دراسة الحالة الحقوقيّة والفقهيّة لاتّفاقية استخدام رحم المرأة
د. فريبا حاجي علي(*)
مقدّمة
إثر تطور علم الطب والوراثة (علم الجينات) أبدع الأطبّاء أساليب مختبريّة مختلفة في مجال التـناسل، وقد استطاعوا باستخدام هذه الأساليب المختبريّة أن ينجزوا عمليّة التـناسل. لكنْ على الرغم من هذا التطور لم يستطع حتى الآن طبُّ التـناسل (طبُّ الأجنّة) أنْ يبتكر ظروفاً تكون أكثر ملاءمة لنمو الجنين، لهذا كان استخدام رحم امرأة أخرى من الإنجازات المهمّة في مجال انتقال الجنين، وطرق تسهيل التخصيب. إنَّ الاستفادة من رحم امرأة أخرى استلزم طرح مسائل أخلاقيّة وحقوقيّة معقَّدة. لقد ظهرت إلى العيان حقوق معاملة جديدة في العالم، وعلى إثر تلك الحقوق سَيواجَه العالمُ بمسائل جديدة تبرز كظاهرة اجتماعيّة يجب وضعها على طاولة البحث والدرس؛ لإيجاد قواعد تعطيها نظاماً يُنسِّق مسائلها. ومن الموضوعات الهامّة في استخدام رحم امرأة أخرى الاتفاقيّة التي تـنعقد بين الطرفين، والتي تحتل فيها الظروف والماهيّة والآثار الحقوقيّة أهميّة خاصّة.
1ـ ضرورة استخدام رحم امرأة أخرى
العقم موضوع شائع يقلق الزوجين، وقد ابتُلي 15 ٪ تقريباً من الأزواج بهذا المرض، الذي لا ينفع في مسيرة شفائه العلاج التدريجي؛ لأنَّ الهدف النّهائي الذي هو الحصول على الأطفال أمرٌ مطلق. وبناء على هذا فقد اتّخذت في برنامج علاج العقم تدابير لتلافي النقص الجسدي للمرضي أيضاً([1]).
إنَّ أحد التدابير المتّخذَة في برنامج علاج الزوجين العقيمين هو الاستفادة من رحم امرأة أخرى، حيث إنَّ المرأة التي لا تمتلك رحماً، والمريضة التي لا تستطيع الحمل، لايمكنها الحصول على الأطفال إلاّ عن طريق الاستفادة من رحم امرأة أخرى؛ لينمو جنينها فيه.
لقد بدأتْ منذ سنة 1380 بعض المستوصفات الإيرانيّة المتخصّصة في التخصيب وعلاج العقم، بإجراء مشروع الاستفادة من رحم المرأة([2]).
2ـ موارد استخدام رحم امرأة أخرى
بعد نجاح التّخصيب المختبري طُرحتْ هذه الفكرة، وهي أنَّه يمكن وضع أيّ جنين في أيّ رحم؛ لأنّ الموارد المحافظة تحفظ الجنين الذي يختلف مع أمه في نصف الكروموسومات، وعلى هذا يمكن أنْ تختلف جميع الكروموسومات الجنينيّة، ولكنّ الجسم يحافظ على ذلك. إنَّ أهمّ موارد الإستفادة من هذه الطريقة العلاجيّة تشمل علاج النّساء اللاتي ولدن بلا رحم، واللاتي فقدن أرحامهنّ بأيّ سبب كان، واللاتي يعانين من مرض السلّ الذي يؤدي إلى انسداد أرحامهنّ، واللاتي ابتُلِينَ بمرض السكر المزمن، أو بمرض القلب، أو بفقر الدم الشديد، أو بأيّ مرض آخر من شأنه أنْ يؤدي إلى عقم المرأة.
في هؤلاء المريضات تقع المبيضات في مكانها الطبيعي عادة، وتؤدي نشاطاتها الطبيعيّة. وفي النهاية يستطيع الطبيب أخذ البويضة من الأم والإسپرم من الأب، ثمّ يقوم بعمليّة التلقيح في الظروف المختبريّة، ويضع الجنين المتكوِّن في رحم امرأة أخرى([3]).
ومن الموارد العامة للاستفادة من رحم امرأة أخرى في طريقة التلقيح خارج الرحم:
1ـ فقدان الرحم منذ الولادة.
2ـ إزالة الرحم بعمليّة جراحيّة (هيستيركتومي).
3ـ جراحة الرحم (كارسينوم).
4ـ نزيف الرحم الشديد أو الرحم الممزّق (المعيب).
5ـ المريضات اللاتي يجهضن بشكل دائم.
6ـ المريضات اللاتي لا تـنجح عندهن عمليّة وضع الخليّة المكرّر في الرحم بعدIVF.
7ـ الحالات الطبية التي تورث الخصوبة الخطرة.
8ـ المريضات اللاتي ينتجنَ البويضات الناضجة البالغة للتلقيح، ولكن لا يستطعنَ الحمل في كلّ الدورة([4]).
إن للاستفادة من رحم امرأة أخرى صوراً مختلفة، وهي:
1ـ الاستفادة من رحم امرأة أخرى لامرأة غير قادرة على إنتاج البويضة (استخدام رحم ومبيض امرأة أخرى)
في هذه الحالة تتّفق امرأة عاقر مع امرأة شابة عمرها أقل من 35 سنة على أنْ يوضع في المختبر إسپرم زوجها داخل مبيض المرأة الشابة، ثمّ ينقل الجنين بعد تكوينه إلى رحم الشابة، فاذا حملت به، تُسلّمه بعد الولادة إلى الزوجين، وفي هذه الحالة تكون البويضة والرحم لشخص آخر([5]).
2ـ استخدام رحم امرأة أخرى باستخدام جنين الزوجين
فالمرأة التي تتمتّع ببويضة سالمة، ولكنّها؛ بسبب عدم وجود الرحم، أو مشاكله، أو المرض، لنْ تستطيع حمل الجنين، يقومون بتلقيح إسپرم الزوج وبويضة الزوجة في المختبر، ثمّ ينقلون الجنين المتكوّن من التلقيح إلى رحم امرأة أخرى([6]).
3ـ استخدام رحم امرأة أخرى باستخدام الجنين الذي أهدي
عندما يفقد الزوج الإسپرم والزوجة البويضة، أو لم يكن الإسپرم والبويضة سالمين سلامة كافية للتـناسل، لكنّ رحم الزوجة يقدر على حفظ وتربية الجنين، يستفيدون من الجنين المكوَّن للاستخدام، وينقلونه إلى رحم المرأة العاقر. وعلى أساس قانون كيفيّة إهداء الجنين إلى الزوجين العاقرين تُراعى موازين إهداء الجنين في ما يخصّ هكذا نساء([7]).
4ـ أدلّة استخدام رحم امرأة أخرى
نظراً إلى أنّ استخدام رحم امرأة أخرى يعتبر حلاً لبعض المشاكل الطبية يُتَصوَّر أنَّه إذا لمْ تمتلك المرأة العاقر رحماً، أو فقدت رحمها بسبب من الأسباب، أو لمْ تستطع الحمل بسبب مرض عضال، ولكنّها تمتلك بويضة سالمة، فستستخدم رحم امرأة أخرى للحصول على الطفل. وقد استعمل أسلوب IVF في البداية لسد الأنابيب الرحميّة أيضاً، وبعد التطوير تجاوز هذا الأسلوب عن استخدام هذا النوع من النقائص لأخذ رحم امرأة أخرى ـ إضافة إلى موضوع فقدان الرحم وعدم قدرة المرأة العاقر على عمل الجنين ـ. ولاستعمال هذا الأسلوب بواعث أخرى كذلك، وهي:
سبب العقم
على أساس سبب العقم يعيّن نوع علاجه. وينتخب استخدام رحم امرأة أخرى لفريق من الزوجين العاقرين اللذين لم ينجح علاجهما؛ أو رفضا نوع العلاج؛ أو كان سبب العقم مما لا علاج له([8]).
حالة المرأة الصحيحة (عدم الانطباق الجنيني ـ الأمي)
قد تكون حالة المرأة الصحيحة، في بعض الأحيان، لا تسمح لها باستمرار دورة الحمل حتى الولادة.
وكذلك توجد حالات يواجه الجنين فيها أخطاراً انتقلت إليه من الأم، فمثلاً: في حالة تأثر RH، وعلاج الأم الكيمياوي، أو الإجهاضات الرائجة، تكون هذه المشاكل تحت عنوان (التطبيق الجنيني ـ الأمي).
