلاً عن عبدالرحمن بدوي، مذاهب الإسلاميين.
([19]) دائرة المعارف الإسلامية الكبرى، ج. 27، ص. 433 ضعّفت احتمال تلمذة النظّام للخليل، وقالت: إن الدليل على ذلك هو وجود عبارات عتاب للخليل بن أحمد ونُسبت إلى النظّام.
ولا يخفى عدم دلالته على المقصود؛ لأنه لا يستبعد أن يعتب تلميذ على أستاذه، ويفرط أحياناً في اللوم والعتاب، كما فعل الجاحظ أحياناً في كتاب الحيوان، حيث أورد عبارات العتاب على النظَّام أستاذه.
([20]) كنيته أبو محمد، وأبو الحكم. وفي رجال الطوسي أن ولادته سنة 135 ووفاته 199هـ. وذكر الكشي أن وفاته سنة 179هـ.
([21]) معجم رجال الحديث، ج. 19، ص. 96 _ 271.
([22]) أعيان الشيعة، ج. 10، ص. 264.
([23]) الفهرست، ص. 327.
([24]) كذا المتداول خطأ بين الكتّاب والمحققين، في حين أن الصواب هو أنه نفسه النديم لا أباه. فليلحظ ذلك ويُحقق فيه، وليُنـزع عن الخطأ إلى الصواب. (المجلة).
([25]) نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ح. 2، ص. 169 و170.
([26]) المسعودي، مروج الذهب، ج. 2، ص. 381 _ 382؛ السيد محسن الأمين العاملي، أعيان الشيعة، ج. 10، ص. 264.
([27]) رسول جعفريان، العلاقات الثقافية بين المعتزلة والشيعة، ص. 37.
([28]) الفرق بين الفرق، ص. 79.
([29]) الملل والنحل، ج. 1، ص. 56.
([30]) المصدر نفسه، ص. 57.
([31]) في علم الكلام، ج. 1، ص. 219.
([32]) نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ج2 ص172.
([33]) الملل والنحل، ج. 1، ص. 57.
([34]) في علم الكلام، ج. 1، ص. 219.
([35]) نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج. 1، ص. 502.
([36]) }وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا[ [سورة البقرة: 12].
([37]) نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج. 1، ص. 502.
([38]) الخياط، الانتصار، ص. 234 و235.
([39]) يقول أحمد محمود صبحي: ((ثم قول آخر منسوب إلى النظّام، أنه يرى الحجة في الأحكام بعد القرآن والحديث، هو أن تؤخذ من إمام معصوم. وإن صح ذلك عنه، فالنظّام قد تبنّى تماماً موقف الشيعة الإمامية، وتأثر في ذلك بمتكلمهم الأكبر: هشام بن الحكم". في علم الكلام، ج. 1، ص. 232.
([40]) الانتصار، ص. 147.
([41]) سنن الترمذي، ج. 4، ص. 466، ح. 2167؛ مسند أحمد، ج. 5، ص. 145؛ سنن الدارمي، ج. 1، ص. 29، ويراجع في مورد الحديث وبحث صحته: الاحتجاج، ص. 115؛ الخصال، ح. 2، ص. 549، ح.30.
([42]) الإفصاح في الإمامة، مصنفات الشيخ المفيد، ج. 8، ص. 47.
([43]) الملل والنحل، ج. 1، ص. 57؛ الفرق بين الفرق، ص. 80 و87 وعبارة الملل والنحل هكذا: "قوله (النظّام) في الإجماع أنه ليس بحجة في الشرع". ويقول البغدادي أيضاً: "وأنكر لأجل ذلك حجية الإجماع".
([44]) ((واعلم أن النظّام لما تكلم في كتاب النكت، وانتصر لكون الإجماع ليس بحجة اضطر إلى ذكر عيوب الصحابة" شرح نهج البلاغة، ج. 6، ص. 129.
([45]) نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج. 2، ص. 502؛ أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج. 3 ص. 126.
([46]) المستصفى، ج. 1 ص. 505.
([47]) المنخول من تعليقات الأُصول، تحقيق د. محمد حسين هيتو، ص. 303.
([48]) هذا هو تعريف ابن الحاجب المذكور في حاشية المنخول من تعليقات الأُصول للغزالي.
