الحركة النسوية
ومنزلة المرأة في الإسلام
قراءة مقارنة
السيد محمد شفيعي المازندراني
ترجمة: الشيخ علي ظاهر
المقدمة:
قبل فتح مكة كان أبو سفيان قد نقض صلح الحديبية فأراد المجيء إلى المدينة لوضع حلٍّ للمشكلة لصالحه، لهذا الأمر توجّه قاصداً المدينة للقاء كبرائها؛ بغية التوسط لمقابلة رسول الله(ص) والحصول على الأمان، والتوصل لمعاهدة للصلح، فلم تتم الاستجابة له، ويروى أنه التجأ إلى السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام فلم يصل إلى نتيجة: (فالتجأ إلى فاطمة عليها السلام فلم ينفعه)([1]).
من هذا المقطع التاريخي، يظهر لنا أنّه كان للسيدة فاطمة(ع) دخالة في الأمور الاجتماعية والسياسية؛ ولذلك رجع أبو سفيان إليها، إلاّ أنها لم تقبل التوسّط له.
وفي عام فتح مكة التجأ الحارث بن هشام إلى أم هانئ ابنة أبي طالب فأعطته الأمان، ولما دخل الإمام علي(ع) المنـزل أراد مجازاة الحارث، فوقفت أم هانئ أمامه حائلةً دون ذلك.
عندها دخل النبي الأكرم(ص) فشاهد أم هانئ على هذه الحالة فنظر إليها فتبسّم، وقال: (قد أجرنا من أجرت؛ ولا تغضبي علياً فإنّ الله يغضب لغضبه).
ثم قال(ص): يا علي أغلبتك امرأة؟ فقال: يا رسول الله ما قدرت أن أرفع قدمي من الأرض، فضحك النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (لو أن أبا طالب ولد الناس لكانوا شجعاناً)([2]).
وفي كتاب (النهاية) لإبن الأثير، ورد في بحث (لمم) حول استجواب السيدة فاطمة الزهراء(ع) لأبي بكر حول مسألة فدك: (أنها خرجت في لُمّة من نسائها تتوطّأ ذيلها إلى أبي بكر فعاتبته)([3]).
ومن ملاحظة الشواهد الكثيرة في العديد من مصادر أهل السنة والمقبولة عندنا أيضاً، نخلص إلى ما يلي:
أ – المرأة التي تملك اللياقة والجدارة لها حق إبداء الرأي في أهمّ الأمور السياسية والاجتماعية للبلاد.
ب – اهتمام النبي(ص) بآراء النساء ومواقفهنّ، بحيث إن أعطين الأمان لأحد وافق(ص) على ذلك وأمضاه.
ج – على الرغم من أنّ مسألة الاهتمام برأي المرأة ونظرتها للأمور لا تتمتّع بسابقة طويلة في البلدان الديمقراطية، إلاّ أن الإسلام ومنذ ظهوره كان قد احترم رأي المرأة وكان له السبق في هذا المضمار.
حضور المرأة في المجتمع ومنع دوافع الفساد:
في المدينة المنورة منطقة تعرف باسم (المساجد السبعة)، وهي المنطقة التي وقعت فيها معركة الأحزاب، حيث يوجد هناك وعلى مقربة من مسجد لإمام علي(ع) مسجد السيدة فاطمة I، هذه المساجد انت أماكن عبادة للحاضرين في ذلك الميدان (معركة الاحزاب) وللمتخندقين للحرب، وهي شهادة تاريخية على حضور المرأة ودورها في مجتمع المسلمين.
بناءً عليه، كان حضور المرأة ودورها في الساحات الاجتماعية والسياسية مورد تأييد الرسول الأكرم وقبوله(ص)، وإنما نهى(ص) فقط عن تلك النشاطات والفعاليات التي تؤدّي إلى تهييج النفوس وإثارة الشهوات.
بعد إنجاز بناء مسجد النبي(ص) في المدينة، أقيمت فيه صلاة الجماعة للرجال بإمامة النبي(ص)، وللنساء بإمامة أحد الصحابة.
ينقل عبدالله بن عمر عن النبي(ص) أنّه قال: >لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خيرٌ لهن<([4])، وقد فسَّر(ص) الآية: >ولا يبدينَ زينتهنَ إلاّ لبعولتهن<: (لا خلخال ولا شنف ولا قرط ولا قلادة). وفي معرض تفسير الآية: >الاّ ما ظهر منها< قال(ص): (الثياب)([5]).
روى أبو موسى الأشعري أنّ النبي(ص) قال: (أيّما امرأة استعطرت، فمرّت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية)([6]).
بعد التدقيق في الأحاديث المتقدّمة يظهر أنّ ما هو محرَّم وممنوع هو حضور النساء المضرّ والمخرّب، وليس الحضور البنّاء الهادف.
في الماضي كان الأب يحزن ويغتم إذا ولدت له اُنثى، في ذلك الوقت قال رسول الله(ص): (البنات حسنات)([7])، وفي مجتمع لم يكن يرى أية قيمة تذكر للنساء قال(ص): (حبّب إليّ النساء والطيب، وجعلت قرة عيني الصلاة)([8]).
وكان النبي(ص) في بعض أسفاره يصطحب معه عدداً من النساء، وكذلك في الحروب، كان يأخذ معه إلى ساحة القتال ممَّن لديهنّ القدرة والخبرة في الحرب.
ففي معركة أحُد كانت هناك امرأة تدعى نسيبة، أخذت سيفاً ودافعت به عن الرسول(ص) حيث قال في حقّها: (لمقام نسيبة بنت كعب أفضل من مقام فلان وفلان)([9]).
دعاة تحرير المرأة أو الحركة النسوية:
إنّ شعار (حقوق المرأة) والدفاع عنها واحد من الشعارات المغرية التي انتشرت في أفق الفكر الإنساني، وإن مسألة حماية حقوق المرأة إن كانت جدّية وبعيدةً عن الكذب والخداع فهي ذو قيمة واحترام؛ ذلك أنّ نظرة الدين عموماً وبخاصة الدين الإسلامي إلى المرأة نظرة خاصة، تعطي المرأة مكانتها اللائقة بها وتحترمها، على عكس ما هو موجود – وللأسف – في المجتمعات اللادينية أو البعيدة عن الدين.