المنع من انتقال النقائص الوراثية
في بعض الأمراض الوراثيّة يبرز خطر انتقال الجين الناقص عبر أحد كروموسومات المرأة إلى الجنين. وإن التقييم الكروموسومي في مجال الوراثة قبل وضع الخلية المختلف عن علاج العقم هو أحد الأهداف الطبية في استخدام أساليب ART.
ويستعمل هذا التقييم الجيني للمريضات غير العاقرات أيضاً. وباستخدام هذا الأسلوب يمكننا أن نسيطر على المشكلة الوراثية إلى أبعد حد ممكن، ونمنع عن خطر الانتقال باستعمال البويضة التي أهديت، أو باستخدام رحم المرأة مع البويضة المذكورة([9]).
الدلائل الاجتماعيّة
إنّ بعض النساء يضعن مهام الحمل والولادة على عاتق امرأة أخرى عوضاً عنهُنَّ؛ لما يلي:
1ـ البواعث المهنية الجادة.
2ـ عدم الرغبة في الحمل؛ لأسباب خاصة، كحب حفظ رشاقة أعضاء الجسم.
3ـ طريقة الحياة أو حبّ الراحة والارتياح([10]).
5ـ مسألة البحث
في أسلوب استخدام رحم امرأة أخرى للتـناسل يمكن للمرأة الطالبة (العاقر) أنْ تتمتع بالتخصيب، ولكنّها لا تقدر على حمل الجنين والولادة، أو أنَّ عمليّة الحمل تهدد صحتها، وفي هذه الحالة يستخدم رحم امرأة أخرى لتربية الجنين. ولأنَّ هذا الأسلوب لا يعتبر علاجاً، ولاستعمال التقنيات والأساليب الطيبة فقط للحصول على الطفل، فإن توافق الزوجين مع صاحبة الرحم في هذه المبادرة ذو أهميّة كبيرة. وإن اتفاقيّة استخدام رحم امرأة أخرى هو أهم الموضوعات المعين في هذا المجال. وبموجب هذه الاتفاقيّة تقوم المرأة بواجب حمل الجنين وولادته. والحقيقة أنها تتولى المرحلتين الحاسمتين للتـناسل، أي الحمل والولادة، وبقبول هذا الالتزام تتحمل خطورة الحمل والولادة. ومن الطبيعي أنّه يجب عقد الاتفاقيّة للتأكد من إجراء الالتزامات بين الزوجين العقيمين وصاحبة الرحم. ولأنّ هذا العقد ـ كسائر الاتفاقيات ـ يجري على أساس موافقة وإرادة الطرفين فيجب أن توضَّح الحالة الحقوقيّة، والكيفيّة، والآثار المترتبة، والتزامات الطرفين، فيه.
6ـ أسلوب البحث
أسلوب البحث من النوع الوصفي ـ التحليلي.
7ـ أسلوب جمع المعلومات
أسلوب جمع المعلومات الأصلي هو الكتب، والمقالات، واستفتاءات الفقهاء العظماء، وأخذ الرأي من القانونيين المعاصرين.
يبحث في هذه المقالة ـ إضافة إلى تعريف اتفاقيّة استخدام رحم المرأة وأنواعها ـ الحالة الحقوقيّة (نيّة ورضا الطرفين، أهليّتهما، وموضوع الاتفاقية من جهة المعرفة والتعيين، وإمكانيّة إجرائها ومشروعيّتها). كما تدرس في هذه المقالة كيفيّة وآثار الاتفاقية بالنسبة للمتعاقدين وغيرهما.
المفاهيم والمصطلحات
تذكر أسماء كثيرة للمرأة التي تستخدم رحمها لتربية جنين الشخص الآخر، كالأمّ البديلة([11])، والأم الإيجاريّة، والأم الوسيطة.
و حول الرحم تستعمل كلمة الرحم الإيجاري، أو الرحم البديل.
إن اتفاقية استخدام رحم المرأة صارت مصطلحة بهذه العناوين:
1ـ اتفاقية الأم البديلة([12]).
2ـ اتفاقية إيجار الرحم([13]).
3ـ الحمل ضمن العقد.
ويفهم من هذه المصطلحات الثلاثة معنى واحد.
ونظراً إلى أنَّ صاحبة الرحم تتولى حمل وتربية الجنين عوضاً عن الأم الأصلية، ومن جانب طبي ينوب جسم صاحبة الرحم فيزيولوجياً([14]) عن جسد الأم الأصلية، فاتخاذ اصطلاح الأم البديلة أحسن بكثير.
تعريف اتفاقية استخدام رحم المرأة
بموجب هذه الاتفاقية تتعهد امرأة إزاء الزوجين (العاقرين أو غير العاقرين) أنْ تحمل لهما جنينهما، ثمّ تلده، وتسلّم الطفل إلى الزوجين بعد الولادة، ويمكن أنْ تتم هذه الاتفاقية لقاء عوض أو بغير عوض.
ضرورة وجود عقد اتفاقية
الحمل من أهم موضوعات حياة المرأة الخاصة التي تشتمل على الآثار الاجتماعيّة، إضافة إلى المسائل الشخصيّة. والأصل في الحياة الزوجية أنّ المرأة تحبل بعد الزواج وبناء الأسرة؛ ولكن عندما نفرض أنَّ حمل امرأة يكون لتربية جنين شخص آخر فسيتحول الأساس إلى المستثنى، ولأنَّه يخالف القاعدة يجب إقامة دليل لاثباته. وأحسن شيء في هذا الموضوع هو وجود اتفاقية تظهر نية وموافقة الطرفين لإجراء هذا العمل، والتي تؤثر في تعيين علاقات الطرفين، ورفع التساؤلات والنقائص، وأهمّها:
1ـ رفض (قاعدة الفراش) من المرأة التي تحبل لشخص آخر وهي متزوِّجة.
2ـ رفض شبهة الزنا من المرأة الحبلى التي ليس لها زوج؛ لأن حمل المرأة غيرالمتزوجة يلقي شبهة الزنا في أفكار الناس، والحمل ووضع طفل أجنبي عن أسرة المرأة يحتاج إلى دليل يوجِّه ذلك.
3ـ تعيين والدي الطفل.
4ـ تعيين الالتزامات والشروط التي يتفق عليها الطرفان.
5ـ عند رفض إجراء الالتزامات من جانب طرفي الاتفاقية والموضوعات الأخرى.
أنواع اتفاقية استخدام رحم المرأة
تجري اتفاقية استخدام رحم المرأة بهذين الشكلين:
1ـ الاتفاقية التجارية([15])
وفي هذا النوع يتعهّد الزوجان العاقران، أو الزوج والزوجة الطالبان للطفل، بدفع ثمن لصاحبة الرحم إزاء خدماتها كأجرة عمل، ويعتبر هذا الثمن المدفوع كعوض عن التزامات صاحبة الرحم.
2ـ الاتفاقية غير التجاريّة (بلا عوض)([16])
وفي هذا النوع تقوم صاحبة الرحم بهذا العمل بسبب الحوافز الإنسانيّة والإيمانيّة فقط، ولا تأخذ أجرة مقابل ذلك، ولا تعيَّن في عقد الاتفاقيّة أجرة العمل أو الثمن كعوض عن الالتزامات إزاء خدماتها. ويقوم بإجراء هذا النوع من الاتفاقية الأصدقاء أو الأقارب عادةً([17]).
كيفيّة تعيين وتبويب مراحل الالتزامات
عندما تكون الاتفاقية تجارية معوَّضة تجري الالتزامات المالية فيها، ابتداءً من إجراء المبادرات الطبية حتى الولادة وتسليم الطفل، في أربع مراحل:
المرحلة الأولى: ابتداء من المبادرات الطبية حتى انتقال الجنين وفحص الحمل المختبري.
وفي حالة استمرار دورة الحمل دون مشاكل تأتي:
المرحلة الثانية: وهي الأشهر الثلاثة الأولى للحمل.
المرحلة الثالثة: وهي الأشهر الثلاثة الثانية للحمل.
المرحلة الرابعة: وهي الأشهر الثلاثة الثالثة للحمل حتى يوم الولادة والوضع وتسليم الطفل المولود.
ويعيّن رصيدٌ خاصٌّ لكل مرحلة من المراحل المذكورة.
و حين يكون المولود أكثر من واحد يعيّن مبلغ إضافي إزاء كل طفل إضافي (على أساس نموذج الاتفاقية).
وفي هذا الأسلوب تجري الولادة عن طريق العمليّة القيصريّة، ولإجراء هذه العمليّة يوجد سببان أصليان:
1ـ خفض نسبة الخطورة في زمن الولادة.