([49]) في علم الكلام، ج. 1، ص. 233، وللأسف فإن صبحي لم يذكر مصدراً لتعريف النظّام هذا.
([50]) مصنفات الشيخ المفيد، ج. 4 أوائل المقالات، ص. 121.
([51]) أشار السيد المرتضى في الذريعة، بعد نقلـه قول النظّام في إنكار حجية الإجماع، لـهذا المطلب بقولـه: إذا كان علة كون الإجماع حجة كون الإمام فيهم، فكل جماعة كثرت أو قلّت كان قول الإمام في أقوالـها فإجماعها حجة. الذريعة في اُصول الشريعة، طبعة جامعة طهران، ج. 2، ص. 656 _ 603، وبناء على هذا فللإجماع كاشفية عن قول المعصوم. "فالإجماع كاشف عن قول الإمام، لا أن الإجماع حجة في نفسه من حيث هو إجماع". المحقق الحلي معارج الأُصول، ص. 126. وقد طرح الشيخ الأعظم الأنصاري في الرسائل مباحث علمية دقيقة في هذا الموضوع.
([52]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأُصول، ج. 1، ص. 79.
([53]) الملل والنحل، ج. 1، ص. 57.
([54]) في علم الكلام، ج. 1، ص. 235.
([55]) الملل والنحل، ج. 1، ص57.
([56]) علي الأسواري (المتوفى (20هـ/854م.) من الطبقة السابعة للمعتزلة، ومن معاصري العلاّف والنظّام ومردار.
([57]) الانتصار، ص. 155.
([58]) علي بن إسماعيل بن شعيب ابن ميثم التمار، على رواية ابن النديم في الفهرست، ص. 327 من أوائل متكلمي الإمامية، لـه كتاب: الإمامة، والاستحقاق.
([59]) "وكان (الأسوار" من أتباع أبي الـهذيل، ثم انتقل إلى مذهب النظّام". الفرق بين الفرق، ص. 91.
([60]) "ووافقه الأسواري في جميع ما ذهب إليه". الملل والنحل، ج. 1 ص. 58.
([61]) يقول ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، ج. 2، ص. 308: قال المتكلمون كافة: الإمامة واجبة، إلاّ ما يحكى عن أبي بكر الأصم من قدماء أصحابنا أنها غير واجبة، إذا تناصفت الأُمة ولم تتظالم.
وأيضاً الخوارج في بدء أمرهم أنكروا الإمامة، ويذهبون إلى أنه لا حاجة إلى الإمام، ثم رجعوا عن ذلك القول لما أمّروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي. يقول أمير المؤمنين ×: إن الخوارج يقولون: (لا إمرة)، ويقول ابن أبي الحديد في شرحه لهذا الكلام، بأن هذا كان في أوائل أمرهم ثم رجعوا عن هذا القول.
وذكر ابن خلدون، في "المقدمة" أيضاً اتفاق متكلمي الإسلام باستثناء أبي بكر الأصم والخوارج على وجوب الإمامة.
([62]) العلامة الحلي، أنوار الملكوت في شرح الياقوت، ص. 202 و203. ويقول ابن أبي الحديد: إن المعتزلة قائلون أيضاً بوجوب الإمامة العقلي، لكن لا من حيث يذهب إليه الشيعة. شرح نهج البلاغة، ج. 2.
([63]) النوبختي، فرق الشيعة، ص. 11.
([64]) المصدر نفسه.
([65]) نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج. 2 ص. 502.
([66]) فرق الشيعة، ص. 8.
([67]) الملل والنحل، ج. 1، ص. 57.
([68]) في علم الكلام، ج. 1، ص. 219.
([69]) مثل ابن قتيبة الدينوري (ت/276هـ) في تأويل مختلف الحديث، ص. 15 _ 32؛ الشهرستاني في الملل والنحل، ج. 1، ص. 57؛ البغدادي في الفرق بين الفرق، ص.80 و89 و90 الشيخ المفيد في الفصول المختارة، ص. 205 _ 210؛ ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، ج. 6، ص. 129؛ أحمد أمين في ضحى الإسلام، ج. 3، ص. 86؛ أحمد محمود صبحي، قال في كتابه في علم الكلام، ج. 1، ص. 219: "نقد بعض كبار الصحابة ومحدثي أهل السنة"؛ عبد الرحمن بدوي في مذاهب الإسلاميي، ج. 1، ص. 266، ونسب ابن الراوندي هذا الرأي للنظّام. راجع: الانتصار، ص. 213. .