ولاشـكّ أنّ غلو المدافعين عن المرأة وإفراطهم ساهم في تضييع حقوقها الإنسانية، فكانت النتيجة أن انتقص هؤلاء – دعاة حقوق المرأة – من قيمة المرأة وهويتها تحت شعار الدفاع عنها. وبديهي ألاّ يصلوا إلى غير هذه النتيجة بسبب سلوكهم المنحرف والضال؛ وإن جاءت فكرة الدفاع عن حقوق المرأة بوصفها ردة فعل طبيعية على إهمال حقوق المرأة وتجاهلها على مدى عصور، لكن لا ينبغي البحث عن العلاج من خلال هذه الحركات.
نعم في الأعصار المختلفة – ظُلمت المرأة كثيراً وتعرضّت للامتهان إلا لدى أتباع الرسل والأنبياء، وأمّا فكر الحركة النسوية فإنّ له ارتباطاً – بالتأكيد – بالعلوم الإنسانية، دون أ، يحظى بماضٍ طويل من الناحية التاريخية.
منطق الحركة النسوية:
راجت فكرة المساواة بين الرجل والمرأة في القرن السابع عشر الميلادي. فالحركة التي بدأت في ذلك القرن باسم حقوق الإنسان الفطرية والطبيعية ظهرت ثمارها في فرنسا في القرن الثامن عشر الميلادي.
في البداية نظر دعاة حقوق البشر نظرةً دونيةً للمرأة، فالكاتب الفرنسي الشهير مونتسكيو – أحد رادة الثورة الفرنسية – عرَّف النساء في كتابه روح القوانين (1748م) بأنها موجودات ذات أرواح حقيرة وضعيفة الدماغ، متكبرة ومحبّة لنفسها.
هذا ولم يرد كلام حول المساواة بين الرجل والمرأة في وثيقة (حقوق الإنسان) التي صودق عليها في فرنسا عام 1789م، وهذه الوثيقة في الحقيقة كان ينبغي إعلانها وثيقةَ حقوقٍ للرجل.
في القرن التاسع عشر الميلادي توسّعت حركة المرأة في فرنسا، وأُطلق عليها المصطلح الفرنسي (Feminusm)، وفي الواقع كانت الحركة هذه نوعاً من الاعتراض على سيادة الرجل الواضحة والتي كانت حاكمة على وثيقة حقوق الإنسان التي صدرت في فرنسا([10]).
عام 1918م حصلت النساء في بريطانيا على حقّ إبداء الرأي، وهذا الأمر كان واحداً من إنجازات الحركة النسوية التي تراجعت بعد ذلك وخبا وهجها، حتى أن البعض اعتبر العقدين الأوّلين من القرن العشرين سنوات الطفرة البدائية لحركة المرأة.
بعد الحرب العالمية الثانية، أي في سنة 1945م، وجدت نظرية (المساواة بين الجنسين) أنصاراً كثر، فكانت محصّلة الأمر أن طرحت لأول مرة مسألة (المساواة) وبشكل واضح في إعلان (حقوق الإنسان) على مستوى عالمي، لينتشر عام 1948م من قبل الأمم المتحدة.
وعلى كلّ حال، فمع أنّ إعلان حقوق الإنسان، أكّد على الحقوق الطبيعية والفطرية للإنسان إلا أنه أضحى فاقداً للاعتبار القانوني وللضمانة التنفيذية، وبمعنى آخر، لم يصل إلى حيز التنفيذ ولم يطبق بالأصل ([11]).
ومنذ ذلك الحين فصاعداً أدّى هذا الأمر إلى بروز معاهدات دولية ضمن منظومة عمل الأمم المتحدة تتمتّع باعتبار قانوني أكبر، وتعنى بشكل أوضح بقضايا المرأة، ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى عدة اتفاقيات أو وثائق.
ـ وثيقة حقوق النساء السياسية عام 1952م.
ـ وثيقة موافقة المرأة في زواجها عام 1962م.
ـ وثيقة منع أي شكل من أشكال التمييز ضد النساء عام 1979.
وأعلنت الاُمم المتّحدة الأعوام العشرة ما بين 1974 و 1985م أعوام المرأة العشرة أو عقد المرأة.
أفول الحركة النسوية:
خلال عقد السبعينات كانت أي امرأة تنتسب أو تناصر الحركة النسوية تعرف من خلال مظهرها الخارجي، شعرها القصير (الذكوري)، الحذاء ذو الكعب البسيط الارتفاع، البنطال (السروال) الخشن الملاصق للجسم، والوجه الخالي من آثار التجميل، بحيث تمتاز بذلك عن باقي أفراد بنات جنسها.
وقد أعلن أتباع هذه الحركة عن أهدافهم عبر رفضهم المطلق للزواج، وتأكيدهم على حرية المرأة، واستقلالها في العمل من الناحية الاقتصادية.
من هنا، يمكن القول: إنّ شعار (نساء من دون رجال)، أو (السلوك الرجالي) قد ارتبط بهذه المرحلة وكان من سماتها.
فيما بعد، انتقلت الحركة النسوية من حالة التطرّف إلى حالة الاعتدال حيث سلكت منحىً آخر، الاّ أنّ الآثار السيئة للتطرّف كانت ما زالت واضحة لدى تلك الحركات التي كان مبدؤها محورية المرأة، مما أدّى إلى أن تغدو المرأة عرضةً – بالدرجة الأولى – لهذه الأضرار.
لقد كان من نتائج تلك المرحلة العنف الذي أخذ يتزايد يومياً في محيط العائلة وفي محيط العمل، بالإضافة إلى فقدان الأمان الجنسي.
على إثر ذلك، توجّه المجتمع الغربي مجدداً نحو الأدوار التقليدية للأسرة من خلال النظر إلى ترويج العادات والتقاليد الأسرية، فالعالمان دانيل لژه Danyal Lageh وبرنزان هارويو Bern Zane Harvyou لاحظا عند البحث في أحوال المجتمع، أن تحولاً جديداً قد ظهر إلى العلن. حيث ظهرت صورة العائلة الأكثر تقليديةً ومثالية، وأنّ الناس توافقوا على ضمّ الجد والجدة إلى البنية العائلية، لتصبح العائلة متكوّنة من ثلاثة أجيال: الأم والأب، الأولاد، الجد والجدّة، وبرزت هذه الأدوار التقليدية ونمت بشكل متسارع، وبالنتيجة أصبح الرجل أكثر قوّة وقيمومة على الأسرة([12]).