2ـ الدقة في تعيين زمن الولادة، والمنع من حصول مشاكل، كإصدار شهادة الولادة([18])، وتسليم الطفل.
ونظراً إلى أنَّ الولادة غير طبيعيّة يتم إكمال عقد الاتفاقية بعد علاج صاحبة الرحم وشفائها، ويجب على الزوجين العاقرين دفع جميع مصاريف العمليّة والعلاج، وكذلك مصاريف الإقامة في المستشفى.
ومن الجدير بالذكر أنّه يمكن، بموجب اتفاق الطرفين، تعيين التزامات أخرى لصاحبة الرحم في الاتفاقيّة، إضافة إلى حمل الجنين.
3ـ الحالة الحقوقيّة لاتفاقية استخدام رحم المرأة
القصد من الحالة الحقوقيّة هو الحكم الوضعي الذي يثبت للعقد، وللتعهّد والالتزام بتبعه، ويمكن أن تكون الأحكام الثلاثة التالية شاملة لعقد الاتفاقية: الصحّة؛ والبطلان؛ وعدم التـنفيذ.
العقد الذي يزوّد بهذه الأحكام الثلاثة له أحكام وموازين قانونيّة خاصّة تُعيّن العلاقات الحقوقيّة لطرفيه. ولاعتباريّة هذه الاتفاقية ـ كسائر الاتفاقيات ـ التي تـنشئ ـ من الناحية الحقوقية ـ التأثير، والحق، والالتزام لطرفيها، يجب أن تلاحظ الظروف التي وضعت في القانون لسلامة الاتفاقيات.
3ـ 1ـ نيّة ورضا الطرفين
لتحقق العقد يجب توفر النيّة النفسيّة ورضا الطرفين. وفي اتفاقية استخدام رحم المرأة تعلن نية الطرفين بعد إيجاب الزوجين العاقرين وقبول صاحبة الرحم أيضاً.
إنّ المبادرات الطبية تبدأ بعد توافق الزوجين العاقرين مع صاحبة الرحم، ويأخذ الأطباء شهادة رضا الطرفين قبل إجراء العمليّة، وذلك على النحو التالي:
أ) أخذ رضا صاحبة الرحم. تؤخذ شهادتان للموافقة من صاحبة الرحم:
1ـ الرضا باستعمال الدواء.
2ـ الرضا بإجراء العمليّة الجراحيّة.
وعندما تكون صاحبة الرحم متزوجة يؤخذ رضا زوجها أيضاً.
ب) أخذ رضا الزوجين العاقرين: تؤخذ شهادة الموافقة من الزوجين العاقرين لانتقال الجنين، ويجب أنْ يؤخذ رضا كلّ من الزوج والزوجة بصورة مستقلة.
3ـ 2ـ أهليّة الطرفين
ـ الأهليّة العامة: بموجب القانون (مادة 211 من القانون المدني) فإن مبدأ أهليّة طرفي العقد أنْ يكونا بالغين عاقلين.
ـ الأهليّة الخاصّة: في اتفاقية استخدام رحم المرأة ـ إضافة إلى كون طرفي الاتفاقية عاقلين بالغين رشيدين ـ يجب أنْ تتوفر فيهما شروط أخرى، حتى يكونا صالحين مؤهَّلين لانعقاد هذه الاتفاقية. ويذكر الأطبّاء هذه الشروط منعاً لحصول مشاكل محتملة، ويشرحونها كما يأتي:
أ) ما يشترط في الزوجين: لعقد هذه الاتفاقيّة كأسلوب إهداء الجنين تُعتبر شروطٌ في الزوجين العاقرين، كعدم الإدمان على المخدّرات، أو عدم الإصابة بالأمراض اللاعلاجيّة المعضلة. أما أقل الشروط نظراً إلى تـنوع طريقة IVF هو أنَّ هذه الطريقة تستعمل في الموردين التاليين فقط:
1ـ يتمتّع الزوجان بإسپرم وبويضة سالمين.
2ـ يستخدم رحم امرأة أخرى عندما تفقد الزوجة رحمها لأسباب طارئة، أو لا تقدر على حفظ الجنين فقط.
ب) شروط صاحبة الرحم: 1ـ أن تكون متزوجة.
2ـ أن تكون قد حملت من قبل مرة واحدة على الأقل.
3ـ عند عقد الاتفاقية تتولى رعاية الطفل.
4ـ يجب أخذ موافقة الزوج عندما تكون صاحبة الرحم متزوِّجة.
5ـ أن يتراوح عمرها بين 20 إلى 35 سنة.
إنّ وجود هذه الشروط يظهر إلى حدٍّ ما أهليّة الطرفين. وعلى هذا ففي اتفاقية استخدام رحم المرأة يجب على طرفي العقد أنْ تتوفّر فيهما شروط الأهليّة الخاصّة، إضافة إلى تمتعهما بشروط الأهليّة العامة أيضاً.
و بناءً على هذا فكما أنَّ التعامل مع من لم يكن بالغاً وعاقلاً ورشيداً يكون؛ وفق المادة 212 مبدأ القانون المدني، باطلاً؛ لعدم إحراز الأهليّة، فكذلك الأمر في عقد اتفاقية الاستفادة من رحم امرأة حين يكون الطرفان فاقدين للأهليّة الخاصّة، ولذلك يُمنع انعقاد هكذا اتفاقيات.
3ـ 3ـ موضوع المعاملة
من الشروط الأساسيّة لصحّة العقد ما يرتبط بموضوع المعاملة، أو الالتزام الذي ذكرت شروطه المواد 214، 215 و216 من القانون المدني. ونتيجة للاتفاقية تظهر التزامات لطرفي الاتفاقية أو لأحدهما، وبموجبها يتمّ إعطاء المال أو إنجاز عمل معيّن. ذكر في مادة 214 من القانون المدني: «موضوع الصفقة يجب أنْ يكون مالاً أو عملاً، ويلتزم الطرفان بدفع المال أو إنجاز العمل». وعلى هذا فالشيء الذي يكون موضوع الالتزام قد يكون انتقال مال أو إنجاز عمل، وتختلف شروط هذين الموضوعين([19]).
الشروط العامة للمعاملة (الاتفاقية)
لصحّة كلّ معاملة يجب أن يشتمل موضوع الصفقة على شروط، وفقدان أحدها يبطل العقد. وقد ذكرت هذه الشروط في المادتين 215 و216 من القانون المدني([20]).
إنّ موضوع المعاملة في اتفاقية استخدام رحم المرأة للزوجين العاقرين هو انتقال المال، ولصاحبة الرحم ـ عندما يعتبر الحمل وتربية الجنين عملاً ـ تـنفيذ الالتزام. وتتعهّد صاحبة الرحم بتـنفيذ مجموعة النشاطات والأفعال (العمل وتركه). وعلى هذا الأساس الذي بموجبه يستعمل رحم المرأة لتربية الجنين، ويتّفق الطرفان على هذا الموضوع، يطرح هذا السؤال، وهو: هل يمكن لرحم المرأة أنْ يكون موضوع الصفقة؟ في الإجابة يقول القانونيون: ليس بإمكان جسم الإنسان أنْ يقع موضوع أية اتفاقية ملزمة، وهذا العمل يعتبر وجهاً جديداً من تجارة الرقّ في عصرنا هذا([21]).
و في هذه الاتفاقية يتعهّد أحد الطرفين بانتقال المال والآخر بتفيذ العمل. والحصول على المال تحليلياً هو عمل يتولى به المدين وإنجاز العمل أو عدم إنجازه يقوم به الملتزم أيضاً، وموضوع الالتزام دائماً هو تـنفيذ العمل. ويجدر بالذكر أنَّه في هذه الاتفاقية يرتبط إنجاز العمل بشخصيّة الإنسان، «والالتزامات التي ترتبط بشخصيّة الإنسان تؤدي خصائص ليس بإمكانها تـنفيذ القواعد العامة للالتزامات بصورة كاملة»، وعلى هذا تختلف ظروف هذين الالتزامين([22]). في اتفاقية استخدام رحم المرأة موضوع العقد تـنفيذ أفعال تشتمل على العمل وعدم إجرائه في مجال تأمين منافع أخرى، ومن أهمها: التغذية، مراقبة النفس، عدم الجماع، عدم استعمال المخدرات، و…، ونظراً إلى شروط موضوع المعاملة في هذه الاتفاقية فأهم هذه الشروط ما يلي:
3ـ 3ـ 1ـ الوضوح والتعيين
بموجب القانون المدني (مادة 216) يجب أنْ يكون موضوع الصفقة معلوماً غير مبهم، إلاّ في المواضيع الخاصّة التي يكفي فيها العلم الإجمالي. ويعتقد القانونيون بأنَّ حكم «هذه المادة لا يختصّ بالمال المنقول، ويشمل عمل موضوع الالتزام أيضاً، فلا يمكن الالتزام في الاتفاقية بعمل مجهول أو غير معلوم([23]).