([70]) شرح نهج البلاغة، ج. 6، ص.130.
([71]) المصدر نفسه.
([72]) يبدو أن هذا الكتاب ليس موجوداً حالياً، وفي رسالة للجاحظ إلى أبي عبداللـه أحمد بن أبي داود أخبره عن كتاب "(الفتيا" (رسائل الجاحظ، ج. 1، ص. 309)، وقال أيضاً في كتاب الحيوان، ج. 1، ص. 8: بأن هذا الكتاب هو في القول في اُصول الفتيا والأحكام، وراجع أيضاً طه الحاجري، الجاحظ حياته وآثاره، ص. 309.
([73]) وكمثال، ينقل الشيخ المفيد أن النظّام طعن في أبي بكر بأنه لما سئل عن معنى آية: ]وفاكهة وأباً[ [عبس/31] لم يعرف معنى "الأبّ". نقل هذا في كتب الشيعة أيضاً وهو موجود في كتب السنة. وأنموذجاً راجع: كنـز العمال، ج. 1، ص. 274.
([74]) مصنفات الشيخ المفيد، ج. 2، ص. 212.
([75]) مصنفات الشيخ المفيد _ الفصول المختارة، ج. 2، ص. 210 _ 212. وللتفصيل راجع: ص. 212 _ 239.
([76]) ابن قتيبة الدينوري، تأويل مختلف الحديث، ص. 18.
([77]) المصدر نفسه.
([78]) الفرق بين الفرق، ص. 89.
([79]) المصدر نفسه.
([80]) نقل الشهرستاني عن النظّام قولـه: "إن عمر ضرب فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح: احرقوا دارها بمن فيها، وما كان في الدار غير عليّ وفاطمة والحسن والحسين". الملل والنحل، ج. 1، ص. 57، ونقل البغدادي أيضاً عن النظّام قولـه: "إن عمر ضرب فاطمة". الفرق بين الفرق، ص. 89.
([81]) الفرق بين الفرق، ص. 89؛ والملل والنحل، ج. 1، ص. 57.
([82]) المصدران نفسيهما.
([83]) الفرق بين الفرق، ص. 90.
([84]) تأويل مختلف الحديث، ص. 17؛ الفصول المختارة، ص. 204.
([85]) يبدو أنه لم يفرق بين أقسام القياس في زمن النظّام، حيث نعلم أن الاستدلال المستخدم في أصول الدين هو قياس منطقي، وهو غير القياس الفقهي الذي يصطلح عليه في المنطق بالتمثيل لا القياس.
([86]) الفصول المختارة، ص. 204.
([87]) تأويل مختلف الحديث ص17؛ الفصول المختارة، ص. 205.
([88]) "ثم قضى في الجد بمئة قضية مختلفة". المصدران السابقان.
([89]) "أجرؤكم على الجد أجرؤكم على النار". المصدران السابقان.
([90]) الفصول المختارة، ص. 205.
([91]) الفرق بين الفرق ص89. وترجم رسول جعفريان في كتابه العلاقات الثقافية بين المعتزلة والشيعة، ص. 47 ميراث الضرة بـ "ميراث العترة"، ولكن في كتب اللغة: الضرة هي الزوجة الأُخرى.
([92]) الملل والنحل، ص. 57.
([93]) المصدر السابق نفسه. أمر الخليفة الثاني بمصادرة نصف أموال ولاته وإرجاعها لبيت المال. والإشكال هو أنه إذا كانت تلك الأموال مشروعة فلماذا تصادر؟ وان لم تكن مشروعة فلماذا إرجاع نصفها؟
([94]) الملل والنحل، ص. 57؛ والفرق بين الفرق، ص. 89.
([95]) الملل والنحل، ج. 1، ص. 57.
([96]) المصدر نفسه.
([97]) الملل والنحل، ج. 1، ص. 57؛ والفرق بين الفرق، ص. 90 وفيه هذه الإضافة: "حتى صلّى بالناس وهو سكران".