وأيضاً أعلنت منظمة الأمم المتحدة عام 1994م عاماً للعائلة، ومنذ ذلك الحين أخذت النساء العصريات تسعى في إظهار تمايزها عن الرجال بمظهرها وسلوكها الأنثوي الخاص المتميّز باللين والرقّة واللطافة.
الإفراط في الدعوة إلى حرية المرأة:
اعتبر بعض دعاة حرية المرأة أنّ أساس الظلم الذي لحق بالمرأة يكمن في فقدان الحقوق المدنية، وعدم المساواة في فرص التعليم.
كما أن بعضهم رفض أن يكون جنس الشخص (ذكر أو أنثى) مؤثراً في تحديد حقوقه، واعتبروا أنّ الفطرة لدى النساء والرجال واحدة تماماً، وأنّ ما هو موجود هو الإنسان فقط لا الجنس.
وقد كانت من أهداف هؤلاء تحقيق المجتمع القائم على الجنسين معاً اللذَيْن هما أعضاء المجتمع سوية، بغضّ النظر عن الخصائص الرجالية والنسائية والاختلافات والفوارق النفسية المبالغ فيها.
وهذا يعني عدم وجود فروقات قوية بين تلك الخصائص للجنسين، فالفتيان والفتيات يحظون سويةً بإمكان التعلّم، ولا تفرض تلك المميزات والخصائص عليهم أمراً آخر.
وكذلك اعتبروا أنّ واقع الجنس ودوره كان نتيجة العلاقات الاجتماعية طوال التاريخ، وليست ودائع أو مواهب للطبيعة غير قابلة للتخلّف.
وقد قبلوا بنظرية (موركَان) Morkan الذي اعتقد أنّ الأمومة (قيمومة الأم) قد راجت في بداية الحياة البشرية، أما قيمومة الرجل (الأب) فاعتُبِرت أمراً طارئاً وعابراً، بحيث هيمن – وبشكل تدريجي – على المجتمعات فيما بعد([13]).
الحركة النسوية الماركسية:
في القرن التاسع عشر للميلاد وانطلاقاً من نظرية مروكَان morkan في (قيمومة الأم) في المجتمعات البشرية، اعتقد المذهب الماركسي أنّ ظهور الملكية الخاصة في المجتمعات سبّب تقييد المرأة والحدّ من فعاليتها، وهذه الحالة ستستمر مادامت الملكية موجودة وما دامت الأسرة البرجوازية حاكمة.
بينما سعت الرأسمالية إلى المحافظة على العمل المنـزلي بشكله الحالي، وقد عارضوا تحوّله إلى ظاهرة تعمّ المجتمع أي: (حالة اجتماعية عامة).
وانطلاقاً من هذا التحليل عينه طرح إنجلز وماركس [Marx & Engls] نظرية إلغاء الأسرة، كونها أصغر وحدة اقتصادية في المجتمع، حيث اعتقد انجلز Engles أنّ ظهور الأسرة كان تجلّياً ونتيجة لاستثمار الرجل للمرأة والأولاد. وقد ادعوا أنّ النساء سوف يتحرّرن بعد سقوط النظام البرجوازي، ومن هذه الجهة افترضوا أنّ النظال النسوي من أجل تحرير المرأة تابعٌ للنضال الطبقي.
وبالنظر إلى أنّ النظام الراسمالي قد قسّم المجتمع إلى قطاعين وساحتين:
ـ القطاع العام (السوق).
ـ القطاع الخاص (العائلة).
اعتبر انجلز أنّ أول شرط لتحرير النساء ربات البيوت، هو انخراط هذا الجنس (المؤنث) في الحياة اليومية والأنشطة العامّة في حياة المجتمع، وقد سدّدت الماركسية بهذه الطريقة ضربة قاسية إلى أركان الأسرة، لم تكن قابلة للجبران بتلك السرعة.
أما المغالون من دعاة الحركة النسوية وتحرير المرأة فقد عارضوا الزواج لأنّه يحوِّل المرأة إلى (ربة منزل، ومنجبة أولاد) و(متفانية في خدمتهم). ويحوّل الرجل إلى (معيل، وأب، وأناني).
من جانب آخر، وبسبب إخضاع الرجال النساءَ لسلطتهم حتى في علاقاتهم الجنسية، ينبغي أن تعيش النساء منفصلةً عن الرجال، وأن يعتبرن الرجال العدو الأساس لهنّ.
وقد عدُّوا نظرية (الزواج الحر) أسهل طريقة للخلاص من العبودية والاستغلال الذكوري.
و(الزواج الحر) نوع من التعايش المشترك بين الرجل والمرأة.
وعلى أساس هذه النظرية لا توجد أية مسؤوليات حقوقية على عهدة الطرفين، وهذه الرابطة هي فقط استجابة للحاجات الجنسية بدون إيلاء دور للجانب العاطفي.
والجدير بالذكر أن هذه الدعوة الإفراطية ترقّت بعد ذلك إلى مرحلة الدعوة إلى حرية الزواج بالمثل.
أنصار الحركة النسوية اليوم:
من السبعينات من القرن الماضي برز على الساحة تيار جديد داخل الحركة النسوية باسم: (دعاة المرأة الجدد)، حيث تأثّر هذا التيار بالمدارس الفكرية ما بعد الحداثية، بحيث استند دعاة المرأة الجدد إلى علم النفس السلوكي للتأكيد على حفظ الخصائص النسائية.
وهؤلاء بتأكيدهم على أصل التفاوت الموجود بين بني البشر اعتقدوا أن قيم ومبادئ الحركات النسوية الراديكالية التي سادت العالم آنذاك ليست مستحيلة التحقق فقط، بل من الممكن لها خلق أشكال جديدة من الظلم؛ ذلك أنّ هذه الرؤى قد غفلت عن تفاوت ظروف المجتمعات واختلاف الثقافات.
بالإضافة إلى ذلك، يذهب هذا الاتجاه إلى أنّ المرأة تحتاج إلى الأسرة سواء زوجة كانت أو بنتاً.