وبالنظر إلى مواد القانون المدني الكثيرة، التي تؤكد على وضوح موضوع الصفقة([24]) نستطيع القول: بصورة عامة عند ضرورة وضوح موضوع الاتفاقية ـ الذي يشتمل على التمليك أو الالتزام أو المال أو غير المال ـ فليس هناك ريب، بل يبدو أنَّ موضوع أي نوع من الالتزام القانوني يجب أن يكون واضحاً ومعيناً؛ لأنّ الصفقة الكاذبة باطلة. وإضافة إلى ذلك لا يمكن تمليك المال المجهول وإجراء الالتزام المجهول وتـنفيذ الالتزام القانوني المجهول، ومن هذا المنطلق يجب التأكيد على بطلان الاتفاقية والالتزام اللتين تتصفان بعدم الوضوح([25]).
ولأنَّ الحبل ـ في اتفاقية استخدام رحم المرأة ـ يحصل بأسلوب صناعي من طريق IVF، فإنهم بهدف النجاح والوصول إلى الحبل ينقلون عدداً من الأجنة إلى رحم المرأة عادة، ولذلك يزيد احتمال وضع توأمين أو أكثر. وتؤكد الدراسات أنّ وضع التوأمين في عصرنا الحاضر أشهر ظاهرة في أساليب ART([26]).
والخطورة الكثيرة التي تحصل إثر ولادة عدد من التوائم في أسلوب IVF يحدث بصورة مباشرة بنقل عدد من الأجنة([27]). والحبل بالتوأمين أو أكثر يؤدي إلى عوارض متعددة: طبية، اقتصادية، اجتماعيّة، أخلاقيّة، ونفسيّة، مختلفة([28]). وهناك آثار اقتصاديّة للزوجين العاقرين تـنشأ بعد ولادة توأمين أو أكثر، وأمراض طبية وجسميّة ونفسية لصاحبة الرحم. واستـناداً للموارد المذكورة آنفاً لا يمكن تعيين موضوع الالتزام في اتفاقية استخدام رحم المرأة بهذه الكيفيّة عند عقد الاتفاقية. ولأنَّ موضوع الالتزام عند العقد ليس معلوماً للطرفين بصورة واضحة فهذه الصفقة ليست بصحيحة.
3ـ 3ـ 2ـ القدرة
الهدف من هذا الشرط هو أنَّ ناقل المال أو الحق أو الالتزام بإمكانه تسليم موضوع الاتفاقية المتفق عليه إلى المتفق معه أو الالتزام([29])، إذا كان موضوع الصفقة هو العمل فيجب إمكانيّة القدرة فيه أيضاً. والالتزام بتـنفيذ عمل لايستطيع الإنسان فعله باطل، وليست له اعتباريّة([30]).
في اتفاقية استخدام رحم المرأة يجب أنْ تقدر صاحبة الرحم على إنجاز العمل الذي التزمت به. ولأنَّ هذا العقد من العقود التي تعتبر شخصيّة الإنسان الدليل الأساس للعقد، ونفس الشخص مهم فيه، وعلى صاحبة الرحم التي ينتخبها الزوجان القيام بتـنفيذ الالتزام، فيجب أنْ تكون صاحبة الرحم قادرة على حفظ الجنين، ووضع الطفل، وفي غير ذلك يفقد موضوع الالتزام هذا الشرط، ويكون باطلاً.
و نظراً إلى عمليّة التلقيح الصناعي ونقل الجنين اللذين يتمان بالتطورات العلميّة بصورة عمليّة، ويعتبر الحبل موضوعاً طبيعياً للنساء، يبدو أنه من الممكن تـنفيذ موضوع الصفقة من قبل صاحبة الرحم الملتزمة، ولكن نظراً إلى طبيعة العمل ـ رغم أنَّ عمليّة التلقيح تتم عبر الأسلوب الصناعي ـ يجب أنْ يكون الحبل بصورة طبيعيّة، وفي الحقيقة هذا الأمر لا يستطيع الأطبّاء وصاحبة الرحم القيام بهذا الأمر. وقد ظهرت منذ زمن استخدام أسلوب التلقيح خارج الرحم IVF حتى الآن تطورات باهرة، ولكنهم مع ذلك لم يصلوا إلى الهدف الأساس، وهو تحسين مدى نظام وضع الخلايا والحمل. ومسيرة وضع الخلايا تعرف كعامل يحدد ميزان الحمل في دورات ART.
وضع الخلايا دورة موسعة، حيث يتصل الجنين فيها بأندوميتر الأم، ويدخل فيه تدريجياً. وأهم شيء ملفت في دورة وضع الخلايا هو أنّ العاملين التاليين يؤديان الدور الهام فيها، وهما: «أندوميتر الأم والجنين»؛ علاقة الأم والجنين، وكذلك آثارهما المتقابلة فيما بينهما هي لغز غامض لم يستطع طب التـناسل حتى الآن أن يجد حلاً مناسباً له. تشتمل هذه الدورة على لصق بيلاستوسيست بأندوميتر الأم، والتي تحتاج إلى أندوميتر مضيّق، وجنين طبيعي وناشط، الواقع في مرحلة بيلاستوسيست وعلاقة منسقة أو متقابلة بين النظامين الجسديين اللذين يختلفان مع بعضهما من جانب وراثي وإيمونولوجيكي بصورة كاملة([31]).
وفي الحقيقة فإن الالتزام بالحَبَل مقدم على التزام تربية الجنين، وهو خارج عن قدرة صاحبة الرحم، ويمكن القول: إنه لا يمكن إنجاز موضوع المعاملة. وعدم القدرة يعتبر بمثابة فقدانه في الصفقة، ويحمل ذلك الدليل الذي يؤكد على بطلان الصفقة بسبب فقد موضوعها([32]).
3ـ 3ـ 3ـ الشرعيّة
إذا كان موضوع الصفقة العمل فيجب كون هذا العمل مشروعاً، وفي غيره تبطل الصفقة.
وعلى أساس المادة 215 من القانون المدني يجب أن يحمل موضوع الصفقة ربحاً مشروعاً. والربح المشروع في المصطلح الحقوقي هو الذي ما أباحه القانون. وإذا كان ربح موضوع الصفقة ممنوعاً وغير قانوني يبطل العقد.
والمقصود من كلمة المشروع التي استعملت في مواد مختلفة من القانون المدني ـ طبقاً للمبادئ الآمرة ـ هي الأعم من القوانين الموضوعة والموازين الشرعيّة، واللامشروع هو الشيء الذي يخالف المبادئ الآمرة التي أنشأها القانون أو الشرع([33]). وعلى هذا عندما يمنع القانون عملاً ما، فإن هذا يعني أنَّ العمل لا يقدر أحد على فعله. وحيث إن كلمة (المشروع) بمعنى أشمل من كلمة (القانون)، ولها مدى أوسع بكثير، فالعمل اللامشروع يمكن أن يمنعه القانون أو الأخلاق والنظم العام.
المادة 975 من القانون المدني تمنع الحكومة من تـنفيذ اتفاقيات: «تخالف الأخلاق الحسنة، أو تسبِّب تجريح أحاسيس المجتمع، أو أي حكم آخر يعتبر مخالفاً للنظم العام»، وهذا الحكم يؤكد على بطلان اتفاقيات كهذه([34]).
و بسبب عدم الموافقة على قانون يخص حقوق إيران الموضوعة حول اتفاقية استخدام رحم المرأة حتى الآن تستطيع المصادر الخارجة عن القانون، كالأخلاق، والنظم العام، وكذلك المعتقدات والتعاليم الدينيّة، أن تؤخذ كأساس لمشروعية بعض القرارات. وعلى أساس أصل 167 من الدستور عندما يسكت القانون في موضوع يجب الرجوع إلى المصادر الإسلاميّة أو الفتاوى المعتبرة لتوضيح حكم الموضوع.