([98]) الملل والنحل، ج. 1، ص. 57.
([99]) المصدر نفسه.
([100]) المصدر نفسه.
([101]) المصدر نفسه.
([102]) ابن قتيبة، تأويل مختلف الحديث، ص. 19. ثم يذكر موارد لتكذيب هؤلاء الصحابة لـه.
([103]) الفرق بين الفرق، ص. 89. ونقل عبدالرحمن بدوي أيضاً نفس العبارة عن البغدادي في مذاهب الإسلاميين، ج. 1، ص. 268.
([104]) انظر هاشم معروف الحسني، الموضوعات في الآثار والأخبار.
([105]) ابن عبدالبر النميري القرطبي (ت/642هـ).
([106]) في علم الكلام، ج. 1، ص. 231.
([107]) الملل والنحل، ج. 1، ص. 57.
([108]) في علم الكلام، ج. 1، ص. 232.
([109]) وقد وردت أحاديث في هذا الخصوص: الكافي، ج. 7، ص. 299؛ وأيضاً وسائل الشيعة، ج. 18، ص. 150. وقد طرح بحث القياس في الكتب الفقهية عادة في بحث الديات في ذيل حديث أبان بن تغلب عن الصادق × حول قطع الإصبع. وفي كتب الأُصول راجع: محمد رضا المظفر، اُصول الفقه، ج. 3، ص. 181 _ 204.
([110]) رسائل الشريف المرتضى، المجموعة الأُولى، ط. دار القرآن، ص. 202 _ 204.
([111]) أساس الاقتباس، نشر جامعة طهران ص333 _ 336؛ وأيضاً راجع: محمد رضا المظفر، المنطق.
([112]) رسائل الشريف المرتضى، المجموعة الأُولى، ص. 202 _ 204.
([113]) راجع: مقالات الإسلاميين، ج. 2، ص. 16. ولقول النظام بالجزء الذي لا يتجزأ راجع: الانتصار، ص. 33؛ في علم الكلام، ج. 1، ص. 236 _ 239؛ الملل والنحل، ص. 55؛ الفرق بين الفرق، ص. 79.
([114]) كاپلستون، تاريخ الفلسفة، ج. 1.
([115]) الفرق بين الفرق، ص. 42.
([116]) ومن جملة من طرح هذه النظرية: أ _ الخياط المعتزلي في الانتصار. ب _ أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين. ج _ ابن تيمية في منهاج السنة. د _ البغدادي في الفرق بين الفرق. هـ _ أحمد أمين المصري في ضحى الإسلام، وبعض آخر من الكتّاب قديماً وحديثاً. وللتفصيل أكثر راجع: قاسم جوادي، تأثير الآراء الكلامية للشيعة على المعتزلة، فصلية (هفت آسمان) العدد الأول، ص. 122.
([117]) كما أشار صبحي في كتابه في علم الكلام، ج. 1.
([118]) ذكر مطلب في أمالي الطوسي، يمكن على أساسه القول: إنَّ النظّام كانت لـه تأملات دقيقة وعميقة في شخصية أمير المؤمنين × فهو يعتقد بأنَّه وقع إفراط وتفريط في هذه الشخصية، فطائفة غلت في حقه، وطائفة جهلت حقه وجفته. وأن الطريق لمعرفة هذا الإمام كما هو حقه شاق، ولا يمكن إلاّ للفطن الحاذق، ونقل الجاحظ عن النظّام قولـه: "عليّ بن أبي طالب × محنة على المتكلم، إن وفّاه حقه غلا، وإن بخسه حقه أساء. والمنـزلة الوسطى دقيقة الوزن، حادة اللسان، صعبة الترقي إلاّ على الحاذق الذكي" الأمالي، ص. 588.
وهذا يؤيد ما ذهبتُ إليه في المقال من أنَّ ما نُقل عن النظّام من انتقاده للإمام عليّ ×، لم يكن اعتقاده الدَّائم، بل إنه حينما أصبح في وضع فكري آخر بعد اتصالـه بأمثال هشام بن الحكم، وبعد تأملاته الدقيقة استطاع الوصول إلى معرفة شخصية الإمام عليّ ×. وبيانه المذكور هنا يدل على دقة نظره في عظمة شخصية الإمام.