ومع وجود الاختلافات الكثيرة في توجهات أتباع الحركة النسوية، إلاّ أنّه يمكن الإشارة إلى الوجوه المشتركة فيما بينها جميعاً.
ـ إنّ مصدر التشريع والتقنين ومعيارهما هو النتاج الفكري البشري نفسه.
ـ جميع أعضاء هذه الحركات هم (الأبناء البررة) لعصر النهضة ومذهب الأنسنة.
ـ الهجوم على الأسرة ومحاربتها باعتبارها نواةً قائمةً على أساس قيمومة الرجل ورعايته.
ـ المطالبة بإزالة التمايز بين الجنسين في قوانين التربية والتعليم، وعلى مستوى الفرص والإمكانات.
الحركة النسوية في إيران:
مع الغزو الجديد للثقافة الغربية، وعلى أعتاب الحركة الدستورية، تغيّرت وضعية النساء في إيران، وجاء ذلك مترافقاً مع سائر التغييرات التي رافقت بقية فئات المجتمع.
ومن هنا، ينبغي اعتبار الحركة الدستورية نقطة تحوّل مفصلية في تاريخ إيران السياسي؛ لأنّها أوجدت تأثيراً وتحولاً جديداً في تطوّر التوجهات والاهتمامات في أوساط النساء وتبدلها، وجرَّت المجتمع الإيراني – على حين غفلة ودون إرادته – إلى فلك الثقافة الغربية.
وقد قرأ بعض المتأثّرين بالغرب والفكر الغربي في الداخل التحوّلات الثقافية في العالم الغربي بنوعٍٍ من الإيجابية والتفاؤل، معتبرين أنّ طريق السعادة يكمن فقط في السير على خطى العالم المتحضِّر واتخاذه قدوة، وترك المظاهر التقليدية والعادات المحليّة.
ولهذا ظهرت في أواخر حكم القاجاريين حركات قويت ونمت بفعل نشاط النساء – زوجات وبنات – اللواتي تربين في أجواء ثقافة الغرب، حتى أنّ بعض هؤلاء المثّقفات كنّ يكتبن مقالات في مجلات إيرانية تطبع خارج البلاد قبل الحركة الدستورية نفسها، وكنّ يروّجن – في كتاباتهن هذه – ثقافة الغرب ورؤاه، بحيث أصبحت الكتابات والأفكار التي تبنتها هذه الفئة شاهداً قوياً على تأثرهنّ بالتحولات والتغيّرات الغربية([14]).
مع حلول عصر سلالة البهلويين – الحكم الشاهنشاهي – بدأ فصل جديد في تاريخ المرأة في إيران، بحيث أظهر التغرُّب واللاإنتماء ما تبقّى من وجهه المخفي، إلى درجة أصبحت الدعوة إلى (كشف الحجاب) الذي جرى عام 1938م بحجّة تحرير نصف قوى المجتمع الإنساني، أصبحت نقطة تحوّل حملت الكثير من التغييرات في الساحة الإيرانية، مما أوجد تأثيرات وانطباعات سلبية في ذهن المجتمع الإيراني المسلم.
مبادئ الحركة النسوية:
المبادئ الإنسانية لهذه الحركة في الغرب مبنية على ما يلي:
1 – رفض الكنيسة ونفوذ المسيحية.
2 – تحطيم الانتماء الديني، وإبعاد الدين عن الأسرة.
3 – رفض قيم الدين الأخلاقية المتعلّقة بالمرأة ومن أبرزها:
ـ الحجاب.
ـ العفاف.
ـ التحصُّن.
ـ الوفاء.
ـ الحياء… وكل ما يشكّل قيمة إنسانية بنظر الدين.
4 – التعدّي على حريم الأسرة وتخريب العلاقات العائلية السليمة.
5 – العمل على الحدّ من الضوابط والالتزامات الأسرية والقضاء عليها.
هذه المبادئ أعلاه بنيت على أساس نظرية المتشدّدين في الدعوة الى الأنسنة، حيث النفي القاطع للجوانب المعنوية من الإنسان، ومعاداة الدين وإنكار كلّ ما يتعلّق بالله من مبادئ وأصول.
لذا كان لزاماً على المسلمين الالتفات إلى أن تعاليم الحركة النسوية ومبادئها قد تشكّلت في إطار معايير ومعتقداتٍ إلحادية خاصّة، لا تمتلك أي موازين ثابتة أو نقاط اشتراك مع مبادئ وتعاليم الأديان الإلهية السمحة والحيّة، وخاصة الإسلام، من أجل الدفاع عن المرأة وحماية حقوقها، وجعلها في المكان المناسب الذي يليق بها وبكرامتها ومنـزلتها.
حقوق المرأة من وجهة نظر الإمام الخميني(قده):
بناءً على رؤية الإسلام ونظرته للمرأة، أوضح الإمام الخميني في مناسبات مختلفة هذه النظرة وبيَّن منـزلة المرأة ومكانتها الحقيقية.
للمرأة في نظر الإمام الخميني منـزلة ومقام لم يستطع أي مذهب وأي حركة إعطائها ومنحها لها، بل على العكس من ذلك فقد أهبطت تلك الحركات أو المذاهب مستوى المرأة إلى حدّ المهزلة والألعوبة.
يشير الإمـام الخميني إلى تلك المنـزلة وذاك المقام في معرض حديثه عن مقام السيدة الزهراء I بمناسبة يوم المرأة العالمي ويقول: (غداً يوم المرأة، يوم المرأة التي يفتخر بها العالم بأسره، يوم امرأةٍ وقفت ابنتها في وجه الحكومات الطاغية، ونطقت بذلك الكلام الذي نعرفه جميعاً…)([15])، (إنّه يوم عظيم أن أطلّت على الدنيا امرأة تضاهي الرجال جميعاً، امرأة هي أنموذج الإنسان الكامل، امرأة تجلّت فيها الهوية الإنسانية الكاملة…).
(أبارك للشعب الإيراني العظيم، لا سيما النساء المحترمات يوم المرأة المبارك، إنّه يوم شريف للعنصر المتألّق (المرأة) الذي هو أساس الفضائل الإنسانية والقيم السامية لخليفة الله في الأرض، وما هو أكثر بركة وأعظم قيمة، هذا الاختيار الموفق للعشرين من جمادى الآخرة – ذكرى ميلاد المرأة العظيمة، مفخرة الوجود ومعجزة التاريخ – يوماً للمرأة)([16]).