وعليه فإنه لأجل عقد هذه الاتفاقية ـ التي تعتبر من الموضوعات المستحدثة، وليس لها قانون ـ يجب التمسك بآراء الفقهاء:
حالة الاتفاقية في المصادر الاسلاميّة وفتاوى الفقهاء
من المعلوم أنَّه يجب تعيين شرعيّة المبادرات التي تعتبر أساس هذا العمل. تقع مقدمة تـنفيذ هذه الاتفاقية في شرعيّة مبادرات كـ (شرعيّة التلقيح الصناعي)، و(شرعيّة نقل الجنين). أما بالنسبة لـ(شرعية تلقيح بويضة الزوجة بإسپرم الزوج الشرعيين القانونية) فيعتقد كثير من الفقهاء عندما لا يحدث فعل حرام فيجوز هذا العمل بذاته.
وأما بالنسبة لـ(نقل الجنين) إلى رحم امرأة أخرى غير زوجة الرجل فيختلف الفقهاء بين من لا يجوِّز ذلك ويعتقد حرمته([35]) ومن يجوِّزه([36]).
ويقول المخالفون: الروايات التي تؤكد على تحريم تلقيح نطفة الرجل الأجنبي في المرأة الأجنبيّة تذكر بصورة عامة، وتشمل صورة وضع الزوجان نطفتهما بعد اللقاح في رحم امرأة أجنبيّة.
و يستـند هؤلاء إلى الروايتين التاليتين:
1ـ مارواه علي بن سالم عن الإمام الصادق× أنَّه قال: «أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل أقر نطفته في رحم يحرم عليه».
2ـ ما رواه إسحاق بن عمار قال: «قلتُ لأبي عبد الله: الزنا شر أو شرب الخمر؟ وكيف صار في شرب الخمر ثمانون، وفي الزنا مئة؟ فقال: يا إسحاق، الحد واحد، ولكن زيد هذا؛ لتضييعه النطفة؛ ولوضعه إيّاها في غير موضعه الذي أمره الله عزّ وجلّ به». فالمكان المشروع لوضع النطفة هو رحم الزوجة، وموضع النطفة في غير هذا المكان، أي في رحم امرأة أخرى غير زوجته، عملٌ تحرمه الروايتان. ويقول هذا الفريق من الفقهاء: إنَّ المقصود من النطفة هو خليط مني الزوج وبويضة الزوجة، كما جاء في الحديث المروي عن إسحاق بن عمار، الذي قال: «قلتُ لأبي الحسن: المرأة تخالف الحبل فتشرب الدواء فتلقي ما في بطنها؟ قال: لا. فقلت: إنما هو النطفة، فقال: إن أول ما يخلق نطفة».
و كذلك عدة من الروايات تستخدم مصطلح (نطفة) بمعنى عام يشمل مراحل كثيرة من تغيير وتكامل الجينات الوراثية للزوج والزوجة، والإسپرم والبويضة بغير التلقيح، أو البويضة الملقحة. وحتى البويضة الملقّحة التي بدأت عمليّة النمو بزيادة الخلايا ووصلت إلى مرحلة من مراحل النمو والتكامل؛ فمثلاً: هناك روايات عيّنت لمراحل نمو الجنين أو الحمل زماناً محدداً، ومن زمن التلقيح ووضع الخلايا حتى أربعين يوماً تعتبرها نطفة، وبعد أربعين يوماً حتى ثمانين يوماً علقة، فعلى هذا تؤكد هذه الروايات أنَّ النطفة تشمل مرحلة ما بعد التلقيح.
ونظراً لهذه التمهيدات يمكن القول: إنَّ وضع النطفة (خليط إسپرم وبويضة)، سواءٌ كانت حلالاً أم حراماً، في رحم غير مشروع ـ سواءٌ كان الرحم رحم محارم أم لم يكن ـ ممنوع وحرام. مضافاً إلى أن انتقال النطفة إلى رحم المحارم يؤدي إلى عواقب سيّئة([37]).
ولكن يعتقد الموافقون أنه نظراً إلى أنّ الجنين الذي يتكون من بويضة وإسپرم الزوجين شرعي فنقل الجنين إلى رحم مرأة أخرى كوضعه في مكان يناسب النمو، وصاحبة الرحم، دون اتصال وراثي معه، تحمل الجنين المكوّن وتربّيه في رحمها. وهذا العمل لا يؤدي إلى فعل حرام، وليس كالزنا، ولا كصبّ المني في رحم حرام على الرجل، ولا كوضع النطفة في هذا الرحم([38]). والروايات التي تذكر في مجال تحريم تلقيح نطفة رجل أجنبي تشير إلى أنَّ رحم المرأة أحد ركني تكوين النطفة، التي كوّنت بواسطة بويضة هذا الرحم. ولكن في هذا المورد ليس للرحم أيّ دور في تكوين النطفة، بل إنَّه كإناء مناسب تتربى فيه النطفة وتـنمو، وعليه فإن الأحاديث والروايات لا تشمل هذا الموضوع.
وعندما لا يوجد منع شرعي، ولا يوجد دليل على نفي إيجار الرحم بسبب تحقيق الخسارة أو اختلاف مع حق آخر، يمكن؛ بالاستـناد لمبدأ الإباحة (إباحة جميع الأشياء والنشاطات إلاّ الموضوعات التي هناك دليل أساسي لمنعها)، ومبدأ البراءة العقليّة والشرعيّة، والعموميّة أيضاً، ووجود أدلة تشير إلى جواز تأجير الإنسان وخدماته، يمكن الحكم بجواز هذا العمل. ولكن بالنسبة لامرأة متزوّجة يبقى احتمال المنع في كلا الحكمين قائماً؛ إذ الحكم بالجواز يخالف الاحتياط([39])([40]).
مخالفة الاتفاقية للنظام العام
يمكن أن تكون اتفاقية استخدام الرحم مخالفة للنظام العام في نظرنا؛ لأنَّ جسم الإنسان لا يمكن أن يكون موضوع أية اتفاقية ملزمة. وعليه فهذه الاتفاقية تخالف أصل عدم صحّة التصرف في جسم الإنسان، كما تخالف عدم صحّة التصرف في وضعيّة الأشخاص([41]). ومن هذا المنطلق يعتقد بعض القانونيين أنَّ هذا الموضوع وجه جديد لتجارة الرقيق في عصرنا الحاضر([42]).
و لكن بعض القانونيين يؤكدون على اعتباريّة اتفاقية استخدام رحم المرأة من جانب حقوقي بالاستـناد لمبدأ الصحّة، المادة 10 من القانون المدني و«أوفوا بالعقود».
4ـ تبعات الاتفاقية على فرض صحتها:
اتفاقية المتعاملين لها تبعات، ويمكن أن تؤدي إلى تبعات بالنسبة لآخرين([43]). وهذه التبعات للاتفاقية وللالتزامات التي تظهر بعد العقد([44]) تزول ببطلان هذه الاتفاقية. ولكن على أساس القول بصحّة الاتفاقية تدرس تبعات هذه الاتفاقية بالنسبة للمتعاملين وغيرهم.
4ـ 1ـ بالنسبة للمتعاملين
في العلاقة التي تجري بين طرفي الاتفاقية قُبِل مبدأ الإلزام (أصل اللزوم وجبرية الاتفاقية)، ومعناه أنَّ تـنفيذ الاتفاقية واستيفاء الالتزامات الناشئة عنها أمر واجب إجباري، ولا يستطيع أي من المتعاملين رفض تـنفيذ التزاماتهم، أو فسخها من جهة واحدة.
وعلى أساس الاتفاقية يثبت لكلٍّ من الطرفين حق السلطة بالنسبة للآخر، وينشأ له حق، ولكن أينما كان هناك حق يوجد إزاءه التزام. والتزامات طرفي الاتفاقية تشمل التزامات الطرفين فيما بينهم، والتزامات الطرفين بالنسبة للجنين. ولتعيين حقوق والتزامات الطرفين يجب أن يعيّن طرفا هذه الاتفاقية.
لهذه الاتفاقية طرفان أصليان، وهما:
1ـ الزوجان؛ 2ـ صاحبة الرحم.
لكن هناك أشخاصٌ حقيقيون وحقوقيون آخرون يرتبطون بهذه الاتفاقية، وهم:
1ـ مؤسسة العقر أو المستشفى؛ 2ـ الطبيب الأخصائي للعقر؛ 3ـ زوج صاحبة الرحم؛ 4ـ الطبيب الأخصائي في الأمراض النسائيّة والقبالة؛ 5ـ الطبيب النفسي والمستشار؛ 6ـ المستشفى ومستشفى الولادة.
4ـ1ـ 1ـ التزامات الزوجين في مقابل صاحبة الرحم
التزامات الزوجين بالنسبة لصاحبة الرحم من نوع الالتزامات الماليّة. وعلى أساس الاتفاقية يجب عليهما دفع التكاليف المتفق عليها في الاتفاقية، وكذلك تكاليف المبادرات الطبية من مرحلة نقل الجنين حتى الولادة. وتتم هذه الالتزامات على أساس الاتفاقية. وأما في ما يخص كيفيّة حياة الجنين فيجب عليهما إعداد وسائل الراحة واطمئنان حياة صاحبة الرحم في دورة الحمل بالحد الأدنى.
4ـ1ـ 2ـ حقوق الزوجين عند صاحبة الرحم
إزاء تـنفيذ هذه الالتزامات يحق للزوجين زيارة صاحبة الرحم، ومراقبتها، والإشراف على كيفيّة حياتها ونشاطاتها، وكذلك الرقابة على تـنفيذ الوصايا والرعاية الطبية التي تقوم بها صاحبة الرحم.
4ـ1ـ 3ـ التزامات صاحبة الرحم تجاه الزوجين
تلتزم صاحبة الرحم أمام الزوجين بتربية جنينهما. والتزامها الأول حفظ جنين صاحبي النطفة، ولا تستطيع إجهاضه دون عذر مقبول. ولكن على أساس هذه الاتفاقية تلتزم صاحبة الرحم تـنفيذ عمل يرتبط بالموضوعات الكثيرة. ولتربية الجنين يجب بداية أن يتم الحمل كما سبق في مسألة قدرة موضوع الصفقة، وأهم شيء في حصول الحمل هو وضع الخلايا.
فوضع الخلايا دورة يجب أن تتم بصورة طبيعيّة. ولأنَّه في هذا الأسلوب يجري تكوين الجنين في المختبر فكل من المبادرات التي يقام بها ذات أهميّة؛ لأنَّ تكوين الجنين قبل وضع الخلايا يتعلق بأنظمة مرتبطة ومتزامنة كثيرة، فيجب تـنشيط كل منها في الزمن المناسب عند تكوين الجنين، وتبدأ دورات من الموضوعات المبرمجة الدقيقة في غمتوجينز، وتستمر حتى الولادة.
إن تكون كلّ إنسان جديد يحتاج لدورة طويلة ومعقدة، ويمكن إخفاقها في أيّة مرحلة. وتتم كلّ مرحلة بصورة صحيحة عندما تكمل جميع المراحل السابقة بصورة صحيحة، فعلى هذا كلّ دورة في هذا النظام تؤدّي دوراً أساسياً([45]).
باستثناء مسألة وضع الخلايا فإنَّ إجهاض الجنين تلقائياً مشكلة يواجهها التزام صاحبة الرحم.
و كذلك عمر الإسپرم والبويضة له دور مباشر في الإجهاض التلقائي. والظروف بالحد الأدنى من الحالة المطلوبة في ساحة الرحم ذات أهميّة في المراحل الأولى من وضع الخلايا وتغذية الجنين وتستطيع هلاك الجنين([46]).
وعلى هذا الأساس تلتزم صاحبة الرحم إزاء التزام الزوجين المالي بتـنفيذ أعمال خارجة عن قدرتها، بل ترتبط بمبادرات وموضوعات مختلفة بإمكان كلّ منها المنع من تـنفيذ التزامات صاحبة الرحم؛ حيث تعين هذه الموضوعات برؤية الطبيب وتمييزه، ولكن النقطة الأساسية هي أنَّ صاحبة الرحم تلتزم على أساس الاتفاقية فتحتاج لرفع المسؤولية عنها إلى إثبات هذه الموارد.
و هذا الشيء هو أحد أهم مواضيع هذه الاتفاقية. ومن الطبيعي أنَّ صاحبة الرحم غير مطلعة على هذه المسائل بصورة كاملة. وعلى هذا يكون الالتزام بمواضيع كهذه إزاء الالتزام المالي سبباً لعدم الموازنة والتعادل بين التزام الطرفين.
الوجه الآخر لالتزام صاحبة الرحم يرتبط بأمور تـنفيذها أو عدم تـنفيذها شيء يطلبه الزوجان، فمثلاً: عدم التدخين، وعدم استعمال الكحول، و..، ويمكن أن تذكر هذه الموارد في الاتفاقية. ولأنَّ عدم تـنفيذها هذه الأعمال يعتبر من الموضوعات الأخلاقيّة فإنها إن ذكرت في الاتفاقية فلا تُلزم الطرف الآخر (صاحبة الرحم)، ولا يمكن إجباره، وكذلك إذا ذكرت في الاتفاقية تكاليف لا يرى العرف والأخلاق لزومها وفعلها فلا تلزم صاحبة الرحم بفعلها([47]).
4ـ 1ـ 4ـ حقوق صاحبة الرحم عند الزوجين
نظراً للالتزامات الماليّة للزوجين فإنَّ الحق الذي يظهر لصاحبة الرحم هو المطالبة بالتكاليف المعيّنة في الاتفاقية.
4ـ 2ـ حقوق الجنين والتزامات طرفي الاتفاقية تجاهه
منذ انعقاد النطفة وتكوين الجنين يعطي كلّ بلد ـ وإيران كذلك ـ حقوقاً للجنين تحت عنوان الحقوق المدنيّة. ومن أهمّ حقوق الجنين حق الحياة، وعلى هذا يحرم في نظام الإسلام الحقوقي إجهاض الجنين. وقد وضع لمرتكب هذه الجريمة ـ ولو كان الأب أو الأم ـ قصاص وعقوبات. فعلى أساس الاتفاقية يلتزم كلّ من الطرفين بحفظ الجنين أيضاً منذ انعقاد النطفة؛ لأنَّ للجنين له حق الحياة، فليس للأبوين سلطة عليه أساساً([48])، وليس بإمكانهما إجبار صاحبة الرحم على الإجهاض. وصاحبة الرحم ـ وفقاً للشريعة والأخلاق ـ ملزمة بحفظ الجنين([49]).
4ـ 3ـ بالنسبة لغير المتعاقدين
يقول القانون المدني في المادة 231: «الصفقات والعقود تؤثر على طرفي الصفقة ونائبهما القانوني، إلاّ في المادة 196»([50]).
والنائب القانوني هو الذي ينوب عن الشخص الأصلي في الحقوق والالتزامات([51]).
إن اتفاقية استخدام رحم المرأة طابع شخصي، وقد انعقدت مع ملاحظة طرف المعاملة، وتـنسخ بموته، ولكن لأنَّ قسماً من حقوق صاحبة الرحم يعتبر مالياً فالحقوق الماليّة التي توجد إثر الاتفاقية يقوم بها الورثة نيابة عن الطرف الأصلي، أما الالتزامات التي يجب تـنفيذها بواسطة صاحبة الرحم نفسها فلا تـنقل إلى نائبه القانوني.
4ـ 4ـ استناد اتفاقية استخدام رحم المرأة لغير المتعاقدين
أهم الأشخاص الذين يمكن أن تستـند إليهم اتفاقية استخدام رحم المرأة هم: زوج صاحبة الرحم؛ والأشخاص الذين هم من محارم الطفل المولود.
أ) استناد الاتفاقية لزوج صاحبة الرحم
إذا كانت صاحبة الرحم متزوجة فلابد لهذه الاتفاقية من نفي العلاقة الأبويّة بين الطفل وزوج صاحبة الرحم.
ب) محارم الطفل المولود
بلحاظ العلاقة بين صاحبة الرحم والطفل المولود ينقسم الفقهاء الذين يجوزون عقد هذه الاتفاقية شرعيّاً إلى عدة فئات: فمنهم من يعتبر أنَّ صاحبة الرحم هي أمّ الطفل([52])؛ ويصرّح آخرون بأنَّ صاحبة البويضة هي أمّ الطفل([53])؛ ويعتقد فريق ثالث أنَّ للطفل أمّين([54])؛ ويؤكد قسم رابع على أنّ نتائج وآثار الرضاع توجد بينهما([55]).
و لكنّ جميع الفقهاء الذين يجيزون الاتفاقية متّفقون على مسألة واحدة، وهي موضوع رابطة المحارم التي توجد بين صاحبة الرحم والطفل، وعلى أساس ذلك فالطفل يُمنع من الزواج من محارم صاحبة الرحم.
5ـ أثر نقل الجنين في النسب
العلاقة النسبية تعين على أساس القانون بصورة عامة، ولا تؤثر فيها إرادة الأشخاص، وعلى هذا الأساس فإن علاقة صاحبة الرحم والطفل تتبع القانون لا الاتفاقية([56]). ومن هذا المنطلق سواء اعتبرنا الاتفاقية أم لم نعتبرها يجب دراسة مدى تأثير نقل الجنين في العلاقة النسبية بين الأشخاص ذوي العلاقة وفقاً للموازين القانونيّة والشرعيّة؟ وبعبارة أخرى: إنَّ الاتفاقيّة ليس لها دور في تعيين النسب، ولتعيينه يجب الرجوع إلى الموازين القانونيّة ذات العلاقة([57]).