(أبارك لكنّ أيتها السيدات وجميع نساء البلدان الإسلامية العيد السعيد، عيد ولادة المولد الأعظم، الصديقة فاطمة الزهراء، وآمل أن تسلك كل النساء الطريق الذي اختطّه الله تبارك وتعالى لهنّ، وأن يحققن الأهداف الإسلامية السامية، إنّه لمفخرة كبرى اختيار يوم مولد الصديقة الزهراء يوماً للمرأة، إنّه لمفخرة ومسؤولية أيضاً)([17]).
تكريم وجود المرأة:
كرّمت المرأة في نظر الإمام الخميني (قده) تكريماً عظيماً وكثيراً، وجعلت في منـزلة رفيعة جداً، ويتّضح ذلك من خلال حديثه الذي يقول فيه:
(يريد الإسلام للرجل والمرأة أن يحثّا السير في مدارج الكمال، فالإسلام أنقذ المرأة مما كانت عليه في الجاهلية.
لقد قدّم الإسلام للمرأة خدمةً كبيرةً تفوق – بقدر كبير – الخدمة التي قدّمها للرجال، وأنتنّ تعلمن كيف كانت المرأة في الجاهلية وما أصبحت عليه في الإسلام، ففي العصر الذي بعث فيه نبي الإسلام(ص) لم يكن للمرأة شأن أو قيمة تذكر، الإسلام هو الذي منحها القدرة والمكانة)([18]).
المرأة منبع السعادة:
لقد تنبه الإمام الخميني (قده) إلى الأغراض السيئة والنوايا المشبوهة لآراء ما يسمّى بالحركة النسوية، وكان يؤكّد على الدوام على مكانة النساء وتأثيرهن على المجتمع، يقول: (لو جرّدوا الأمم والمجتمعات من النساء الشجاعات والمربيات الفاضلات فسوف تهزم هذه الأمم وتؤول إلى الانحطاط، الإسلام يوليكنّ ذلك القدر من الاحترام الذي لم يوله للرجال، الإسلام يريد لكنّ النجاة، الإسلام يريد إنقاذكنّ من المهزلة التي يريدها هؤلاء لكنّ، لتصبحن ألعوبةً بأيديهم، الإسلام يريد أن يصنع من المرأة إنساناً كاملاً)([19]).
ويضيف الإمام الخميني (قده): (المرأة إنسان، بل إنسان عظيم، وهي مربية للمجتمع، فمن أحضان النساء يولد الرجال الصالحون، في البداية يأتي الرجل والمرأة السالمين من حضن المرأة، سعادة البلدان وتعاستها منوطة بالمرأة، لأنّها بتربيتها الصالحة تصنع الإنسان الصالح وبتربيتها السليمة تعمر البلاد، إنّ حضن المرأة مهد للسعادة والخير والبركة؛ لذا ينبغي أن تكون المرأة منبع جميع السعادات)([20]).
(المرأة مظهر تحقق آمال البشرية، هي مربية النساء والرجال الأفاضل)([21]).
(تربي النساء في أحضانهنّ الرجال الشجعان، فالقرآن يصنع الإنسان، والمرأة أيضاً تربي الإنسان، ولو جرّدت الاُمم من النساء المربيات للإنسان، فإنّها ستهزم، وتتجه إلى الانحطاط، وتتدنى إلى الحضيض)([22]).
الحرية والمساواة بين الجنسين في نظر الإمام الخميني(قده):
في نظر الإمام الخميني (قده)، الإسلام يريد للمرأة العزّة والفخر، أما أصحاب التوجهات اللادينية فما يريدونه للمرأة ليس إلا الفساد والانحراف، وأن تصبح وسيلة تسليةٍ وألعوبة.
حول ذلك يوضّح الإمام الخميني قائلاً: (إن مقام المرأة عالٍ، وهي تتمتّع بمكانة رفيعة، للسيدات في نظر الإسلام منـزلة سامية)([23]).
(إننّا نطالب أن ترتقي المرأة مكانتها الإنسانية السامية، لا أن تكون ألعوبة بأيدي رجال أراذل)([24]).
(يؤهّل الإسلام المرأة لأن يكون لها دور في جميع الاُمور – كما للرجل دور في جميع الأمور – فكما ينبغي على الرجل أن يجتنب ويبتعد عن الفساد كذلك يجب على المرأة أن تبتعد عن الفساد، ولا ينبغي لها أن تصبح ألعوبة بأيدي شباب تافهين، ولا ينبغي لها أن تحطّ من مكانتها ومنـزلتها وتخرج متبرّجةً – لا سمح الله – لتطاردها أنظار التافهين من الرجال، ينبغي للمرأة أن تحافظ على إنسانيتها، وأن تتحلّى بالتقوى والعفّة، للمرأة منـزلة كريمة، ولها إرادة، وقد خلقها الله عزوجل حرّة كريمة)([25]).
(ينظر الإسلام إليكن – إيتها السيدات – نظرة خاصة، عندما ظهر الإسلام في الجزيرة العربية كانت المرأة تفتقر إلى المكانة اللائقة لدى الرجال. الإسلام هو الذي منحها العزة والرفعة وهو الذي ساواها بالرجل، إن العناية التي يوليها الإسلام للمرأة تفوق العناية التي خص بها الرجل)([26]).
حقوق المرأة:
إنّ موضوع الزواج والطلاق بين الرجل والمرأة من المواضيع الساخنة والمطروحة بقوة في المجتمعات المختلفة، ويستخدم هذا الموضوع سلاحاً لأجل تشويش أفكار النساء وعقولهن.
المعترضون، وبدون التفات إلى حقّ المرأة في اختيار الزوج، عدُّوا المرأة في نظر الدين الإسلامي مملوكةً للرجل؛ وذلك بتمسّكهم ببعض النماذج من الزيـجات، وأنّ كون اختيار الطلاق بيد الرجل هو بحدّ ذاته تمييز بحق النساء.