5ـ 1ـ مفهوم النسب
النسب لغة بمعنى القرابة والأصل، وفي المصطلح الحقوقي هو عبارة عن علاقة القرابة بين الشخصين اللذين أحدهما من أصل الآخر، أو كلاهما من أصل شخص ثالث. وبعبارة أخرى: النسب علاقة بين الشخصين بحيث يحدث بسبب ولادة أحدهما من الآخر أو ولادتهما من شخص ثالث.
و النسب بالمعنى الخاصّ عبارة عن علاقة الأب وابنه، أو الأم وابنها. وبتعبير آخر: النسب علاقة طبيعيّة ودموية بين الشخصين بأنَّ أحدهما ولد من صلب أو بطن شخص آخر بصورة مباشرة([58]).
5ـ 2ـ تعيين النسب الأمومي
إثبات النسب ذو أهميّة بالغة؛ إذ يقول سبحانه وتعالى في سورة الفرقان، آية 54: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً}. فبالنسب يفتخر الأبناء بآبائهم وأجدادهم، ومن هنا اهتمت الشريعة الاسلاميّة بمعرفة النسب كثيراً، والحق الأول الذي جُعل للطفل بعد الولادة هو تعيين نسبه([59]).
والذي يسبب انتساب الطفل لأبويه العلاقة الزوجيّة بينهما، أو الاعتقاد بوجود هذه العلاقة([60])، ففي هذه العلاقة النسب الأبوي للطفل معلوم، وأما تعيين النسب الأمومي؛ لأنَّ الطفل يرتبط بامرأتين (صاحبة الرحم وصاحبة البويضة) في العلاقة التكوينيّة، فيختلف الفقهاء فيه؛ حيث يؤكد بعضهم([61])، وعلى رأسهم السيد الخوئي، مستـنداً إلى الآية 2 من سورة المجادلة: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاّ اللائِي وَلَدْنَهُمْ…}، وكذلك الآيات الآخرى (الأحقاف: 15؛ لقمان: 14؛ الزمر: 6)، أنَّ أم الشخص هي المرأة التي حملته وولدته، ويعتبرون الوضع أساس الأمومة، ويعتقدون أنَّ صاحبة الرحم هي الأم؛ ويستدلّ بعض آخر من الفقهاء بأنَّ ملاك الأمومة من منطلق العرف كملاك الأبوة، والمرحلة الأولى في تكوين الطفل تتمّ عبر ماء الأمّ([62]).
وعليه عندما نتصور أنَّ نطفة هذا الطفل ـ التي تكوِّن بدء حياته والجزء الأول من وجوده ـ تكونت من تلقيح ماءين، ويعتبر هذا التكوين الأوّل أول مرحلة في إنشاء الطفل. ولأنَّ المرحلة الأولى في تكوين الطفل تتم بواسطة مني وبويضة الزوجين فصاحبة البويضة تعتبر أماً.
و لكنّ عدداً من الفقهاء([63]) والقانونيين([64])، بعد قبولهم هذه الحقيقة، وهي أنَّ المرأة في التـناسل تؤدّي دورين (دور البويضة ودور الرحم)، والنقص أو الخلل في أحدهما يمنع التـناسل، سعوا إلى إبراز الأدلة العقليّة والنقليّة على هذا الرأي، وهو أنَّه يمكن حصول علاقة طبيعيّة للطفل مع امرأتين. وفي ظروف خاصة تستطيع كلٌّ منهما أن تعتبر الأم القانونيّة للطفل، ويكون للطفل أمّان في الاصطلاح.
من دراسة هذه النظريات يمكن استـنتاج أنَّ كلاًّ من صاحبة الرحم وصاحبة البويضة تعتبر أمّاً، ويؤخذ رأي القائلين بأمّين للطفل ملاكاً لهذا الاستـنتاج.
5ـ 3ـ إثبات النسب الأمومي
في قانون إيران المدني لا توجد موازين خاصّة لإثبات النسب الأمومي، وقواعد تتبع الأحكام العامة لأدلّة إثبات الدعوى. فالنسب الأمومي على أساس الأمور المحسوسة والمشهودة يمكن إثباته ويرتبط بعاملين:
1ـ وضع المرأة للطفل؛ 2ـ تطابق الطفل المولود مع مُدّعي النسب.
و ليس أي من هذين العاملين في عداد الأعمال الحقوقيّة حتى تُعَدّ أدلّة إثباته. فالحمل والوضع يعتبران كحوادث خارجيّة، مثل: الولادة، والموت، واصطدام السيارتين، وبأيّ دليل كان، كالشهادة والأمارة، يمكن إثباته أيضاً([65]).
ولإثبات النسب الأمومي يكفي إثبات وضعها للطفل، فولادة الطفل من الأم دليل قاطع يثبت أنَّ المرأة التي وضعت الطفل من الناحيّة البايولوجيّة والقانونيّة هي أم الطفل الحقيقية، ويعتبر القانون هذه المرأة أم الطفل.
و الآيات القرآنيّة تعتبر الوضع ملاكاً ومعياراً للأمومة بشكل أساسي؛ إذ يقول سبحانه وتعالى في الآية 2 من سورة المجادلة: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاّ اللائِي وَلَدْنَهُمْ…}. ويستفاد من هذه الآية أنَّ النساء اللاتي يلدن هن الأمّهات، سواء أُخِذت البويضة منهن أم لم تؤخذ، وخاصة أنَّ الآية تذكر هذا المفهوم بأداة الحصر([66]).
و السؤال هو هل يعتبر العرف تكوين الإنسان من إسپرم الزوج وبويضة الزوجة مبدأ اعتبارياً للعلاقة النسبيّة، أو يعتبر تربية الجنين في رحم المرأة وولادته منها، أو يعتبرهما معاً؟ يعتقد البعض أنَّ كلا الأمرين واقعيان، والموضوع بذاته يمكن أن يكون مبدأ الاعتبار([67]).
6ـ النتيجة
اتفاقية استعمال رحم المرأة هي عقد توافق امرأة بموجبه أن تحمل جنين زوجين عاقرين أو غير عاقرين، وبعد الولادة تعطيه لهما.
يمكن أن تكون الاتفاقية تجاريّة أو غير تجاريّة. وفي الاتفاقية التجارية يدفع الزوجان ثمناً إزاء خدمات صاحبة الرحم، وهذا الثمن يعتبر عوضاً عن التزامات صاحبة الرحم.
و يعتقد كثير من الفقهاء بجواز أخذ أجرة في مقابل هذا العمل.
تـنعقد هذه الاتفاقية بإرادتين (إرادة الزوجين؛ وإرادة صاحبة الرحم). والهدف من الموافقة إقامة الالتزام للطرفين. وإضافة إلى الشروط العامة التي تحملها الاتفاقيات (المذكورة في مادة 190 من القانون المدني) يجب أن تحمل الاتفاقية الشروط الخاصة أيضاً. وبما أنه في اتفاقية استخدام رحم المرأة ينقل عدد من الأجنة إلى رحم المرأة، وليس بمعلوم كم منها ينتهي إلى الحبل، فإن تعيين الشيء المتفق عليه في الالتزام غير معلوم بصورة دقيقة. إن التزام صاحبة الرحم يعني تربية الجنين، والالتزام بالحمل يسبق الالتزام بتربية الجنين، ولأنَّ الحمل يتم بصورة طبيعيّة يخرج الحمل من قدرة صاحبة الرحم.
ترتبط شرعيّة هذه الاتفاقية بشرعيّة موضوعي (التلقيح الصناعي) و(نقل الجنين)، والقانون الإيراني لايمنع من ذلك، ولكنْ لأنَّ الجنين ينقل إلى رحم امرأة أخرى غير الزوجة يجب تعيين شرعيّة هذا العمل أيضاً. وتختلف آراء فقهاء الإماميّة المعاصرين في جواز وصحة هذه الاتفاقية؛ فيجوِّز عدد منهم استخدام رحم امرأة أخرى، ويرون هذه الاتفاقية صحيحة؛ ويحرِّم عدد آخر هذا العمل، ويؤكدون على عدم صحة الاتفاقية. وتختلف آراء قانونيي إيران حول هذا الموضوع أيضاً؛ ويصرح بعضهم بصحّتها؛ ويبطلها جمع آخر؛ لأنَّها تخالف العرف والنظام العام. وبسبب الترديد في معلوميّة ومقدرة وشرعيّة موضوع الصفقة، والقدرة عليه، بإمكاننا أيضاً إبطال الاعتبار القانوني للاتفاقية. وفي فرض صحة الاتفاقية ـ وفقاً لرأي الفقهاء الذين يجوِّزون تـنفيذ هذا العمل ـ فتبعات هذه الاتفاقية لا يمكن تعيينها على أساس إرادة الطرفين، ولكنّ بعض الآثار والتبعات تفرض نفسها عليها، وأهمها: القرابة؛ والنسب، اللذان يحصلان بصورة لا إراديّة إثر نقل الجنين.