لقد أشار الإمام الخميني (قده) إلى هذا الموضوع، وبيّن أنّ الإسلام أعطى صلاحيةً للنساء؛ يقول عندما سئل عن ذلك: (يسأل بعضهم عن اشتراط المرأة في عقد الزواج كونها موكّلة في طلاق نفسها، ثم يسألون عن مصير النسوة اللاتي لم يشترطن هذا الشرط ويعانين من أزواجهن؟
إنّ هؤلاء يخالفون ولاية الفقيه ويجهلون أنّ من صلاحياته التدخل في مثل هذه الحالات، فإذا ما أساء الرجل معاملة زوجته ينصحه الولي الفقيه أولاً، ويؤدّبه ثانياً، فإن لم ينفع معه ذلك أجبره على الطلاق وفرَّق بينهما، اعرفوا قدَرْ هذه الولاية.
إنّ ولاية الفقيه نعمة وموهبة إلهية أعطاها الله تبارك وتعالى للمسلمين، ومن الأمور التي سألتم عنها وطرحتموها هو أنّه ما هو مصير النساء اللاتي هنَّ الآن في عصمة أزواجهن، فإذا كنَّ يواجهن مثل هذه المعاناة فماذا يفعلن؟
فليرجع إلى الفقيه أو المجلس الذي فيه الفقيه أو المحكمة التي فيها الفقيه، والفقيه هو الذي يبتّ بالأمر، فإذا صحّ ادّعاء الزوجة يقوم الفقيه بتأدّيب الزوج ويأمره بإصلاح سلوكه، فإن انصاع للأمر فبه، وإلاّ فرَّق بينه وبين زوجته.
فالولاية تتمتع بهذه الصلاحيات، فإذا قاد الأمر إلى الفساد فبإمكان الفقيه أن يطلّقها رغم أنّ الطلاق بيد الرجل، فللفقيه طلاقها في الموقع الذي يرى فيه مصلحة الإسلام والمسلمين، وفي الحالة التي لا يوجد سبيل آخر – غير الطلاق ـ، هذه ولاية الفقيه، إنها هدية إلهية لكم)([27]).
ويقول في موضع آخر: (ينظر الإسلام إلى المرأة على قدم المساواة مع الرجل، لاشكّ في وجود أحكام خاصة بالرجال تتناسب وطبيعة الرجل، وأخرى خاصة بالنساء تتناسب مع طبيعة المرأة وخصوصياتها، إلاّ أنّ هذا لا يعني أنّ الإسلام يفاضل بين المرأة والرجل)([28]).
(إن المرأة في النظام الإسلامي تتمتع بالحقوق ذاتها التي يتمتع بها الرجل بما في ذلك حقّ التعليم، والعمل، والتملّك، والانتخاب، والترشيح، بيدَ أنّ هناك أموراً تُعدُّ مزاولتها من قبل الرجل حراماً لأنها تقوده إلى المفاسد، وأخرى يحظر على المرأة مزاولتها لأنّها تشيع المفسدة.
لقد أراد الإسلام للرجل والمرأة أن يحافظا على كيانهما الإنساني. فالإسلام لا يريد أن تصبح المرأة ألعوبةً بيد الرجل، وأن ما يردّدونه في الخارج من أن الإسلام يتعامل بخشونة وصلافة مع المرأة لا أساس له من الصحة، وهو ادعاء باطل يروّج له المغرضون، وإلاّ فإنّ الرجل والمرأة كلاهما يتمتّع بصلاحيات في الإسلام، وإذا ما وجد تباين واختلاف فهو لكليهما، وإن ذلك عائد إلى طبيعتهما)([29]).
(طبعاً ثمة ضوابط وقيود للرجال في الشرق، وهي لمصلحة الرجال أنفسهم، وتلك القيود معناهــا أن الإسلام يحرِّم ممارسة الأفعال التي فيها مفسدة للرجال، فالإسلام يمنع مثلاً من لعب القمار، وتناول الخمور والهيروئين، واستعمال المخدّرات؛ لأنها مقرونة بالمفاسد، فهناك قيود وضوابط للجميع، شرعية وإلهية، ضوابط لأجل صلاح المجتمع نفسه، لا أنّ الإسلام يمنع عن أشياء مفيدة ينتفع منها المجتمع نفسه)([30]).
(لا يوجد في الإسلام فرق وتمايز بين فئة وأخرى، إنما التمايز بالتقوى فحسب)([31]).
(بإمكان الفتيات المقبلات على الزواج أن يضعن منذ البداية شروطاً لأنفسهنّ، لا تخالف الشرع ولا تتعارض وشأنهنّ ومنـزلتهن، كأن يشترطن – بدءاً – بأنه إذا ما كان الرجل سيء الخلق أو أساء معاملة زوجته فهي وكيل في الطلاق.
لقد سنَّ الإسلام هذا الحقّ للمرأة، ولئن وضع الإسلام قيوداً للرجال والنساء فهي لمصلحتهم.
إنّ أحكام الإسلام كافّة سواء تلك التي تدعو للتجديد والتطور، أو تلك التي تضع بعض القيود.. كلّها لصالحكم ومن أجلكم، فكما أنّه جعل للرجل حق الطلاق، وضع للمرأة خيار الاشتراط على الزوج أثناء العقد، بأن تكون الوكيل في الطلاق إذا ما أساء التصرّف معها، فإذا ما اشترطت المرأة ذلك لن يعذر الرجل، ولن يتمكّن من وضع قيود لها، ولن يستطيع أن يسيء الخلق معها، وإذا أساء الرجل التعامل مع زوجته فإنّ الحكومة الإسلامية تحول دون ذلك، فإن استجاب الزوج عزِّر وأُجري عليه الحد، وإلا يفرّق الفقيه المجتهد بينه وبينها)([32]).
(مثلما وضع الله تبارك وتعالى قيوداً للرجال لئلا تقودهم شهواتهم إلى الفساد والإفساد، كذلك صنع مع النساء، كل ذلك من أجل صلاحهنّ، فالأحكام الإسلامية كلّها من أجل صلاح المجتمع)([33]).
ويشير الإمام الخميني أيضاً فيقول: (أوصي الرجل والمرأة وكلّ من بلغ السن القانونية بالمشاركة في انتخابات مجلس الشورى، وبالإدلاء بأصواتهم لمرشحيهم)([34]).
(الإسلام قدّم لكنّ خدمة [أيتها النساء] بذلك القدر الذي لم يقدّم مثله للرجال، الإسلام حفظكنّ فاحفظن بدوركُنّ الإسلام.
ومثلما يجب على الرجال المشاركة في القضايا السياسية والحفاظ على مجتمعهم، يجب على النساء أيضاً المشاركة والحفاظ على المجتمع، بالطبع مع المحافظة على الشؤون التي أمر بها الإسلام، والتي هي بحمد الله متحقّقة اليوم في إيران)([35]).
رعاية المرأة للحجاب:
الستر والحجاب من القضايا التي يدركها الإنسان بالفطرة، فهو غير مختصّ بالمرأة، وإنّما يمتاز فيها عنه من حيث الكيفية فحسب، وذلك لتمايز طبيعة كلّ منهما.
حجاب المرأة في الإسلام لباس معقول، يمكن أن يتّخذ أشكالاً مختلفة لدى كل أمّة بالنظر إلى عادات وتقاليد ذلك الشعب.
يقول الإمام الخميني (قده) في معرض ردّه عن سؤال في هذا المجال: (الحجاب بالمعنى المتداول بيننا والذي يسمّى بالحجاب الإسلامي لا يتنافى مع الحرية، الإسلام يعارض ما هو خلاف العفّة، ونحن ندعو هؤلاء للأخذ بالحجاب الإسلامي، لقد ضاقت نساؤنا الشجاعات الفاضلات ذرعاً بالبلايا التي أنزلها الغرب على رؤوسهنَّ باسم الحضارة، ووجدن ملاذهنّ في الإسلام)([36]).
(في الإسلام يجب على المرأة أن تكون محجّبة، ولكن ليس بالضرورة أن يكون الشادور([37])، بل تستطيع المرأة أن تختار أيّ لباس يحقق لها حجابها)([38]).
(لا ينبغي للمرأة أن تأتي وتعمل في الدوائر والمؤسسات الإسلامية متبرجةً، لتذهب المرأة وتعمل، لكن مرتديةً الحجاب، فلا مانع من عملها في الدوائر الحكومية، لكن مع مراعاة الحجاب الشرعي، والحفاظ على الشؤون الشرعية)([39]).
ردّ الإمام الخميني على نظرات البعض:
أحد الأسئلة التي طُرحت على الإمام الخميني (قده) سعى فيه – صاحب السؤال – إلى شرح دور الحجاب في انزواء المرأة وابتعادها عن المجتمع، والسؤال هو:
هل من الصحيح أن تخفي النساء أنفسهن وراء الشادور؟ هذه النسوة اللائي شاركن في الثورة، قتلن وسجنّ، وناضلن، وهذا الشادور الذي هو تقليد من بقايا الماضي وقد تغيّرت الدنيا الآن وتطوّرت، فهل صحيح إخفاؤهنّ أنفسهن وراءه؟؟
أجاب الإمام الخميني (قده) قائلاً: (أولاً: إنّ هذا الاختيار لم يفرض على النساء، وإنّما هنَّ اللاتي اخترنه، فبأيّ حق تسـلبين الاختيار من أيديهن؟
نحن لو طلبنا من النساء اللواتي يفضلن الشادور أو اللباس الإسلامي، الخروج إلى الشارع. فمن مجموع خمسة وثلاثين مليوناً [عدد نفوس إيران آنذاك] سوف يخرج ثلاثة وثلاثين مليوناً، فبأي حقّ تسلبين حق الاختيار من هؤلاء؟ وأي استبداد هذا الذي تحملينه تجاه النساء.
وثانياً: نحن لا ندعو إلى لباس خاص، وليست هناك مشكلة بالنسبة للنساء اللواتي في سنِّك([40])، نحن نريد أن نقف بوجه الفتيات اللاتي يتجمّلن [يتبرجن ويتزينَّ] ويخرجن من بيوتهن ليتبعهن فوج من الشباب التافه، إنّنا نقف أمام مثل هذه الحالات، فلا تقلقي)([41]).
يقول (قده): (بالطبع يجب أن تدركن أنّ الحجاب الذي شرّعه الإسلام هو من أجل الحفاظ على مكانتكنّ، إنّ كلّ ما أمر به الله سبحانه سواء بالنسبة للمرأة أو الرجل، هو من أجل الإبقاء على هذه المنـزلة حيّة، فهذه المكانة الرفيعة التي يتمتع بها كلّ من الرجل والمرأة في ظل الإسلام من الممكن أن تسحق وتضمحل بوحي من الوساوس الشيطانية أو الأيادي الاستعمارية الفاسدة وعملاء الاستكبار)([42]).
رؤية الإمام الخميني (قده) لحرية المرأة:
يمكن التعرف على هذه القضية من خلال توجيهات الإمام الخميني كما يلي:
(لدينا نوعان من الحريّة، النوع المفيد منها لم يكن متوفراً في عهد هذين المجرمين([43])، كان هذا النوع من الحرية ممنوعاً تماماً في عهدهما. أما الحرية التي كان يدعو إليها هؤلاء فهي التي تسمح للنساء بالتبرّج والتعرِّي بما يحلو لهنّ، والنـزول إلى الشارع وارتكاب كل خطيئة، كانوا قد سمّوا ذلك حريةً، والآن تتحرَّق قلوب الذين يطالبون بإلغاء الحكم الإسلامي لهذه الحرية)([44]).
(كان هؤلاء قد أبقوا على نوع واحدٍ من الحرية، وكانوا يرفعون عقيرتهم بـ (تحرير النساء وتحرير الرجال)، وكانوا يقصدون بذلك أن يكونوا أحراراً في فعل ما يحلو لهم، يذهبون إلى مراكز الفحشاء متى ما يريدون، وكان الاضطهـاد والاختناق في الجانب الآخر، إذ لا يحقّ للأقلام أن تكتب كلمةً واحدة عن مصالح البلاد أو الإسلام، لأن ذلك لم يكن مسموحاً به، وكان ثمة اختناق رهيب)([45]).
(لقد أساءوا إلى الطاقات الإنسانية لهذه البلاد بنحوٍ لم تلحق مثل هذه الأساءة بثرواتنا الأخرى؛ لأنّهم شلَّوا القدرات، وساقوا الشباب الذين كان ينبغي لهم أن يجندوا أنفسهم لخدمة هذا البلد، إلى أماكن لم يجنوا منها غير تعطيل أفكارهم، وعجزهم عن تقديم أية خدمة لهذه البلاد.