وعليه يكون النسب الأبوي للطفل المولود ثابتاً بلاشك؛ وأما النسب الأمومي فتختلف الآراء في تعيينه؛ لأنَّ الطفل يرتبط تكوينياً بامرأتين (صاحبة البويضة؛ وصاحبة الرحم)؛ فبعض من الفقهاء يعتبرون صاحبة البويضة أُمّاً؛ ويعتقد بعض آخر أنَّ صاحبة الرحم هي أمّ الطفل، ويصرّح عدة آخرون أنَّ للطفل أُمَّين.
الهوامش
(*) أستاذة مساعدة في قسم الفقه ومبادئ القانون الإسلامي، في جامعة الزهراء÷.
([1]) ديجرني وبرنول، كارنت زنان (بيماريهاي زنان).
([2]) مجوزي، «حاملان أميد»، جريدة شرق، رقم 129.
([3]) إجاره رحم، نشريه زنان، رقم 87، السنة 11.
([4]) هاربر ودلهانتي وهندي سايد، تشخيص ژنتيكي، رويان بيش از لانه كزيني.
([7]) صادق مجلس الشورى الإسلامي على هذا القانون بتاريخ 29/4/1382هـ ش، وأقرّ عليه مجلس صيانة الدستور بتاريخ 8/5/1382هـ ش.
([8]) نايب زاده، بررسى تكنيك هاى بارورى مصنوعى از ديدگاه فقهى وحقوقى.
([9]) (ART) فن آورى بارورى ياد شده.
([10]) نايب زاده، المصدر السابق.
([12]). Surrogate mother contract
([17]) The Legalregation of surrogate motherhood.
([18]) نظراً إلى أنَّه تصدر شهادة الولادة في المستشفي باسم المرأة التي ولدت، وتعتبر هذه الشهادة أساس إصدار الجنسية، فإن إصدار شهادة الولادة باسم صاحبة الرحم يوجد مشكلة، ولمنعها ينسق الأطبّاء المسؤولون في مؤسسة العقر مع المستشفى التي تقع فيها الولادة حتى تصدر شهادة الولادة باسم الزوجين العاقرين.
([19]) كلتوزيان، قواعد عمومى قراردادها.
([20]) موضوع الصفقة يجب أن يكون واضحاً إلا في الموارد الخاصّة التي تكفي لتعيينها المعرفة الإجماليّة.
([21]) كاتوزيان، المصدر السابق.
([22]) كاتوزيان، المصدر السابق.
([23]) كاتوزيان، المصدر السابق.
([24]) مادة 507، 518، 543، 546، 561، 648 و734 من القانون المدني.
([25]) قاسم زاده، نظرية جواز تعيين ضابطه مورد تعهد وتمليك شيوه هاى تعيين مورد تعهد وتمليك، مجلة مدرس، العدد 37.
([26]) ديجرني وبرنول، المصدر السابق، شوهم وجاكوبر، درمان ناباروري.
([27]) هاربر ودلهانتي وهندي سايد، المصدر السابق.
([28]) شوهم وجاكوبر، المصدر السابق.
([29]) شهيدي، تشكيل قراردادها وتعهدات.
([30]) صفايي، قواعد عمومي قراردادها.
([31]) شوهم وجاكوبر، المصدر السابق.
([32]) الشهيدي، المصدر السابق.
([34]) كاتوزيان، حقوق مدنى خانواده.
([35]) الشيخ تبريزي: «لا يجوز» (استفتاء رقم 453 بتاريخ 9/1/1384)؛ الشيخ بهجت (الاستفتاء بتاريخ أرديبهشت سنة 1384)؛ الشيخ فاضل اللنكراني (استفتاء رقم 52500 بتاريخ 7/ 2/ 1384).
([36]) الشيخ مؤمن (استفتاء بتاريخ 9/2/1384)؛ الشيخ صانعي (استفتاء رقم 12019 بتاريخ 30 / 1/1384)؛ السيد الخامئني (استفتاء رقم 6476)؛ الشيخ جناتي؛ الشيخ الأردبيلي (استفتاء رقم 21512 بتاريخ 25/1/1384)، الشيخ أحمدي فقيه اليزدي؛ السيد الروحاني (الاستفتاء بتاريخ 18 صفر 1424 القمرية)؛ الشيخ مكارم شيرازي (استفتاء رقم 9643 بتاريخ 14/1/1384)؛ الشيخ قبله إي؛ السيد موسوي بجنوردي (الاستفتاء بتاريخ 29/ 8/ 1384).
([37]) رضا نيا معلم، باروري هاى پزشكي از ديدگاه فقه وحقوق.
([38]) صادقي مقدم، باروردي مضاعي از ديدگاه حقوق إسلام، مجلة مورس.
([39]) الشيخ منتظري (استفتاء رقم 4630 بتاريخ 15/1/1384).
([40]) رضا نيا معلم، المصدر السابق.
([42]) كاتوزيان، 1384، المصدر السابق.
([44]) كاتوزيان، قواعد عمومى قراردادها.
([45]) هاربر ودلهانتي وهندي سايد، المصدر السابق.
([46]) سماك، بررسى سيتوژنتيكي جنينهاى چند سلولي در IVF.
([47]) كاتوزيان، المصدر السابق.
([48]) يزدانيان، قرارداد پيوند اعضاء از اخلاق تا حقوق.
([50]) في المادة 196 من القانون المدني تصرح: كلّ شخص يقوم بصفقة تعتبر تلك الصفقة لذاته، إلاّ أن يصرح في زمن العقد بخلاف ذلك أو ثبت خلافه في ما بعد، ومع ذلك يمكن عند الصفقة التي يقوم بها الإنسان أن يذكر التزاماً لمنفعة شخص ثالث.
([52]) السيد روحاني (الاستفتاء بتاريخ 18 صفر 1424)؛ الشيخ التبريزي (استفتاء رقم 453 بتاريخ 30/1/1384)؛ السيد موسوي الأردبيلي (استفتاء رقم 21512 بتاريخ 25/1/1384)
([53]) الشيخ صافي الگلپايكاني (استفتاء رقم 83/2991)؛ الشيخ منتظري (استفتاء رقم 9643 بتاريخ 14/1/1384)؛ الشيخ صانعي (استفتاء رقم 12109 بتاريخ 30/1/1384) الشيخ جناتي، الشيخ قبله اي.
([54]) السيد موسوي أردبيلي (استفتاء رقم 21512 بتاريخ 25/1/1384)
([55]) الشيخ جناتي؛ الشيخ أحمدي فقيه اليزدي (رسالة بتاريخ 14/4/1384)؛ الشيخ صانعي (استفتاء رقم 12109 بتاريخ 30/1/1384 بالرضاعة تظهر ظروف الرضاع.
([56]) كاتوزيان، المصدر السابق.
([57]) لمزيد من المعلومات تراجع: رسالة الدكتوراه للسيد طه مرقاتي، جامعة فردوسي مشهد؛ وأطروحة الماجستير لهاميرا رخشنده رو، جامعة الزهراء، قسم النسب.
([58]) صفايي، مختصر حقوق خانواده.
([59]) مرقاتي، بررسي تكنيك هاى بلرورى مصنوعى از ديدگاه فقهي وحقوقي.
([60]) كاتوزيان، حقوق مدنى خانواده.
([61]) السيد روحاني، الشيخ التبريزي، الشيخ الأراكي.
([62]) الشيخ مؤمن (استفتاء تاريخ 9/3/1384)؛ الشيخ قبله اي.
([63]) السيد الموسوي الأردبيلي (استفتاء رقم 512 بتاريخ 25/1/1384).
([64]) الدكتور محقق داماد، رسالة رقم 1750 بتاريخ 25/2/1384.
([65]) كاتوزيان، حقوق مدني خانواده.
([67]) قربان نيا، حكم تكويني ووضعي انتقال جنين تكون يافته از إسپرم وتخمك زن وشوهر، روش نوين توليد مثل انساني از ديدگاه فقه وحقوق.