لقد فتح هؤلاء أبواب مراكز الفحشاء والمنكر على مصراعيها، وروّجوا لهما، وفسحوا لهما كل السبل وعبَّدوا الطرق لكي يتجه شبابنا إلى مراكز الفحشاء وبالتالي تعطيل طاقاتهم، لقد سلبوا الحيوية من شبابنا وعطّلوا قدراتهم.
إنّ ما يثير الأسى والحزن لدى الغيورين من أبناء هذا البلد، هو أن يروا الأخوات المحترمات قد انخدعن بأباطيل هؤلاء، وبإعلامهم مما أدى الى ابتعادهنّ عن مسؤولياتهن الإنسانية، فأضحين ألعوبةً بأيدي المجرمين. إنّه ليثير الأسى والحزن حقاً أن يمارَس كلّ هذا – بحق النساء المحترمات – باسم الحرية)([46]).
خاتمة:
لا يوجد أيّ تفاوت بين الرجل والمرأة – بنظر الإسلام – في الحقيقة الإنسانية والسير التكاملي، وعلى هذا الأسـاس فإن كلاً منهما يسير ويتقدّم جنباً إلى جنب في الساحات الأساسية ومن جملتها:
1 – في ميدان الكمال والحركة العلمية التكاملية.
2 – على مستوى الثواب والعقاب والأجر الإلهي.
3 – في دخول الجنة والحصول على الدرجات الأخروية.
4 – في ساحة التقرّب من الخالق والحصول على المقامات المعنوية.
لاشكّ أنّ الرجل والمرأة متساويان في هذه المجالات والميادين المشار إليها أعلاه من وجهة نظر الإسلام، إلاّ في بعض الساحات الفرعية فيوجد بعض التفاوت والاختلاف على أساس العدالة الاجتماعية، وبالالتفات إلى خصوصيات كلّ منهما في النظام الأحسن، ومن حيث الأحكام الإسلامية، بحيث إنّ لديهما – على أساس فلسفة الخلقة – تجانساً وتناسقاً تامين.
من مجلة نصوص معاصرة – العدد الأول
الهوامش:
[1]) الفخر الرازي، التفسير الكبير.
[2]) الزمخشري، ربيع الأنوار1: 869، منشورات الشريف الرضي.
[4]) الحاكم، المستدرك2: 237 ـ 431، بيروت، دار الكتب العلمية.
[5]) المصدر نفسه.
[6]) المصدر نفسه.
[7]) الصدوق، ثواب الأعمال: 448، والطبرسي، مكارم الأخلاق: 251.
[8]) الحاكم، المستدرك2: 175،
[9]) راجع كتاب المغازي1 :269.
[10]) راجع كتاب: جان ستيورات ميل، استعباد النساء.
[11]) توضيح من المترجم.
[12]) مارتن سكالن ـ علم اجتماع تاريخ العائلة: 335.
[13]) الحركة النسوية، من منشورات مكتب ممثل الولي الفقيه في الجامعة.
[14]) المرأة في الحقبة القاجارية: 111.
[15]) من بيان بمناسبة يوم المرأة في 16 / 5 / 1989م، صحيفة النور12: 148، وهو كناية عن وقوف السيدة زينب عليها السلام ابنة السيدة الزهراء عليها السلام في وجه حكومة يزيد إثر واقعة كربلاء.
[16]) من بيان يوم المرأة العالمي في 14 / 4 / 1982م ـ 20 جمادى الثانية ، ذكرى ولادة السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها.
[17]) خلال لقاء جمع من الأخوات بمناسبة يوم المرأة، في 2 / 3 / 1986م.
[18]) كلمة للإمام الخميني بشأن خدعة الشاه الجديدة 9 / 11 / 1978م، صحيفة النور11: 143.
[19]) من حديث مع جمع نسائي، في 6 / 3 / 1979م، صحيفة النور، ج15، ص199.
[20]) من بيان بمناسبة يوم المرأة في 6 / 5 / 1989م، صحيفة النور، ج16، ص246.
[21]) صحيفة النور13: 219.
[22]) من حديث في جمع من النساء بمدينة قم في 1 / 2 / 1980م. صحيفة النور15: 257.
[23]) صحيفة النور 15: 237، 238.
[24]) صحيفة النور 9: 137.
[25]) المصدر نفسه 15: 232.
[26]) حديث في جمع من النساء في 1 / 2 / 1980م، صحيفة النور 13: 221.
[27]) حديث في جمع من عوائل الشهداء، صحيفة النور 16: 5.
[28]) من كلمة موجهة إلى الشعب الإيراني، صحيفة النور 14: 129.
[29]) من لقاء مع وفد حركة أمل، صحيفة النور 18: 52.
[30]) من حديث مع جمع من مختلف طبقات الشعب في 29 / 3 / 1979م، صحيفة النور 16: 122.
[31]) المصدر نفسه: 185.
[32]) من حديث مع جمع من النساء في 1 / 2 / 1980م، صحيفة النور 16: 15.
[33]) صحيفة النور 14: 142.
[34]) صحيفة النور 8: 179.
[35]) صحيفة النور 8: 205.
[36]) من لقاء مع مراسلي إذاعة مونتي كارلو في 28 / 12 / 1978م.
[37]) الشادور: لباس خاص شبيه بالعباءة تتحجب به المرأة المسلمة في إيران يغطي جميع الجسم من الرأس وحتى القدمين ما عداء قرص الوجه.
[38]) من لقاء مع الدكتور كوكلورفت في 28 / 12 / 1988م.
[39]) من حديث مع جمع من علماء الدين والطلبة في مدينة قم في 6 / 3 / 1979م.
[40]) صحفية إيطالية كبيرة في السنّ، قابلت الإمام الخميني واسمها اُوريانا فالاجي.
[41]) جواب الإمام على الصحفية المذكورة، في 12 / 9 / 1979م.
[42]) من حديث مع النساء بمناسبة يوم المرأة في 12 / 3 / 1985م.
[43]) الظاهر أن مراد الإمام هو الشاه رضا خان البهلوي وابنه محمد.
[44]) من حديث في جمع من المعلّمات في 30 / 9 / 1979م.
[45]) من حديث في جمع من المدرّسين في 26 / 10 / 1979م.
[46]) من حديث في مجمع من عناصر الحرس الثوري في 16 / 12 / 1979م.